التسميات

آخر المواضيع

الأحد، 24 يوليو 2016

الأبعاد الجغرافية السياسية للغة والهيمنة اللغوية في ظل العولمة (محاضرة) - أ.د. عبّاس غالي الحديثي ...


الأبعاد الجغرافية السياسية للغة والهيمنة اللغوية في ظل العولمة

الدكتور عباس الحديثي وعلى يساره القاص أحمد يوسف


   أقام منتدى أماسي البيضاء الثقافي خامس أماسيه الثقافية لهذا العام، يوم الإثنين الموافق 2009.2.16 بمقر مسرح هواة الفن بالبيضاء، وهي محاضرة بعنوان: (الأبعاد الجغرافية السياسية للغة والهيمنة اللغوية في ظل العولمة)، ألقاها الدكتور: عبّاس غالي الحديثي.. عضو هيأة التدريس بجامعة عمر المختار، وأدار الجلسة القاص أحمد يوسف عقيلة، وبعد انتهاء المحاضرة التي استغرقت ساعة كاملة، أسهم الحضور في إثراء الموضوع بمداخلاتهم وأسئلتهم، فشارك كل من الأستاذ الباحث في التراث ميكائيل الحبوني، والدكتور فتح الله خليفة، والدكتور جعفر حسن الطائي، والشاعر عبدالسلام الحجازي، وألقت مساهماتهم مزيداً من الضوء على هذا الموضوع الشائق، وهذا تلخيص لأهم ما ورد في المحاضرة:

   اللغات أصبحت عبر التاريخ مثل الجيوش تهزِم وتُهزَم، ولهذا حاولت أكثر من حكومة حماية لغة شعبها من خطرين:

ـ الأول سيطرة أجنبية تستبدل تدريجيا لغة بلغة.
ـ الثاني تغلغل غير منظم ربما بتعاون جزء من الشعب نفسه.
ولهذا فان الكثيرين يحذرون من ظاهرة خطيرة ـ والتى تتعلق بما نحن فيه من إمكان قيام لغة عالمية مهيمنة واحدة تربط فى المستقبل بين مختلف المجتمعات والثقافات ـ هى الاختفاء السريع والمطرد لكثير من اللغات كنتيجة مباشرة لتغلب اللغات القوية على حساب اللغات الضعيفة. ويتوقع كثير من علماء اللغة اختفاء ما يزيد على نصف عدد اللغات الموجودة فى العالم الآن والتى تقدر بأكثر من ستة آلاف لغة خلال النصف الأول من القرن الحالي. وتظهر خطورة الوضع بوضوح حين نعرف أن معدل اختفاء اللغات يفوق ضعف معدل اختفاء الثدييات، وأربعة أضعاف معدل اختفاء الطيور، وانه لو استمر الأمر على هذا الحال وبهذه المعدلات فان عالم المستقبل لن يشهد سوى حوالي عشر لغات قوية أو أكثر قليلا اذ تقدر جريدة التايمز اللندنية فى عددها بتاريخ 21. ديسمبر عام 2000 أن اللغات الضعيفة تختفي بمعدل لغة واحدة كل اسبوعين تقريبا.

اللغة: المفهوم - الخصائص – الانواع:

  لم تعد اللغة مجرد وسيلة للتواصل والتفاهم بل أصبحت أداة للهيمنة والتأثير والنفوذ مما قاد كثير من الباحثين وصناع القرار الى القيام بالدراسات والأبحاث حول الموضوع والدعوة الى تبنى ذلك على المستوى الوطنى والاقليمى والعالمى مما ادخل اللغة وبالتالى الثقافة والمعلومة ضمن مقومات القوة لأي دولة او مجتمع اواقليم لما يعنيه ذلك من مكاسب اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية .

مفهوم اللغة:

  لعل إحدى المشكلات التى تبدو غريبة هى تعريف اللغة نفسها(1) ولهذا فقد تعددت تعاريف اللغة وبالتالى تحديد مفهومها، فيعرفها سابير عام 1921 بانها طريقة بشرية وغير غريزية لنقل الافكار والأحاسيس والرغبات بواسطة رموز تنتج طوعا. اما هول فيذهب الى ان اللغة (نمط سلوك جماعى يقوم البشر بواسطته بالاتصال والتفاعل بعضهم مع بعض برموز شفهية سمعية توفيقية يستخدمونها بحكم العادة).

    إما نعوم تشومسكى فيذهب بعيدا بما سبق اذ يقول سوف اعتبر ان أية لغة هى (عبارة عن مجموعة "محدودة اوغير محدودة" من الجمل، كل منها محدودة فى الطول ومركبة من مجموعة محدودة من العناصر) .

  ومن أكثر تعريفات اللغة شمولا ذلك الذي قدمته الجمعية الأمريكية للنطق واللغة والمسمع المعروفة بـ(أشا)، تنظر (أشا) الى اللغة على أنها (نظام معقد ديناميكي من الرموز المتفق عليها تستخدم فى شتى أنواع التفكير والتواصل).

خصائص اللغة:

  تمتاز اللغة بالعديد من الخصائص لعل أهمها من منظور الجغرافية السياسية هى الآتي:

1- القابلية على النمو والتطور.
2- قابليتها للترجمة.
3- قابلية اللغة على تكوين أقاليم لغوية.

  وهكذا قامت اللغة بعدة أدوار متباينة فى الجغرافية السياسية والتاريخ السياسي للعالم وهى:

أولا: قامت بدور الحاجز بين المجتمعات المتباينة اللغات واللهجات، بحكم طبيعتها التطورية.
ثانيا: قامت بدور الجسر بينها عن طريق النقل والترجمة، بحكم قابليتها للترجمة.
ثالثا : قامت بتكوين أقاليم لغوية عالمية، بحكم قابليتها للانتشار والتعلم.

أنواع اللغات:

ـ اللغة الوطنية : هي لغة جماعة كبيرة من المواطنين فى داخل الدولة الواحدة ولايعني بالضرورة انها لغة الاغلبية فهناك دول كثيرة ليست بها اغلبية لغوية بالمعني الحقيقي للكلمة بل تسودها عدة لغات وطنية. ففي باكستان نجد اللغات الاردية والبنجابية والسندية ولغة الباشتو واللغة البلوشية جنبا الى جنب, وهذه لغات وطنية فى باكستان وليست هناك لغة من هذه اللغات يمكن ان توصف بانها لغة اغليبة.

ـ اللغة الرسمية: هي اللغة التي ينص عليها فى الدستور, وتوجد انظمة دستورية فى اكثر دول العالم. وينص الدستور فى كل دولة من هذه الدول على تسمية لغة معينة هي اللغة الرسمية فى الدولة. والمقصود باللغة الرسمية، تلك اللغة التي تستخدم فى الادارة وفي المجالس النيابية والتي تصدر بها مراسيم الحكومة وتقدم بها الطلبات الى الوزارات المختلفة وتتعامل بها المؤسسات والوزارات المختلفة.

ـ اللغة الدولية: أما لغات العمل فهي لغات محدودة العدد استقرت فى السنوات الاخيرة فى أطار التعامل بين الدول. ففي منظمة الأمم المتحدة ووكالات المتخصصة مثل اليونسكو نجد مجموعة لغات توصف بأنها (لغات العمل). لقد كانت لغات العمل فى منظمة الأمم المتحدة عقب إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية هي اللغات: الإنكليزية والفرنسية والروسية والصينية والأسبانية. ولم يحدث بعد ذلك إلا تعديل واحد وذلك بإضافة اللغة العربية إلى تلك اللغات الخمس فأصبحت لغات العمل فى الأمم المتحدة ست لغات.

كما أن هناك من حاول أن يتميز بين نوعين من اللغات هما:

1 ـ اللغات الميتة: وهي التي لم يعد احد يتحدث بها والتي استطعنا الحفاظ على اثارها كاللاتينية والاغريقية.

2 ـ اللغات المنقرضة: وهي التي ضاعت ذاكرتها بصفة نهائية.

  عموماً، يمكن تقسيم دول العالم الى مجموعات حسب اللغات وهي:

1 ـ دول أو أقاليم أحادية اللغة: من الممكن ان تنتشر لغة واحدة فوق مساحة شاسعة عندما يحدث أي من المؤثرات الآتية:

أ ـ هيمنة عسكرية أو إدارية أو تكنولوجية لمجموعة بشرية على باقي أفراد السكان فى المنطقة.
ب ـ تطورات واسعة النطاق فى كل أرجاء الأقليم متمثلة فى نشر الأفكار الثقافية والاقتصادية والعلمية.
ج ـ انعدام العوائق الطبيعية التى تمنع الاحتكاك والاتصال الفكري بين المجموعة البشرية فى الإقليم.

   ففي الصين على سبيل المثال انتشرت لغة الماندرين على حساب باقي اللغات واللهجات الصينية، لأن لغة المنادرين التى يتحدث بها سكان شمال الصين، والذين أصبحت لهم السيادة السياسية والإدارية فى كافة أرجاء الصين، نفس الحال بالنسبة للعربية والتى انتشرت مع انتشار الإسلام القادم من شبه الجزيرة العربية، والإنجليزية والفرنسية والأسبانية التى ارتبط انتشارها بالاستعمار والسيطرة على العديد من الدول فى أفريقيا وآسيا والعالم الجديد، والروسية انتشرت بعد سيطرت روسيا على مساحات شاسعة من سيبيريا.

2 - الدول ثنائية اللغة: عدد من دول العالم لا تستطيع أن تصنع لنفسها شخصية لغوية محددة ولا تقدر أن يكون بها لغة فصحى رسمية على كافة أرجاء الدولة، فسكانها يتحدثون بلغتين أو أكثر. والدولة التى تعترف بلغتين رسميتين لها هى كندا (فرنسية فى الشرق) كويبك والإنكليزية فى معظم الدولة، وبلجيكا التى تسود فيها الهولندية بين السكان الغربيين والفرنسية فى الجنوب بين الوالون .

3- دول متعددة اللغات: إذا كانت الدولة ثنائية اللغة قد استطاعت أن تتغلب على مشكلة وحدتها بين أرجاء الدولة، فإن بعض الدول تعاني كثيرا من مشكلة تعدد اللغات بين طياتها. فكثير من دول أفريقيا تعاني من تعدد اللغات لتعدد القبائل واحتفاظ كل قبيلة بلغتها، وخير مثال على ذلك ما نجده فى نيجيريا التى يزيد عدد اللغات عن (12) لغة تنتشر بين أرجائها. وكذلك الهند التى هى موطن لحوالي (16) لغة رئيسية على الرغم من أن اللغة الرئيسية حاليا هى اللغة الهندية التى يتحدث بها حوالي 30% من إجمالي سكان الهند والتى أختيرت كلغة رسمية بعد الاستقلال. وأصبحت اللغة الإنكليزية هى اللغة الثانية المتعامل بها فى الكثير من المصالح الحكومية نظرا لخضوع الدولة لفترة طويلة تحت الاستعمار البريطاني.

   هذا التصنيف للغات وتوزيعها الجغرافي فى الدول والأقاليم يمكن أن يقود الى أبعاد سلبية لهذا التصنيف والتوزيع منها موضوعة الأقليات اللغوية حيث قد تظهر أقليات قومية موالية للدولة ، ولكنها تطالب بحريتها اللغوية أو استقلالها اللغوي ، وكثيرا ما تعترف الدولة بحرية استقلال الأقليات بلغاتها وتدرسها فى مدارسها ، ويرجع هذا لخوفها من المطالبة بالانفصال عن جسد الدولة ، إذا منعتها من استعمال هذا الحق . فقد اعترفت كندا باللغة الفرنسية فى كويبك ، واعترفت فرنسا بلغة البرتيان، وهولندا بلغة الفريزيان وهى لغة نوردية قديمة.

الهيمنة اللغوية: يقصد بالهيمنة اللغوية لأغراض هذا البحث هو عدد متكلمي اللغة وانتشارها الجغرافي وشيوع استعمالها فى المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

  هذه الهيمنة اللغوية ليست وليدة الوقت الحاضر وبروز ظاهرة العولمة ومفاعليها وإنما سادت من قبل لغات عدة فى أصقاع شاسعة وأصبحت لغة الإدارة والحكم والتعليم كما هو بالنسبة للغة الرومانية فى الإمبراطورية الرومانية، وكذلك العربية فى الإمبراطورية الإسلامية، ثم جاءت اللغات الأوربية أثناء فترات التوسع الاستعماري ومنها اللغة الإنكليزية التى أصبحت لغة الإمبراطورية البريطانية ثم لغة الإمبراطورية الأمريكية الحالية. وبكل الأحوال يجمع من كتب فى حاضر اللغات أن اللغة الإنكليزية هى اللغة العالمية المهيمنة حتى أن كثيرا من الكتابات نظرت الى اللغة الإنكليزية باعتبارها اللغة المعيارية العالمية.

مؤشرات الهيمنة اللغوية:

تُطرح فى هذا المجال بعض المؤشرات لقياس مدى هيمنة إحدى اللغات وعالميتها وعولمتها والتى تعكس بدرجة رئيسية مجالات استخدام اللغة وليس بنيتها وخصائصها الصوتية أو الصرفية أو النحوية أو المعجمية . ومن هنا فقد تم ادراج بعض المؤشرات لقياس الهيمنة اللغوية:

1- عدد مستخدمي اللغة: هنا يمكن تمييز اللغة حسب مستويين، هما المتكلمون الأصليون والمتكلمون الآخرون، أي الذين يستخدمون اللغة كلغة أمّ، والآخرون الذين يستخدمونها كلغة ثانية أو ثالثة .

2- مدى استخدام اللغة المهيمنة فى المؤتمرات والاجتماعات الدولية: إن كثرة عدد المنظمات والمؤتمرات الدولية فى فترة الحرب الباردة وما بعدها خاصة فى ظل العولمة وامتدادها الى أكثر مجالات الحياة ومن ثم ظهرت ضرورات لغوية جديدة... ولهذا فإن أكثر المنظمات الدولية تختار من بين لغات الأعضاء عددا محددا من اللغات لتكون لغات العمل الرسمية فتزداد مكانتها بذلك، وبصدق هذا أيضا على المؤتمرات العلمية فى كل فروع المعرفة، فاللغات التى تقبل بها البحوث، وتدور فيها المناقشات تكتسب بذلك مكانة وأهمية، وهكذا أصبح استخدام لغة من اللغات فى المؤتمرات والاجتماعات الدولية سمة من سمات عالمية اللغة وهيمنتها وعولمتها.

  وقد قدر كريستال Crystal عام 1997 بأن 85% من المنظمات العالمية تستعمل الآن اللغة الإنكليزية كواحدة من لغة العمل فيها، و 49% تستعمل الفرنسية وأقل من 10% تستعمل العربية، والأسبانية، والألمانية.

3- نسبة المترجم في لغة من اللغات إلي ما يترجم في العالم: هذا العامل يظهر المكانة الحضارية للغة بين لغات العالم باعتبارها رافداً ثقافياً هاماً وأداة للتفاعل الحضاري في بيئتها اللغوية وخارج هذه البيئات ايضاً. وحسب بعض المصادر اتضح أن 75% من الترجمات المنشروة فى العالم هى من اللغات الآتية: الإنكليزية 37%، الفرنسية 14%، الألمانية 11.5%، الروسية 9.5%، الأسبانية 3%.

4- نسبة ما يصدر من كتب في هذه اللغة إلي مجموع الإنتاج العالمي من الكتب: تظهر الإحصاءات إلى أن الانكليزية تتحكم في حيز واسع من نشر الكتب على نطاق العالم وهى الأكثر شعبية فى هذا المجال، فالإنكليزية تسيطر على 28% من الكتب المنشورة تأتي بعدها الصينية 13.3%، والألمانية 11.8%، فى بداية التسعينات من مجموع الكتب التى تنشرها سنويا فى كل اللغات، أي أن أكثر من نصف الكتب المنشورة فى العالم (53.1%) تصدر فى ثلاث لغات فقط، وأرقام اليونسكو للكتب المنشورة تبين أن بريطانيا تسبق أي دولة فى العالم من حيث عدد العناوين المنشورة فى كل سنة.

أسباب الهيمنة اللغوية:

  أصبح واضحا أن اللغة الانكليزية تمتلك من معايير العالمية الشئ الكثير مما يؤهلها لكي تصبح لغة مهيمنة فى ظل العولمة التى تزيل عن طريقها الكثير من الحواجز والعوائق بفضل تدهور الوظائف التقليدية للحدود السياسية وانفتاح المجتمعات على بعضها، لكن لابد وأن تكون هناك أسباب أو عوامل ساعدت على هذه الهيمنة للغة الانكليزية خاصة منذ عقد نهاية القرن العشرين، لعل أهمها ما يأتي:

أولا : ميراث التاريخ: ان التوسع الاستعماري البريطاني أسس الظروف المواتية للاستعمال العالمي للانكليزية مع بداية تأسيس المستعمرات الأمريكية. والعديد من القوى الأوربية أيضا قد توسعت: فرنسا، هولندا، البرتغال، إسبانيا. أصبحت لغاتها استعمارية ، واللغتان الأخيرتان لاتزالان هامتين خارج أوربا فى أمريكا اللاتينية. لكن فى القرن التاسع عشر ، فان الإمبراطورية البريطانية بخليطها من السياسة والثقافة والتجارة قد قوّت من الموقع العالمي المهيمن للغة الانكليزية منشأة (لغة لا تغرب عنها الشمس).

ثانيا : بزوغ الولايات المتحدة: مع نهاية القرن التاسع عشر، أسست بريطانيا الظروف المواتية للانكليزية كلغة عالمية مهيمنة واستقرت حول العالم، وعلى مداها كان هناك التجارة. ومن المعروف أن اللغات تتدهور مع تدهور الامبراطوريات، ولكن بزوغ الولايات المتحدة كقوى عظمى افسد هذه الفكرة. فالولايات المتحدة هي الان أقوى الدول الصناعية، وتمثل الدولة الثالثة في العالم من حيث الحجم السكاني، ولعل هذه السيادة للغة الانكليزية تعود إلي القدرات الكبيرة الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والثقافية للولايات المتحدة.

ثالثاً: العامل الديموغرافي: إن تقدير الأمم المتحدة لسكان العالم عام 2050 سيصل إلي11.5 مليار نسمة. إن هذا النمو السكاني يحدث بنسبة اكثر في الدول النامية(اسيا، وافريقيا، وامريكا اللاتينية) أي ان الدول في هذه الاقاليم يصبحون بشكل متزايد اكثر شبابية. هذا التحول العالمي في موقع السكان الشباب سيكون له عواقب لغوية وبسبب ان الشباب هم فواعل أساسيون للتغيير اللغوي والتنمية بينما السكان الكبار يكونون اكثر استقراراً في عاداتهم الكلامية، فاننا يمكن ان نتوقع انماط التغيير اللغوي تميز تلك الاقاليم التي يزداد فيها الشباب، افريقيا، اسيا، امريكا اللاتينية، لكن درجة التحضر والحضرية في هذه المناطق وهي بمستوي تزايد، اضافة إلي شبابية الدول النامية وهجرتهم الدولية والمحلية سيكون له تأثيرات هامة علي ديموغرافية اللغة اذ ان تدفق السكان، والبضائع، والافكار بين دول العالم سيجعل اللغة الانكليزية اكثر انتشاراً واكثر مرغوبية.

رابعاً: التغيرات في الاقتصاد العالمي: منذ الثورة الصناعية تتزايد ثروة العالم. وتشير الحسابات إلي ان الناتج العالمي الاجمالي لعالم 1750 (اسعار عام1900) قد بلغ 50 مليار دولار، والتنبؤات تشير إلي احتمال وصوله الى 250 تريليون دولار عام 2050.

  إن من الواضح بأن اللغة التي يتم تحكمها في الدول الأغنى هي اكثر جاذبية للمتعلمين من تلك التي لا تجهز أي إمكانية وصول إلى التحسن الشخصي أو النفاذ إلى الأسواق.

خامساً: دور التكنولوجيا: إن الإنكليزية اليوم قد تشكلت من قبل تأثيرات القوة الصناعية. وعندما تصبح الإنكليزية اللغة العالمية للاكتشاف وعندما تتم التطورات السريعة في علم الموارد والهندسة، والتصنيع، والاتصالات، فإن وظائف اتصالية جديدة للغة تصبح مطلوبة. كما أن التغيرات الرئيسية في الثقافة واللغة خلال العقود القليلة القادمة هي تلك المرتبطة بالحواسيب والاتصالات، وعليه هناك اعتقاد سائد بأن الإنكليزية والحاسوبية تبدو، ولعقود عديدة ، ستسيران معاً لأن الحواسيب، والبرامج التي تجعلها مقيدة هي بشكل كبير من اختراع الدول الناطقة بالإنكليزية، وبالتالي فإن أجهزة الحاسوب والبرامجيات تعكس الحاجة إلى اللغة الانكليزية. وهذا الحال مشابه لما كان عليه في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما تم ربط العالم بالتلغراف الكهربائي والذي على طول أسلاكه أمتدت اللغة الانكليزية.

  وللتأكد من هذا الافتراض فإن المصادر تشير إلى أن عدد مستخدمي الانترنت في العالم باللغة الاإنكليزية يشكلون 36.5% وبغير الإنكليزية 63.5%عام 2002.

سادساً: دور العولمة: يدور الحديث حالياً بأن الشركات العابرة القومية تدير ثلثي التجارة العالمية في السلع، وإن 50 من 100 من الاقتصادات الكبرى في العالم ليس دولاً قومية وإنما شركات عابرة القومية، كما يشار إلى أن غالبية هذه الشركات تقيم مقرها الرئيسي في الكتل الاقتصادية الثلاث الكبيرة (الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة، اليابان). وفي المرحلة الحالية من تطور الاقتصاد العالمي فإن الأنشطة العالمية للشركات عابرة القومية تعزز نشر الإنكليزية.

عواقب الهيمنة اللغوية: إن الهيمنة اللغوية وهي التي اتصفت بها اللغة الإنكليزية حالياً لعدة أسباب لها عواقب متعددة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية يمكن أن ندرج منها ما يأتي:-

1- تزايد ظاهرة انقراض اللغات.
2 - احتدام الصراعات بين القوى الكبرى.
3 - إضعاف المشاركة الديمقراطية.
4 - ظهور مفهوم الإمبريالية اللغوية.
5- هيمنة اللغة فى الفضاء الالكتروني.
6- التوزيع الجغرافي لمتكلمي اللغة الانكليزية.

الخاتمة :

  إن دراسة اللغة من منظور الجغرافيا السياسية لا تبدو بالنسبة للباحث على الأقل ناضجة فى الوقت الحاضر، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تحدي ظاهرة العولمة بأبعادها المختلفة. ولهذا يُعد هذا البحث محاولة أولية لتوجيه الانتباه إلى اللغة ليس كظاهرة اجتماعية فقط، وإنما كظاهرة متعددة الأبعاد ـ اجتماعية واقتصادية وسياسية وجغرافية ـ يمكن فى حالة استغلالها تحقيق مكاسب جوهرية فى هذه المجالات بما يحقق إمكانية الحصول على النفوذ والتأثير والهيمنة الإقليمية والعالمية أيضا كما هو الحال بالنسبة للغة الإنكليزية التى هى لغة القطب الأمريكي المهيمن على النظام العالمي والتى يتوقع لها الاستمرار فى هذا الاتجاه بما يحقق مزيدا من القوة الولايات المتحدة وبما يمكن أن يقود إلى حروب لغوية بين القوة المهيمنة، والقوة الناهضة المقاومة كالصين أو القوة التقليدية كفرنسا عبر رابطتها اللغوية المعروفة بالفرنكفونية كأهم آليات المقاومة.

  ولعل هذا ينطبق على الوطن العربي ولغته العربية التى يعتقد البعض أنها عرضة للانقراض واستنتج ذلك من شواهد عديدة منها خصخصة التعليم وكذلك افتتاح مدارس ومعاهد وجامعات أجنبية فى الوطن العربي وقيام هذه المدارس والمعاهد والجامعات بتدريس مقرراتها بالإنكليزية أو الفرنسية بدعوى الاستجابة للطلب المتزايد على التعليم العالي وتوفير كفاءات عالية تتلائم مع طلبات سوق العمل ، وبدعوى إيجاد تنافس بينها وبين الجامعات الوطنية .

  كما أن هناك من يشير إلى أن منظمة الأمم المتحدة تتجه إلى إلغاء العربية من بين اللغات العالمية الرسمية فى المنظمة وهى : الإنكليزية والأسبانية والفرنسية والروسية والصينية والعربية وذلك لثلاث أسباب هى :-

ـ عدم استعمال ممثلي الدول العربية للغة العربية فى الأمم المتحدة فهم يستعملون الإنكليزية أو الفرنسية.
ـ عدم وجود مترجمين عرب أكفاء يجيدون اللغة العربية.
ـ عدم وفاء معظم الدول العربية بالتزاماتها المتعلقة بدفع نفقات استعمال العربية فى المنظمة.

   يضاف الى ما تم ذكره ، فإن تبعية الوطن العربي الثقافية والاقتصادية والعسكرية للمركز الرأسمالي العالمي بزعامة الولايات المتحدة يتبعه انتشار لغة الغالب فى بلاد المغلوب وحلولها محل لغته .

  كل ما ذكر يدفع باتجاه تبني سياسة لغوية متكاملة الأبعاد وفعالة ومدعومة حكومياً حفاظاً على مستقبل الأمة وهويتها ومقاومتها لما يعرف بالأمبريالية اللغوية والتخلص من الهيمنة اللغوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا