الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - الجزء الرابع
هاشم نعمة - الحوار المتمدن - العدد : 378 - 2003 / 1 / 26 :
تنوع الهجرة القسرية ( الاضطرارية ):
النزوح السكاني الذي نتج عن غزو الكويت وما تلاه من الحرب كان غير مسبوق في تنوعه في مجال الجنسيات والدول التي شملها وشكله القسري أو الاضطراري الذي أتسم به . فقد شمل هذا أعدادا أساسية من مواطني 15 دولة . وكان اللاجئون الذين عبروا الحدود الدولية من العمال المهاجرين والمهنيين الذين طردوا أو اضطروا لمغادرة بلدان إقامتهم وآخرون لم يتمكنوا من العودة إليها . وشمل النزوح عددا ضخما من السكان النازحين داخليا وأعدادا مهمة من الأشخاص بدون دولة أو جنسية والأسرى الذين تحولوا إلى لاجئين .
وكان عدد من النازحين قد فر من العمليات العسكرية وآخرون فروا بسبب الاضطهاد والتنكيل الذي تعرضوا له كونهم أجانب ( العمال المهاجرون والمهنيون ) أو بسبب انتمائهم العرقي أو جنسيتهم ( الأكراد العراقيون ، اليمنيون ، الفلسطينيون ، البدون ) أو بسبب انتمائهم الديني أو المذهبي ( الشيعة والمسيحيون في العراق ) . إلا أن نزوح معظم السكان المهاجرين كان بسبب الخوف من النشاطات العسكرية أو الاضطهاد وتوصلهم إلى قناعة بأن الحياة باتت لا تطاق في الكويت بعد غزوها والظروف التي نشأت عنه في 1990-1991 .
كما أوضحنا في مكان سابق أن أعدادا من هذه المجموعات النازحة قررت العودة إلى بلدانها الأصلية أو إلى أماكن إقامتها .لكن مصطلح ( العائد ) عندما طبق على مجموعات أخرى من النازحين كان مضللا . فكثير من الأكراد اللاجئين العائدين من تركيا وإيران إلى العراق لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم الأصلية بل إلى مخيمات مؤقتة ومستوطنات . والكثير من الفلسطينيين الذين تركوا الكويت واليمنيين الذين نزحوا أو طردوا من السعودية كانوا مقيمين من الجيل الثاني أو الثالث ولذلك فأن البلد الذي عادوا إليه لم يعد بلدهم الأصلي . وقد خلقت هذه الحالة معوقات أمام عملية اندماجهم في مجتمعات البلدان التي عادوا إليها .
أكثر من نصف النازحين في الموجات الخمس لم يكن لاجئون في المعنى المتعارف عليه عالميا والكثير منهم وقع خارج نطاق الاتفاق المعني باللاجئين لأي منظمة عالمية . وكان معظم الذين فروا في الموجة الأولى من العراق والكويت من العمال والمهنيين المهاجرين الذين لا يدخلون ضمن نظام اللجوء . وكانت الإغاثة وتوفير المأوى للذين نزحوا بشكل مفاجئ إلى الأردن نسبيا جيدة . وهناك مجموعات أخرى وقعت تقنيا خارج نظام اللجوء تمثلت بالنازحين داخل العراق ( خصوصا الشيعة في الجنوب ) والعمال المهاجرين وآخرون حاولوا العودة إلى الكويت والأشخاص بدون دولة والفلسطينيون والأردنيون وجاليات أخرى . وقد كانت الحماية والمساعدة التي قدمت لهم في الغالب قليلة وغير فعالة أو غير موجودة . أما الأكراد النازحون فقد صنفوا لاجئين بعد عبورهم الحدود الدولية . على أية حال تنوع النزوح يلقي الضوء على حقيقة أن معظم الوكالات الدولية قد أعيق عملها من أجل التدخل الفعال لصالح الكثير من أصناف الهجرة القسرية . (35)
وربما يعود جزء من أسباب عدم التدخل هذا إلى تعريف الأمم المتحدة للاجئين الذي يحددهم بالأشخاص الذين يتركون بلدانهم بسبب الخوف الذي له ما يبرره كونهم مضطهدين لأسباب تتعلق بالعرق ، الدين ، الجنسية ، العضوية في مجموعة اجتماعية خاصة أو بسبب آرائهم السياسية . وبسبب مثل هذا الخوف يكونون غير قادرين أو راغبين بالاستفادة من حماية بلدانهم . وفي الممارسة العملية ، تبرز الكثير من المشاكل أثناء تفسير وتطبيق مثل هذه المعايير ، ومن ثم تحديد عدد السكان اللاجئين في أي وقت من الأوقات .فمثلا يضيف تعريف منظم الوحدة الأفريقية للاضطهاد ، الخوف من الحرب ونكباتها . (36) وهذا ينطبق على السكان النازحين داخليا في العراق في حرب الخليج الثانية وحتى الأولى والذين لم يدخلوا في عداد اللاجئين ومن ثم لم يستفيدوا من تقديم المساعدات . وتطالب دول أمريكا اللاتينية بإضافة الكوارث الطبيعية لأسباب اللجوء مثل الفيضانات التي تشرد أعداد كبيرة من السكان من أماكن إقامتهم واعتبارهم لاجئين .
مساعدة المهاجرين بشكل اضطراري أو قسري والذين يقعون خارج التعريفات والاتفاقيات المتعارف عليها دوليا كانت لوقت موضع نقاش .وقد دار النقاش حول مقترحات لتوسيع معاهدة المفوضية العليا لشئون اللاجئين لإنشاء منظمات جديدة تتعامل مع السكان النازحين داخليا والعمال المهاجرين والمطرودين بشكل قسري . ومن أجل تعاون أفضل ضمن أو خارج نطاق الأمم المتحدة للتعامل مع موجات النزوح السكاني الكبيرة والطارئة . (37)
المصادر
35 - Geography and Refugees edited by R. Black and V. Robinson , London , 1993 , pp . 79-80
36 - هاشم نعمة ، أفريقيا دراسة في حركات الهجرة السكانية ، مركز البحوث والدراسات الأفريقية، سبها ، ليبيا ، 1992 ، ص 77
37 – Geography and Refugees , op. cit., p. 80
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق