المخططات العمرانية كأحد عوامل توسع المجال الحضري
من أجل تحقيق التنمية المستدامة - مدينة بسكرة نموذجاً
بوزغاية باية
جامعة قاصدي مرباح- ورقلة (الجزائر)
Abstract :
The génération of général réflective view for building pacification requires a selection of important expansion in the urban field for an overall urban revolution in the southern sphere in general, and in the city of Biskra in particular, taking into consideration the miscellaneous dispositions and considerations of the city in question. This has for objective the enhancement of a double standard objective which is: the realization of an economic and social development in all regions and the contribution to the realization of a durable development, as well as the preservation of nature and the scarce and limited resources to meet the future needs of the population.
Key words: The expansion of the urban field, urban pacification, urban regulation, the durable development
Résume :
L’élaboration d’une réflexions prospéctive en matière de planification urbaine, éxige un plan d’urbanisme efficace pour conformer la ville à ce qu’elle doit être, dans la régions du sud, et plus précisément dans la ville de Biskra, en s’appuyant sur de multiples considérations et dispositifs de la ville, tout en réalisons un double objectifs : Le développement durable et la préservation des ressources rares de la régions afin de subvenir aux besoins des habitants dans le future .
Les mots clés: L'expansionde la zone urbaine ; Planification urbaine; Aménagement et Urbanisme; développement durable
الملخص :
إن وضع تصور عام للتخطيط العمراني يتطلب تحديد أهم مناطق التوسع في المجال الحضري لنهضة عمرانية شاملة في إقليم الجنوب بصفة عامة ومدينة بسكرة بصفة خاصة، طبقاً لاعتبارات وإمكانات متعددة بالمدينة، من أجل تحقيق تنمية عمرانية والاقتصادية-الاجتماعية بكل المناطق، ومٌساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، والمحافظة على البيئة والموارد النادرة لضمان الحاجات المستقبلية للسكان.
الكلمات المفتاحية : توسع المجال الحضري ، التخطيط العمراني ، التهيئة والتعمير ، التنمية المستدامة
تمهيد:
إن الحديث عن المدينة هو حديث عن المجتمع بكل مكوناته وخصائصه، فالمدينة هي كيا ن ذو أبعا د عمرانية وسوسيولوجية واقتصادية وثقافية، في حين ان المجتمع هو نظام من العلاقات الاجتماعية يؤثر ويتأثر بهذا الكيان الفيزيقي ألا وهو المدينة، فالاهتمام بالمدينة يعد من أفضل الطرق الحضارية لتحقيق التنمية وهذا من خلال تسطير برامج تنموية شاملة تضع في اعتبارها منهجا جديدا في تسيير المدن، وذلك لخلق نوع من التجانس بين كل القطاعات والأقاليم وكذا إلى إعادة رسم الخريطة السكانية والاقتصادية للمدينة، وكذلك لتدارك الفجوة واللاتوازن ما بين كل المناطق وتثمين الامكانيات من خلال السهر على تحقيق التنمية المستدامة في كل الفضاءات، وهذا خلال ضمان توازن اجتماعي ونجاعة اقتصادية وحماية ودعم ايكولوجي في اطار التنمية المستدامة.
حيث أن هناك عوامل مرتبطة بالتوسع في المجال الحضري بصفة عامة عديدة ولها صلة بمختلف الجوانب، إلا أن العوامل الأساسية تتصل بالمخططات العمرانية من خلال عمليات التخطيط والسياسات المهيكلة ف ي إطار أدوات التهيئة والتعمير، باعتبارها عوامل شائعة في نمو المجتمعات الحضرية وتوسعها خاصة في البلدان النامية كما أن غالبية المدن فيها تتميز بغياب التخطيط وانتشار المناطق المتخلفة ، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد مهام ودور هذه العوامل من خلال إجراء دراسة ميدانية للهيئات والمؤسسات المسؤولة على عمليات التخطيط ، ومن خلال ما توصل ت إليه من إجراءات و دراسات ومحاولة لتخطيط للمدينة من اجل التحكم في نموها وتوسعها ، لضمان الاستدامة للمشروعات بها من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
ونظرا لحيوية الموضوع وللتعرف عن لأسباب والقلق المتزايد بأهمية المشكلة وخطورتها، تندرج إشكالية الدراسة في التساؤل الرئيسي:
- هل المخططات العمرانية كأحد عوامل التوسع في المجال الحضري تؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة بمدينة بسكرة؟
إن الهدف الأساسي من وضع منظومة للتشريعات العمرانية، هو إيجاد أدوات في متناول السلطة العامة المختصة تمتلك بموجبها، القدرة الفعالة في تخطيط وتوجيه عمليات التنمية العمرانية ، وما يتعلق بها من تنميةاجتماعية واقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية،مع التركيز على تحسين كفاءة البيئة العمرانية، وذلك بموجب ما تتميز بهالقوانين أو التشريعات العمرانية من تأثير على الأفراد والمجتمعات، بالإضافة إلى تطوير البرامج والخطط التنموية المؤدية إلى إحداثالتغير والتطور في البيئة العمرانية والعلاقات التكاملية بينها وبين الاعتباراتالاجتماعية والاقتصادية.(1)
وتعتبر قوانين التخطيط العمراني بمثابة الموجه والضابط لعناصر التنمية العمرانية، التخطيطية والبنائية، من حيث نوع استعمال الأرض، والمناطق التي يمنع فيها استخدامات معينة للأرض، ومحرمات الطرق والمرافق ، وارتفاعات الأبنية وارتداداتها ، وواجهات المباني ونوعية المواد المستخدمة فيها...الخ .
فتهدف عمليات التخطيط إلى دراسة خصائص المدينة، والتعرف على خصائصها الجغرافية المختلفة لإبراز شخصيتها من خلال موقعها وموضوعها وتركيبها ووظيفتها وإقليمها ووصولاً إلى التقديرات المستقبلية لها في ظل الخطط المقترحة ، ولعل من أهم تلك الأهداف ما يلي :
$1أ) محاولة التعرف على اتجاهات ومحاور النمو العمراني الحضري الحديث للمدينة وتحديد أنماطه وخصائصه وكذلك محاوره الرئيسية في كل قطاعات المدينة ، وبالتالي التعرف على إمكانات الوضع الحالي ووضع تصورات أفضل للنمو العمراني المستقبلي للمدينة بما يتناسب والإمكانات المتاحة لتجنب الآثار السيئة الموجودة حالياً وسلبيات النمو القائم التعرف على أهم العوامل التي أثرت في نمو المدينة وتركيبها الداخلي وبالتالي تكوين هيكلها العمراني وتقييم هذه العوامل لإبراز ما تضمنته من سلبيات أدت إلى تشويه بعض مظاهر هذا النمط العمراني بالمدينة بما يسمح بإعادة دراستها ومعالجة مثالبها لتجنب مشكلات النمو العمراني الحضري الحالي .
$1ب) محاولة إبراز التركيب الداخلي والتركيب الوظيفي للمدينة بصورة تفصيلية ، وذلك من أجل تحديد أفضل التوزيعات لهذه الأنشطة وتنميتها، بتوزيع مشاريع التعمير والتنمية بما يتلاءم وخصائص المنطقة، مع عدالة في التوزيع بين المناطق، من أجل التعرف على أهم المشكلات التي تعاني منها مناطق النمو العمراني الحديثة في المدينة وأوجه القصور فيها، وطرح بعض الحلول والمقترحات لحل هذه المشكلات بما يسهم في تطوير وتنمية في توسع المجال الحضري للمدينة في ضوء دراسة منهجية موضوعية .
$1ج) وضع تصور عام للتخطيط العمراني المقترح لما تتطلبه المرحلة القادمة من نهضة عمرانية شاملة في إقليم جنوب الجزائري بصفة عامة ومدينة بسكرة بصفة خاصة، مع تحديد أهم مناطق التوسع في المجال الحضري المستقبلي طبقاً لاعتبارات وإمكانات متعددة بالمدينة، من أجل تحقيق تنمية عمرانية والاقتصادية-الاجتماعية بكل المناطق، ومٌساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، والمحافظة على البيئة والموارد النادرة وضمان الحاجات المستقبلية للسكان.
1 / التوسع في المجال الحضري: لقدعرف هربروكوتمان( (Herper and Gottman عمليةالتوسع الحضري بالانتشاروالامتداد خارجالحدود الموضوعة للمدينة، أي توسع الهيكل الحضري للمدينة وانتشاره (sprawl ) دون التقيد بحدود المناطق التي حدثت فيها تلكالعملية.(2) وعرف الدكتورعبدالرزاق عباس حسين مصطلح التوسع الحضري:" ليشمل ميل السكان للاستقرارفي المدن منجهة وتوسعحجوم تلك المدن منجهة اخرى ولاسيما المدن الكبيرة، وقد تكون هذه العملية قد تمتب شكل عشوائي غيرمنظما وبشكل علمي و مخطط".(3)
2/ التهيئة والتعمير: إن التهيئة الحضرية على اعتبار أنها عملية مهمة في تجسيد أدوات التعمير، أو بمعنى أدق ك لالسياسات الحضرية المرتبطة بالمجال الحضري، و"هي تغير في السلم الكمي والكيفي في استهلاك واستعمال المجال الحضري أو الإقليمي"، وكذا " تغير في السلوك الإيديولوجي والثقافي مقارنة بمفهوم المدينة، الذي تعدى مفهوم الإقليم المعمر"، وتشير أيضا إلى:" تغير في دور الدولة والهيئات العمومية، وبالتالي تغير في سلوك الآخرين في تشكيل وتنمية الإطار المبني والمجال الحضري"، كذلك:" التبدل المستمر في القيم القديمة المرتبطة بالحضر وبمفاهيم وتعابير جديدة، تنبع من تحول البيئة الاجتماعية والفيزيقية، وبنماذج مختلفة للتصورات والتعابير التواصلية للواقع."
فالتهيئة الحضرية في مقابل التهيئة الريفية، تشمل مجموع التدخلات المطبقة باستمرار في المجال الحضري والاجتماعي والفيزيقي من أجل تحسين مستو ى التنظيم والوظائف ، وكذ ا بتنميته من خلا ل عمليات restructuration)La )أو إعادة التأهيل (la renovation ) أو التحديث (la rehabilitation) إعادة تأهيل المجال و التوسع الحضري.( 4
وكل هذه المفاهيم في الواقع تصب مباشرة في مجال محدد؛ ألا وهو المجال الحضري أي المدين ة بمختلف أبعادها وأشكالها وأصنافها ومستوياتها.
ويعرف التعمير حسب تعريف المعجم الفرنسي( 5):" فهو فن تنظيم المجال الحضري أو الريفي بمفهومه الواسع من بنايات للسكن أو العمل أو الترفيه أو من خلال شبكات النقل والمبادلات بغرض بلوغ أرقى الاستخدامات وتحسین العلاقات الاجتماعية"، كما نجده يعرف في أحد المعاجم الفرنسية الأخرى كما يلي":هو مجموع الدراسات والتصاميم التي يكون موضوعها إنشاء وتهيئة المدن".
وفي الحقيقة يمكن أن نستخرج معاني عديدة لمجال التعمير وترتبط به بطريقة أو بأخرى، نورد منها:
- يعني تغيير مجال (urbaniser) يعني عملية التعمير كنتيجة، والفعل عمر:(urbanisation) أن التعمير أولا ريفي إلى مجال حضري من خلال إنشاء الطرق والمرافق والهياكل والخدمات والسكن وكل النشطات التجارية والصناعية.
- من جهة أخرى، يعرف التعمير على أنه مجموع المعارف التاريخية والثقافية للنظريات والتقنيات التي تعني بإشكالية التنظيم وتغيير المجال الحضري.( 6
3/ التخطيط : احتل التخطيط في العصر الحاضر مكانا بارزاً بين الموضوعات التي تتسابق الامم في الاخذ بأساليبها للنهوض والسير قدما في مسيرة الحضارة البشرية ووفقا لأهداف محددة واضحة المعالم للتطور في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية ونظرا لسعة مفهوم التخطيط وتعدد مجالاته وتشعب فروعه فان من الصعوبة وضع مفهوم علم التخطيط إلا انه يمكن رسم الملامح العامة بأنه (محاولة رسم سياسة علمية للاستخدام الامثل للموارد المتاحة سواء كانت هذه الموارد بشرية ام طبيعية ام مادية لتحقيق اهداف اجتماعية واقتصادية تهدف مهما اختلفت من مجتمع لأخر الى تحقيق حياة افضل للمواطنين ).
ويعرف التخطيط بأنه:" وضع خطة لتحقيق أهداف المجتمع في ميدان وظيفي معين لمنطقة جغرافية ما في مدى زمني محدد، وحتى يكون التخطيط سليماً يجب أن يكون واقعياً محقًقاً للهدف في الوقت المناس ب المحدد له( ومستمر الصلاحية طوال المدى الزمني المقدر لتنفيذه بأعلى درجة من درجات الكفاية".( 7)
فالتخطيط كمفهوم عام يعرف على أنه" جهد موجه ومقصود ومنظم لتحقيق هدف أو أهداف معينة في فترة زمنية محددة، بمال وجهد محددين"( 8)، فتأتي أهمية الأخذ بأسلوب التخطيط بسبب الأهداف والدوافع التي يسعى لتحقيقها، والتي يمكن إجمالها بما يلي:(9)
- الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة والكامنة والتوظيف السليم للموارد البشرية.
- تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع وإعادة توزيع الدخل بين السكان والمناطق والأقاليم بشكل مقبول، وكذلك التوزيع العادل لعائدات النمو ومكاسب التنمية طبقياً وإقليمياً.
- تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية وتحسين مستوى معيشة السكان ونوعية حياتهم.
- المساهمة في وضع الحلول المناسبة والموضوعية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية الديموغرافية والبيئية...
فإن الهدف الرئيسي للتخطيط هو توفير البيئة الصالحة للإنسان، سواء كانت بيئة عمرانية ام اجتماعية ام مناخية، وهذا يتطلب دراسة رغبات المجتمع والإنسان لتحقيق البيئة الصالحة، ان رغبات السكان واحتياجاتهم تتطلب دراسة المجتمع عاداته وتقاليده ونمط حياته المعاصر وترجمة ذلك إلى واقع ملموس، وبشكل أوضح فإن تخطيط المدينة المعاصرة يجب أن يخدم متطلبات المجتمع وحاجاته مع الأخذ بنظر الاعتبار حالة التغيير المطلوبة كهدف اجتماعي لغرض نقل المجتمع من واقعه إلى وضع حياتي أفضل وبالشكل الذي يتناسب مع المفاهيم الحديثة للحياة.
4/ أنواع التخطيط: إن عملية التخطيط هي وضع سياسة أو خطة تستهدف الاستخدام الامثل للموارد المتاحة بالشكل الذي يحقق حياة أفضل للمواطنين، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد أنواع التخطيط التي تدرس المدينة:
أ. التخطيط التنموي: يمكن القول أن التخطيط التنموي الشامل عبارة عن مجموعة من الإجراءات المرحلية المقصودة والمنظمة والمشرعة، التي تنفذ في فترة زمنية معينة وعلى مستوى أو عدة مستويات مكاني ة وبجه د جماع ي تعاوني جاد، تستخدم فيه أدوات ووسائل متعددة تحقق استغلال أمثل للموار د الطبيعية والبشري ة الكامن ة والإمكانيات والموارد المادية المتاحة، وبشكل يعمل على إحداث التغيير المطلوب والمرغوب في المجتمع، مع توجيه وضبط ومتابعة لهذا التغيير في جوانب الحياة المختلفة لمنع حدوث أي آثار سلبية ناتجة عنه وإبقاءه ضمن ( التغيير المطلوب والمنشود.(10)
ب. التخطيط الحضري: يشير لويس كيب (Louwis Keebe) إلى أن التخطيط الحضري على أنه علم وفن يتجلى في أسلوب استخدام الأرض، ويذهب "بوسكوف" إلى أن التخطيط الحضري عبارة عن عملية للتغير الاجتماعي ضمن إستراتيجية شاملة لحل المشكلات الحضرية ، ومهما اختلفت التعاريف التي تعتبر التخطيط الحضري على أنه نوع من الهندسة الاجتماعية والتعمير المخطط ويبين تخطيط التنمية الاجتماعية فإن التخطيط الحضري وتخطيط المدينة بجمع بين كل منها آراء ووجهات نظر قريبة ومتنوعة منها:
- الاهتمام بقضايا التحضر والمشاكل الحضرية.
- انتقال الاهتمام من الجوانب الفيزيقية إلى الاجتماعية.
- التخطيط الحضرية مسؤولية مشتركة ترتبط أولا بالهيئات والمصالح الحكومية.
- تطور التخطيط الحضري واصطباغه بالصبغة الاجتماعية.
- عمل التخطيط الحضري مفهوم الديمقراطية والحرية والمساواة.(11)
فالتخطيط الحضري هو محاولة تهيئة المناخ الذي يسمح للتجمعات بإيجاد الوسائل الضرورية لتحقيق إطار معيشي ملائمة لسكانها تتوفر فيه أسباب الراحة والرفاهية داخل المدن، فالإنسان يسعى دوما لتنظيم البيئة التي يعيش فيها وإيجاد الأدوات التي يمكن تحقيق الانسجام الأفضل بين جميع أفراد المجتمع محاولا استثمار كل الطاقات لتحقيق ذلك ويستخدم الإنسان لهذا الغرض عملية التخطيط الحضري التي تهدف إلى ضمان نسيج عمراني متوازن ومتناسق وظيفيا وجماليا واجتماعيا، وتمر المدن بعدة مراحل في تكوينها إلى أن تصبح عبارة عن تراكب وتنضيد لمرفولوجيات تاريخية، اجتماعية، وتعطي في النهاية تنوعا في المجال الحضري.
ويعمل التخطيط الحضري على ايجاد أحسن الظروف الفيزيقية والاجتماعية والمادية والاقتصادية لإنشاء المدن أو النطاقات الوظيفية للتوسع المجالي، ولقد تطور هذا التخصص منذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، على خلفية تطور المفاهيم والقيم والمقاربات والنظريات والتطور العلمي والتكنولوجي في مقابل التغير الاجتماعي المستمر للحياة الحضرية، ولتطبيق مختلف السياسات الحضرية؛ لابد من الاعتماد على آليات أو أدوات تحدد مختلف الاهتمامات والتصورات، فأدوات التهيئة والتعمير ضمن هذا الإطار، تسعى من خلال وضع النماذج والديناميكية الاجتماعية، إلى إيجاد الحلول الملائمة للمشكلات الاجتماعية والحضرية داخل المدن والتجمعات السكانية، عبر ترجم ة فعلية لهذه المتطلبات والحاجات حاضرا ومستقبلا في اطار التنمية المستدامة.
ج. التخطيط العمراني: ويمكن إعطاء تعريف مبسط للتخطيط العمراني، وذلك باعتباره أداة ووسيلة لتحقيق المصلحة العامة، لكافة قطاعات وفئات المجتمع من خلال وضع تصورات ورؤى لأوضاع مستقبلية مرغوبة ومفضلة، لتوزيع الأنشطة والاستعمالات المجتمعية في المكان الملائم وفي الوقت المناسب، وبما يحقق التوازن بين احتياجات التنمية في الحاضر والمستقبل القريب من ناحية، وبين احتياجات التنمية لأجيال المستقبل البعيد من ناحية أخرى، أي تحقيق ما يعرف بالتنمية المستدامة، وبما يحقق التوازن بين الرؤى الإستراتيجية والطموحات والرغبات من ناحية، وبين محددات الموارد والإمكانات الواقعية من ناحية أخرى، مع ضمان تحقيق التـنسيق والتكامل في استيفاء احتياجات ومتطلبات القطاعات التـنموية الشاملة، سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وبيئية... الخ، من خلال التزويد بالخدمات والمرافق العامة، وشبكات البنية الأساسية بأنواعها المختلفة، ومن خلال وضع الاستراتيجيات والسياسات العامة، والمخططات العمرانية بمستوياتها المختلفة وطنية وإقليمية ومحلية، وبنوعياتها المتعددة. ووضع وتحديد البرامج والمشروعات العمرانية، على سبيل المثال في التالي:إسكان، نقل وطرق، جسور، خدمات ومرافق عامة،... الخ، وفي إطار تشريعي وقانوني واضح وملزم، ومن خلال عمليات وإجراءات محددة، وبتـنسيق وضمان مشاركة مجتمعية كاملة، خلال كافة مراحل العملية التخطيطية.(12)
5/ التخطيط العمراني كأحد عوامل التوسع في المجال الحضري:
لقد انعكست ثقافة الإنسان وعلومه الحديثة وتعدد حاجاته ومطالبه على تخطيط المستوطنات البشرية من خلال توظيفه لأفكاره في استغلاله الموارد الطبيعية ، وما وصل إليه التقدم العلمي والتكنولوجي لتوفير البيئة الآمنة والمريحة ، حيث تطورت الأساليب المستخدمة في مجال التخطيط الحضري إلى ما نسميه بالتخطيط الحديث أو المعاصر المستند إلى تخطيط الكثافة السكانية وتوزيعها المتوازن، وإعادة تنظيم مراكز المدن وتوفير الخدمات العامة الأساسية والمرافق المختلفة بما يخدم سكان المدينة، ويحقق العدالة الاجتماعية مع الحفاظ على المناطق الأثرية في المدينة والجمع بين عناصر الكفاءة والجمال والإبداع الذي يحقق التوازن بين جمال المدينة وكفاءة التخطيط على مختلف مستويات المدينة .
والإشكال المطروح في كيفية التحكم ومراقبة التوسع في المجال الحضري- المدينة (حجما و مجالا) تحت ضغط الطلب المتزايد لحاجيات السكان الحضر(سكن، نشاطات، تجهيزات...) في ظل النمو الديموغرافي السريع، ولا يمكن بلوغ هذه الغاية إلا من خلال اعتماد التخطيط العمراني،ومن هذا المنطلق فالتحكم في التوسع العمراني وفقا لما جاء في تعريف التخطيط العمراني والوسائل التي يحويها، يمر عبر التحكم في ثلاث نقاط هامة: (13)
1-5/ التحكم في العقار: يشكل توفير الأرضية اللازمة لتجسيد عمليات التعمير المستقبلية في شكل توسعات عمرانية للاستجابة للحاجيات المتزايدة التي- ترافق الزيادة السكانية من جهة و تحسن المستوى المعيشي من جهة أخرى- الخطوة الأولى الرئيسية للعملية، إذ نجد أن جل الدراسات التي تخص هذا الميدان تأخذ هده النقطة بعين الاعتبار، الذي يعرف بالإجراء التمهيدي للعقار، لا يتأتى هذا إلا عن طريق امتلاك العقار ضمن سياسة عقارية(إجراءات متخذة من طرف متعاملين عموميين أو خواص لامتلاك أو مراقبة الأرض ) في إطار التشريع المعمول به، وتختلف التجارب الدولية فيما يخص معالجة إشكالية العقار،أما النموذج الذي تبنته اغلب الدول فتتمثل في إتباع سياسة الإجراءات العقارية وهو السائد في الجزائر اعتبارا من قانون التوجيه العقاري 90/25الصادر في 18 نوفمبر1990المستوحى من القانون الفرنسي للتوجيه العقاري المسمى بقانون 31 ديسمبر 1967، وتقوم هذه السياسة على أربع نقاط أساسية:
أ. الإمكانية القانونية للحصول على الأراضي:اللازمة للتوسع العمراني وبالأخص لما يرفض المالك البيع أو استبدال الأرضية، فجاءت إجراءات نزع الملكية لتفي بهذا الغرض، وهي إجراء إداري تقضي باستعمال الإدارة سلطتها للإرغام على تحويل الملكية، ولكن بتوفر شرط المنفعة العمومية و كذا التعويض المسبق العادل و المنصف.
ب. ضرورة تجنب ارتفاع سعر الأراضي:الناجمة عن المضاربة – بالأخص عند الإعلان عن مشروع تجهز أو بناء – فجاءت إجراءات الشفعة (أفضلية الشراء)، إذ يتعلق الأمر بأن صاحب حق الشفعة يستخلف مالك الأرضية إذا كان هذا الأخير يرغب في البيع، و التي تسمح بتحديد السعر المرجعي وفق إجراء مشابه لذلك الخاص بنزع الملكية (السعر المرجعي هو الخاص بالأرضية قبل سنة من إعلان المشروع، لتفادي المضاربة)، وعموما صاحب حق الشفعة شخص عمومي؛ البلدية أو متعاملها العقاري.
ج. الإمكانيات المالية: للحصول على الأراضي اللازمة للتعمير سواء كان ذلك عن طريق نزع الملكية أو حق الشفعة (أفضلية الشراء)، يتطلب توفير مصادر مالية كافية لشراء الأراضي، إذ يمكن أن تكون في شكل مساعدات ميزانية أو قروض، غير أن الإشكال المطروح هو ارتفاع أسعار الأرض في المناطق المعمرة التي تكلف نفقات إضافية.
د. المتعاملين العقارين:يتمثل دور المتعامل العقاري في الحصول على الأرضية المخصصة لإنجاز المشاريع العمرانية ثم بعدها إنجاز الشبكات الحيوية لجعلها قابلة للبناء، فقد تم تبني فكرة إنشاء هيئة مستقلة لغرض تسيير عقارات البلدية بعد فترة طويلة من هيمنة البلديات وتعسفها في استعمال و تسيير احتياطاتها العقارية، فجاء قانون التوجيه العقاري رقم 90/26 بتاريخ 18 نوفمبر 1990 لاسيما في مادته73 حيث يجبر الجماعات المحلية على إنشاء مؤسسات متميزة مستقلة مكلفة بتسيير احتياطاتها العقارية الحضرية و يتعلق الأمر بالوكالات المحلية للتسيير والتنظيم العقاري الحضري، وقد حدد المرسوم التنفيذي رقم 405-90 بتاريخ 22 ديسمبر1990 قواعد إنشاء و تنظيم الوكالات المحلية للتسيير والتنظيم العقاري الحضري.
2-5/ التحكم في استعمال الأرض: بعض الفراغ من معالجة مسألة العقار بضمان المجال اللازم للتوسع العمراني، وجب البحث عن الوسائل اللازمة لتوجيه استعمال الأرض أو بالأحرى التعمير في إطار التخطيط العمراني من خلال وثائق التعمير و إجراءات العمران العملي، هنالك ثلاث مستويات من التخطيط:
-على المستوى الجهوي عن طريق مخططات توجيهية ذات طابع دلائليتحدد البرامج الكبرى للتجهيزات و الإستراتيجية الجهوية لتهيئة المجال.
- على مستوى التجمعات (ما بين البلديات) عن طريق المخططات التوجيهية التي تحدد التوجهات التي تخص مجموع البلديات المعنية.
- على مستوى البلديات عن طريق مخططات دقيقة إلزامية تحدد استخدامات الأرض و الكثافات المسموحة لكل قطعة، لضمان الانسجام بين مختلف المستويات وجب على كل مستوى من المستويات إتباع التوجهات المحددة من طرف مخططات المستوى الأعلى، يتطلب تخطيط و توجيه النمو الحضري وجود الوسائل التالية:
- وثائق التعمير التي تتمثل في المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير ومخططات شغل الأرض.
-البرمجة الجادة لمختلف التجهيزات وسنتطرق فيما يأتي لهاتين النقطتين بالتفصيل موضحين أهدافهما ومساهمتهما في تحديد استعمال أرض.
2 أدوات التهيئة التعمير:
لقد عرفت الجزائر فكرة المخططات العمرانية منذ الاحتلال الفرنسي لاسيما في القانون 14 مارس 1914 الذي جاء بفكرة "المخطط التوجيهي العام" و المخطط التوجيهي للتعمير"، و ذلك كمحاولة من السلطات الفرنسية في تلك الفترة لجلب انتباه الجزائريين بأنها تسعى لحل كافة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية التي يعاني منها الجزائريين خاصة في مجال السكن، وهذا ما تجلى بوضوح أكثر في مخطط قسنطينة ، وبعد الاستقلال تم الاعتماد في مجال التعمير على نفس المخططات الموروثة عن الاستعمار، و بقيت سارية المفعول حتى سنة 1974، لتظهر بعد ذلك فكرة "المخطط العمراني الموجه" (PUD) و "المخطط العمراني المؤقت" (PUP) .
أ) المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير:[1]
جاء طبقا للقانون رقم 90/29 الصادر في 01 ديسمبر 1990 المتعلق بالتهيئة والتعمير لاسيما فيمادته رقم 16 من الجزء الثاني تحت عنوان المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير من الفصل الثالث المعنون بأدوات التهيئة و التعمير، وهذا المخطط الذي يوجه، ينسق و ينظم برامج الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات و المصالح العمومية، ينجز في إطار التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، أخدا بعين الاعتبار العلاقة بين التجمعات و المناطق المجاورة و كذا التوازن الواجب تأمينه بين التوسع العمراني، ممارسة النشاط الزراعي، وجود مجالات فلاحية ذات مردودية عالية وكذا المساحات المغروسة و المواقع الطبيعية الواجب الحفاظ عليها وفق توقعات النمو الديموغرافي على المديين المتوسط و البعيد، وهو يهدف إلى تحديد ما يلي:
- التخصيص العام للأرض.
- مخطط التجهيزات الكبرى للمنشئات التحتية.
- التنظيم العام للنقل.
- موقع الخدمات و النشاطات الأساسية.
- المناطق المفضلة للتوسع الحضري.
ب) مخطط شغل الأراضي: هو الأخر جاء طبقا للقانون رقم 90/29 الصادر في 01 ديسمبر 1990 المتعلق بالتهيئة و التعمير لاسيما في مادته رقم 31 من الجزء الثالث المعنون بمخطط شغل الأراضي من الفصل الثالث المعنون بأدوات التهيئة و التعمير، عموما على مستوى كل بلدية و استثناءا مجموعة من البلديات أو جزء من البلدية، تحدد – طبقا لتوجهات المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير– القواعد العامة و التزامات استعمال الأرض، وعموما مجال استعمال مخططات شغل الأراضي يكون اجباري:
- البلديات أو جزء من البلديات الواقعة ضمن تجمع يحوي أكثر من 100.000ساكن.
- في البلديات التي عرفت خرابا هاما في هيكلها بسبب كوارث طبيعية أو حوادث خطيرة.
- استثناءا: يمكن إعداد هذه المخططات في الحالات التي يبرر إعدادها بــ:
-الزيادة الديموغرافية أو النمو الاقتصادي أو السياحي.
- إنشاء أو إقامة منشآت هامة.
- حماية و تثمين المواقع الطبيعية أو المبنية.
* تهدف مخططات شغل الأرض إلى:
- تحديد قطاعات التعمير المستقبلي.
- تخصيص بالنسبة لكل منطقة الاستعمال الرئيسي للأرض.
- تحدد بالنسبة لكل منطقة معامل شغل الأرض.
- تحدد و بدقة مخطط و خصائص الطرق الرئيسية للسير التي يجب الحفاظ عليها، تعديلها أو إنشائها.
- تعين حدود الأحياء الواجب تثمينها.
- تحدد الأماكن المخصصة لتموضع التجهيزات العمومية.
- تعرف قواعد البناء.
في كلتا الحالتين إن إعداد مخططات شغل الأراضي يتم بقرار من الوالي بعد اقتراحات أو أراء المجلس البلدية المعنية إذ يضم ملف إعداد هذه المخططات: القرار الإداري، التقرير التقديمي، الوثائق البيانية، التقنين.
3-5/ التحكم في السكن: يشكل السكن الوظيفة الرئيسية الأولى لترقية الحياة الاجتماعية بالنسبة للعنصر البشري في أي وسط بحكم التغيرات التي شهدها المسكن من خلال التطور الذي أدركه عبر مساره الزمني، فمن ملجأ في المغارات والكهوف إلى التنظيم الاجتماعي ضمن الأحياء السكنية التي تستجيب لشروط الراحة و الرفاهية، يعد التحكم في السكن ثالث اهتمام لتوجيه، تأطير و مراقبة نمو و توسع المدن بعد تأمين العقار اللازم ثم تخصيص الأرضية الموجهة للتعمير المستقبلي طبقا لما تمليه وثائق التعمير وفق القوانين السارية المفعول، نظرا لكونه المطلب الأساسي الذي تبنى وفقه الحياة في غضون المؤسسات الاجتماعية، إذ يحتل حصة الأسد من المجال الحضري، لا يتمثل السكن في الاستجابة للطلبات المتزايدة للسكنات فحسب بل يتعداه ليشمل تنظيم هذا الأخير.
6/ مخطط تنظيم توسع المجال الحضري لمدينة بسكرة لتحقيق التنمية المستدامة:
تبنت معظم الدول المتقدمة، ممثلة في أجهزة التخطيط العمراني، مجموعة من الرؤى والمفاهيم، والتي تكاد أن تتطابق مع ما تم الاتفاق عليه عالميا في مجالات التنمية المستدامة - العمرانية والتشييد والتعمير، والبناء والتي تتميز:
· بسعيها نحو وضع قواعد وممارسات جديدة ومعاصرة لمفهوم التنمية المستدامة تمكنها من مواجهة تحديات الحاضر وتوقعات وتطلعات المستقبل.
· وبريادتها في نطاق إنشاء المجتمعات المستدامة، وإعادة تطوير وتأهيل المناطق الحضرية والريفية والتراثية التقليدية، من هذا المنطلق.
· وبتبنيها لمناهج ومقاربات ابتكاريه وإبداعية في مختلف مجالات التنمية.
· والعمل على دمج مفهوم الاستدامة في القوانين والتشريعات.
· وبوضعها وتنفيذها لمخططات واستراتيجيات وسياسات عمرانية مستدامة ومسؤولة، عن توازن تنمية القطاعات الاقتصادية، والبيئة، والاجتماعية، بدأ من المستوى الوطني والإقليمي وحتى المستويات المحلية، وتفاصيل التصميم العمراني والمعماري.
· وبحرصها المستمر على تقديم قيم جديدة مضافة خلال ما تقوم به من أعمال ومشروعات تراعى فيها تطبيق مفاهيم مثل - نوعية الحياة، ونمط المعيشة، التصميم البصري...
ولكن يتطلب ضمان تطبيق هذا المفهوم ودمجه على مستوى التخطيط العمراني، الاهتمام بالمهارات والمعرفة الفنية الجديدة، المرتبطة بهذا المفهوم، للكوادر البشرية المسؤولة عن عملية التنمية المجتمعية الشاملة، فالتنمية المستديمة هي حق الجيل الحاضر في التمتع و استغلال الثروات الطبيعية دون المساس بحق الأجيال القادمة، كما أن مفهومها يوازن بين أمرين:
· التنمية : و هي استخدام مصادر الأرض لتحسين حياة الانسان و تامين احتياجاته.
· المحافظة: و الاعتناء بالأرض لتأمين احتياجات الحاضر و المستقبل.(14)
فهي تنمية ذات القدرة على الاستمرار و الاستقرار و الاستدامة من حيث استخدامها للمواد الطبيعية، التي تتخذ من التوازن البيئي محورا ضابطا لها بهدف رفع مستوى المعيشة من جميع جوانبه مع تنظيم الموارد البيئية و العمل على تنميتها.(15)
ويمكن النظر لمفهومها من خلال ثلاث محاور: النمو السكاني المعقول، وتنمية راشدة، وبيئة غير مجهدة، وتعتبر إستراتيجية عالمية ملحة يسعى لتحقيقها المجتمع الدولي باعتبارها قضية أخلاقية إنسانية مستقبلية بقدر ما هي قضية أنية ملحة، لأن برامج التنمية الناجحة بمقاييس الحاضر قد تبدو عاجزة عن الاستمرار الآمن بمقاييس المستقبل لأنها برامج تتم على حساب سرعة استهلاك واستنزاف الرصيد الطبيعي للأجيال القادمة.(16)
وبالتالي صارت الحاجة ملحة لإيجاد أسلوب جديد في التخطيط ، ولابد من إحداث تغيير جذري تستطيع من خلاله الدول على كافة مستوياتها الحيلولة دون وقوع ذلك ، فكانت بداية لوجود أنماط أو أساليب تخطيطية شاملة ذات رؤى مستقبلية عامة لا تقتصر على النواحي الفنية والهندسية في عملية إدارة ومتابعة التخطيط الشامل والمستقبلي، بل تمتد لتشمل كافة نواحي وجوانب الحياة الإنسانية والنشاط البشري للمجتمع ضمن المستوطنة البشرية.(17)
إن الإشكال المطروح أساسا حالة التشبع التي تعرفها مدينة بسكرة والتي دفعـت إلى البحث عن متنفـس للضغـط العمراني الذي تشهده خاصـة و أنهـا وصلـت إلى حدودها الإدارية، بالإضافة إلى كونها قطب جهوي مهم في الجنوب الشرقي وإحتلالها بذلك رتبـة عليا في الهيراركية الحضرية، وتطبيقا للمادة 28 من القانـون 90 /29 المؤرخ في01/12/1990المتعلق بالتهيئة والتعمير، هـذه الوضعية تستوجب إعادة تنظيـم مجالي يليـق و يستجيب للمكانة التي تحتلها مدينة بسكرة و ذلك بإتباع سياسة نمـو و توسع تتعدى حدودها الإدارية إلى البلديـات المجاورة للعب دور إسناد، تقويـة و إستغلال طاقاتها المجاليـة لحساب مدينـة بسكـرة في إطار جهـوي، (معالجة إشكالية توسع المدينة في إطار جهـوي) .
2 توجيهـات مخـطط التهيئة للولايـة: (18)
إن أهم توجيهات التهيئة فيما يخص معالجـة إشكاليـة توسع مدينة بسكرة في إطار جهوي والتي تتمحور حول 03 نقاط أساسيـة تتمثـل فـي :
- التحكم في القطب الحضري ببسكرة .
- إعادة التوازن للشبكة العمرانية الحضرية .
- تعزيز و تقوية الشبكة العمرانية الريفيـة .
التحكـم في القطب الحضري بسكرة :
- تحويل بعض المشاريع الصناعيـة الهامـة إلى باقي الوحدات والذي سيؤثر بدوره على توزيع السكان و نشاطاتهم .
- اعتماد مبـدأ لا مركزيـة التجهيزات خاصـة المهيكلـة منها ذات المستوى العالي و ذلك لتحقيق هدفين أساسيين تثبيـت السكـان من جهـة ، و تخفيف الضغط عن القطب الحضري لبسكرة من جهة ثانية .
- إقتراح أقطاب دعـم (ارتكاز) مرتبة إرتباط وثيق بالقطب العمراني لبسكرة وذلك للتأثير الإشعاعي للمدينة.
- خلق قطب عمراني بفـك الضغط عن القطب الحضري بسكرة و يقلل من مجال تأثيره .
إعادة التوازن للشبكة العمرانية الحضريـة : و هذا يتعلق أساسا بالتحكم والتنظيم لتطور التجمعات العمرانيـة الحضريـة و ذلك بتطوير بعضها والتحكم في تطور البعض الآخر حيث أن عمليـة إعادة التوازن هذه تتم على مستوى برامج التجهيزات و المرافق العموميـة بمختلف مستوياتها (قاعدية ، ذات مستوى عالي ، جهويـة ) .
تعزيز الشبكـة الريفيـة : إن تعزيز و تقويـة الشبكـة الريفيـة يتضمن العديـد من الإجراءات والمتمثلـة أساسا فـي :
- تثميـن الإمكانيـات و الموارد الفلاحية لهذه المنطقة .
- تزويـد المراكز الريفيـة بتجهيزات تضمن خدماتها و كذا خدمة المناطق المبعثرة القريبة منها هذا من جهة و تخفـف من تبعيتها للمدينـة .
- توجيـه نشاط هذه المراكز نحو العمالـة الفلاحيـة مما يساهم في بعث التنميـة للمراكز الكبرى في مجالات المعاملات و العلاقـات المدينة – الريف ، و كذا تحقيق مبدأ التوزيع العادل للتنمية الوظيفية .
ومن مبادئ التهيئــة الحضرية النمو الديموغرافي، حيث أن النمو السكاني للمدينة وما يتطلبه من توسع في استعمالات الأراضي يفرض عليها استمرار التوسع الذي من المتوقع أن يأخذ اتجاهات منتشرة مبعثرة وذلك لأسباب طبيعية وبشرية، فقـد أخذنا بعين الإعتبار معطيات الديوان الوطني للإحصاء ( ONS ) و التقديرات عبر المديات الثلاث (قريب ،متوسط و بعيد )، معتبرين في ذلك الأساس التخطيطي ذو الصفة الحتمية و معطيات كل بلدية على حدى و احتياجاتها و إمكانياتها، حيث قدرت التقديرات الديموغرافية بلدية بسكرة :(19)
الآفاق
عدد السكان
|
2008
(1,5)
|
المدى القريب
2013 (1,5)
|
المدى المتوسط
2018 (1,8)
|
المدى البعيد 2028
(2,00 % )
|
التجمع الرئيسي
|
204661
|
220478
|
241048
|
293836
|
المصدر:( مديريــة البرمجة متابعة الميزانية ، افريل 2012)
من خلال الجدول يمكن التوضيح أن التطور السكاني للتجمع الرئيسي-بلدية بسكرة-مجال الدراسة قدر يعرف زيادة سكانية معتبرة خلال الفترات الزمنية :2008-2013-2018-2028، بمعدل حوالي: 20.000ساكن في كل 10 سنوات.
- مخطط التنظيم المجالي للتجمع الحضري الكبير لمدينة بسكرة: (20)
ولإعطاء مدينة بسكرة دورها المجالي الفعال كقطب جهوي ذو تأثير عمراني واقتصادي، والوصول إلى حجم مدينة كبيرة بمختلف مكوناتها المجالية و تفاعلاتها، فلا بد من اعتماد آليات عمرانية و مجالية للتحكم في تسيير هذا المجال وتصور نسيج عمراني مستقبلي مستدام يعتمد على معيار التخطيط كأداة للإنسجام والتجانس بين مختلف القطاعات، و يكون ذلك بمعالجة ظاهرة التلاحم العمراني العشوائي بين القطب المركزي (بسكرة) و أقطاب التوازن الأخرى (شتمة، الحاجب) و تنظيم و إعادة هيكلة الأحياء الفوضوية الحالية، و محاولاة إعادة النمو الطبيعي للتجمعات العمرانية خاصة بسكرة بالتركيز على النمو بشكل شعاعي إنطلاقا من الوسط باتجاه أقطاب التوازن:
* قطب شتمة (الطريق الوطني رقم 31)
* قطب الحاجب (الطريق الوطني رقم 46)
ولتغيير هذا الدور من دور محلي داخل إقليم الولاية إلى دور جهوي لابد من معالجة المكونات المجالية الحالية وفق الأهداف المستقبلية من :
- تحسين الإطار المبني المجالي .
- توقيع مرافق كبرى حيوية .
- خلق مظهر عمراني ملائم بمختلف مكوناته (سكن، مساحات خضراء، مناظر طبيعية..إلخ ).
- وإحداث توازن للشبكة الحضرية داخل التجمع والوصول إلى تحقيق هذه الأهداف فإننا اقترحنا الآتي:
أ/ العمليات العمرانية : وتشمل التدخل على النسيج الموجود بواسطة العمليات التالية :
- إعادة هيكلة وسط المدينة لإعطائه الدور الحضري والتاريخي كوسط رئيسي في تكوين النواة الأولى من خلال تنظيم الحركة والتنقل وإعادة الأهلية للبنايات الموجودة وإقامة نقاط للتوقف والتنشيط للحركة التجارية والخدماتية.
- إحداث توازن وعلاقة تكاملية بين وسط مراكز الأقطاب و أحياء الضواحي من خلال توقيع المرافق الخدماتية و الجماعية و تشمل هذه العملية الأحياء التالية على مستوى:
* بسكرة : (حي المستقبل ، حي سيدي غزال ، حي كبلوتي ، وسطر الملوك).
- خلق أقطـاب جديدة داخل التجمع لإحداث توازن في توزيع الوظائف و تشجيع التنمية في الجهة الشمالية والجهة الجنوبية من خلال توقيع المرافق الكبرى مثل: حديقة حيوانات و تسلية، فلاحة مائية، مركب رياضي...
- تنمية التجمع الصناعي باقتراح منطقة شبه صناعية خارج النسيج العمراني و سياحيا بتجسيد المناطق السياحية ببسكرة ، عين بن النوي و الحـاجب.
- أما بالنسبة لمناطق التوسع المقترحة الرابطة بين الأقطاب العمرانية فقد اقترحت بها مساكن فردية و جماعية و نصف جماعية تلبية لاحتياجات السكان للفترات الزمنية الثلاثة(2013-2018-2028) و كذا المرافق التابعة لمختلف القطاعات التي ثبتت في أماكن تجمعية يمكن الوصول إليها والاستفادة منها.
- مسايرة للتطور المتوقع من حيث الاستهلاك المجالي و التنظيم العمراني والمظهر المعماري، فقد اقترح اقامة مساحات خضراء داخل الوحدات السكنية الكبرى خدمة للجانب السكني والإيكولوجي على مستوى المناطق القابلة للتعمير، إضافة إلى اقتراح مساحات كبرى للتسلية والترفيه...
- الأخذ بعين الاعتبار مختلف البرامج التنموية المستدامة وفي طور الإنجاز من أجل حماية التجمعات العمرانية من مختلف الأخطار والعوائق الموجودة.
- تجسيد برامج مخططات شغل الأراضي المصادق عليها، خاصة بالنسبة لقطاع السكن، وسد للجيوب الشاغرة و بما هو مبرمج بمخططات شغل الأراضي و كذا جزء من مناطق التوسع المقترحة بالجهة الغربية فقد اعتمدنا على التوزيع ما بين (الفردي، الجماعي والنصف جماعي) 2013، بالنسبة لمناطق التوسع بالجهات الأخرى فقد اعتمدناها كاحتياج للمدى المتوسط (تجمع ما بين الفردي، نصف جماعي و جماعي)2018 في حين المدى البعيد 2028 (تجمع ما بين الفردي والجماعي).
- إقتراح تراصف بالأقواس على مستوى المحاور الرئيسية المقترحة والطرق المهمة لخلق شوارع رئيسية، وإعادة هيكلة وسط المدينة، حي سيدي غزال وحي المستقبل خاصة من ناحية المظهر العمراني والطرق وتوقيع المرافق.
ب/ الطــرق: وأنه لا يمكن التنقل من منطقة إلى أخرى إلا بوجود شبكة من الطرق،وتشمل التدخلات مايلي:
- إعادة هيكلة محاور التي حدث على مستواها التوسع الممثلة في الطريق الوطني رقم (03)، الطريق الوطني رقم(46)، و كذالك الطرق الثانوية إذ تسمح هذه العملية بتخفيف الضغط و الحركة و إحداث شوارع مهمة مستقبلا .
- إقتراح حزام خارجي مهيكل للمجال الحالي و المستقبلي للأجيال القادمة .
- تهيكل حدود المجال الحالي انطلاقا من المحول الجنوبي الغربي باتجاه طريق باتنة شمالا مع اقتراح جسر شمالا ليستمر الطريق التحويطي إلى الجهة الشرقية باتجاه القطب الحضري الجديد الرابط بين بسكرة و شتمة، فهو يحدد الشكل العام للمجمع الحضري الكبير سواء في التوسع العمراني أو الدور الإقتصادي و المجالي.
- إقتراح طريق خارجي يربط الطريق الوطني رقم (31) بالطريق الوطني رقم (03) لربط المجمع جهويا بباتنة و كذا ضمان تنمية التجمعات الموجودة على محوره .
- إنطلاقا من الطريقين التحويطيين اقترح طرق متعامرة و متوازية لهما تربط ما بين التجمعات العمرانية والأقطاب الحضرية عموما و بين مختلف كل تجمع خصوصا.
- إقامة مفترقات الطرق للتوزيع والتنظيم بين المحاور الرئيسية المقترحة والموجودة خاصة على محور الطريق الوطني رقم (03) باتجاه باتنة ،الطريق الوطني رقم (31) باتجاه شتمة و باتجاه الحاجب (ط. و رقم 46).
خاتمة :
إن قانون التوجيه العمراني للمدينة يهدف أساسا إلى جعل المدينة إطارا ملائما للحياة حتى تؤدي وظائفها الحيوية، لأن وضع المخطط يؤكد على الطابع المنسجم للمدينة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا... ، هذه العوامل التي تشكل وعاءا للممارسات الحضرية في المجال الحضري-المدينة- والتي تعد في حد ذاتها قاعدة سليمة لإنشاء سياسة شاملة تسمح بتحقيق التنمية، وتبقـى هذه الدراسـة التوجيهية وسيلة حضرية عمرانيـة للتحكم في تقنيات تسيير و استهلاك المجـال لمختلـف مكوناته والوصول إلى انسجام و تناسـق بين مختلف القطاعات، وضرورة تحقيق المتغيرات المطلوبة للمعايير التخطيطية الوظيفية للمدينة المرتبطة بالنمو السكاني المتوقع لها، وفق إستراتيجية واضحة ومحددة لتحقيق التكامل الوظيفي لاستعمالات الأرض الحالية المعبر عن الواقع المفروض، والمستقبل الذي سوف تكون عليه والمطلوب تحقيقه بحاجة ماسة إلى دراسات تنفيذية يتم تجسيدهـا ولفتح مجالات التفكير والاستشارة حول التهيئة المستقبلية لمجال التنمية الشاملة التي تدوم للأجيال القادمة اي التنمية المستدامة.
قائمة المراجع:
1-كريستيان سبريت :من الخطط الرئيسية إلى استراتيجيات التنمية - بحث مقدم لندوة استراتيجيات التنميةالحضرية في المدن العربية - المعهد العربي لإنماء المدن من 9-12 ابريل 2000على الرابط التالي: http://publications.ksu.edu.sa
2- Harper andGottman ((The HumanGeography)), john willey and sonspress-New york, U.S.A, 1967, p.23
3-عبدالرزاقعباسحسين:جغرافيةالمدن،مطبعةاسعد،بغداد،1977، ص27.
4- Zucchelli Alberto, introduction à l’urbanisme opérationnel et la composition urbaine, V.3 OPU, Alger, 1983،p10
5- le grand dictionnaire encyclopédique Larousse, Edition, 1997، Par Yannick Herlem (ECP( Paris. 1999
6- Zucchelli Alberto, idit،p68.
7- حيدر فاروق: تخطيطالمدنوالقرى، مصر، مركزالدلتاللطباعة،1994،ط1 ،ص10
8-غنيم عثمان: مقدمةفيالتخطيطالتنمويالاقتصادي، عمان،دار الصفاء،1998 ،ط1 ، ص27.
9- غنيم عثمان: التخطيطأسسومبادئ، عمان،دارالصفاء، 2006 ،ص 44.
10-غنيمعثمان: مقدمةفيالتخطيطالتنمويالاقتصادي، مرجع سابق، ص26.
11-عبدالهاديمحمدوالي:التخطیط الحضري؛تحلیل نظري وملاحظات واقعیة، الإسكندریة،دارالمعرفةالجامعیة،1983، ص21.
12- بشير التيجاني: مفاهيم وآراء حول تنظيم الإقليم وتوطن الصناعة، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1995،ص55.
13- بشير التيجاني:التحضر والتهيئة العمرانية في الجزائر، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1997، ص65-78.
14- محمد عاطف كشك:التنمية المستديمة سراب أو حلم قابل للتحقيق، نقلا عن مجلة القافلة،العدد الثاني عشر، المجلد الخامس والأربعون، مطابع التركي، الدمام، السعودية، ص31.
15- سعد طه علام:التنمية والدولة، مدينة نصر،القاهرة، دار طيبة للنشر والتوزيع والتجهيزات العلمية، 2003، ص77.
16- خالد مصطفى قاسم:إدارة البيئة والتنمية المستدامة في ظل العولمة المعاصرة ،الإسكندرية، الدار الجامعية، 2007، ص 157.
17- مصطفى فواز: مبادئ تنظيم المدينة، معهد الإنماء العربي ببيروت ضمن إصدارات سلسلة الكتب العلمية الميسرة ، ص 53.
18- BA/BISKRA.UR: دراسة مراجعة المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير لمجموع بلديات بسكرة، شتمة، الحاجب،المرحلة الثانية، ص47-49.
19- مديريــة البرمجة متابعة الميزانية ، مونوغرافيـة لولايـة بسكـرة 2011، افريل 2012.
20-BA/BISKRA.UR، مرجع سابق،ص89-92.
[1](لقد أقرّ المشرع الجزائري المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير في القانون 90-29 المؤرخ في 01 ديسمبر 1990 المعدل و المتمم بموجب القانون 04-05 المؤرخ في 14 أوت 2004 المتضمن قانون التهيئة و التعمير و النصوص التطبيقية له، لاسيما المرسوم التنفيذي رقم 91-177 المؤرخ في 28 ماي 1991 الذي يحدد إجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير و المصادقة عليه و محتوى الوثائق المتعلقة به المعدل و المتمم بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05-317 المؤرخ في 10 سبتمبر 2005.)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق