التسميات

السبت، 21 سبتمبر 2013

الكشوف الجغرافية الأوربية للقارة الأفريقية والتطلعات المعاصرة للسيطرة على مواردها ...

الكشوف الجغرافية الأوربية للقارة الأفريقية والتطلعات المعاصرة للسيطرة على مواردها

مجلة دراسات إفريقية -د -  مصطفى محمد علي :

تمهيد:

تعد القارة الإفريقية إقليماً جغرافياً ذا خصائص متميزة من عدة جونب تشمل الموقع الاستراتيجي  الأوسط بين قارات العالم ، ثم الموارد التي تحظى بها في موقعها المفيد من حيث العلاقات المكانية والموارد الطبيعية الأخرى التي في سطحها ثم باطنها الذي هو غني بمعادن مختلفة ، حيث جعل كل ذلك إفريقيا مقصداً للقوى المختلفة من القارات الأخرى عبر التاريخ ، وضمن ذلك كانت الكشوف الجغرافية الأوربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مما أفضى إلى الاستعمار الذي استقلت عنه دول القارة في النصف الثاني من القرن العشرين ، وكان من أهداف تلك السيطرة الاستعمارية استغلال الموارد الإفريقية وتوجيهها لمصلحة القوى الأوربية ، غير أنه بعد استقلال تلك الدول صارت القارة في أوضاع لا تستطيع معها استغلال مواردها بالصورة المثلى أو بوضع مستقل عن القوى الأوربية أو الهيمنة الخارجية ، وهذا ما تهدف هذه الدراسة المختصرة إلى نقاشه من خلال ثلاثة مداخل هي الكشوف الجغرافية الأوربية للقارة ثم العلاقات الأوربية الإفريقية المعاصرة ذات الصلة بالموارد ومن بعد أوضاع القارة الإفريقية المؤثرة في استغلال الموارد الكامنة فيها ، وذلك باستخدام بعض الأساليب الإحصائية والاستقراء التحليلي للواقع الجغرافي في مدخل إقليمي هو القارة الإفريقية.


الكشوف الجغرافية:

التعرف على المكان ضرورة مهمة للحفاظ على الحياة ، ليس فقط بالنسبة للإنسان ، ولكن لكل الأحياء الأخرى ، كالطيور التي تهاجر حسب تقلب الأحوال المناخية وتوفر مكونات حياتها التي تعتمد على المواسم المختلفة للبيئة الطبيعية مثلها مثل الحشرات فالحيوانات بل والأسماك والأحياء المائية أيضاً ، وتمثل قضية الكشوف الجغرافية قصة حياة الإنسان كلها ، فمنذ أن وجد على الأرض أخذ يتحسس الأماكن التي يمكن أن تلبي مطالب حياته البسيطة منها والمعقدة ، وما زال يكشف ويسافر ويكتشف ما يعده في نظره مجهولاً من أماكن لمعرفتها أولاً ثم للإفادة منها ثانياً ، ويمكن فهم الخروج عن نطاق الأغلفة الأرضية إلى الفضاء الخارجي جانباً من هذا المجال الواسع .
وعلى أساس هذا الفهم ما من أمة وجدت في الأرض إلا وكشفت جغرافياً وتحسست البلاد الأخرى التي تجهلها كالفينيقيين والرومان والإغريق والأحباش والفراعنة والصينيين والمسلمين ، حيث حكى التاريخ عن  كل هذه الأمم   وحملاتها العسكرية وغيرها مما يتعلق بالتجارة والهجرات السلمية وخلافها وهي أمور لا يمكن أن تتم دون معرفة سابقة بالأماكن المقصودة وما فيها من الأهداف المرجوة ، ويتضح من كل ذلك أن الكشوف الجغرافية هي الأساس في التعرف على أنحاء العالم وجماعات البشر وموارد الأرض وهي المغذي للفكر الجغرافي بصفة عامة .
والكشوف الجغرافية الأوربية لا تخرج بأي حال عن كل ذلك في أي مجهود كشفي قامت به الأمم الأوربية سواء أكان ذلك للقارة الإفريقية أم لآسيا بل وحتى مناطق الهنود الحمر المعروفة الآن بالولايات المتحدة الأمريكية ، علماً بأن أوربا قامت بالكشف الجغرافي والاستعمار والاستيطان في عصور نهضتها القديمة إبان الحضارة الرومانية واليونانية وغيرها (1) , وكذلك إفريقيا ثم آسيا حيث يعتبر المسلمون آخر من أقام الحضارة العالمية القائدة قبل النهضة الأوربية الحديثة ، ورغم اقتصار هذا الدراسة على الكشف الأوربي الوسيط لإفريقيا إلا أن الباحث قد يتعرض لبعض الأمثلة من العصور الأخرى .

رواد الكشف الجغرافي الأوربي في إفريقيا:

الكشف الجغرافي في حد ذاته ليس مهمة سهلة ، حيث يخرج الجغرافي من بلاده إلى بلاد مجهولة قد لا يعرف طبيعتها وما تشتمل عليه من مجتمع بشري له كيانه الذي يدافع عنه ضد كل غريب ، إضافة لذلك قد لا يعود الكاشف إلى موطنه ، فضلاً عن صعوبة وسائل النقل في القرون الماضية والمخاطر الأخرى ، ورغم كون الكشف الجغرافي مهمة فردية في الغالب خلال القرون الأولى إلا أنه صارت له جمعيات تنظمه وترعى الكاشفين في العصور المتأخرة مثل جمعية ترقية كشف الأجزاء الداخلية في إفريقيا Association for Promoting the Discovery of the Interior Parts of Africa (APDIPA) التي أسست في لندن عام 1788م(2)  ، وقد اهتمت كذلك بعض الدول بصفة رسمية بالكشف الجغرافي لشيوعه وأهميته التي أوجدت بعض الأسباب التي بررته وجعلته يدخل ضمن اهتمامات الدول القومية الرئيسة في أوربا مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال ، وبالنظر إلى الجدول (1 ) التالي  نجد بعض المفارقات الملاحظة في الدول التي ينتمي إليها أولئك الكشافة الرئيسيون في إفريقيا :
جدول رقم (1) أهم رواد الكشف الأوربي لإفريقيا وبلدانهم.

الرقم
الاسم
الجنسية
تاريخ الكشف

1
مانقو باركاسكتلاندي1795م
2
فردرك كونارد هورنمانألماني1798م
3
ولتر أودنيانجليزي1822م
4
دكسون دينامانجليزي1822م
5
هف كلابرتوناسكتلاندي1822م
6
ريتشارد ليمون لاندرانجليزي1830م
7
قوردون لينقاسكتلاندي1825م
8
رينيه كاليفرنسي1827م
9
هنرج بارثألماني1849م
10
ريتشارد فرانسيس بيرتونانجليزي1853م
11
إيزابلا إيبارهاردسويسرية1897م
12
ميري كنقسليانجليزية1893م
13
ديفيد ليفينقستونانجليزي1841م
14
جون هانينق سبيكانجليزي1831م
15
جيمس أوغسطس قرانتاسكتلاندي1860م
16
هنري مورتون ستانليانجليزي (ويلز)1867م
17
فارني لوفاد كمرونانجليزي1874م
18
دي برازافرنسي (إيطالي الأصل)1875م
19
هيرمان فون ويزمانألماني1880م
20
ثيودور جون دي برايألماني1598م
21
صمويل وابت بيكرانجليزي1869م
22
فلورنس فون ساسانجليزي1869م
23
جاكوب هوندياسهولندي1563م
24
أندر سبارمانسويدي1772م
25
الأمير هنريبرتغالي1394 – 1460م
26
بارثالوميو دياسبرتغالي1487م
27
فاسكو دي قامابرتغالي1498م
28
دياقو كاوبرتغالي1484م

المصدر: www.enchantedlearning.com   بتصرف من الباحث

أغلب الكشافة من إنجلترا وبإضافة الاسكتلنديين الأربعة يكونون خمسة عشر كشافاً ، وقد يدل العدد بكثرته أو قلته دلالة رمزية  على اهتمام دولة ما أكثر من غيرها ، وذلك لأن أي كشاف جغرافي أوربي تستفيد منه كافة أوربا حيث تترجم أعماله إلى عدة لغات وتنشر في المكتبات الرئيسة ، وهذا أساس يمكن أن يساوي بين بلجيكا وبريطانيا وإن كان الإسهام الفعلي في الكشف وما يترتب عليه من نتائج حسب الاهتمام الامبراطوري والجنوح نحو الهيمنة والسيطرة (3) .

أسباب الكشف الجغرافي الأوربي:

الكشف الجغرافي الأوربي في العصور المتأخرة كانت له أسباب عديدة أدت إليه بدءاً بالحالات الفردية ثم الجمعيات وانتهاءً بالاهتمام الامبراطوري ، وهي تعكس في غالبها مخاض النهضة الأوربية وصراعها الذي أدى إلى تغلبها على الحضارات الأخرى في الوقت الراهن ، وهي أسباب تمس جوانب مختلفة من حياة تلك النهضة كحضارة كافحت من أجل إثبات وجودها وبسط سيادتها لتكون عالمية حيث تندرج أهمها في التالي (4) :
-  عندما تم فتح القسطنطينية من قبل العثمانيين عام 1453م انغلقت الطرق التي كانت تربط أوربا بشرق آسيا حيث كان تجارها يستغلونها وكانت الشريان الاقتصادي الخارجي الرئيسي لأوربا وكانت بحاجة شديدة لكثير من المنتجات الآسيوية التي كانت تقوم حياتها بها.
-  عندما قامت الحروب الصليبية ودامت لحوالي القرنين من الزمان نشأت علاقات تجارية واسعة بين أوربا والشرق الأوسط واعتاد التجار على كثرة الرحلات التجارية وكثرة أرباحها وكانوا بحاجة إلى زيادة أعمالهم مما تسبب كذلك في الكشف الجغرافي .
-  كانت هناك قلة من التجار الأوربيين الذين أسسوا علاقات تجارية مع الشرق تحتكر تجارة بعض السلع مما دعى بعض الدول الأوربية وتجارها إلى كشف طرق بحرية جديدة لفك الاحتكار وجعل أسعار كثير من السلع رخيصة .
-  عندما أبدى ماركو بولو بعض نتائج رحلاته المتمثلة في الحجارة النفيسة وكثير من الجواهر النادرة رغب كثير من الأوربيين في الهجرة من أجل الثراء وجلب الذهب وخلافه من المعادن الثمينة وتكوين ثروات ، فانتشروا في العديد من أرجاء أفريقيا وغيرها .
-  الأسباب سالفة الذكر جعلت الأوربيين يحبون المغامرات ليشتهروا بها ولو أدى ذلك إلى هلاكهم ، فانتشرت العديد من السفن شرقاً وغرباً إلى المناطق المجهولة .
-  استغل كثير من الكهنة والمبشرين روح المغامرة والأسفار إلى البلاد المجهولة لنشر المسيحية Expand Christianity وأسسوا لذلك العديد من الجمعيات التي صاحبت الكشافة الجغرافيين وإن كانت لم تتخصص لنشر المسيحية بحد ذاتها إلا في عقود متأخرة قبل تكوين المستعمرات .
-  كان من أهم أسباب الكشوف الجغرافية الأوربية أن النهضة التي حدثت في أوربا غرست حب الاستطلاع Spirit of Inquiry  وكان كثير من الموسرين يحبون معرفة الأماكن المجهولة خصوصاً تلك التي سمعوا عن جمالها ونضارها .
ورغم أن كل تلك الأسباب كانت ماثلة بحق إلا أن أكثر ما ساعد في كونها دافعاُ التسهيلات العلمية المتعلقة بالسفر والنقل البحري وصناعة السفن وانتشار التجارة البحرية وغير ذلك مما قلل مخاطر الضياع والمجازفات المجهولة  العواقب ، فقد كان هناك بحارة مهرة وظروف نفسية تتمثل بتضائل الوضع الاقطاعي وبروز الروح الفردية المغامرة التي كانت تتمتع بحرية نسبية مقارنة بالعهود الإقطاعية السابقة (5)  .

أهداف الكشوف الجغرافية الأوربية:

أسباب الكشوف الجغرافية التي ذكرت آنفاً كانت هي الباعث في حالتي الكشوف الفردية والمؤسسية التي أخذت طابع الجمعيات والقوافل التي عادة ما يتقدمها مكتشف ، غير أن الكشف بصفة عامة كان مواجها بعدة صعوبات تمثلت في طول السفر البحري وما يعتريه من عواصف ومسطحات اليابسة التي قد تكون واسعة في شكل صحراء خالية أو أدغال ثم الأمراض التي لا عهد للكشافين بها خصوصاً في إفريقيا ، ويجدر بالذكر أن العقود المتأخرة من العصور الكشفية شهدت اهتماماً متزايداً بإفريقيا مما أدى إلى تدافع القوميات الأوربية المختلفة لاقتحام إفريقيا وهو ما أطلقوا عليه التدافع نحو إفريقيا Scramble for Africa) )   وكان من أهم أهدافهم المزعومة أداء رسالة الرجل الأبيض  (The White Man’s Burden) (6) حيث كانت أغلب الأهداف الكشفية منطلقة من هذا الدافع الذي ينم عن استعلاء عرقي ، وكان من أهمها :
  • جلب الحجارة والمعادن النفيسة
  • التوسع الإمبراطوري
  • نشر المعرفة العلمية
  • نشر الديانة المسيحية
  • جلب بعض المشتقات الحيوانية (جلود وصوف وعاج وخلافها)
هذه الأهداف وما سبقها من أسباب أدت بقوميات أوربية كثيرة للتدافع نحو إجراء الكشوف الجغرافية حيث كانت كل قومية تتباهى بجهودها الكشفية وذلك قبل مؤتمر برلين عام 1884م الذي كان يهدف إلى تنظيم الجهود الاستعمارية التي كانت نتيجة للجهود الكشفية الأولى ، وكان من أهم ما ساعد على تنفيذ تلك الأهداف قيام الجمعيات الكشفية العديدة التي كان أولها الجمعية الجغرافية لباريس عام 1821م ثم الجمعية الجغرافية الملكية في لندن عام 1830م وقبلها جمعية برلين عام 1828م ، وبلغت الجمعيات الأوربية مائة وانضم إليها حوالي 50 ألف عضو ، وكان كل من الكشف الجغرافي والتبشير الديني معيناً للآخر أحياناً .
إفريقيا قبل الكشوف الأوربية:
الكشف الجغرافي كونه ضرورة حياتية إنما يعني أكثر من يقوم به لكونه راغباً في معرفة ما يجهله أولاً وطامحاً إلى الإفادة مما سيعرف ، على ذلك كانت القارة الإفريقية معروفة لدى الأوربيين الأوائل في العصور القديمة حسب جهدهم الذي بذلوه في ذلك ، أما الآسيويون خصوصاً المسلمون منهم كانوا يعرفون إفريقيا من غربها وحتى جنوب شرقها مع عدم التوغل في الوسط الجنوبي وجنوبها ، وتشهد على ذلك ممالك الطراز الإسلامي والممالك التي قامت في غربها مثل مالي وصنغاي ووداي وسنار  ، أما ما هو شمال ذلك وشرقه فقد خضع لتعامل مباشر مع المسلمين القادمين من الجزيرة العربية مثل مصر والأدارسة والأغالبة والصلات المباشرة مع المملكة الحبشية المسيحية .
كل ذلك يدل على أنه كانت هناك حضارات قائمة في إفريقيا قبل الكشوف الأوربية المتأخرة ، وذلك رغم استنزافها خلال عصور تجارة الرقيق ، وقد حصر بعض الباحثين تلك الحضارات في أربعة مراكز هي وادي النيل الأدنى والحبشة وصنغاي ومونوموتابا (7)  ، غير أن الواقع يجافي ذلك ، لأن المساحات الشاسعة التي تقع بين تلك المراكز الأربعة لا يمكن أن تكون في فراغ حضاري ، وإذا حصرنا كلاً من باقرمي ووداي وإمارات الكنغو وما حول يوغندا الحالية والبحيرات العظمى فإننا نجد الشواهد تؤكد ما ذهبنا إليه وإن كان جانب الاتصال بين تلك البقاع وأجزاء العالم الأخرى كانت في حال متواضعة (8)، وبذلك يمكن أن نخلص إلى أن أفريقيا بما فيها من مجتمعات حضارية معروفة في التاريخ الوسيط ما كانت كلها معروفة  لدى الأوربيين كما عرفها المسلمون والعرب ، ولو لا قطع طرق الاتصال المباشر بين شرق آسيا وأوربا من قبل العثمانيين لتأخرت المعرفة الأوربية لإفريقيا الداخلية كثيراً ..
وكل ما ذكرنا يعني أنه من الممكن تقسيم المراحل التي تم عبرها الكشف الأوربي لإفريقيا أي مدى تقدم معرفة الأوربيين ما كانوا يجهلونه منها خمس مراحل ، وهي توضح (كما في الشكل "2" التالي) (10)  أن الأسباب ثم الأهداف التي جاءت وراءها هي التي دفعت الأوربيين حسب حاجتهم التي نبعت من أوربا نفسها نحو كشف ما جهلوه من كل أرجاء العالم بالتركيز على المناطق التي علموا أن فيها موارد هم بحاجة إليها ، أي البضائع الآسيوية والمعادن النفيسة الإفريقية والإمكانات الطبيعية الهائلة في الأمريكتين وغيرها ، وقد تدرجت الكشوف أو بالأحرى علم الأوربيين بأفريقيا من الشمال حيث القرب من أوربا في عصور غابرة ثم الصحراء ثم شيئاً مما هو جنوبها ثم السواحل الغربية الجنوبية ثم الأجزاء الداخلية ذات البحيرات وما حولها ، وذلك ابتداءً من القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر الميلادي .

مسارات الكشوف الأوربية في أفريقيا:

كشف إفريقيا من قبل الأوربيين ليس بالأمر الجديد في التاريخ ، فقد كانت هناك دواع  له قبل بداية التاريخ الميلادي وهي متفقة إلى حد بعيد مع الأسباب التي طرأت في العصور المتأخرة  (الجدول "2" التالي ) (11)  وأكثر ما يعبر عن اهتمام الأوربيين بكشف أفريقيا هو ما عبروا عنه   بأنفسهم بالتدافع نحو إفريقيا (Scramble for Africa ) وذلك حين كانت هناك أسباب حقيقية لإجراء كشوف جغرافية لأجزاء العالم التي جهلوها وضمنها إفريقيا مما أدى لمعرفتهم ما تم كشفه ومن ثم وضعوا أهدافاً لتلك الكشوف جعلت من الممكن بسط نفوذهم ووصولهم إلى ما أرادوه والمسارات المكانية التي يمكن استقراؤها من خلال الخرط التي تجسدها ؛ تكشف عن أنهم كانوا يتحسسون أماكن الموارد بالمفهوم المعاصر ، حيث كانوا حريصين على معرفة الجوانب التالية :
  • منابع الأنهار ومساراتها
  • كشف البحيرات وما حولها
  • السيطرة على مواضع الذهب والمعادن النفيسة
  • إيجاد الطرق البحرية السهلة
  • السيطرة على المواقع المساعدة في التجارة الدولية  
والناظر إلى مواضع تلك المسارات (الأشكال "3 و4 و5" التالية) (12)  يجد أنها كثفت الاهتمام بالأماكن ذات الغنى الطبيعي بالموارد ثم مواقع الاستقرار السكاني ذات الحضارات المعروفة عبر التاريخ ، وأكثر ما يلفت الانتباه كون تلك المسارات شاملة لكل  أنحاء إفريقيا الداخلية وسواحلها رغم تعدد الكشافين الذين قد يكونون أفراداً مدعومين من قبل مؤسسات وجمعيات أو غير ذلك .

جدول رقم (2) أهم المناطق الإفريقية التي شملتها الكشوف الأوربية (520ق.م – 1877م)

المكان
المكتشف
التاريخ
ملحوظة
سيراليونالبحر القرطاجي : هانوc. 520 B.C.
نهر زائير (الكنغو الديمقراطية)البرتغالي : دياقو كاوc. 1484زيارة المصب
رأس الرجاء الصالحالبرتغالي : بارثاليمو دياس1488إحاطة بكل المنطقة
نهر غامبياالاسكتلندي : مانقو بارك1795
الصحراء الكبرىالانجليزيان : ديكسون دنهام  وهف كلابرتون1822–1823اختراق الصحراء إلى الجنوب
نهر الزمبيزيالاسكتلندي : ديفد ليفينقستون1851
السودانالألماني : هنرج بارث1852–1855
شلالات فكتورياالاسكتلندي : ديفد ليفينقستون1855
بحيرة تنجانيقاالانجليزيان :ريتشارد بورتون  وجون سبيك1858
بحيرة فكتوريا باعتبارها منبع النيلالانجليزي : جون سبيك1858
نهر الكنغو (زائير)الانجليزي : هنري م. ستانلي1877تتبع كل النهر

المصدر : www.infoplease.com

يلاحظ من الجدول رقم (2) أعلاه نوعية الأماكن التي شملها الكشف الأوربي منذ قديم الزمان وهي كلها ذات موارد بالمفهوم العام ومتركزة في المنابع المائية ثم الطرق البحرية التجارية وعبور الصحراء أو اختراقها إنما قصد به كشف ما هو جنوبها الذي قد يكون غنياً بالموارد الطبيعية أيضاً ، وهذه النماذج الكشفية من الأماكن أو الكاشفين عبارة عن سرد وجيز لعينة من الكم الهائل الذي شملته الجهود الأوربية للتعرف على الأماكن المختلفة في العالم والموارد التي تحويها سواء أكانت موارد مادية كمية أم نوعية أو موارد موقعية ذات استراتيجية مفيدة للموارد الأخرى .

نتائج كشف إفريقيا:

القارة الإفريقية اكتسبت أهمية  خاصة غير تلك التي اكتسبتها القارات الأخرى بعد نهاية الكشوف الجغرافية الأوربية وظهور نتائجها ، وذلك بسبب قرب القارة من أوربا ثم غنائها بالموارد الطبيعية التي كان يبحث عنها الأوربيون ، وإذا نظرنا إلى النتائج العامة لكل الكشوف الأوربية في العالم نجدها تشمل ثلاثة جوانب هي (14)  :
1.  تلبية معظم الحاجات التي خرج الكشافون من أوربا لأجلها مثل إشباع الغرائز الشخصية كحب المغامرات والحاجات ذات الطابع الاقتصادي كالذهب والحجارة النفيسة وتأمين طرق تجارية بعيداً عن العثمانيين ومعرفة منابع الأنهار وخلافها .
2.  معرفة أراضٍ جديدة هي استراليا والأمريكتين والقارة القطبية الجنوبية وبعض أجزاء أفريقيا برأس رجائها الصالح الذي حل إشكال الطريق إلى شرق آسيا ، وتبعاً لذلك تغيرت الخرائط القديمة وعرف الأوربيون تفاصيل الأجزاء الداخلية للقارات خاصة إفريقيا .
3.  الفوائد العلمية التي أدت إلى توسيع المعرفة الجغرافية ورسم الخرائط وتصحيح القديمة منها كالتي تتعلق بالرياح التجارية والرياح العكسية ، وقد عرف الأوربيون نباتات وحيوانات ما كانوا يعرفونها من قبل ، كما أفادوا من كل العلوم التي وجدوها في البلاد المكتشفة ونشروا  ما عندهم من تقنيات ولغات ومهارات اقتضتها حركتهم لتحقيق أهدافهم .

أما بالنسبة لنتائج الكشوف المتعلقة بإفريقيا فإنها عديدة وديناميكية أي مستمرة حتى الوقت الراهن متمثلة في تداعيات الاستعمار بأشكاله المختلفة والعلاقات السالبة والموجبة التي ينتج عنها ما ينتج من مشاكل من حين لآخر ، فمن أهم النتائج السلبية وما ترتب عليها نجد الآتي(15):
  1. صارت القارة الإفريقية مستعمرة من قبل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا والبرتغال مع أن الأخيرة هي السابقة منذ أمد بعيد في الكشف والاستيطان ، وكان من أهم ذرائع السيطرة الاستعمارية حينها أنهم يهدفون إلى نشر الحضارة المتقدمة والمدنية في أرجاء العالم المختلفة رغم أن ذلك الاستعمار كان السبب في العديد من المشاكل التي ما زالت تعاني منها إفريقيا.
  2. استيطان عناصر أوربية في بعض أجزاء أفريقيا خاصة تلك التي تشبه أوربا من حيث الخصائص الجغرافية الطبيعية كمنطقة الكاب وموزمبيق وكينيا وروديسيا الجنوبية والشمالية وقرب مضيق جبل طارق.
3.  صارت إفريقيا تضم أكبر عدد للوحدات السياسية تضمه قارة واحدة في العالم. (شكل "6" التالي) (16).
  1. تم استغلال كثير من الموارد الإفريقية من قبل الأوربيين ، حيث قامت صناعات بريطانية وفرنسية معتمدة على الخامات الإفريقية وذلك بعد إدخال الزراعة العلمية الواسعة والأساليب الحديثة للتنقيب عن المعادن.
5.  استمرار السيطرة الاقتصادية غير المباشرة على القارة وكذلك السيطرة الحضارية بشقيها الثقافي المتمثل في بعض العادات واللغات والتقني الذي صارت إفريقيا تابعة فيه للأوربيين حتى اليوم.
6.  نتيجة لضعف بعض المراكز الحضارية الصغيرة أمام الزحف الأوربي تلاشت بعض القوميات وفقدت مقوماتها المتعلقة بشخصيتها المحلية خاصة في جنوب إفريقيا وشرق تشاد وموزمبيق وبعض البربر وخلافهم.
7.  بذر الأوربيون أوضاعاً جغرافية تزكي الصراع والنزاع بين القوميات الإفريقية المختلفة بوضع تقسيم سياسي غريب على المجتمعات وحدود سياسية تشق القومية الواحدة لأكثر من دولة وتأليف بين قوميات متناقضة تشتعل بينها حروب يعمل الأوربيون على إزكائها ، فالحدود السياسية التي رسمت قصد بها أساساً وضع حالة من عدم الاستقرار.
ومن جانب آخر هناك نتائج توصف بالإيجابية في حق القارة الإفريقية لكونها أفادت منها في جوانب عديدة ، فقد كانت الحضارات الإفريقية الجنوبية والوسطى في اتصال ضعيف بالعالم الخارجي مما لم يمكنها من إيجاد التفاعل الإيجابي المطلوب والتبادل الحضاري الجيد ، ومن أهم تلك الجوانب الإيجابية (17)  :
1.  تغيير طبيعة بعض مجتمعات إفريقيا ، حيث صارت خليطاً من طبائع القبائل القديمة وبعض مكونات الحضارة الأوربية كما في نيجيريا والكنغو برازافيل التي كون فيها المكتشف دي برازا مملكة حكمها وموزمبيق .
2.  انتهاء تجارة الرقيق بانتصار الأوربيين الذين كانوا يعارضونها على الذين كانوا يريدون استمرارها واستغلال الإنسان الإفريقي.
3.  اعتنقت مجتمعات إفريقية كثيرة الديانة المسيحية بمذاهبها المختلفة التي توجد في أوربا مع وجود بعض الصبغة الإفريقية لها مثلما حصل في اعتناق الإسلام عند انتشاره في عصور سابقة ، وذلك رغم قصد الأوربيين توثيق الصلات الأخرى التي يريدونها مع إفريقيا.
4.  أفادت أفريقيا من التقنيات الطبية الأوربية في علاج بعض الأمراض التي توطنت في إجزائها الداخلية كالملاريا والحمى الصفراء والطاعون ومرض النوم حيث هبطت معدلات الوفيات وتضاعفت نسب السكان في العديد من البلدان الإفريقية خلال 25 عاماً.
5.  تسبب الأوربيون في الاتصال السكاني بين إفريقيا والقارات الأخرى ، فقد أسهم في ذلك تجارة الرقيق التي أوجدت الإنسان في الأمريكتين وعرف الأفارقة السفر إلى آسيا وغيرها بشكل مكثف وواسع.

وخلاصة نتائج الكشوف تتمثل في تغير أوضاع القارة الإفريقية حتى تتماشى مع أطماع الدول الأوربية ، فقد اختلف التوجه الحضاري الذي كان في شمال القارة متجهاً نحو الشرق أي الإسلام وآسيا حيث سيطرة العثمانيين والممالك الإسلامية الإفريقية مثل مالي وصنغاي ووداي والفور وباقرمي وخلافها مما هو على الساحل الشمالي نحو أوربا وفي جنوبها كانت هناك حضارات ذات حجم كبير مثل مونوموتابا وكيانات إفريقية صغرى أخرى ، وبذلك تم إيقاف التطور الذاتي المستقل ليتجه نحو أوربا وحسب إرادتها.

العلاقات الأوربية الإفريقية المعاصرة:

كل ما ذكر في الفقرات السابقة يجسد ماهية الكشوف الجغرافية بصفة عامة وما كان من تأثيرها المتعلق بالقارة الإفريقية وما أفضت إليه من نتائج غالبها سلبي ظلت القارة تعاني منه حتى الوقت الحاضر ، ورغم جهود الوطنيين الأفارقة وحركات النضال التي عملت على التخلص من الاستعمار وتبعاته المختلفة إلا أن كل ما حصلت عليه إفريقيا بفضل ذلك تم تطويقه بواسطة القوى الاستعمارية وتوجيهه ليصب في مصالحها أي أن القارة الآن تعيش مرحلة الاستعمار عن بعد (18)  ، وكأنما لا زال الاستعمار المباشر جاثماً عليها ، وصار من الصعب الاستقلال التام عن القوى الأوربية في أي مجال من المجالات التي يمكن اعتبارها داخلية أو ذات علاقات خارجية ولو كانت مع غير أوربا ، وكل ذلك تم ترتيبه منذ عهود الاستعمار الأولى لتظل إفريقيا كغيرها من بقاع العالم الثالث غير قادرة على الانفكاك من براثن القوى الإمبريالية بسبب السيطرة الاقتصادية والسياسية وإعاقة الاستقرار والتناحر بين القوميات المختلفة والديون والآثار السالبة للعولمة ، حيث تم ترتيب وزرع معظم هذه الأمور قبل ترتيب استقلال الدول الإفريقية التي وضعها وأثر فيها الأوربيون كذلك .
ترتيب استقلال المستعمرات:
إن استقلال الدول الإفريقية عن المستعمرين لم يكن إلا نتيجة للشعور الوطني الذي كان متنامياً بين الأفارقة ضد المستعمرين وضرورة الخروج من الذل والدونية التي كان يكرس لها الأوربيون لتستمر وصايتهم المباشرة على إفريقيا ، غير أن المستعمر عندما تنبه لذلك لم تغلبه الحيلة في تكييف ما نتج عن ذلك الشعور الإفريقي ليتجه نحو هدفه ، وهو بقاء حاجة الأفارقة إليه ووضع الكثير من ترتيبات الاستقلال التي تضمن له التأثير القوي المباشر وغير المباشر مستقبلاً ، فقد صمم المستعمر الحدود السياسية بين الدول في أشكال هندسية وخطوط تساير الخطوط الفلكية حيث تخلو الدول الأوربية تماما من هذين النوعين من الحدود (19)  ، لأنهما أصلاً من الأشكال الجالبة للمشاكل والصراعات بين الدول وقومياتها ، والهدف من ذلك تفتيت القومية الواحدة بين عدة دول مثل الزغاوة وبعثرتهم في كل من السودان وتشاد وليبيا، والزاندي في كل من الكنغو ويوغندا والسودان وإفريقيا الوسطى ، وغير ذلك هدف المستعمر إلى تفتيت الدول السابقة ذات الثقل الحضاري إلى عدة دول حتى لا يربط بينها رابط وطني واحد وتعود لتأثيرها الحضاري السابق مثل مالي الإسلامية ومونوموتابا في الجنوب الإفريقي وشمال إفريقيا المسلمة ، وكان ضمن الترتيبات التي اتخذها تسليم الكثير من المسؤوليات الاقتصادية لأيادٍ غير إفريقية مثل الهنود في كل من يوغندا وكينيا وبعض الدول والأوربيين في كل من جنوب إفريقيا وبتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق وغيرها ، ثم عمد المستعمر إلى خلق حالات شذوذ قومية بإلصاق قوميات يمكن أن تكون ذات وحدة مستقلة لأسباب حضارية مع دول أخرى مثل أوغادين وتبعيتها لإثيوبيا ووضع إرتريا كذلك ثم عدم حسم مسألة الصحراء الغربية أثناء الاستعمار لتظل بؤرة صراع.

الهيمنة السياسية والاقتصادية:

من أهم ما يجسد العلاقات الأوربية الإفريقية في العصر الحاضر الهيمنة الاقتصادية والوصاية السياسية بطرق متعددة منها المباشرة وغيرها ، فبالرغم من كون القارة غنية بمواردها الطبيعية بسبب تعدد دوائر العرض فيها وهي الدالة على التنوع المناخي وما يتبعه من تعدد في الموارد السطحية والباطنية، وما تتمتع به من خصائص الموقع الأوسط واستراتيجيته، ثم تعدد الموارد البشرية التي فيها الكثير من السلالات المختلفة ذات الخلفيات الحضارية المتباينة ، فإفريقيا تحتفظ بنحو 3% من إجمالي احتياطي البترول في العالم، وبها 5% من احتياطي الغاز، ونحو ثلث احتياطي اليورانيوم، ونحو (70%) من الفسفور، و (55%) مــن الذهــب، و (87%) من الكـروم، و (57%) من المنجنيز، و (42%) من الكوبالت... إلخ. ناهيك عن ثراء القارة في مواردها الطبيعية الأوفر، مثل: المياه، والزراعة (20 ) ،  ورغم ذلك لا تزال القارة غير قادرة على استغلال تلك الموارد واستخدامها لرفاهية شعوبها بسبب فرض المستعمر العديد من السياسات الاقتصادية التي جعلت القارة تابعاً له ومجرد مخزن للخامات يأخذ منه حسب حاجته ويصنعه حيث شاء ثم يمنح ما يفيض عن حاجته لها ، ومن أكثر الإجراءات قساوة في ذلك الديون ذات الشروط المذلة والفوائد التي تتضاعف كيفما يريد الدائن رغم كونه فقيراً في موارده الذاتية.
ويتبع السيطرة الاقتصادية الهيمنة السياسية التي تبرز في حالات عديدة بمظاهر شاذة لا تشبه التاريخ الإفريقي ولا الأعراف الحضارية التي تليق بالقارة ، وهي في مضمونها لا تختلف عن العهود الاستعمارية المباشرة السابقة ، فقد حصرت أغلب الشعوب والدول الإفريقية عبر سياسات المنظمات الدولية في نطاقات سياسية ضيقة هي المصالح الوطنية للدولة بغض النظر عن محيطها الإقليمي أو القاري وهو ما يمثل حالة (فرق تسد) أي تكون الكتلة الإفريقية كلها مجزأة ومتبعثرة لا يهم كل جزءٍ إلا شأنه المحلي ، ولحماية هذه الترتيبات الاستعمارية يتم استخدام ما يسمى بالشرعية الدولية وهي شرعية الرجل الأوربي ، فلا إطار ولا نشاط ولا تحرك إلا وفق ما تسمح به تلك الشرعية ، ومن خلال ذلك يمكن فهم حالة المستعمرات الفرنسية ومشاكل الجزائر وصراع زيمبابوي من أجل ترتيب اقتصادها الداخلي.

إعاقة الاستقرار:

الدور الأوربي في الصراعات الإفريقية يمثل صورة معبرة عن العلاقات السالبة بين القارتين ، وتلك الصراعات لا تكون في شكل واحد أو بسيط ، فهي معقدة حسب طبيعة المجتمعات الإفريقية المتعددة والمتنوعة ، فعندما يكون هناك استقرار يكون بسببه نمو وتقدم طبيعي للدولة في شتى الجوانب الحضارية الثقافية منها والتكنولوجية مما يؤدي إلى تطور طبيعي في المجتمع ويتمكن بذلك من استغلال الموارد البشرية والطبيعية التي تكمن في أرضه وبالتالي تكون في الدولة قوة ذاتية تمكنها من ملء وظيفتها الجغرافية الداخلية والخارجية ، وهو ما يعرف بالوضع الجيوبوليتيكي ، وهذا كله يؤدي إلى عظمة الدولة ثم قوة الإقليم ثم عظمة القارة وذاتيتها الجيوبوليتيكية (21)  ، وإذا تم ذلك فإن إفريقيا يمكنها أن تمثل دور القائد أو القطب المسيطر في العالم وهو ما قامت به أوربا سابقاً ثم الولايات المتحدة الأمريكية حالياً رغم بعدهما الجغرافي عن معظم دول العالم الثالث ، وأفريقيا إذا قدر لها ذلك فإنها ستكون متميزة لأنها وسط العالم وزاخرة بموارد سطحية وباطنية عديدة وعلاقات مكانية ممتازة ، ولا يمكن أن ينتج كل ذلك إلا بسبب الاستقرار ، وهو ما تحاربه أوربا بإذكاء الصراعات الإفريقية وتشتيت أي مجتمع إفريقي تكون فيه بذرة قوة ذاتية أو سمة استقرار يؤدي إليها ومن أمثلة ذلك إثارة المشاكل بين القوميات المختلفة كحالة السودان وصراعاته بين الشمال والجنوب ثم بين الغرب والوسط ثم بين الشرق والوسط ثم تجميد استخراج البترول من قبل شركة شيفرون الأمريكية علماً بأن هذه الصراعات بذورها مدفونة منذ العهود الاستعمارية ، ويفهم في إطار ذلك تجميد الوضع الصومالي حتى لا تتمكن من استغلال مواردها وموقعها الاستراتيجي ، وكذلك صراعات ساحل العاج الداخلية ، وكل ذلك حتى لا تلتفت القارة إلى صنع استقرارها ووضع نفسها في الموضع الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه.

استغلال العولمة

تعني العولمة فيما تعنيه جعل الشيء عالمياً ، وهذا المعنى البسيط هو المقصود في الاستخدام الصحيح لهذه الكلمة ، وبالمعنى المطلق كل الشعوب لها حضارات تعكس ذاتها وهي نتاج المجهود الفكري الثقافي المحلي إضافة لما يرد إلى الأمة المعنية من الأمم الأخرى عبر الاتصال المجسد في العلاقات الخارجية ، فمن المستحيل انغلاق أمة على نفسها ، ويعني هذا أن العولمة في أصلها ضرورة لكل شعوب العالم ، لكن المستجد في العصر الراهن، ويقصد به استخدام العولمة، يعكس استغلال الأمم القوية أو العظمى الأمم والشعوب الضعيفة عبر المجهود الاتصالي الخارجي (22) ، وإذا نظرنا إلى العلاقات الإفريقية الأوربية المعاصرة نجد أن إفريقيا ضمن ذلك العالم الثالث الذي تستغله أوربا عبر مكونات العولمة التي تتجسد في المجالات الإعلامية والسياسية والاقتصادية ، ففي المجالات السياسية يتم استخدام المؤسسات الدولية المكونة للأمم المتحدة وهي المنظمات المتخصصة في المجالات المختلفة ومجلس الأمن والوكالات الدولية ، ومن غرائب الأمور أن يكون في القارة الإفريقية اتحاد مستقل نظرياً لدولها وفيه مجلس أمنه الخاص به ثم يكون عملياً تابعاً وخاضعاً في كثير من أنشطته لمؤسسات هي خارج إفريقيا في غير ذلك الارتباط المؤسسي المنطقي مع الأمم المتحدة .
وفي المجالات الإعلامية وهي أهم المجالات التي تبث من خلالها الثقافة الأوربية وما تريده أوربا على العالم يتم استخدام مختلف أجهزة الاتصال كالانترنت والفضائيات والدوريات ومختلف المقروءات (23)  ، حيث يقول أحد الباحثين الغربيين وهو يصف الغزو الثقافي الأوربي : ( ينطلق فيض من بلدان المركز ليجتاح الكرة الأرضية ، يتدفق على شكل صورة ... كلمات .. قيم أخلاقية ، قواعد قانونية ... مصطلحات سياسية ... معايير ...  كفاءة ... ينطلق كل ذلك ليجتاح بلدان العالم الثالث من خلال وسائل الإعلام ، المتمثلة في إذاعات وتلفزيونات ، وأفلام وكتب ، واسطوانات فديو ، وأطباق استقبال فضائية ، ينطلق عبر سوق المعلومات التي تحتكرها الوكالات العالمية الأربعة : أسوشييتدبرس ويونايتدبرس "الولايات المتحدة" ورويتر "بريطانيا" وفرانس برس "فرنسا" وتسيطر الولايات المتحدة على (65%) من تدفق هذه المعلومات ) وقد قال من قبل وزير العدل الفرنسي Jack Toubon (إن الانترنت بالوضع الحالي شكل جديد من الاستعمار ، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر) (24)   
   وهذا الوصف في حد ذاته للانترنت من مسؤول غربي أمر غريب ، فإذا كان هو كغربيٍ يخاف على خصوصية بلده وحضارتها كدولة غربية من الانترنت وما يحويه فماذا يقول الرجل الإفريقي أو العربي أو المسلم أو قل الآسيوي المحافظ وهو الذي يختلف كلية عن أسس الحضارة الغربية ؟ فالغزو الثقافي العنيف للعالم الثالث يستهدف تتبيع المجتمعات وتذييلها للغرب وجعلها هوامش لمركزه، ومكانة إفريقيا في ذلك متأخرة جداً .
وفي المجال الاقتصادي تتضح صورة التطلع الأوربي للسيطرة على موارد إفريقيا أكثر وذلك عبر أدوات العولمة المعروفة ، وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونظام القروض ثم الاتفاقيات الاقتصادية المختلفة والتي أهمها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة المعروفة باسم (الجات) حيث تمخضت عنها المنظمة العالمية للتجارة ، وما ينتج عنها والاتفاقية يصب غالباً في مصلحة الدول العظمى المستقرة ذات النظم الاقتصادية العملاقة الثابتة ، كما تعمل السياسات الصادرة عنها على جعل كل السياسات الاقتصادية والتجارية في كل الدول شأناً عالمياً وليس بالضرورة كونه داخلياً ووطنياً ، وقد تتعرض الدول التي لا تساير تلك السياسات لمقاطعات وعقوبات تضر بها كثيراً ، ومن أهم أوجه الاستغلال السيء للعولمة من قبل الأوربيين الشركات متعددة الجنسيات التي تقوم بدور الحاكم الفعلي في بعض البلدان الفقيرة الصغيرة ، وبصفة عامة يعتبر (الاستعمار الغربي داخلاً في نطاق العولمة السلبية ، لأن مهمته كانت تقتصر على استغلال الموارد الطبيعية ، وتوفير المواد الخام لصناعاته ، والأيدي العاملة التكميلية ، وتأمين سوق مفتوحة لبضائعه ، على أنه كان ينتظر الوقت الذي يستطيع فيه أن يستغني عن القوة العسكرية والتدخل المباشر ليعتمد في حراسة مصالحه على ما يسميه "الصداقة" ، وكان منح الاستقلال للمحميات والمستعمرات بعد المواجهات الدامية وسيلة تخدم هدفاً مزدوجاً هو : إيجاد التواصل وإنشاء علاقة مستقرة ظاهرها الود والتفاهم وأساسها حراسة مصالح المستعمر ، وتطوير السبل الكفيلة بدعم برامج التغريب Westernization التي تطمح إلى طبع البلدان المختصة بطابع الحضارة الغربية ) (25)
أوضاع القارة الإفريقية المؤثرة في استغلال الموارد:
اختلفت أوضاع القارة الإفريقية بعد استعمارها من قبل القوى الأوربية نتيجة للكشوف الجغرافية التي قامت بها ، وكما سبقت الإشارة فإن عدم الاستقرار الذي تتصف به إفريقيا من حين لآخر والذي يشمل في الغالب معظم أجزائها يجعلها غير قادرة على استغلال ثرواتها الطبيعية الهائلة فضلاً عن العجز الشديد عن تنظيم الموارد البشرية التي تتمتع بها ، فهي قارة فيها 54 دولة وما يفوق 500 مليون نسمة وتقع في منتصف قارات العالم ، كما يقسمها خط الاستواء نصفين مما يجعلها متعددة المناخات والتضاريس والموارد ، وكذلك في الجوانب البشرية ، وكل تلك الموارد والإمكانات لا تجد الاستغلال الأمثل الذي يظهر الوضع الجغرافي الحقيقي للقارة (26)  ، وأهم العوامل التي تتسبب في ذلك هي عوامل عدم استقرار تتجسد في الحروب والأزمات وحالات المناطق العالقة التي لم يتيسر لها حتى الآن الانضمام إلى أي من الدول أو الاستقلال كدول لذاتها إضافة للفقر الذي يحد من إمكانية إيجاد الآليات التي تستغل عبرها الموارد ، ثم التنافس الدولي لقوىً لا تراعي سوى مصالحها الخاصة .

حروب القارة الإفريقية:

تعتبر الحروب في إفريقيا من أكثر عوامل عدم الاستقرار بروزاً وتأثيراً في أوضاع دولها المختلفة ، فمنذ نهايات القرن التاسع عشر لم تشهد القارة حالة استقرار كاملة لعقد واحد من الزمان دون حرب في جزء من أجزائها ، وأهم أسباب تلك الحروب تتمثل في تداعيات الحربين العالميتين الأولى والثانية وما جرى بسببهما من صراعات بين القوى الأوربية في مستعمراتها الإفريقية مثل إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها ثم حركات النضال المسلح في بعض دول القارة من أجل الاستقلال عن المستعمرين كما جرى في الجزائر وناميبيا وموزمبيق وأنغولا ، كما أن هناك نوعاً آخر من الحروب وهو الصراع بين الدول كحالة ليبيا وتشاد وصراعهما حول منطقة أوزو والحرب بين السنغال وموريتانيا ثم بين أرتريا وإثيوبيا ، غير أن أشرس الحروب التي دارت في القارة هي الحروب الأهلية التي تكون عادة بين القوميات بسبب التمرد الذي ينتج عن الأوضاع غير الموفقة في مجتمع الدولة الواحدة مثل حالة السودان وتشاد ويوغندا ويمكن إدراج حالة الفصل العنصري التي كانت سائدة في جنوب إفريقيا ضمن الصراعات الداخلية للدول الإفريقية لأنها عطلت الموارد البشرية للسود خاصة ثم قسماً كبيراً من الموارد الطبيعية التي كان بإمكانها إفادة الأفارقة السود .
وحالات الحروب بأنواعها الخمسة (شكل "7" التالي) لازمت إفريقيا وكانت سبباً في تجميد الكثير من مواردها المختلفة ، ويشير موقع (Africasunnews.com) (27) إلا أن الدول التي تعيش حالة حرب أو ما بعد حرب في العقد الراهن يبلغ السبع عشرة دولة (جدول "3" التالي) كما أشار إلى أن كل تلك الدول غنية بموارد متعددة مثل الأخشاب والنفط والألماس وغيرها مما تحتاج إليها صناعات ثقيلة وأخرى لدى الدول المتقدمة ، والحروب تحقق الأهداف المتعلقة بتدمير بنيات الدولة وجعل سكانها نازحين غير مستقرين وغير مفكرين في تصنيع الخامات النفيسة التي لديهم بل قد تسرق منهم (28)  .
والنسبة المئوية التي يمكن استشفافها من الجدول أعلاه من جملة دول إفريقيا البالغة 54 دولة هي 31% أي قريباً من نصف إفريقيا في حالة حرب أو تداعياتها ، حيث يتم بذلك تدمير الموارد البشرية وتجميد الموارد الطبيعية .
وأكثر ما يدهش الباحث في عوامل عدم الاستقرار بإفريقيا ما ورد في موقع (Infoplease.com)  عن كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي ذكر أن هناك أزمات منسية ((Forgotten Crises من قبل الأمم المتحدة بسبب انشغالها بأوضاع أفغانستان والعراق ، علماً بأن عدد 16 منها في إفريقيا ، وهي نسبة 80% من تلك الأحوال ، كما يوضحها الجدول رقم "4"  التالي (29)  :

جدول رقم (4) الأزمات المنسية من قبل الأمم المتحدة في العالم
الأزمة
الدولة أو الإقليم
رقم
فقر ما بعد الحرب واللاجئون
1
الحرب الأهلية
بورندي
2
فقر ما بعد الحرب وعدم الاستقرار السياسي
أفريقيا الوسطى
3
الحرب
4
الحرب
  جمهورية الكنغو الديمقراطية
5
النقص الغذائي والجفاف
6
الأزمات واللاجئون والأيدز
إقليم البحيرات العظمى (أفريقيا)
7
الفقر واللاجئين
8
فقر ما بعد الحرب
9
المجاعة
كوريا الشمالية
10
فقر ما بعد الحرب
11
سقوط الدولة
12
الفقر والأيدز
جنوب إفريقيا
13
الحرب
14
فقر ما بعد الحرب
15
اللاجئون
16
الأزمات واللاجئون والجفاف
17
الأزمات وتدمير الاقتصاد
  والضفة الغربيةغزة
18
الأزمات واللاجئون
غرب إفريقيا
19
الدمار الاقتصادي
20
المصدر : www. Infoplease.com

فإذا كانت الأمم المتحدة تنسى 16 حالة عدم استقرار في إفريقيا وتتسبب القوى الاستعمارية في 17 حالة عدم استقرار كذلك فلن تتمكن أفريقيا من استغلال مواردها بالصورة التي تحقق لها التقدم والنمو المطلوب لاستقرار شعوبها واستقلاليتها ، وذلك من أهداف الدول العظمى .

المناطق العالقة:

توضح المناطق العالقة أسوأ أساليب المستعمر في السيطرة على موارد إفريقيا بصورة مباشرة ، وتعكس جانب الحسد الامبراطوري ، حيث التعليق يعني جعل منطقة ما أو دولة في حالة طوارىء أو وضع بين الاستقرار وعدمه أو بعبارة أخرى تجميد الأنشطة التي يمكن أن تقوم بها تلك المنطقة لخدمة رقيها ورفاهيتها ، فتكون غير قادرة على استغلال أيٍ من مواردها ، والأسوأ في الأمر أنه يمكن أن تنهب وتسرق ثرواتها ويتصرف فيها عبر حركات التمرد أو أنصاف الحكومات لجهات استعمارية وشركاتها بالسعر الذي تفرضه وغالباً ما يكون المقابل قوت اليوم ومزيداً من السلاح المفضي إلى مزيد من حالة عدم الاستقرار .
ويكون من أهداف تعليق المناطق إظهار قوة المستعمر وتذكير الدول التي تستقر حسب الكيفية التي يريدها أنها إذا لم تساير سياساته سوف تلقى نفس المصير ، ويهدف كذلك لمحاربة أي استقرار يمكن المنطقة المعلقة من توفيق أوضاعها ، وبذلك تتدهور الموارد البشرية وتتجمد الموارد الطبيعية .
وأهم المناطق التي تنطبق عليها سياسات التعليق هي ناميبيا التي كانت تحت نفوذ جنوب إفريقيا التي كان يسيطر عليها البيض بنظام الفصل العنصري أي توابع القوى الاستعمارية المباشرين ، ثم استقلت تلك الدولة لتدخل نطاق السيطرة غير المباشرة ، وكذلك إرتريا التي جمدت كإقليم ضمن إثيوبيا وجمدت بحروبها موارد إثيوبيا ثم استقلت كذلك واستخدمت لخدمة عدم الاستقرار لكل من السودان وإثيوبيا واليمن ، ثم الصحراء الغربية التي عرفت بمواردها الباطنية الثمينة فجمدت هي لتجميد مواردها واستخدمت للتأثير على المغرب ، ثم مدينتا سبتة ومليلة المغربيتان تحت القوات الاسبانية وهما مثال ظاهر لقوة المستعمر (30)  ، كما تدخل دولة الصومال ضمن مناطق التعليق لتجميد الموارد التي تذخر بها في موقعها الاستراتيجي وسطحها المتنوع وباطنها .
الفـقــــر:
يعتبر الفقر المدقع الذي تعاني منه غالبية شعوب إفريقيا ظاهرة غير مقنعة إذا ما قورن ما تمتاز به إفريقيا من مزايا موقعية وموارد مع القارات الأخرى ، وتلك الغالبية من الدول تعاني من فجوة الموارد المحلية، وهي الفجوة القائمة بين معدل الاستثمار المطلوب تحقيقه للوصول إلى معدل النمو المستهدف وبين معدل الادخار المحلي الذي يتحقق في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية معينة (31) ، ووضع إفريقيا بناءً على ذلك يظل غير مستقر وفاقد للكثير من البنيات الأساسية التي تتطلبها حتى التنمية المستدامة أو المتوازنة (جدول "5"  التالي) ولا توجد نسب كبيرة من دخول السكان يمكن القياس عليها على أنها دخول عالية بل دخول منخفضة ومتوسطة فقط عند مقارنتها بالدخول العالمية .
جدول رقم (5) دخول الأفراد في القارة الإفريقية لعام 2001م
عام الإحصائية
دخل الفرد بالدولار
تصنيف الدخل
عدد الدول التي تتصف به
النسبة المئوية من جملة دول القارة
2001م745منخفض4074%
2001مبين 746 و9205متوسط1426%
  1. المصدر : من قبل الباحث مستفيداً من يوسف ، www.saaid.net.

فنسبة 74% من الدول بدخول منخفضة عالمياً يعني الفقر والفقر في حد ذاته عقبة من عقبات التنمية واستغلال الموارد المتاحة أياً كانت (32)  ، (فالفقير ليس من تنقصه الأموال والثروة المادية فقط، ولكن هو من يعاني من ضعف مستوى الدخل ومن ثم الاستهلاك، وضعف نصيبه من الخدمات التعليمية، والصحية، والأمن؛ نتيجة تعرضه للتقلبات الاقتصادية، وكذلك يعاني من ضعف فرصته في المشاركة السياسية، ومن ثم فرصته في الوصول إلى السلطة.وبهذا المعنى لا يصبح الفقير فقيراً بالوراثة، ولكنه يصبح كذلك عند افتقاده للوسائل والأدوات التي تمكنه من الخروج من دائرة الفقر والتهميش، وتعينه على تحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي) (33) وليس ذلك فحسب فالفقر يجعل الشخص الفقير فقيراً في حياته كلها من حيث الفكر والثقافة والتطلع والطموح والاستفادة من الفرص المتاحة أمامه لتغيير مستواه المعيشي ، وأغلب الدول الإفريقية بوصفها فقيرة لا تستطيع إحداث تنمية واستغلال مواردها بالصورة التي تلبي طموحات شعوبها لعقبات كثيرة منها معوقات اقتصادية من تخلف في الأوضاع الاقتصادية، واعتماد أغلب الاقتصاديات الإفريقية على تصدير السلع الأساسية، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية. ومعوقات اجتماعية من ارتفاع معدلات الأمية، وانتشار الفساد الذي يلتهم جزءاً كبيراً من عوائد التنمية، وضعف المعارضة والمجتمع المدني، ومعوقات سياسية من وجود نظم سياسية دكتاتورية تقمع المشاركة الشعبية، وتحظر التعددية الحزبية؛ فلا تسمح برأي غير رأي الحكومة. ومن هنا يشعر المواطن الإفريقي، إلى جانب فقره بالظلم والاغتراب فيضعف انتماؤه للدولة، ويختفي أمله في إمكانية تغيير أوضاعه، وتحسين مستواه(34).

التنافس الدولي على إفريقيا:

إن الاهتمام الدولي بإفريقيا والتنافس على إيجاد الروابط المختلفة معها ليس بالأمر الجديد، فبسبب الأطماع الأوربية كانت الكشوف الجغرافية في مراحلها القديمة والوسيطة ، وكان من أهم ما نتج عن تلك الكشوف ما أطلق عليه (مثلث الأطلنطي التجاري) (35)  ويعنى به العملية التجارية التي كان ضلعها الأهم تجارة الرقيق التي نقل فيها خلال الفترة 1650 – 1850م حوالي تسعة ملايين إفريقي إلى الدنيا الجديدة في عمل غير إنساني هدفه تحقيق الرفاهية والاستقرار الاقتصادي للمجتمع الغربي (36) ، (فخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر تدافع البريطانيون، والفرنسيون، والهولنديون، والبرتغاليون، وغيرهم من الأوروبيين من أجل بسط هيمنتهم الاقتصادية والتجارية في إفريقيا، وقاموا ببناء الحصون والقلاع على طـول سواحل غرب إفريقيا؛ وذلك بهدف حماية مصالحهم التجارية وتنميتها ، ثم دعا المستشار الألماني بسمارك في عام (1884م) إلى عقد مؤتمر دولي لتخفيف حدة التنافس بين الدول الأوروبية في إفريقيا، وقد انتهى هذا المؤتمر إلى وضع قواعد عامة لتأسيس مناطق الهيمنة التجارية ) وكان من أساليب السيطرة على إفريقيا عقد معاهدات مع ممالكها حيث (اعتقد كثير من الأفارقة في بداية المرحلة الاستعمارية أن توقيع المعاهدات مع الأوروبيين: هو نوع من التحالف، أو تدعيم أواصر الصداقة أكثر من كونه عملاً من أعمال الاحتلال والسيطرة؛ وعليه فإن ممالك إفريقية مثل: (التيف، وبورتو نوفو، ودوالا) دخلت في اتفاقات مع دول أوروبية، وقد اشتكى ملوك هذه الأمم الإفريقية بمرارة، حينما انتهكت هذه الاتفاقات، وربما أثرت الشعارات التي رفعها الأوروبيون لتغطية أهدافهم الاستعمارية الحقيقية وقد أفضت عملية التدافع الأوروبي على احتلال أفريقيا إلى خلق ظاهرة الدولة الحديثة؛ إذ سعت الدولة الأوروبية إلى وضع أسس السلطة الاستعمارية فأنشأت الهياكل الإدارية، والبنى الأساسية اللازمة لتحقيق هذا الغرض، ومِنْ ثَمّ فإن الدولة الإفريقية المعاصرة في معظم الحالات: هي نتاج استعماري؛ إي أن أساسها مصطنع، ولا تعبّر عن واقع اجتماعي، واقتصادي، وسياسي وفقاً لمفهوم الدولة القومية؛ فالإقليم وهو وعاء الدولة ليس إلا نتاج تحديد تعسفي من السلطة الاستعمارية في إطار منظومة توازن القوى التي حكمت عملية تخاطف إفريقيا، ومجتمع الدولة يموج بالعديد من الجماعات المتمايزة في ثقافتها ولغاتها وأديانها، ومِنْ ثَمّ انتفت إرادة التعايش الجماعي في سياق هذه الدولة المصطنعة؛ ولذلك فإن ظاهرة الدولة الإفريقية التي أنشأها الاستعمار: هي تعبير قانوني أكثر من كونها حقيقة واقعية واجتماعية ) (37) وحتى حصول دول القارة على استقلالها الذي رتب فيه المستعمر مصالحه وطريقة سيطرته إنما هو فصل من فصول التنافس الامبراطوري الاستعماري لتنتهي الطريقة القديمة وتبدأ فصول أخرى أقل تكلفة من حيث الجهد التكالبي على إفريقيا .
وأثناء الحرب الباردة اتخذ (التكالب الأوروبي على موارد القارة الطبيعية شكلاً آخر يتفق مع طبيعة النظام الدولي السائد: ففي إطار سياسات الحرب الباردة، والمواجهة الأيديولوجية بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي كانت القارة الإفريقية هي الضحية. وقد عبّر عن ذلك الموقف المثل الإفريقي القائل: «إذا تصارع فيلان فإن الذي يُعاني هي الحشائش من تحت أقدامهما» ولما ظهرت العولمة الجديدة في ثياب أمريكية تكالبت القوى الكبرى مرة أخرى على مناطق الثروة والنفوذ في القارة الإفريقية. وعندما وقعت أحدث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة باتت أفريقيا تُشكّل أهمية محورية في التفكير الاستراتيجي الأمريكي الجديد)   الذي يركز على الجوانب الأساسية التالية (38):
  1. التركيز على مناطق إقليمية معينة، واختيار دولة أو أكثر تمارس دور القيادة مثل: جنوب إفريقيا في الجنوب، ونيجيريا والسنغال في الغرب، وإثيوبيا في الشرق.
  2. طرح قضايا معينة ووضعها على قائمة السياسة الإفريقية للولايات المتحدة، مثل: الإرهاب والتطرف، وتدفق المخدرات، والجريمة الدولية، وحماية البيئة، وحقوق المرأة الأفريقية، و... وهلم جرّاً.
  3. المحافظة على الأمن والاستقرار عن طريق إنشاء قوة إفريقية لمواجهة الأزمات، وهنا يقتصر الدور الأمريكي على التمويل والتدريب.
  4. العمل على محاصرة النظم غير الموالية، والتي تدعم التطرف والإرهاب من وجهة النظر الأمريكية، مثلما كان عليه الحال مع السودان وليبيا.
  5. تأمين وتعزيز فرص الاستثمار والتجارة في المنطقة، وهو ما يؤكد عليه مبدأ التجارة بدلاً من المساعدات.
أما فرنسا وهي المسيطر القوي في إفريقيا أثناء الحرب الباردة فصارت تركز على جانبين هما:
  1. توسيع العلاقات التجارية والسياسية وبسط مساعداتها على مستعمراتها السابقة وغيرها.
  2. عدم التدخل العسكري في نطاق الدول المستخدمة للفرنك

وتعكس حالة دار فور التنافس الدولي و التدخل السافر المنسق بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية ، فبعد القضاء على كل من حكومة طالبان في أفغانستان وحكومة صدام حسين في العراق وما عانته وتعانيه القوى الغربية في البلدين قرر الغرب وضع بساط السيطرة على أهم أجزاء إفريقيا ذات الموارد المتنوعة والمتعددة إما لخلق حالة عدم استقرار لا يمكن معها استغلال تلك الموارد وإما للسيطرة على كيفية استغلالها بصورة مباشرة .
وهذا التنافس الدولي يعتبر من أعنف عوائق التنمية واستغلال الموارد المختلفة ، لكون إفريقيا خالية تماماً من أية قوة ذاتية خاصة بها بل تؤثر في كل مجالات حياتها قوى خارجية ، وكما يقول المثل الإفريقي بضياع الحشيش تحت أقدام الأفيال المتصارعة فإن إفريقيا ما لم تبذل جهوداً استثنائية لا تستطيع الخروج من حالة العجز عن الاستفادة الذاتية من مواردها الوفيرة .
الخلاصة:
تخلص الدراسة مما سبق من الجوانب التي تناولتها إلى أن القارة الإفريقية تعرضت لاحتلال من قبل القوى الأوربية في فترات مختلفة من التاريخ كان آخرها حملات الكشوف الجغرافية ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر مما أدى إلى الاحتلال المباشر وبسط السيطرة الأوربية عليها ، وذلك بسبب الخصائص الجغرافية المغرية التي تمتاز بها من حيث توسط العالم وكونها محور الطرق البحرية العالمية واستراتيجية موقعها فضلاً عن الموارد المتعددة التي تذخر بها وتشمل ما في الموقع والسطح وباطن الأرض طبيعياً وبشرياً ، ولم تكن القارة في تدهور كما شاع عند الأوربيين قبل الكشوف الأخيرة ، بل كانت ذات حضارات مشهودة في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها ووسطها .
وقد ظهر التأثير المباشر للسيطرة الأوربية على إفريقيا وكيفية الاحتلال في عدة جوانب ظلت ماثلة حتى الوقت الراهن مثل شكل الوحدات السياسية واتصافها بالامتداد الشمالي الجنوبي وهو ما يعكس كيفية تقدم الأوربيين عبر السواحل إلى الأجزاء الداخلية ، وكان من أهم نتائج الكشوف وتأثير الاستعمار كذلك عدد الدول الإفريقية الكبير مقارنة بالقارات الأخرى ثم الحدود السياسية التي وضعت بشكل يتسبب في الصراعات والحروب بين الدول المختلفة وهي في الغالب حدود هندسية أو فلكية ، أي قلما توجد حدود إثنوغرافية ، وبذلك تكون القومية الواحدة موزعة في عدة دول ، حيث كان من ترتيب المستعمر أن تقف تلك الحدود عائقاً أمام تقدم الكثر من الدول واستغلال مواردها بالتنسيق مع دول أخرى ، وهي حدود لا تتماشى مع الظواهر البشرية المنسجمة في معظمها ، ورغم النتائج الإيجابية القليلة مثل التعامل المتقدم مع بعض الأمراض كالملاريا والاستفادة من الجوانب الحضارية الأوربية التقنية منها والثقافية إلا أن القوى الأوربية عملت على استغلال كل جهودها لتسخير الموارد الإفريقية لمصالحها .
واتضح من الدراسة كذلك أن العلاقات الأوربية الإفريقية كلها في الوقت الراهن إنما هي علاقات استغلال للموارد الإفريقية وإعاقة استفادة القارة منها وفق أوضاع وأسس تم ترتيبها منذ العقود الاستعمارية وتشمل الهيمنة الاقتصادية والسياسية وتطويع استقلال الدول وهدم أي استقرار تستطيع فيه إفريقيا توفيق أوضاعها والسعي نحو إيجاد قوة ذاتية تؤثر بها داخلها أو خارجها ، كما أن العولمة رغم كونها سلاحاً ذا حدين إلا أنها في الوقت الراهن تصب في اتجاه الضعيف من قبل الغني ، أي يتأثر بها الضعيف سلباً ولا يؤثر عبر المؤسسات الدولية الاقتصادية منها والسياسية أو الإعلامية .
ووضح أن الأوضاع التي تعيشها القارة الإفريقية في الوقت الحاضر لا تساعد في الاستفادة من مواردها الوفيرة ، فهناك الحروب والصراعات التي تعيق استقرار العديد من مجتمعات دولها سواء أكانت بين الدول أم أهلية وغيرها مما تتدخل فيه القوى الأوربية ، ثم هناك المناطق العالقة التي تجمد مواردها وتستخدم لإعاقة الاستقرار في الدول الأخرى كالصحراء الغربية حالياً وناميبيا سابقاً وكذلك إرتريا ، كما أن هناك الفقر الذي تعاني منه نسبة 74% من دول القارة وتعمل السياسات الدولية على إبقائه لتكون إفريقيا في حاجة دائمة لغيرها ، إضافة إلى إشكال التنافس الدولي على موارد القارة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وقوى أخرى لا تراعي سوى مصالحها .
فإفريقيا الآن يظهر فيها التبادل التجاري مع القارات الأخرى بقدر كبير يفوق 93% من جملة تجارتها في حين أن نسبة التجارة البينية في دولها من ذلك لا تفوق 6% ، أي لا تتعامل الدول الإفريقية مع بعضها بالصورة المطلوبة ، ويصنف دخل الفرد في إفريقيا بصفة غالبة ضمن الفئة المنخفضة عالمياً ، وتعتمد أغلب الدول على القروض الخارجية التي قد تؤدي إلى رهن الإرادة السياسية ، وقد ظلت أغلب الموارد الإفريقية معطلة وكامنة لا تستطيع كثير من الدول استغلالها لأسباب أغلبها خارجة عن إرادتها .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
  1. ابراهيم ، عيسى علي ، الفكر الجغرافي والكشوف الجغرافية ، شمال قناة السويس : دار المعرفة الجامعية ، 2000م
  2.  www.unimaps.com
  3.  www.enchantedlearning.com/explorers/page/c/cook.shtml
4.      Causes of Geographical Discoveries :www.pinkmonkey.com/studyguides/subjects/worldhis/chap3/w0303201.asp
  1. نفس المصدر السابق : www.pinkmonkey.com
  2.  www.exploringafrica.matrix.msu.edu/curriculum/lm7/b/whitemansburden.hmtl
  3. مصدر سابق ، إبراهيم ، عيسى علي ، 2000م
  4. نفس المصدر السابق ، إبراهيم ، عيسى علي ، 2000م
  5. نفس المصدر السابق ، إبراهيم ، عيسى علي ، 2000م
  6. نفس المصدر السابق ، إبراهيم ، عيسى علي ، 2000م
  7. www.infoplease.com/ipa/A0105831.html
  8. www.unimaps.com
  9. مصدر سابق ، إبراهيم ، عيسى علي ، 2000م
  10. أبو عيانة ، فتحي محمد ، جغرافية إفريقيا ، بيروت : دار النهضة العربية ، 1983م
  11. مصدر سابق ، إبراهيم ، عيسى علي ، 2000م
  1. مصدر سابق ، أبو عيانة ، 1983م
18. حسن  ، حمدي عبد الرحمن ، تهميش القارة الإفريقية ، www.albayan-magazine.com/qiraat/02/05.htm 
19.  المنقوري ، حسن عبد الله ، الجغرافيا السياسية ، الخرطوم : جامعة السودان المفتوحة ، 2006م
20.  مصدر سابق ، حسن  ، حمدي عبد الرحمن www.albayan-magazine.com
  1. مصدر سابق ، المنقوري ، حسن عبد الله ، 2006م
22.  عوض ، محمد هاشم ، الأبعاد الاقتصادية للعولمة قديماً وحديثاً ، مجلة المال والاقتصاد ، العدد الثالث ، الخرطوم : بنك فيصل الإسلامي السوداني ، أبريل 2005م
23.  الناصر ، إبراهيم ناصر ، العولمة مقاومة واستثمار ، (كتاب البيان) ، الرياض : سلسلة تصدر عن مجلة البيان ، 1426هـ
24.  أمحزون ، محمد ، العولمة بين منظورين ، مجلة البيان ، العدد 145 ، إصدار ديسمبر 1999م ، المنتدى الاسلامي .
  1. نفس المصدر السابق ، أمحزون ، محمد ، ديسمبر 1999م
  2. مصدر سابق ، حسن  ، حمدي عبد الرحمن www.albayan-magazine.com
  3. ww.Africasunnews.com
  4. نفس المصدر السابق ، Africasunnews.com
  5. www.Infoplease.com
  6. 30. الكنبوري ، ادريس   ، العلاقات الاقتصادية بين المغرب وأسبانيا ،www.arabandalucia.com/index.php/1732
31.  إمام ، زكريا بشير ، جوانب من النظرية الاقتصادية في الاسلام ، الخرطوم : شركة مطابع السودان للعملة ، 2006م
32.  يوسف ، محمد حسن ، تحليل نظري لمشكلة الديون الخارجية ، saaid.net/Doat/hasn/90.htm
33. ثابت ، هالة جمال ، تحليل استراتيجية الفقر ، www .albayan-magazine .com/qiraat /02 /91.htm
34. توفيق ، راوية ، التنافس الدولي في القارة الأفريقية : www.albayan-magazine.com/files/africa/8.htm
  1. مصدر سابق ، ثابت ، هالة جمال ،www .albayan-magazine .com/
  2. مصدر سابق ، حسن  ، حمدي عبد الرحمن www.albayan-magazine.com
  3. نفس المصدر السابق ، حسن  ، حمدي عبد الرحمن www.albayan-magazine.com
  4. نفس المصدر السابق ، حسن  ، حمدي عبد الرحمن www.albayan-magazine.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا