التسميات

آخر المواضيع

الخميس، 9 يونيو 2016

نوعية البيئة السكنية الحضرية للمدينة العربية بين النظرية و التطبيق : دراسة حالة مدينة المسيلة -الجزائر


نوعية البيئة السكنية الحضرية للمدينة العربية

بين النظرية و التطبيق 

دراسة حالة مدينة المسيلة -الجزائر


د . يوسف لخضرحمينة - أستاذ مساعد مكلف بالدروس - قسم تسيير المدينة -معهد تسيير التقنيات العمرانية - جامعة المسيلة -الجزائر - بريد إلكتروني:youcef_lakhdar@hotmail.com 

   إن البيئة هي مجموع العناصر ذات العلاقات المركبة تشكل إطار و وسط و شروط حياة الإنسان إن النمو العمراني الطرد للمدن الجزائرية أدى إلى تركز عدد هائل من السكان في المدن. و هي تواجه اليوم و أكثر من أي وقت مضى تحديات جسام فيما يخص نوعية البيئة الحضرية ؛ ونحن اليوم نواجه اختيارات تهيئة متعددة تتفق جميعا في تحقيق النمو الاقتصادي ، الاجتماعي و العمراني؛ لكنها لا زالت تغض الطرف على المشاكل البيئية معتبرة إياها جانبا إضافيا سواء كان ذلك على المدى القريب أو البعيد هذا من جهة؛ و من جهة ثانية فإن الموازنة بين هذه التوجهات، و التي قد تبدوا متباعدة، لا يمكن أن تتأتى إلا بأخذ المركبة البيئية بعين الاعتبار في التهيئة الحضرية بطريقة تسمح بنمو حضري متوازن مع المحيط في إطار خطة تنمية مستديمة للمدينة.

    إذا فالبيئة مركب غاية في الأهمية في أي عملية عمرانية مهما كان حجمها الزمني أو المكاني، وهي بالنسبة إلينا كمسيري المدينة تتجاوز الإنشغالات الآنية لخفض التلوث داخل المحيط الحضري إلى حمايته و تثمينه. من ثمفإن الرهان الأساسي لمدننا هو ضمان تنمية مستديمة تنطلق من إدخال البعد البيئي في جميع مراحل العملية العمرانية.

  إن عملنا هذا يأتي ليحاول تلبية حاجتين ملحتين للتنمية الحضرية و خاصة في الوقت الراهن ألا و هما:

أولا : محاولة الخروج باقتراح منهج إجرائي عملي للوصول إلى بيئة حضرية ذات نوعية، و الذي لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال نتاجا لعمليات قطاعية منفصلة زمنيا أو مكانيا.

ثانيا: تأكيد الأهمية التي تكتسيها البيئة في أي عملية عمرانية مهما كان امتدادها المكاني أو الزماني.و التي لا يمكن أن تتأتى إلا من خلال معرفة عناصر البيئة الحضرية و تصرفاتها تجاهها، محاولين التركيز على العنصر البشري داخل التجمعات السكنية الحضرية للوقوف على أهمية هذا العنصر في أي محاولة لإصلاح العطب.

الكلمات المفتاحية: البيئة ، المدينة ،التعمير، الأثر البيئي ، نوعية البيئة ، التنمية الحضرية المستديمة.

مقدمة :

  يشير المعماري جيمس واينز (James Wines) في كتابه "العمارة الخضراء" إلى أن المباني تستهلك سُـدس إمدادات الماء العذب في العالم، وربع إنتاج الخشب، وخُمسين الوقود والمواد المصنعة. وفي نفس الوقت تنتج نصف غازات الجنة ، ويضيف بأن مساحة البيئة المشيدة (built environment) في العالم ستتضاعف خلال فترة وجيزة جداً تتراوح بين 20-40 سنة قادمة. وهذه الحقائق تجعل من عمليات تخطيط و تسيير المجالات الحضرية واحدة من أكثر المجالات استهلاكاً للطاقة والموارد في العالم. كما أن التلوث الناتج عن عدم كفاءة التهيئة الحضرية في التعامل مع مجال فيزيائي ، اجتماعي و اقتصادي.

   لاشك أن كيفية تقسيم المجال عمرانيا من خلال المقاربة الوظائفية (سكن ، عمل ،خدمات) هي التي تتحكم في العملية التخطيطية و التسييرية برمتها . على هذا المستوى ينبغي أن نمتلك رؤية بعيدة المدى تتضمن تناسقا مابين طريقة تنظيم المجال من جهة، و تسييره من جهة أخرى.

   تنطلق مداخلتنا هذه من ثلاث عناصر أساسية يرتكز حولها المفهوم الحديث لتخطيط وتسيير المدينة نظرا لما وصلت اليه البشرية من تقدم تكنولوجي مذهل في السنوات الأخيرة :

مفهوم التخطيط الحضري المستدام بشكل عام و خصوصيات تخطيط المدينة العربية .

معنى و هدف التسييرالحديث للمجالات الحضرية.

المعاينة الميدانية للتعامل مع القضايا العمرانية للواقع المعاش في مدننا و الوسائل التي تضعها التقنية الحديثة بين أيدي مخططي و مسيري المدن لرفع كفاءة آداء المجالات الحضرية .

   كما ينبغي التنويه إلى أن مضمون المداخلة يرتكز على جملة من التساؤلات التي تنبثق من تنضيد (نطابق) بين أهداف تخطيط و تسيير المدينة، كما يراه المختصون من جهة، وتطبيق هذا التسيير في واقع مدننا (فالتخطيط سابق و التسيير تابع ) وما يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية أو إيجابية على الحياة اليومية للمواطن من جهة أخرى ؛ لنصل بعد التحليل، إلى بعض نتائج حول واقع العمليتين التخطيطية و التسييرية في مدننا و سبل الإستفادة من الثورة المعلوماتية لرفع مستوى آداء مدننا دون المساس أو التنازل عن هويتها و الرقي بها وفقا لخصوصياتها إلى مصاف المدن الحديثة بمستوى خدماتها ؛ وذاك من خلال أبراز قيمة التقنية الحديثة في الحفاظ العمراني و التي تضع بين يدي مسيري و مخططي المدن وسائل بسيطة تساعد في تبني استراتيجيات تخطيطية و تسييرية ...

التخطيط الحضري المستدام : خطوة لتدارك الفشل :

   البيئة مركب غاية في الأهمية في أي عملية عمرانية مهما كان حجمها الزمني أو المكاني، وخاصة بالنسبة لمخططي ومسيري المدن ، تتجاوز الانشغالات الآنية لخفض التلوث داخل المحيط الحضري إلى حمايته و تثمينه. لذا فإن الرهان الأساسي يجب أن نضعه نصب أعيينا كباحثين هو ضمان تنمية مستديمة تنطلق من إدخال البعد البيئي في جميع مراحل العملية العمرانية بداء من التخطيط و انتهاء بالتسيير. من أجل ذلك؛ فإن البيئة و المدينة يشكلان ثنائيا متجانسا تربطهما علاقات متينة.

1.1 الشعور المتنامي بأهمية الحفاظ البيئة: أول خطوة في الاتجاه الصحيح 

  اهتدى إسلافنا إلى ضرورة الحفاظ على البيئة لتحسين ظروف الحياة الحضرية ؛ فقد ظللنا لعقود نشيد مدنا :
مريحة مزدهرة اقتصاديا نظرا لما توفره من فرص للتجارة و الإستثمار بأقل تكاليف ( مدينة القاهرة القديمة ، دمشق القديمة ، القصبة في الجزائر....الخ) متلائمة مع خصوصيات السكان الإجتماعية و الأقتصادية و الأمنية ....الخ

   بعد ذلك صرنا ، و في خضم تيار الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي ؛ و لأن جل الدول العربية خرجت لتوها من استعمار مدمر ، كان لزاما إعادة بعث الحياة الحضرية من جديد . إلا أن ذالك جاء في خضم انبهار مفرط بما يحصل في الغرب ؛ حتى صرنا ننادي كنظرائنا في الغرب بالتنمية الاقتصادية كسبيل وحيد لتحسين إطار حياة الإنسان الحضري. مركزين على الجوانب المادية و مغفلين حقيقتين مهمتين أجمع عليها المختصون حديثا و قديما هما أن:

النظام الحضري يعتمد في توازنه على جوانب أخرى لا تقل أهمية عن الجانب الاقتصادي ؛ الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية يتسبب في إحداث ضغط كبير على البيئة نتيجة لما تفرزه من ملوثات ومخلفات ضارة .

   لذلك ظهر مفهوم الاستدامة الذي عرفه العرب في مدنهم القديمة لقرون عديدة من جديد ليطرح نفسه حلا وسطا بين منهجين متضادين (التنمية المادية و التنمية غير المادية ) ، و يقرر أن “تلبية احتياجات السكان ضرورة لكنها لا يمكن أن تكون على حساب مستقبل الأجيال القادمة". و قد أولت معظم دول العالم في العقد الأخير من القرن المنصرم عناية خاصة واهتماماً واسعاً بمواضيع حماية البيئة والتنمية المستدامة، ولم يولد هذا الاهتمام من فراغ بل كان بعد أن تراءى للعالم محدودية الموارد زمنا و مكانا و ما يمكن أن يصير إليه مستقبل الأجيال الحالية و القادمة إذا واصلنا على نفس النهج في استنزاف الموارد خاصة غير المتجددة منها .

2.1 البيئة الحضرية وقود غير متجدد الحياة البشرية ينبغي المحافظة عليه:

   البيئة الحضرية هي مجموع العناصر ذات العلاقات المركبة تشكل إطار و وسط و شروط حياة الإنسان . نتيجة للنمو العمراني المطرد تركز عدد هائل من السكان في المدن و خاصة في التجمعات السكانية الجماعية ذات الكثافة العالية في مجال محدود هو المدينة ؛ هذه الأخيرة تواجه اليوم و أكثر من أي وقت مضى تحديات جسام فيما يخص نوعية البيئة الحضرية(مياه ، نفايات، ضجيج، مساحات خضراء،...الخ) . إذا فالتنمية العمرانية لا يجب أن تتم بمعزل عن الضرورات البيئية الملحة ، لأن:

المدن تعتبر أحد المستهلكين الرئيسيين للموارد الطبيعية كالأرض والمواد والمياه والطاقة؛ عمليات التعمير الكثيرة والمعقدة ينتج عنها كميات كبيرة من الضجيج والتلوث والمخلفات الصلبة و استهلاك للمجال الطبيعي الذي يعد رئة الأرض كلها و ليس المدينة فقط من جهة ، و تنتج علاقات اجتمتعية و اقتصادية غاية في التعقيد (تحدد شكل و طبيعة الغلاقات الإجتماعية ، الإقتصادية ....الخ) .

  ونتيجة لتنامي الوعي العام تجاه الآثار البيئية المصاحبة للأنشطة الحضرية يتبين لنا أن التحدي الذي يجب على مدننا رفعه يتمثل في:

مقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها التخطيطية وأداء دورها التنموي تجاه تحقيق رفاهية الحضر دون الإضرار بمستقبل الأجيال القادمة ؛ القدرة على تسيير المجالات الحضرية بشكل يسمح الحفاظ على نمط حياة حضرية راقية و يقلل من استنزاف الموارد غير المتجددة.

3.1 الاستدامة سمة عمران القرن الحادي و العشرين

   نلمح في الآونة الأخيرة ظهور مفاهيم وأساليب جديدة للتخطيط و التسيير الحضري لم تكن مألوفة من قبل ، ومن هذه المفاهيم "التخطيط الحضري المستدام" و"العمران الأخضر" و"المدينة المستدامة ", هذه المفاهيم جميعها تعكس الاهتمام المتنامي بقضايا التخطيط و التسيير الحضري في ظل حماية البيئة ، وخفض استهلاك الطاقة، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، والاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة (Renewable Sources).و تقوية الروابط الإجتماعية ، الإقتصادية و الثقافية . من هنا يبرز التخطيط الحضري المستدام ... العمران الأخضر كمفاهيم تعكس طرقا و أساليب جديدة في التعامل مع المجال الحضري تستحضر التحديات البيئية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة في هذا العصر، فالمشاريع الحضرية الجديدة يتم تصميمها وتنفيذها وتشغيلها بأساليب وتقنيات متطورة تسهم في تقليل التكاليف البيئية مما يتيح مدنا آمنة ومريحــة بيئيا :

يقل فيها الأثر على البيئة (environmental impact) تنخفض فيها تكــاليف التسيير (التشغيل والصيانة)،

   ولهــذا فإن بواعث تبني مفهـــوم الاستدامة في التخطيط و التسيير الحضريين لا تختلف عن البواعث التي أدت إلى ظهور وتبني مفهوم التنمية المستدامة (Sustainable Development) بأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة. فلم تعد هناك خطوط فاصلة بين البيئة والاقتصاد و الاجتماع منذ ظهور وانتشار مفهوم التنمية المستدامة الذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ضمان استمرارية النمو الاقتصادي ( مع ملاحظة أن ثلثي سكان العالم يعيشون في المدن) لا يمكن أن يتحقق في ظل تهديد البيئة بالملوثات والمخلفات وتدمير أنظمتها الحيوية واستنزاف مواردها الطبيعية.

4.1 العمران المستدام يثمن ارتباط الإنسان و بيئته :

  العمران المستدام يتبنى فكرة أن الإنسان هو محور الارتباط بين البيئة –الاقتصاد-الاجتماع(لأن تأثيرات الأنشطة الإنسانية على البيئة لها أبعاد اقتصادية و اجتماعية واضحة العنصر المتلقي للضرر في النهاية هو الإنسان) ، فاستهلاك الطاقة الذي يتسبب في ارتفاع فاتورة الكهرباء له ارتباط وثيق بظاهرة المباني المريضة (Sick Buildings) التي تنشأ من الاعتماد بشكل أكبر على أجهزة التكييف الاصطناعية عكس ما كانت عليه مدننا القديمة التي تعتمد على التهوية الطبيعية و التكييف الطبيعي ، وهذا الكلام ينسحب على الاعتماد بشكل أوحد على الإضاءة الاصطناعية لإنارة المبنى من الداخل مما يقود إلى زيادة فاتورة الكهرباء وفي نفس الوقت يقلل من الفوائد البيئية والصحية فيما لو كانت أشعة الشمس تدخل في بعض الأوقات إلى داخل المبنى . و يؤدي في النهاية إلى إصابة الإنسان بأمراض مختلفة عضوية و نفسية( أثبتت الأبحاث الحديثة أن التعرض للإضاءة الاصطناعية لفترات طويلة يتسبب في حدوث أضرار جسيمة على صحة الإنسان على المستويين النفسي والبدني :الإحساس بالإجهاد الجسدي والإعياء والصداع الشديد والأرق)من جهة ، و من جهة ثانية فإن الاستخدام المفرط لمواد البناء أثناء تنفيذ المشروع يتسبب في تكاليف إضافية ويقود في نفس الوقت إلى تلويث البيئة بهذه المخلفات التي تنطوي على نسب غير قليلة من المواد السامة. وهكذا فإن الحلول والمعالجات البيئية التي يقدمها العمران المستدام تقود في نفس الوقت لتحقيق فوائد اقتصادية لا حصر لها على مستوى الفرد والمجتمع (حسب بعض التقديرات فإن مجال العمارة على مستوى العالم يستهلك حوالي (40%) من إجمالي المواد الأولية ويقدر هذا الاستهلاك بحوالي 3 مليار طن سنويا- الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك المباني وحدها (65%) من إجمالي الاستهلاك الكلي للطاقة بجميع أنواعها، وتتسبب في (30%) من إنبعاثات غازات الجنة) .

5.1 التخطيط الحضري يلبي احتياجات آنية آخذا في الحسبان ألجيال القادمة :

   المدينة مجال حضري خصب يثير شهية تخصصات عدة ، ودراستها تأخذ أبعادا مجالية ، اجتماعية ، ثقلفية واقتصادية. فتخطيطها يرتكز على عدة تخصصات تتفق جميعها على التعبير الكمي عن بنية (أو هيئة) تركيبية (مركبة) تجمع وظائف مختلفة (سكن +عمل+راحة )في مجال محدود ، لتشكل بذلك :

  مسرحا لاستعراض قوى متنازعة, فهي تقترح التعددية، وتسمح لكل واحد لاختيار نمط حياته. فالمدينة هي إذا طراز مميز للحياة الجماعية الإنسانية. وهي في كثير من الأحيان، كما يراها بعض علماء الاجتماع الحضري، موطن أكبر وأكثف وأدوم لأفراد غير متجانسين تشكل إسقاطا للمجتمع في الواقع يعبر عن طريقة وجود، حياة.

   المحاولات الأولى لاستبدال التطور الطبيعي والعفوي بتطور مقصود يهدف إلى أيجاد فضاء عمراني جديد مصمم عقلانيا، ومحتوي على كل التجهيزات الضرورية لحياة السكان. مجالا يجمع بين عناصر متكاملة فيما بينها (تجهيزات بمختلف أنواعها، سكنات، مساحات خضراء.........، وبين متناقضات ( كتوفير سيولة في الحركة، وأمن مروري....)، يصعب التوفيق بينها. فضاءا ديناميكيا، يتجدد ويتسع في المكان، وينمو عبر الزمن، فتسيير ها يحتاج إلى مرونة في العمل.

   نستخلص أن التخطيط الحضري يلبي احتياجات السكان الحاليين، و كذلك المستقبليين، وعليه فالمطلوب أن يكون تسيير المدينة (تابع كما أشرنا ’نفا ) وفقا للأهداف التي تبنيناها عند إنشائها .

التسيير الحضري المستدام ضرورة بيئية و حتمية اقتصادية :

   تناولنا فيم سبق التخطيط الحضري بإسهاب لأنه سابق ؛ و لأن التخطيط و التسيير الحضريين تربطهما علاقات معقدة الأمر الذي بدأ يظهر بجلاء مع الثورة التكنولوجية و المعلوماتية ، التي و ضعت بين أيدي المخططين و المسيرين على حد سواء ؛ وسائل تقنية فائقة الدقة سمحت بتحديد المشاكل التي تعاني منها المدن بدقة متناهية و بالتالي تسهيل التدخل لحلها. من بين هذه التقنيات نجد في مقدمتها نظم المعلومات الجغرافية و الاستشعار عن بعد . هذه التقنيات سهلت كثيرا تعامل المختصين مع المشاكل الحضرية اليومية و ساعدت في عملية التسيير و التحكم في نمو المدن من جهة و في توفير إطار حياة أفضل للسكان من خلال إمكانية التدخل السريع و الدقيق لحل أية مشكلة (اتسيير النفايات الحضرية ، النقل الحضري، تحديد مستويات التلوث و طبيعتها ، ....).

1.2 التسيير الجضري : تعامل مرن مع نسيج حضري معقد

  لا شك أن مفهوم تسيير المدينة قد يحمل تصورات وأفكار وسيناريوهات تختلف باختلاف المتدخل وحجم المدينة لكنه يبقى يرتكز حول محورين أساسين متكاملين:

   البحث عن كيفية التنسيق والتوفيق بين مختلف المتدخلين في المدينة من سياسيين، تقنيين، إداريين، جماعات ضاغطة....
البحث عن كيفية التحكم في تسيير كل العناصر التي ترتكز عليها حياة سكان المدينة مثل تسيير الفضاءات العمومية، النفايات، المساحات الخضراء، المياه الصالحة للشرب، المياه المستعملة،...

  إن مسير المدينة (أو المشارك في عملية التسيير)، يعمل في ظروف (منها السلبية ومنها الايجابية) تختلف باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف بعض الظروف المحيطة بالعملية برمتها. فهنالك ظروف تتعلق بالمسير نفسه ( قدراته على الاستفادة من الوسائل المتاحة له، ثقافته وتكوينه الشخصي.....) ، وأخرى تتعلق بالمدينة ذاتها (حجمها، نمطها ألبنائي وهيكلتها.......). تتفاعل هذه الظروف، التي يمكن أن نسميها متغيرات، مع بعضها البعض لتبرز لنا جملة من المشاكل التي تِؤثر على نوعية وكيفية التسيير.

   فمثلا عدم التركيز والتوجيه نحو التصور العمراني والمعماري الذي يحمل البعد الثقافي والاجتماعي في المشاريع العمرانية يساعد في إحداث حركة في تعمير المدينة بشكل يجعل الانقطاع أو عدم التفاعل واضحا بين الفضاءات العمرانية المنتجة ومستعمليها، مما يتسبب في وجود تداعيات مختلفة تنعكس في عدة صور منها:

 عدم تمكن المواطن من التفاعل مع المجالات المصممة خصيصا له،الشيء الذي إلى عدم الاندماج في الحياة الحضرية الجماعية, فيترتب عنه تراجعا في القيم الجماعية واستفحال للنزعة الفردية .

 الأدوات العمرانية والمعايير التقنية المطبقة على مجالنا الحضري، والتي تهدف إلى إيجادالإستقرار وترفع من كفاءة المجال الحضري، لم تحقق هذا الهدف ميدانيا لاعتبارات كثيرة إما ذاتية، أي متعلقة بالمقاييس العمرانية نفسها (المقاييس العمرانية الخاصة بالتسيير التقني أو المتعلقة بعمليات البرمجة للمجال الحضري، على سبيل المثال، لا تتماشى مع الحقائق الاجتماعية والثقافية والمناخية بصفة عامة, ومع نمط الحياة)، أو لمعايير متعلقة بالمسير نفسه، أو قد تكون لظروف أخرى كعمل الجماعات الضاغطة....

   من هنا يبدو أن الأمر ليس بالهين، حيث أن وضع إطار واضح لهذا المفهوم (الجديد) في بلادنا العربية يعتبر- لحد الآن- من الصعوبة بمكان، وذلك لوجود عوامل تثقل من العمل بسهولة لإيجاد طرق وآليات بسيطة وفعالة. من بين هذه العوامل نذكر مايلي: 

 توفر مدننا على مميزات غير متجانسة، سواء على مستوى التنوع المعماري والبشري، أو على مستوى الاختلال العمراني الحاصل نتيجة تزايد البنايات، خاصة الفوضوية منها.

 وجود بعض الغموض أو الثغرات في القوانين العمرانية (كعدم تحديد بعض الصلاحيات بدقة ووضوح لكل متدخل) الخاصة بالتدخلات على المحيط الحضاري.

 إفراغ الكثير من المشاريع من قيمنا، وعدم اقتباس في المشاريع العمرانية والمعمارية من تراثنا العتيق هذا من جهة، وعدم قدرة مسايرة هذه المشاريع للديناميكية العمرانية الحالية (فمدننا تطور بوتيرة تفوق تطور قدراتنا التقنية والبشرية) من جهة أخرى

 تدهور العيش من قلة الدخل بالنسبة لبعض المواطنين ووجود أحياء يمكن أن نصفها بالمريضة حيث يتجلى فيها عدم الاستقرار، انتشار التلوث، قلة الأمن تدهور الفضاءات العمومية، إذ أصبحت هذه الأخيرة تشكل مصدر خطر دائم لسكان بعض الأحياء.

 تنامي تجمعات منها الصفيحية، ومنها الخطية المنتشرة بمحاذاة الطرق الوطنية مما أدى إلى إيجاد مدن لا تعرف بدايتها من نهايتها، بل أحيانا لا تجد فيها للمدينة معنى.

 تدهور عام في بعض المدن خاصة الداخلية منها مرتبطا ذلك بهجرة الكثير من القرويين إلى المدينة وما يترتب عنه من الضرر المضاعف (نقص زراعي وتزايد في الاكتظاظ السكاني).

 محدودية الإمكانيات المادية لدى العديد من البلديات، وضعف مصادر تمويل مشاريع الإنجاز والصيانة.

 غياب التأطير: قلة التأطير كافي سواء على مستوى الدوائر التقنية، أو على مستوى التكوين. 

كل ذلك يزيد من صعوبة المسير ويقعد أكثر من مهمته.

2.2 تسيير المدينة: تحكم في نسيج عمراني متغير:

   تعرف كل مدن العالم حاليا تحولات عميقة، يصعب قياس عواقبها بدقة. وأصبحنا اليوم نتساءل إن كانت أزمة التعمير السابقة هي التي جعلت المدن اليوم عديمة القدرة على الوقوف أمام أوضاع عالمية جديدة، أو أننا أمام مدن جديدة مبنية على علاقات جديدة؛ من هنا يمكن أن نسجل الملاحظات التالية :

   في وسط هذا الزخم من التحولات والتراكمات التي تعرفها المدن بمختلف أحجامها، فإن الجانب ألتسييري للمدينة يبقى يشكل الجانب الأكثر تعقيدا، وفي نفس الوقت الأكثر حيوية، و هو الأساس لإشكالية التطور المستديم.

   أصبحت المدن حاليا على درجة كبيرة من التعقيد و اللاتجانس، والتخصص وتقسيم العمل، والانفصال المكاني، والاجتماعي.
  أصبحت المدينة المعاصرة تتمركز عادة حول قطب وحيد. وأن التنطيق أوجد تخصصات مبالغ فيها من مناطق صناعية، سكنية، وتجارية.وصارت المدينة تعيش في قطاعات منفصلة: من جهة أحياء سكنية مخططة، ومن جهة أخرى أحياء شعبية فقيرة، يمكن أن نصفها بالمريضة، حيث تمتاز بعدم الاستقرار، التلوث بكل أشكاله، انعدام الأمن، انتشارا في العنف الحضري, كما أوجدت نسج عمرانية مكثفة في مراكز المدن ومتناثرة في الضواحي. قليل من العمارات التي بنيت بشكل منسجم مع محيطها المجاور....

   جل مدننا تعرف حاليا تمددا هائلا، حيث أن الكثير من الأحياء الواسعة صارت تشكل من قبل السكان أنفسهم، على جانب تحكم السلطات العمومية ( الأحياء الشعبية: الفوضوية، القصديرية.... المنظمة ذاتيا: عقود بيع، بناء...... بعيدة عن المصالح الرسمية ): أوجدت وضعية بعيدة عن مفهوم التسيير الهادف، أو التنظيم المحكم.

   النسيج العمراني يتمدد ويتسع ويتحول، بينما الأراضي الحضرية الضرورية تضيق.وبالتالي ظهور هفوة بين وتيرة التهيئة العمرانية، وما ينبغي على المدينة توفيره. وأصبحنا نشعر وكأن مدننا تتطور بوتيرة تفوق قدراتنا. لذا، ونحن في عصر جديد، ومع متغيرات عالمية ومحلية مفروضة، فان مسير المدينة مطالب بالتأقلم معها في خضم التحولات التي تعيشها الحضارة الإنسانية، فان المدن تعمل يوميا منتجة بذلك مشاكل اجتماعية واقتصادية متجددة حسب الظروف؛ هذه الحالة تترك الكثير من مسيري المدن يتساءلون عن العلاقة بين الأشكال الفضائية والوظائف الحضرية؟

3.2 تسيير المدينة مشاركة عامة:

   لقد أصبحت فكرة المشاركة العامة في تسير المدينة عملة رابحة آخذة في الانتشار في كثير من الدول وخاصة المتقدمة . بل إنها أصبحت توجه أعمال الخبراء, السياسيين المهتمين بتخطيط وتسير المدينة، ونظرا لكون استخدامات الأرض تؤثر على كل أعضاء المجتمع بدرجات متفاوتة فقد وجدت الفكرة تجاوبا متزايدا من قبل عامة الناس.

   في الواقع أن مبدأ المشاركة العامة في التسيير لا يمكن أن ينجح بدون إعداد أفراد المجتمع لتلق المشاركة ؛ وهذا يكون عن طريق بذل الجهود المسبقة لإفهام الأفراد الأهداف العامة لهذا النوع من التسيير.

   إن تشكيل الأهداف العامة وإيجاد الوسائل الفعالة للتسيير يحتاج إلى الانخراط الفعلي للمجموعات والمنظمات المهتمة بالتسيير لإجراء المناقشات والاستشارات للوصول إلى أفضل أسلوب لعرض الأمر على أفراد المجتمع حيث أن بعض الأهداف قد تكون غامضة على الكثير. لهذا قد يلجأ الفرد أحيانا لبعض المنظمات للمشاركة في المناقشات نيابة عنه كأحد أعضائها.

   وهنا نسجل إمكانية المساعدة في شرح أهداف واتجاهات التسيير من قبل وسائل الأعلام. 

   ألا أنه ينتج أحيانا عن مبدأ المشاركة العامة نوع من التضارب في عملية التسيير؛ أحيانا إلألحاح على تدعيم المشورة بين السكان وبين المسئولين عن التسيير قد يصطدم مع الحاجة لتنفيذ بعض القرارات السريعة في بعض عمليات التسيير. وبالتالي قد تكون هذه السرعة المطلوبة أحيانا مستحيلة مع مبدأ المشاركة العامة (كعمليات تحسين إطار حياة بعض الأحياء القديمة....).

   أما المشاركة العامة المفيدة فهي تلك التي تبدأ منذ التخطيط ، كنشر الخطط أمام السكان، لإعطائهم الفرص الملائمة لعرض أرائهم والتي يجب أن تكون الأساس في وضع بعض الخطط النهائية. وعموما فإن فاعلية التسيير تبرز مع تشجيع المشاركة لأكبر عدد ممكن من العامة بالمساعدة في إعداد الخطط مثلا, ذات العلاقة الوطيدة بهم كالأماكن العمومية، وأماكن لعب الأطفال، وبعض التجهيزات العامة.... ، وذلك بإبداء أرائهم إما شفويا أو كتابيا... 

   طريقة المشاركة هذه تفرض على تسيير المدينة أن يكون في الميدان وأن يعمل وفق تصور جديد يعتمد أساسا على التنسيق والتشاور والشراكة بين الدعم العام والخاص وإشراك المجتمع المدني ومعرفة جيدة لكيفية فتح قنوات الاتصال بين مختلف الفاعلين في إطار نظرة شمولية، كي نجعل المواطن يشعر بانتمائه إلى المدينة أي بامتلاكه للفضاءات ( حيازته) لها.

   تقودنا هذه النظرة الأخيرة إلى التساؤلات التالية: ما هي الإستراتيجية التي ينبغي إتباعها لجعل سكان المدينة أكثر فاعلية؟ وأي نوع من التسيير المتطلب إيجاده لتشجيع التزامات السكان ؟

4.2 تسيير المدينة: تفعيل للقطاع الخاص

   جاء في كتاب مدن للقرن 21 ص 135 الصادر عن المنظمة العالمية للتنمية الاقتصادية 1995، أن مندوب الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قال : "السياسة الوطنية للمدينة يجب أن تعكس شراكة قوية وفعالة بين القطاع العام والقطاع الخاص. الاعتمادات الفدرالية، واعتماد الدولة والمحلية رغم أهميتها، إلا أنها لا تكفي لحل مشاكل مدننا.

   يجب تدخل القطاع الخاص. هو وحده يستطيع توفير الأحوال الضرورية لإعادة البناء والتوسع, هو وحده يستطيع أن ينجز مشاريع التطور الكبير على المستوى الواسع لإيجاد اقتصاد محلي كاملا".

   كما يلاحظ في هذا الشأن كذلك بأن الشراكة (العامة/الخاصة) المتعلقة بالتهيئة، وتحسين الهياكل القاعدية تضاعفت، في بعض الدول الأوربية، في بداية 1980: شركات إنجاز وبناء، مستثمرون، هيئات مالية وشركات تطوير أخرى تعاونت مع السلطات العمومية تحت شعار الثورة العمرانية. وتزايدت بعدها الاتفاقيات في مختلف المجالات.

   فالبلدية وحدها لا تتوفر على وسائل مادية ومالية تسمح لها بحل كل المشاكل المدنية........بل بمجهودات كل المهتمين بتسيير المدينة، والتي يمكن أن تجمع بواسطة تعاون فعال، لتواجهة تحديات التسيير المشترك. 

5.2 تسيير المدينة : نماذج مختارة:

  رغم تعدد المتدخلين في المدينة باعتبار أن لكل رؤيته الخاصة للمشاكل، ولكل أولويته, الأمر الذي يجعل من عملية التنسيق أمرا معقدا، وبالتالي التناقض في بعض الأحيان بين الكيفيات المطروحة لمعالجة الوضع وضبط التعقيدات، لذا كثيرا ما نتساءل عن بعض النماذج الناجعة في التسيير ، هل نعتمد التسيير الخاص: أي أن البلدية هي التي تشرف على تسيير كل القطاعات التابعة لها وذلك باستعمال وسائلها البشرية والمادية الخاصة؟ ، أم نعتمد التسيير المشترك وذلك بالتسيير الذي يعتمد على التنسيق بين البلدية والمتعاملين الآخرين في آن واحد.

  التساؤل على نوع التسيير الأنفع, يقودنا أن نتساءل كذلك ,وبنفس النظرة إلى محل التسيير (المدينة) .هذه الأخيرة يمكن أن نقسمها إلى نموذجين: المدينة السوق – المدينة الحي.

المدينة السوق: أراضي حضرية ، سكن ، قروض ، اتصالات ، خدمات ، لمختلف الشركات ،مهن حرة ، عمل توظيفي..

المدينة الحي: خدمات عمومية عبر الأحياء والتي هي إما مصالح تجارية ( ماء، تطهير، جمع نفايات منزلية، نقل بعض الأشخاص) أو خدمات تنظيمية (الخدمات التي تنظيم فضاء المدينة وتحاول تحسين الظروف داخل الأحياء)، أو خدمات اجتماعية تهدف إلى إخراج بعض الفقراء من فقرهم، تثقيف آخرين وتعلمهم .... أو أفعال ردعية ضرورية للتسيير الحسن للجميع.

   يمكن أن ينمو هذا التصور على غرار تصور مفهوم الحي، كما يمكن أن يبنى على ميثاق محلي للمواطنة، أو على هندسة خاصة ترتكز على سلطة الحي.

   العمل هنا يقتضي إيجاد تحالف اجتماعي سياسي واسع النطاق يهدف إلى إيجاد التجانس، التنسيق والإدماج الاجتماعي.

مثلا: إرسال برنامج لإجتثاث الفقر، برنامج القضاء على الآفات الاجتماعية.

  في هذه الحالة البلدية تكون هي العمود الفقري الذي يرتكز حوله هذا النشاط ألتسييري الاجتماعي.

6.2 تسير المدينة : تسيير قطاعات لكن بنظرة شمولية

   التحكم في تسير المدينة يقتضي تحديد القطاعات المراد التدخل عليها تحديدا واضحا , لكن بنظرة شمولية ( تعين خصوصية كل قطاع ومجالات التداخل بينها).ومن بين هذه القطاعات التي ينبغي أن تكون من أولويات مسير المدينة –رغم درجات تفاوت تأثيرها من مدينة لأخرى- نذكر ما يلي : 

* الفضاءات العمومية: هذه الحالة تفرض على السكان وكذلك أصحاب القرارات أن يعتمدوا طريقة ديناميكية للتهيئة العمرانية وأن يجدوا حلولا متجددة لاستغلال الملائم للفضاءات المتواجدة عبر كل أنحاء المدينة.

* إعادة تأهيل الأحياء الهامشية : المتضررة (القديمة) و الفضاءات العمومية، الطرقات هي أول الإجابات التي تعصف بمدننا والتي ينبغي للمسئولين على مستوى البلدية النظر فيها.

   النوع الثاني من الإجابة التي يجب أن ينظر إليها المسئولون على مستوى البلديات هي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لسكان هذا النوع من الأحياء.

   فإدماج هذا النوع من الأحياء ( والمتواجدة عموما في ضواحي المدينة), ينبغي أن يكون من أولويات مسير المدينة . لأن الكثير من هذه الأحياء أصبحت أماكن لاهية قروية فتطور مستلزمات الريف ,ولاهي حضرية فتستفيد من خدمات المدينة .

* أزمة النقل الحضري: شوارع مدننا مكتظة بالمشاة وسائل النقل,تجهيزات النقل العمومي لا تستطيع تلبية الطلب، كما لا تستطيع الشوارع المتدهورة تلبية الحركة في الميكانيكية في الوقت اللازم للانتقال من نقطة إلى أخرى, وحوادث المرور في تصاعد مستمر.

  عليه النقل الحضري في أغلب هذه المدن بحاجة إلا تسير محكم للارتقاء به إلا أهدافه الحقيقة ( التوصيل بسرعة ,بأمان ,وبأقل التكاليف ).

* النفايات الصلبة : وضعيتها في جل مدننا تجعل من مسير المدينة يرسم لها العديد من الخطط ليستفيد منها لأنه عبارة عن عائدة أي مادة ثانوية للنشاط العمراني.كما يمكن تطبيق عدة مبادئ معروفة في التسيير تجعل من مسير المدينة يستفيد من وجود هذه النفايات مثلا:
تطبيق مبدأ الملوث الأكبر يدفع الأكثر.

تفعيل الضرائب المتعلقة بحماية المحيط...

التوعية وإنشاء هيئات تتكفل باستغلال النفايات والتفكير في تخفيض المصاريف المتعلقة بمعالجتها على الأقل, والتقليل من الانتشار العشوائي لأماكن جمع النفايات في كل أنحاء المدينة.

* تسير القطاعات الأخرى:

- كالمساحات الخضراء: (تشجيع المبادرات الفردية والجماعية كإنشاء مؤسسات خاصة ومتخصصة في صيانتها، والتي تهدف إلى حمايتها والمحافظة عليها.....

- المياه الصالحة للشرب: ( التفكير في إيجاد طرق التعامل العقلاني معها، خاصة في المناطق الجافة والشبه الجافة....)

  يجب على مسير المدينة أن يبني استراتيجيته على الاستغلال الأمثل لكل عناصر المحيط الحضري، ويحسن الاستفادة من العوامل المحيطة به مع تطوريها مركزا على بعض النقاط، نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، ودون ترتيب ما يلي:

- الإشراف على حملات تطوعية.

- مراقبة لكل التغيرات وتشخيص تدهور للمحيط.

- تشجيع المبادرات الفردية والجماعية الهادفة إلى تحسين إطار الحياة.

- إشراك أهل الحي في العمليات العمرانية وذلك بواسطة ورشات ميدانية.

- تحديد نوعية مشاركة السكان، مثلا:

هل هي مشاركة تقنية ؟

هل هي استثمار جماعي في فعل معين ؟

مشاركة مالية.

- تهيئة وتسيير الأحياء على شكل وحدات جوارية لها تجانسها.

- تشجيع الدراسات المفيدة لعمليات التسيير :

- جمع المعلومات وتحليلها.

- إيجاد قاعدة بيانات.

- تقوية شبكة علاقات واتصالات مع المتدخلين والمتعاملين الأساسيين .

- تحديد الشركاء الحقيقيين، والفاعلين.

7.2 تسيير المدينة: مراحل مدروسة

   بعد تعين القطاع المراد دراسة تسيره, وتحديد كل الظروف اللازمة لذالك, فإن العملية تمر بالمراحل التالية : 

- جمع المعلومات: البحث عن الوثائق الضرورية والإحصاءات اللازمة,تجميعها وتخزينها...

- فهم المعطيات وتحليلها وفق الأهداف المسطرة سابقا.

- ترجمة نتائج التحليل وإخراجها في الصورة الملائمة للاستعمال.

المدينة العربية إلى أين ؟ :

  عند التمعن في أوضاعنا البيئية الصعبة ومواردنا المحدودة ندرك بأن حاجتنا إلى تطبيقات التخطيط و التسيير الحضري المستدام أكثر من الدول الصناعية المتقدمة. وإذا كانت كميات أشعة الشمس وحرارتها ووهجها في منطقتنا من أعلى المعدلات في العالم فإن هذا يعني وجود فرص ذهبية لتوظيفها كمصدر بديل لإنتاج الطاقة، بالإضافة إلى استغلالها في إضاءة المباني والمنشآت خلال ساعات النهار. ومع ذلك فنحن نسمع عن مباني منشأة في بعض البلدان التي تغيب عنها الشمس لأيام طويلة في السنة، وهذه المباني تعتمد بشكل أساسي في الإضاءة الداخلية على ضوء النهار الطبيعي حيث توفر نصف كمية الطاقة المستهلكة في الإضاءة،بينما نرى مبانينا التي تقبع تحت الشمس الحارقة والوهج الضوئي القوي مظلمة ومعتمة من الداخل وتعتمد فقط على الإضاءة الاصطناعية التي تضيف أعباء اقتصادية إلى فاتورة الكهرباء، بل إن تلك الدول قطعت أشواطاً متقدمة في تطبيقات استغلال الطاقة الشمسية كمصدر بديل للطاقة في المباني، بالإضافة إلى استغلال الرياح وشلالات المياه في إنتاج الطاقة.

    يوجد في الدول الصناعية الكثير من المباني الكبرى التي تجسد الاستدامة ، ومنها مبنى برج (Conde Nast) المكون من (48 طابقاً) في ساحة التايمز في نيويورك الذي يعد أحد الأمثلة المبكرة التي طبقت مبادئ التخطيط و التسيير المستدام ، وقد استعملت فيه تقريباً جميع التقنيات التي يمكن تخيلها لتوفير الطاقة. فقد استخدم المبنى نوعية خاصة من الزجاج تسمح بدخول ضوء الشمس الطبيعي وتبقي الحرارة والأشعة فوق البنفسجية خارج المبنى، وتقلل من فقدان الحرارة الداخلية أثناء الشتاء. وهناك أيضاً خليتان تعملان على وقود الغاز الطبيعي تزودان المبنى بـ (400 كيلو واط) من الطاقة، وهو ما يكفي لتغذية المبنى بكل كمية الكهرباء التي يحتاجها ليلاً، بالإضافة إلى (5%) من كمية الكهرباء التي يحتاجها نهاراً. أما عادم الماء الحار فقد أنتج بواسطة خلايا الوقود المستخدمة للمساعدة على تسخين المبنى وتزويده بالماء الحار. بينما وضعت أنظمة التبريد والتكييف على السقف كمولد غاز أكثر من كونها مولد كهربائي، وهذا يخفض من فقدان الطاقة المرتبط بنقل الطاقة الكهربائية. كما أن لوحات (Photovoltaic Panels) الموجودة على المبنى من الخارج تزود المبنى بطاقة إضافية تصل إلى (15 كيلو واط). وداخل المبنى تتحكم حساسات الحركة بالمراوح وتطفىء الإضاءة في المناطق قليلة الإشغال مثل السلالم. أما إشارات الخروج فهي مضاءة بثنائيات خفيفة مخفضة لإستهلاك الطاقة. والنتيجة النهائية هي أن المبنى يستهلك طاقة أقل بنسبة (35-40%) مقارنة بأي مبنى تقليدي مماثل.

   ومن الأمثلة الأخرى على العمارة الخضراء برج (The Swiss Re Tower) القابع في أحد شوارع مدينة لندن والمصمم بواسطة المعماري نورمان فوستر وشركاه، ويشير اللندنيون لهذا الصرح المعماري بأنه الإضافة الأحدث إلى خط أفق مدينتهم العريقة، وهذا البرج المنتصب كثمرة الخيار يتكون من (41 طابقاً)، إلا أن الشيء الرائع في هذا المبنى ليس شكله المعماري الجميل ولكن كفائته العالية في استهلاك الطاقة، فتصميمه المبدع والخلاق يحقق وفراً متوقعاً في استهلاك الطاقة يصل إلى (50%) من إجمالي الطاقة الذي تستهلكه بناية تقليدية مماثلة. ويتجلى غنى المبنى بمزايا توفير الطاقة في استعمال الإضاءة والتهوية الطبيعيتين كل ما أمكن ذلك. وتتكون واجهة المبنى من طبقتين من الزجاج (الخارجية منها عبارة عن زجاج مزدوج)، والطبقتان تحيطان بتجويف مهوى بالستائر الموجهة بالحاسب الآلي. كما أن نظام حساسات الطقس الموجود على المبنى من الخارج يراقب درجة الحرارة وسرعة الرياح ومستوى أشعة الشمس، ويقوم بغلق الستائر وفتح لوحات النوافذ عند الحاجة. أما شكل المبنى فهو مصمم بحيث يزيد من استعمال ضوء النهار الطبيعي، ويقلل من الحاجة للإضاءة الاصطناعية، ويتيح مشاهدة مناظر خارجية طبيعية حتى لمن هم في عمق المبنى من الداخل.

   أما المبنى الأخضر الأكثر شهرة فهو موجود مؤقتاً على "لوحة الرسم" لحين إكمال مراحل إنشائه وهو برج الحرية الذي سيتم بناؤه في الموقع السابق لمبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك. المعماريون المصممون سكيدمور وأوينجز وميريل وإستوديو دانيال ليبيسكيند (Skidmore, Owings & Merrill and Studio Daniel Libeskind) قاموا بدمج مزايا التصميم البيئي في جميع أرجاء المبنى الضخم. وسيحوي البرج الرئيس والذي سيرتفع (1.776 قدم) الألواح الشمسية بالإضافة إلى محطة طاقــة هوائية (تعمل على الرياح)، التوربينـات يتوقـع أن تولـد حوالي (1 ميجا واط) من الطاقة، وهو ما يكفي لتغذية البرج بنسبة (20%) مناحتياجه المتوقع من الطاقة. ومثل المباني الخضراء الأخرى فإن البرج سيعتمد على الإضاءة والتهوية الطبيعيتين، بالإضافة إلى أنظمة وعناصر الإنارة ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة.

   إن القدرات الفعلية للأجهزة التخطيطية العربية بدت متدنية للغاية فلاهي استطاعت أن تسيطر على التوسع العمراني الذي اكتسى صبغة شبه عشوائية في الكثير من الأحيان، أو تمكنت من أن تطرح تصورات واقعية و عملية تواكب التطور الحاصل في مجال تكنولويات الإعلام لحل المشاكل التي تعاني منها مدننا أو على الأقل توفقت في خلق شعور بالرضى والارتياح لدى المخططين و السكان على المستوى الحضري . و لعل أهم الاختلالات الهيكلية والوظيفية التي تعاني منها مدننا تتعلق بثلاث مستويات:

مستوى التنظيم : تنظيم المجال الحضري بكل جوانبه بشكل يسمح بالعمل ضمن إطار منظم و دقيق لحل المشكلة الحضرية ،
مستوى أسلوب القيادة ، إتخاذ القرار والتسيير.
مستوى التجاوب بين التخطيط-المستعمل-الفاعل .

التخطيط و التسيير المستدام والتراث العمراني:

  مفهوم "الاستدامة دخل حيز الاستعمال والرواج والانتشار في الأوساط المهنية في الدول الصناعية المتقدمة فقط في التسعينيات من القرن المنصرم، ولكن جذور هذه الحركة يمكن تتبعها لسنوات طويلة في العصور الماضية. فقد كانت الموارد المتاحة بما فيها الأرض ومواد البناء المحلية تستغل بكفاءة عالية، كما أنها قدمت معالجات بيئية ذكية أسهمت إلى حد كبير في خلق توافق بيئي بين المبنى والبيئة المحيطة، ومن تلك المعالجات العناية بتوجيهات المباني، وتوظيف طبوغرافية الأرض، واستخدام الأفنية الداخلية، والعرائش، والمشربيات، وملاقف الهواء، والعناية بأشكال وأحجام النوافذ والفتحات، والحوائط السميكة، والاعتماد على المواد المحلية كالطين والخشب، وجعل المباني متلاصقة ومتقاربة، بالإضافة إلى استغلال وتوظيف العناصر النباتية في التكييف البيئي والتقليل من وطأة الظروف المناخية.

  إن الفوائد والمزايا البيئية - الاقتصادية التي حققتها في الماضي عمارتنا المحلية هي بحد ذاتها صور وتطبيقات مبكرة لمفهوم التخطيط و التسيير الحضري المستدام. لذلك فإن المطلوب الآن هو تبني أفكار ودروس من منظور بيئي-اقتصادي ومن ثم دراستها وتطويرها وتوظيفها في المدن الحديثة بما يتلائم مع احتياجات العصر والتقدم العلمي والتكنولوجي . و قد نشير هنا إلى أن مدننا القديمة اتسمت بالاتزان والتناغم مع المعطيات والمحددات البيئية المحيطة ويمكن ايجاز اهم هذه الملامح في التالي:

- يتميز التخطيط العام للمباني بالتلاصق وذلك لتوفير التظليل المتبادل بين المجموعات العمرانية وتقليل المساحات المعرضة لأشعة الشمس والتي قد تزيد عن خمسين درجة مئوية في فصل الصيف.
- التصميم يكون متوجها الى داخل المبنى للاستفادة من المناخ وتندرج الفراغات من فراغ خاص بالأسرة داخل المنزل وهو غير قابل للكشف من المباني المحيطة كما يوجد الفراغ الخلفي خارج المبنى الذي تستخدم فيه كاسرات بصرية لتوفير الخصوصية للأسرة، أما الفراغ العام فهو مكشوف من الشارع والجيران.

- توصيل الغرف بالفناء ويتم عزل دورات المياه والمطابخ وفصلها بتهوية خاصة.

- الإكثار من النباتات والمسطحات المائية لتلطيف المناخ الحار وتحقيق التناغم العمراني.

- النوافذ وفتحات التهوية صغيرة في الحوائط الخارجية ومحمية من اشعة الشمس الساقطة والتهوية أقل ما يمكن خلال النهار واستخدام الحوائط السميكة التقليدية او استخدام المواد العازلة والعاكسة للحرارا عند استخدام مواد البناء الحديثة.

- استخدام الأسقف الصلبة التي تختزن الحرارة وذات الاسطح العلوية العاكسة وقد يستخدم سقفان بينهما فراغ بسيط للتهوية كما تطلى الاسطح باللون الابيض الذي يساعد على انعكاس الحرارة وعدم تخزينها.

- مراعاة خط الأفق للنسيج العمراني والحضري عن طريق التوظيف الأمثل للخطوط الكنتورية ومناسيب الأرض المتفاوتة (مثل الاستفادة بمآذن المساجد - العناصر الطبيعية المتوفرة).

- المنظور البيئي للمجتمع الصحي يعني تحقيق حالة من التوازن بين الإنسان والمحيط العام ويتحقق هذا التوازن من خلال المحافظة على بيئة عمرانية سليمة بحيث يتيح الوسط مستوى من التجديد والنمو الشامل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والترشيد العاقل للأنماط الاستهلاكية، ويلزم ان تراعي التشريعات واللوائح المنظمة للتنمية الشروط الصحية لحماية البيئة والمحيط الحيوي.

- التخلص الأمثل من النفايات (الترشيد من المصدر وإعادة تدويرها). وتوفير مواقع سهلة وصحية لتجميعها.

  رغم أن نمو المدن والتمدن الحضري ضرورة لاستمرار العمران فإن مراعاة عوامل التوافق والتوازن بين هذا النمو ومحددات البيئة المحيطة يمثل حاجة ضرورية لتوفير الراحة والأمان والخصوصية واستمرار التنمية المتناغمة للإنسان والمكان. لذلك فإن التوظيف الأمثل للموارد والامكانات الطبيعية المتاحة والكامنة في دولنا العربية والأخذ بالأساليب الحديثة المتوازنة وتوافق البيئة والعمران يمثل ضرورة لازمة لتحقيق المنظومة العمرانية المتجانسة التي يمكن ان تحقق العناصر التالية:

  لاشك أن كيفية تقسيم المجال عمرانيا من خلال المقاربة الوظائفية (سكن ، عمل ،خدمات) هي التي تتحكم في العملية التخطيطية و التسييرية برمتها قديما و حديثا . على هذا المستوى ينبغي أن نمتلك رؤية بعيدة المدى تتضمن تناسقا مابين طريقة تنظيم المجال من جهة، و تسييره من جهة أخرى. وإذا انتقلنا إلى مستوى أكثر تفصيلا، نجد أن التصور العمراني، ومعالجة الفضاء العام، و على سبيل المثال لا الحصر فأن خصائص الجادات، وتوفير المرابد، وتهيئة الطرقات، ....الخ هي التي تحدد حصرًًًًًّّّا النماذج المختلفة لكل من: سلاسة التنقلات، وانسيابية المرور أو على العكس توقف حركة النقل العمومي. بكل تأكيد، هذا الأمر يسري على الأحياء الجديدة في محيط المدينة كما يسري على الأحياء الواقعة بمركزها.هذه الأخيرة تضطلع بدور جوهري في نجاعة منظومة النقل، ذلك بأنها تشكل إما مصدرا وإما وجهة لغالبية التنقلات.

4 - المدينة بين أمال السكان و نظرة المصممين :

  كشفت الدراسات الميدانية عدة حقائق أهمها على الإطلاق الإقرار بوجود بون شاسع بين تطلعت السكان من الخدمات الحضرية والقدرة الفعلية للمخطيين على التجاوب مع تطلعات السكان من جهة و أولويات التنمية و الحياة الحضرية الحديثة من جهة أخرى. كما أن عدم التناعم بين الآمال العريضة التي علقتها الدولالعربية في معظمها على اللامركزية على الصعيد الحضري، وطريقة فهم الفاعلين المحليين (مهندسين ، منتخبين ، سكان ، جمعيات أهلية ....الخ)لمسؤولياتهم وأدائهم لها أدى إلى استفحال المشاكل التي تعاني منها المدن.

5- نطام المعلومات الجغرافية : أداة فعالة للتحكم في المشاكل الحضرية :

   إن القدرات الفعلية للأجهزة التخطيطية ستكون أكثر نجاعة من خلال تسخير التكنولوجات الحديثة للسيطرة على التوسع العمراني ، من أجل ذلك فإن نظام المعلومات الجغرافي GIS من وجهة نظر وظيفية يعد أداة فعالة في التخطيط والادارة على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات.

- التخطيط إعتباراُ من المستوى النظري وحتى التنفيذ الفعلي

- الادارة اعتباراً من المستوى الاستراتيجي وانتهاء بالمستوى التشغيلي للمشاريع العمرانية(دعم القرار).

   ومن وجهة نظر اجرائية يساعد في تحديد المشكلة الحضرية وايجاد الحلول من خلال جمع وتخزين البيانات، إدارتها وتحليلها واخراجها بالشكل المطلوب واجراء عمليات التحليل الجغرافي والنمذجة،

   أما من وجهة نظر بنيوية يتكون النظام من خمسة عناصر أساسية هي البيانات والاجهزة والبرمجيات والاجرائيات والكادر المتخصص. تكمل هذه العناصر بعضها البعض وأهمها الكادر المتخصص القادر على تنفيذ وظائف النظام بكافة مراحله.

  و لعل أهم الاختلالات الهيكلية والوظيفية التي أوجدت نظم المعلومات الجغرافية بالإضافة إلى التصميم و المحاكاة بالحاسوب تتعلق بثلاث مستويات:

أولا :المستوى التنظيمي:

   يعد حسن التنظيم الحضري(التنظيم أولى نتائج التخطيط الحضري ) بالإعتماد على نظم المعلومات الجغرافية محددا أساسيا لحسن التسيير و التكفل الأمثل بمشاكل الحضر . والمقصود بالتنظيم كيفية تجميع الأنشطة والمهام الحضرية ضمن قاعدة للبانات حديثة و دقيقة تسمح فيما بعد للمسير بالتخاذ الإجراء المناسب لمواجهة أي مشكل بدقة متناهية وتوزيعها بين مختلف الوحدات المجالية التي تشكل الحضر والتحكم في علاقات و تفاعلات مختلف هذه الوحدات .

- الملاحظة الأولى : إيجاد حلول سريعة و بدائل جيدة للتحكم في : تنظيم النقل الحضري، جمع النفايات المنزلية ، تسيير شبكات الصرف الصحي و التزويد بمياه الشرب ....الخ لكون التنظيم الذي يستخدم تقنيات الإستشعار عن بعد يساهم بفعالية في حل مشاكل المواطن العربي - كما أنه يضع بين أيدي المخططين و المسيري إمكانيات هائلة توفر الجهد و المال من جهة و تحقق في أغلب الأحيان نتائج طيبة على جميع الأصعدة . و على سبيل المثال لا الحصر نذكر النتائج التي حققتها عملية الإعتماد على المعلومات الجغرافية في إعداد مخططات التنقلات الحضرية في العديد من الدول المتقدمة من جهة و الإمكتنيات التصميمية التي وضعتها بين يدي المخططين لتصميم مدن تتلاءم مع المناخ المحلي من خلال توجيه الماني ، الشوارع الأمر الذي أعطى نتائج باهرة في تصمميم مدن توفر الراحة لسكانها و تتلاءم مع بيئتها ؛ فأدى ذلك إلى خفض نفقات التكييف إلى مستويات قياسية و بالتالي خفض مستويات التلوث بشكل محسوس الأمر الذي يؤدي إلى أنخفاض الإصابة بالأمراض المعروفة لدى المتخصصين بأمراض الحضر و تقليص نفقات الدولة في هذا المجال . 

- الملاحظة الثانية : تتعلق بالمستوى التكنولوجي والتقني لأدوات التخطيط المجالي و التسيير الحضري المعتمدة على نظم المعلومات الجغرافية و المصممة باستخدام طرق المحاكاة الحاسوبية ؛ سواء فيما يخص الوحدات الصغيرة (تجمعات سكنية صغيرة) أو فيما يتصل بتقديم الخدمات الفنية والتقنية المتعلقة بالمرافق الحضرية الأساسية من قبيل نظافة الشوارع والأزقة ، وجمع النفايات المنزلية، وتوفير الإنارة العمومية، وتنظيم والإشراف على النقل العمومي وتدبير مجاري المياه المستعملة. نذكر هنا أن استخدام نظام الإستعار عن بعد يؤدي إلى تحديد المشاكل بدقة تصل إلى بضع سنتمترات مربعة ، ممايتيح التدخل الفعال لحل المشاكل في أقل مدة زمنية و أقل تكلفة ممكنة ، و لعل أبرز مثال يمكن أن نورده هنا هو استخدام هذه التقنية في التحكم في شبكة التزويد بمياه الشرب او الصرف الصحي ، فهو يعطي معلومات دقيقة عن التسربات (نوعها ، حجمهت ، مكانها ) و بالتالي أتاح التدخل العاجل لإصلاح الأعطاب .

- الملاحظة الثالثة : هيكلة وظيفية تجمع و تنسق التقنيين و المهندسين الحضريين ؛ باعتماد أساليب عمل جديدة تتيح تحكما أفضل في المجال الحضري و تكفلا فعالا بمشاكل السكان وتنظيم سير العمل .

- الملاحظة الرابعة : رفع المستوى التكنولوجي للبلديات وتكريس أساليب عمل جديدة تتناغم مع حجم وطبيعة المشاكل المطروحة؛ في مدن يختلف حجما و نوعية المشاكل . نشير هنا أن حجم مدننا قد تضاعف عدة مرات مما خلق عجزا مستديما لوسائل التخطيط أو التعمير في مواجهة كم هائل من المشاكل الحضرية المعقدة و المتنوعة في آن واحد . لكن من خلال استخدام الحاسوب و المعلوميات الجغرافية في العمل الهندسي اصبحت وضعية الآليات المستخدمة في تأدية مختلف المهام التسييرية للمجلات الحضرية من نظافة وإنارة وجمع للنفايات، أحسن حالا من التجهيزات و أكثر فاعلية و نجاعة بالإضافة إلى خفض كلفة التسيير.

ثانيا: مستوى القيادة و اتختذ القرار وأسلوب التسييرالحضري :

  المقصود بالقيادة و اتخاذ القراروأسلوب التسييرالحضري طريقة اشتغال الأنظمة التخطيطية و التصميمية الحضرية وأدائها لمهامها، ونعني بها كذلك العلاقات التفاعلية القائمة بين المستوى العلمي و العملي. وفي هذا الصدد هناك ملاحظة جديرة بالتسجيل: لدى استقراء التشريع المحلي نتبين بأن المسؤولية الأولى في الإشراف وتسيير دفة العمل الحضري تقع بالأساس على البلدية و هي النواة الأساسية و القاعدية لتسيير المدينة . بيد أن النظام الأفضل للقيادة يتسم باقتسام السلطة بين عدة مراكز قرار يساهم كل من موقعه في إشباع حاجيات سكان المدينة. وقد أفضى تعدد مراكز اتخاذ القرار إلى تعطيل الاتصال الأفقي، و إلى عدم استقرارية مساطر اتخاذ القرار، والتركيز على الحلول السهلة والمستعجلة.

ثالثا: مستوى التجاوب بين الأنظمة البلدية ومحيطها.

- مبادرات من لدن البلديات لإشراك السكان أو استشارتهم في بعض القضايا التي تشغل باله .

- توجه للربط بين البنيات المجتمعية ( تنظيم مجالس الأحياء مثلا) والحركة الجمعوية العاملة في الحقل الاجتماعي أو الثقافي وبين مسلسل تحضير مخططات التنمية المستقبلية.

  كما أن استخدام نظم المعلومات الجغراية يستوجب التخلص من الطرق التقليدية ؛ نظرا لما تقوم به من عمليات حسابية معقدة بسرعة و دقة كبيرة مما يستوجب توفر وسائل الرسم الدقيقة و السريعة.

  و مع الإخفاقات المتتالية لمخططينا في خلق مدن تتجاوب مع المجتع التي عرفت بدأت العديد من مدننا فى الاهتمام بهذا الموضوع من منظور أستخدامه يسمح بخفض الكلفة افجمالية للتصمبم و التسيير ، و هنا نورد مقارنة بين التخطيط و التسيير بالطريقة التقليدية و باستخدام التقنيات الحديثة :

و باستخدام التقنيات الحديثة
الطريقة التقليدية
المقارنة
طرق متعددة تعتمد على الامكانات
الرسومات التقليدية
طرق التعبير عن التصميم
قرارات مستمرة فى اى وقت
قرارات محددة
اتخاذ القرارات
قواعد متغيرة وفق الحاجة
قواعد جامدة
القواعد المتبعة
استغلال امكانات كبيرة فى حل المشاكل التصميمية في أقل وقت و بدقة متناهية
حل المشاكل التصميمية بالطرق التقليدية
المشاكل التصميمية
ليس لها توجه يمكن ان تبدأ من اسفل الى اعلى او من اعلى الى اسفل
التوجه من اعلى الى اسفل تبدأ بالعموميات و تنتهى بالتفاصيل
العملية التصميمية
النظم و التفاصيل و الكميات متاحة بطريقة اليكترونية دائمة التحديثيتم اعداد النظم و التفاصيل و حساب الكميات بالطرق التقليديةالمعلومات الاساسية
سريعة و دقيقة
بطيئة و غير دقيقة
التحليلات البيئية و الانشائية

6 - الخلاصة :

   سيكون من السابق لأوانه الحديث عن حلول جاهزة للإعاقات التي تعرفهامدننا . ما سنقترحه في هذا البحث هو أقرب إلى اقتفاء آثار الإشكالية ورصد لمكامن الخلل، يستلزم تعميقا للبحث، وتدقيقا في التحليل حتى نتمكن من التوصل لاحقا إلى مايمكن أن نسميه بالمقترحات العملية للإشكالية المطروحة : 
إن القدرات الفعلية للأجهزة التخطيطية بدت متدنية للغاية فلاهي استطاعت أن تسيطر على التوسع العمراني الذي اكتسى صبغة شبه عشوائية في الكثير من الأحيان، أو تمكنت من أن تطرح تصورات واقعية و عملية تواكب التطور الحاصل في مجال تكنولويات الإعلام لحل المشاكل التي تعاني منها مدننا أو على الأقل توفقت في خلق شعور بالرضى والارتياح لدى المخططين و السكان على المستوى الحضري .

• تفعيل تطبيق مفاهيم وممارسات الإستدامة في التخطيط و التسيير الحضري إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل البيئية والاقتصادية والوظيفية لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تكوين المعماريين والمهندسين في هذا المجال ، الذين يعدون بمثابة الأدوات (Tools) الفاعلة التي تستطيع توطين التقنيات الحديثة وتأصيلها كممارسات مهنية أثناء تصميم مشاريع العمرانية والإشراف على تنفيذها و تسييرها.

• إن وثائق التعمير، هي مرجعية قانونية لتنظيم العمران في حدود المناطق التي تغطيها، لايمكن ولاينبغي لها أن تصبح تصميما جامدا لا يخضع للتطويرعلى :

المستوى النظري: ينبغي إبراز ضرورة وأهمية استخدام التقنية الحديثة و تطويعها لجميع المتدخلين في المدينة سواء كانو مخططيين ، مسيرين أو سكان ؛ و جعلها أداة عملية يعد استخدامها ضروريا في تخطيط و تسيير المدينة.

المستوى التطبيقي: و تدريب المخططين و المسيرين على استعمال التقنيات الحديثة في التصميم و التسيير .وإنشاء نظم معلومات جغرافية خاصة بكل مدينة أو بلدية تحدث باستمرار . 

قائمة المراجع

Bailly, Antoine. L’organisation urbaine, théories et models. centre de recherche .Paris.1978.

Bedon, Robert & autres. Architecture et urbanisme en gaule romain. édition errance Paris.1988.

Canter, David. The psychology of place. The architectural press.London.1977

Canter, David & Stringer. Environment alliteration, psychological approach to our physical surroundings. University presse. London 1975

Duplay, Claire et Michel. méthode illustrée de création architecturale. édition Moniteur, Paris 1982.

Dubois ,Claud & autres. Petit Larousse illustré. Libraire larousse. Paris 1983.

Wieczorek , Daniel. Camillo site et Le début de l’urbanisme moderne.OPU Alger,1984.

Gibberd, Frederick. Composition urbaine. Dunod .Paris 1972.

Goodman, I.W. Principe and practice of urbain planing.Washington D.C 1968.

Rapoport, A & Kantor, E. Complexity and ambiguity in environmental design. American institute of planning journal . Juillet 1967.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا