التسميات

الأربعاء، 24 يوليو 2013

التخطيط والتنمية الاقليمية في سورية ودورهما في تحقيق التنمية المستدامة ...

التخطيط والتنمية الاقليمية في سورية ودورهما في تحقيق التنمية المستدامة 

صحيفة تشرين - د. رامي زيدان :  يحظى التخطيط الاقليمي والتنمية الاقليمية باهتمام الكثير من الباحثين والاقتصاديين والسياسيين على حد سواء، وذلك لما لهذا الموضوع من اهمية قصوى ليس على الاقتصاد فحسب.‏ 

     وإنما على المجتمع والافراد والمدن والريف والتلوث والهجرة والبطالة وتحسين مستوى المعيشة والأمن تبدو اهمية الموضوع الاقتصادي بشقه الاقليمي للاقتصاد السوري نظرا لوجود خلل في التنمية بين اقاليم القطر وخلل بين المحافظات وبين المدن و الريف، وهذا ما يمكن ان يفرز بدوره خللاً في الانتشار السكاني وما لذلك من تداعيات سلبية لاحقة كالخلل في توزيع الموارد والدخول والهجرة الى المدن الكبرى وتخريب البيئة والتلوث البيئي والتلوث بالضجيج.. الخ، حيث يلاحظ ان هناك تمركزاً رأسياً في المدن الكبرى مما يقود الى تشويه التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، وهذا الامر يمكن ان يؤدي الى نتائج بالغة السوء على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، اذ ان عدم التوازن في عملية توزيع المشاريع والبرامج التنموية بين الاقاليم وبين الريف والحضر بشكل عام، قد تدفع بالكثير من سكان الاطراف الى الهجرة الى مناطق ومدن المركز بحثاً عن العمل وتحسيناً لمستوى المعيشة مما يؤدي الى تفاقم المشاكل الاجتماعية التي تنتج عن وجود الكثافة السكانية في تلك المناطق، وتكدسهم في احياء تنعدم فيها الشروط المناسبة للحياة الصحية واللائقة. فالعملية غير المتوازنة في توزيع مشاريع التنمية (الاقتصادية والاجتماعي والتعليمية) بين مدن ومناطق المركز والاطراف سوف تؤدي الى انعدام فرص العمل او محدوديتها في الاطراف، ومن ثم زيادة عدد المتعطلين عن العمل فيها، وهذا ما قد يؤدي بدوره الى ظهور مشكلات مجتمعية عديدة. ‏

   وعموماً لو عدنا الى المجموعات الاحصائية السورية وحسبنا معدل الزيادة السنوي الوسطي للمتعطلين في الريف خلال الفترة (1978 حتى 2002) فاننا نجده يساوي 9.23% اما معدل الزيادة السنوي الوسطي للمتعطلين في الحضر فسوف نجده يساوي 7.55% وكما نلاحظ فان معدل زيادة المتعطلين في الريف اكبر منه في الحضر. ومن المجموعات الاحصائية ايضا وبحساب معدل الزيادة السنوية للمشتغلين في الريف خلال الفترة الآنفة الذكر فاننا نجده يساوي 3.79% في حين كان معدل الزيادة السنوي الوسطي للمشتغلين في الحضر 3.98% لذا نستنتج ان البطالة متفشية في الريف على نحو اكبر من الحضر، وهذا ما يعكس ازمة تنمية في الريف السوري، حيث قاد هذا الوضع الى حدوث هجرات ريفية واسعة الى المدن، مما اسهم في تضخم المدن الكبرى عمرانياً وديمغرافياً، ناهيك عن تفاقم مشكلة التلوث والتلوث بالضجيج. وهنا يأتي تفعيل آلية العمل الاقليمي ليساهم في التخفيف من البطالة المتفاقمة في الريف ومن حدة الهجرة الداخلية. وبهذا الصدد نشير الى الاهمية البالغة للمشاريع الصغيرة في تحسين التنمية الاقليمية، وذلك بالنظر الى انها تتميز بكونها ذات قدرة واسعة على الانتشار الجغرافي، وحاجتها الى بنية تحتية اقل مما هو عليه بالنسبة للمشاريع الكبيرة، ناهيك عن انها تتطلب توظيف رؤوس اموال صغيرة وهو ما يلائم قاعدة عريضة جداً من السكان وخاصة في مناطق الريف.‏‏ ‏

   ان ازدياد النشاط الاقتصادي في منطقة معينة لا تؤدي فقط الى اقامة المدن، بل الى زيادة حجمها وتوسعها نتيجة ميل النشاط الاقتصادي الى التركز في مناطق معينة، وهو مايؤدي بدوره الى التفاوت في مستويات الدخل والمعيشة بين سكان المناطق الحضرية من جهة والمناطق الريفية من جهة اخرى، وهو ما يمكن ان يخلق ثنائية واضحة في الاقتصاد اي وجود نشاط متقدم يتركز في مناطق حضرية محدودة، ونشاطاً يتسم بالنمو البطيء والعائد المنخفض بالنسبة للفرد وخاصة في الريف. وبهذا الصدد يرى العديد من الاقتصاديين مثل لويس lewis ان اختزال الحيز الاقتصادي في مراكز محدودة يعني التباين الشديد في المستوى التنموي بين الاقاليم المختلفة للدولة، مما يعمل على ضعف الاستقرار السياسي في الدولة، وهذا السبب لوحده يكفي ـ كما يقول lewis ـ على تبني سياسة التوازن الاقليمي. وبالاضافة الى ذلك يرى lewis ان اختزال الحيز الاقتصادي يعمل على اضعاف القوة الدفاعية للبلاد، لان ضرب تلك المراكز المحدودة من قبل الاعداء في حال وقوع حرب يكفي لشل اقتصاد البلد بأكمله، كما ان عملية الاختزال للحيز الاقتصادي يعني ايضا خلو مساحات و اسعة من السكان، الذين يعملون ـ كما يقول lewis ـ كعامل رصد وانذار مبكر لحركات العدو في حال مهاجمته لتلك المناطق من البلاد، ولنا ان نتصور اهمية ما ذهب اليه lewis بالنسبة لحالة سورية.‏‏ ‏

   ان الفروق التي يمكن ان تنشأ بين المناطق والاقاليم جراء عشوائية توزع المشاريع الاقتصادية تؤدي الى ظهور مشكلات اجتماعية واقليمية وسياسية خطيرة، فالمدن تزداد ازدحاماً ويشتد الطلب على الخدمات، مثل الاسكان والمواصلات والمرافق والامن والخدمات الاجتماعية. فالى جانب ما تحتاجه من ارصدة متزايدة فان عدم تلبيتها بالقدر الكافي يخلق ضغوطاً سياسية واجتماعية على الحكومة، وبالتالي يزيد اهتمامها بالمدن دون المناطق الريفية، والحالة السيئة للمناطق الريفية تدعو بشكل ملح الى زيادة الخدمات التعليمية والصحية والاعانات الاجتماعية. وازاء ضخامة المبالغ المطلوبة لهذه الاغراض، لابد من مواجهتها بشكل او بآخر على نحو يخفف الضغط على المدن الكبرى ويساعد على تقدم وتنمية المناطق الريفية، واذا لم تتخذ الاجراءات المناسبة في اطار تخطيط اقليمي لمواجهة هذه المشاكل فان المدن الكبيرة ستزداد حجما واتساعا نظرا لقدرتها على جذب انشطة اقتصادية واجتماعية جديدة، وبالتالي تيارات من الهجرة المتزايدة من المناطق الريفية ناهيك عن حرمان هذه المناطق من الخبرات وعوامل التنمية. ان تركز النشاط الاقتصادي في مناطق محدودة سيخلق مشكلات خطيرة، يتمثل حلها في توزيع مراكز النمو والانشطة المختلفة على جميع اقاليم البلد، ومثال ذلك الجهود الضخمة التي قامت بها اليابان لخلق مراكز ثقل صناعي في الشمال من المنطقة الصناعية المزدحمة (طوكيو ـ كيوتو) وكذلك مساعي ايطاليا في تنمية المناطق الجنوبية.‏‏ ‏

   لقد عانى القطر في الماضي وبشكل حاد من مشكلة الهجرة الى المدن وخاصة الكبرى منها، وقد قاد ذلك بمرور الزمن الى بروز وتفاقم مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة، وجراء الضغط الكبير على تلك المدن، فان ذلك قاد بدوره الى تراجع قدرة الدولة على توفير البنية التحتية الاساسية، من ماء وكهرباء واتصالات وطرق. وبشكل واضح تماماً. ولو بحثنا في اسباب تلك الهجرة لوجدنا ان دافع البحث عن عمل او تحسين مستوى المعيشة كان احد اهم الاسباب. وامام توفر عدة حلول للحد من الهجرة، فان تشجيع اقامة المشاريع الاقتصادية وخاصة الصغيرة والمتوسطة في الريف والمناطق الاقل نمواً والاقل اكتظاظاً بالسكان يبدو حلاً منطقياً جداً، خاصة اذا ما علمنا ان هذه المشاريع تمتاز بقدرتها الواسعة على الانتشار الجغرافي حتى لو كانت الخدمات الرئيسية متواضعة، كما تمتاز حتى بقدرتها على الابتكار في مناطق الريف تلك، وهذا من شأنه ان يساهم في تطورها وزيادة وتيرة عملها. ويتفق جميع الخبراء على ان هناك حاجة لتصنيع المناطق الريفية والنائية والاقل تطوراً في البلدان النامية على غرار مثيلتها في البلدان المتقدمة، وتنبع هذه الحاجة الى التصنيع من الحقيقة القائلة بان القطاع الزراعي يعجز لوحده عن تقديم فرص الاستخدام الكافية لسكان تلك المناطق، وتأتي اقامة المشاريع بشكل افقي ومتوازن كعامل اساسي من عوامل تنمية تلك المناطق، وذلك من خلال توفير الكثير من فرص العمل، والتخفيف من وطأة مشكلة البطالة بانواعها بالاضافة الى توفير منتجات صناعية متنوعة وضرورية تلبي حاجات مختلفة، فتتحسن مستويات المعيشة وينكمش الفقر وتقل الهجرة الى المدن الكبرى.‏‏ ‏

   لقد بينت العديد من الدراسات انه كلما ازدادت درجة العدالة في توزيع الدخول قل الفقر، والعكس صحيح اي كلما ازدادت درجة عدم عدالة التوزيع ازداد الفقر، وذلك بفرض ثبات العوامل الاخرى. والمفهوم الغربي الحديث للتنمية يرى ان المسألة الرئيسية بالنسبة لمعظم البلدان النامية ليست هي الخيار بين التنمية الصناعية والتنمية الزراعية وانما تنحصر في تشجيع التنمية على نطاق عريض متوازن تقوم فيه القطاعات التقليدية والحديثة بدورها في زيادة الدخول والعمالة. وفي هذا الاطار فان التصنيع يجب ان يركز على جانبين، فاولهما تحديث الزراعة، وثانيهما تشجيع الصناعات المحلية اللامركزية وذات العمالة الكثيفة في المناطق الريفية، خاصة لانتاج السلع الاستهلاكية، وبذلك يؤدي التصنيع دوره في محاربة المشكلتين المحوريتين: الفقر الجماهيري وتشغيل العمالة، وهنا نشير الى المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن ان تساهم على نحو فعال في تخفيف المشكلتين المذكورتين.‏‏ ‏
ومن جانب آخر يمكن ان تصبح اعادة تنظيم وتنمية الاقتصاد الزراعي في المناطق الريفية والزراعية الاقل نمواً عاملاً هاماً في توسيع السوق الداخلية، وذلك بنتيجة جذب وادخال السكان الزراعيين في علاقات بضاعية نقدية، وكذلك بنتيجة التأثير الذي يلعبه تنوع الزراعة على بقية فروع الاقتصاد وبالاخص على الصناعة. وتتعدد المشاريع الاقتصادية الريفية بين المشاريع الغذائية كالخبز والفطائر ومنتجات الألبان والعسل وعصير الفواكه. وصناعات الغزل والنسيج والسجاد والاقمشة والملبوسات. وورش الحدادة والنجارة والابواب والشبابيك والاثاث ومستلزمات الزراعة والحصير والصناديق والحياكة والاحذية والجلود والحبال والاكياس ومواد البناء والصابون وعيدان الثقاب والادوات المنزلية ومواد الطاقة للتدفئة والاضاءة. الخ اذ ان انتاج مثل هذه المواد لا يتطلب تكنولوجية متقدمة ولاعمالة عالية التأهيل ولا رأس مال كبيراً ولا بنية تحتية متطورة جداً.‏‏ ‏

   ان تشجيع اقامة المشاريع في الريف سينجم عنه لاحقا وجود علاقات تبادلية مع الانشطة الزراعية، وستكون المنفعة متبادلة بين قطاعي الصناعة والزراعة، حيث يمكن ان تستخدم المشاريع بعض المخرجات الزراعية التي يمكن الاستفادة منها في عمليات تصنيع معينة وخاصة الصناعات الغذائية، وبالتالي سيزداد الطلب على منتجات هذه الصناعات، سواء من قبل سكان الريف انفسهم او من قبل المزارعين على بعض منتجات هذه الصناعات التي يمكن استخدامها في الانشطة الزراعية، وبالتالي ستزداد الدخول المتحققة في الريف وتتحسن المداخيل الزراعية بشكل عام وهو ما سيؤدي الى زيادة الطلب على بضائع تلك المشاريع. اضف الى ما تقدم ان الزيادة في الطلب ستؤدي الى تفعيل الروابط الخلفية والامامية على حد سواء في تلك المناطق،مما يساهم بمرور الزمن في ازدهار المناطق الريفية والمجاورة لها والحد كثيرا من الهجرة، لا بل انه يحتمل ان تحدث هجرة معاكسة. وعموما تدل تجارب العديد من الدول على صحة ما نذهب اليه، فعلى سبيل المثال تعزى استراتيجية الصين الناجحة بشكل عام الى الاهمية التي اعطيت للزراعة والمشاريع الصغيرة والقطاع الريفي.‏‏ ‏

   ان اقتصاد البلدان النامية هو اقتصاد شديد الاستقطاب من ثلاث نواح، فمن الناحية الاقتصادية هناك مركزية في السلطة الاقتصادية، ومن الناحية الاجتماعية هناك تفاوت في توزيع الدخول بين فئات السكان، ومن الناحية الاقليمية يبدو التفاوت واضحاً في تطور الاقاليم. انطلاقاً من كل ما تقدم فانه يتوجب تشجيع اقامة المشاريع الاقتصادية (وخاصة الصغيرة) في المحافظات والمناطق والاقاليم الاقل نمواً وفي مناطق الريف وتقديم مزايا وتسهيلات اكبر لها. وبهذا الصدد يمكن عرض تجارب بعض الدول، فعلى سبيل المثال تمتاز اندونيسيا بتاريخ عريق ضمن هذا المجال، حيث تتميز في مجال تمويل المشاريع الريفية الصغيرة، وتزخر اندونيسيا حالياً بعدد كبير من مؤسسات التمويل الريفية التي تتفاوت بين الكبيرة مثل (بنك راكيات) الذي يخدم المناطق الريفية من خلال سلسلة من وحدات البنوك القروية والصغيرة التي تملك وتدار في قرية صغيرة. وفي مصر يوجد ثلاث مؤسسات تمويل رئيسية على مستوى الريف المصري هي (البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، والصندوق الاجتماعي للتنمية، والبنك الوطني للتنمية) مهمتها توفير القروض الصغيرة لسكان الريف.‏‏ ‏
   
    ان عدم التمييز بين المناطق المختلفة لدى منح الامتيازات والتسهيلات من شأنه ان يقود الى تمركز المشاريع في المحافظات المكتظة بالسكان «وخاصة مناطق دمشق وحلب» على اعتبار ان التجمع السكاني يستمد اسباب وجوده من الانشطة الاقتصادية القائمة والمزايا التوطينية الموجودة، اي وجود فرص الاستغلال الاقتصادي، وبالتالي يمكن القول ان قيام سياسة اقتصادية تقوم بمنح تسهيلات ومزايا اكبر للمشاريع التي تقام في المناطق الاقل تطوراً عن غيرها والقليلة السكان، من شأنه ان يساهم في توزيع اكثر عدالة للدخل القومي، والمساهمة في الحفاظ على البيئة، والتقليل من حدة التفاوت بين المناطق من حيث تطورها والخدمات الموجودة فيها، وتطوير النشاط السياحي، اضف الى ذلك ايضا المساهمة الفعالة في الحد من الهجرة من المحافظات والمناطق ذات التجمعات السكانية الأقل الى المدن الكبرى، وبالتالي التخفيف من الضغط الهائل على هذه المدن وخاصة دمشق وحلب.‏‏‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا