فلسفة علم المكان ( الجغرافية )
أ د. محسن عبد الصاحب المظفر :
فلسفة علم المكان ( الجغرافية )المحاضرة الاولى
الجغرافيون المحدثون يعدمون اختصاصهم :
لا يرى في الجغرافية إلا علماً واحداً هو علم المكان ، فعندما تتعدد ظاهرات المكان لايعني ان العلم تعدد او تفرع بتعددها ، والتفرع كما يبدو ليس بتفرع أوانشطار والخلل يكمن في التسميات ، فعندما تقول " الجغرافية الزراعية " فأن (ياء) النسبة توهم المطلع على ان الجغرافية ذاتها زراعية والجغرافية الصناعية ذاتها صناعية ، والبديل الافضل للتسمية هو جغرافية الزراعة ، او علم مكان الزراعة وعلم مكان الصناعة فعلم التأريخ مثلا تجاوز هذه المشكلة فلم يتعدد كما تعددت فروع الجغرافية وهو لا يستخدم ياء النسبة ولذا تذكر مواضيعه مثلا التأريخ القديم ، تأريخ المجتمعات ، تأريخ الاديان ، تأريخ اوربا ، تأريخ الاشخاص فلا نخال هذه التسميات فروعا , ويبقى علم التأريخ بكيانه الموحد .
يدرس علم المكان (الجغرافية) اذا ظاهرات عدة لا ينبغي تفرعه بتسمياتها ، يدرسها مجتمعة في المكان ضمن ابعاده الفلسفية ، ويكشف انماطا وعلاقات مكانية , منهجه واحد وأبرز ما فيه النظرة التكاملية الى الظواهر الطبيعة والإنسانية مجتمعة ومتفاعلة في اطار المكان , بغية اظهار صورة نظام المكان والإرشاد الى ما يصيب الصورة من خلل والتشويه وان علم المكان يرى الحقائق والعلاقات مجتمعة في اطار المكان بقوانين خاصة تفرضها طبيعة المكان نفسه ، أي طبيعة مكوناته الاساسية او البنيوية .
لقد أكد الروسي (أنوجين) على ان لا يخسر المختصون الجغرافيون الروس انفسهم بولوج تخصصات الجيولوجيا والبايولوجيا وغيرها ، بل عليهم تأكيد وحدة علم المكان بوحدة الطبيعة والمجتمع وهذا الذي اكده المكاني (الجغرافي) بوستين جيمسن وأشار الى وجود علم مكان واحد مناهضا دعوات بعض الجغرافيين الامريكان التي ترى بوجوب وجود علم مكان منقسم ومزدوج .
عليه ، فمنهج الجغرافية واحد منطبق على كل ما يسمى بفروع الجغرافية ، اما الثنائية فقد بدأت تنظر الى ما هو طبيعي وما هو انساني (بشري) 1 ، في رأيي ان الجغرافية لا ترتضي هذا التقسيم ولو انه شائع ، وهي بحقيقة منهجها لا تنقسم بل هي تنظر الى الظواهر بأنها مظهرين لشئ واحد .
هارتشون يقول ما معناه ان فصل دراسة الانسان عن البيئة هي محاولة الاتيان بجريمة قتل علمية . وبالغ الجغرافيون بالثنائية فهي لم تعدو ثنائية واحدة بل ثنائيات متعددة وهي :
•- ثنائية (طبيعي وبشري)
•- ثنائية (الاصولي والإقليمي)
•- ثنائية (الجغرافية الوصفية والجغرافية التحليلية)
•- ثنائية الحتمي والامكاني
•- ثنائية الجغرافية احادية الموضوع والجغرافية متعددة المواضيع .
•- ثنائية الجغرافية التاريخية والجغرافية المعاصرة
•- ثنائية الجغرافية النظرية وجغرافية التطبيق المكاني
س / لماذا اتجهت الجغرافية الى هذه الثنائيات ؟
ربما اتجهت الجغرافية الى هذه الثنائيات لتقليل الجهد في البحث ، حيث ان الجغرافيا تدرس العالم ، علما ان اقدم الثنائيات هي الجغرافيا العامة والجغرافية الاقليمية .
وتم في القرن التاسع عشر الفصل بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافية (البشرية) جغرافية الانسان .
وحدة علم المكان (الجغرافيا) :
ينبغي ان نفهم ان الجغرافيا واحدة ، وان تفرعت من ناحية طبيعتها ومنهجها كما ينبغي ان نفهم انها ذات طبيعة واحدة ، وتدريسها هكذا .
قد طالب بهذه الدعوة الجغرافيون الروس ، وابرز المنادين الجغرافي الروسي (انوجين) في كتابه (المشاكل النظرية في الجغرافيا) وقال ان كثيرا من الجغرافيين الروس بدأوا جغرافيين وانتهوا الى جيولوجيين وجيمورفولوجيين واقتصاديين انسلخوا من اختصاصهم الاول ، ولذا فأنهم يطالبون بوحدة الموضوع تلك التي تظهر بوحدة الطبيعة والمجتمع (أي دراستهما معا) .
والجغرافيون الامريكان ايضا اكدوا على وحدة الجغرافيا مثل (هارتشون ) و (بوستين جيمسن) وظلوا في صراع مع دعاة اعتبار الجغرافية علم مقسم ومزدوج ومتعدد الفروع .
نظرة تاريخية لمعاناة الجغرافية :
لم تعتمد المعالجة الجغرافية قديما إلا على الوصف فقط ، وكادت بذلك ان تضيع نهائيا لولا المعالجات الحديثة التي اضفت عليها سمة الثبات والاستقرار وهي يومذاك :
•1- تصف صورة المكان محاولة ان تعطي منضورا مكانيا له .
•2- لم تتقيد بضوابط منهجية محددة (وصف بلا حدود) ولذا اصبحت تعاني في ذلك الحين من الاطناب والشوائب وقد تؤلف الشوائب التي هي ليست جغرافية نسبة تصل الى 80%، الامر الذي يجعل القارئ لا يميز موضوعه ان كان جغرافيا ام تأريخيا ، فليس من فاصل بين السرد .
وهذه كتب الجغرافيا القديمة عربية كانت ام غير عربية تعاني ثقل الوصف غير الجغرافي . والخلط هو المعاناة وهو منظور يتخلله سرد تأريخي وتسبقه مقدمات ادبية وتلحقه أشعار وقصص وإحداث ، دون التقييد بالمساحة المكانية ولا أي منهج واضح المعالم يميز المنظور الجغرافي .
محاولة حديثة للخروج من الضياع :
كان الخلط يشوش منظور الجغرافيا ويضفي الغشاوة على ما هو جغرافي حتى تكاد تحس انك لا تقرأ وصفا جغرافيا ، لهذا السبب توجه العديد من الجغرافيين لرسم خطة انقاذ لهذه المعرفة الوصفية المجردة ، وكانت الخطة بسمات منهجية واضحة أي ان (الوصف محدد مكانيا بمنهج محدد)
دون الاعتماد على وصف مختلف وبذلك اتجهت الجغرافيا متجاوزة حدود الوصف الى ما دعي فيما بعد بـ : (الحل والتركيب) وعليه ليست الجغرافيا ثوبا جديدا وغدت تعتمد على :
•1- الهدف .
•2- المكان توزيعا .
•3- المنهج .
سواء أكان ذلك لظاهرة واحدة طبيعية ام انسانية او لظواهر محددة او (للظواهر كلها وفق المكان الاقليمي المحدد بصيغة الشمول بواقعيه الطبيعي والإنساني) .
فرجت اذا الجغرافيا من واقعها الاقدم الوصفي المجرد والمخلوط بالشوائب التاريخية والأدبية الى واقع جديد وهو جغرافيا مرتكزة على ثلاثة ابعاد هي :
أولا التوزع المكاني للظاهرة :
ان الظاهرة سواء أكانت طبيعية ام انسانية (بشرية) لابد من ان تكون محسوسة لها صفة التوزيع المساحي الافقي وحتى العمودي وهي ظاهرة جغرافية ، موزعة والجغرافي يتابع توزعها *ويقصر وصفه عليها بنمط توزعها ووصف مستويات تباين التوزيع المكاني تأتي هنا ملاحظة مهمة ان الوصف لا يكون إلا لحالة التوزيع وتبايناته ، ودون ذلك هو ما يوصف بترف استطلاعي وليس جغرافيا .
والتوزع يكون وفق امرين هما:
•1- واقع الظاهرة (واقع لحظة الدراسة)
•2- توزعها عند نشأتها ومراحل تطورها وهذا يعني دراسة التاريخ الجغرافي للظاهرة .
•3- توزعها خلال مدة محددة لبيان تغيرها وفق المكان .
اذا مهما يكون نوع الظاهرة المدروسة ، فحتى تصبح دراستها جغرافية لابد من تحديد المكان والزمان لها (أي دراستها في المكان والزمان ) ، ولا يصح البحث الجغرافي مطلقا الا بتحديد هذين البعدين او الاتجاهين ، وقد جرى التركيز في الدراسات الجغرافية الحديثة على هذين الاتجاهين المترابطين (زماني- مكاني) (زمكاني ) ، ويعني ذلك فحص الظاهرة خلال الزمن أي فحص تغيرها لكل سنة وفق تفاعلها المكاني أي فحص التغير بين ماضي الظاهرة وحاضرها .
ان الوصف التوزيعي الذي ذكر يؤدي الى الاتي :
•1- الابتعاد عن الخلط بكلام ليس من الجغرافية .
•2- الابتعاد عن الاطناب ، وتزاحم الافكار التي قد لا تفضي الى نتائج .
•3- الابتعاد عن الشوائب وضعف العرض للظاهرة المنظورة او صورة الظاهرة مكانيا .
•4- تأكيد الموضوعية الجغرافية ,فيقل بذلك التعتيم .
وبالانتهاء من توزع الظاهرة الجغرافية من خلال بعدين تغير تفاعلها مكانيا وتغير تفاعلها مكانيا خلال الزمن , تأتي مرحلة التعليل والتحليل .
ثانيا : التعليل ( التحليل) :
يعني اظهار علة توزيع الظاهرة بأنماط مكانية مختلفة ، لماذا هذا الاختلاف ؟ ولماذا هذه الصورة المكانية ؟ ماهي علاقتها وهي تتغير .
هذا الامر يفسر الحالة الانتشارية للظاهرة ومستويات الانتشار بأنماط مكانية وان كل نمط مرتبط بظروفه المكانية هنا يتطلب من الجغرافي ضبط العوامل الموجهة لصورة الانتشار بأنماط مكانية للظاهرة .
ثالثا : اظهار المنظور الجغرافي بالمعالجة :
بعد وضوح توزع الظاهرة بأنماط مكانية متباينة ثم تعليل او تفسير ظهورها مكانيا بصورتها الجغرافية ، يأتي دور الربط المكاني للظاهرة المعنية بالظواهر الاخرى وكشف مستوى العلاقات بين الظواهر لمعرفة نظامها المكاني العلائقي وبهذا الاسلوب المنهجي تتحقق الفرضيات وتتكشف نظريات وتعد قوانين تتحكم بالمكان الجغرافي.
السلوك الاجتماعي والمكان :
ان السلوك الاجتماعي في حركة الانسان وتفاعلاته وتنافسه في المكان اجتماعيا واقتصاديا يؤثر في شكل المكان وشكل المدينة والقرية اذا سلوك الانسان في المدينة والحقل يوجه ترتيب المكان وان هذا الضغط الانساني الموجه على المكان يعكسه المكان على الانسان ذاته ويغير في توجهاته .
ان من مهام الجغرافي الرئيسة تشخيص السلوك في المكان ، سلوك الانسان ، وسلوك الاحياء ، وسلوك الطبيعة ، والوقوف على تجاذبات هذه السلوكيات وتفاعلاتها والنتائج المتحتمة على المكان .
التحول من وصف المكان تحليليا الى فلسفة المكان :
اذا لم يكن الهدف الاسمى وصف المكان ووصف اعضائه حتى لو قدمنا معالجة كافية له ، تبقى هذه المعالجة خاملة ، اذ نحن بحاجة الى جغرافية تركيبية لا تقف عند حدود المكان . بل تتعداه الى روح المكان وفلسفته . والجغرافيا كالتأريخ لا تعيد نفسها ، كما ان الاقليم لا يعيد نفسه ، بمعنى ان ليس لكل اقليم قانون ، فدراسة كل جزئيات الاقليم تقود الى مفتاحه ، ثم التطلع الى روح المكان ((جمال حمدان ، شخصية مصر ، عالم الكتب ، القاهرة ، ص12-13)).
الجغرافيا المعاصرة في محنتها من القلب الى الهامش :
•1- ان الانتقال من الفكر الجغرافي الحديث الى المعاصر كان سريعا فاجأ الكثير من المختصين الجغرافيين الذين ما زالوا مستمرين على النهج القديم ، وكان تحولهم نحو الجغرافيا المعاصرة صعبا وهم يرفضون النهج الاحصائي والقياسي والمنهج الاستنباطي المتضمن الاطار النظري بكل مكوناته كالمشكلة والفرضية ووحدات القياس ، وكان ظنهم ان ذلك يبعدهم عن طريق الجغرافية ويسلخها من مضامينها .
•2- وأن شكل الانتقال السريع من مضامين الجغرافية الحديثة الى مضامين الجغرافية المعاصرة ليس فقط في النهج القياسي الاحصائي بل ايضا في طبيعة الاهداف ، حيث انه يطوع الهدف الجغرافي بتحديد المشكلات ووضع الفرضيات واستخدام معايير القياس ، الامر الذي شكل طفرة بين الباحثين الذين ينزعون الى القديم والذين ينزعون بخفة ظاهرة للتعامل مع ما هو معاصر .
•3- ما يدعو للهوة بين الجغرافيين الكلاسيكيين والمحدثين الذين يشيرون الى اهدافهم بالوصف ثم ربط الهدف بالتنمية على سبيل الوصف او سوق الأمثلة ,اما المعاصرون فأكثرهم يستنبط النتائج المثلى التي يستفيد منها خبراء التنمية والبناء والتغيير والذين يمارسون ذلك عمليا وفعليا .
•4- أن الجغرافي المعاصر يقدم مسحا مكانيا لأية ظاهرة مع توصيات محددة يستفيد منها الممارسون الفعليون في التخطيط والتنمية , وهم يقدمون ذلك مقاسا بمعدلات واعتماد فرضيات تؤدي الى نتائج صحيحة مقاسة لاكما كان يقدم بالوصف الحدسي .
•5- إما التقنيات المستخدمة اليوم فهي بالمستوى المتقدم كالوسائل والادوات وهي نظم المعلومات الجغرافية والدراسات الحقلية والحاسوب والاحصاء والصور الجوية و الاستشعار عن بعد .
ان استخدام هذه الوسائل والادوات خلق ازمة , فالذي لا يقدر على استخدامها تجنبها ولكن الذي ادعى فهمها واستخدامها بطريقة مشوهة وخاطئة جعل قياسه غير صحيح ثم نتائجه غير صحيحة ، كذلك عن القلة الذين فهموها ولكنهم لا يعرفون استخدامها ، فأستعانوا بمختصين بالاحصاء والنظم وبجهاز الكمبيوتر لاستخراج النتائج ثم الاستعانة بالجهاز لتحويل النتائج الى اشكال بيانية وتوزيعها على خرائط كل ذلك أدى بالباحثين الى الانغلاق وعدم القدرة على فهم ماكتبوه ولا معرفة طريق وصولهم الى نتائجهم بما فيهم المشرفين والمناقشين .
معنى هذا بدأ الجغرافيون والجغرافية في ازمة الخروج من القلب العلمي الى الهامش الغامض والفهم الضعيف .
هل الجغرافية علم متطفل :
لقد صورت الجغرافية في القرن التاسع عشر بأنها وعاء لعلوم مختلفة أي وعاء لكل ما تأتي به العلوم والمعارف . ونحن اليوم نسير على نفس المنهج اذ نحن اعطينا احساسا بأن الجغرافية متعددة الفروع ( وهي علم موحد في حقيقتها ) وان كل فرع مستقل بمبادئه ، وهذا غير صحيح ، لان أي فرع لابد ان تكون له مبادئ اين هذه المبادئ والاسس ، وان المعايير المختلفة لا تخلق فرعا مستقلا فالباحث بجغرافية الزراعة لا يجد مبادئ واضحة بل يجد معايير كالانتاج والغلة والكثافة الزراعية والدونم والطن والبالة .... الخ وهكذا جغرافية السكان مثلا لها معايير وليس لها مبادئ مبرزة ومعاييرها هي الكثافة ،/ نمو السكان ، تراكيب السكان العمرية ، والتعليمية والنوع .... الخ وكل الفروع الاخرى . ان هذه الفروع المدعاة تعددت كثيرا وغدا لكل ظاهرة فرعا الامر الذي جعل فرع يأخذ من علم يقابله فجغرافية السكان تأخذ من علم السكان وجغرافية المناخ تأخذ من علم المناخ وعلم الانوء وجغرافية الاقتصاد من علم الاقتصاد وهكذا.....
أن الخروج من هذا المنزلق والذي على الجغرافي اتباعه هو قيامه بأخذ بيانات الظاهرة ومعلوماتها*وتحليل خصائصها الذاتية ثم الانتقال الى خصائصها الموضوعة بربطها لظاهرات اخرى حولها ، ثم قياس دوافع استمرارها او ضعفها فإذا إتبع ذلك كله يكون قد حقق ماقاله (معين حداد ، في كتابه ، الجغرافية على المحك ص39) ان الجغرافي يمثل ذلك بطريقة (ميتابولية) أي الشرب والاكل والهضم والتمثيل ثم الافراز ويحدث بذلك التشكيل والخلق او التخليق بالربط ورصد علاقات لابد انها تأتي بالجديد .
محاولات طمس الاختصاص أزمة أخرى في الجغرافية المعاصرة :
ان الجغرافية غدت جسرا للعبور نحو الانسلاخ منها ، وان الطريقة المتبعة هي تذيل عناويين بحوثهم او رسائلهم العلمية واطروحاتهم بعناوين هامشية مثلا ( التحليل المكاني لظاهرة ما بأستخدام نظم المعلومات الجغرافية هذا مناسب لان الباحث استخدم وسيلة توفر له المعلومات ولكن ليس له ان يدعي بأنه مختص بنظم المعلومات وآخر يذيل رسالته او بحثه ( التحليل المكاني للموارد المائية في منطقة ما دراسة بيئية او هايدرولوجية وادعى انه مختص بالبيئة وهي علم مستقل له مبادئه الخاصة او ادعى انه مختص بعلم هندسة المياه (الهايدرولوجي)، وكان عليه ان يقول (الهايدرو جغرافي) او (التحليل المكاني لظاهرة ما دراسة في التخطيط والتخطيط الاقليمي وكلاهما علمان لهما مبادئهما الخاصة ، والأسوء هوالادعاء بأنهم علماء بيئة او تخطيط او مهندسن للمياه وللجيولوجيا ، كمحاولة للخروج من اسم ( جغرافية) لان الاختصاص يخجلهم اجتماعيا برغم ان المجتمع ككل لم يعيب هذا الاختصاص فأنهم اذا ادعو ذلك فهم بالتأكيد ينسون اختصاصهم ويبدأون بضياعه وان العنوان الذيلي لا يمثل اختصاصهم لانهم حتما غير تاقنيه .
بذلك يصبح الجوهر غير متقن والاختصاص الذي يدعونه غير مجاد وتغدو اطروحته غريبة لا تقرأ لان التركيز فيها على الوسيلة والاداة دون الجوهر .
على الجغرافيين ان لا يحسوا بسبب تعدد العلوم وتطور معارفها احساسا داخليا بأنهم دون مستوى هذه العلوم المتقدمة تلك التي ترتبط بالحياة اليومية للناس والبارزة بتقنياتها المتعددة .
على الجغرافيين إحترام علمهم ، والإفتخار به فهو سيد الفلسفة بل روحها ، ويجوز التنويه الى أن الابعاد الفلسفية لعلم المكان (الجغرافيا)قادت الى الافكار الفلسفية العظيمة ، التي انتشرت في العالم والتي ما زالت بين المؤيد والمعارض مثل فلسفة التطور وظهور الداروينيه والفلسفة الوضعية ومبادئ العلية والحتمية والامكانية والفلسفة الظاهراتية ، ومدرسة الواقع والمدرسة البيئية .. بالإضافة الى نهج الجغرافية في التحقيق من صحة نظريات ووضع اخرى ، ووضع افكار واكتشاف نظم مكانية تنتهي الى صياغة القانون المحدد.
تسميات فروع خاطئة تدل على قلة الوعي الجغرافي :
هناك تسميات لبحوث جغرافية وكتب يقرأها الجغرافيون وغير الجغرافيين كذلك ، مما تشعر بالخجل هي :
•1- الجغرافية الفلكية :
يذكر قديما ان الجغرافية هي اقليمية واخرى فلكية سوى ان تسمية الجغرافية بالفلكية غير صحيح فهي تدخلنا عنوة الى علم الفلك ثم التجني عليه .
ان علم الفلك بتقدمه مهد لعلم المكان ( دراسة الارض) او الجغرافية المتقدمة وبخاصة فيما يتصل بالمناخ والخرائط .
ان علم الفلك من العلوم اوالمصادر التي مدت ما يسمى بـ( الجغرافية الرياضية ) وهذه التسمية هي الاخرى خاطئة وهي تسمية لدراسة الارض ككوكب المتضمنة شكل الارض وحركتها وتكون الليل والنهار ومحيط الارض والفصول والبعد عن الكواكب وعن تابعها القمر وعن الشمس وخطوط الطول والعرض والمواقع .
لكن جمهرة من الجغرافيين عرفوا الجغرافية بأنها علم يهتم بسطح الارض فقد ذكر كانت ان الجغرافية تهتم بسطح الارض كونه وطنا للانسان . او ان الجغرافية هل علم يدرس التوزيع المكاني للظاهرات الطبيعية والانسانية لاكتشاف انماط مكانية ثم الاسباب المقترنة بتباينات الانماط المكانية ودون ذلك فأي كلام آخر غير جغرافي ، ولذلك فأن هذه التعريفات غيبت ما كان يعرف بـ ( الادبيات الجغرافية) و (والجغرافية الفلكية) و (الجغرافية الرياضية) المرتبطة مع بعضهما بحسب رأي ارسطو ومع ذلك فأن ، الامر جعل أخرين يأخذون بالفكرة الوسط على اعتبار ان الفلك والرياضيات ليسا بجغرافية وعلى اعتبار ان الجغرافية لاتقتصر على سطح الارض وحده وعلى هذا المنطلق عدها بأنها علم دراسة كوكب الارض ، ما هذا الكلام الا محض مجاملة وتوفيق باطل .
والذي اورده (رتر) في القرن التاسع عشر قوله (ان كلمة جغرافية تعني وصف الارض انما هي خاطئة بل انها تعني توجيه نظرة كونية شاملة للارض) معرفة كل شيء عن الارض ككل موحد وعلاقة ذلك بالانسان ، لقد اثار هذا التعريف جدلا في شطر كبير من القرن التاسع عشر وشكل جدلاً هل الجغرافية دراسة كوكب الارض ام سطح الارض .
ان الواقع يدلل على ان الجغرافية تنحصر بالضرورة على سطح الارض ولكنها معتمدة على الفلك بأستخدام بعض المقاييس الفلكية الرياضية ، غير أن الاقتصار على سطح الارض وحده في الدراسات جاء حديثا نسبيا .
•2- الجغرافيا الكمية ام هي الكم في الجغرافيا :
لا توجد جغرافية كمية مطلقا ، بل الذي يوجد هو الكم في الجغرافية او الكم الجغرافي وان الذين اصدروا كتبا بإسم الجغرافية الكمية عليهم ان يتراجعوا ، فالكم اداة يعتمدها الباحث لإيضاح ظاهرته ليس بالوصف المجرد بل بالقياس الكمي لها .
لقد خرج نفر من الجغرافيين يستخدم وحدات قياس لبيانات كمية بغية الوصول الى تقدير معلومات اساسية ترتبط بالظاهرة ، وقد كثر عدد الجغرافيين الذين اعتمدوا البيانات الاحصائية والوحدات الاحصائية كالوحدة المعيارية وتحليل التباين والتحليل العاملي والارتباط البسيط والانحدار والارتباط المتعدد (Matrx) ، كما انهم عدوا الذين لا يعتمدوا الكم وأداة الوحدات الاحصائية بأنهم كلا سكيين .
الا ان العيب في هذا هو اعتماد الجغرافيين على نماذج احصائية اقتصادية واجتماعية واحصائية في بحوثهم مستعارة من علوم اخرى ولم يبتدعوا لأنفسهم وحدات قياس خاصة ، كما انهم جعلوا النماذج أقرب الى النظريات المحتاجة الى فحص واثبات .
وان الكم الجغرافي أهمل الشأن الطبيعي وركز على جغرافية الانسان * مما وفر قطيعة مؤثرة في إبعاد الجغرافية الطبيعية عن ألإختصاص بها، وضعف دخولها في حيز المنظومة الجغرافية .
•3- جغرافية الخرائط :
لا توجد جغرافية خرائط ابدا لكن قرأت كتابا بهذا الإسم في ليبيا ألفه دكتور سوري يعمل هناك وتعجبت مما ذهب اليه فالخرائط اداة يستخدمها الجغرافي لتوزيع الظاهرة التي يدرسها وهي معدة مسبقا من قبل مهندسين مساحين , اذ ان المساحين والكارتوكرافيين هم الذين يرسمون الخرائط باجهزة خاصة . فلا تصح تسمية الاداة الخرائطية التي يستخدمها الجغرافي بانها (جغرافية خرائط ) . ولكن مع هذا فتاريخ رسم الخرائط وتطور استعمالاتها كأداة يدخل ضمن مضامين الفكر الجغرافي او جغرافية التاريخ .
* استخدام عبارة (جغرافية بشرية) او جغرافية البشر خطأ اذ ان الاسم الصحيح هو جغرافية الانسان لان البشر ظاهرة مستقلة بتأريخها وألوانها ولغاتها .
هناك توزيع كما هناك توزع ، فالظاهرة التي ينجزها الانسان بأماكن متفرقة فهو توزيع اما الظاهرة الموزعة طبيعيا فهو توزع .
البيانات : ارقام مجردة والمعلومات : هي تحويل البيانات الى حالات جديدة .
الجغرافية البشرية : هي جزء من جغرافية الانسان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق