العالم الثالث و ظاهرة التخلف الخصائص التركيبية
و اختلال التوازن للمنظومة الاجتماعية
الدكتور عبد الغفور بالريسول
قد لا يختلف اثنان على حقيقة تخلفنا و ركوضنا و لكن هناك خلاف كبير حول تشخيص ظاهرة التخلف و تحليلها تحليلا عميقا. فنحن نجد أنفسنا دائما في مراحل انتقالية لا تنتهي، نقفز من مشروع إصلاح إلى مشروع إصلاح آخر، من عدم اتفاق إلى عدم اتفاق آخر لنجد أنفسنا في حالة انعدام التوازن الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي. لقد صار عندنا تجمع لنسق مختلفة تتعايش أو تتضارب مع بعضها البعض، فالمشرعون و المصلحون و أصحاب السياسات يتعاملون مع واقع ليس متسقا و ليس منسجما، فهو واقع يمثل منظومة غير مستقرة، مختلة التوازن فليس هناك واقع واحد و بالتالي ليس هناك علاج واحد يرتب أثر واحدا، و يتيح نتيجة واحدة فإذا توخينا نموا يكون بطبيعته نموا معوقا.
سنحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء على اختلال التوازن في المنظومة الاجتماعية كمنظومة حية، منطلقين من النظرة العلمية باعتبارها منطلقا أساسيا و منطقيا، لننتهي إلى النظرة الاجتماعية محاولين إلقاء نظرة موضوعية على مسألة التخلف كنتيجة لاختلال التوازن للمنظومة الاجتماعية في العالم الثالث دون أن نستثني واقعنا الاجتماعي الذي يعطي مثالا صارخا في هذا المجال. فالتخلف الذي يعيشه العالم الثالث، و الذي يبدو واضحا من خلال الأنظمة السياسية و الاقتصادية و الثقافية لا يعلم إلا الله و الراسخون في العلم أين عساه أن يتجه بنا في طريق سيره.
الخصائص التركيبية و اختلال التوازن للمنظومة الحية
النظرة العلمية و مفهوم التدخل المعدل
تهتم الايتولوجيا بدراسة السلوك الحيواني و البشرى كوظيفة لمنظومة حية يرجع أصلها إلى تطور بيولوجي أو تاريخي أو ثقافي، فهي تحاول تحديد المنظومة الحية من خلال هذه الدراسة السلوكية. إلا أن المشكل المطروح في هذه الدراسة هو أن كل منظومة حية تتميز عن منظومة أخرى بمميزات خاصة، الشيء الذي يدفعنا لطرح السؤال، هل هذه المميزات هي فقط وليدة التطور البيولوجي أو التاريخي أو الثقافي ، أم أن تفاعل العناصر المكونة لهذه المنظومة أو تلك هو سبب التمايز و بمعنى آخر هل تركيبة المنظومة هي أساس التباين ؟.
يجب التنويه بادئ ذي بدئ، إلى أن العلاقات المتميزة الفريدة التي تصل عناصر المنظومة بعضها لبعض بأنها تكون ما نسميه بالبنية و رغم أن مفهوم البينة و المنظومة قد يكون أمران مختلفان، إلا أن النظرة السلوكية لمنظومة حية تكون بالضرورة نظرة سنرجيتكية تعتمد في تحليلها لأي ظاهرة على التفاعل القائم بين عناصر هذه المنظومة.
إن الهدف من هذه القراءة هو محاولة تسليط الضوء على المنظومة الاجتماعية كمنظومة حية و بالأخص على الأسباب المباشرة و غي المباشرة للاختلال التوازن فيها، و ذلك بمحاولة ربط الأسباب بالتركيبة المميزة لهذه المنظومة. فالكائنات الحية سواء كانت ممثلة في الفرد أو المجتمع لها ميل ملحوظ إلى تأكيد دواتها باعتبار كل منها يمثل وحدة عضوية حيث تتفاعل عناصرها باستمرار و ذلك في إطار بنوي يتجلى في التنظيم الذاتي (homeostasis ) يجعلها قادرة على إعادة التوازن. ففي المجتمع السليم كما في الجسم السليم تعوض الوظائف التي توقفت بعض الأعضاء أو العناصر عن أدائها بأعضاء أخرى تقوم بدورها حفاظا على التوزان الشامل للمنظومة، كأن تقوم مثلا إحدى الكليتين بوظيفة الكليتين معا لو توقفت إحداهما عن العمل، و المجتمع السليم لا يختل توازنه بتوقف وظيفة واحدة في بنيته الاجتماعية مهما كانت أهمية هذه الوظيفة ، فسلامة المجتمع تتمثل في صحة التنظيم الذاتي لهذا المجتمع.
يتمثل التنظيم الذاتي في عملية تنظيم الدوائر المرتدة ) (Feed-Back المبنية على مفهوم التدخل المعدل، ففي الجسم الحي تقوم الإنزيمات و الهرمونات التي تعمل على مبدأ إيقاف التغذية المرتدة (Feed-back inihibition ) على تنظيم وظيفة معينة لضمان التوازن المنشود للمنظومة الحية. بدون هذا التوازن تبدأ الأعراض المرضية تظهر على المنظومة الحية ( الجسم في هذه الحالة ) حيث مصيرها يتعلق بقدرة استيعابها للموقف الخطير. فإما أن تكون هذه المنظومة ذات قدرة ذاتية تستطيع بها أن تصلح دوائرها الارتدادية لإدراك الموقف ، و إعادة التوازن أو أن تكون هذه المنظومة عكسا لذلك غير قادرة على القيام بعملية التدخل المعدل فيختل توازنها و تصبح عرضة للتدهورو الانهيار.
و قد نستطيع أن تستخدم هذا النموذج السنرجيتكي و السبرنيتكي في دراسة التوازنات الاجتماعية و في تمثيل العلاقات التي تحكم عمل النظام الاقتصادي و السياسي و الثقافي للمجتمع كمنظومة حية. فالتكامل بين أعضاء المجتمع باعتماده على الأسلوب المعرفي يؤدي إلى التوازن و ما التوازن إلا تحقيق الاتساق بين الأعضاء في أداء وظائفها الجماعية و تحقيق هذه الوظائف في المجتمع يكون إنسانيا يتم بالثقافة و الحضارة و في الجسم بيولوجيا يتم بالحياة.
و قبل أن أبدأ في صلب الموضوع أود أن أحدد بعض المفاهيم التي سيجري استخدامها في هذا النقاش.
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق