التسميات

آخر المواضيع

الثلاثاء، 19 يوليو 2016

استعمال المجال العام في المدینة الجزائرية : دراسة میدانیة على حدیقة التسلیة في مدینة سطیف وساحة طاوس عمروش في مدینة بجایة


استعمال المجال العام في المدینة الجزائرية 

دراسة میدانیة على حدیقة التسلیة في مدینة سطیف

وساحة طاوس عمروش في مدینة بجایة

دراسة مكملة لنیل شھادة الماجستیر، تخصص علم الاجتماع 

الحضري - كلیة العلوم الإنسانیة والعلوم الاجتماعیة

قسم علم الاجتماع و الدیمغرافیا

جامعة محمـــد منتـوري -  قسنطینة 

من إعداد الطالب: دریـس نوري

تحت إشراف د: یاسمینة فرشیشي غضابنة

السنة الجامعیة: 2007/2006 

مقـدمة:

  بقيت العلوم الإنسانية والاجتماعية في مجتمعات العالم الثالـث، تعـاني لفتـرة طويلة من معوقات سياسية و نظرية ابستمولوجية، حالت دون أن تسـهم بالشـكل الكافي في إنتاج معارف عميقة لهذه المجتمعات، و استيعاب التعقيدات التي تسودها. فالأوضاع السياسية، حالت لفترة طويلة ـ مازالت مسـتمرة إلـى الآن ـ دون أن يكون للعلوم الاجتماعية دورا علميا محايدا، بسبب سعي الأنظمة السياسية فيها، إلى استغلالها و تجنيدها لما يخدم مصالحها السياسية في غالب الأحيان . 1

   إذا كانت هذه المعوقات لها ما يبررها و يمكن تجاوزها مع مرور الوقت، فـإن المعوقات النظرية ساهمت هي الأخرى، في التأخر الكبير الذي تعاني منه العلـوم الإنسانية في هذه المجتمعات. إن الكثير من النظريـات و المفـاهيم التـي نشـأت و تطورت في الغرب، لا يمكن أن تحظى بنفس القوة و الأهمية العلميـة لتحليـل و دراسة مجتمعات العالم الثالث. لذلك يجب على كل استعمال لها، أن يأخذ بعـين الاعتبار بالخصائص التي قد لا تصل إلى استيعابها هذه النظريات و المفاهيم.

   يمكننا في هذا الصدد أن نشير إلى مفهوم " المجال العـام espace public". إن هذا الأخير أحتكر استعماله لفترة طويلة على المجتمعات الغربية، و كثيـرا مـا وصف استعماله لدراسة مجتمعات أخرى بأنه " غير مشروع علميا و نظريا 2 ." صحيح أن نشأة المجال العام لم تكن ممكنةـ حسب يورغن هابرماس ـ لـولا تفاعل ظروف و عوامل اجتماعية، اقتصادية و سياسية خاصة فقط بأوروبا الغربية، و أدت إلى تحوله( المجال العام)، إلـى " خاصـية مـن خصـائص المجتمعـات الديمقراطية الحديثة"، كما يقول لهواري عدي. و لكـن يجـب القـول أن العلـوم الاجتماعية منذ الثمانينات، استطاعت أن تخرج هذا المفهوم من ( زاويـة العلـوم السياسية و علم الاجتماع السياسي)، لتبدأ في استعماله لتحليـل و دراسـة ظـواهر أخرى. عندما وقع ( التفكير في المدينة la pensée sur la ville في أزمة خـلال 1 الثمانينات )، ظهرت هناك حاجة ماسة إلى استعارة هذا المفهوم من علم السياسـة و علم الاجتماع السياسي، لتحليل ظاهرة المدينـة، أو بـالأحرى بعـض الأشـكال الحضرية منها، وعلاقتها بالأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.

  فتحت هذه الآفاق النظرية في الغرب، آفاقا نظرية أخرى في العالم الثالث. لقـد بدأ الكثير من المفكرين في إعادة النظر في الفكرة التي ( تحرم اسـتعمال مفهـوم المجال العام خارج المجتمعات الغربية)؛ إذا رؤوا أن المعاني و الدلالات الجديـدة للمجال العام، يمكن أن تساعد منهجيـا و نظريـا فـي تحليـل و دراسـة المـدن و المجتمعات في العالم الثالث. يمكن في هذا الصدد أن نذكر مقالا هامـا للباحثـة الفرنسية المتخصصة فـي دراسـة المـدن المغاربيـة، فرنسـواز بوشـنين .F .Bouchenine 2 تقدم لنا في هذا المقال، تصورا جديدا للمجال العام، يمكـن مـن خلاله استعماله لدراسة المدينة العربية الإسلامية . كما نجد كتابا جماعيا، أشـرف ، يتناول إمكانية استدخال ثنائية ( العام/ الخاص)، التـي ظلـت 3 عليه " محمد كرو" محتكرة في دول ومجتمعات أوروبا الغربية، إلى المجتمعات الإسلامية. و يدافع هذا الكتاب، عن فكرة مفادها أن وجود الأملاك أو المجالات العامة و الخاصة، لا يمكن فقط أن يقتصر على الدول التي تتمتع بنظام قانوني حـديث، إن كـل المجتمعـات الإنسانية، يمكن أن نجد فيها هذه الثنائية وفق أشكال مختلفة. فهـي إذا خصـائص أنتروبولوجية عالمية. 

1 بخصوص ھذا الموضوع، أنظر إلى : - عبد القادر لقجع(2004): علم الاجتماع و المجتمع في الجزائر. دار القصبة. الجزائر. - عنصر العیاشي( 1999): نحو علم اجتماع نقدي. دراسة نظریة و تطبیقیة. دیوان المطبوعات الجامعیة. الجزائر.

2 - voire l’article de : Bouchenine Françoise Navez( 2001). De l’espace public occidental aux espaces publics non occidentaux. Quelques réflexions sur les rapports privé/ public à partir des travaux sur les villes maghrébines. In « villes et parallèle, n° 32-33- 34, décembre. Pp 120-134. Ou In : www.almanara.org. 

1-  نستعیر ھذا التعبیر من كتاب"
- Plan urbain( 1988). Espace public. La documentation française. Paris. حیث جاء فیھ ما یلي: « L’émergence du terme espaces publics autour des années 1980, correspond à une période ou la ville et la pensée sur la ville sont en crise …. ».

2 . Bouchenine. F. N. Op. Cit. 

3 . Kerrou Mohamed(2002). « Privé et public dans le monde arabe ». Paris, Maisonneuve. 

  انطلاقا مما توصلت إليه العلوم الاجتماعية في المرحلة الأخيرة، حول موضوع المجال العام، حاولت هذه الدراسة أن تتطرق إلى المدينة الجزائرية، ولكن من زاوية سياسية بالدرجة الأولى: إنه لا يمكن أن نقرر بشكل اعتباطي التخلي عـن جميـع المعاني و الدلالات السياسية التي يحملها مفهوم المجال العام، ونكتفي فقط بأخذ تلك التي تشير مباشرة إلى ما يصطلح عليه عند العامـة ب" الأمـاكن العامـة( lieux publics). سيظل استعمالنا للمجال العام ( متأرجحا) بـين التخصصـات العلميـة المختلفة، لنحاول أن نحلل من خلاله، ليس فقط المدينة في الجزائر، ولكـن أيضـا الدولة و كافة أشكال العلاقات الاجتماعية، السياسية و الاقتصادية. ومنه، فإنه منـذ الوهلة الأولى، تتبنى هذه الدراسة مقاربة سياسية و أنتروبولوجية للمدينة و الأشكال الحضرية الموجودة فيها. و تنظر إلى كل ما يجري عليهـا و فيهـا مـن أفعـال، سلوكات، ممارسات جماعية و فردية، على أنها نتاجا لعلاقات القوة، وتعبيرا عـن الاستراتيجيات التي يضعها مختلف الفاعلون فيه. 

  ضمن هذا التصور حاولنا دراسة استعمال المجال العام في المدينة الجزائريـة، مدرجين إشكاليتنا في البحث عما إذا كان من الممكن أن يكـون هـذا الاسـتعمال المتنوع و المتغير للمجالات العامة، سببا يؤدي إلى ظهـور أشـكال جديـدة مـن العلاقات السياسية و الاجتماعية في المجتمع الجزائري، والتي يمكن بـدوروها أن تشكل قاعدة للتحول إلى الديمقراطية و التعددية؟ أم أن الوضع و الشـكل الحـالي لعلاقات القوة في المجتمع الجزائري، وللطبقات الاجتماعية، سيكون العامل الأساسي الذي يجعل من استعمال المجال العام الحضري، إحدى أهم أدوات النظام السياسـي الحاكم، في إعادة إنتاج نفسه؟ .

  إن وصف الاستعمالات المختلفة للمجالات العامة الحضرية، ومحاولـة إيجـاد العوامل الأساسية المفسرة لتغير هذه الاستعمالات في نفس المجال خـلال مراحـل تاريخية مختلفة، وبين مجالات مختلفة خلال نفقس المرحلة، يمكن أن يسـاهم فـي تبيان بعض الجوانب المتعلقة بالمنحى الذي تأخذه التغيرات الاجتماعية المتسارعة التي يعرفها المجتمع الجزائري. كما يمكن أن يساهم أيضا في توضيح التأثير الـذي تمارسه الأشكال الحضرية على ممارسات الفاعلين الاجتماعيين، و على الديناميكية الاجتماعية بصفة عامة. 

   من هنا اعتمدنا في دراستنا لاستعمال المجالات العامة في المدينة الجزائريـة، على دراسة للمدينة و للمجالات التي تتشكل منهـا، وللخصـائص الأنتروبولوجيـة و التوبوغرفية لها، وكذلك أيضا تطورها التاريخي في الجزائر و المجتمعات العربية بصفة عامة. كما تطرقنا إلى دراسة للعلاقات الاجتماعية، السياسية و الاقتصـادية، وأشكال تنظيمها، وعلاقة كل ذلك باستعمال مختلف المجالات داخل المدينة. وقد جاءت هذه الدراسة، مقسمة إلى الفصول التالية: 

   قد جاءت هذه الدراسة، مقسمة إلى الفصول التالية: · فصل نظري تضمن :

1- الفصل الأول: تقديم الإشكالية العامة للدراسة، والفرضـيات المعتمـدة عليها.

2- الفصل الثاني دراسة نظرية لنشأة وتطور المجال العام.

3- الفصل الثالث: دراسة لخصائص المدن العربية الإسـلامية، و أشـكال المجالات العامة فيها.

4- دراسة للقيم الاجتماعية في الوسط الحضـري الجزائـري، وعلاقتهـا بالممارسات الملاحظة في المجالات العامة. كما تطرقنا فيه إلى دراسـة للتغيرات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي عرفتها الجزائر. 

· قسم ميداني تضمن: 

   بالإضافة إلى الدراسة النظرية للمجالات العامة و استعمالاتها، قمنا بدراسـة ميدانية على عينة من المجالات العامة، شملت: حديقة التسلية في مدينة سـطيف، و ساحة طاوس عمروش في مدينة بجاية. حاولنا فـي هـذه الدراسـة الاسـتعمالات المختلفة لهذه المجـالات، وعلاقـة ذلـك بالأوضـاع السياسـية و الاقتصـادية و الاجتماعية. و قد تضمنت هذه الدراسة الميدانية الفصول التالية:

1- الفصل الخامس: استعراض لأهم الإجراءات المنهجية للدراسة الميدانية.

2- الفصل السادس: قمنا في هذا الفصل، بعرض أهم الاسـتعمالات المختلفـة للمجالين السابقين. ثم حللنها و استخلصنا النتائج علـى ضـوء التسـاؤلات و الفرضيات التي انطلقت منها الدراسة.

   ختمنا هذه الدراسة بخاتمة، تضمنت بعض النتائج التـي توصـلنا إليهـا، وبعـض المواقف الشخصية من هذا الموضوع

III. الإجابة على تساؤلات الدراسة في ضوء تحليل و تفسير النتائج الميدانية المتحصل عليھا.

 1- حديقة التسلية في مدينة سطيف. لاحظنا أن استعمال الحديقة عرف تغيرا منذ نشأتها إلى يومنا هذا؛ وكان ذلك مرتبطا بالمناخ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي السائد في كل مرحلة. لقد انتقلت الحديقة من " مجانية الدخول إليها خلال الثمانينات، إلى الدخول المدفوع في التسعينات، وأخيرا مجانية الدخول مرة أخرى قبـل نهايـة التسعينات. كما أن مستعملي الحديقة، تغيروا في كل مرحلة: فالتجـار الفوضـويين مثلا لم يظهروا إلا بعد الأزمة الاقتصادية التي دخلت فيها الجزائر، وتحرير التجارة الخارجية. وبعد تحسن الأوضاع الأمنية، الاقتصادية، لاحظنا أن البلدية قامت بإعادة تهيئة الحديقة من جديد، بعد سنوات من الإهمال. هذا من جانب، من جانب آخر لاحظنا آن شكل الحديقة( شكل المجال العـام)، و موقعها داخل المدينة، لعب دورا أساسيا في استقطاب فئات معينة من المجتمـع ( المرتبطين عاطفيا)، ونوعا خاصا من الممارسات و السلوكات الاجتماعية.

2- ساحة طاوس عمروش بمدينة بجاية: بالنسبة لاستعمال هذا المجـال العـام المركزي، لاحظنا أن موقعه داخل المدينة، لعب دورا هاما فـي تنـافس مختلـف الجماعات الاجتماعية على احتلاله و السيطرة عليه، مما حولها إلى رهان للتيارات التي تعارض السلطة من جهة، و السلطة المحلية الرسمية من جهة أخرى. و أظهر التتبع الكرونولوجي لأنماط و أشكال استعمال الساحة خـلال مراحـل تاريخية مختلفة، مدى ارتباط نوعية الفاعلين المسيطرين عليهـا بعلاقـات القـوة الناتجة عن الأوضاع السياسية و الاجتماعية الخاصة بكل مرحلة تاريخية. 

  من خلال حديقة التسلية بمدينة سطيف، وساحة طاوس عمـروش فـي مدينـة بجاية، يظهر لنا أن شكل المجال العام الحضري، يلعب دورا هاما في تحديد نوعية استعمله و نوعية الفاعلين الاجتماعيين المؤثرين فيه. فكلما كان المجال العام مفتوحا ومركزيا، كلما غلب عليه الاستعمال ذو الطابع السياسي. فقد لاحظنـا أن حديقـة التسلية لا تستعمل سياسيا، بسبب شكلها المغلق و انقطاعها عن المدينة، وهذا عكس ساحة الاستقلال المفتوحة، التي لا تبعد عنها إلا لمسافة قليلة. فهذه الأخيرة، يلاحظ أنها تحولت إلى مجال عام لاستعراض المشاريع السياسية للسـلطة الرسـمية فـي المدينة. ونفس الشيء بالنسبة لساحة طاوس عمروش في بجاية. كما لاحظنا أن الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية السائدة في كـل مرحلة، له دور هام في رسم شكل ونمط معين من الاستعمال و نوعية محددة مـن المستعملين الأساسيين. فكل مستعمل يساعده وضع سياسي، اجتماعي و اقتصـادي معين، يستغله للسيطرة المادية و الرمزية على المجال العام. 

  في الأخير يمكن أن نخلص إلى أن فرضيتنا تحققت إلى درجة كبيرة، بـالرغم من النقص الواضح في البيانات الميدانية التي يمكن أن تعطي لدراسة مزيـدا مـن العمق و المصداقية. وبذلك فإن دراسة المجالات العامة فـي المـدن الجزائريـة، وطرق استعمالها و امتلاكها من طرف الفاعلين الاجتماعيين، يحتـاج إلـى وقـت أطول، ودراسات أكثر تعمقا و تفصيلا. لقد توصلنا إلى تبيان كيـف أن اسـتعمال المجال العام في المدينة الجزائرية، تتحكم فيه الكثيـر مـن العوامـل المتغيـرة و المتعددة، ولعل أبرزها: 

- عوامـل عموديـة facteurs verticaux. نقصد بهذه العوامل، تلك التـي ترتبط بالعامل الزمني، أي التغيرات الاقتصادية و الاجتماعيـة و السياسـية التـي تحدث في المجتمع. فهذه العوامل، تجعل نوعية و نمط الاستعمال داخل المجال العام الواحد يتغير من مرحلة تاريخية إلى أخرى.

- عوامـل أفقيـة: facteurs horizontaux. يتمثل هذا العامل، في تلك التي تؤثر على استعمال المجالات العامة داخل المدينة، في مرحلة تاريخية معينـة. أي أن هذا العامل، يصلح لإجراء مقارنات ميدانية و نظرية بـين اسـتعمال مجـالات مختلفة في مدينة واحدة أو في مدن متعددة. لقد لاحظنا أن حديقة التسلية المركزيـة و المغلقة، لا تستعمل بنفس الشكل مع ساحة طاوس عمروش المفتوحة. و بذلك فإن لكل من الشكل la forme، الحجم volume، الموقع situation، دور هام فـي تفسير التغير الملاحظ في استعمال المجالات العامة في المدن الجزائرية في نفـس المرحلة التاريخية. 

   إننا نعي تماما، أننا لم نجب بالشكل الكافي التساؤلات المطروحة في الإشـكالية، وذلك لحاجة مثل هذه الدراسات، إلى الكم الكافي من الدراسات السابقة التي يمكن أن تساعد في إجراء مقارنات متعددة بين استعمال مختلف المجالات العامة في المـدن الجزائرية. كما يحتاج هذا النوع من الدراسات أيضا، إلى تتبع اسـتعمال المجـال العام، لفترة طويلة من الزمن، لملاحظة التغير الحاصل في كل مرحلـة و ربطـه الظروف المحيطة به في كل مرحلة. 

الخاتـمة:

 إن الكشف عن أهم العوامل التي يمكن أن تفسر لنا تغير اسـتعمال المجـالات العامة الحضرية في المدن الجزائرية، يحتاج إلى دراسات، تستغرق فتـرة زمنيـة أطول، وإمكانيات مادية أكبر؛ وذلك لكي تتمكن من استيعاب جميع المتغيرات التي تأثر في استعمال المجال العام الحضري. 

  ولكن بالرغم من ذلك، استطاعت هذه الدراسة أن تكشف أهمية مفهوم المجـال العام في دراسة المدن الجزائرية، نظرا لما يتمتع به من قدرات تحليلية، تسـتوعب الظاهرة من أبعاد مختلفة. لقد تمكنا، من خلال دراسة حديقة التسـلية فـي مدينـة سطيف، وساحة طاوس عمروش في بجاية، من اكتشاف الأهمية التي يلعبها موقـع و شكل المجال العام في تحديد نوعية مستعمليه و أشـكال اسـتعماله و امتلاكـه. و لكن التحليل العمودي، أظهر لنا مدى ارتباط استعمال المجال العام، بعلاقات القوة السائدة في كل مرحلة، والأوضاع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. 

  لقد أظهر استعمال مفهوم المجال العام، لدراسة المجتمع الجزائري، أنه إذا كان المجال العام في الغرب، ساهم في التطور الاجتماعي و الاقتصـادي و السياسـي، وساهم في تشكيل ساحة للرقابة على السلطة السياسية و المشاركة فيها، فإنـه فـي المجتمع الجزائري ـ و في مجتمعات دول العالم الثالث ـ تحول إلى أداة تستعملها السلطة، بما يسمح بإعادة إنتاج نفسها و مواردها السياسية من جهة، و في " التحكم في الوضع الاجتماعي" عندما ترى نفسها عاجزة عن ذلك بالوسائل الأخرى. إن هذا الدور العكسي للمجال العام في مجتمعات دول العالم الثالث، لا يمكن اسـتيعابه إلا عندما يدرس ضمن إطار أشمل: التاريخ السياسي الذي تشكلت فيه الدولة، والتاريخ الاجتماعي الذي أنتج الطبقات الاجتماعية الحالية. إن ما نسميه المجال العـام فـي الجزائر و العالم الثالث، لا يمكن أن يتجاوز الحدود الماديـة لهـذا المفهـوم، لأن استعماله كشف أن " السلطة السياسية الحالية، تسـيره وفـق حسـابات تفرضـها و ترسمها رغبة البقاء و الاستمرار. وبالتالي، فإن المجال العام، كسلطة مضـادة، وكأداة تنتظم فيها العلاقات السياسية، وكمجال للحرية و الديمقراطية، لم يتشكل بعد في المجتمعات العربية بصفة عامة. و تشكله مرتبط بالدرجة الأولى، بمدى قـدرة الديناميكية الاجتماعية الحالية، و ديناميكية العولمة على تحرير ديناميكيـة أخـرى تستطيع تغيير موازين القوى الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و حتى الثقافية. ولكن في ظل التناقضات الكبيرة التي تعيشها ـ وتعيش فيهـا ـ المجتمعـات العربية و المغاربية، إلى أي مدى يمكن أن تتحرر هذه الديناميكية الاجتماعية القادرة على نقل هذه المجتمعات إلى الحداثة و الديمقراطية؟ هل سيسمح الخلل التـاريخي الذي ميز تشكل الطبقات الاجتماعية و الدولة بظهـور المجـال العـام و الحريـة و الديمقراطية؟ ثم هل ستسمح التمثيليات الاجتماعية للديمقراطية، الدولة، السياسـة، الحرية الفردية، الدين و التعددية عند الفرد العربي و المغاربي بنجاح بعض مشاريع الدمقرطة التي حاولت بعض الأنظمة السياسية تطبيقها؟ .

  من الممكن أن يساهم تناول موضوع المجال العام في إطار مفاهيم علم الاجتماع السياسي la sociologie politique من الإجابة على بعض هذه الأسئلة؛ و ذلـك من خلال تحليل السيرورة التاريخية التي ظهرت فيها الدولة الوطنية، و الظـروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تشكلت فيها الطبقة المنتجة للثروة المادية في هذه المجتمعات، ولكن أيضا بتحليل التمثيليات الاجتماعية représentations sociales لجميع المفاهيم المرتبطة بالمجال العام. 




للقراءة والتحميل 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا