التنمية الاقتصادية والاجتماعية
وانعكاساتها على حوادث المرور
الأستاذ الدكتور معن خليل العمر ،" التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على حوادث المرور"، الندوة العلمية حجم حوادث المرور في الوطن العربي وسبل معالجتها ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 1426هـ/2005م .
عنوان الدراسة
التنمية الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها على حوادث المرور
المقدمة
أهداف الدراسة
مفاهيم الدراسة
خارطة تنقل الفرد الحضري داخل المدينة
انعكاسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على حوادث المرور
الخلاصة
المصادر
التنمية الاقتصادية والاجتماعية
وانعكاساتها على حوادث المرور
المقدمة
على الرغم ما تقدمه التنمية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي من ميزات ومكاسب مادية ومعنوية للمجتمع ومؤسساته الرسمية والمدنية ، فإنها لا تسلم من بروز وظهور مشكلات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية مصاحبة لها بسبب برامجها الجديدة ومتطلباتها التنظيمية وبسبب التكيفات الاجتماعية المطلوبة من قبل أفراد المجتمع لها.
ولما كان الأفراد متعودين على ممارسة سلوكيات وعادات ومعايير سائدة فإن عملية "تخليهم" عنها لا تتم بسهولة وبوقت قصير، وفي الآن ذاته تتطلب برامج التنمية منهم "تبني" سلوكيات وعادات ومعايير جديدة عليهم تأخذ وقتاً ليس بالقصير أيضاً عندئذ تظهر مشاكل مصاحبة عند تطبيق برامج التنمية. منها مشاكل في بطيء تبني الأفراد لما تتطلبه البرامج التنموية من التزام بنظم جديدة تعكس حضريتها وعقلانيتها.
وإزاء ذلك يتطلب من القائمين على تنفيذ هذه البرامج مراقبة ومتابعة طرق تنفيذها ووضع جزاءات مادية ومعنوية على كل من لا يمتثل بضوابطها من أجل ارقاء المستوى الاجتماعي إلى مستوى البرامج التنموية، وهنا يكمن نجاحها أو فشلها في التطبيق. إذ قد تبرز مشاكل على شكل فساد إداري أو مالي أو تنظيمي وتتولد جرائم مستجدة ينجبها مجرمين محترفين.
وفي ورقتنا هذه سوف نتناول مشكلة المرور كانعكاس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأن نظام المرور لا يمثل فقط سير العربات والمركبات بل يمثل درجة التزام سائقيها به على الرغم من اختلاف أعمارهم وثقافتهم ومهنهم وأعراقهم ودياناتهم لأنه نظام واحد ينطبق على الجميع دون استثناء ، فضلاً عن كونه نظاماً حضارياً وجد من أجل تنظيم حركة سيبر المركبات التي يقودها الأفراد من أجل الحفاظ على سلامتهم وحياتهم بالدرجة الأساس ومن ثم تسهيل مواصلاتهم في شوارع المدينة دون عقبات أو مخالفات نظامية.
ولما كانت التنمية تفعل فعلها داخل المجتمع فتغير مداخيلهم ومشاريعهم وأماكن عملهم إذ تنشط حركتهم وفعاليتهم اليومية وتزيد من تحركاتهم داخل المدينة والبلد.ليس هذا فحسب ، بل تزيد من عدد المركبات من أجل إنجاز أعمالهم اليومية التي تتطلب السرعة بالانتقال من مكان إلى مكان آخر.لذا نرى ازدحام سير المركبات في أوقات الدوام (مع بدايته ومع نهايته). أي دوام الدوائر والشركات والمستشفيات والمدارس والجامعات.
إذن هي حالة تتطلب تنظيم سيرها حسب جدول زمني (ضمن ضوابط إلكترونية وبشرية دقيقة وشديدة الحسابات) فالمشكلة تبرز من عدم التزام سائقي المركبات بنظم المرور ومخالفتها من اجل تحقيق مصلحة ذاتية عل حساب النظام ذاته الذي وجد أصلاً لتنظيم سير حركة المركبات ضمن صفات وخواص تحمي حياة الناس وعدم وقوعهم في حوادث تؤدي بحياتهم وحياة الآخرين.
أهداف الدراسة
تنطوي هذه الدراسة على الوصول إلى الأهداف التالية:
1) استخدام المشكلات المرورية كمؤشر للتغيرات التي تحدثها التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2) السلكوية الحضرية لا تتغير بنفس السرعة والدرجة التي تتغير فيها التطورات المادية في المدينة.
3) استخدام الأفراد معاييرهم الخاصة في تعاملهم مع الضوابط المرورية العامة.
4) الوعي بالتعليمات والأنظمة المرورية حاجة مجتمعية حضارية في تقليل معدل المشكلات المرورية.
5) مراقبة حركة السير وتطبيق ضوابط المرور يومياً يقلل من حوادث المرور ويساهم في تحضّر الحواضر.
مفاهيم الدراسة
التنمية ......... ما هي؟
إنها عملية خفض أو القضاء على الفقر وسوء توزيع الدخل والبطالة وذلك من خلال الرفع المستمر لمعدلات النمو الاقتصادي (سلامة، 1986 ص 125).
أما أركانها الأساسية فهي:
1) إشباع الحاجات الأساسية للأفراد المتمثلة في المأكل والملبس والعلاج وتحقيق الأمن الداخلي والخارجي.
2) تحقيق الذات وتأكيد الشعور بالإنسانية أي يشعر الإنسان بأنه إنساناً وليس مجرد أداة لخدمة الآخرين أي له كيان يحترم.
3) إتاحة الحرية والقدرة على الاختيار . أي التحرر من استعباد الظروف المادية والحاجة والعوز.
بينما تنطوي أهدافها على:
1) إتاحة الفرصة لحصول الأفراد على احتياجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وحماية.
2) رفع مستوى معيشة الأفراد بزيادة الدخول وزيادة فرص التشغيل ورفع مستوى التعليم كماً وكيفاً وبالارتقاء بالقيم الإنسانية والثقافية في المجتمع.
3) توسيع مجالات الاختيار الاقتصادي والاجتماعي أمام الأفراد وذلك من خلالهم يتم تحرير هم من العبودية والتبعية (سلامة ، 1986 ص 131).
4) زيادة الناتج المحلي الذي يؤدي إلى الزيادة في الدخل القومي .
5) زيادة فرص العمل والقضاء على البطالة بكافة أنواعها .
6) مراعاة الشمول في الإصلاح والتطوير حتى تتكامل وتترابط برامج التنمية في كافة المجالات وفي كاف كافة مناطق القطر.
7) التركيز على احتياجات الأهالي وفقاً لمطالبهم الأساسية مع إعطائهم أولوية التنفيذ.
8)استغلال أكبر قدر ممكن من الموارد المتاحة المادية والبشرية في كافة المجتمعات المحلية للعمل على إقامة وتطوير صناعة تحويلية.
9) ترشيد الاستهلاك أي بالانضباط الفردي والمجتمعي للوقت والعمل والادخار مقابل الاستهلاك الظهوري ولقبول القيم الملائمة للتصنيع وللعقلانية (أي الانسجام بين الأهداف والوسائل).
10) العمل على توفير الأمن الغذائي وسد الفجوة الغذائية التي تتسع يوما بعد يوم والاعتماد على الذات (الطيطي وإسماعيل 1995 ص 126).
المشكلة المرورية ....... ما هي ؟
يمكن تحديد مصطلح المشكلة المرورية على أنها سلوكاً فردياً يتعارض أو يتخالف مع قواعد ولوائح المرور وليس التعارض مع معايير وقيم المجتمع أو ما تحكم عليه شريحة اجتماعية معينة أو بسبب صراع القيم ولا يمثل مشكلة اجتماعية، بل يمثل عدم الاكتراث أو اللامبالاة لقواعد سير المركبات الأمر الذي يسبب مخالفة لهذه القواعد التنظيمية وأضراراً مادية (للطرقات والمركبات) وأضراراً بشرية (وفاة أو إعاقة جسدية لأحد أعضاء الجسم). هذه المشكلة أفرزتها التطورات التكنولوجية التي جلبت معها متطلبات وقواعد تنظيمية لضبط وتنسيق حركة الناس في قيادتهم لمركباتهم في شوارع عصرية تتطلب التنظيم والتوقيت لكي لا يقع الأفراد في خسائر مادية ومعنوية.
معنى ذلك أن القواعد المرورية لا تمثل قيم الأغلبية من الناس بل هي ضوابط تنسيقية ترقي مواصلات الناس لمستوى حضاري راقي دون وقوع خسائر بشرية ومادية.
دور النقل في النمو الحضري
يعرف سكوت جرير Scott Greer النقل بأنه دورة الأفراد والطاقة والبضائع والخدمات يقوم بها فاعلون اجتماعيون لتحقيق أهداف اجتماعية . إذ يتحقق تكامل الأنشطة البشرية من خلال وسائل الاتصال التي تتمثل في تدفق الوسائل والمعلومات التي تسمح للأفراد بتنظيم السلوك في الزمان والمكان، كما تتمثل في وسائل النقل التي هي عبارة عن دورة الناس والطاقة والبضائع والخدمات على نحو يسمح بتجسيد التعاون في حدود اختلافات المكان. بمعنى أن تمكن الناس المنفصلين مكانياً في الاعتماد على بعضهم البعض مثل ما يعتمد ساكني المدينة على المزراعين في مناطق الظهير الزراعي المحيط بالمدن. من هنا تبرز الوظيفة الأساسية للنقل على أنها تكامل النشاط البشري في المكان من خلال تبادل المنتجات والأنشطة وتجميع وتوزيع الناس والطاقة والبضائع(السيد 1972 ص 344).
الطريق السريع Expressway صمم لحركة السيارات بأقصى سرعة في طرق بعيدة عن العبور وليس بها نقاط متوسطة أو تقاطعات ولعل من هم عوامل نجاحها هو استخدام ما يطلق عليه بالطريق الجانبي By-Pass الذي يسهل عملية الانعطاف نحو المراكز المزدحمة أو التي تقع على الطريق السريع . بمعنى أن الطرق الجانبية يمكنها أن تنفصل عن الطرق السريعة الرئيسية القريبة من أحد أطراف المدينة وتتصل بها مرة أخرى في الجانب الأخر (السيد 1972 ص 419).
الطرق الحرة Freeways عبارة عن طريقين متوازيين لكل منهما مساراته الخاصة ولكن في اتجاه عكسي وفي استقلاق تام عن أحدهما الآخر وبعيد عن أي شكل من أشكال التقاطعات . أما المداخل والمخارج في كلا الاتجاهين فتترابط بالمسارات الرئيسية لكل منهما عن طريق مسارات فرعية. لذلك فإن حركة المرور على الطرق الحرة تتميز باستمراريتها وسيولتها بلا أي إشارات أو تحذيرات الموقف. أما التقاطعات التي تحتم وجودها على هذه الطرق فتحدث أما من خلال أنفاق تحت الطريق أو كباري علوية وعادة ما يصمم الطريق الحر من ثلاثة مسارات للمرور في كل اتجاه ونادراً ما يزيد عن أربعة مسارات. أما صغر المسارات فتلك مسألة قصد بها ضمان حرية وسهولة حركة السيارات. (السيد 1972 ص 421).
حوادث المرور : تعكس الفعل الخاطيء الذي يصدر دون قصد سابق أو عمد وينجم عنه ضرر سواء كان وفاة أو إصابة أو خسارة للممتلكات العامة أو الخاصة بسبب استخدام المركبة أو حمولتها أثناء سيرها في الطريق العام. (جمجوم 2005 ص 212).
خارطة تنقل الفرد الحضري داخل المدينة
إن ارتباط ساكن المدينة وشغفه الشديد بسيارته جعله يستخدم السيارة في كل تناقلاته حتى وإن كانت على بعد خطوات قليلة من منزله ونتيجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي ساعدت على رفاهية الأسرة الحضرية واقتناء السيارة كوسيلة ضرورية وليست كحاجة كمالية تناقص معدل الانتقال سيراً على الأقدام.
ومع زيادة امتداد المدن وارتفاع معدلات تزاحمها فقد تضاءلت أهمية الطرق التقليدية التي كانت تربط المجتمعات المحلية بعضها ببعض إذ لم تعد الطاقة المرورية لهذه الطرق تتلاءم مع تزايد الضغط الناجم عن زيادة وسائط النقل الحديثة كماً ونوعاً. فظهرت خطوط وطرق تتناسب مع هذا التوسع الهائل في المدينة ومع الأعداد المتزايدة من السيارات لتشكل شبكة طرق معقدة مثل الطرق الحرةFreeways والطريق السريع Expressway ومترو الأنفاق Subway(نسق النقل الجماعي).
أما وقوع حوادث المرور في هذا النوع من الطرق فإنها تتسبب بحركة تنقل الفرد الحضري داخل المدينة بسيارته الخاصة أو بحافلات عمومية وترجع أيضاً إلى عدم وجود المراكز التجارية والصناعية والصحية والحكومية في رقعة جغرافية صغيرة بل منتشرة بشكل متباعد تجعله يتنقل بينها بواسطة نقل سريعة وليس مترجلاً. منها ما يلي:
1) المراكز التجارية والأسواق والمنطقة السكنية
2) المراكز الصناعية ( المعامل والمصانع) والمنطقة السكنية
3) مواقع العمل المهنية (دوائر الحكومة والشركات) والمنطقة السكنية
4) المراكز الصحية والمستشفيات والمنطقة السكنية
5) المدارس والمعاهد والجامعات والمنطقة السكنية
6) المناطق الترفيهية والسياحية والمنطقة السكنية
7) النوادي الليلية والبارات والملاهي والمنطقة السكنية
8) محطات القطارات والحافلات والمنطقة السكنية
9) الملاعب الرياضية والمنطقة السكنية
10) المطارات والمواني والمنطقة السكنية
غالباً ما تشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المواقع المذكورة أعلاه التي يرتادها الأفراد بشكل يومي متنقلين بينها وبين أحيائهم السكنية وهذا يتطلب شبكة من طرق سريعة ومتشعبة ويتطلب أيضاً امتلاك سيارات خاصة لتنقلاتهم فضلاً عن وسائط النقل العامة ( الحافلات ومترو الأنفاق والقاطرات) وهذا لا يسبب مشكلة مرورية بل ان الحوادث والمشكلات المرورية يقترفها سائقو هذه الوسائط والتي تنتج عن أحد الأسباب التالية:
1) عدم التزام الأفراد بالضوابط المرورية الناتج عن ضعف العقوبات المترتبة على مخترقيها.
2) السرعة الزائدة الناتجة عن استمتاع سائق العربة فيها.
3) انشغال قائد المركبة بالتحدث مع من معه داخل العربة أو بالهاتف النقال أو سماع موسيقى أو أخبار من راديو العربة.
4) التأمين على السيارة يجعل من سائقها عدم اكتراثه بالحادث الذي يقع فيه أو يحصل له.
5) قيادة المركبة من قبل سائق مخمور.
6) تأخر قائد المركبة عن عمله أو دراسته .
على أن لا ننسى أن ازدحام الطرق والشوارع بالسيارات داخل المدينة وعدم استيعاب طرق وشوارع المدينة ونوع السيارات وحداثتها والميزات التي تحملها وعدم وجود يافطات لتنظيم سرعة المركبات ، جميعها تساهم بشكل مباشر في زيادة حوادث المرور إلا أن ورقتنا هذه تتناول فقط ما تؤول إليه برامج التنمية من مصاحبات سلبية سببها سائقو السيارات في مناطق حضرية واسعة المساحة ذات مواقع يرتادها الأفراد بشكل يومي.
انعكاسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على حوادث المرور
مما لاشك فيه أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تزيد من حضرية المجتمع المدني على المستويات المعاشية والمهنية والصحية والتعليمية والتجارية والصناعية مما تولّد حاجة ماسة لاستخدام كافة وسائط المواصلات الحديثة والمعاصرة مثل وسائط النقل العام والقاطرات تحت الأنفاق وعلى سطح الأرض وسيارات النقل الخاص والحافلات والشاحنات وسواها، وهذا أبرز متطلبات الحياة العصرية الحضرية، التي بدورها تفرز مشكلات مرورية تعيق حركة الناس في شرايين المدينة، فضلا عن كون هذه المراكز الحضرية تتصف بحجم سكاني كبير يتمركز حول المناطق الصناعية والتجارية ومركز المدينة، علاوة على تلوث هواء المدينة وارتفاع تكاليف استخدام وسائط النقل ومشكلة عبور المشاة ومشكلة مواقف السيارات داخل المدينة ومشكلة انتظار الناس في الأماكن العامة داخل المدينة.
ومن أجل استجلاء أكثر عما تقدم نوضح ارتباط النمو الحضري بزيادة كفاءة وسائل النقل، ذلك أن المدن تعتمد بالضرورة على التجارة وتطوير الأسواق العالمية وعلى جلب الفائض الزراعي والمواد الخام من المناطق المحيطة ومن ثم كانت زيادة كفاءة وسائل النقل لمسافات بعيدة أثره الواضح في دفع النمو الحضري خطوات أبعد وفي هذا الصدد لعبت السكك الحديدية دوراً هاماً في تشكيل البناء الايكولوجي الحضري، حيث اقترن بإمدادها من المدن الكبيرة في اتجاهات مختلفة وعلى طول خطوطها ونقاط التقائها ونهايتها تجمعات سكانية شبه حضرية تطورت فيما بعد على شكل مراكز فرعية قامت بدور توزيعي لمنتجات المدينة ودور تجميعي للمنتجات الزراعية التي تحتاج إليها المدينة من مناطق الظهير الزراعي. هذا في الوقت الذي ساعدت فيه على تركيز معظم الصناعات في المدن الكبرى نظراً لامكان الحصول على متطلبات الإنتاج الصناعي بسهولة وسرعة وبأقل التكاليف . . ويكاد أن يكون التنظيم المكاني الكلي لمثل هذه التجمعات السكانية أشبه بنجم سيار تحيط به مجموعة من الكواكب التابعة ليكون ذلك إيذاناً أو تمهيداً لظهور الاتجاه المتروبوليتي كمرحلة لاحقة من مراحل النمو الحضري (السيد 1987ص 350421).
جدير بذكره في هذا الخصوص الانتباه إلى حقيقة حوادث المرور لا تقع في المدن الحضرية بنسبة واحدة بل هناك توزيع جغرافي لها. يفيدنا في هذا الموضوع عامر بن ناصر المطير عندما قال "إن مستخدمي الطرق هم أكثر فئة تتعرض لخطر حوادث الطرق سواء كانوا سائقين أو مشاة وتختلف نسبة هذا الخطر بحسب وسيلة النقل وهناك إحصاءات تؤكد على أن المشاة وركاب الدراجات هم من أكثر الفئات تعرضاً لحوادث المرور وإنهم معرضون لأمثال حدوث جروح خطرة لهم أو التعرض لحوادث مرور تسبب الوفاة . وفي الغالب فإن التوزيع المكاني لحوادث المرور لا يكون بشكل منتظم على الطرق. فنجد أماكن تحدث فيها حوادث أكثر من أماكن أخرى خاصة عند التقاطعات في الشوارع الرئيسة والأماكن المزدحمة بالمشاة وحول المراكز التجارية والدوائر الحكومية والمدارس. ومن الملاحظ أن ثلثي الحوادث غالباً ما تحدث عند التقاطعات خاصة إذا ما قورنت بنسبة الحوادث التي تقع في الأماكن السكنية. (المطير 2005 ص 11) وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد مثال المملكة العربية السعودية يوضح التوزيع الجغرافي لحوادث المرور وما نتج عنها من إصابات ووفيات لعام 2001م فإن منطقة مكة المكرمة ومنطقة الرياض والمنطقة الشرقية تُعَد من أكثر المناطق في أعداد حوادث المرور المسجلة حيث تشكل الحوادث في هذه المناطق الثلاثة ما نسبته 84% من مجموع حوادث المرور في المملكة وبفارق نسبي كبير عن إعداد حوادث المرور المسجلة في المنطقة الرابعة من حيث الترتيب وهي منطقة عسير.
وتقسيم مناطق المملكة الإدارية إلى مناطق عالية الكثافة السكانية (أكثر من مليون نسمة) ومناطق قليلة الكثافة السكانية ( أقل من مليون نسمة) فالمناطق التي تكون عالية الكثافة السكانية (عدد السكان فيها أكثر من مليون نسمة) قد استحوذت على أعلى نسب أكثر من 90% من مجموع حوادث المرور التي وقعت على طرق المملكة ، وأكثر من 67% من مجموع عدد المصابين في هذه الحوادث وكذلك أكثر من 79% من مجموع قتلى حوادث المرور وهذا ليس بالشيء المستغرب حيث أن هذه المناطق يتجمع فيها حوالي 83% من سكان المملكة وتسير على طرقها أكثر من 87% من مجموع السيارات التي تسير على طرق المملكة في عام 2001م. ويعود التفاوت الكبير في أعداد حوادث المرور بين مناطق المملكة إلى وجود المدن الرئيسة ذات الثقل السكاني الكبير في المناطق الثلاث الأولى مثل مدينة الرياض ومكة المكرمة وجدة والدمام (المطير 2005 ص 12).
ومن نافلة القول أن نشير إلى أن من جملة انعكاسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي ارتفاع مداخيل الأفراد الأمر الذي يؤدي إلى تحسين ظروفهم المعاشية واقتناء السيارات على أنها لا تمثل حاجة كمالية بل ضرورة ملحة في تنقلاتهم ومواصلاتهم وإنجاز مصالحهم وإتمام مصالحهم بحيث أدى ذلك إلى ازدياد عدد السيارات في المدينة التي لم تصمم لاستيعاب الكم المتزايد من عدد المركبات (الخاصة والعامة) وما يتطلب ذلك من تنظيم حركة المرور وتصميم شبكة من الطرق العلوية الرئيسية بحيث تضم الطرق الاشعائية الرئيسية مع طريق داخلي دائري يحيط بقلب المدينة التجاري وطرق الضواحي وظهرت بالتالي الحاجة إلي بناء الكباري العلوية في مناطق التقاطعات الرئيسية إلى جانب مناطق عبور المشاة ومناطق أخرى محددة لسير المشاة دون السيارات. يفيدنا في هذا الخصوص اللواء الدكتور خالد بن سليمان الخليوي عندما قال "نتيجة لارتفاع أسعار النفط في عامة 1973حيث حيث تحسنت ألأوضاع الاقتصادية وزادت الدخول الفردية نتيجة النمو الاقتصادي زيادة ملحوظة في السكان حيث زاد معدل النمو السكاني من 2% سنوياً ما بين 1950 إلى 1960 ليصب الذروة أثناء زيادة أسعار النفط حيث وصل معدل النمو السكاني قمته بنسبة 4.9% سنوياً 1970 إلى 1980.
أما الناتج المحلي الإجمالي فزاد في سنة 1975 من 46.7 بليون دولار مقيماً بالأسعار الجارية ليصل أقصى زيادة له لعام 1982 بالغاً 121بليون دولار تقريباً ثم ينخفض تدريجياً ليصل أقصاه في 1986 بالغاً 73.2 بليون دولار ويبدأ بالارتفاع تدريجياً ليصل في 2002إلى 191 بليون دولار.
أما أعداد المركبات فقد زادت من 4.131 ملاين سيارة في سنة 1985 لتصل في 2001 إلى 6.8 ملايين سيارة ترتب عليه سيارة لكل 2.5 من السكان.
وهذه الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات رغم ما رافقها من جهود تنموية في قطاع النقل البري إلا أن الاختناقات المرورية صارت سمة مميزة للمدن (الخليوي 2005 ص 185) وهذه الحقيقة تفسر لنا هدف الدراسة رقم – 2 – القائل بأن السلوكية الحضرية لا تتغير بنفس السرعة والدرجة التي تتغير فيها التطورات المادية في المدينة.
ثمة إشكالية مرورية أخرى استحدثتها برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهي مسألة توفير مناطق انتظار السيارات بالقرب من نقاط وجود الخدمات وتكاملها مع طرق النقل مع فرض قيود في كل الحالات على حركة المرور في قلب المدينة التجاري وتنسيق مع استراتيجية حركة النقل العام في المدينة ككل. إذ أن السيارات المنتظرة في شوارع ضيقة في وسط المدينة غالباً ما تعترض أو تعوق حركة المشاة وتسبب لهم مضايقات متنوعة حيث تفرض عليهم أن يشقوا طريقهم بينهم وبين المنشآت الموجودة في الشوارع كما أن السيارات ووسائط النقل الأخرى بألوانها وأشكالها المختلفة تفسد جمال البيئة الحضرية وخاصة في المناطق ذات الطابع الترويحي والتاريخي وهذا يعكس هدف الدراسة رقم (3) الذي يقول "استخدام الأفراد معاييرهم الخاصة في تعاملهم مع الضوابط المرورية العامة".
لا جناح من الإشارة إلى أن معظم أشطة البرامج الإنمائية تتمركز في منطقة الأعمال المركزية (وسط أو قلب المدينة) التي تشهد اختناقاً كبيراً في ساعات الذروة في الصباح أو بعد انتهاء أوقات العمل وأحياناً أخرى تسهم مشكلة الانتظار بالقدر الكبير في إحداث مشكلة الاختناق المروري نظراً لما يرتبط بها من تعويق لانسياب وسيولة حركة المرور . وفي نظرنا أن هذه المشكلة المرورية يمكن عدها أحد مؤشرات التغيرات التي تحدثها التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذا هو جوهر الهدف الأول في هذه الدراسة.
بعد ذلك ننتقل إلى موضوع "رباعية الحوادث المرورية" التي نقصد بها تأثر حوادث المرور بما تقدمه برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تحسين مستوى عيش الأفراد وزيادة في الدخل الفردي والقومي وتحديث المدن الرئيسية. إذ كلما تنوعت وتعددت هذه البرامج الإنمائية زادت من معدلات الحوادث المرورية.
لكن بالإمكان الحد من هذه الحوادث فيما إذا وضعت قواعد وضوابط مرورية متطورة مع تطور الحياة الاجتماعية ويتم تطبيقها بشكل مستمر وليس متقطع أو حسب مناسبات معينة على أن يصاحب ذلك تحديث شبكة الطرق السريعة والحرة وتطويرها وفقاً للتطورات التكنولوجية لكي تكون صالحة للاستعمال فضلاً عن مراقبة المركبات التي تسير فيها الكترونياً.
ولكي تكتمل الصورة الحديثة لنظام المرور عليه محاسبة سائق المركبة إذا تجاوز السرعة أو اختراق القاعدة المرورية أو إذا كان مخموراً، أخيراً إخضاع المركبة لاختبار نوعي – دوري من أجل حماية سائقها عند استخدامها عندئذٍ يمكن الحد من معدل حوادث المرور حتى لو كانت هناك برامج إنمائية. انظر الشكل التالي يوضح ما ذكرناه آنفاً.
رباعية الحوادث المرورية
الضوابط المرورية الطرق
الخلاصة
آلت هذه الدراسة إلى تفسير وتأويل الحوادث المرورية من زاوية التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدثها البرامج الإنمائية المطبقة في المجتمع لأن أي تغيير يحدث ينعكس مباشرة أو بشكل غير مباشر على سلوك الأفراد. إلا أن الأخير لا يستجيب بسرعة وبتلقائية أو عفوية ، بل يخضع لعملية (تخلي وتبني) أي التخلي عن بعض السلوكيات التي لا تنسجم مع التطور الجديد وإن يتبنى ما هو مستجد، عندئذٍ يحصل اكتساب ما هو جديد ولا تحدث مشكلة إلا أن الأفراد يختلفون في درجة تخليهم وتبنيهم لها فتحصل عندئذٍ حوادث ومشاكل له وللمؤسسات التي تم فيها تطبيق البرامج الإنمائية.
بتعبير آخر، إن حوادث المرور تنتج عن عدم تبني سائقي السيارات للقواعد المرورية أو يخترقوها أو يتجاوزوها أو يهملوها من أجل تحقيق سلوكياتهم الذاتية ومفضليها على القوانين المرورية والمصلحة العامة، الأمر الذي يعكس صورة سلبية على السلوكيات المرورية داخل المدينة وإحداث مشاكل وحوادث مرورية وبالتالي ينعكس ذلك على حياة الأفراد وممتلكات الدولة. ومن هنا يتطلب متابعة تطبيق الضوابط المرورية بشكل يومي ومستمر من رجال حريصون على أرواح الناس والسمة الحضارية للمدينة وعلى احترام القانون.
إذ أن البرامج الإنمائية تعمل على توسيع وتنشيط المؤسسات الرسمية أو ما يصاحبها من شق شبكة مرورية سريعة وحرة لكي يتحرك فيها سائقو المركبات بيسر وسرعة. بيد أن المشكلة لا تكمن فقط في الهندسة المرورية ورجال المرور، بل في سائقو المركبات الذين لا يتخلون عن رغباتهم الذاتية في الوصول إلى مكان عملهم ومبتغاهم ولا يتبنون متطلبات السير المرورية المتطورة والمتجددة الأمر الذي يخلق مشاكل مرورية من اختناقات وتصادمات وتجاوزات في شرايين المدينة . وهذا يشير إلى أن الحوادث المرورية تتزايد وتتكاثر كلما تنوعت وتزايدت المشاريع الإنمائية في المدينة وضعفت مراقبة تطبيق القواعد المرورية.
________________
المصادر
1) سلامة رمزي علي إبراهيم 1986 "إقتصاديات التنمية" مؤسسة شباب الجامعة / الاسكندرية.
2) الطيطي، صالح واسماعيل ، غالب محمد 1995 "التنمية العربية" دار حنين عمان/ الأردن.
3) السيد، السيد عبدالعاطي 1978 "علم الإجتماع الحضري" دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية.
4) جمجوم، عمروا صلاح الدين 2005 "التوعية المرورية وأثرها في تقليل الحوادث" جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (حوادث المرور).
5) المطير ، عامر بن نصار، 2005 "استخدام بعض المؤشرات الإحصائية في خطورة الحوادث المرورية" جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (حوادث المرور).
6) الخليوي ، خالد بن سليمان 2005 "الآثار الاقتصادية لحوادث المرور" جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (حوادث المرور).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق