جغرافية الاستيطان الريفي
المحاضرة الأولى
نشوء الاستيطان الريفي و تطوره
الاستيطان أو العمران البشري ، فرع حديث في الدراسات الجغرافية يرتقي به العهد إلى مطلع القرن العشرين ، ولعل أبرز أهدافه هو الربط بين مظاهر السطح والخصائص الفيزيوغرافية للمكان من جهة وبين اختيار مواضع للمستوطنات لأغراض معينه من جهة أخرى .
وحينما ينظر الجغرافي إلى الصور الحالية لتوزيع المستوطنات البشرية ، فأنه يتعرف من خلال التباين في توزيع كثافة الاستيطان وتنوعه على البيئات المتنوعة والظروف الطبيعية التي خضع لها كل إقليم ، إضافة إلى مقدار الجهود التي بذلها الإنسان لاستقراره ، وثبتت أقدامه فيها ؛ وبتحديد هذه الأنواع من المستوطنات ونوع العلاقات بين سكانها من جهة والبيئات التي توجد فيها من جهة أخرى يصار إلى تحديد الأنماط المختلفة من الاستيطان .
وقد اتسع منهج البحث في الآونة الأخيرة ليشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية للمستوطنات فكما تهتم الجغرافية بدراسة الإنسان حيث توزيع وانتشاره ، كذلك باستخدام الارض في مجالات مختلفة في مقدمتها اختيار الإنسان موقع لاستقراره دون غيرها متخذا اياها موطن للعمران ، ومن هنا فقد اكد (فلبريك ) في تعريفة للجغرافية تحليل وتفسير أنماط سكني وتعميره للأرض ، على أن الدراسات التي تناولت العمران لم يعد التركيز فيها على أنماط المساكن ومواد البناء المستخدمة بل على موضوعات تتعلق بتوزيع وتصنيف المساكن والتنظيم المكاني للمساكن والمستوطنات .
ويبدو هذا النمط من الدراسات لاقى اهتمام المدرسة الفرنسية حيث قام العديد من روادها بدراسة مفصلة للمستوطنات كما قام الجغرافيون الألمان بدور مماثل وعنيت بها المدرسة الأنكليزية التي وسعت نطاق دراستها فشملت المستوطنات الريفية مثلما شملت مراكز الحضارة واتخذ اسم جغرافية ( الاستيطان ) أو العمران البشري .
ولا ريب في أن اهتمام الجغرافية بالمسكن إنما هو من القبيل العناية بظاهرة من صميم حياة الإنسان ومن شأن الجغرافي في تعميق النظرة الموضوعية وتوسيع دائرة البحث الميداني ، وصولاً إلى تقويم عملية السكن ، وأنماط المستوطنات ومتابعة العوامل المؤثرة بها .
ويمثل الاستيطان الريفي في دراسته لأنماط المستوطنات الريفية وتطورها وتوزيعها إلى جانب اهتمامه بمسكن الريفي فرعا من جغرافية الاستيطان ، وتهدف جغرافية الاستيطان الريفي إلى :
1- نشأت وتطور المستوطنات الريفية .
2- السكن الدائم وغير الدائم .
3- الانماط التوزيعية للمستوطنات الريفية وعوامل توزيعها .
4- خصائص المسكن الريفي وأنماط وتوزيعه .
5- سكان الأرياف ، مشاكلهم وصلاتهم الإقليمية .
6- توزيعات إقليمية للمنزل القروي .
وعلى الرغم من أن الريف سابق للحضر في العمران ، إلا أن الدراسات التي تناولت الريف أرضاً وعمراناً ، كانت أكثر حداثة عند الجغرافيين مقارنه بدراسات الحضرية وقد تبلورت مثل تلك الدراسات ، واتخذت منهجاً واضحاً بعد الحرب العالمية الثانية.
بيد أن هذا لا يعني أن موضوعات الاستيطان الريفي لم تعالج أو أن الجغرافيين لم يتناولوها من قبل ، فثمة دراسات تناولت الاستيطان الريفي بشكل و آخر ، ضمن اهتمامات تمتد إلى تاريخ أبعد من ذلك ، وعبر موضوعات في جغرافية الريف ، أو الجغرافية الزراعية ، أو الجغرافية العمرانية ، أو ضمن موضوعات استخدام الأرض في المناطق الريفية وقد كانت مساهمات ( رتر ) (1779- 1859 ) خصبة في هذا المجال ، لا سيما خلال دراساته لأنواع مساكن الريفية وأنماط توزيعها والعوامل المؤثرة فيها ، الأمر الذي يمكن أن يغزى إليه الفضل في وضع اللبنات الأولى لجغرافية الاستيطان الريفي .
كما يعتبر ( كامل فالانكس ) من أوائل المساهمين في تثبيت الأطر النظرية لمناهج الاستيطان الريفي ، ويمثل الريف مجالا للبحث لجميع العلوم الاجتماعية ، وكان من الطبيعي أن يبدأ الجغرافيون الذين يهمهم دراسة وتحليل العلاقات بين الإنسان والبيئة / في تحديد التوزيع الجغرافي بالظواهر المختلفة باتجاه الريف ويمكن اعتبار ببير جورج واحداً من أبرز الذين درسوا الريف وتناولوا تحليل مثل تلك العلاقات في كتابه جغرافية الريف سنتة (1963 ) ومن بين هذه الدراسات أيضاً دراسة متزن (1895) عن الاستيطان الريفي والوحدة السكنية في الريف وذلك في كتابه الزراعة والاستيطان في شرق وغرب ألمانيا.
ويمثل الريف مجالاً للبحث بالنسبة لجميع العلوم الاجتماعية وكان من الطبيعي أن يبدأ الجغرافيون والبيئة في تحديد التوزيع الجغرافي للظواهر المختلفة باتجاه الريف ويمكن اعتبار بيير جورج واحداً من أبرز الذين درسوا وتناولوا تحليل مثل تلك العلاقات في كتابه جغرافية الريف ( 1963 ) ومن بين هذه الدراسات : دراسة متزن ( 1895 ) عن الاستيطان الريفي والوحدة السكنية في الريف الألماني وذلك في كتابه ( الزراعة والاستيطان في شرق وغرب ألمانيا ) .
وقد أكد أن الاستيطان الريفي يعدّ واحداً من الموضوعات الأساسية في الجغرافية البشرية ويعتبر متزن أبا جغرافية الاستيطان الحديثة كما اعتبر فيدال دي لابلاش المساكن واحداً من أبرز حقول الجغرافية البشرية كما أدخل ( امري جونز ) موضوع الاستيطان الريفي ضمن الجغرافية البشرية .
وللمؤتمر الجغرافي العالمي الأول الذي عقد في القاهرة عام 1925 أهمية متميزة في هذا المجال فقد صب اهتمامه على الدراسات ذات العلاقة بالاستيطان والمستوطنات الريفية وكان ذا أثر كبير في نشر الخبرات الواسعة التي نقلها عدد غير قليل من الجغرافيين العالميين لاسيما في مجال مورفولوجية القرية ونشؤها وأنماط توزيعها وفي مقدمتهم ديمانجون الذي قدم أول دراسة في مفهوم جغرافية السكن ومنهجها وأصدر المؤتمر تقريرا في ثلاث مجلدات ظهرت في 1928 ـ 1930 ـ 1931 .
وقد أثار التقرير الذي قدم للمؤتمر الرغبة لدى الجغرافيين في معالجة الاستيطان الريفي والكتابة فيه وقد صاحب النصف الثاني من هذا القرن ظهور دراسات ريفية تجمع بين أكثر من ظاهرة من بينها : الاستيطان الريفي والتنمية الريفية أو التخطيط الريفي أو الاستثمار الزراعي كما في دراسة جيشولم ( 1962 ) وكتاب حجازي ( 1968 ) وكتاب كلوت ( 1972 ) بالإضافة إلى العديد من الدراسات الأخرى التي ظهرت خلال فترة الستينات والسبعينات من هذا القرن فيما ظهرت دراسات مستقلة تناولت الأرياف والاستيطان الريفي كحقل مستقل في المعرفة الجغرافية منها كتاب كلوت ( 1977 ) وكتاب سنغ ( 1975 ) وكتاب بيكر ( 1969 ) .
من جهة أخرى كان للأمم المتحدة دوراً مضافاً حيث تم عقد عدة مؤتمرات وندوات عالمية وافروأسيوية عالجت قضية الاستيطان الريفي في الأقطار النامية إلى جانب نشاطات منظمة الفاو ( منظمة الغذاء والزراعة الدولية )وتتناول دراسة الاستيطان الريفي ، المستوطنات الريفية بدءاً من الخلية السكنية الصغيرة للأسرة مروراً بمجموعة الوحدات السكنية التي تشكل القرية وانتهاء بالإقليم الريفي المتمثل بمجموعة القرى والتجمعات السكنية في الأرياف سواء من حيث التركيب أو تخطيط الوحدات السكنية ونمط بنائها وتوزيعها أو طبيعة العلاقة بين بعضها البعض الآخر وبينها وبين المجتمعات الأخرى ومع ذلك فثمة اتجاهات في دراسة المستوطنات الريفية منها :
- أن بعض الجغرافيين يؤكدون على الخصائص والصفات المميزة للقرية .
- والآخر يولي أهمية للوظيفة باعتبارها تعكس التباين في أنماط المستوطنات .
- فيما أولى الجغرافيين المتأخرون اهتماماً بالشكل والوظيفة ونشوء القرية .
ويمكن القول بأن أغلب المساهمات الحديثة في جغرافية الاستيطان اتجهت إلى دراسة المساكن الريفية من حيث توزيعها ومواد بنائها لا سيما للجغرافيين الألمان حيث حظيت المستوطنات الألمانية باهتمام خاص في دراسات متزن للمستوطنات الأوربية أكد فيها على مورفولوجية القرية فيما إنصب اهتمام الفرنسيين على أشكال المساكن ونمط بنائها وكانت دراسة ديمانجون موجهة نحو موقع ووظيفة وحجم ونشأة وأنماط توزيع المستوطنة والعوامل التي تقف خلف هذا النمط .
البعد التاريخي للاستيطان الريفي
يمثل الاستيطان الريفي مرحلة مهمة في تطور المجتمعات البشرية بما يعكسه من أثار ونتائج في المراحل التالية من تطور المجتمعات فاستقرار الإنسان في بيئة معينة يعني تكيفه لأجوائها كما ينتج عن ارتباطه بالأرض واتجاهه نحو استثمارها واستقراره عليها قيام نوع من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة .
إن التجمعات السكانية في العالم وليدة ظروف وتفاعلات بين السكان من جهة وبينهم وبين البيئة الطبيعية من جهة أخرى وهذا ما يعمل على تجمع السكان في بيئات معينة كنوع من أنواع الكفاح من أجل البقاء والاستمرار بما يصار إلى شكل من أشكال التوزيع يضع الإنسان في المكان الأكثر ملائمة له ولظروفه الاجتماعية والاقتصادية ، وتمثل القرى أقدم مراكز الاستيطان البشري وأكثرها انتشاراً على سطح الأرض فلقد أضطر الإنسان إلى الاستقرار عقب حقب طويلة متنقلاً بحثاً عن الماء والكلأ والراحة والأمان ومن المرجح أن استقرار الإنسان هذا ارتبط أول الأمر بالملاجئ والكهوف التي اتخذت فيما بعد شكل المنازل الصغيرة سميت ( القرية ) .
ويعود ظهور القرية إلى العصر الحجري الحديث خلال الفترة 10000 ـ 7000 ق . م حيث انتقل الإنسان من مرحلة الجمع والالتقاط والصيد إلى مرحلة الرعي والزراعة وتقترن الحضارات الزراعية بظهور القرى فهي أول مظهر من مظاهر التعاون بين السكان في العمل والنشاط الاجتماعي .
ولعل أول القرى ظهرت في وادي الرافدين ووادي النيل وإقليم البنجاب في الهند وربما كانت هذه القرى النويات الأولى التي تطور منها هذا النوع من العمران البشري إلى المدن من جهة أخرى ويمكن اعتبار المرحلة الأولى التي بدأ فيها الإنسان بإنتاج الغذاء وما بعدها تاريخاً متميزاً في حياته بل وثورة حقيقية في التطور الحضاري البشري لأن التحول من استهلاك الغذاء إلى الإنتاج غير من أسلوب استخدام الأرض وصور توزيع الجماعات البشرية وطريقة استقرارها وتعمير الأرض . ومن المعروف أن الحصول على الغذاء يمثل الوظيفة الرئيسية للقرية إلا أن الحاجة إلى الأمن لا تقل أهمية عن ذلك ومن هذه الأهمية نجد أن توزيع الوحدات السكنية وطريقة إنشائها قد تأثر كثيراً بدرجة تحقيقها للأمن والاستقرار من جهة أخرى وتلبية المتطلبات الغذائية من جهة أخرى .
وعليه فإن أهمية الوحدة السكنية لا تتوقف على إيجاد المأوى بل وعلى النشاط الاقتصادي الزراعي واستثمار الأرض فثمة علاقة وثيقة بين خصائص السكن الريفي وأنماطه وبين النشاط الاقتصادي لسكان الأرياف .
ولا شك فإن لطول فترة التعمير البشري أثراً واضحاً في حجوم مراكز الاستيطان الريفي فغالباً ما تتسم مناطق التعمير القديمة بكثافة في سكانها وتتقارب بين مستوطناتها بينما تكون الأقاليم حديثة التعمير صغيرة الحجم ومتباعدة .
ويبدو أن معظم المدن القديمة كانت عبارة عن قرى إندثرت أما بسبب تغيير مجاريها أو بسبب تغير الظروف المناخية أو الحروب والأمراض والأوبئة أو الأحداث السياسية ولم يبقى منها سوى الأطلال .
المحاضرات :
المحاضرة الثانية : التصنيف الوظيفي
للاستيطان الريفي
المحاضرة
الثالثة : أشكال
(مورفولوجية)المستوطنات الريفية
المحاضرة الرابعة : التوزيع الجغرافي للمستوطنات الريفية
المحاضرة الخامسة : العلاقات الإقليمية الريفية – الحضرية
المحاضرة السادسة : الاستيطان
الريفي في العراق والوطن العربي
السلام عليكم اريد الفصل الثالث
ردحذفاشكال مستوطنات الريفيه
ردحذفاشكال مستوطنات الريفيه
ردحذفاشكال المستوطنات الريفية
ردحذفموقع ذات قيمة علمية يحمل الكثير من المعلومات متنوع ومتعدد المجالات بارك الله في علمك دكتورنا الفاضل وحفظك .
ردحذفالعلاقات الإقليمية المستوطنات الريفيه
ردحذف