عدد سكان سورية تجاوز الـ22 مليوناً
الرداوي: نسبـة النمو 2.39% سنوياً .
الحمدان: الزيادة السكانية تشكل ضغطاً على الموارد .
وغيرها من القضايا التي تدور في فلك التنمية الاقتصادية وما إلى ذلك من أسئلة حول تحقيق معادلة التوازن بين التنمية والنمو السكاني عند إعداد الخطط التنموية. ثمة من يعتقد أن النمو السكاني هذا جاء بشكل غير منسجم مع الخطط وغير منظم، لأنه يحدث بطريقة سريعة وعشوائية غير مرتبط بخطط وهو ما يؤثر في الضغط على موارد البلد كافة، ولاسيما أن هذه الزيادة متباينة (زمانياً ومكانياً) ومن ثم فإن نسبة الضرر الذي تحدثه يكون تبعاً لاختلاف الظروف التي حدثت فيها، وبما أن الظروف الحالية ملأى بالأزمات المالية، وكذلك الجفاف.. وغيرها من الظروف فإن هذه الزيادة حتماً ستشكل ضغطاً على الموارد ما يعني أن هناك نمواً سكانياً أسرع من النمو الاقتصادي.
إذا استطعنا تلبية الطلب«الاقتصادية» سألت رئيس هيئة تخطيط الدولة الدكتور تيسير الرداوي حول هذا الرقم وأثره على النمو فقال:
نحن لدينا نسبة نمو 2.39% سنوياً، معتبراً أن رقم 22 مليوناً ليس دقيقاً وبالمجمل فإن النمو السكاني لا يأتي دائماً سلبياً، فالنمو السكاني له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد والخدمات والتعليم وأيضاً يساهم في زيادة الطلب الكلي على السلع والبضائع (الاستهلاك.. في كل ذلك يكون النمو السكاني إيجابياً إذا ما استطاع الاقتصاد تلبية هذا الطلب، وهذا يعني أن الاقتصاد يعمل بشكل جيد، ومن ثم فإن للنمو السكاني أثراً فاعلاً وإيجابياً.
أما إذا لم يستطع الاقتصاد زيادة الإنتاج فهذا يعني أن النمو السكاني سلبي.
تدخل سريع
من جهة أخرى يرى الباحث والدكتور سهيل الحمدان أن المشكلة السكانية تعد من أهم المشكلات التي تتطلب تدخلاً سريعاً ومتوازناً لمواجهة الارتفاع المطّرد في أعداد السكان، وزيادة متطلباتهم مقابل الموارد المحدودة، والاستغلال غير الرشيد لها. إن الاختلالات السكانية التي ظهرت مؤخراً وبشكل واضح على المستويين الوطني (الكلي) والمحلي (الجزئي)، تعقدت لتصبح مشكلات مركبة على المستوى القومي.
تغيرات ديموغرافية
إن الزيادات السكانية الكبيرة في العقود الأربعة الماضية ارتبطت بتغيرات ديمغرافية نوعية غيّرت من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والخدمية للسكان في سورية، فقد ارتفع عدد السكان من 4.565 ملايين نسمة عام 1960 إلى 13.782 مليون نسمة في عام 1994، ثم إلى 17.921 مليون نسمة عام 2004 (بحسب نتائج التعدادات السكانية للسكان الموجودين في سورية عام 2004)، أي إن عدد السكان تضاعف كل 10 سنوات تقريباً، ووصل عدد السكان في سورية في 1/1/2008 إلى 19.405 مليون نسمة بحسب نتائج التعدادات السكانية، في حين يقدر عدد السكان في سورية بحسب سجلات الأحوال المدنية في التاريخ نفسه بنحو 22.331 مليون نسمة - ويعزى الفرق بين هذين الرقمين إلى أن التعدادات السكانية تشمل المقيمين في سورية، في حين أن سجلات الأحوال المدنية تشمل أعداد السكان المقيمين في سورية والمغتربين خارجها، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان (بعد أيام) في 31/12/2008 إلى 19.880 نسمة حسب نتائج التعدادات السكانية.
السنوات عدد السكان حسب نتائج التعدادات السكانية ( منتصف العام ) عدد السكان حسب سجلات الأحوال المدنية
1960 4.565 -
1970 6.305 -
1981 9.046 -
1994 13.782 -
2004 17.921 19.936
2005 18.269 20.479
2006 18.717 21.061
2007 19.172 21.660
2008 19.644 22.331
عدد السكان الموجودين في الجمهورية العربية السورية في الفترة بين 1960– 2008 (بالألوف)
النمو السكاني المرتفع استهلك النمو الاقتصادي
ويقول الدكتور الحمدان: يلاحظ أن وتيرة معدل النمو السكاني السريع والبالغ وسطياً (3.01%) خلال العقود السابقة بدأت تخف وتيرته خلال العقود الأخيرة ليصبح ( 2.45% ) في العقد الأخير للأعوام 1994-2004 بسبب الانخفاض الكبير في معدلات الوفيات مع بقاء معدلات الخصوبة العالية على حالها (والتي بدأت أيضاً تنخفض قليلاً في العقود الأخيرة) فضلاً عن تحسن المستوى الصحي والمعيشي للمواطنين، وكذلك تحسن مستوى التعليم، وارتفاع عدد سنوات التمدرس، إلا أن هذه الزيادات السكانية كانت سبباً في اختلالات عديدة وخاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي، أو عدم مواكبة النمو الاقتصادي للنمو السكاني، بل إن النمو السكاني المرتفع استهلك النمو الاقتصادي الذي حصل خلال الفترة نفسها، وشكّل ضغطاً على ميزانيات التعليم والصحة بسبب دخول أعداد كبيرة من الأطفال إلى المدارس والعمل على تأمين احتياجاتهم المتزايدة، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة وتزايد معدلات الفقر، إضافة إلى انتشار التجمعات العشوائية والمناطق الهامشية، والتوسع السكني على حساب الأراضي الزراعية، والتحديات البيئية المتزايدة والمتمثلة في استنزاف الموارد الطبيعية (الماء والغذاء والطاقة) والضغط عليها. وهذا بدوره أدّى إلى عدم التوازن في الكثافة السكانية الفعلية (المعمورة) البالغة 290 نسمة/كم2، والتي هي أعلى من الكثافة السكانية الفعلية في الصين والبالغة 235 نسمة/كم2، ولكنها أقل من الكثافة السكانية الفعلية في مصر البالغة 1670 نسمة/ كم2. في حين بلغت الكثافة السكانية الحسابية ( الظاهرية ) في سورية نحو 107 نسمة /كم2، وهي أقل من الصين التي بلغت 140 نسمة/كم2.
إن هذا الوضع المتمثل في تزايد عدد السكان، ومحدودية الموارد والنمو الاقتصادي غير الكافي؛ يحتاج إلى إدماج العامل السكاني في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار إستراتيجية سكانية تتوافق مع أهداف الألفية الثالثة للتنمية البشرية والمستدامة، من أجل إعادة التوازن بينهما وحل المشكلة.
رؤية مستقبلية
إن الإستراتيجية السكانية التي سعت الخطة الخمسية العاشرة إلى تحقيقها، وكذلك التقرير الوطني الاستشرافي لمشروع سورية عام 2025 يهدفان إلى الوصول بالمجتمع السوري إلى مستوى متميز تتوازن فيه الموارد الاقتصادية والاجتماعية مع الزيادات السكانية السنوية، والذي يتوقع أن يصل فيه عدد سكان سورية عام 2025 إلى 28.500 مليون نسمة وبمعدل نمو وسطي للسكان يبلغ 1.94% خلال العشرين سنة القادمة، من خلال تخفيض معدل النمو وتبني مفهوم الأسرة الصغيرة والتشجيع عليها، وذلك بتخفيض معدلات وفيات الأطفال الرضع والأمهات، وتمكين المرأة وإدماجها في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين خدمات الصحة الإنجابية في الأرياف والمدن، ورفع المستوى التعليمي للسكان الذي سيخفض معدلات الخصوبة ويقلل من معدلات النمو السكاني.
ومن ثم فإن ارتفاع عدد السكان بشكل غير منضبط، وبتوزع مشوه مدينياً وريفياً في ظل الموارد المتناقصة؛ يرسم صورة قاتمة لمستقبل الأجيال القادمة التي ستُحرم من أي موارد تسد احتياجاتها الأساسية من الماء الذي سيتسم بالندرة خلال العقدين القادمين، وانخفاض حصة الفرد منه إلى ما دون خط الفقر المائي المدقع، والغذاء الذي بدأت تتقلص أراضيه الزراعية، وكذلك الطاقة النفطية.
رأس المال البشري
ويرى الدكتور الحمدان أن الإدارة الرشيدة للموارد، والنمو السكاني المنضبط، والانتقال من الندرة إلى الوفرة، ووقف الاختلالات والتشوهات الإسكانية، ومواجهة التحديات المرتبطة بالاحتياجات المتزايدة لهذه الأعداد السكانية الجديدة، وغيرها من المشكلات التي قد لا تكون ذات منشأ ديموغرافي، إلا أن لها آثاراً مباشرة وغير مباشرة على السكان، تتمثل في تكثيف الاستثمار في رأس المال البشري الذي فُرضت علينا أصوله وهو الإنسان، وتحويله من عنصر سلبي ومستهلك إلى عنصر إيجابي وفعّال، بل لا يمكن استغلال الموارد أو استثمارها بشكل رشيد إلا بالعنصر البشري المتعلم والمدرب.
كما أكد الباحث والدكتور الحمدان أن الحل الوحيد للخروج من المأزق، والوصول إلى مستويات عالية من التنمية البشرية التي بدورها ستتحول إلى رأس مال معرفي وتقـاني يزيد الإنتاجية، ويقلب الأوضاع في إطار التنمية المستدامة من وضعية الندرة إلى وضعية الكفاية والوفرة، هو في: تكثيف الاستثمار في رأس المال البشري والمعرفي عن طريق التعليم والتدريب وتحسين كفايتهما، وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك.
من جهته في مقابلة مع معاون وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتور عيسى ملدعون قال لـ«الاقتصادية»: ثمة تحليل متميز قدمه الأستاذ الدكتور إبراهيم العيسوي من خلال كتاب له نشر عام 2007، عالج فيه الأوضاع السكانية وعلاقتها بقضية التنمية استبعد فيه موضوع ضعف الأداء الاقتصادي والتنموي فهذا تشخيص خاطئ وينبغي استبعاده، ومن ثم حسب أحد الخبراء الهنود في أول مؤتمر عالمي للسكان عام 1974 قال: «إن التنمية أحسن وسيلة لخفض النسل».
وقال ملدعون: يؤكد العيسوي، أنه من خلال المقارنات الدولية يتضح بأن التنمية هي العامل الحاكم في التحول السكاني من معدلات النمو والخصوبة المرتفعة إلى معدلات النمو والخصوبة المنخفضة، وأن هذه النتيجة تستخلص من خبرات الدول الصناعية المتقدمة التي شهدت انخفاضات ملموسة في معدلات النمو السكاني، والخصوبة مع تسارع وتيرة تقدمها عن طريق التصنيع والتحضير، وارتقاء وضع المرأة، ومع امتداد منافع النمو الاقتصادي إلى الفئات الأفقر من السكان في صورة خدمات تعليمية وصحية ورعاية اجتماعية.. إلخ.
تشابكات معقدة
وأضاف ملدعون: إلا أن هذه المعدلات المنخفضة للخصوبة «حسب الدكتور العيسوي» ومعدلات نمو السكان لم تعد مصدراً لسرور وابتهاج الدول المتقدمة، بل أصبحت مصدر قلق.
ومن ثم فالمهم الانتباه إلى أن العلاقة بين التنمية والسكان لا تسير باتجاه واحد، فثمة علاقات متبادلة وتشابكات معقدة في الاتجاهين من التنمية إلى السكان ومن السكان إلى التنمية.
منحة ديموغرافية
وأكد ملدعون أنه انطلاقاً من رؤية تفاؤلية للقضية السكانية، لا بد من إظهار ما يسمى «المنحة الديموغرافية» أو «النافذة الديموغرافية» وعلاقتها بفرص التنمية.
ومن ثم فالأهم ليس في تخفيض معدل النمو في إجمالي عدد السكان، وإنما في تغيرات التركيب العمري للسكان، فالتحول من المعدلات المرتفعة للوفيات والخصوبة إلى معدلات منخفضة للوفيات أولاً، ثم الخصوبة بعد ذلك، فهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكان في سن العمل (15-64 سنة) بالنسبة لإجمالي عدد السكان، وذلك على حساب انخفاض نسبة المعولين من صغار السن وكبار السن معاً، وهذا ما يسمى «المنحة الديموغرافية» التي تشكّل فرص التنمية.
ورأى ملدعون أن سورية تمتلك هذه «المنحة الديموغرافية» التي لا بد من النظر إليها كفرصة تنموية وليس تحدياً للتنمية، ومن ثم ينبغي استثمارها بفاعلية، وخاصة أن هذه المنحة لا تدوم.
وأضاف ملدعون: مما سبق نستنتج أهمية تصحيح منهجية النظر إلى المسألة السكانية، حيث يتوضح خطأ الاعتقاد الشائع، ولاسيما على المستوى الرسمي، الذي يميل إلى تضخيم حجم المشكلة السكانية، ويميل للتشاؤم بشأن اتجاهات معدلات الزيادة السكانية في المستقبل، وإن هذه الرؤية تؤدي إلى ترتيب خاطئ للمشكلة السكانية على سلم أولويات السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
لهذه الأسباب حسب رؤية الدكتور ملدعون فإن القضية السكانية لا تنحصر بمجرد الزيادة العددية للسكان، بل تشكل أيضاً مسألتين على قدر عظيم من الأهمية، وذلك لعلاقتهما الوثيقة بالتنمية وهما مسألة التوزيع المكاني المتوازن للسكان، ومسألة الخصائص السكانية مثل التعليم، الصحة، القدرات الإنتاجية، النشاط الاقتصادي للسكان.
ويضيف ملدعون: أميل لتبني هذه الرؤية التفاؤلية للقضية السكانية، وهنا أطرح عدداً من التساؤلات حول المنهجية الرسمية للاقتراب من المسألة السكانية؟ وكيف نستثمر «المنحة الديموغرافية» السورية في التنمية؟ وأسئلة أخرى..
أخيراً
قضية السكان من القضايا الساخنة، كالعديد من القضايا الاقتصادية الداخلة في مرحلة الأزمات، ومن ثم لا بد من وضعها بالحسبان كأولوية، بحيث تندرج في سياق عمل مخطط متكامل لا بد أن تستوعبها الخطط التنموية لتفعيل وزيادة الإنتاج والموارد بحيث تتكيف المسألة السكانية مع الخطط التنموية.
إذا استطعنا تلبية الطلب«الاقتصادية» سألت رئيس هيئة تخطيط الدولة الدكتور تيسير الرداوي حول هذا الرقم وأثره على النمو فقال:
نحن لدينا نسبة نمو 2.39% سنوياً، معتبراً أن رقم 22 مليوناً ليس دقيقاً وبالمجمل فإن النمو السكاني لا يأتي دائماً سلبياً، فالنمو السكاني له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد والخدمات والتعليم وأيضاً يساهم في زيادة الطلب الكلي على السلع والبضائع (الاستهلاك.. في كل ذلك يكون النمو السكاني إيجابياً إذا ما استطاع الاقتصاد تلبية هذا الطلب، وهذا يعني أن الاقتصاد يعمل بشكل جيد، ومن ثم فإن للنمو السكاني أثراً فاعلاً وإيجابياً.
أما إذا لم يستطع الاقتصاد زيادة الإنتاج فهذا يعني أن النمو السكاني سلبي.
تدخل سريع
من جهة أخرى يرى الباحث والدكتور سهيل الحمدان أن المشكلة السكانية تعد من أهم المشكلات التي تتطلب تدخلاً سريعاً ومتوازناً لمواجهة الارتفاع المطّرد في أعداد السكان، وزيادة متطلباتهم مقابل الموارد المحدودة، والاستغلال غير الرشيد لها. إن الاختلالات السكانية التي ظهرت مؤخراً وبشكل واضح على المستويين الوطني (الكلي) والمحلي (الجزئي)، تعقدت لتصبح مشكلات مركبة على المستوى القومي.
تغيرات ديموغرافية
إن الزيادات السكانية الكبيرة في العقود الأربعة الماضية ارتبطت بتغيرات ديمغرافية نوعية غيّرت من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والخدمية للسكان في سورية، فقد ارتفع عدد السكان من 4.565 ملايين نسمة عام 1960 إلى 13.782 مليون نسمة في عام 1994، ثم إلى 17.921 مليون نسمة عام 2004 (بحسب نتائج التعدادات السكانية للسكان الموجودين في سورية عام 2004)، أي إن عدد السكان تضاعف كل 10 سنوات تقريباً، ووصل عدد السكان في سورية في 1/1/2008 إلى 19.405 مليون نسمة بحسب نتائج التعدادات السكانية، في حين يقدر عدد السكان في سورية بحسب سجلات الأحوال المدنية في التاريخ نفسه بنحو 22.331 مليون نسمة - ويعزى الفرق بين هذين الرقمين إلى أن التعدادات السكانية تشمل المقيمين في سورية، في حين أن سجلات الأحوال المدنية تشمل أعداد السكان المقيمين في سورية والمغتربين خارجها، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان (بعد أيام) في 31/12/2008 إلى 19.880 نسمة حسب نتائج التعدادات السكانية.
السنوات عدد السكان حسب نتائج التعدادات السكانية ( منتصف العام ) عدد السكان حسب سجلات الأحوال المدنية
1960 4.565 -
1970 6.305 -
1981 9.046 -
1994 13.782 -
2004 17.921 19.936
2005 18.269 20.479
2006 18.717 21.061
2007 19.172 21.660
2008 19.644 22.331
عدد السكان الموجودين في الجمهورية العربية السورية في الفترة بين 1960– 2008 (بالألوف)
النمو السكاني المرتفع استهلك النمو الاقتصادي
ويقول الدكتور الحمدان: يلاحظ أن وتيرة معدل النمو السكاني السريع والبالغ وسطياً (3.01%) خلال العقود السابقة بدأت تخف وتيرته خلال العقود الأخيرة ليصبح ( 2.45% ) في العقد الأخير للأعوام 1994-2004 بسبب الانخفاض الكبير في معدلات الوفيات مع بقاء معدلات الخصوبة العالية على حالها (والتي بدأت أيضاً تنخفض قليلاً في العقود الأخيرة) فضلاً عن تحسن المستوى الصحي والمعيشي للمواطنين، وكذلك تحسن مستوى التعليم، وارتفاع عدد سنوات التمدرس، إلا أن هذه الزيادات السكانية كانت سبباً في اختلالات عديدة وخاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي، أو عدم مواكبة النمو الاقتصادي للنمو السكاني، بل إن النمو السكاني المرتفع استهلك النمو الاقتصادي الذي حصل خلال الفترة نفسها، وشكّل ضغطاً على ميزانيات التعليم والصحة بسبب دخول أعداد كبيرة من الأطفال إلى المدارس والعمل على تأمين احتياجاتهم المتزايدة، فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة وتزايد معدلات الفقر، إضافة إلى انتشار التجمعات العشوائية والمناطق الهامشية، والتوسع السكني على حساب الأراضي الزراعية، والتحديات البيئية المتزايدة والمتمثلة في استنزاف الموارد الطبيعية (الماء والغذاء والطاقة) والضغط عليها. وهذا بدوره أدّى إلى عدم التوازن في الكثافة السكانية الفعلية (المعمورة) البالغة 290 نسمة/كم2، والتي هي أعلى من الكثافة السكانية الفعلية في الصين والبالغة 235 نسمة/كم2، ولكنها أقل من الكثافة السكانية الفعلية في مصر البالغة 1670 نسمة/ كم2. في حين بلغت الكثافة السكانية الحسابية ( الظاهرية ) في سورية نحو 107 نسمة /كم2، وهي أقل من الصين التي بلغت 140 نسمة/كم2.
إن هذا الوضع المتمثل في تزايد عدد السكان، ومحدودية الموارد والنمو الاقتصادي غير الكافي؛ يحتاج إلى إدماج العامل السكاني في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار إستراتيجية سكانية تتوافق مع أهداف الألفية الثالثة للتنمية البشرية والمستدامة، من أجل إعادة التوازن بينهما وحل المشكلة.
رؤية مستقبلية
إن الإستراتيجية السكانية التي سعت الخطة الخمسية العاشرة إلى تحقيقها، وكذلك التقرير الوطني الاستشرافي لمشروع سورية عام 2025 يهدفان إلى الوصول بالمجتمع السوري إلى مستوى متميز تتوازن فيه الموارد الاقتصادية والاجتماعية مع الزيادات السكانية السنوية، والذي يتوقع أن يصل فيه عدد سكان سورية عام 2025 إلى 28.500 مليون نسمة وبمعدل نمو وسطي للسكان يبلغ 1.94% خلال العشرين سنة القادمة، من خلال تخفيض معدل النمو وتبني مفهوم الأسرة الصغيرة والتشجيع عليها، وذلك بتخفيض معدلات وفيات الأطفال الرضع والأمهات، وتمكين المرأة وإدماجها في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين خدمات الصحة الإنجابية في الأرياف والمدن، ورفع المستوى التعليمي للسكان الذي سيخفض معدلات الخصوبة ويقلل من معدلات النمو السكاني.
ومن ثم فإن ارتفاع عدد السكان بشكل غير منضبط، وبتوزع مشوه مدينياً وريفياً في ظل الموارد المتناقصة؛ يرسم صورة قاتمة لمستقبل الأجيال القادمة التي ستُحرم من أي موارد تسد احتياجاتها الأساسية من الماء الذي سيتسم بالندرة خلال العقدين القادمين، وانخفاض حصة الفرد منه إلى ما دون خط الفقر المائي المدقع، والغذاء الذي بدأت تتقلص أراضيه الزراعية، وكذلك الطاقة النفطية.
رأس المال البشري
ويرى الدكتور الحمدان أن الإدارة الرشيدة للموارد، والنمو السكاني المنضبط، والانتقال من الندرة إلى الوفرة، ووقف الاختلالات والتشوهات الإسكانية، ومواجهة التحديات المرتبطة بالاحتياجات المتزايدة لهذه الأعداد السكانية الجديدة، وغيرها من المشكلات التي قد لا تكون ذات منشأ ديموغرافي، إلا أن لها آثاراً مباشرة وغير مباشرة على السكان، تتمثل في تكثيف الاستثمار في رأس المال البشري الذي فُرضت علينا أصوله وهو الإنسان، وتحويله من عنصر سلبي ومستهلك إلى عنصر إيجابي وفعّال، بل لا يمكن استغلال الموارد أو استثمارها بشكل رشيد إلا بالعنصر البشري المتعلم والمدرب.
كما أكد الباحث والدكتور الحمدان أن الحل الوحيد للخروج من المأزق، والوصول إلى مستويات عالية من التنمية البشرية التي بدورها ستتحول إلى رأس مال معرفي وتقـاني يزيد الإنتاجية، ويقلب الأوضاع في إطار التنمية المستدامة من وضعية الندرة إلى وضعية الكفاية والوفرة، هو في: تكثيف الاستثمار في رأس المال البشري والمعرفي عن طريق التعليم والتدريب وتحسين كفايتهما، وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك.
من جهته في مقابلة مع معاون وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتور عيسى ملدعون قال لـ«الاقتصادية»: ثمة تحليل متميز قدمه الأستاذ الدكتور إبراهيم العيسوي من خلال كتاب له نشر عام 2007، عالج فيه الأوضاع السكانية وعلاقتها بقضية التنمية استبعد فيه موضوع ضعف الأداء الاقتصادي والتنموي فهذا تشخيص خاطئ وينبغي استبعاده، ومن ثم حسب أحد الخبراء الهنود في أول مؤتمر عالمي للسكان عام 1974 قال: «إن التنمية أحسن وسيلة لخفض النسل».
وقال ملدعون: يؤكد العيسوي، أنه من خلال المقارنات الدولية يتضح بأن التنمية هي العامل الحاكم في التحول السكاني من معدلات النمو والخصوبة المرتفعة إلى معدلات النمو والخصوبة المنخفضة، وأن هذه النتيجة تستخلص من خبرات الدول الصناعية المتقدمة التي شهدت انخفاضات ملموسة في معدلات النمو السكاني، والخصوبة مع تسارع وتيرة تقدمها عن طريق التصنيع والتحضير، وارتقاء وضع المرأة، ومع امتداد منافع النمو الاقتصادي إلى الفئات الأفقر من السكان في صورة خدمات تعليمية وصحية ورعاية اجتماعية.. إلخ.
تشابكات معقدة
وأضاف ملدعون: إلا أن هذه المعدلات المنخفضة للخصوبة «حسب الدكتور العيسوي» ومعدلات نمو السكان لم تعد مصدراً لسرور وابتهاج الدول المتقدمة، بل أصبحت مصدر قلق.
ومن ثم فالمهم الانتباه إلى أن العلاقة بين التنمية والسكان لا تسير باتجاه واحد، فثمة علاقات متبادلة وتشابكات معقدة في الاتجاهين من التنمية إلى السكان ومن السكان إلى التنمية.
منحة ديموغرافية
وأكد ملدعون أنه انطلاقاً من رؤية تفاؤلية للقضية السكانية، لا بد من إظهار ما يسمى «المنحة الديموغرافية» أو «النافذة الديموغرافية» وعلاقتها بفرص التنمية.
ومن ثم فالأهم ليس في تخفيض معدل النمو في إجمالي عدد السكان، وإنما في تغيرات التركيب العمري للسكان، فالتحول من المعدلات المرتفعة للوفيات والخصوبة إلى معدلات منخفضة للوفيات أولاً، ثم الخصوبة بعد ذلك، فهذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكان في سن العمل (15-64 سنة) بالنسبة لإجمالي عدد السكان، وذلك على حساب انخفاض نسبة المعولين من صغار السن وكبار السن معاً، وهذا ما يسمى «المنحة الديموغرافية» التي تشكّل فرص التنمية.
ورأى ملدعون أن سورية تمتلك هذه «المنحة الديموغرافية» التي لا بد من النظر إليها كفرصة تنموية وليس تحدياً للتنمية، ومن ثم ينبغي استثمارها بفاعلية، وخاصة أن هذه المنحة لا تدوم.
وأضاف ملدعون: مما سبق نستنتج أهمية تصحيح منهجية النظر إلى المسألة السكانية، حيث يتوضح خطأ الاعتقاد الشائع، ولاسيما على المستوى الرسمي، الذي يميل إلى تضخيم حجم المشكلة السكانية، ويميل للتشاؤم بشأن اتجاهات معدلات الزيادة السكانية في المستقبل، وإن هذه الرؤية تؤدي إلى ترتيب خاطئ للمشكلة السكانية على سلم أولويات السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
لهذه الأسباب حسب رؤية الدكتور ملدعون فإن القضية السكانية لا تنحصر بمجرد الزيادة العددية للسكان، بل تشكل أيضاً مسألتين على قدر عظيم من الأهمية، وذلك لعلاقتهما الوثيقة بالتنمية وهما مسألة التوزيع المكاني المتوازن للسكان، ومسألة الخصائص السكانية مثل التعليم، الصحة، القدرات الإنتاجية، النشاط الاقتصادي للسكان.
ويضيف ملدعون: أميل لتبني هذه الرؤية التفاؤلية للقضية السكانية، وهنا أطرح عدداً من التساؤلات حول المنهجية الرسمية للاقتراب من المسألة السكانية؟ وكيف نستثمر «المنحة الديموغرافية» السورية في التنمية؟ وأسئلة أخرى..
أخيراً
قضية السكان من القضايا الساخنة، كالعديد من القضايا الاقتصادية الداخلة في مرحلة الأزمات، ومن ثم لا بد من وضعها بالحسبان كأولوية، بحيث تندرج في سياق عمل مخطط متكامل لا بد أن تستوعبها الخطط التنموية لتفعيل وزيادة الإنتاج والموارد بحيث تتكيف المسألة السكانية مع الخطط التنموية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق