الكتاب:
|
جغرافيات العولمة: قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية
|
المؤلف:
|
د.ورويك موراي
|
المترجم:
|
د.سعيد منتاق
|
الإصدار:
|
سلسة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-
الكويت، عدد 397، فبراير 2013م
|
الصفحات:
|
440 صفحة
|
بين يدي الكتاب:
يعتبر هذا الكتاب أحد الإصدارات المهمة لسلسلة كتب عالم المعرفة، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت.
ويحمل الكتاب المترجم إلى اللغة العربية نفس عنوانه في الأصل الإنجليزي، لكاتبه المرموق "د.ورويك موراي"، أستاذ دراسات الجغرافيا البشرية والتنمية في جامعة فيكتوريا بنيوزيلندا، وهو مفكر مرموق في مجال الجغرافيا البشرية، ومتخصص في مناطق أمريكا اللاتينية، وقد صدر له ما يقرب من ثمانين كتابًا.
كما أن مترجم الكتاب "د.سعيد منتاق"، أستاذ للدراسات الإنجليزية بجامعة محمد الأول بالمغرب، وله العديد من الدراسات حول ما بعد الحداثة والإسلام والدراسات الثقافية، باللغتين الإنجليزية والعربية، كما أن له ترجمات فكرية وأدبية عديدة.
ويناقش هذا الكتاب، على امتداد صفحاته الأربعمائة والأربعين، مفاهيم العولمة المتعددة ونظرياتها وعملياتها وتأثيراتها من منظور جغرافي، مع عرض أهم الأفكار التي تناولت عمليات العولمة وبرامجها، وتقديم معالم دراسات إضافية وامتدادات بحثية.
وينقسم الكتاب إلى ثلاث أبواب تتدفق من النظري إلى الملموس ومن العام إلى الخاص، ومن العالمي إلى المحلي.
الباب الأول: "جغرافية محولة"، ويناقش في (الفصل الأول) مفهوم العولمة ويقومها نقديًّا، ثم يواصل في (الفصل الثاني) مناقشة "وجهات نظر" و"نظريات" متعددة بخصوص العولمة، ليتناول بالتفصيل في (الفصل الثالث) الآثار الفضائية للآراء المتعددة ويضعها في السياق التاريخي.
أما الباب الثاني: "مجالات متغيرة"، فيجزئ عملية العولمة ونتائجها ويحللها في مجالات متداخلة في ثلاثة فصول: المجال الاقتصادي (الفصل الرابع)، والسياسي (الفصل الخامس)، والثقافي (الفصل السادس)، مؤكدًا الصلات والانقطاعات بين التغيير في هذه المجالات المتعددة.
أما الباب الثالث: "تحديات عالمية"، فيبحث في مجالين لهما أهمية خاصة بالنسبة إلى المتخصصين في الجغرافيا البشرية: التنمية والتفاوت (الفصل السابع )، والبيئة (الفصل الثامن)، مع تعقب التحديات التي تنتجها العولمة في هذين المجالين.
وفي (الفصل التاسع والأخير)، يجمع المؤلف بين التحليلات النظرية والتاريخية والتجريبية؛ لكي يتم التفكير مليًّا في الطبيعة المتغيرة للعولمة، وآثارها في الجغرافيا على أرض الواقع، والطريقة التي تُدرس بها ويُبحث فيها، ويُعطى اهتمام خاص لاحتمال قيام عولمة تقدمية تحويلية بديلة، والدور الذي قد تمارسه الجغرافيا في مساعدة تحقيق ذلك.
هناك مجموعة من الأسئلة حاول الكتاب مناقشتها والإجابة عنها، تتعلق بتعريف العولمة، ومحالة فهمها، وكشف دوافعها، ورصد مساهمتها في تجانس المجتمع العالمي، وتأثيراتها على التدويل من جهة، أو تراجع القوة الدولية القومية من جهة ثانية.
كما يتناول آثار العولمة المضرة بالبيئة، و"العالم الفقير"؛ والكيفية التي تغير بها مفاهيمنا عن الفضاء والمكان والقياس.
ولا ينسى المؤلف أن يناقش إمكان وكيفية إصلاح العولمة، والدور المنتظر من الجغرافيا والجغرافيين في تحقيق عولمة تقدمية بديلة.
الباب الأول: جغرافيات مُحوَّلَة
يقدم هذا الباب مفهوم العولمة ويقومها نقديًا في الفصل الأول، ثم يواصل في مناقشة وجهات نظر ونظريات متعددة تتعلق بتعريف العولمة في الفصل الثاني، ليتناول بالتفصيل الآثار الفضائية للآراء المتعددة ويضعها في السياق التاريخ في فصله الثالث والأخير.
الفصل الأول: ماتت الجغرافيا؟ ظهور العولمة
يمثل هذا الفصل مقدمة عامة للكتاب، حيث يعرض المؤلف في نهايته أهم محتويات الكتاب، وتوجهات أبوابه وفصوله.
لكن قبل ذلك، يحرص المؤلف على وضع إطار مفاهيمي مضبوط يتناول المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالتناول الجغرافي لقضايا العولمة. كما يصحح الكثير من التصورات الشائعة سواء عن أدوار الجغرافيا، أو عن العولمة نفسها.
حيث ينتقد التمثلات الشعبية الخاطئة عن معنى الجغرافيا، لذا يهدف من خلال كتابه إلى توضيح ما يلي: مع التغيير الأساس الذي تحدثه العولمة في طريقة تدفق الأشخاص والسلع والمعلومات وتفاعلهم، تنشأ جغرافيات جديدة ومعقدة.
كما يقوم الكتاب على فرضية أنَّ فَهم العولمة ومحاولة ضبطها وإصلاحها، يتطلب أخذ الجغرافيا بجدية أكبر.
ويحرص المؤلف على إبراز تعقيدات العولمة، كظاهرة قد تكون أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه للبعض: سواء من خلال مناقشته للخطابات المناهضة للعولمة، ولأسسها وتاريخها وتحولاتها؛ أو من خلال عرض مختلف المواقف العالمية بخصوص العولمة والتي تتراوح بين تأييد هذه الأخيرة أو رفضها أو طرح عولمة بديلة.
عمومًا، تقدم الجغرافيا البشرية إطارًا متميزًا لفهم تعقيدات العولمة بثلاث طرق على الأقل:
1. هذا الحقل المعرفي يهتم بطبيعته بالفضاء، لا سيما تفاعل العمليات والبنيات والذوات الفاعلة على مستويات مختلفة من التحليل.
2. الجغرافيا البشرية تؤهل خطابات العولمة، من خلال تحذيرها من عبثية الفصل بين المحلي والعالمي اللذان تجمعهما علاقة جدليّة.
3. الجغرافيا البشرية هي بطبيعتها انتقائية، حيث يتناول الجغرافيون العمليات الاقتصادية والثقافية والسياسية والبيئية، وتأثيراتها الفضائية على أفعال الناس.
عمومًا، ترتبط الجغرافيا باعتبارها حقلاً معرفيًا بالعولمة من خلال أربع طرق:
- الجغرافيا والعولمة.
- الجغرافيا في العولمة.
- جغرافيات العولمة.
- جغرافيات مع العولمة أو ضدها.
ولأنّ الكتاب يتبنى الطريقة الثالثة، وهو اختيار يبدو واضحًا من خلال عنوانه: "جغرافيات العولمة"، فإنّه سيركز على نقض فكرة أن العولمة تجعل العالم متجانسًا، والتركيز بدل ذلك، على دراسة التفاوت الذي يصبح أكبر يومًا بعد يوم؛ فواقع العولمة يكشف شبكات من الامتياز، مع فواصل كبيرة من الفقر والحرمان. ومن خلال تصور العولمة على أنها "تطور زمكاني متفاوت للرأسمالية"، يصبح دور الجغرافيا هو فهم "فضاءات التدفقات" وأيضا فهم "فضاءات الأماكن".
الفصل الثاني: العولمة عبر الفضاء – نظريات متنافسة:
يبدأ المؤلف الفصل الأول من كتابه بجولة تاريخية تتلمس بعض محاولات التفكير التي صاغت تأملات قريبة من مفهوم العولمة، فيتحدث عن "عالمية" سان سيمون وكونت ودوركهايم وآخرين.. أو التوسع الجغرافي للطبقة الصناعية عند كارل ماركس بحثًا عن المواد الخام واليد العاملة الرخيصة.. ليختم بمفهوم القرية العالمية الذي أبدعه مارشال مكلوهان في سياق اتصالي محض.
بعد ذلك ينتقل إلى عرض نماذج من الأطروحات المعاصرة حول العولمة، من خلال تصنيفها إلى ثلاثة مجموعات: المتحمسون للعولمة، والمشككون فيها، والمؤمنون بالتحول.. ليعمل فيما بعد على عرض الآثار الجغرافية لهذه الأطروحات الثلاثة عن العولمة، من خلال اعتماد أربعة مقاييس حاسمة لقياس العولمة وتأويلها في إطار الاتجاهات الثلاثة أعلاه؛ ويتعلق الأمر بـ:
- اتساع شبكات العولمة.
- كثافة ترابط العولمة.
- سرعة تدفقات العولمة.
- نزوع تأثيرات ترابط العولمة.
وبخصوص مفهوم الفضاء، هناك على الأقل ثلاث صياغات لمفهوم الفضاء ترتبط بالطريقة التي نفهم بها العالم:
- الفضاء المطلق: أي أنه معطى أنطولوجي، خارجي، له معنى محايد ومستقل عن إدراكنا له.
ـ فضاء خرائطي: يقاس بالكيلومترات والأميال...
- الفضاء النسبي: يُدرَك من قبل الناس ويختلف إدراكه تبعا لثقافاتهم ومواردهم، يبني النشاط والتجربة الإنسانية، ويُبنى أيضا بهما.
- الفضاء المجازي: لا يحيل على أي وحدة إقليمية، مثل الفضاء الإلكتروني الذي يوفر فضاءات مجازية جديدة للتفاعل، على رأسها الواقع الافتراضي: إنه فضاء مجازي، لا يوجد على أرض الواقع، لكن قد تكون له آثار حقيقية.
وفي الأخير، يوافق المؤلف رأي عدد من الجغرافيين، حول وجود ارتباك هائل بشأن وضع مفاهيم لقوة "العولمة" السببية، لا سيما في دراسات عديدة حيث الخطوط بين العولمة خطابًا وعملية ونتيجة غير واضحة، وذلك لأنّ العمليات المادية هي نفسها متشابكة داخل شبكة من الخطابات التي يجب فصل العمليات المادية عنها؛ على الرغم ـ طبعًا ـ من أن الخطابات نفسها تؤثر في العمليات والنتائج المادية".
في هذا السياق، ليس للعولمة قوة محددة في حد ذاتها ومن نفسها، فهي أولا، تُكوِّن القياسَ، حيث تؤدي العولمة إلى انهيار المقاييس وزيادة التداخل بينها، وهذا لا يعني أن القياس لا وجود له، ولكنه أصبح أكثر مرونة، فالعملية المهيمنة إذن في هذا الصدد هي أنّه في التجربة المعيشة للبشر ينمو المحلي، ويتقلص العالمي، مؤديًا إلى نتائج "عالمية محلية" جديدة، مما يتطلب تحول الحكومات والأعمال والأشخاص – والفاعلين عمومًا – لأنشطتهم وردودهم قصد التعامل مع الوضع الجديد.
وثانيًا، هناك جغرافية للعولمة باعتبارها خطابًا: بمعنى، كيف تستعمل – ويُساء استعمالها – من لدن مجموعات اجتماعية مختلفة لتبرير تدخلات وقراءات معينة. باختصار، العولمة مشروطة تاريخيًا وفضائيًا وسياسيًا، للرد عليها بفعالية في أي حالة يجب أن تفهم داخل سياق تلك الحالة.
وخلاصة كل هذه النقاشات حسب المؤلف، هي أنّ الجغرافيا مهمة في الحقيقة، إذ تتغير قيود الجغرافيا مع تحول الفضاء والقياس، ولكن هذا يحدث جغرافيات جديدة للأماكن القديمة والحديثة، التي هي من دون شك أصعب للفهم من أي وقت مضى.
الفصل الثالث: العولمة عبر الزمن- تواريخ متنافسة :
يرفض المؤلف في هذا الفصل رأيين شائعين بخصوص العولمة: الأول هو أنّ العولمة قد أُلقيت على العالم مثل بطانية، حيث يعتبر أن هذا اعتقاد خاطئ، لأنّ تأثير العولمة كشبكة، لا يقع على كل الناس بشكل متساوٍ، كما لا تجعل كل الأمكنة متشابهة، ولكن كل شيء يُحدد تبعًا لعلاقته بها.
أما الرأي الثاني الذي يرفضه المؤلف، فهو أنّ العولمة حديثة ووليدة العصر الحالي، إذ يعتبر أنها لها عمقًا تاريخيًا، تحدد من خلال موجات تاريخية متباينة.
وليصل إلى هذا الاستنتاج الثاني، بدأ بعرض ومناقشة التأويلات المختلفة لتاريخ العولمة، تبعًا للاتجاهات الثلاثة التي تحدث عنها سلفًا: المتحمسون، والمشككون والمؤمنون بالتحول.. حيث يعرض في كل مرة الرؤية التاريخية للعولمة لهؤلاء، ثم يعقبها بمناقشة نقدية.
إذ يعرض الفصل أربعة إطارات تاريخية: تبدأ بمناقشة رأي المتحمسين للعولمة، ثم المشككين فيها. وتختم بتحليل تاريخي للمنظور المؤمن بالتحول: الأول ذو سند اجتماعي، والثاني يتأسس على منظور الاقتصاد السياسي.
ولا ينسى الكاتب أن يقدم إطارًا تاريخيًا أكثر بساطة لتأويل الموجات التاريخية المختلفة للعولمة، يرفض فيه فكرة أن العولمة شيء جديد، حيث يعتبرها مجموعة من العمليات والنتائج التي تجلت عبر أشكال وموجات مختلفة عبر الزمن والفضاء معًا، فهي مسارات مترابطة تاريخيًا، لكنها غير خطية ومتعددة.
وجذور ذلك الترابط يمكن اقتفاء أثرها بالعودة إلى الإمبراطوريات الأوروبية العالمية الأولى، والمنطق الذي يقوم عليه توسع نظام العالم قد تغير قليلاً، لكونه نظامًا للتراكم الرأسمالي من خلال تقلص الزمن- الفضاء. ورغم كون الظروف والتكنولوجيات المسهلة تطورت فوق الإدراك، فعولمة اليوم ليست جديدة تماما كما يعتقد الرأي الشائع، ولكنها بالتأكيد مختلفة جدًا عن أشكالها السابقة.
الباب الثاني: مجالات متحولة
يعمل المؤلف في الباب الثاني على تجزيء عملية العولمة ونتائجها، ويحللها في مجالات متداخلة في ثلاث فصول: المجال الاقتصادي في الفصل الرابع، والسياسي في الفصل الخامس، ثم الثقافي في الفصل السادس، مؤكدًا الصلات والانقطاعات بين التغيير في هذه المجالات المتعددة، حيث يدرج حالات وأمثلة من سلسلة واسعة من الدول .
الفصل الرابع: عولمة الجغرافيات الاقتصادية :
يستهل الكاتب هذا الفصل بمحاولة تحديد مفهوم الجغرافيا الاقتصادية، التي تُشير في نظره إلى الخصوصية الفضائية للاقتصاد. ويعتبر المؤلف أن الجغرافيا الاقتصادية تهتم بالتنظيم والتوزيع الفضائيين للنشاط الاقتصادي، واستعمال موارد العالم، وتوزيع اقتصاد العالم توسعه. ويعتبر المؤلف أن الجغرافيا البشرية تحاول أن تقدم تفسيرات أكثر شمولية للتغيير، من خلال حساسية أكبر للتاريخ وتفرد المكان، وعبر استحضار أكبر للجذور الثقافية التي تقود الاقتصاد؛ وأكثر من ذلك، يحرص متخصصو الجغرافيا الاقتصادية الآن على دمج التحليل الأخلاقي في أعمالهم.
بعد ذلك، يستعرض المؤلف أهم الأشكال التاريخية لتقسيم العمل، فينطلق من الشكلين الأقدم نسبيًا: التقسيمات الاجتماعية للعمل، وذلك حين تسند أنشطة اقتصادية خاصة إلى مجموعات اجتماعية معينة. ثم شكل التقسيمات التقنية للعمل، والتي ولدت مع الثورة الصناعية، من خلال التفصيل والتمييز بين مراحل متعددة في إنتاج السلعة أو الخدمة. وحاليًا، يحدد الجغرافيون أربعة أنواع أخرى من تقسيم العمل: التقسيمات الجنسية للعمل، التقسيمات العرقية/الثقافية للعمل، التقسيمات الدولية، والتقسيمات الفضائية للعمل.
وهذا التصنيف الرابع، هو ما يركز عليه المؤلف: إذ يعتبر أنه مع توسيع الرأسمالية، أصبحت تقسيمات العمل ممددة بشكل متزايد عبر الفضاء، وفي قطاعات عديدة تربط تقسيمات معولَمة جديدة للعمل بين محليات في مختلف أطراف العالم. وعلى امتداد الفصل، يتابع المؤلف تأثيرات التقسيمات الفضائية للعمل على تطور الاقتصاد العالمي، من خلال الموجات المختلفة للعولمة كما تم عرضها سابقًا.
ويخلص المؤلف في هذا الفصل إلى أنّ دوائر الرأسمال والتقسيمات الفضائية للعمل قد مُددت من خلال عملية العولمة الاقتصادية، وأدّى ذلك إلى نتائج هجينة ومعقدة جدًا تُفضي إلى تعايش أنماط الإنتاج الفوردية والمرنة. وهذا التطور مرتبط بالتحول من التقسيم الاستعماري للعمل، عبر التقسيم الدولي الجديد للعمل، إلى تقسيم يعتمد التراكم المرن وصعود الليبرالية الجديدة. حيث كانت الشركات العابرة للقوميات من بين أهم القوى الدافعة لهذا الانتقال والأكثر إثارة للجدل، وتأثيرًا في تطور الاقتصاد المعولم.
ويصوغ المؤلف ذلك من خلال السيناريو التالي:
- أدى انضغاط الزمن – الفضاء، والرغبة في خفض معدل دوران رأس المال، إلى توسع سريع للاقتصاد العالمي خلال القرنين الماضيين.
- واجه التقسيم الاستعماري للعمل أزمة في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية.
- عُوِّض في 1960/1970 بالتقسيم الدولي الجديد للعمل الذي شهد استثمارًا أجنبيًا مباشرًا ومتزايدًا في الهامش، أحدث هذا شبه هامش عالمي.
- كانت الشركات العابرة للقوميات فاعلة أساسية في تشكيل التقسيم الدولي الجديد للعمل حيث اشترت التكاليف والأرباح.
- تم تسهيل توسع الشركات العابرة للقوميات بالتحول نحو التوجه الخارجي، وسياسة تنمية السوق الحرة (الليبرالية الجديدة) في العالم الثالث.
- حديثًا كان هناك تعقيد إضافي في العمليات التي أحدثت التقسيم الدولي الجديد للعمل، والأهم هو ظهور استثمار الشركة العابرة للقوميات في مكان آخر في الهامش ونحو المركز.
- أدت أزمة الفوردية إلى نظام من التراكم أكثر مرونة.
- للمرونة آثار فضائية قد تؤدي إلى تفاقم النمط المركز سابقًا للنشاط الاقتصادي العالمي.
- مع ذلك، في الواقع، يتميز الاقتصاد العالمي بخليط من الفوردية والمرونة، الحقيقة الوحيدة القابلة للدعم حقًا هي أن الاقتصاد العالمي أكثر اتساعًا وتعقيدًا مما كان عليه من قبل.
ومن مظاهر تحولات الاقتصاد العالمي، التفاوتات المتنامية الناتجة عن أنماط الإقصاء / التضمين التي أصبحت أكثر تعقيدًا اليوم مما كانت عليه في الماضي، وذلك عندما عوضت شبكات القوة الجديدة ثنائيات المركز – الهامش البسيطة.
ويتطلب فهم هذه الأنماط الجديدة إدماج مفهومي السلسلة والشبكة معًا.
وفي الوقت نفسه مع تزايد التدفقات "العالمية" تطورت كتل اقتصادية إقليمية قوية، قوضت ـ في رأي البعض ـ أطروحة العولمة الاقتصادية.
مع ذلك، تكثفت التدفقات الاقتصادية، واتسعت أكثر، وانتقلت بسرعة كبيرة، وكان لها آثار عميقة على الجميع.
وأمام كل هذه التحولات، أنتجت الجغرافيا البشرية، عملا نقديًا مهما حول طبيعة العولمة الاقتصادية. لكننا في نظر المؤلف، نبقى بعيدين جدًا عن فهم ما يحدث حقًا في الاقتصاد العالمي، وذلك على الرغم من الكم الهائل للكتابات والدراسات عن العولمة، بل ربما بسبب ضخامة هذا الجهد التنظيري نفسه.
الفصل الخامس: عولمة الجغرافيات السياسية :
يبرز هذا الفصل أن دور الدول القومية يبقى مركزيًا في الشؤون العالمية. لكنها مع ذلك، ستصبح أقل قوة وهي تنتشر بسبب ضغوطات الانحلال التي تحدثها العولمة، وتتجاوز حدودها من قبل المنظمات غير الحكومية العابرة للمجتمعات، والمنظمات الاجتماعية الجديدة التي تناشد القيم الكونية.
في الوقت نفسه، ستحتاج المؤسسات العالمية إلى الإصلاح والتقوية بطرق ملائمة، إن كانت ستتعامل مع التدفقات العابرة للقوميات للعالم المعاصر بطريقة فعالة ومنصفة. لذلك، فإنّ إعادة إنعاش الأمم المتحدة ضروري للغاية لأجل تحقيق الاستقرار العالمي.
وبتغير السياسة تحت تأثير العولمة، تتحول طبيعة الدولة القوميّة، كما يتطور المجتمع المدني بسرعة، وتزدهر الحكامة التي تمارس على المستويات الإقليمية والعالمية.
وهنا ستصبح الحاجة أكبر إلى تطوير الجغرافيا السياسية لمواكبة هذه التغيرات. وقد تطورت هذه الأخيرة فعليًا منذ الحرب العالمية الثانية، متنقلة عبر "أنظمة عالمية" مختلفة تركزت حولها السياسة العالمية:
فالنظام العالمي الديمقراطي الليبرالي الجديد قد عوض الحرب الباردة، وفي الآونة الأخيرة، يمكن اعتبار الحرب على الإرهاب جزءًا من نظام متحول يؤكد بزوغ الولايات المتحدة الأمريكية قوة مهيمنة عالمية.
وقد حرص المؤلف على أن يبرهن مع ذلك على أنّه من الأفضل اعتبار الحرب على الإرهاب تمديدا للنظام العالمي الديمقراطي الليبرالي الجديد، الذي يبقى متعدد الأقطاب والطبقات، رغم السيطرة الكبيرة للولايات المتحدة الأمريكية، ويشمل ممارسة الحكامة بمجموعة من المقاييس. ودائمًا كان يكمن وراء تصميم "الأنظمة العالمية" المتعاقبة وأنظمة التراكم أسلوب التنظيم الرأسمالي الاقتصادي والثقافي.
هذه الحقيقة الملزمة - حسب المؤلف - والعولمة التي أحدثتها، هي التي تتطلب إعادة التفكير فيما إنْ كان على الجغرافيا السياسية أن تسهم في تشكيل عالم عادل ومستدام.
الفصل السادس: عولمة الجغرافيات الثقافية :
يبين هذا الفصل أنّ عمليات العولمة قد واكبها تغيير ثقافي عالمي، كانت له انعكاساته في المجال الأكاديمي من خلال تطور وجهات النظر التي تقوم على التفسيرات والتأويلات الثقافية. ومن بينها تنامي الاعتقاد بأنّ الثقافة تُعزز التغيير في كل المجالات، كما أنّ القوات المحددة لثقافة والسياسة والاقتصاد متداخلة بشكل متلازم.
وهنا ينتقد المؤلف التمديد المبالغ فيه لمفهوم الثقافة نفسه؛ حيث تقدم الثقافة على أنها السياق العام الذي يحدث فيه الفعل الاجتماعي، باعتبار كل السلوك الإنساني غير البيلوجي ثقافة.. وهكذا تشرح الثقافة كل شيء، ولا شيء على الخصوص.
لكن الأكيد هو دور الثقافة في دعم الهوية، إذ توفر للناس إحساسًا بالجماعة والانتماء. وإذا كانت الثقافات قد اعتبرت إلى وقت قريب مستقرة نسبيًا، ومحدودة في الفضاء، فقد ساهمت العولمة المعاصرة في تقويض هذه المسلمات بشكل كبير، وأثارت الانتباه إلى القوة المتزايدة للروابط بين الأماكن البعيدة جغرافيًا من جهة، وبين الرموز والأفكار المتباينة من جهة ثانية.
ونتيجة لذلك، فإنّ مجال التركيز والاهتمام في الجغرافيا الثقافية قد تحول نحو تدفقات البضائع والناس والأفكار والصور والمعتقدات. لكن هذا الأمر ينبه بشدة إلى سؤال مقلق يصوغه المؤلف على النحو التالي: بما أنّ العولمة قد تقدمت بسرعة لا نظير لها في أي مجال آخر، هل يعني هذا ـ ضمنًا ـ تجانسًا ثقافيًا أو نقضًا لإقليمية الهوية؟.
وأثناء إجابته على هذا السؤال، يعتبر المؤلف أنّ الحديث عن التفاعل الثقافي بلغة التجانس يصبح يومًا عن يوم خطابًا قديمًا ومتهالكًا، كما أنّ الأدلة التي تُدعم تغريب الثقافة العالمية وأمركتها هي غالبًا ما تكون نادرة وتفتقر إلى العمق؛ كما أن التجانس الثقافي يقاوَم دائمًا من قبل الأفراد والثقافات بعلم أو بغير علم.
لكل هذه الأسباب، يعتبر المؤلف أنّ أطروحة الإمبريالية الثقافية مُبالغ فيها بشكل كبير، وتنبع من مركزية أوروبية، لكن الأطروحة الأقرب إلى الصواب في نظر المؤلف، تظهر على شكل مفارقة غريبة:
فمن جهة أولى، أدت العولمة المعاصرة إلى تهجين الثقافة بدرجة أكبر مما كان عليه الأمر من قبل. ولكن في الوقت نفسه، وكرد فعل على التجانس من جهة ثانية، فإنّ نزعة تأكيد الثقافة القومية في تصاعد مستمر. وما يزيد من تعقيد هذه العملية في نظر المؤلف، هو أنّ الهوية والثقافة "القوميتين" يحدَّد "موقعهما" أكثر فأكثر في شبكات متفرقة. وتتحدى التباينات الثقافية المتزايدة، المفاهيم نفسها التي بُنيت حولها العولمة، وقد يغرس هذا الشتات والتباين ثقافة عالمية تقدمية – مطلوبة بشكل كبير في مجتمع اليوم – تحتفل بالاختلاف والتنوع لكن في نفس الوقت تُبنى منهما.
الباب الثالث: تحديات عالمية
يبحث هذا الباب في مجالين لهما أهمية خاصة بالنسبة إلى المتخصصين في الجغرافيا البشرية: (التنمية والتفاوت( الفصل السابع )والبيئة( الفصل الثامن، مع تعقب التحديات التي تنتجها العولمة في هذين المجالين.
وفي الفصل الأخير (التاسع) جمع المؤلف بين التحليلات النظريّة والتاريخيّة والتجريبيّة لكي يقود التفكير في الطبيعة المتغيرة للعولمة وآثارها في الجغرافيا على أرض الواقع، والطريقة التي تُدرس بها ويبحث فيها.
الفصل السابع: التفاوت والتنمية والعولمة :
يُبين المؤلف أنّ العولمة أحدثت تفاوتات مهمة في مستويات الرفاه والتنمية عبر تاريخها القصير:
خلال الموجة الأولى انعكس هذا التفاوت في تقسيم الاستعمار للعمل الذي تطور لإخضاع دول الهامش. وفي موجة ما بعد الاستعمار، عندما اخترع مفهوم التنمية، أصبحت أنماط التهميش والحرمان معقدة أكثر، حيث بدأت الليبرالية الجديدة خاصة تهدد برفع التفاوت إلى قمم عليا داخل الدول القومية وبينها.
واليوم مع تكوين شبكات جديدة من التضمين/ الإقصاء، تبدو كل التصنيفات القديمة شمال/ جنوب، ونماذج المركز / المحيط أقل صلة بالواقع ، لكن العالم الفقير، مع ذلك، يبقى دائمًا مثقلاً بالفقر والديون.
هناك على العموم ثلاث طرق لتصور العلاقة بين العولمة والتطور، وهي التي أشار إليها المؤلف سابقًا، ويتعلق الأمر بالليبرالية الجديدة التي تقود خطاب المتحمسين للعولمة، البنيوية والبنيوية الجديدة يمثلان المؤمنين بالتحول، أما اتجاه خطاب التبعية وما بعد التنمية فيشككون بضراوة في مسارات العولمة وإيجابياتها.
هنا يُصرح المؤلف، أن مرافعاته في هذا الفصل، ستكون في اتجاه دعم أطروحة المؤمنين بالتحول.
وخلاصة مرافعة المؤلف على امتداد الفصل، أنّ العولمة - باعتبارها تدفقات ممدة عبر الفضاء – ليست بطبيعتها سلبية بالنسبة إلى العالم الفقير. لكن شرط أن يتم تنظيمها وإدارتها بفعالية. لكن مع ذلك، يعترف المؤلف أنّه نادرًا ما يتم التعامل مع العولمة على هذا النحو، وواقع العولمة لا يعكس حاليا إلا المزيد من التفاوت العالمي، كما يحصر مناطق بأكملها في اقتصاد عالمي رأسمالي استغلالي.
ووعيًا منه بهذه المفارقة، يطرح المؤلف السؤال التالي:
هل هناك طريقة تحوّل من خلالها العولمة لمصلحة الدول القومية الفقيرة وتلك التي تسكن شبكات الحرمان؟.
مجيبًا عن هذا السؤال، ينطلق المؤلف من التطور الملموس للحركات العالمية المناهضة للعولمة والتنمية بشكليهما الحالي، ليراهن على دور متخصصي جغرافيا التنمية لوضع خريطة للنتائج الملموسة لهذه الخطابات المعارضة، والدخول في شبكات جديدة من القوة، تنتظم في الحركات المناهضة للعولمة لطرح بدائل جديدة تقود إعادة بناء فضاءات التنمية المتعددة.
حينها فقط - يقول المؤلف - يمكننا أن نأمل في تكوين السياسة الانتقائية والكلية المصممة لمواجهة التحدي العالمي الضخم الذي يطرحه التفاوت.
الفصل الثامن: البيئة والاستدامة والعولمة :
يتعرض هذا الفصل تحديدًا للمشاكل البيئية التي تنتج عن العولمة، والتي أصبحت بدورها معولمة ونمطية على امتداد دول العالم.
وينبه المؤلف إلى خطورة التدهور البيئي الذي أفرزته العولمة، حيث يتعلق الأمر بانحلال عام ومتراكم على مستوى لم يسبق له مثيل من قبل، آثاره السلبية تهدد نظام الأرض بأكمله.
لكن في المقابل، يتنامى الوعي العالمي بقضايا البيئة بشكل متصاعد، والذي قد نلمسه في تعدد الاتفاقيات العالمية التي تحاول حماية البيئة، أو الحد من تأثيرات التصنيع. وتزايد عدد المنظمات والشبكات العالمية المشتغلة في هذا المجال.
كما يرى المؤلف أن الدول القومية تبقى وحدها عاجزة عن مواجهة القضايا التي تهدد الرفاه الجماعي للشعوب العالمية، بالإضافة إلى ذلك، تواجه هذه الدول تحديا آخر: فهي أحيانا أوسع من أن تعالج الهموم البيئية المحلية، والتي يمكن أن تتراكم لتتحول إلى مشاكل عالمية.
وهذا لا يعني أن المؤلف ينتقص من قدرات الدولة القومية في تنظيم البيئة العالمية، ولكنه يشرط نجاحها بالتعاون مع سلسلة واسعة من المصالح تعمل على مستويات جغرافية متعددة.
خصوصًا وأنّ الالتزام الفعلي بقضايا البيئة يتباين بشكل كبير عبر العالم، حيث أن بعض الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة على استعداد تام للانسحاب من الاتفاقيات التي ترى أنها مضرة بمصالحها الخاصة.
لهذا يتوقع المؤلف، أنّ الحركة البيئية ستفرض ضغطًا متزايدًا على الحكومات والهيئات العالمية خلال السنوات القادمة، في مناقشات حول تغيّر المناخ، وارتفاع مستوى البحر، وجودة الهواء وقلة الماء وسلامة الطعام والتعديل الوراثي.
ويختم المؤلف الفصل باستنتاج مفاده أنّه لا يمكن حل قضية الانحلال البيئي إلا حينما يُعالج التفاوت العالمي بطريقة متماسكة، لأسباب أقلها أن مصالح الأغنياء والفقراء في سياق عمليات العولمة متباينة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بهذا المعنى، يعتبر المؤلف أن البيئة والتنمية مرتبطتان بشكل مُحكم، وتمثلان تحديًا عالميًا واحدًا ذا ثقل هائل.
الفصل التاسع: تحيا الجغرافيا... العولمة التقدميّة :
يُخصص المؤلف هذا الفصل إلى تركيز الإجابات التي قدّمها على امتداد فصول الكتاب، للأسئلة المهمة التي طرحها في الفصل الأول. ملخصًا أهم إسهامات الجغرافيين في دراسات العولمة.. كما يعرض برنامجًا لجغرافيات العولمة أكثر تقدميّة، يلخص فيه دور الجغرافيين في بناء عولمة تقدميّة بديلة كما يسميها.
يعتبر المؤلف أن ظهور العولمة يضيف حيوية للجغرافيا البشرية ويحقق الاعتراف بأهمية الفضاء والمكان والقياس. حيث أن الإدراك الأفضل لهذه المفاهيم الجغرافية، قد يساعد على تشكيل سياسة تقدمية مسئولة.
كما يعتبر المؤلف أنّه من واجب الجغرافيين الاستمرار في "تأويل انتشار العولمة وجغرافياتها وتخطيطها واختبارها وقياسها وقراءاتها والتحديق فيها وتقديمها وتمثيلها"، لذا يقترح على الجغرافيين برنامج عمل يتكون من سبع نقاط:
1- وضع المفاهيم: من خلال تطوير إطار نظري للعولمة، وضبط المفاهيم الجغرافيّة عن الفضاء والمكان، والتي غالبًا ما يُساء استعمالها من قبل غير الجغرافيين في أدبيات العولمة.
2- وضع "خريطة" تجريبية: من خلال دراسات تجريبية لفهم آليات اشتغال العولمة ورصد آثارها.
3- جغرافيا إقليميّة جديدة: من خلال تحليل العلاقة بين محليات وأماكن وأقاليم فريدة والنظام العالمي الشاسع، وذلك من خلال تجديد الجغرافيا الإقليمية في إطار علائقي.
4- جغرافيا نقديّة غير ممركزة: بخلاف الجغرافيا الحالية التي تسير على الأغلب وفق توجه استعماري جديد، لأنّ أغلب التحقيقات الجغرافية عن العولمة يتولاها أكاديميون غربيون، وتتم على مجالات جغرافية أنجلو- أمريكية، لهذا فالحاجة ملحة لجغرافيا بشرية ديمقراطية حقيقية، تعطي مكانة كبرى لطرق النشر غير الغربية.
5- التفاعل بين الحقول المعرفيّة وعبرها: حيث أنّ الجغرافيا توجد في موقع مثالي لفهم العولمة؛ نظرًا إلى طبيعتها متعددة التخصصات؛ لذا ينبغي على الجغرافيا أن تنفتح أكثر على حقولها المعرفيّة الفرعيّة، وتكثف التفاعل بينها.
6- قضايا كبرى: يدعو المؤلف الجغرافيين إلى المزاوجة في الاهتمام بين القضايا الجزئية والمحلية، والقضايا الكبرى العالمية.. حتى يواكب الجغرافيون النقاش العالمي عن العولمة، وتحولاتها البيئية والتنموية.
7- الجغرافيات الأخلاقيّة والخيال المعولم: هي دعوة للجغرافيين إلى الانخراط في النقد الأخلاقي للعولمة، لكن بحس تجريبي علمي؛ وذلك من خلال الجمع بين الدراسات التجريبية والخيال المعولم الذي يقترح بدائل للوضع الراهن... هذا الأمر يتطلب – حسب المؤلف – تجاوز النقاشات التقليدية: مع/ ضد العولمة، وهي نقاشات تبسيطية، نحو تحليلات أكثر عمقًا تستحضر فرص العولمة كما تستحضر تهديداتها.
على سبيل الختم:
لعل أهم ما يميز هذا الكتاب، هو تقديمه لإطار يمكن من خلاله تقييم وجهات النظر المتنافسة عن العولمة، كما يدافع عن أن حصة الجغرافيا في هذه المناقشات متميزة وثمينة.
كما يستمد الكتاب أهميته، من أسلوبه الذي يتوسط بين العام والمتخصص، لذا لا يجد القارئ العادي صعوبة في قراءة الكتاب وتتبع مناقشاته الخصبة، ولعل السبب يعود أيضًا إلى الترجمة الجيدة للكتاب.
ويحرص المؤلف في كل فصل على إدراج حالات وأمثلة من سلسلة واسعة من الدول دائمًا في النص، وأحيانًا في شكل مؤطر. كما يختم دائمًا بالإحالة إلى مصادر أخرى وقراءات ثانية تغني الموضوع.
لذلك، يصلح هذا العمل لوحده، ليكون مقررًا دراسيًا يتم تدريسه في الجامعة، بنفس ترتيب فصوله الذي تم من خلال بناء وتدرج منطقي محكم.
أما أطروحة الكاتب الخاصة فنلخصها في ما يلي:
العولمة حقيقية، ونحن نعيش في أزمنة جديدة، ومن ناحية أخرى، روابطنا في الماضي واضحة، وتعيد موجة العولمة الحالية إنتاج العالم المتفاوت وتجعله أكثر حدة. إننا نعيش في عصر الإمبريالية الجديدة التي يصفها بالماكرة، حيث أنها نادرًا ما تكون واضحة إقليميًا، كما أن الشركات والحكومات والنخبة التي تقودها غير مسئولة.
وبرنامج العولمة، والعمليات التي تمت منها، مرتبطة تماما بتوسع رأسمالية الاحتكار التي يعبر عنها باقتصادات "السوق الحرة".
لكن من الواضح أنها اقتصادات "غير حرة"، فهي ضارة للأغلبية ومبنية على اختراق متعسف، قد يكون عسكريًا في أحيان كثيرة، للاقتصادات المهمشة والمناطق المصممة لزيادة غنى المركز إلى أقصى حد.
لقد استولت النخبة الرأسماليّة على العملية وجعلتها ملكًا لها، وهي الآن تتبع أهدافها الخاصة على حساب مجتمع وثقافة وبيئة أوسع، وكما تمارس العولمة حاليًا، فهي ربما التهديد الأكبر الوحيد للمجتمع الإنساني.
وبخصوص الفرص الممكنة، فالتفاعل والتهجين اللذان تحدثهما العولمة قد يدعمان مجتمعًا تقدميًا أهدافه المساواة في الرفاهة والأمن العالمي والاستدامة البيئية. وقد حان الوقت حسب المؤلف، لكي نعيد كتابة البرنامج ونشكل عولمة جديدة من الأسفل لا تحتفل بالاختلاف فقط، بل تنشأ منه وتديمه، سيستلزم هذا بناء وتطبيق "خيالات معولمة" جديدة وبديلة.
و لو اعتقدنا أن ما هو عالمي يتشكل مما هو محلي، والعكس صحيح أيضًا، يمكننا إذن تحدي العولمة كما تمارس حاليًا، من خلال أفعالنا الخاصة، ونحت مستقبل "عالمي- محلي".
ومن يعيشون منا على شبكات عالمية في "فضاءات الأماكن"التي جُعلت وافرة من قبل "فضاءات التدفقات" الاستغلالية، من واجبهم المساهمة في بناء عالم أفضل بالنسبة إلى أولئك الذين لا يتمتعون بالامتياز: فتكوين خطاب تقدمي أكثر عن العولمة هو الميدان الذي نبدأ منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق