مشكلات التنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية
في فترة التخطيط التنموي
في مجالات التربية والتعليم والثقافة
موقع الدكتور: سعود بن حسين الزهراني
دكتوراه الفلسفة في التاريخ ، موسكو 2000م – دكتوراه التربية ، الرياض 1424هـ
الرياض 2005م-1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
? إلى والدي العزيزين أجمل الله لهما الأجر والمثوبة على التربية الصالحة والنصيحة القيمة والصبر على المشقة في سبيل إتاحة الفرصة لي كي أتعلم وأواصل طريق البحث العلمي لمنفعة المسلمين.
? إلى أولادي الأعزاء، رامي، ورؤى، وريم، وروان، ورائد ، الذين أتمنى لهم المضي في طريق طلب العلم ليكملوا ما نقص على أبيهم في مشوار التعليم والبحث العلمي، وأدعو الله أن يجعلهم من الصالحين.
? إلى زوجتي العزيزة أم رامي التي صبرت على انشغالي، وسجلت بوقفتها المثالية مثالاً رائعًا للزوجة الصالحة، فكانت الأم الرؤوم والمربية الناجحة والمستشار الأمين.
? إلى أهلي الكرام، الذين ما بخلوا بتقديم النصح والإرشاد والدعم المعنوي في كل المواقف والأوقات .
? إلى كل طالب علم أحب طريق العلم وتتبع آثاره في مشارق الأرض ومغاربها.
لهم جميعًا أهدي جهدي المتواضع، ليكون كما رغبته شمعة أمل تضيء طريق المستقبل المتجدد.
المقدمـــــــــــة :
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على أنبيائه ورسله، الذين حملوا رسالة الخالق تبارك وتعالى وبلغوها بأمانة، فكانوا ولا يزالون القدوة الصالحة لكل البشرية على امتداد عصور التاريخ.وبعد:
فالتنمية الشاملة هدف كل دول العالم وشعوبها المعاصرة، خاصة بعد أن دخل الإنسان بالعلم واثقًا إلى آفاق ومجالات التكنولوجيا المتطورة ومضمار التسابق في الإنجازات والمبتكرات العلمية، ونجح في توظيفها لتحسين مستوى معيشته ورفاهيته.
وبديهي أن يكون للأحداث التاريخية آثار على مستوى تقدم الأمم، ولهذا نجد اليوم دولاً تسعى لاهثة للحاق بمستوى أمم أخرى بلغت مستويات متقدمة في العلم والتنمية، والمملكة السعودية وإن اختلف الباحثون في تصنيفها بين دول العالم، إلا أن جميع المؤشرات التنموية تشير على أنها دولة نامية، تسعى حثيثًا لبلوغ مستويات تنموية متقدمة من خلال استراتيجيات وخطط وبرامج تنموية طموحة.
وفي ظل هذا السعي الحثيث المخلص نحو تحقيق تنمية بناءة تفي باحتياجات الشعب السعودي وتتوازى مع طموحاتهم الكبيرة، تجابه الدولة السعودية رغم ثروتها الكبيرة من البترول كثيرًا من المعوقات التنموية، ولعل في مقدمتها عدم توفر القوى البشرية المؤهلة واللازمة لتخطيط التنمية ودفع مسيرتها نحو تحقيق الآمال والطموحات السامية، الأمر الذي دفع بالحكومة السعودية إلى إيجاد بدائل ممكنة،وذلك باستقدام الخبرات والقوى العاملة، لإحداث التنمية ودفع مسيرتها قدمًا، فترتب على ذلك كثير من الإخفاقات والمشكلات.
وقد وجه الباحث دراسته الحالية لاستكشاف أهم مشكلات التنمية الاجتماعية في المملكة السعودية، وهو يدرك أن مجال الدراسة واسع جدًا، لا يمكن أن تفي به دراسة واحدة، وأن أهدافها سامية للغاية، لما يمكن أن يترتب عليها من إجراءات تطوير وتحديث، تستهدف علاج المشكلات، وتصحيح مسارات التنمية، ولذلك عمد الباحث إلى تحديد مجال دراسته بالتربية والتعليم، وهو يعلم جيدًا علاقة التفاعل بين التربية والتنمية كون كل منهما أساس لحدوث الآخر، ونموه وتطوره.
ولهذا خرجت الدراسة الحالية في ثوب تاريخي معاصر، أخذت من التاريخ العبرة، ومن المعاصرة المنهج، وهدفت إلى رصد المشكلات التي تعيق التنمية الاجتماعية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالتربية والتعليم، وسارت في مدرج التاريخ تستعرض أوضاع التربية والتعليم منذ نشأت المملكة السعودية وحتى اليوم، ملقية الضوء على دور التخطيط التنموي في نماء التعليم وتطوره، و مستشرفة مستقبل التنمية في البلاد السعودية.
وقد احتوت الدراسة الحالية على مدخل ضم تعريفات بالتنمية الاجتماعية والعلاقة المتبادلة بين التربية والتنمية، ومخطط البحث والدراسات السابقة، وضم الباب الأول منها معلومات تاريخية حول المجتمع السعودي والثقافة القومية في المملكة السعودية في فترة ما قبل التخطيط التنموي، بينما أتى الباب الثاني موضحًا لاستراتيجيات التخطيط التنموي وكيفية إدارة التنمية في المملكة السعودية، وأهم وأبرز المنجزات التنموية في مجالات التربية والتعليم، أما الباب الثالث فكان استعراضًا لأبرز مشكلات التنمية الاجتماعية في مجالات التربية والتعليم، وأهم المقترحات والتدابير اللازمة لتلافيها، واستشراف مستقبل التنمية في البلاد السعودية، وأخيرًا ختم الباحث دراسته بأهم الاستنتاجات والتوصيات العلمية.
ويعتقد الباحث أن كثيرًا ممن سيطلع على محتويات هذه الدراسة سيتفق حينًا ويختلف حينًا آخر مع الباحث حول رؤيته لواقع التنمية الاجتماعية في المملكة السعودية، وأهم المشكلات التي تؤثر في فاعليتها، وهذا هو مبدأ العلم، ومنتهى الطموح والرغبة، وأساس التطور في مجال الدراسات العلمية، فالمطالب بالإصلاح له أكثر من أسلوب، وأمل الباحث أن يكون قد أحسن اختيار أسلوبه، كما يرجو حسن فهمه.
والباحث يدرك أن جهده يعد جهد المقل بين جهود العلماء الذين أثروا ساحة العلم في كل بقاع الدنيا وعلى مر الحقب التاريخية، ويأمل أن يكون في جهده دوافع لجهود أخرى تتلمس منه الهدف ونقطة الانطلاق، فتكون عاملاً مساعدًا للمسئولين عن التخطيط التنموي وإدارة التنمية في المملكة السعودية لتطوير استراتيجيات وخطط التنمية الوطنية، وأساليب تنفيذها، بما يضمن لها التكامل والشمول والمرونة بعون الله.
ولأن هذه الدراسة كغيرها من الدراسات لا تخلو من جوانب قصور قد لا يراها من قام بإعدادها حين إعدادها، فإن الباحث يأمل في أن يسهم القارئ في نقدها وتقويمها بما يزيد من كفاءتها في تحقيق أهدافها وبما يفيد الباحث مستقبلاً عند إعداد دراسات لاحقة تتصل بمجالها.
أخيرًا يرجو الباحث أن يجد الباحثون وطلاب العلم والمسئولون في هذه الدراسة ما يفيد ويحقق المطلب، فهي حصاد جهد وخبرة ونتاج معاناة ومعايشة، وثمرة حوار متصل، وهي في النهاية عمل يرمي إلى الارتقاء بحياة المجتمع السعودي ليصل بكفاءة إلى تحقيق آماله وطموحاته ومطالبه المشروعة.
والله الموفق والمعين، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه ورسله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وآخر دعوانا، أن الحمد لله رب العالمين.
مدخل الدراسة
• ـ التمهيد.
• ـ التنمية الاجتماعية.
• ـ التنمية وجدان وإرادة.
• ـ منطلقات التنمية.
• ـ متطلبات التنمية.
• ـ التخلف الاجتماعي.
• ـ التخلف انهزام وتبعية.
• ـ مظاهر التخلف.
• ـ العالم الثالث والدول النامية.
• ـ المملكة السعودية دولة نامية.
• ـ مبررات الدراسة.
• ـ أهداف الدراسة.
• ـ أهمية الدراسة.
• ـ حدود الدراسة.
• ـ منهج الدراسة.
• ـ الدراسات السابقة.
• ـ فرضيات الدراسة
التمهيــــــــــــد:ـ
لقد برز إلى مجالات الدراسات العلمية المتخصصة في القرن العشرين علم يهدف إلى دراسة سوسيولوجية البلدان المتخلفة، ويعني بتحليل الأوضاع الاجتماعية ومظاهر التخلف الاقتصادي، وقد كانت التنمية بمفهومها الواسع مجاله الخصب لتطبيق منهاجه العلمي القائم على الوصف والتحليل والاستنتاج لإيجاد الحلول العلمية والعملية لمشكلات التخلف.
هذا العلم المعاصر والذي سمي بعلم الاجتماع التنموي كأحد اتجاهات علم الاجتماع السياسي، ازداد الاهتمام به في الآونة الأخيرة لأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه لإنقاذ المجتمعات المتخلفة، وخصوصاً وأن معظم مجتمعات العالم الثالث ـ كما سميت في بعض الدراسات ـ ما زالت تحاول اجتياز معوقات التطور الاجتماعي والتقدم الاقتصادي استناداً على نظريات سوسيولوجية واضحة تدعمها خطط إستراتيجية واضحة ومحددة وعلمية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولعل من أهم الدراسات والإسهامات العلمية في هذا المجال ما قام به بعض العلماء الغربيين أمثال "رالف بيريز" و"مارشال كلينارد"، وغيرهما، ومنطلق دراساتهم أن الواقع التاريخي المعاصر هو الواقع التنموي للشعوب الفقيرة وأن العلاج الناجح لمشكلات التخلف يكمن في التنمية، وأن تطور المجتمعات مرتبط بدرجات وعيها التنموي، واستثمار الطاقات البشرية من أجل التنمية البشرية ولا اختلاف على أن هذا النوع من الدراسات وجد اهتمامات واسعة لدى قادة الدول ورجالات السياسة والتخطيط، ولأن هذا العلم المعاصر يحيط بالظواهر والمشكلات والتجارب والخبرات في حقل الدراسات الاجتماعية بكل ما تحمله من خصائص ديناميكية وبكل ما تتضمنه من مشكلات ومحاولات لحلها كهدف أساسي، جوهره التغلب على التخلف من خلال توجيه حركة النمو نحو أهداف واضحة يمكن ترجمتها إلى واقع علمي يساعد المجتمعات على ردم الفجوة الحضارية التي تفصل بينها وبين الدول المتطورة، وهذا أمر ساعد بشكل مباشر على تطور العلم ورفع درجات الاهتمام به لدى الدول.
وحيث أن هذه الدراسة تتصل اتصالا مباشراً بقضايا التنمية في المملكة العربية السعودية وما حدث نتيجتها من تطورات اقتصادية واجتماعية كان لها آثارها الإيجابية من نواحي والسلبية من نواح أخرى على التركيبات والبنى الاجتماعية، والتي كانت المحفز الرئيس للباحث ليوجه دراسته لتحقيق هدف الكشف عن أهم مشكلات التنمية الاجتماعية الثقافية والتربوية في المملكة العربية السعودية لتوفير قاعدة معلوماتية ذات قيمة علمية تفيد المخططين ورجال السياسة لتطوير برامج واستراتيجيات التخطيط التنموي بما يكفل علاج تلك المشكلات والتغلب على آثارها السلبية المنعكسة على المجتمع السعودي، ولهذا فإن هذه الدراسة في اعتقاد الباحث تتصل منهجياً بمنهج علم الاجتماع التنموي والذي برز على ساحة البحث العلمي والساحة الدولية كأساس علمي لبناء وتطوير خطط واستراتيجيات التنمية، وتلتقي معه في الهدف والغاية وفي كثير من منعطفات الدراسة والبحث.
التنمية الاجتماعية:
تشير الأبحاث السوسيولوجية المعاصرة إلى وجود اختلاف بين مصطلح (النمو) ومصطلح (التنمية)، " فبينما يشير الأول إلى عملية الزيادة الثابتة والمستمرة التي تحدث في جانب معين من جوانب الحياة، يشير الثاني إلى تحقيق زيادة سريعة تراكمية ودائمة عبر فترة من الزمن. " (شافعي 1981م ـ ص 78).
"فالزيادة الثابتة في النسبة المئوية للمتعلمين والمتعلمات إلى مجموع السكان مؤشر من مؤشرات النمو الاجتماعي، أما التنمية فتحصل في التعليم في مرحلة النمو الاجتماعي السريع، وخلال فترة ممتدة من الزمن، وهي تحتاج في الغالب إلى دفعة قوية ليخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم والنمو." (أسعيد 1984م ـ ص 81).
فالتنمية بهذا المعنى أشمل من النمو حيث تتضمن التنمية النمو والتغير بكل أنواعه وأبعاده الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الكمي والكيفي، فالتنمية لا تعنى بجانب واحد فقط كالجانب الاقتصادي مثلاً، وإنما بجميع الجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية وتهدف إلى إحداث تغييرات نوعية وكمية شاملة.
" إن إصلاح التنمية الاجتماعية، ما يزال غير محدد المعالم فبينما يرى المفكرون الأوربيون أن التنمية الاجتماعية هي إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان عن طريق إصدار التشريعات ووضع البرامج الاجتماعية التي تقوم بتنفيذها الهيئات الحكومية والأهلية. فإن النظرة الاشتراكية لا ترى في التنمية الاجتماعية مجرد برامج للرعاية الاجتماعية تتحقق عن طريق التشريعات الحكومية و إنما تنظر إليها على إنها عملية تغير اجتماعي موجهة تهدف إلى القضاء على مكونات البناء الاجتماعي في البلاد المتخلفة، وترى إن ذلك التغير لن يتم إلا عن طريق ثورة حتمية تقضي على البناء الاجتماعي القديم وتقيم بناء جديدا، تنبثق عنه علاقات جديدة وقيم مستحدثة. كما يرى الفكر اليساري أن وضع التخلف في البلدان النامية ناتج بالضرورة عن تبعية تلك البلدان السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقوى الإمبريالية. "(نامق 1986ـ ص 35).
أما المفكرون الاجتماعيون فأنهم يختلفون في تحديد مفهوم التنمية الاجتماعية فبينما يعرفها بعضهم بأنها عملية توافق اجتماعي، يعرفها آخرون بأنها تنمية طاقات الفرد إلى أقصى حد مستطاع، أو أنها إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان أو الوصول بالفرد لمستوى معين من المعيشة يتحقق من خلاله إشباع الحاجات الفردية والاجتماعية. ويرى فريق آخر إنها تعني تحقيق التوفيق الاجتماعي لدى أفراد المجتمع، بما يعنيه هذا التوافق من إشباع بيولوجي ونفسي واجتماعي متكامل. (دانيل 1958م ـ ص46).
وهي لدى المعنيين بالعلوم السياسية والاقتصادية تعني الوصول بالإنسان إلى حد أدنى لمستوى المعيشة لا ينبغي أن ينزل عنه، باعتباره حقاً لكل مواطن تلتزم به الدولة، وتعززه الجهود الأهلية لتحقيق كفاءة استخدام الإمكانات المتاحة وبالحلول الذاتية لسد الثغرات التي تبدو على مستوى هذا الحد مما لا تسعفها موارد الدولة. (أسعيد 1984م ـ ص84).
وهي لدى المصلحين الاجتماعيين تعني توفير التعليم والصحة والمسكن الملائم والعمل المناسب لقدرات الإنسان والدخل الذي يوفر له احتياجاته، وكذلك الأمن والتأمين الاجتماعي والترفيه والقضاء على الاستغلال وتكريس مبدأ التكافوء في الفرص والانتفاع بالخدمات الاجتماعية مع ضمان حرية المواطن في أن يختار طريقه ومبادئه وأساليب حياته بحرية كاملة.(أسعيد 1984م ـ ص 84).
وهي عند علماء الدين، عملية الحفاظ على كرامة الإنسان باعتباره أفضل المخلوقات التي خلقها الله على الأرض، وذلك عن طريق العدالة والتعاون وحفظ الحقوق وتوفير فرص العطاء من أجل البقاء وخدمة الذات والآخرين طاعة لله وطلباً للأجر والثواب. (حسن 1970م ـ ص 89).
وعلى الرغم من اختلاف مفهوم التنمية الاجتماعية بين العلماء والمتخصصين تبعا لاختلاف تخصصاتهم إلا إن المفهوم الذي أورده سعد الدين إبراهيم للتنمية (أحد الباحثين العرب في مجال التنمية) يتصف بالإيجاز والشمول معاً فهو يرى أنها "انبثاق ونمو كل الإمكانات والطاقات الكامنة في كيان معين بشكل كامل وشامل ومتوازن. سواء كان هذا الكيان فرداً أو مجموعة أو مجتمع. (إبراهيم 1977 ـ ص 44).
ومن ذلك ندرك أن التنمية بأنواعها عملية ديناميكية مستمرة تنبع من الكيان وتشمل جميع الاتجاهات، فهي كعملية مطردة تهدف إلى تبديل الأبنية الاجتماعية وتعديل الأدوار والمراكز وتحريك الإمكانات المتعددة الجوانب بعد رصدها وتوجيهها نحو تحقيق هدف التغيير في المعطيات الفكرية والقيمية وبناء دعائم الدولة العصرية وذلك من خلال تكافل القوى البشرية لترجمة الخطط العلمية التنموية إلى مشروعات فاعلة تؤدي مخرجاتها إلى إحداث التغييرات المطلوبة.
فعملية التنمية تهدف إلى محو الأمية وتعميم التعليم والتدريب المهني وتوفير إمكانات التثقيف الجماهيرية لجميع أفراد المجتمع وضمان حق الأفراد في العمل والمشاركة في البناء، وضمان القضاء على البطالة ورفع مستويات العمالة في جميع المناطق الريفية والحضرية، والنهوض بمستوى الصحة، والقضاء على الفقر والجوع ورفع مستويات المعيشة والتغذية وتوفير الأمن والقضاء على مسببات الجريمة وانحراف الأحداث، وتشجيع التوسع السريع في ميدان التصنيع ومحاربة قوى التخلف والدجل والخزعبلات والتصدي للفتن والقلاقل وتعبئة أفراد المجتمع لخوض معركة التنمية.
" كما أن التنمية تتضمن تحديد عدد من التبدلات الجوهرية لا الشكلية في المعطيات والمؤسسات الاقتصادية والسكانية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية. هذه التبدلات تمكن التشكيلة الاجتماعية من اكتساب قدرة إنتاجية ذاتية تتيح للمواطن في النهاية الحصول على مستوى معيشي وظروف حياة أفضل ومستمرة التحسن". (الرميحي 1982م ـ ص17).
فالتنمية حقيقة تشكل مجموعة الفعاليات المتناسقة والمتكاملة شمولياً على الشكل الذي يتيح لمجتمع ما أن ينتقل بالتنمية إلى مجتمع آخر ذو سمات وصفات تتغاير مع سماته وصفاته السابقة، وهذا لا يتم بطريقة ميكانيكية ولا بتدخل قوة أجنبية، بل يتم تبعاً لوعي أفراد المجتمع ذاته ودرجة تدخلهم لحل المشكلات وتجاوز العقبات ونوع القرارات التي توجه إسهاماتهم ونوع الخطط التي تتيح لهم ترجمة النظريات إلى عمليات فعالة تنتج مخرجات تنموية تضفي على المجتمع صفاته الجديدة.
وهنا لابد أن نشير إلى أن عملية التنمية عملية طويلة تاريخياً فمخرجات التنمية لا تتصف بسرعة الظهور بل هي طويلة وشاقة، فتنمية البلدان المتقدمة كانت كذلك، كما كانت ظاهرة جدلية حيث كانت عناصرها الكثيرة مؤثرة ومتأثرة، فجانبها السياسي مؤثر في جانبها الاقتصادي، وجانبها الاقتصادي مؤثر في جانبها الاجتماعي وهذا الأخير مؤثر حتماً في الجانبين السابقين ومتأثر بهما وكذلك بقية الجوانب الحضارية والثقافية. "فأسمى ما تطمح إليه التنمية هو تحقيق التقدم فهي عملية استثمار للطاقات والإمكانات البشرية المتوافرة في المجتمع لتحقيق القفزة النوعية في حياة الشعب". (حسن 1970م ـ ص110).
التنمية وجدان وإرادة:
يتفق العلماء ورجال السياسة على أن التنمية قضية قومية تعد من أكبر قضايا العصر التي فرضها التقدم العلمي والتكنولوجي وقرارات المنظمات الدولية وكذلك الإقليمية وأنصار السلام العالمي الذين يرون في فقراء العالم الثالث قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، كما فرضها مرض التخلف الذي فتك بكثير من شعوب العالم وأصبح عاملاً محفزاً للعنف والإرهاب واغتيال حقوق الإنسان.
فالتنمية ليست عملية نمطية بل هي منظومة اجتماعية لها مدخلات وعمليات ومخرجات تعتمد على حاجات المجتمع وعلى النفسية الجماعية داخل المجتمع وعلى الطموح الذي تفرضه روح الجماعة، فهي متنوعة ومتباينة بين المجتمعات، "وهي ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة غرضها زيادة رفاهية الإنسان، وأحد الطرق الأساسية لتحقيق هذا الغرض هو تحويل ثمار الإنجازات الاقتصادية إلى تحسينات اجتماعية، وبذلك يستفيد المجتمع من جهود التنمية، ويكون لديه الاستعداد المستمر والمتنامي للمساهمة في هذا الجهد". (وزارة التخطيط 1970م ـ ص 25).
وهي ليست علماً أو إجراءات عملية تقوم على العلم فحسب، إنها وجدان وإرادة. "فهي وجدان بقبول المجتمعات قبلاً وأثناءً للتغييرات بالثمن والتضحية اللازمين من بعض ما درجت عليه و تعودته واطمأنت إليه من تقاليد وأعراف، تماماً كما نضحي ببعض النقاء البيئي أحياناً من أجل إقامة صناعات وطنية تنمي الدخل القومي، والتنمية إرادة بما تدعو إليه من حركة وإيجابية وبما تتيحه من فرص استثمار حقيقي في القوة البشرية، وبما تتيحه برامجها من فرص لأفراد المجتمع ليشاركوا في عمليات الصياغة والتنفيذ والمتابعة والتطوير" (أسعيد 1984م ـ ص10).
منطلقات التنمية:
"تعني التنمية بصورة جوهرية، تفتح أو تفتيح كل الطاقات المادية والروحية الكامنة في المجتمع المعني ـ المتخلف والراكد ـ ومن ثم توجيه هذه الطاقات وصبها في سبيل تحرير الفرد والمجتمع من سيطرة القوى الطبيعية والاجتماعية، بما يؤدي إلى تبديل الحالة الاجتماعية الراهنة المتسمة بالتخلف أو الاستغلال أو بهما معاً ـ اختلال النسق الاجتماعي ـ إلى حالة تتسم بالاخوة والعدل والمساواة وبالتالي الخلو من الفقر والجهل والمرض ـ النسق الاجتماعي المتوازن ـ وبذلك تتحقق التنمية المطلوبة". (الزغبي 1987م ـ ص 181).
وللتنمية مجموعة منطلقات لعل من أهمها ما يلي:
1ـ الموازنة بين مصالح الجيل الحاضر ومصالح الأجيال المقبلة، وبين المصالح العاجلة والمصالح الآجلة.
2ـ مراعاة طبيعة البنية الاجتماعية القائمة (الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة) وافتراض مواقفها وحاجاتها.
3ـ المستوى الثقافي العام للمجتمع ومستوى الوعي الفردي والاجتماعي.
4ـ التركيب النفسي للمجتمع أي درجة النضوج الثوري ودرجة الإحساس بالتخلف ودرجة الاستعداد للتضحيات التي تتطلبها التنمية.
5ـ التركيز على النواحي المتعلقة بتنمية العنصر البشري مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والنوادي والمؤسسات الثقافية والرياضية ونحوه.
6ـ طبيعة السلطة السياسية القائمة ومدى التفاف الجماهير حولها.
7ـ تحديد المرحلة التطورية التي يمر بها المجتمع.
8ـ الوضع الأيدلوجي أو المناخ السائد في المجتمع.
9ـ المكانة الدولية للمجتمع المعني بالاستناد إلى حجمه السكاني والجغرافي وموقعه الاستراتيجي، وكذلك ماضيه الحضاري وتطلعاته القومية والاستراتيجية. (أسعيد 1984م ـ ص128).
ويمكن إن يضيف الباحث إلى ذلك أهم منطلقين للتنمية ـ أي تنمية في أي موطن ـ :المنطلق الأول هو الخطط والاستراتيجيات العلمية المنطلقة من أساس فلسفي نابع من المجتمع وملائم لخصائصه، والمبنية على دراسات علمية وإحصاءات دقيقة عن الواقع وتحديد الاحتياجات اللازمة لتطوير المجتمع، والمنطلق الثاني يكمن في القوة البشرية المؤمنة بالتطوير والتنمية ومدى توفرها لتنفيذ المخططات والاستراتيجيات.
متطلبات التنمية:
أن التطوير نحو عدالة اجتماعية منطقية مستندة إلى التفكير العلمي يتطلب إن تتاح في ظله حدود دنيا من الفرص السياسية والاقتصادية والثقافية للقوى المنتجة، بحيث يغدو من الممكن القيام بعملية إقلاع شامل تنتهي معه ظروف استغلال طاقات وإمكانات المجتمع وحالة التخلف، وإلا فانه ينقلب بدوره إلى جزء من الرتابة والتخبط الدائري والذي عادة ما تقع فيه كثير من البلدان النامية المتخلفة، وهذا الحد الأدنى من الفرص يتمثل فيما يلي:
أولاً:ـ في المجال السياسي:
1. أن تكون السلطة السياسية ديمقراطية، مؤمنة بدور الشعب وحتمية انتصاره. وهذا يعني حق المشاركة السياسية لعموم أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
2. تنشيط وتثقيف قوى الإنتاج الفعلية.
3. الاختفاء التدريجي لسيطرة القطط السمينة عن المسرح السياسي.
4. تنشيط التعاون مع الشعوب المناضلة من أجل الحرية بكل أشكالها أين ما كانوا.
ثانياً:ـ في المجال الاقتصادي:
1. العمل على تقليص نشاط الشركات الأجنبية وتشجيع الشركات المحلية.
2. إلغاء العلاقات الإنتاجية الرجعية التي أكل عليها الدهر وشرب.
3. رفع مستوى الإنتاج عن طريق التخطيط والتنظيم والتصنيع مع الربط العلمي بين المدرسة وأماكن الإنتاج.
4. مكنونة الزراعة وتطوير أساليبها ودعم الفلاحة وتشجيع التعاونيات.
ثالثاً:ـ في المجال الأيديولوجي:
1. استئصال شافة الأيديولوجيات التي تبرر لها شرذمة الحكم الجاهلة المتمسكة بزمام السلطة والمسيطرة على مقدرات الأمة.
2. الانفتاح على العدالة العلمية والتفاعل معها بالاستناد إلى الظروف الموضوعية الخاصة بالبلدان النامية.
3. العمل على إيجاد الظروف الموضوعية لحركة اجتماعية قادرة على استئصال جذور التخلف المحلية والعالمية. (الزغبي 1987م ـ ص160).
إن التنمية الاجتماعية تتطلب التنوع والتعدد والتخصص والإقدام والمثابرة كما تتطلب عناصر فنية تتمثل في الاستقرار السكاني واعتماد التكنولوجيا المناسبة ولابد من الحفاظ على بعض صور التراث الاجتماعي. فهناك مؤسسات اجتماعية في الدول النامية لا تتماشى مع النماذج السياسية والاجتماعية الأجنبية، ولكنها لا تعيق التنمية، وتمثل شروطاً لابد من الإبقاء عليها لإحداث أي تطوير أو تحديث لهذه المجتمعات.
فالأسرية والعلاقات الأسرية والعشائرية والقبلية قد تكون أكثر أهمية في تنمية المجتمعات المحلية من النظم الغربية المستوردة على سبيل المثال. وفي مثل هذه الحالة لابد لأي عملية تنمية تكنولوجية تتناسب ومتطلبات الأنظمة الاجتماعية المألوفة، كما حدث في اليابان حيث أن الصناعة عدلت لتتلاءم مع متطلبات الأسرة الممتدة كقوى منتجة تتوارث مهنها وتخصصاتها. ومن هنا فان العامل الداخلي يصبح حاسماً في برامج التنمية، لهذا فان التنمية الاجتماعية تقتضي أن تكون التكنولوجيا المتقدمة على المستوى المحلي تكنولوجياً ملائمة للنظم الاجتماعية والاقتصادية المحلية. "فقد يرفض المجتمع المحلي عمداً ما يطلق عليه ـ تكنولوجيا الرجل الأبيض ـ غير الملائمة لعاداته وتقاليده ونظمه ولو أدى ذلك إلى تدمير هذه المجتمعات، كما هي الحال في المشاريع الزراعية الحديثة التي أنشئت في المناطق الرعوية للبدو. وحتماً ستجد الدول النامية نفسها مضطرة لإعادة النظر في خططها التنموية بين الحين والآخر خاصة مع بروز آثار سلبية لعملية التنمية". (عجوبة 1981م ـ ص43).
ومقولة التنمية تقودنا حتماً إلى مناقشة الصفة المضادة لها وهي مقولة التخلف، إذ أن وجود التنمية يلغي بالضرورة وجود التخلف، ووجود التخلف يلغي بالضرورة وجود التنمية. فما هو التخلف؟
التخلف الاجتماعي:ـ
التخلف هو التقهقر أو البقاء في الخلف، وهو ضد التنمية فالتنمية تعني التمسك بالأرض والكرامة الوطنية، والتخلف يعني التفريط بالأرض والكرامة الوطنية، وإذا كانت التنمية تعني احترام الإنسان وحقوقه، فالتخلف يعني إهانة الإنسان واحتقار حقوقه. (الرميحي 1982م ـ ص17).
ومعنى التخلف مرادف تماماً لمعنى التأخر، فالبلاد المتخلفة هي البلاد التي تبدو بالقياس إلى المستوى المعيشي الاجتماعي السائد في عصر ما، أنها متأخرة ومتخلفة، وقد يكون التخلف جزئياً وقد يكون كلياً.
فالتخلف الجزئي "هو التخلف الذي يبدو في مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية كأن يكون المجتمع متخلفاً ثقافياً أو دينياً أو سياسياً أو علمياً، وقد تحدث هذه الحالة نتيجة التغير الاجتماعي غير المتكافئ في النظم الاجتماعية فيحدث نتيجة ذلك التخلف الجزئي". (الرميحي 1982م ـ ص 17).
وقد تتسع دائرة التخلف الجزئي لتشمل مجموعة من النظم عندما ينعدم التكافؤ في حل المشكلات التي تعترض الحياة الاجتماعية، أو لعدم تساند تلك النظم ومسايرة بعضها لتقدم البعض الآخر.
والتخلف الكلي "هو التخلف الذي يبدو في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية وهو الذي يقصده العلماء في الغالب عندما يتكلمون عن موضوع التخلف، ومقياسه في نظرهم العامل الاقتصادي باعتبار إن هذا العامل هو الأوضح أثراً، وهو الذي يتردد صداه في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية، كما انه من الممكن قياسه وتقدير الآثار المترتبة عليه". (الرميحي 1982م ـ ص17).
والتخلف عموماً، وبأوسع معانيه وأشملها، "هو غربة المجموعات البشرية التي تعيش ضمن نطاق جغرافي تاريخي سياسي ثقافي اقتصادي، غربة عن بيئتها الطبيعية، أي أن تعجز عن التعامل معها إيجابياً لسد احتياجاتها الاجتماعية وتسخير كنوزها للمعايش والارتقاء بها، فالتخلف تجسيد لاختلال قوانين التوازن الطبقي الاجتماعي، وهو استبعاد للمرونة الاجتماعية، وتجسيد للتوتر والقهر وقتل الإمكانات، وتعطيل التفاعل الحر وتأكيد الانغلاق والتصلب والتحجر" (الرميحي 1982م ـ ص 17).
التخلف انهزام وتبعية:ـ
فهو انهزام بما يقتضيه من تراجع الإرادة الإنسانية لتجاوز حواجز الخوف والدخول من ثم في معترك الحياة واستثمار الطاقات البشرية والمقدرات الطبيعية لأجل النماء، وهو تبعية نتيجة ما يفرضه حال المجتمع المتخلف على أفراده من بقاء مكره ضمن سيطرة الأقوياء المستنزفين ثروات البيئات المتخلفة في غياب الوعي الجماهيري فيها وغفلة القيادات السياسية الغارقة في الجهل والأمية ولا مبالغة في القول عندما تعزي أسباب المجاعات والحروب والأمراض الفتاكة إلى التخلف بكل صوره وأشكاله.
مظاهر التخلف:
يتفق الاقتصاديون وعلماء الاجتماع على أن من أبرز مظاهر التخلف ما يلي:
1. ضعف مستوى التنمية في المجالات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.
2. ارتفاع معدلات نمو أعداد السكان عن معدلات النمو المنطقية.
3. انخفاض نسبة التعليم، وارتفاع نسبة الأمية.
4. سوء الحالة الصحية وقصر متوسط العمر وارتفاع معدلات الوفيات.
5. انخفاض إنتاجية العمال.
6. نقص الأيدي العاملة الماهرة وارتفاع معدلات البطالة بأنواعها.
7. عدم كفاية رؤوس الأموال اللازمة للتنمية.
8. عدم تجاوز إنتاج المواد الأولية.
9. التبعية الاقتصادية وتخلف طرق الإنتاج وانخفاض معدلاته.
10. غياب التخطيط وتفشي العشوائية. (الصباب 1985م ـص 7).
وانطلاقـاً من مفاهيم التنمية ومفاهيم التخلف ينشأ التساؤل العلمي عن ماهية الدولة المتقدمة والدولة المتخلفة؟
والبداية التاريخية لظهور المصطلحات المرتبطة بالتخلف والتنمية كانت مع بداية الفكر الاقتصادي أولاً بتناول مشكلة النمو للدول المتخلفة، حيث أطلق على هذه المجموعة مصطلح (الدول المتأخرة)، وعرفّت الدولة المتأخرة آنذاك بأنها ـ"الدولة التي لم تصل إلى مستوى مرتفع في التقدم الثقافي والاقتصادي والتكنولوجي بحيث يترتب على ذلك شيوع الفقر فيها". (لاكوست 1969م ص 216). وقد اعترض فريق من العلماء على مصطلح الدولة المتخلفة على اعتبار أن التخلف يتضمن بالضرورة تواجد إمكانات النمو، وعلى ذلك ظهرت مصطلحات جديدة لوصف الدول التي تظهر عليها مظاهر التخلف.
العالم الثالث والدول النامية:
في السنوات الأخيرة برزت مصطلحات، (العالم الثالث) و(البلدان السائرة على طريق النمو) و (الدول النامية) وهذه المصطلحات الجديدة توحي بالحياد خاصة وأنها لا تتضمن موقفاً أو خلفية أيديولوجية تقويمية، ويبدو أن تعبير (العالم الثالث) هو أوسع هذه المصطلحات وأكثرها استخداماً في البحوث والدراسات الاجتماعية في الوقت الحاضر، وهو يوحي بالحياد فعلاً، كما أنه لا يعني أكثر من الإقرار بأن مجموعة معينة من البلدان لا تنتمي من حيث درجة تطورها التكنولوجي خاصة وبالتالي همومها ومشكلاتها اليومية والمحلية، إلى العالم الأول (الرأسمالي) ولا إلى العالم الثاني (الاشتراكي)" وتعود هذه التسمية إلى عالم علم الاجتماع الفريد سوفي". (الزغبي 1978م ـ ص 129).
"وبعد ظهور شعار عدم الانحياز والحياد الإيجابي وتجسده في صورة مؤتمرات دولية،خاصة مؤتمر باندونج 1955م، ومؤتمر بلغراد 1961م، ومؤتمر القاهرة 1964م، ومؤتمر لوساكا 1970م، ومؤتمر الجزائر 1973م، وما تلاها، بدأت تسمية (العالم الثالث) تخرج عن حيادها لتأخذ بعداً إيجابياً خاصاً، يرى في العالم الثالث فصيلة نوعية متميزة من الشعوب إلى جانب الفصيلتين الأخريين الرأسمالية والاشتراكية. وقد ترتب على هذا التوجه الجديد، قيام دراسات واسعة وجادة حول واقع العالم الثالث وحول مستقبله وماضيه". (أسعيد 1984م ـ ص32).
ويرى الباحث أن هناك ثلاث منظورات لمصطلح العالم الثالث:ـ
أولاً:ـ المنظور الاقتصادي:
وهذا المنظور يرى أن جوهر المشكلة يعود إلى مسألة تخلف دول العالم الثالث اقتصادياً عن الدول المتقدمة والموزعة بحسب أنظمتها الاقتصادية إلى رأسمالية واشتراكية.
ثانياً:ـ المنظور الأيديولوجي:
وهو يرى أن العالم الراهن منقسم إلى مناطق أيدلوجية، منطقة رأسمالية وأخرى اشتراكية، وأخرى لا تنتمي إلى هذه أو تلك، وأن خضعت بالقوة إلى إحدى القوتين العظميين، أو ارتبطت بها اقتصادياً أو مصلحياً.
ثالثاً:ـ المنظور الفلسفي:
وهو يرى أن العالم الثالث يمثل كتلة متميزة، ليس على المدى القريب أو مرحلياً وحسب، وإنما على المدى البعيد أيضاً، فالظروف الموضوعية المميزة سوف تنشئ طريقاً خاصة ومميزة لدول العالم التي لا تنتمي لإحدى القوتين العظميين، فلسفة وقيماً ونظاماً، وبالتالي فان تطورها لا يحمل معنى اللحاق بهذه الكتلة أو تلك في الدول المتقدمة والمتطورة، وإنما يحمل صفة أخرى جديدة لعالم جديد حتماً وليكن هو العالم الثالث كما اصطلح عليه.
وليس غريباً أن تظهر مصطلحات جديدة ومسميات مبتكرة لنعت أو تسمية بعض دول العالم بها فهذا مصطلح (العالم الرابع) ظهر عند الرميحي، أحد الأكاديميين في دولة الكويت، كمصطلح لدول الخليج العربي ومبرره لذلك أن هذه الدول لا يمكن أن نلحقها بأي نوع من العوالم المصطلح عليها الأول أو الثاني أو الثالث، فدول الخليج عنده تحوي النقيضين كما قال: "فهي كالرجل المريض الذي يحمل أعراضاً للمرض تختلف عن حقيقة المرض فدول الخليج تملك أعراضاً أو مظاهر للعالم المتقدم من جهة، وأمراضاً أو مظاهر للعالم النامي أو المتخلف من جهة أخرى، فانخفاض متوسط دخل الفرد أو ارتفاعه يشير إلى حد كبير إلى أي معسكر تنتمي تلك الدولة من التخلف أو النمو. كما أن الدخل القومي يشير إلى موقع ذلك المجتمع من سلم التخلف أو النمو، كما أن عدد السكان يعد مؤشراً آخر لتخلف أو تقدم البلد وكذلك نسبة نمو السكان، فان لم يتناسبا مع تزايد الدخول، تكون الدولة بهذا المقياس متخلفة، ومن هنا فإننا نجد أن مجتمعات الخليج العربي تملك الدخل القومي المرتفع والتخلف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية معـاً، فضلاً عن قلة عدد السكان بالنسبة للدخل القومي العالي". (الرميحي 1984م ـ ص 12).
كما ظهر مصطلح (البلدان التابعة) في كتابات بيتلهايم، أحد علماء علم الاجتماع الأمريكيين،حيث يقول: "اعتقد شخصياً أنه إذا كانت مشكلات الشعوب المحرومة تسمى مشكلات البلاد المتخلفة، ولا تحمل اسـمـاً أدق علمياً، فإنما يرجع ذلك إلى الشعوذة التي تمارسها بعض القوى الانتفاعية والبطونية وعباقرة التخلف. أن الاقتصاديين الذين يستخدمون اصطلاح (البلاد المتخلفة) دون نقد، يسلمون صراحة أو ضمناً بالفكرة القائلة ـ بأن تلك البلاد توجد حالياً في مراحل النمو الاقتصادي، متخلفة عن تلك التي بلغتها البلدان المتقدمة ـ وهذه الفكرة لا تعبر بصفة عامة عن الواقع. ففي نظر هؤلاء الاقتصاديون أن معدل زيادة السكان في البلاد المسماة بالمتخلفة عادة يكون قريباً جداً من معدل زيادة الدخل القومي لتلك البلدان، ومن هنا يكون ركود متوسط دخل الفرد أو حتى تناقصه، وهذا ما أسماه بعض الاقتصاديين (الدائرة المفرغة لتخلف). لذلك فان تسميتها (بالبلدان التابعة) له ما يبرره علمياً فهذه البلدان تعيش حالة من التبعية السياسية والاقتصادية للقوى الكبرى شرقـاً وغربـاً. (بيتلهايم 1968م ص 40).
ويتفق سفر، وزير الحج السعودي، مع بيتلهايم في أن بلدان العالم الثالث تعيش حالة من التبعية المزرية، ويتساءل سفر ويجيب في آن معاً فيقول:" كيف نتحدث عن التبعية بعد أن نالت جل شعوب العالم الثالث حريتها واستقلالها، واصبح لها هياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ؟ ، أي مظهر من مظاهر التبعية نعنيه إذن ؟، حتماً أننا لا نعني بالتبعية أن شعوب العالم الثالث مسلوبة الإرادة كلياً. ولكنها إرادة مقيدة بحركة عصر سريع الإيقاع تلهث تلك الشعوب خلفه في محاولة لمعايشته باستكمال مظاهر حياته ظناً منها أن ذلك طريق الحضارة وجوهرها، فتشتري المنتجات الحضارية لتتزين بها وتتباهى وتتبهرج دون أن تعاني مشاكل إنتاجها وصيانتها، فتهون عليها قيمتها ولا تعرف كيف تتعامل معها، وتشعر بالعجز عن إدراك أنظمتها الحاكمة وقوانين تشغيلها وسنن تطويرها. وتظهر التبعية جلياً في النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجاهزة التي تنقلها دول العالم الثالث من خارج حدودها وبعيداً عن تقاليدها أسسها الحضارية لتزرعها في جسمها ثم تأتى محاولاتها المتتابعة اليائسة لعلاج ردود الفعل المتباينة نتيجة هذا الزرع الغريب". (الفارسي 1991م ـ ص 12).
ومهما تكن التسميات ودرجة علاقاتها بنواحي التنمية فان مصطلح (الدول النامية) يظل اصدقها، وذلك لما يشير إليه مفهوم المصطلح من إن النمو مهما تضاءل حجمه فهو صفة البلدان المعاصرة في ظل التفجر الكبير للمعارف والتكنولوجيا والثروات الطبيعية، ودخول العالم بأسره في ظل مفاهيم جديدة كالعولمة والقرية العالمية نتيجة ثورة الاتصالات واتساع دائرة العلاقات الدولية.
المملكة العربية السعودية دولة نامية:
تعد المملكة العربية السعودية دولة حديثة نسبياً، فهي كدولة موحدة على الجزء الأكبر من مساحة شبه الجزيرة العربية لا تزال في الربع الثالث للقرن الأول من عمرها التاريخي، فضلاً عن أن تاريخ التنمية المخططة فيها لم ينهي العقد الثالث من عمره الزمني بعد. ودولة حديثة كهذه رغم تدفق البترول من على أراضيها بكميات تجارية كبيرة، ورغم الاستثمارات الحديثة في مجال البترول والتعدين وإقامة المدن الصناعية الضخمة ورغم اجتهاد الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية بألوانها إلى كثير من مدن وقرى وهجر المملكة متجاوزة وعورة التضاريس وتفاوت المسافات، ورغم تقدم الدولة في مجالات استخدام التقنيات والتكنولوجيا والاتصالات السلكية والفضائية، إلا أن مترتبات وتركات تاريخ مجتمع شبه الجزيرة العربية المظلم والموسوم بالتخلف، لا تزال تؤثر بشكل سلبي على مدخلات وعمليات ومخرجات التنمية الوطنية الحديثة في المملكة السعودية حتى اليوم. وليس في هذا التقرير استباق لنتائج البحث، وإنما هو فرض علمي حتمي تأخذ به جميع الدراسات العلمية المنصفة لتاريخ المملكة السعودية المعاصرة فمظاهر التخلف التي غالباً ما ترصدها البحوث العلمية لا يزال بعضها يرى في صفات المجتمع السعودي، وما الدراسة الحالية إلا واحدة من الدراسات العلمية التي تهدف إلى الكشف عن هذه المظاهر المعيقة للتنمية الاجتماعية، لبلوغ غاية التصدي لها.
فالمملكة العربية السعودية تمتلك طابعاً فريداً ومميزاً يوحي بأهميتها الحيوية في دراسات السياسات المقارنة وفي الدراسات المتعلقة بالتنمية بصورة عامة، فالسعودية تمثل جسراً يربط بين العالم الغربي وآسيا، وهي تتوسط منطقة المحيط الهندي ذات الأهمية الاستراتيجية وتطل بسواحلها على أهم مساحتين مائيتين استراتيجيتين في عالم اليوم وهما الخليج العربي من الشرق والبحر الأحمر من الغرب واللذان لاغنا عنهما في خطوط الملاحة الاقتصادية الدولية المعاصرة.
ثانياً:ـ ما تختص به الدولة السعودية في نظامها الدستوري، حيث تنفرد بتطبيق الشريعة الإسلامية في أغلب نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتخذ من القرآن الكريم "كتاب الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم دستوراً للحكم والحياة، وهي تلائم نفسها بشكل جيد مع أوضاع القرن العشرين مع احتفاظها بأصالتها العربية وهويتها الإسلامية المميزة، وتثبت بتجربتها قطعـاً صلاحية النظام الإسلامي للتطبيق العلمي في الإدارة والحكم والسياسة لكل زمان ومكان كما تثبت أن الإسلام لا يقف عقبة في طريق التقدم والتنمية بأي حال، فالإسلام أساسه العدالة والمساواة والتقدم والنماء ومضمونه الدعوة إلى التقدم والرقي بالإنسان والشعوب وتنشئتها على أن تسلك مسلكاً طيباً مع الشعوب الأخرى حتى وان اختلفت معها في العقيدة أو المذهب.
ثالثاً:ـ ما تمتلكه الدولة السعودية من ثروة بترولية فجرها الله في أراضيها الصحراوية، حيث أضافت إلى منزلة الدولة مزيداً من الثقل السياسي والاقتصادي فهي تمتلك نحو ربع الاحتياطي العالمي من البترول وبذلك تحتل المركز الأول عالمياً في امتلاك الاحتياطي الثابت وجوده، والمقدر بحوالي 266 مليار برميل بنهاية عام 1989م، وتحتل المركز الثالث عالمياً في حجم ما تنتجه من الزيت الخام والمركز الأول في حجم ما تصدره سنويـاً. وهذا ما هيأ لها توفير السيولة المالية لتنفيذ برامج تنموية طموحة منحتها ميزة أخرى تضاف إلى مميزاتها الأخرى.
رابعاً:ـ أن المملكة السعودية هي القبلة الدينية لما يزيد عن 1000 مليون مسلم في جميع أنحاء العالم لا سيما وأن الإسلام متغلغل في عمق نسيج الحياة اليومية للمسلمين، وبذلك تمتلك السعودية مكانة دينية تمكنها من التأثير السياسي والديني على المستويين الدولي والإقليمي.
خامساً:ـ ما للملكة من تجربة فريدة في بناء أمة متحدة، وما استطاعت أن تحققه من نتائج في تحويل المجتمع من أوضاع القرن الثامن عشر إلى أوضاع القرن العشرين في مدة وجيزة لا تزيد عن خمسة عقود. فقد أخذت الدولة بأساليب التنمية الحديثة وهي ما تزال تحافظ على ثقافاتها وتراثها وهويتها وقيمها الاجتماعية.
والمملكة العربية السعودية والتي تمتلك هذا الطابع الفريد والمميز وهذه الخصائص المهمة، دولة آسيوية تقع في أقصى غرب قارة آسيا وتشغل نحو 80% من مساحة شبه الجزيرة العربية، وتقدر مساحة السعودية بحوالي2.240.000 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها وفقـاً لنتائج تعداد السكان لعام 1993م نحو سبعة عشر مليون نسمة. ويقسم سكان المملكة العربية السعودية بحسب طبيعة حياتهم إلى قسمين هما: البدو الرحل أو غير المستقرين، والقسم الثاني هم المستقرون وينقسمون إلى فئتين، فئة سكان الواحات أو الريف الزراعي والقروي، وفئة سكان المدن. (الشريف 1995م ـ 25) (مشخص 1995م ـ 20) (الفارسي 1991م ـ11).
والمملكة العربية السعودية تمثل في الدراسة الحالية ميدان الدراسة وحدودها المكانية، ومجتمع المملكة العربية السعودية ونظامها السياسي وخططها التنموية تمثل مجتمع الدراسة.
مبررات الدراسة:
إن المتتبع لتاريخ المملكة العربية السعودية منذ نشأتها يلاحظ أن عدداً من المؤرخين وعلماء الاجتماع والصحافيين قد اضطلعوا بمهام الكتابات الموالية للحكومة، والموافقة لتوجهاتها وأهدافها السياسية والاستراتيجية، وهو الحال في كثير من الكتابات التاريخية المماثلة على امتداد التاريخ، وهذه الفئة أخلصت في تدوين كل ما من شأنه تنمية الولاء لدى العامة من رعايا الدولة للحكومة وأفراد الأسرة الحاكمة، وقد رسمت الحكومة بتوجيهاتها المباشرة وغير المباشرة خطوط المنهج والأسلوب لتلك الكتابات المتصلة بتاريخ الدولة ورصد أحوال مجتمعها، ولهذا أتت أغلب الكتابات محدودة الهدف مركزة على انتصارات وإصلاحات ونجاحات ملوك الدولة ورجالاتها السياسيين المتعاقبين على السلطة منذ دخول المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود مدينة الرياض في السابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 1319هـ الموافق للثامن والعشرين من شهر ديسمبر 1901م، وحتى الوقت الراهن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ونادراً جداً ما توجد بحوثـاً علمية اتخذت منحي الحياد لترصد بأمانة علمية مسيرة التاريخ السعودي وواقع مجتمعه خلال الحقبة الزمنية لتاريخ المملكة العربية السعودية.
ومع أن الدولة بكل تقدير حققت تقدماً غير مسبوق في كثير من مناحي الحياة وهو ما يشهد به كثير من المتابعين على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن هذا المستوى الذي بلغته المملكة السعودية من التقدم والنماء لا ينفي وجود كثير من المشكلات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع السعودي حتى اليوم والباحث من خلال عمله في مجال التربية والتعليم والذي استمر فيه ما يزيد على ثمانية عشر عاماً قد لمس ما يلمسه المواطن السعودي في أن المجتمع السعودي يعاني من كثير من المشكلات الاجتماعية الثقافية والتربوية، ويرى كما يرى غيره من المتابعين والدارسين أن الكتابات المحايدة التي تصدت لتلك المشكلات تعد نادرة جداً وهو أمر دفع الباحث للاضطلاع بهذه الدراسة لسد فجوة حاصلة فعلاً في ميدان الدراسات التاريخية والاجتماعية، ولعل ما زاد من قناعة الباحث وحفزه للكتابة في هذا المجال العلمي، أن خطط التنمية الوطنية في المملكة السعودية قد اتخذت منحى جديدًا في اتجاه التركيز على التنمية الاجتماعية، وخاصة في خطتي التنمية الخامسة والسادسة.
وعلى ذلك فإن الباحث سيحاول جاهدًا من خلال دراسته الحالية الإجابة على تساؤلها الرئيس التالي : ما أهم مشكلات التنمية الاجتماعية، الثقافية والتربوية، المترتبة على استراتيجيات التخطيط التنموي في المملكة السعودية ؟.
أهداف الدراســــــــــة.
تهدف الدراسة الحالية إلى ما يلي :
1. الحصر التاريخي للأوضاع الاجتماعية في المملكة العربية السعودية وتطورها خلال فترة ما بعد اكتشاف البترول.
2. حصر مشكلات التنمية الاجتماعية، الثقافية والتربوية، في المملكة السعودية، في فترة تنفيذ خطط التنمية الخمسية، وآثارها السلبية على المجتمع السعودي.
3. تحديد أهم العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في تشكيل وبلورة اتجاهات التنمية الوطنية.
4. تقديم بعض الحلول والمقترحات العلمية والعملية لتلافي سلبيات خطط التنمية الاجتماعية، الثقافية والتربوية، في المملكة السعودية، واتخاذ التدابير اللازمة لتطوير البناء الاجتماعي الثقافي والتربوي.
أهمية الدراســـــــــة:
تعود أهمية الدراسة الحالية إلى ما يمكن أن تقدمه من قاعدة معلومات تاريخية عن تطور النواحي الاجتماعية، الثقافية والتربوية، في المملكة السعودية خلال ستين عامًا من فترة النهضة والنمو الاقتصادي، وإلى منهجها العلمي الحديث الذي سيمكن الباحث من عرض مشكلات التنمية الاجتماعية الثقافية والتربوية، واقتراح الحلول العلمية والعملية لتلافيها، وإلى كونها في حدود علم الباحث بعد البحث والاستقصاء، تعد من الدراسات الرائدة في مجالها، لما توليه من اهتمام خاص بتطور تاريخ التربية والتعليم خلال فترة النهضة الاقتصادية في المملكة السعودية، وإلى النتائج التي يمكن أن يصل إليها الباحث، وتساعد المسئولين عن التخطيط التنموي في المملكة السعودية على تطوير استراتيجيات وبرامج وخطط التنمية الوطنية بما يضمن لها التكامل والشمول والمرونة لتتلاءم مع طموحات المجتمع السعودي المعاصر والمستقبل.
حدود الدراســـــــــة.
للدراسة الحالية حدود مكانية وزمانية وموضوعية، كما لغيرها من الدراسات التاريخية والاجتماعية، وحدودها على النحو التالي :
الحدود الزمانية :
تغطي الدراسة الحالية الأحداث التاريخية المؤثرة في مدخلات التنمية الوطنية ومخرجاتها، والمتصلة بالتنمية الاجتماعية على وجه الخصوص في الفترة الممتدة من تاريخ اكتشاف البترول في المملكة السعودية اعتبارًا من منتصف عام 1357 هـ الموافق لعام 1938م، وحتى الوقت الراهن.
الحدود المكانية :
تخص الدراسة الحالية المجتمع السعودي دون غيره، وبذلك تكون دولة المملكة السعودية هي ميدان الدراسة، وحدود الدولة السياسية هي حدود الدراسة المكانية.
الحدود الموضوعية :
تتصل الدراسة الحالية مباشرة بمجالات دراسة التاريخ وتبحث في مشكلات التنمية الاجتماعية، وعلى ذلك فإن مجالها الرئيس هو علم التاريخ، ومجالها الفرعي هو علم الاجتماع التنموي، وموضوعاتها الرئيسة هي:
1. البترول والتغييرات المصاحبة له في المجتمع السعودي.
2. استراتيجيات التخطيط التنموي في المملكة السعودية.
3. مشكلات التنمية الاجتماعية الثقافية والتربوية في المملكة السعودية.
منهـــــج الدراســــة.
يستخدم الباحث في هذه الدراسة المنهج التاريخي، والذي يعد منهجًا شائع الاستخدام لدراسة ظواهر تاريخية أو اجتماعية حدثت في الماضي، والباحث في استخدامه هذا المنهج لن يقف على مجرد جمع المعلومات من مصادرها الرئيسة والثانوية، ونقدها، ومن ثم تبويبها وترتيبها وإخراجها إخراجًا يختلف في الشكل ويتفق في المضمون مع دراسات سابقة، بل سيستخدم الباحث المنهج التاريخي بأسلوبه العلمي القائم على الرصد والتحليل والاستنتاج المبرر بالأدلة والبراهين العلمية، وهذا هو الاتجاه الصائب للمنهج التاريخي الذي يراه كثير من علماء مناهج البحث العلمي، والذين يصطلحون على تعريف المنهج التاريخي بأنه " عبارة عن إعادة للماضي من خلال الإجابة على سؤال يتصل به بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها، وعرضها عرضًا علميًا دقيقًا في المدلول والإخراج والتوصل منها إلى استنتاجات علمية مبرهنة تفيد في بناء الرؤية التاريخية أو تصويبها ". (العساف 1995م ـ ص 282).
الفصل العاشر : المشــــــــكلات الاجتماعية:
من المسلم به أن التربية والتعليم من أهم وسائل صناعة التغييرات الاجتماعية، وأصبح من البديهي إدراك العلاقة المتبادلة بينها وبين التنمية البشرية المستديمة، ولأهمية هذه العلاقة فقد أولتها معظم دول العالم الاهتمام وركزت عليها الجهود لتحقيق أفضل المخرجات المرغوبة واللازمة للتنمية البشرية، والمملكة السعودية وبعد رحلة بناء امتدت ما يقرب السبعة عقود، حققت خلالها مجموعة من النتائج الإيجابية على طريق التنمية الشاملة، أخذت في السنوات الأخيرة تحصد ثمرات زرعها وتجمع أرباح استثماراتها في مجال التربية والتعليم، ومع ذلك فلا تزال هناك مجموعة من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السعودي قد تعزى إلى مجموعة من الأسباب ومن بينها النظام التعليمي، وسيتناول الباحث في هذا الفصل أهمها كنماذج لما ينبغي دراستها وتقصي أسبابها واقتراح الحلول الملائمة لتلافيها.
الأميـــــــــــــة:
تعتبر الأمية من أخطر المشكلات التي تواجه جهود التنمية والتقدم، فمن وجهة النظر الاقتصادية يعتبر الفرد الأمي طاقة إنتاجية شبه معطلة، لا يمكن الاعتماد عليها عند رسم الخطط التنموية، وتؤكد كثير من الدراسات المتخصصة أنه من الصعب تحقيق خطة تنموية طموحة في مجتمع تسود الأمية أبنائه بنسبة تزيد عن 75% ما لم تبذل جهودًا مكثفة في مجال محو الأمية لإدراج الطاقات الاجتماعية المعطلة في كوادر التنمية.والأمية بدون شك تؤدي إلى بروز مشكلات اجتماعية أخرى تتطلب مالاً وجهدًا ووقتًا لعلاجها، وتستنزف طاقات الدول التي ينبغي توجيهها نحو تطوير التنمية وتحسين مخرجاتها.
ومشاركة الأميين السلبية في التنمية يمكن النظر إليها من زوايا أخرى، فالملاحظ أن كثيرًا من الأنماط السلوكية والعادات السلبية، يقبل عليها الأميين بشكل يؤثر على التنمية والمجتمع، فالمبالغات في مناسبات الزواج والولائم، وعدم الالتزام الوظيفي، وعدم احترام الأنظمة الاجتماعية، وعدم الاكتراث بتعليم الأسرة، والجمود الفكري، وتكديس الأموال في المنازل، والإسراف في استهلاك الطاقة، جميعها أنماط سلوكية تقلل من فاعلية التنمية وانطلاقها، هذا بالإضافة إلى أن الأمية قرينة تدني الصحة العامة، والبطالة، والفساد الاجتماعي، والقيم الهابطة مثل عدم تقدير الوقت، وعدم الاهتمام بنظافة البيئة، وعدم التعاون مع الجهات المسئولة، وهي مشكلات تؤدي بالضرورة إلى إعاقة تنفيذ برامج التنمية المنشودة.
والأمية فوق أنها مظهر من مظاهر التخلف الاقتصادي وعائق من عوائق التنمية، فهي أيضًا مظهر من مظاهر التخلف التقني والسياسي والحضاري، لذا فإن تقدم الأمم ورقيها يقاس في الغالب بعدد المتعلمين فيها، وبكثرة إنتاجها الفكري والثقافي، وباستقرار نظامها السياسي والاقتصادي، وبالمخترعات والابتكارات، وبمدى تأثيرها على تقدم الأمم والدول الأخرى، وبمدى مشاركتها في النمو الحضاري العالمي، وهذه المقاييس لا يمكن أن تنطبق على مجتمع تسوده الأمية والجهل والتخلف.
فنسب الأمية في مجتمع ما، تعد أحد المؤشرات البارزة لمستوى التنمية بشكل عام والتنمية البشرية بشكل خاص، كما يدل انخفاضها على درجة نجاح المجتمع في نشر التعليم وسد منابع الأمية، والمملكة العربية السعودية ورغم ما بذلته من جهود متقدمة في مجال نشر التعليم، ورغم المشاركات المختلفة من جميع قطاعات الدولة لتنفيذ الخطة العشرينية لمحو الأمية التي اعتمدت بالمرسوم الملكي رقم 22 في عام 1972م، ورغم توفير الدولة كثيرًا من الإمكانات المطلوبة لمواجهة خطر الأمية، إلا أن الخطة العشرينية لمكافحة الأمية واجهت العديد من المشكلات التي جعلت الإنجازات المتحققة أقل من الطموحات، ومن أهم هذه المشكلات ما يلي :
1. قلل المناخ الاقتصادي المزدهر بالمملكة العربية السعودية من أهمية الحوافز المادية المقررة في الخطة، وأضعف في نظر الأميين من أهمية التعليم باعتباره ضرورة تنموية لتحقيق الرخاء لعدم حاجتهم إليه بعد انفتاح فرص تحقيقه بدون التعليم وانصرافهم إلى اغتنام فرص الثراء المتاحة بوفرة ويسر.
2. المكانة الاجتماعية للتعليم والعلم عامة لا تحتل مرتبة متقدمة في نظر الأميين قياسًا بنظرتهم للقيم الأخرى مثل الثراء المادي والأصل الاجتماعي.
3. ضعف الاتصال المباشر واللازم لتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتكامل ضمن إطار خطة التنمية الشاملة بين المؤسسات العامة المضطلعة بمكافحة الأمية، مثل وزارة المعارف، والرئاسة العامة لتعليم البنات، ومراكز التدريب المهني ومراكز الشباب والمراكز الصحية والزراعية ومراكز التنمية والخدمات الاجتماعية ومراكز التدريب بالقوات العسكرية والأمنية، والشركات والمصانع وأجهزة الأعلام.
4. تسرب بعض التلاميذ من التعليم الابتدائي قبل إتقانهم مهارات القراءة والكتابة.
5. تسرب بعض الدارسين في مراكز محو الأمية في السنوات الأولى من الخطة العشرينية، حيث قدر التسرب بحوالي 45% في الصف الأول مكافحة، وبنحو 12,5% في الصف الثاني متابعة.
6. القصور في الخبرات اللازمة لتنفيذ الخطة وبلوغ تحقيق أهدافها الطموحة للقضاء على الأمية وإمداد برامج التنمية الوطنية بالقوى البشرية القادرة على الإنتاج، وهو قصور فني تمثل فيما يلي :
أ- عدم كفاءة معظم المضطلعين بتنفيذ الخطة من إداريين ومعلمين خاصة في إدراك الفروق المهمة بين تعليم الصغار وتعليم الكبار.
ب- ندرة المتخصصين في النواحي الفنية لتعليم الكبار ومحو الأمية بالمملكة السعودية وخاصة ما تعلق منها بعمليات التخطيط والبرمجة وبناء المناهج والمواد والوسائل التعليمية.
هذا بالإضافة إلى صعوبات تتصل بعدم وضوح الرؤية لدى كثير من العاملين في برامج محو الأمية لأهداف محو الأمية وأهميتها، وغياب الكثير من وسائل الأعلام، وقلة فرص تدريب العاملين في تنفيذ برامج الخطة، ولقلة الأبحاث والدراسات المتخصصة الهادفة إلى تقويم البرامج ومنجزاتها، وعدم وضوح الإحصاءات الحقيقية عن حجم الأمية خلال الفترة التي شملتها الخطة، ومع ذلك فقد استحقت المملكة السعودية الحصول على جائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 1996م، لإنجازاتها المتميزة في مجال محو الأمية ونجاحها في خفض نسبة الأمية إلى 15% بين الرجال، و35% بين النساء، وقد حققت المملكة السعودية ذلك من خلال جهودها في مراكز محو الأمية، والحملات الصيفية، ومراكز التنمية الاجتماعية، والتجارب الميدانية، بعد أن كانت نسبة الأمية لأفراد المجتمع الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة،في عام 1980م، 83,8%. (السنبل 1996م ـ ص 430).( الجلال 1995م ـ ص 36).
والخطير في موضوع الأمية هو تجددها باستمرار في جوانب لم تغطيها الخطط والاستراتيجيات التعليمية، فمع تسارع التطورات العالمية في مجالات التقنية والتكنولوجيا وهندسة الاتصالات، ولهاث الدول النامية لمواكبة رتم التطورات المتلاحقة في الدول المتقدمة، نشأت أنواع جديدة للأمية، مثل الأمية التقنية، والأمية التكنولوجية، ولم تكد الدول النامية الخروج من مأزق الأمية التعليمية، حتى داهمتها أمية أخرى،تقتضي مكافحتها بذل جهود جديدة ولسنوات عديدة، وإذا لم تدرك الأمم أهمية قراءة المستقبل فتظل تتحدث باستمرار عن معاناتها من الأمية، وستظل تستجدي المساعدات الدولية لمكافحة أميتها المتنامية.
وأمام هذا الواقع المؤلم، وهذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة، فإن الباحث يرى أن على المملكة السعودية أن تعيد النظر في تعريف الأمية، وتحديد حجمها من خلال الإحصاءات الدقيقة، من أجل التخطيط السليم لمكافحتها بأساليب علمية تقوم الحاضر و تستقرئ المستقبل وتخطط للمدى البعيد، وعليها لبلوغ أفضل النتائج المرغوبة إتباع الإجراءات التالية :
1. تقرير أن محو الأمية ليس إجراء هامشيًا ترفيًا تقوم به الدولة إذا أمكنها ذلك، بل هو واجب وطني على كل من الدولة والمواطن ينبغي القيام بها على كل المستويات وفي كل الأجهزة الحكومية والأهلية.
2. تكريس تعميم التعليم الأساسي ليصل استيعابه للفئات المستحقة للتعليم إلى 100%.
3. تطوير أجهزة التخطيط والإدارة المركزية، وتطوير الكوادر العاملة في مجال محو الأمية بكل أنواعها من خلال برامج التدريب المكثفة والمتواصلة بما يتلاءم مع متطلبات و مستجدات التخطيط والبرمجة.
4. ضمان ربط برامج محو الأمية بالاحتياجات الفعلية والمعطيات البيئية للفئات المستهدفة، مثل الصحة والغذاء ورعاية الأسرة والزراعة والصناعة والتقنية والتكنولوجيا والسياسة والاقتصاد والمشكلات الاجتماعية.
5. جعل برامج محو الأمية مقترنة بالإنتاج للفئات العاملة، وإيجاد برامج إنتاجية لمن لا يعملون بحيث يتم التعليم من خلال العمل.
6. استخدام أساليب التعليم غير النظامي عبر الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الثقافية والأهلية والجهود التطوعية.
7. التركيز على تدعيم برامج التعلم الذاتية، والتعليم المستمر، لضمان عدم الارتداد للأمية.
8. ضرورة الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال مكافحة الأمية بأنواعها، والاستفادة من الدراسات والآراء العلمية المعاصرة.
البطــــــــــــالة:
قد لا يصدق السامع لأول وهلة بوجود بطالة في المملكة السعودية، خاصة وأن حجم العمالة الأجنبية فيها وصل إلى ما نسبته 68,5% من مجموع القوى البشرية العاملة وهذا ما ورد في تقديرات (بيركس وستكلير) في عام 1990م. (نور 1993م ـ ص 25).ونسبتهم اليوم لا تقلّ كثيرًا عن هذه النسبة. إلا أن الواقع يثبت وجود نسبة من البطالة، وهي غير محددة النسبة، لعدم توفر إحصاءات دقيقة توضح حجمها في المملكة السعودية، وهناك مؤشرات غير مباشرة تظهر تفاقم مشكلة البطالة وقد رصدها أحد الباحثين، مثل الحملات الإعلامية المكثفة بشأن تشغيل المواطنين، وضرورة حمل القطاع الخاص على توظيفهم.(فرجاني 1994م ـ ص 28).
وتؤكد دراسة الفارس بوجود بطالة حقيقية وبطالة مقنعة بين الخريجين والخريجات في دول مجلس التعاون الخليجي تتفاوت نسبها بين دول المجلس. (الفارس 1994م ـ مقالات).
ولاشك أن بداية ظاهرة البطالة في المملكة السعودية ليس بسبب عدم توفر فرص العمل لكنها قد تعود إلى الأسباب التالية :
1. منافسة العمالة الأجنبية برخص أجورها وتدريبها وقبولها لظروف العمل الشاقة وفي المناطق النائية، وهي الظروف التي لا يقبل بها المواطن حتى في حالة عدم توفر البديل.
2. رغبة المواطن العمل في أماكن جغرافية بمواصفات تتلاءم مع رغباته، ويزداد الإصرار عند الإناث لتوفير هذا الشرط لاعتبارات اجتماعية متعددة.
3. ضعف توافق مهارات وخبرات القوى العاملة الوطنية مع احتياجات سوق العمل وخاصة في قطاعات الصناعة والزراعة والمهن، وكثيرًا ما يبرر أصحاب العمل بهذا السبب انصرافهم إلى استقدام العمالة الأجنبية.
4. قلة مشاركة المرأة السعودية في العمل بالقطاعين العام والخاص،حيث لم تصل نسبة مشاركتها في وظائف الخدمة المدنية إلى 7%، ولم تصل في قوى العمل بالقطاع الخاص إلى ما نسبته 1% وهو الأمر الذي رفع من نسبة البطالة في المجتمع السعودي.(الشقاوى 1994م ـ ص 96).
والمخرج الحقيقي من أزمة البطالة يتمثل في وجوب إعداد القوى البشرية الوطنية العاملة لتضطلع بالعمل في جميع القطاعات من خلال نظام تعليمي ذو كفاءة عالية يستجيب للطلب في سوق العمل بمخرجات تمتلك المهارات والكفاءات اللازمة للإنتاج، وفي فتح باب المشاركة الكاملة للمرأة السعودية في التنمية بكل جوانبها ويرى الباحث أن على النظام التعليمي ليوفي بهذه الشروط أن يتمتع بالمعاصرة والمرونة والتطور المستمر الذي تقتضيه التنمية، وعلى الحكومة السعودية أن تتوسع في التعليم المهني والفني للبنين والبنات ودمجه في التعليم العام وربطه بمتطلبات سوق العمل ومؤسسات الإنتاج، وإتاحة فرص التدريب المستمر لجميع العاملين لضمان تطوير أدائهم، ومن الناحية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية فإن الباحث يرى ضرورة تبني الحكومة السعودية للاستراتيجيات التالية :ـ
- رفع تكلفة العمالة الأجنبية الوافدة عن طريق إقرار الرسوم والضرائب إلى الحد الذي يجعل الكلفة أعلى من كلفة العمالة الوطنية.
- توجيه العائدات من رفع تكلفة العمالة الأجنبية الوافدة إلى دعم برامج توظيف المواطنين وتدريبهم على مهارات العمل المطلوبة.
- توجيه الاهتمام للتخطيط لعمل المرأة السعودية ومواجهة الظروف الاجتماعية التي تحد من مشاركتها بما يتوافق مع ثقافة المجتمع وتقاليده ومعتقده.
- وضع خطط علمية دقيقة، قصيرة المدى وبعيدة المدى لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية في جميع قطاعات التنمية.
- ضرورة التوعية بقيم العمل وتنميتها عبر وسائل التربية والتعليم ووسائل الأعلام، وإبراز الدور المهم للمشاركة الوطنية في التنمية.
- أخيرًا لابد من القرار السياسي الجريء لحل الأزمة التي يلوح شبحها في الأفق، وقد تتحول إلى عائق حقيقي للتنمية في المستقبل إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة لتلافيها.
العمالة الأجنبية الوافدة:
العمالة مشكلة لا تخلو منها أية دولة سواء كانت نامية أم متقدمة، ومشكلة العمالة عنصر معقد في معادلة معقدة تواجه الدول التي تقود عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي مشكلة تختلف في عناصرها ومكوناتها وطرق معالجتها من دولة إلى أخرى.وأكثر عناصر هذه المشكلة تعقيدًا يكمن في اختلال التوازن بين العرض والطلب بسوق العمل في ظل ندرة النوعية والكمية للعمالة أو في كليهما.
والمملكة السعودية من الدول النامية التي واجهت وتواجه اختلالاً في سوق العمالة، واختلالاً في التوازن بين العرض الشحيح والطلب المتنامي بسبب التنمية،الأمر الذي اضطرها للحل العاجل من خلال استقدام العمالة الأجنبية، ورغم أن الحل لم يكن بهذه البساطة في اتخاذ القرار السياسي، لما ترتب على القرار من آثار سلبية برزت مستقبلاً، فالعمالة المستقدمة شكلت عبئًا على نتائج التنمية على المدى المتوسط والطويل، ولعل من أهم المبررات لاستقدام المملكة السعودية للعمالة الأجنبية وتناولتها بعض الدراسات ما يلي :.
1. فتوة السكان السعوديين المواطنين حيث يمثل مادون سن الخامسة عشرة منهم من 1-5% من جملة السكان .
2. ضعف مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل .
3. انصراف معظم الشباب السعودي للتعليم .
4. استمرار احتياج الأجهزة الأمنية والعسكرية والتعليم للموظفين .
5. وجود فرص عمل اقتصادية بديلة للمواطنين السعوديين تغنيهم عن العمل المأجور .
6. تدني أجور العمال الأجانب المستجلبين للعمل ، وقبولهم بظروف الأعمال الشاقة التي يرفضها المواطنين ( الجلال 1995م – ص 108) .
وقد أدى الاعتماد على العمالة الأجنبية الوافدة إلى حدوث بعض الظواهر والمشكلات الاجتماعية الأخرى منها ما يلي :
- ضعف إنتاجية العمالة والتطور المهني التخصصي.
- تخلف تطوير الموارد البشرية المواطنة.
- تركز العمالة الوطنية في قطاعات الخدمة المدنية.
- اعتماد الصناعة على العمالة الوافدة.(م 74 ـ النوري 1993م ـ ص 75).
ولعل أهم المشكلات التي نشأت عن استقدام العمالة الأجنبية الوافدة هي مشكلة التأثير الاجتماعي في البلاد وتغير كثير من العادات والقيم الاجتماعية نتيجة انتقال الثقافات الأجنبية المكثف وانصهار المجتمع فيها دون خيار، ففي إحدى الدراسات التي تناولت مدى التغير في القيم لدى المجتمع السعودي نتيجة استخدام العمالة الأجنبية أظهرت نتائجها تزايد مشكلات النفور من الأعمال اليدوية، واختلال التصور بين العمل والدخل، وتزايد ظاهرة الاستهلاك، وتناقص الوعي والإحساس بالمشكلات الاجتماعية، وتزايد ظاهرة الانفصال الأسري بين الأبناء والآباء.(شلبي 1988م ـ ص 242).
والباحث يرى أن الحل لمشكلة العمالة الأجنبية الوافدة لا يكمن في الاستغناء عنها بالإحلال العشوائي، فذلك سيؤدي إلى مشكلات أعمق، ولكن التخطيط السليم ينبغي أن يبدأ من القواعد ويتجه تدريجيًا إلى تحقيق هدف الإحلال العلمي المنظم، والذي يجنب الدولة الوقوع في مشكلات جديدة، والإحلال القاعدي يمكن أن يتم من خلال النظام التعليمي بربطه بمتطلبات التنمية وتطويره المستمر، وقد سبق إيضاح إمكانية تحقيق ذلك في طروحات سابقة، ومن خلال زيادة ضوابط الاستقدام بهدف قسر القطاع الخاص على تشغيل العمالة الوطنية بعد تأهيلها وتدريبها على العمل والإنتاج، وبهذا التصور لا بد من قرار سياسي يتواكب معه نشاط وافر لعمليات التطوير التربوي والتعليمي، وتغيير توجهات القطاع الخاص نحو الربح بعيدًا عن تنمية القوى البشرية المواطنة.
الفصل الحادي عشر
استشراف مستقبل التنمية الاجتماعية
• تمهيـــــــــــــد.
• استشراف مستقبل التربية والتعليم.
• نحو مستقبل التعليم للإتقـــــــان.
• استشراف مستقبل التكنولوجيا.
• استشراف المستقبل التنموي.
• التربية عين المستقبل.
الفصل الحادي عشر : استشراف مستقبل التنمية الاجتماعية:
تمر منطقة الشرق الأوسط بمجموعة من الأحداث والمتغيرات السياسية والعسكرية المعقدة والمؤثرة بشكل مباشر على أوضاع دولها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، وهي أحداث تستوقف أنظمة الحكم والمجتمعات عند نقاط الضعف والإخفاقات، وتدعو الدول وبخاصة العربية منها إلى ضرورة إعادة النظر في بناءاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتخاذل المواقف العربية تجاه القضايا الإقليمية والدولية المعاصرة، وازدياد هوة الخلافات، وتبعية الأنظمة السياسية للقوى الأجنبية المتغطرسة، والمسيطرة على المقدرات والموارد القومية، واستغراق المجتمعات العربية في الأمية السياسية والتكنولوجية، وتدني مستويات التعليم وعدم وفاء مخرجات أنظمته بمتطلبات التنمية، وقصر النظر إلى المتغيرات المتوقعة في المستقبل، كلها قضايا ومشكلات تزيد من الانعزالية والتقوقع، وتقود إلى مستقبل يزيد في ظلمته عن الحاضر الذي تعيشه الدول العربية اليوم.
وما أحداث حرب الخليج الأولى، والثانية، وأحداث الاعتداءات الأخيرة على العراق بدوافع السيطرة وفرض الانقياد بالقوة، إلا مؤشرات على حجم المعاناة التي تعيشها مجتمعات المنطقة العربية في ظل حكوماتها المتخاذلة أمام الأطماع العالمية و المستفيدة من الأوضاع الراهنة لفرض سياسة عالمية جديدة، وإرسال الرسائل السياسية والعسكرية إلى دول العالم بأسره، وهذا هو قدر الشعوب العربية المحرومة في ظل حكوماتها غير الديموقراطية من أقل الحقوق السياسية و الاجتماعية لتقرير المصير الحاضر والمستقبل.
لقد أكدت الأحداث السياسية في منطقة الخليج مجموعة من مواطن الخلل لعل من أهمها مايلي :
1. أن الكيانات الصغيرة جغرافيا أو بشريا أو اقتصاديا أو عسكريا لا تتحمل الأخطار الكامنة.
2. أن الاستعدادات العسكرية لم تكن بقدر التهديدات العدوانية رغم ما أنفق عليها من أموال بعيدا عن التخطيط السليم.
3. أن العمل الدبلوماسي و الاستخباراتي والتوقعات الاستراتيجية في المنطقة لاكتشاف مكامن الخطر لم تكن على مستوى المرحلة.
4. أن المساعدات الخارجية والعلاقات الاقتصادية لم تحدث أثرها مع الدول العربية الأخرى.
5. أن النشاط الإعلامي لم يكن مؤثرًا في الخارج مقارنة بوسائل الأعلام المضاد.
6. أن التركيبة السكانية تمثل قنابل موقوتة بعيدة الأثر اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.
7. أن حجم وتركيبة العمالة الأجنبية الوافدة وطريقة التعامل معها ذات آثار سلبية اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.
8. أن القاعدة الاقتصادية والنظام المالي والنقدي معرض ببساطة للأخطار والانتكاسات السريعة بسبب الاعتماد المباشر على البترول كمصدر وحيد للدخل القومي، واهتزاز الثقة بأسعاره عند حدوث الأزمات.
9. المفارقة الكبيرة بين إرادة القيادات السياسية العليا ومستوى أداء الأجهزة التنفيذية في جميع القطاعات.
10. عدم تمثيل القيادات السياسية للشعب ويبدو ذلك في المفارقات الواضحة بين الإرادة السياسية ورأى المجتمع.
11. عدم وفاء أنظمة التعليم بمتطلبات التنمية ومتطلبات مواجهة الأخطار العدوانية.
12. افتقار كثير من أجهزة التخطيط والتنظيم للرؤية الصائبة تجاه الأحداث والمتغيرات المعاصرة والمستقبلية.
والمملكة السعودية وهي إحدى دول الخليج التي دفعت حساب فواتير الإخفاقات من حقوق الشعب الحالم بالرفاهية، أدركت حجم الخلل، ولعلها تبحث عن خلاص حقيقي من مسببات الإخفاق على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والباحث كأحد أفراد المجتمع السعودي الداعي إلى ضرورة التغيير بما يحقق هدف التخلص من مسببات الإخفاق، يقترح تبني الإجراءات التالية :
1. ضرورة إعادة النظر في بناء أنظمة الحكم والإدارة التشريعية والتنفيذية بما يتوافق مع الظروف المعاصرة والآمال المستقبلية، وإتاحة الفرصة للمشاركة المنظمة للمواطنين بكافة فئاتهم في الرأي واتخاذ القرار.
2. تبني سياسة سكانية واضحة تراعي التجانس الثقافي والاجتماعي، وتشجع الزيادة الطبيعية للمواطنين وتوفير أسبابها المادية بالدعم المالي والتعليم والصحة، وتطوير أنظمة التجنيس والإقامة بأنواعها وفق خطط موضوعية وأهداف قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى تطال الحاضر والمستقبل بحسب الحاجة.
3. تطوير أنظمة التعليم بما يتوافق مع متطلبات التنمية ومواجهة التحديات المستقبلية.
4. تطوير الأعلام ليقوم بدوره الإيجابي في التثقيف والتربية والتوعية بأهمية المشاركة الاجتماعية المنتجة.
5. رسم خطط تنموية متوازنة اقتصاديًا واجتماعيًا بما يحقق العدالة والشعور بالتوحد والمساواة وإلغاء الطبقية.
6. الاعتماد الأساسي على المواطنين في أجهزة الدفاع والأمن والمناصب القيادية والإشرافية في الإدارة العامة وفي القطاع الخاص.
7. تطوير أنظمة الدفاع بما يحقق مبادئ الاعتماد على النفس، وتعميم نظام التجنيد الإجباري ونظام الاحتياطي الدائم، ومراعاة تناسب نوعية التسليح مع القدرات البشرية، ورفع مستوى كفاءة التدريب والإعداد.
8. توجيه السياسة الخارجية ونظام المساعدات والتعاون الاقتصادي بما يتفق مع المصالح الوطنية وتغير الظروف وتقلب التوجهات، وبما يلائم كل الفرضيات المستقبلية.
9. تطوير العمل الدبلوماسي، والدراسات الاستراتيجية، وأجهزة جمع المعلومات، بما يزيد من كفاءة الاستكشاف واستقراء التوجهات الحاضرة والمستقبلية.
10. تعزيز واستكمال مسيرة الخصخصة للمؤسسات الصناعية والتجارية، وتطوير سياسة تنويع مصادر الدخل القومي بما يحقق هدف الخلاص من تقلبات أسعار البترول في السوق الدولية وآثارها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية الوطنية.
11. ضرورة الوعي بالمطامع الخارجية وتوعية المجتمع بها من خلال الأعلام وأنظمة التعليم، ورسم السياسات اللازمة للتصدي لها.
12. ضرورة توظيف التكنولوجيا المتطورة في جميع قطاعات الدولة العامة والخاصة، واستثمارها في عمليات التطوير والتحديث، والإحلال محل النقص في الأيدي الوطنية العاملة.
استشراف مستقبل التربية والتعليم:
لقد أكدت كثير من دول العالم منذ أكثر من أربعين عامًا من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن التربية والتعليم حق لكل إنسان، وعلى الرغم من الجهود المبذولة في كثير من دول العالم لضمان حق التربية للجميع، إلا أنه ما تزال هناك الكثير من المشكلات التي تدعو دول العالم إلى البحث عن حلول ناجعة للتغلب عليها، وقد تجسدت أهم تلك المشكلات العالمية فيما يلي :
1. أكثر من 100 مليون طفل في العالم لا سبيل لهم للالتحاق بتعليم ابتدائي.
2. أكثر من 960 مليونًا من الراشدين، ثلثاهم من النساء هم من الأميين، وأن محو الأمية الوظيفي يمثل مشكلة بارزة في جميع دول العالم.
3. أكثر من تلت الراشدين في العالم لا سبيل لهم إلى المعرفة المطبوعة، ولا سبيل لهم إلى مهارات وتقنيات جديدة من شأنها أن تحسن من نوعية حياتهم وتساعدهم على التشكيل والتكيف مع التغيرات الاجتماعية والثقافية المتواصلة.
4. أكثر من 100 مليون طفل، وأعدادًا من الراشدين لا حصر لهم، يتعذر عليهم إكمال برامج التربية الأساسية، وملايين آخرين رغم استكمالهم متطلبات الحضور للبرامج لكنهم لا يكتسبون المعارف والمهارات الأساسية اللازمة كحدود دنيا لمحو الأمية. (الإعلان العالمي حول التربية للجميع 1990م).
هذه المشكلات المثقلة تزايد الإحساس بها في الوقت الذي يواجه فيه العالم مشكلات كثيرة مثبطة للهمم، فمن ديون متزايدة تلهب مخاطر الركود والتراجع الاقتصادي، إلى نمو سكاني متسارع ومتنام، واتساع في التفاوت الاقتصادي بين الأمم، و فضائع في الحروب، وصراعات أهلية، وجرائم عنف وإرهاب دولي، ووفاة الملايين من الأطفال بأسباب الحروب والحصارات الدولية والمجاعات، وانتشار الأمراض والأوبئة نتيجة التدهور البيئي وإساءة استخدام الطاقة والموارد البيئية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى أي مستقبل يتجه العالم ؟، و أي مصير ينتظر الدول النامية والفقيرة ؟
لقد أدت هذه المشكلات وغيرها في الثمانينات من هذا القرن إلى انتكاسات كبرى في مجال التربية الأساسية في العديد من البلدان الأقل نموًا، وكان النمو الاقتصادي متوفرًا في بلدان أخرى لتمويل التوسع في برامج التربية، ومع ذلك ضلت ملايين عديدة من البشر أسرى للفقر والأمية، وأدى تخفيض الإنفاق الحكومي كذلك في بعض البلدان الصناعية خلال فترة الثمانينات إلى تدهور حالة التربية.
والمملكة السعودية مرت بظروف أمنية واقتصادية معقدة تزايدت حدتها خلال أحداث حروب الخليج التي تحملت ميزانياتها للسنوات الثمان الماضية كثيرًا من أعباءها المالية، وبالتالي ترتب على ذلك تأثيرات سلبية انعكست على مستوى تنفيذ برامج التنمية في جميع المجالات.ولعل ما تعانيه موازنة الدولة السعودية اليوم من عجز متنام لدليل واضح على حجم الأثر الذي طال الدولة والمجتمع السعودي في ظل التخطيط الضيق المدى وعدم استشراف المستقبل.
إن التطورات التي بلغها العالم في السنوات الأخيرة من القرن العشرين الميلادي لتعطي مؤشرات واضحة على أن القرن القادم لا مكان فيه للكيانات الصغيرة المتخلفة، ففي ظل تطور التكنولوجيا، وسباق دول العالم المتقدمة نحو تسيد العالم، وتفجر المعارف وتطور الاتصالات، ودخول العالم بعمق في مفهوم العولمة، جميعها دلائل على أن القرن القادم قرن السيادة للعلم والمعلومات المتطورة الاستراتيجية والثقافية، فمن لا يملك نظامًا تعليميًا متطورًا قادرًا على بلوغ الهدف بكفاءة عالية، فسيظل يلهث وراء المستجدات، ولن يبلغ حلم المشاركة بابتكار الجديد، ولهذا فانه من أولويات التخطيط والعمل الحاضرة والمستقبلية إعادة النظر في الأنظمة التعليمية وتطويرها بما يتوافق مع خصائص الحاضر ويفي بمتطلبات المستقبل.
إن التعليم عملية صناعة المستقبل، وأن النظام التعليمي لا تصدق رؤيته وتقويمه وتوجيهه إلا في ضوء سياقه الاجتماعي والاقتصادي، وما يتضمنه من قوى واتجاهات وأهداف وقيم وإمكانات، وما يتنبأ به لدراسة مستقبله. ولكي يصبح التعليم أداة فعالة في صنع المستقبل واستثمار فاعل طويل الأجل، فلا بد أن تنطلق خططه وجميع عملياته من استشراف علمي للمستقبل، فمن المسلم به أن أي رسم تصوري للمستقبل لا يقوم على أساس علمي لا يعدو كونه مجرد خيالات وأمنيات لا يمكن الاعتماد عليها في وضع مخططات سليمة تتفق مع الواقع المنتظر والمأمول، ونقطة البداية في الرؤية الواقعية للمستقبل تكمن في البحث عن مؤشرات الحاضر التي يمكن أن يؤثر تطورها في صناعة المستقبل، ولعل أهم متطلبات الاستشراف للمستقبل التربوي مايلي :
1. رسم صورة واضحة للمستقبل تتضمن مستوى الطموح العام للمجتمع كما تتضمن المشكلات المتوقع مواجهتها.
2. رسم استراتيجية للتحرك نحو ذلك المستقبل.
3. تحديد نقاط البداية للتحرك في ضوء إمكانات الحاضر ومتطلبات المستقبل.(حسان1993م ـ ص 143).
وقد أقر الإعلان العالمي حول التربية للجميع 1990م، أهمية التوفير الكامل للتربية الأساسية واستخدامها بصورة فعالة لتحسين حالة الفرد والمجتمع، وقرر أن توفيرها يقتضي وضع سياسات مساندة في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويعتمد توفيرها على التزام سياسي وإرادة سياسية تدعمها إجراءات مالية مناسبة وتعززها إصلاحات تربوية تستشرف المستقبل وتلبي احتياجاته من خلال إتاحة الاتصال الوثيق بالمعارف التكنولوجية والعلمية المتطورة. (الإعلان العالمي حول التربية للجميع 1990م).
نحو مستقبل التعليم للإتقـان:
يكاد يتفق جميع المهتمين بالتربية والتعليم على أهمية استخدام الاستراتيجيات والتقنيات التربوية المعاصرة من خلال التربية المدرسية، وأولها أساليب التعلم الذاتي والتعليم للإتقان، والسبب وراء ذلك ما يعول عليها من حلول منطقية علمية وموضوعية لعلاج مشكلات التحصيل الدراسي، وتحسين نواتج العملية التعليمية بما يتوافق مع الطموحات التنموية الموجهة في جلها نحو المهنة وتطوير الصناعات أعمدة الاقتصاد المعاصر، والتي تتطلب الإتقان المهاري.
والتعليم للإتقان يقوم في أساسه على إتاحة الفرص لكل متعلم ليسير في تعلمه بسرعته التي تتوافق مع خصائصه، بحيث يتلقى المساعدة التي يحتاجها في تعلمه في الوقت المناسب، وتلعب التقنيات التربوية دورًا أساسيًا في نجاح هذا الاتجاه، فهذا الاتجاه التربوي الحديث لا يعترف بنظم التدريج المأخوذ بها حاليًا في مدارسنا والتي تقدم لعموم التلاميذ تعليمًا موحدًا في وقت موحد دون مراعاة للخصائص والقدرات ومستوى سرعة التعلم لدى كل تلميذ، وقد أثبتت كثير من البحوث التربوية التي أجريت في مجال الإتقان، أن التعليم العادي المتبع في مدارسنا يكاد لا يحقق نتائج ذات قيمة فيما يتصل بإعداد التلاميذ للحياة والعمل، وأن التعليم المقدم لهم فيها لا يساعدهم على اكتساب المهارات الأساسية المطلوبة للعمل في مجالات الحياة، كما أنه لا ينمي لديهم الاهتمامات والاتجاهات المطلوبة لتعلم المهن الملائمة لخصائصهم بحيث تحقق لهم مستوى لائقًا للعيش والحياة، ومثل هذه الخبرات التي تنتج عن أساليب التعليم والتعلم السائدة في مدارسنا بالأمس واليوم عرضّت وتعرّض سعادة الإنسان للاضطراب والخطر. فقد أثبتت بعض الدراسات التربوية وجود علاقة قوية، وفي بعض الأحيان سببية، بين تاريخ نجاح تعلم التلميذ أو فشله، وتطور شخصيته، وبين عدم قدرته على مواجهة متطلبات التعليم المدرسي، وتطور مفهومه السلبي عن الذات في الميدان الأكاديمي على الأقل، علاوة على ذلك فإن حوالي 20% من عموم الذين يتعرضون بشكل متكرر إلى الإحباط أو الإذلال واليأس نتيجة عدم قدرتهم على مواجهة متطلبات التعلم المدرسية قد تترك لديهم آثارًا سيئة في مجال الصحة العقلية والنفسية. (الكلزة 1986 م ـ ص 19).
وحيث أن استراتيجية التعليم للإتقان باستخدام التقنيات التربوية المعاصرة لا يعيقها في نظر الباحث أكثر من أمية المعلمين بأساليبها وإجراءاتها واستخداماتها، وتوفير متطلباتها الرئيسة، ولتجاوز هذا العائق فلا بد من إصلاح برامج إعداد المعلمين، ويقترح الباحث مايلي :
1. ضرورة إدراج برامج التقنيات التربوية الحديثة ضمن برامج إعداد المعلمين، وتدريبهم على استخدامها بمثالية في التربية المدرسية بما يضمن تحقيق أفضل النتائج المرغوبة.
توفير جميع متطلبات بنائها واستخدامها وتطويرها داخل المدارس، المالية منها والمادية والخدمية، وتهيئة البيئات المدرسية لتطبيقها فعلاً، والتوعية المستمرة بأهميتها لمستقبل التربية وتحسين مخرجاتها.
2. المتابعة المستمرة لاستخدامها و تقويمها وتطويرها لتتلاءم مع الاحتياجات الاجتماعية المتطورة وتواكب المستجدات المستمرة في مجال تقنيات المعلومات والنظريات التربوية.
استشراف مستقبل التكنولوجيا:
تمثل التكنولوجيا سمة من سمات العصر ومؤشر من مؤشرات المستقبل، وهي معلم من معالم التنمية، حيث لا تقتصر على الصناعة والهندسة والطب، بل وتمتد إلى عالم الخدمات الصغيرة باستخدام العقل الإلكتروني ووسائل الحركة والنقل، حتى وصلت إلى أن يقوم الإنسان الآلي بالأعمال الفردية والتي لم يكن يستطيع القيام بها حتى وقت قريب إلا الإنسان.
فالتكنولوجيا مظهر من مظاهر التنمية ولازمة من لوازمها، ولكنها لا تستورد وتدار من الخارج إذا أريد لها أن تحدث أثرها الفاعل في رقي الإنسان وفهمه لها وسيطرته عليها، والمملكة السعودية تمكنت بعد أن من الله عليها بثروة البترول من دخول مجال التكنولوجيا من أوسع أبوابه عن طريق الاستيراد والانتفاع، ولكنها لا تزال عند هذا الحد في الغالب، بمعنى أنها تلعب دور المستهلك وتقع تبعًا لذلك تحت رحمة المنتج الذي مع تطويره لسلعته يفرض علاقات جديدة ومن نوع جديد قد يكون المترتب عليها في كثير من الأحيان استنزاف ثروة، أو بقاء ضمن تبعية معينة، وربما سيطرة مقيتة تأخذ شكل الاستعمار غير المباشر.
و نقل التكنولوجيا الحديثة يعتبر أحد العناصر الرئيسية لرسم استراتيجيات التنمية في دول العالم النامية، كما وأن مفهوم نقل التكنولوجيا اليوم يمثل أحد الأبعاد السياسية التي تقوم عليها العلاقات الدولية، فالدول المتقدمة لا يزال لديها الرغبة في احتكار تصنيع التكنولوجيا المتقدمة، كما لديها الرغبة في النقل الأفقي للتكنولوجيا بهدف التسويق، وعادة ما يأخذ نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية مجموعة من الأشكال يمكن إجمالها فيما يلي :
الأول - الاستثمارات الوطنية أو الدولية في الدول النامية والتي تؤدي إلى استيراد المعدات والآلات الإنتاجية.
الثاني - استقدام الخبراء وعقود الاستشارات وتبادل المعلومات والمتخصصين والبرامج الدولية للتعاون التقني.
الثالث - عقود التراخيص لبراءات الاختراع والمعارف الفنية والعلامات الصناعية والتجارية... ونحوه.
والنوعان الأول والثاني هما السائدان في الدول النامية، أما النوع الثالث فهو السائد بين الدول المتقدمة.(أسعيد 1984م ـ ص 175).
إن الدول النامية وهي تدرك حاجتها الماسة إلى التكنولوجيا تدرك جيدًا أن اللغز التكنولوجي لن يسلم إليها بنزاهة، ولا حتى بسهولة، وإنما عليها أن تتجاوز الكثير من العقبات، وأن تعيد التوازن الاقتصادي بين إمكانياتها ومزاياها وخاصة فيما يتعلق بالمواد الأولية ذات القيمة الاستراتيجية التي تملكها، فعملية نقل التكنولوجيا ستظل معيارًا دقيقًا للإحساس بالمسئولية، كما وأن بقاء المظاهر والأشكال الحالية التي يتم بها نقل التكنولوجيا سيؤدي إلى استمرار حالة التخلف والتفاوت بين مجموعة الدول النامية والدول المتقدمة. فما هو الخيار المستقبلي لهذه المعضلة ؟
إن الدول النامية ومنها المملكة السعودية مدعوة لأن تطور مواقفها بأسلوب منظم ومتضامن تستطيع معه أن تواجه مشكلاتها وحاجاتها في مجال التكنولوجيا، وعليها السعي بخطى حثيثة لولوج التكنولوجيا من خلال تحسين أنظمتها التعليمية وتكثيف التعليم الفني وتشجيع الابتكارات والمخترعات وتبنيها وتوفير الأموال اللازمة لتحويلها إلى مشروعات وطنية، كما وأن عليها أن تسعى وبفعالية وعلى أسس من التعاون المشترك مع الدول الطامحة في الخروج من التبعية التكنولوجية لتحقيق مايلي :
• - زيادة التعاون التقني فيما بين الدول النامية كعلاقات ثنائية وجماعية إقليمية وشاملة من أجل التكامل الاقتصادي والتقني وتبادل الخبرات والفنيين والتجارب في مجالات التعاقد وأنظمة الاستفادة من براءات الاختراع وفي البحث العلمي وفي شروط التكنولوجيا المنقولة.
- تطوير الأنظمة الوطنية للمحافظة على وسائل نقل التكنولوجيا وعقود تسجيلها من أجل الاستفادة الكاملة منها.
- توحيد المواقف للمطالبة بالنقل الدولي الحر غير المقيد للتكنولوجيا مع تفضيلات معينة لصالح الدول النامية بسبب مشاكلها المالية والاقتصادية.
- اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيقاف هجرة الكوادر المتخصصة والعقول المفكرة من الدول النامية إلى الدول المتقدمة.
- فرض شروط معينة على التكنولوجيا المنقولة مثل ملاءمتها للبيئة وقدرتها على حل المشكلات التنموية التي تعانيها الدول النامية.
- تطوير وسائل البحث العلمي ومراكز استيعاب التكنولوجيا من أجل بناء قاعدة علمية تقنية خاصة بالدول النامية تستطيع تحقيق هدف إحلال التكنولوجيا المحلية مكان التكنولوجيا المنقولة.
- تطوير مساهمة المعاهد المتخصصة للأمم المتحدة في تقديم المساعدات التقنية وفي إعداد الكوادر في الدول النامية، وفي مقدمتها المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتطوير الصناعي (يونيدو) ومعهد الأمم المتحدة للإعداد والبحث العلمي (اليونتار) وجهود اليونسكو، واليونكتاد، وهي تعتبر من أكثر منظمات هيئة الأمم المتحدة اهتماما بمشكلة نقل التكنولوجيا.
والمطلوب من التربية في هذا المجال أمرين مهمين، أولهما، تمكين الإنسان من فهم أفضل للعلم والتكنولوجيا، لاعن طريق تهويل آثارها وما يمكن أن تسهم به، بل عن طريق دراسة أسسها وميكانيكية تطويرها، ووسائل استخدامها، والانتفاع بها، فالأمر أولاً وأخيرًا هو التعامل مع التكنولوجيا لا على أساس الرهبة بل على أساس ما يمكن أن تسهم به، وهذا يمكن المتعلم من معرفة أسسها المعقدة ظاهرًا والبسيطة فعلاً.
الأمر الثاني يتمثل في دعم مراكز البحوث العلمية التطبيقية في مجالات العمل المختلفة حتى تتمكن الدولة من إحكام سيطرتها على التكنولوجيا المستوردة بل وتطويرها وتطويعها لإمكانيات البلاد واحتياجاتها، تمامًا كما حدث في المشروع الذي تقدمت به جامعة الملك عبد العزيز بجدة حول الضبط والسيطرة على مداخل الإنترنت الدولية وتطويعها لاحتياجات المملكة السعودية، والذي حظي مؤخرًا بموافقة مجلس الوزراء، والسماح للمجتمع السعودي بدخول عالم الإنترنت لحاقًا بدول العالم الأخرى، اعتبارًا من 20 ديسمبر من عام 1998م وهو ما أعلن من خلال أجهزة الأعلام السعودية بتاريخ 14 ديسمبر 1998م.
وهنا يؤكد الباحث على أهمية أن تضطلع بدور البحوث العلمية لتوظيف التكنولوجيا وتطويرها هيئات حكومية قادرة ومؤهلة لتعميم فائدتها وضمان استمراريتها، كما يؤكد على أهمية تكنولوجيا الاتصالات والحاسبات في الحاضر والمستقبل وضرورة جعلها جزءا من برامج التعليم العام والجامعي، حيث أن ارتباط التقدم العلمي والثقافة بتطور الاتصالات والحواسيب أصبح سمة الثقافة السائدة والمأمولة والضامنة لذلك التقدم، وعلى ذلك يجب أن تحرص أنظمة التعليم على ربط العلوم النظرية الطبيعية والاجتماعية بالتكنولوجيا المعاصرة، وتوجيهها جميعًا لخدمة برامج التنمية.
استشراف المستقبل التنموي :
بتدهور الاقتصاد القومي في المملكة السعودية بنهاية العام الحالي 1998م، نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار البترول، وانخفاض مستوى الأمن الخارجي، نتيجة حروب الخليج المتوالية، وظهور تهديدات مقنعة بأقنعة الحماية، واستمرار تدخل أمريكا وبريطانيا في رسم سياسة الاحتواء العربي وتنفيذها بدقة لحساب النمو الإسرائيلي في مجالات الأمن وتصنيع أسلحة الدمار الشامل، وفرض واقع البقاء غير المشروع، وانعدام توازن القوة في العالم مع تراجع دور الأمم المتحدة، كل تلك مؤشرات على مستقبل معقد، سيستنزف كثيرًا من الموارد من أجل توفير الأمن المطلوب لإحداث تنمية مرغوبة، وهذا يعني أن معدلات الإنفاق على برامج التنمية ستشهد خللا في السنوات القادمة، قد تتجه نحو التسليح، وتدريب القوى الوطنية في الجوانب العسكرية، وذلك على حساب برامج التنمية الاجتماعية، إضافة إلى أن مستوى المداخل الوطنية سيشهد انخفاضًا متواصلاً في حالة ما لم تفعّل الدولة السعودية دور القطاع الخاص بالشكل المطلوب وتحاول جاهدة البحث عن بدائل فاعلة للبترول في المستقبل.
إن الدولة السعودية رغم نجاحها في توفير كثير من البنى التحتية للتنمية الاجتماعية، لا تزال تواجه مجموعة من المشكلات لبلوغ أهدافها المرسومة ضمن خططها واستراتيجياتها التنموية، ولعل المستقبل يحتوى على معوقات أصعب من تلك التي واجهتها الدولة السعودية في سنوات البناء، ولهذا فإن على الحكومة السعودية أن تعمد إلى التخطيط بعيد المدى القائم على استشراف مستقبل التنمية، آخذة في الاعتبار كل الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية المعاصرة، والتي تنطلق مؤشراتها المستقبلية تجاه التعقيد، فهناك التطورات المذهلة في مجال التكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا الاتصالات، والتكنولوجيا التربوية والتعليمية، والتكنولوجيا الخدمية، وبروز الاتحادات والتجمعات الاقتصادية الدولية، والتحالفات العسكرية،والتسابق المحموم لتنفيذ تجارب الاستنساخ، ومن يدري ماذا تخفي سنوات القرن القادم من معوقات ستواجه جميع الدول النامية وتزيد من الفوارق بينها وبين الدول المتقدمة؟.
إن على حكومة المملكة السعودية أن تعي ظروف العصر الحاضر وتستشرف المستقبل بالشكل المطلوب وعليها أن تتعامل مع مجريات ذلك بالحكمة، فبقاء الدولة مرهون بحسن تصرفها مع معطيات التغيرات الدولية، خاصة وإن المجتمع السعودي أصبح على وعي تام بكل ما يحدث في القرية العالمية، في عصر تعولمت فيه وسائل التثقيف وبناء الشخصية، ولذلك فإن الباحث يجد أنه من الضروري للتعامل مع المستقبل لمواصلة منجزات التنمية الاجتماعية أن تتبع الدولة الإجراءات التالية :
- توفير مقدار مقبول من الحركة الاجتماعية للمساهمة في الحكم والإدارة بما يحقق مبادئ العدالة وتقاسم القرار والسلطة، وبما يعمق الالتزام الجماهيري بالخطط الإنمائية وتنفيذها على مستوى الطموحات.
- توطين التكنولوجيا بكل صورها وأشكالها في ضوء متطلبات تحسين الأداء من خلال رفع مستويات التعليم والتدريب والبحوث العلمية.
- تعبئة الموارد المتاحة وتنشيط بدائل البترول من خلال مؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص.
- تطوير الخطط التنموية بحيث تراعى فيها جميع المتغيرات الداخلية والدولية وخاصة في مجالات التكنولوجيا، وتوجيهها نحو الإنسان أداة التنمية الأكثر أهمية.
- تطوير أنظمة التعليم والإدارة، والتسريع في مكافحة الأمية بكل أنواعها وخاصة التقنية منها والتكنولوجية، ودعم القطاع الخاص لزيادة مساهمته في ذلك.
وقد يصل المجتمع السعودي بذلك إلى تحقيق الآمال العريضة التي يحلم بها، وما ذلك على الله بعزيز.
التربية عين المستقبل:
لاشك أن التربية وسيلة طبيعية للتغيير أو للمحافظة حسب توجيهها من قبل السياسة، والدور المعاصر والمستقبل المطلوب من التربية يمكن وصفه بأنه وسط بين التغيير والمحافظة، لأن التغيير غير المدروس وغير المتوازن يؤدي إلى الفوضى، والكثير من الدمار، وليس هناك ضمان لعودة البناء، وفوق ذلك فإنه ليس الطريق الوحيد لاستقرار المجتمع وتحقيق تنميته الشاملة، والمحافظة ليست مطلوبة تمامًا لأنها تعني الجمود والتبلد وتؤدي بدورها إلى الاحتقانات المجتمعية والتوتر، وما تقود إليه من صراعات وعدم استقرار. فالدور المطلوب من التربية ويستطيع السياسي توجيهها نحوه، هو التطور المتوازن المتوافق مع ظروف المجتمع والعصر وإمكاناتهما، والتعامل معهما بواقعية ووضوح، فلا اليأس والاغتراب يجد مجالاً لدي المواطنين، ولا الطموح للتغيير يدفع للمغامرة غير المحسوبة، وما يؤدي إليه من صراعات بين أصحاب المصالح المختلفة في المجتمع، وبين الحاكم والمحكوم، وحتى بين مختلف فئات المجتمع.
ويجب التأكيد مرة أخرى أن الدور المناط بالتربية والمتوقع منها حيال التنمية الشاملة لا يمكن تحقيقه إذا لم يقترن ويتكامل مع تغييرات سياسية واقتصادية وثقافية تتناغم مع بعضها البعض، ولا تتعارض، وإلا فإن المحاولة الإصلاحية من خلال التربية وحدها لن تكون أفضل من محاولات الإعلام الدعائي والوعظ الموجه الذي يجد هزيمته في التناقض السلوكي بين اللفظ والممارسة على مستوى المجتمع.
الخاتمــــــــــــة.:
لقد تضمنت أبواب وفصول هذه الدراسة الكثير من الموضوعات والأطروحات المستهدفة مجال التنمية الاجتماعية في المملكة السعودية في نواحيها الثقافية والتربوية، وما أتصل بها من عوامل مؤثرة في جوانب التنمية الأخرى، وقد حرص الباحث خلالها على إبراز أهم المشكلات التي تعيق نمائها وتطورها، مع تقديم المقترحات الضرورية من وجهة نظره لتلافيها، وقد خلص من جملة المناقشات والتحليلات العلمية إلى حقيقة مفادها أن كل عمل اجتهد الإنسان في أداءه لابد بعد مراجعته وتدقيقه من تلمس جوانب نقص وقصور فيه فالعمل المتكامل دومًا لا يكون إلا لله تبارك وتعالى، أما الجهود البشرية فستظل تتصف بالقصور والنقص باستمرار، وينطبق ذلك على الجهود التي بذلتها المملكة السعودية في مجالات التنمية الاجتماعية موضوع الدراسة الحالية،كما ينطبق على الدراسة نفسها، فعلى الرغم من المستويات الإيجابية التي حققتها المملكة السعودية في مجالات التنمية الاجتماعية، فإن هناك مواطن قصور كثيرة استهدفتها الدراسة وتوصل إليها الباحث في أكثر من مجال، كما توصل إلى مجموعة من الاستنتاجات العلمية ولعل من أهمها ما يلي:
الاستنتاجات العلمية للدراسة :
• أن التنمية في فترة ما قبل التخطيط التنموي في المملكة السعودية ـ أي فيما قبل عام 1970م ـ كانت تتم بشكل عشوائي غير مخطط، وقد ترتب على ذلك انعدام التوازن في توزيع النفقات على مجالات التنمية، وأثر على مستوى الإنجازات وخاصة في مجال التنمية الاجتماعية.
• على الرغم من نمو الدخل القومي سنويًا و المعتمد على البترول كمصدر وحيد، فإن النمو المقابل في مجالات التنمية لم يكن بنفس الحجم، وقد يعود ذلك إلى غياب التخطيط لما قبل عام 1970م، وإلى قصور في مستوى الخطط التنموية فيما بعد ذلك.
• إن معدل النفقات التي صرفت على برامج التنمية في المملكة السعودية حتى اليوم، كان يمكن أن تصل إلى مخرجات تزيد الضعف عما أنجز في برامج التنمية، وقد يعود السبب إلى قصور التخطيط وإلى عدم توفر الكفاءات الإدارية، والتي كانت لغير المواطنين إلى وقت قريب، وقد يكون للطبيعة الجغرافية للملكة السعودية دور كذلك.
• أن المملكة السعودية رغم اهتمامها بالخصخصة من وقت مبكر، وإدراجها ضمن استراتيجياتها التنموية، فإن الذي تحقق في مجالها لم يعطي النتائج المرجوة ذات الصلة بأهداف تنويع مصادر الدخل القومي، كما وأن مجالات التنمية الاجتماعية لم تحظى بالقدر المأمول من قبل القطاع الخاص، وقد تعود الأسباب في ذلك إلى اتجاه رجال الأعمال الممثلين للقطاع الخاص نحو الصناعات البتروكيماوية والتي تعتمد غالبًا على العمالة الأجنبية في التشغيل وعلى الأسواق العالمية للتسويق.
• أسهم البترول بشكل مؤكد في حدوث التنمية في المملكة السعودية، لكنه في المقابل أحدث تغييرات في التركيبة السكانية والاجتماعية، وأثرت مرتباته الاقتصادية، على الهجرة السكانية، والنشاط الاجتماعي، كما أثرت على كثير من العادات والتقاليد والقيم لدى أفراد المجتمع السعودي في المدن والقرى والبادية.
• أدى اعتماد الدولة السعودية على القوى البشرية الأجنبية لتنفيذ برامج التنمية إلى حدوث خلل في أساليب التنفيذ، كما أدى إلى مجموعة من المشكلات الاجتماعية الأخرى والتي طالت التركيبة الاجتماعية واتجاهات المواطنين نحو المهن، فضلاً على ما ترتب عليها من ترحيل الأموال خارج حدود الدولة.
• لا يزال المجتمع السعودي يعاني من تمييز طبقي، يعود سببه إلى نوعية نظام الحكم، وإلى تفاوت مستوى دخل الأفراد، وعدم تماثل الفرص الاجتماعية للمشاركة في السلطة واتخاذ القرار.
• إن تغيير النمط الاقتصادي من اقتصاد الإعاشة إلى اقتصاد السوق، أدى إلى سلسلة من التغييرات الثقافية والاجتماعية، حيث ازدهرت حركة التجارة، وتنوعت السلع، وأدى اقتناء الأدوات والأجهزة الحديثة الكهربائية والإلكترونية، إلى تناقص الثروة الحيوانية، وتغيير وسائل النقل، واندثار الصناعات اليدوية القديمة، وتغير تصاميم العمارة، وتغيير العادات اليومية، ونشاط ربات الأسر، وعادات الطعام، وأساليب الاحتفالات، والفنون الشعبية، كما زادت تبعية القرى للمدن لأسباب التمويل والإمدادات.
• يعاني النظام التعليمي في المملكة السعودية من خلل في البناء والتنفيذ والمخرجات، ويعود ذلك إلى قصور المناهج وطرق التدريس وأساليب التقويم، وانخفاض مستوى كفاءة المعلمين، مما ترتب عليه مشكلات تربوية داخل النظام التعليمي وخارجه، مثل انخفاض مستوى تحصيل الدارسين، والرسوب والتسرب، وانخفاض الدافعية للتعليم والتعلم، وعدم وفاء مخرجات النظام التعليمي بمتطلبات التنمية الوطنية، واستمرار مشكلة الأمية العامة، وتزايد نسب الأمية المهنية والتكنولوجية، والبطالة بأنواعها، وارتفاع نسب الإهدار والفواقد التربوية.
• تعدد الجهات المشرفة على التعليم في المملكة بعيدًا عن التنسيق المأمول فيما بينها أدى إلى حدوث فجوات بارزة في التكامل والشمول ومستوى التطبيق، ومن ثم إلى تفاوت نوعية المخرجات.
• على الرغم مما حققته المملكة السعودية في مجال التخطيط العلمي، إلا أن مجال التخطيط التربوي لا يزال في حضانته، ولم يحقق المأمول منه في تطوير نظم التربية والتعليم لتلبي حاجة البلاد من العمالة المناسبة، ومن خدمة التنمية بجوانبها المختلفة، ويؤخذ عليها اقتصارها على الجوانب الكمية دون النوعية، ولم يعكس تطور التعليم التطورات الأخرى في جوانب الاقتصاد، والجوانب الاجتماعية.
• يلاحظ المتابعون أن هناك بونًا شاسعًا بين ما يقدم للناشئة عبر نظام التعليم وبين ما يقدم لهم عبر وسائل الثقافة المختلفة، مما أحدث لدى الناشئة شعورًا بعدم فائدة ما يتلقونه من النظام التعليمي، وهو السبب الذي قاد إلى انخفاض دافعية التعليم، وانخفاض مستوى أثره في تغيير سلوكياتهم.
• على الرغم مما حققته الحكومة السعودية من نتائج في مجال تطوير نظام الحكم وأسلوب إدارة التنمية، فإن المأمول من الإصلاحات والتطويرات لم يتم بعد، حيث لا تزال المشاركة الاجتماعية محدودة، ويزيد من تحييدها جملة المعايير التي يفرضها القرار السياسي بعيدًا عن الإرادة الاجتماعية، وحق المواطنين في الانتخاب.
• لا تزال حقوق المرأة السعودية في المشاركة الفاعلة في إدارة وتنفيذ التنمية الوطنية غير مرعية، وتعاني المرأة السعودية من البطالة القسرية نتيجة النهج السياسي والاجتماعي، وقد ترتب على ذلك كثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مما دفع بالدولة للتعويض عن النقص باستقدام العمالة الأجنبية، وهو الإجراء الذي أدى إلى مشكلات أخرى تثقل المجتمع ونظام الحكم والإدارة.
• يعاني النظام التعليمي من خلل في التوازن بين التعليم العام والفني ويمتد ذلك الخلل ليطول التعليم الجامعي، ورغم تطور أعداد المتخرجين إلا أنها لا تفي بمتطلبات التنمية الوطنية وخاصة في المجالات الفنية والمهنية والتي تقوم عليها في المقام الأول مدا خيل الدولة.
• في الوقت الذي تحظى التكنولوجيا المعاصرة والمستقبلية باهتمام كثير من دول العالم المتقدمة، لا تزال التكنولوجيا في المملكة السعودية تعاني من استغرابها واستشرافها، فكل ما بالمملكة مستورد، ولم يرقى دور المؤسسات العلمية ومؤسسات البحث العلمي إلى أبعد من اللهاث وراء تعريب الأدلة المصاحبة لأغراض الاستخدام، واستهلاك المتوفر منها، ولا يزال الأمل في الاستقلال التكنولوجي رهن حسن التخطيط والقناعة بأهمية الاكتفاء الذاتي.
• تعاني أجهزة التخطيط في المملكة السعودية من قصر النظر، فاستشراف المستقبل، ورسم الخطط القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، يعاني من نقص الخبرات الوطنية القادرة على الوفاء بمتطلبات التخطيط العلمي المأمول، ومن الدلائل الواضحة على ذلك، عدم دقة الإحصاءات التي تصدرها أجهزة الدولة، بل وتناقضها في بعض الأحيان، وهو أمر أوقف الباحث في كثير من المواقف المحيرة طيلة فترة إعداده للدراسة الحالية، وقد يمثل التراجع السياسي السريع في كثير من الأحيان عن تنفيذ بعض البرامج التنموية بعد تطبيقها بمدد وجيزة، واكتشاف قصورها وعدم ملاءمتها، دليل آخر لقصور التخطيط للوفاء بتحقيق أهدافه.
• على الرغم من إنجازات مراكز البحث العلمي في المملكة السعودية، وما أنجزته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، فإن مجالات البحث العلمي تحتاج إلى دعم أكبر وخطط أكفأ لتفعيل البحوث العلمية وتوظيفها لتحقيق أهداف التنمية الوطنية، وتطوير الأنظمة الداخلية، على أن يولى الاهتمام البالغ فيها بتنويع المصادر، والإفادة من خبرات الحضارات المختلفة، الغربية والشرقية.
• يتلهف المجتمع السعودي للحرية الفكرية كما يتلهف للمشاركة في رسم السياسات الداخلية والخارجية للدولة عن طريق الممثلين الشرعيين، ويأملون في أن يسمح نظام الحكم بتأسيس أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات تمثلهم في جميع دوائر السلطة التشريعية والتنفيذية.
التوصيات والمقترحات :
تعد المملكة السعودية دولة حديثة في طور البناء رغم ما حققته من نتائج إيجابية على كل مسارات التنمية الوطنية، والعلاقات الدولية، وهي تنعم بأمن متميز، وبحكومة نالت تأييد غالبية المجتمع السعودي، ولا تزال أبواب الطموح مفتوحة أمام الحكومة والمجتمع لبلوغ منزلة أرقى وأفضل بين دول العالم سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا، وقد يتحقق ذلك لها بالسرعة التي تقررها الإرادة السياسية، والإرادة الاجتماعية المتنامية الوعي، ولابد من قناعة متوازية مع الآمال العريضة لأفراد المجتمع السعودي الطامح للحرية بكل ألوانها وصورها، والاستقلال التام في الإرادة، وتقرير الحقوق، والاكتفاء الذاتي، وليتحقق الحلم ويتحسن مستوى الأداء لابد للدولة من أن تعيد النظر في كل السياسات والأنظمة، وأن تعتمد الأسلوب العلمي في تنفيذ عمليات التقويم، والأسلوب العلمي في التطوير، وأن تستفيد بأقصى حد ممكن من البحوث العلمية، وعلى المسئولين عن إدارة التنمية بالمملكة السعودية، أن يولون المقترحات والتوصيات التالية العناية الخاصة :
أولا: حول نظام الحكم وإدارة التنمية.
• على الحكومة السعودية أن تطور من أنظمة الحكم والإدارة بحيث تتيح فيها مساحة مقبولة للمشاركة الاجتماعية المنظمة، من خلال خلايا التمثيل الديموقراطي العادل، والممثل لكل فئات المجتمع.
• إعطاء المرأة حقها المشروع في حدود العقيدة للمشاركة الفاعلة في إدارة التنمية، واتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية اللازمة لدفع عجلة التنمية.
• فتح قنوات حرية التعبير والرأي لجميع المواطنين دون قيود سياسية، والإفادة منها في تقويم مسارات الإدارة والتنمية، فحكومة لا توازيها معارضة، يظل النفاق ينخر جسدها مادامت كذلك.
• الأمن المثالي يتحقق بعيدًا عن القوة، متى ما أعطي كل فرد حق المشاركة الفاعلة في تحقيقه من خلال احترام حقوق الأفراد والجماعات، وتحقيق العدالة الاجتماعية في المشاركة في إدارة وتنفيذ التنمية، وإلا سيظل الأمن مرتبط بالخوف قضية قابلة للانفجار عندما تحين الفرصة.
• إن الدروس المستفادة من التاريخ تؤكد بأن عمر الدولة مرتبط بقدرتها على تحدي الأخطار الخارجية والداخلية، باعتمادها الكامل على طاقات وقدرات المجتمع المحلي، ولهذا فإنه ينبغي للملكة السعودية أن تعي الدرس، وأن تسارع في إعداد القوى الوطنية لتحمل مسئوليات تحقيق الأمن الداخلي والخارجي على السواء.
• إعادة النظر في معايير اختيار القيادات الإدارية، فنجاح عمليات التنفيذ تعود بالدرجة الأولى إلى كفاءة الإدارة المشرفة عليها، والحقيقة أن بين أفراد المجتمع السعودي من هو أهل لذلك لكنهم لأسباب غير معلومة لم تتح لهم الفرصة لتحمل المسئولية.
ثانيًا : حول استراتيجيات التخطيط :
• على أجهزة التخطيط التنموي في المملكة السعودية أن تقوم بعمليات تقويم شاملة لكل الخطط الخمسية التي تم تنفيذها لتكون قاعدة لعمليات تطوير للخطط نفسها بحيث تستشرف المستقبل على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وأن تفضي إلى عمليات تطوير شاملة لكل قطاعات التنمية في البلاد.
• ضرورة إشراك كل من القطاعين العام والخاص في عمليات التخطيط، وإشراك ممثلي المجتمع، ليصبح التخطيط مثاليًا ومعبرًا عن إرادة المجتمع والدولة، ويلبي جميع الاحتياجات الاجتماعية، في طريق تحقيق العدالة والشمول.
• ضرورة توحيد مصادر الإحصاءات المتعلقة بالتنمية لضمان الصدق والموضوعية،ولضمان عدم التضارب والتفاوت في البيانات الإحصائية الرسمية.
ثالثًا : حول الاقتصاد والدخل القومي:
• ضرورة تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاعتماد على البترول كمصدر وحيد، ولتحقيق ذلك فلا بد من تفعيل دور القطاع الخاص بمفهومه الشامل، والتوسع في برامج الخصخصة المفتوحة لجميع المواطنين، وزيادة الاهتمام بالصناعات المحلية وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي.
• ضرورة إعادة النظر في النفقات الحكومية ونسب توزيعها على برامج التنمية، ودراسة ظاهرة الإهدار بشكل علمي وجاد، فالمنفذ من برامج التنمية لا يتلاءم مع ما رصد له من نفقات خلال سنوات التنمية السالفة، ولابد من تلافي أسبابها مستقبلاً.
• ستظل مشكلة تصدير المال الوطني قائمة ما دامت مشكلة عدم التوازن بين العرض والطلب في القوى العاملة، وما بقي الاقتصاد السعودي معتمدًا على العمالة الوافدة، ولذلك فإنه لابد من إيجاد حلول عملية وعلمية للتغلب على هذه المشكلات في المستقبل القريب.
• قد يكون من المفارقات أن تعتمد الدولة على الملايين من الأيدي العاملة الأجنبية لتفعيل التنمية، وهناك نسب كبيرة بين أفراد المجتمع السعودي تعيش البطالة القسرية والمقنعة، ولعلاج مشكلة البطالة فإنه لابد من التركيز مستقبلاً على التأهيل والتدريب المهني وإشراك المرأة في جميع قطاعات التنمية.
رابعًا : حول التربية والتعليم :
• يعتبر التعليم وسيلة التنمية، وأداتها الفعالة، ولذلك فانه لابد من وقفة تأملية وتقويمية، لمراجعة ما تم إنجازه من مخرجات، وما تم تحقيقه من أهداف وسياسات وبرامج، لبلوغ أهداف التنمية الشاملة، بغرض التأكد من ملاءمة السياسات التعليمية التي ظلت تزخر بها الخطط الخمسية المتعاقبة للجهات المشرفة على التعليم، ولمعرفة مستوى ما تحقق من نتائج إيجابية، لكي يمكن اتخاذ التدابير اللازمة لتلافي الأخطاء، والمضي في تطوير الخطط المستقبلية.
• ضرورة المراجعة الكاملة لوثيقة سياسة التعليم، وتقويم الإنجازات التي تمت في ضوء أهدافها واتجاهاتها، والعمل على تطويرها بما يتلاءم مع مستجدات العصر ومتغيرات المستقبل المتوقعة، وذلك لضمان فاعليتها ومناسبتها للأسلوب العلمي المحكوم بالنظرية القابلة للتنفيذ والتطوير.
• ضرورة إعادة النظر في توازن التعليم العام والفني، والسعي لإيجاد بدائل علمية تضمن تحقيق التوازن بما يتلاءم مع متطلبات التنمية الوطنية، ويؤدي إلى توفير العمالة المؤهلة والمدربة لسوق العمل في جميع قطاعات التنمية، وخاصة جوانبها التي تتطلب الخبرات والمهارات الفنية، والتي تعاني من نقص شديد في العمالة الوطنية.
• ضرورة توحيد الجهة المشرفة على التعليم العام والفني، أو تنسيق جهود الجهات المتعددة المشرفة عليهما،وربط بعضها ببعض من خلال الخطط والأنظمة والبرامج، لبلوغ مخرجات متناسقة ومتكاملة تفي باحتياجات قطاعات العمل.
• ضرورة تطوير الخطط الدراسية و المناهج و طرق التدريس والوسائل التعليمية وأساليب التقويم التربوي، بما يتلاءم مع معطيات عصر المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا، وبما يفي بمتطلبات التنمية الوطنية.
• ضرورة تطوير برامج إعداد المعلمين، والتنسيق بين مؤسسات الإعداد، لتخريج المؤهلين علميًا وثقافيًا وتربويًا للاضطلاع بمهمة التربية والتعليم باستخدام التقنيات التربوية وتكنولوجيا التعليم، وتصحيح المخرجات السابقة من خلال تكثيف برامج التدريب التربوي أثناء الخدمة، وإعادة النظر في أساليب الانتقاء والتعيين، وتجديد العقود بناء على مستوى الكفاءة والأداء الوظيفي.
• ضرورة التنسيق بين مؤسسات التربية والتعليم، وبين مؤسسات التثقيف والأعلام، لتقليص الفجوة بينهما المؤثرة في تكوين اتجاهات الناشئة نحو التعليم، وأثره في تعديل السلوكيات.
• ضرورة الاهتمام بتحقيق مبادئ التربية للجميع، من خلال تطبيق نظام التعليم الأساسي، وتكثيف برامج محو الأمية وتعليم الكبار، وإنشاء مراكز جديدة لمحو الأمية التقنية والتكنولوجية، والأمية الوظيفية، والتي لا تقل خطورتها عن أمية القراءة والكتابة، والتوجه ببرامج التعليم نحو التعليم للإتقان وتوفير جميع متطلبات تطبيقه على الوجه المأمول.
• ضرورة تشجيع القطاع الخاص للمشاركة المكثفة في تقديم التعليم العام والعالي والتدريب الفني والمهني لجميع المواطنين، وإنشاء المراكز العلمية المتخصصة لرعاية الموهوبين، والمعاقين، وذوى الحالات الخاصة.
• ضرورة تطوير أساليب الإدارة التربوية والتعليمية، والأخذ بالحديث الذي تتلاءم مع معطيات العصر ومستجدات المستقبل، وإعادة النظر في انتقاء الكوادر الإدارية، وتطبيق نظام التدوير الإداري كل ثلاث أو أربع سنوات.
• ضرورة إجراء الدراسات التربوية المستفيضة بهدف تقويم العملية التربوية والتعليمية، ودراسة المشكلات التي تعيق نمو المخرجات، واقتراح الحلول العلمية المناسبة لها، والإفادة من نتائجها في عمليات التطوير والتحديث.
• لضمان تحقيق الاتصالات الأفقية والرأسية في مؤسسات تعليم البنات، لابد من إعادة النظر في أسلوب الإدارة المتبع، والسعي لتنمية القيادات التربوية النسائية، لتضطلع بمهمة الإدارة التعليمية العليا بدلاً عن الرجال المكلفين بها في الوقت الحاضر .
• ضرورة إعادة النظر في عدد الأيام الدراسية اللازمة خلال العام الدراسي، والخطط والبرامج الدراسية في جميع مراحل التعليم العام والعالي، لتوفير أقصى حد ممكن لإفادة الناشئة بالعلوم المعاصرة التي تركز على ربط الجوانب النظرية بالجوانب التطبيقية، من أجل إعدادهم بالشكل المرغوب للعمل والحياة على السواء.
• ضرورة الاهتمام بالتعليم ما قبل الأساسي، من خلال تكثيف إنشاء رياض الأطفال، ومراكز رعاية الطفولة والحضانة، وتطوير برامجها بما يتلاءم مع الطموحات العريضة لدى أفراد المجتمع السعودي.
• ضرورة إعادة النظر في توفير التغذية السليمة للأطفال والشباب في المدارس، والحرص على الإفادة من تجارب الدول المتقدمة، والتي حققت نتائج إيجابية على هذا المسار.
خامسًا : حول البحوث والدراسات المستقبلية :
• يوصي الباحث بإجراء دراسات أخرى حول مشكلات التنمية الاجتماعية في الجوانب التي لم تتناولها الدراسة الحالية، مثل جوانب الرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والأعلام، والمكتبات العامة، والاتصالات.
• يوصي الباحث الجهات المعنية بالتخطيط ورسم الاستراتيجيات في المملكة العربية السعودية، بالإفادة من نتائج الدراسة الحالية عند رسم الخطط والاستراتيجيات المستقبلية للتنمية الاجتماعية، وخاصة في مجال التربية والتعليم.
• يوصي الباحث المنظرين التربويين في المملكة السعودية والقائمين على إدارة التعليم والمضطلعين بمهام التطوير التربوي، بالإفادة من نتائج الدراسة الحالية، عند تطوير الخطط والبرامج والمناهج وأساليب التقويم التربوي، وعند تطوير برامج إعداد المعلمين.
• يوصي الباحث بإعادة إجراء مثل هذه الدراسة كل عام كدراسات تتبعية، و مقارنة نتائجها بنتائج الدراسة الحالية، لقياس مستوى الإنجازات، ومدى التقدم الذي أحرزته الدولة السعودية لعلاج مشكلات التنمية الاجتماعية و في النواحي التربوية والتعليمية على وجه الخصوص.
أخيرًا :
فقد آن الأوان لتوجيه قدر أكبر من اهتمامنا وجهدنا إلى رفع مستوى التعليم، ولبذل المزيد من الجهد الجاد لتحسين الجوانب الكيفية للتعليم وتجويده، ومضاعفة نتائجه عن طريق تحسين المناهج وطرق التدريس والتقويم، وترقية الخدمات التربوية وتطويرها، وإنشاء المباني المدرسية، وتطوير عمل المعلم، واعتماد طرق تقود إلى التفكير العلمي الناقد، وتزيد من دافعية التعليم والتعلم لدى الناشئة، وعلى تأهيل القوى البشرية اللازمة لإدارة وتشغيل برامج التنمية الوطنية، قادرة على التفاعل والإنتاج في عصر التفجر العلمي والاتصالات والتكنولوجيا المتطورة، وقادرة على التعايش مع مستقبل تلوح مؤشراته في الأفق، فيبدو أكثر تعقيدًا من الحاضر، وعلى الحكومة السعودية أن تقدم على عمليات التطوير الشامل في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم، لتحقيق أفضل النتائج المأمولة للتنمية الاجتماعية منتهى أهداف التنمية الشاملة.
والله الموفق ،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق