التسميات

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها- الجزء الثالث ...

الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها- الجزء الثالث


هاشم نعمة - الحوار المتمدن - العدد: 344 - 2002 / 12 / 21 :


الموجة الرابعة :  كان النزوح الضخم للمواطنين الأكراد ولسكان الجنوب أسرع حركة لجوء عرفتها المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة خلال تاريخها الممتد 40 سنة . وكانت العودة أيضا سريعة  .فبعد إقامة المنطقة الآمنة في كردستان وتحسن حالة الأمن وتقديم المساعدات إضافة إلى العداء الذي واجهه اللاجئون الأكراد خصوصا في تركيا كل تلك العوامل كانت دافعا لعودة  اللاجئين  إلى العراق .
    في نهاية آذار ( مارس ) 1991 كانت هناك عودة أساسية للاجئين قد أخذت طريقها من تركيا وإيران . وفي بداية حزيران ( يونيو ) ذكرت التقارير بأن مخيمات اللاجئين في تركيا أصبحت خالية . ومع ذلك ذكرت المفوضية العليا لشئون اللاجئين أن اللاجئين الذين يحتاجون إلى مأوى في فصل الشتاء في إيران وصل عددهم إلى 600000 لاجئا . (23) وقد بلغ أجمالي اللاجئين الأكراد العائدين من إيران وتركيا 1470000 في عام 1991 ( 24)

    إلا أن حالة الأمن في المناطق التي عاد إليها اللاجئون لم تتعزز بما فيه الكفاية . وكانت المفاوضات بين القيادات الكردية والنظام ظلت متوقفة أو انهارت . وكانت قيمتها في كل الأحوال  مشكوك فيها في نظر المواطنين الأكراد . وقد أقرت الأمم المتحدة بأنها لا تستطيع ضمان سلامة العائدين . وفي أواسط تموز ( يوليو ) انسحبت قوات التحالف من شمال العراق إلى جنوب تركيا تاركة جهود الإغاثة إلى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية . وبقيت قضية تأمين الأمن بدون حل . إلا أن هذا الانسحاب لم ينتج عنه موجة مباشرة كبيرة وجديدة من النازحين كما توقع البعض . وقد تبع القتال الذي دار في تموز (يوليو ) بين الأنصار والقوات الحكومية في الشمال والشرق نزوح 40000 شخصا اتجهوا مرة ثانية إلى الحدود الإيرانية . لكن لم تسجل حركات نزوح ذات حجم كبير حتى نهاية سنة 1991 . إلا أن المفوضية العليا لشئون اللاجئين ذكرت أن نزوحا سكانيا كبيرا حدث في شمال العراق شمل 200000 شخصا نتيجة الهجمات العسكرية التي شنتها القوات الحكومية .
     في منتصف 1991 تم تحديد المجموعات التالية وسط المواطنين الأكراد العائدين : أشخاص عادوا إلى مخيمات انتقالية وآخرون عادوا إلى مدنهم وقراهم السابقة والتي دمرت غالبيتها من جراء الحملات العسكرية للنظام التي كان  هدفها إجلاء السكان وتغيير سكنهم بشكل قسري . والأشخاص الذين عادوا إلى المدن والقرى المجمعة التي اجبروا على السكن فيها في السنوات السابقة . إن مسألة تقديم المساعدات لكل هؤلاء النازحين بقيت دون حل . فبالنسبة للنظام يريد عودة اللاجئين إلى الوضعية السابقة أي إلى منازلهم التي كانوا فيها في بداية 1991 . وعندما أقترب الشتاء ولم يظهر حل سياسي في الأفق ازداد القلق حول أوضاع اللاجئين خصوصا كان حوالي 640000 لاجئا مازالوا على الحدود الشمالية الشرقية مع إيران . وكان هؤلاء يحصلون على بعض المساعدات التي تقدمها المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية .
    وقد أستمر المأزق الحرج رغم توقيع مذكرة للتفاهم بين الأمم المتحدة والحكومة العراقية لتقديم المساعدات الإنسانية والتي امتدت إلى حزيران ( يونيو ) 1992 . وفي نهاية 1991 يعتقد بأن حوالي 500000 لاجئا كرديا كانوا بدون طعام كاف ومأوى . الكثير من هؤلاء كانوا ضمن مساعدة الشتاء للمفوضية العليا لشئون اللاجئين التي وفرت مأوى مؤقتا وإمدادات غذائية للنازحين خلال فصل الشتاء .وكان الكثير من إعادة الاستيطان والبناء ينتظر حل حالة الجمود السياسية-العسكرية بين النظام والقوى الكردية إلا أن النظام فرض الحصار الاقتصادي على كردستان والذي تعزز عمليا في نهاية 1991 بواسطة بناء خط عسكري على طول الحدود مع كردستان . أما بالنسبة للأعداد الكبيرة من النازحين داخليا في جنوب العراق فقد تبددت الآمال بالنسبة لوضعهم بسرعة . (25)
     بينما كان نمط نزوح السكان في شمال وشرق العراق واضحا نسبيا إلا أن النزوح السكاني الاضطراري الآخر الذي حدث في جنوب العراق خلال وبعد الحرب والانتفاضة جعل نمط الهجرة القسرية أكثر تعقيدا . إحدى هذه الحركات كانت للعمال المهاجرين من العرب والآسيويين الذين كانوا يعملون في الكويت قبل احتلالها من فلسطينيين وأردنيين وعراقيين وآخرين . فبعد خروج القوات العراقية من الكويت وعودة حكومة الكويت حاول الكثير من هؤلاء الذين فروا إلى جنوب العراق العودة إلى الكويت لكنهم واجهوا حدوث تغيير في سياسة الحكومة الكويتية يهدف إلى تقليل الاعتماد على العمالة المهاجرة . وكان هناك عدد غير قليل من الأشخاص ذوي الأصل الكويتي غير أنهم لا يحملون الجنسية الكويتية ويعرفون بالبدون (26) ( بلغ عددهم 117000 في عام 1999 (27) . وآخرون قد فقدوا أوراقهم الرسمية خلال فترة الاحتلال والحرب . وجد كل هؤلاء أنفسهم يمنعون من دخول الكويت لذا عاشوا في مخيمات يتقاسمون ظروف النازحين الآخرين الذين رفضت الكويت السماح لهم  بالعودة . وكانت هناك مجموعة من العراقيين من الجنود ومن الأشخاص الذين شاركوا في الانتفاضة قد لجئت إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف بعد وقف إطلاق النار وقمع الانتفاضة . وبعد انسحاب قوات التحالف نقل حوالي 8400 نازحا عراقيا جوا إلى مخيمات في شمال السعودية وانضم إليهم 10000 من العسكريين  الذين رفضوا العودة إلى العراق وفضلوا اللجوء . وفي منتصف 1991 ذكرت التقارير بأن 23000 لاجئا عراقيا مدنيا و13000 أسيرا عراقيا كانوا في مخيمين في السعودية . وكانت أعداد أخرى من العراقيين قد توجهت إلى إيران طلبا للجوء حيث كانت الحركة إليها أسهل بالمقارنة مع السعودية . (28) وفي الكويت بلغ عدد اللاجئين العراقيين 20000 في 1991 وأستمر هذا الرقم إلى 1994 إلا أنه انخفض إلى 1800 لاجئا في 1999 . (29) وفي نفس السنة الأخيرة كان في الكويت 13000 من العراقيين الذين هم موضع اهتمام المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة . (30)  
     في حقيقة الأمر أن عددا من هذه المجموعات النازحة قد حلت وضعيته ولكن ببطيء حيث عاد إلى الكويت عدد من العمال المهاجرين وعدد من الأشخاص البدون إذ تم تزويدهم بأوراق مؤقتة من قبل السلطات الكويتية وعدد آخر أعيد تسجيلهم من جديد . لكن رغم ذلك ظل التهديد المباشر بالترحيل من الكويت قائما وشمل الكثير من الجنسيات المهاجرة . حيث قدمت إلى مجلس الأمة الكويتي في بداية 1992 قوانين أكثر تشددا فيما يخص العمل والإقامة تاركة مستقبل وأمن الكثير من المهاجرين بدون حال على المدى البعيد . 
     الموجة الخامسة : أستمر نزوح الفلسطينيين من الكويت بعد عودة حكومتها نتيجة ما سجل من ممارسة العنف ضد الجالية الفلسطينية من قبل مجموعات من المليشيات الكويتية  انتقاما من المساعدة المزعومة التي قدمها الفلسطينيون لقوات النظام العراقي . وقد تناقلت التقارير أنباء عن التنكيل والتعذيب والقتل الذي مورس ضد أبناء هذه الجالية رغم النقد الموجه ضد هذه الممارسات من قبل مجموعات حقوق الإنسان . كذلك انتقدت دوليا طريقة المحاكمات التي جرت مع المتعاونين المزعومين مع النظام العراقي . كل هذه الأجواء  قد زادت من الشعور بعدم الأمان بالنسبة للفلسطينيين والأردنيين وجنسيات أخرى وحفزت الكثير منها على مغادرة البلاد .
    يعتقد أن عدد الفلسطينيين في الكويت قبل غزوها في 2 آب ( أغسطس ) 1990 قد وصل إلى 400000 نسمة . الكثير منهم عاش في هذا البلد كل حياته وكونوا ما يطلق عليه جالية مقيمة بدلا من صنف العمالة المهاجرة . وقد غادرت الكويت أعداد كبيرة من المقيمين الفلسطينيين ربما بلغ الرقم نصف عدد أفراد الجالية قبل وخلال الحرب إلى الأردن وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة . وكان هناك عدد مهم من الفلسطينيين يبلغ حوالي 60000 نسمة المقيمين في الكويت لفترة طويلة لا يستطيعون الذهاب إلى هذه البلدان ويشمل هذا الأشخاص المنحدرين من قطاع غزة والحاملين للوثائق المصرية ولكن مع ذلك لم تسمح لهم السلطات المصرية  بالدخول إلى أراضيها . كذلك كان هناك الكثير من الفلسطينيين الذين انتهت صلاحية وثائقهم الرسمية ولا يستطيعون الدخول إلى هذه البلدان . (31)
     ورغم أن حدة المضايقات ضد الفلسطينيين في الكويت قد خفت إلا أنه استمرت حالة رفض عودتهم إلى العمل  والتعليم وتقديم الخدمات الصحية . كل هذا سرع من عملية نزوحهم حيث وصل مجموع النازحين إلى 300000  نسمة منذ منتصف آب (أغسطس) 1990 .
    إن نزوح الفلسطينيين والأردنيين وآخرين من الكويت بعد عودة حكومتها كان يشبه الطرد حيث تعرضوا إلى المضايقات والتنكيل في المراحل الأولى من عودة الحكومة . الكثير من أولئك الذين رغبوا في البقاء في الكويت بعد عودة حكومتها توصلوا إلى قناعة بأنه لا يمكنهم عيش حياة مقبولة على الأمد البعيد في ظل المتغيرات الجديدة . إذ قررت السلطات الكويتية تقليل الوجود الفلسطيني إلى 40000 نسمة تمشيا مع سياستها الجديدة في تقليل السكان المهاجرين بشكل دراماتيكي . (32) ونتيجة للنزوح الجماعي للمهاجرين من الكويت بلغ صافي الهجرة الخارجة منها ( الفرق بين الهجرة الداخلة والخارجية ) 663000 نسمة في الفترة 1990-1995 فقط و أصبحت نسبة النمو السكاني سالبة (_147  % ) خلال نفس الفترة . (33)   
     لقد دفعت الجالية الفلسطينية والجاليات الأخرى ثمنا باهضا نتيجة غزو الكويت بجريرة مساعدة بعض أعضائها لقوات النظام العراقي أثناء فترة الاحتلال وعدم إدانة القيادة الفلسطينية لغزو الكويت . ورغم أن الظروف التي أعقبت تحرير الكويت لا يمكن في أثنائها ضبط ردود أفعال كل الناس جراء ما تعرضوا له من العسف والتنكيل  والقتل على يد قوات النظام العراقي . لكن كان يفترض عدم تعميم أخطاء البعض على كل الجالية وكان الأجدى من ذلك تقديم من تعاونوا مع النظام العراقي للعدالة وبضمانات قانونية دون اللجوء إلى الأساليب الانتقامية والثأرية والتي أثرت دون شك على سمعة الكويت .
    الموجة السادسة : تمثلت في هجرة العراقيين إلى الخارج عقب غزو الكويت وما نتج عنه من الحرب وقمع الانتفاضة والحصار الاقتصادي . ومازالت هذه الهجرة مستمرة  حيث وصل مجموع العراقيين المقيمين في الخارج إلى 4,5 مليون حسب مصادر الأمم المتحدة . وبلغ معدل صافي الهجرة الخارجة من العراق –7 بالألف في الفترة 1990-1995 لذلك ساهم ذلك بخفض نسبة النمو السكاني ب_ 32,2% خلال نفس الفترة  (34) ولأهمية هذه الموضوعة ومدى تأثيرها العميق على بنية المجتمع العراقي وعلى حاضر ومستقبل العراق سنعالجها في دراسة مستقلة في وقت آخر .

المصادر
 
23-  Geography and Refugees  , edited by R . Black and  V . Robinson , London , 1993,  pp. 72-73
24-  UN , Population Distribution and Migration , New York , 1998 , p. 321
25-  Geography and Refugees , op. cit. , p. 73 
26-  Ibid, pp. 73-74
27-  Refugees and Others of  Concern  to UNHCR , Geneva , 2000 , p. 12 
28-  Geography and Refugees , op. cit., pp. 73-74 
29-  Refugees and Others Concern , op. cit., p. 38
30- Ibid, p. 12
31- Geography and Refugees , op. cit.,  pp. 74-75 
32- Ibid , pp. 74-75 
33- UN , World Population Monitoring , New York , 1998 ,  Table 5. P. 18 
34- Ibid , p. 18

هجرة العراقيين وتأثيراتها على البنية السكانية - الجزء الأول ...

هجرة العراقيين وتأثيراتها على البنية السكانية - الجزء الثاني ...

الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها- الجزء الثالث ...

الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - الجزء الرابع ...

الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - الجزء الخامس ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا