التسميات

الأحد، 3 سبتمبر 2017

التحضر والهجرة العمالية في الأقطار العربية الخليجية ...

التحضر والهجرة العمالية
في الأقطار العربية الخليجية

د. جلال عبد الله معوض

مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.

دراسات الخليج والجزيرة العربية – العدد51
مقدمـــة:
تشكل منطقة الخليج العربي جزءا هاما من الوطن العربي، بحكم مالها من أهمية استراتيجية واقتصادية فائقة، فضلا عن الأخطار التي تهدد هذه المنطقة سواء أكانت من الأخطار التي ظهرت معالمها كالخطر الإيراني، أم من الأخطار الصامتة التي قد تكشر عن أنيابها في المستقبل كخطر العمالة الاسيوية.
ونعالج في هذه الدراسة العلاقة بين ظاهرتين هامتين تتميز بهما الأقطار العربية الخليجية، وهما التحضر [*] والهجرة العمالية، من اخلال التعرض لثلاث نقاط أساسيةالسمات المميزة للتحضر في هذه الأقطار وموضوع الهجرة العمالية من تلك الظاهرة، إعداد وخصائص العمالة الوافدة العربية والآسيوية في هذه الأقطار، وأخيراً التحضر في الخليج العربي وآثار العمالة الوافدة

أولاًخصوصية التحضر في الأقطار العربية الخليجية وظاهرة الهجرة العمالية:
تتفرد عملية التحضر في الأقطار الخليجية بمجموعة من السمات التي تضفي عليها خصوصية معينة تتميز بها عن تلك العملية في الإطار العربي الكلي، ولعل من أهم تلك السمات ما يلي:
1- ارتفاع نسبة التحضر في الأقطار الخليجية عموما ـ عدا عمان ـ عما هي عليه في بقيمة الأقطار العربية، بل ان بعض هذه الأقطار ـ وخاصة الكويت وقطر والإمارات ـ تعبر عن مفهوم دولة المدينة City State وعلى سبيل المثال في عام 1983 لم تصل نسبة التحضر في أي قطر عربي إلى المستوى المرتفع الذي بلغته الكويت، حيث بلغت هذه النسبة في تلك الدولة الأخيرة ( 92 % )، في حين بلغت في الدولة العربية غير الخليجية التي تلتها وهي لبنان ( 78 %  ) (1)،
ويتضح من جدول ( 1 ) ان الكويت تحتل أيضا مرتبة الصدارة بين الأقطار الخليجية من حيث نسبة التحضر، وقد زادت فيها تلك النسبة من ( 76.45 % ) في عام 1970 إلى ( 88.33 % ) في عام 1980 إلى ( 92 % )في عام 1983. وزادت هذه النسبة في قطر بين عامي 1970 و 1980 من ( 79.75 % ) إلى ( 86.11 % ) وارتفعت خلال نفس الفترة ( 1970 ـ 1980 ) في البحرين من ( 78.74 % ) إلى
جدول رقم ( 1 )
نسبة التحضر في الأقطار الخليجية في الأعوام 1970، 1980، 1983

المصدر:
- البيانات الخاصة بعامي 1970 و 1980 مأخوذة من دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية:
-  المشاكل ـ الآثار ت السياسات بيروتمركز دراسات الوحدة العربية، 1983 )، جدول رقم 0 3  9 ) ص 157.
- البيانات الخاصة بعام 1983 مأخوذة منworld Bank, world Development Report 1985 ( Washington, D. C. World Bank 19851 ), Table 22, P. 217.
( 79.89 % ). وفي دولة الإمارات العربية المتحدة زادت هذه النسبة زيادة ملحوظة من ( 57.37 % ) في عام 1970 إلى ( 71.92 % ) في عام 1980 إلى ( 79 % ) في عام 1983. وزادت هذه النسبة أيضا زيادة ملحوظة في السعودية خلال الأعوام الثلاثة المذكورين من ( 48.67 % ) إلى ( 66.84 % ) إلى ( 71 % ) وتحتل سلطنة عمان المرتبة الأخيرة بين الأقطار الخليجية من حيث نسبة التحضر، ففي عام 1983 لم تتجاوز تلك النسبة فيها ( 25 5 ) مقابل ( 92 % ) في الكويت و ( 79 % ) في الإمارات و     ( 71 % ) في السعودية و ( 69 % ) في العراق.
2- ارتفاع معدلات النمو الحضري في الأقطار الخليجية عموما بالمقارنة بالأقطار العربية الأخرىيتأكد ذلك بالنظر إلى البيانات الواردة بجدول ( 2 )، فخلال الفترة 1965  1973 بلغ متوسط معدل النمو السنوي لسكان الحضر ( 9.3 % ) في
جدول رقم ( 2 )
معدلات النمو الحضري في الأقطار الخليجية والأقطار العربية الأخرى
في 65  1973 و 73  1983
معدلات النمو السنوي لسكان المناطق الحضرية ( % )

المصدر:
World Bank, World development Report 1985, Table 22, PP. 216 – 127.
الكويت و ( 16.7 5 ) في الإمارات و ( 8.4 % ) في السعودية و ( 5.7 % ) في العراق و ( 10.8 % ) في عمان، وفي فترة 1973  1983 بلغ هذا المعدل في الأقطار الخمس المذكورة: ( 7.8 % ) ( 11.2 % )، ( 5.3 % ) و( 17.6 % ) على التواليويتضح ارتفاع هذه المعدلات بمقارنتها بمعدلات النمو السنوي لسكان المناطق الحضري في الأقطار العربية الأخرى، ففي الفترة 1973  1983 بلغ متوسط هذه المعدلات في الأقطار الخليجية ( 7.9 % )سنويا مقابل ( 4.1 % ) سنويا الأقطار العربية الأخرى.
3- تركز نسبة كبيرة من سكان الحضر في معظم الأقطار الخليجية في العواصم والمدن الكبرى بدرجة أكبر مما هو عليه الحال في الأقطار العربية الأخرىوتفسر لنا هذه الظاهرة، وعادة ما يشار إليها بظاهرة المدن المهيمنة "Primate Cities، ارتفاع نسبة سكان المدينة الأولى ـ المهيمنة من إجمالي سكان المناطق الحضرية بين عامي 1960 و 1980 من 0 75 % ) إلى ( 80 5 ) في الكويت، ومن ( 35 % ) إلى ( 55 % ) في العراق (2)،ومن الجدير بالذكر ان هذه النسبة في عام 1975 بلغت ( 85 % ) في قطر و ( 43 % ) في البحرين و ( 25 % ) في الإمارات (3).
ومن الملاحظ أنه بينما يقل ناتج قسمة عدد سكان المدينة الأولى على إجمالي عدد سكان المدن الثلاث التالية لها في الحجم عن الواحد الصحيح في الأقطار المتقدمة، مما يعكس درجة كبيرة من التوازن الحضري، يتجاوز ذلك الناتج الواحد الصحيح في العددي من الأقطار العربية ومن بينها بعض الأقطار الخليجية، مما يعبر عن اختلال التوازن الحضري أو بعبارة أخرى هيمنة المدينة الأولى على ما عداها من مدنوعلى سبيل المثال بلغ ذلك الناتج ( 2.41 ) في العراق عام 1977 و الذي وصل فيه عدد سكان ط بغداد إلى ( 3.206 ) مليون نسمة (4).
وتشير إحدى الدراسات إلى أنه من المتوقع ان يزداد عدد السكان بغداد من ( 2.2 ) مليون نسمة في عام 1970 إلى ( 12 ) مليون نسمة في عام 200 بافتراض استمرار معدل النمو الذي ساد في عقد الستينات ( 18 5سنويا )، وان يزداد عدد سكان مدينة الكويت من ( 570 ) ألف نسمة في عام 1970 إلى ( 4.5 ) مليون نسمة في عام 2000 على أساس معدل نمو ( 7.5 % ) سنويا ـ بينما لو اعتمد التقدير على معدل نمو ( 18 % ) سنويا فقد يصل سكان الكويت قبل نهاية هذا القرن إلى تسعة ملايين نسمة (5).
4- وبالإضافة إلى ما تقدم، نلاحظ ان النمو الحضري، أو بالأخرى التضخم الحضري في الأقطار العربية الأخرى ـ وخاصة غير النفطية منها، يرجع بالأساس إلى الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية وبخاصة العواصم والمدن الكبرى والتي تهاجر إليها إعداد ليست بالضئيلة من سكان المدن الصغرى والمدن الكبرى والتي تهاجر إليها أيضا إعداد ليست بالضئيلة من سكان المدن الصغرى نتيجة لعوامل الجذب والطرد، فضلا عن ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعية لسكان المناطق الحضرية، بينما يرجع النمو الحضري في الأقطار الخليجية أساسا إلى هجرة العمالة إليها من الأقطار الأخرى العربية والآسيوية وغيرهاوالواقع ان هذه الهجرة العمالية هي العامل الأكثر أهمية في عجلة النمو الحضري الخليجي بالمقارنة بالعوامل الأخرى مثل هجرة بعض البدو واستقرارهم قرب المدن أو داخلها، وهجرة الريفيين إلى المناطق الحضرية العراق )، والزيادة الطبيعية لسكان المناطق الحضريةوعلى سبيل المثال تقدر إحدى الدراسات ان نصف سكان مدينة الكويت من العمال الوافدين العرب والآسيويين وغيرهم، وان الدوحة و والمنامة والعديد من المدن الخليجية الأخرى تتبع نفس النمط تقريبا (6).
ثانياالعمالة الوافدة في الأقطار الخليجيةالحجم والخصائص:
زادت معدلات هجرة العمالة إلى منطقة الخليج العربي منذ منتصف السبعينات، وعلى وجه التحديد عقب أكتوبر 1973 وارتفع اسعار النفط، إذ ما كان بمقدور الأقطار الخليجية ان تعتمد على العمالة المحلية المتصفة بالضآلة والقصور في تنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية والصناعية ومشروعات البنية الأساسية والخدمات الاجتماعيةومن هنا أخذت، ولا تزال تتدفق إلى المنطقة إعداد كبيرة من العمال من الأقطار العربية غير النفطية والأقطار الآسيوية ذات الفائض العمالي ومستويات الأجور والدخول المتدنية.
1- نلاحظ بخصوص الهجرة العمالية العربية إلى الأقطار الخليجية، أن العمالة الماهرة والمهنية المتخصصة تأتي بالأساس من مصر والأردن وفلسطين، بينما تأتي العمالة غير الماهرة من الأقطار العربية الأخرى المصدرة للعمالة وخاصة اليمن بشطريه والسودانوجرت مؤخرا عدة محاولات لإحداث تيار هجرة للعمالة المهاجرة من المغرب العربي إلى أوروبا الغربية باتجاه الأقطار الخليجية، وتم هذه الهجرة المثلثة عن طريق الشركات الفرنسية والألمانية الغربية التي تقوم بإرسال هؤلاء العمال المغاربة إلى الأقطار الخليجية للعمل بالمشروعات التي تتعاقد هذه الشركات على تنفيذها (7).
ويتضح من جدول ( 3 ) أنه في عام 1980 بلغ إجمالي العمالة العربية الوافدة في الأقطار الخليجية ( 1.817.120 )، جاء في مقدمتهم المصريون الذين بلغ عددهم ( 732.500 ) بنسبة ( 40.31 % ) من الإجمالي (8)، وتلاهم اليمنيون الشماليون ( 510.50 ) بنسبة ( 28.07 )، ثم الأردنيون والفلسطينيون           ( 228.020 ) بنسبة ( 12.55 % ) واليمنيون الجنوبيون ( 158.820 ) بنسبة ( 8.74 % )، والسودانيون ( 61.220 % ) واللبنانيون( 54.450 ) بنسبة ( 2.99 % )، والسوريون ( 53.000 ) بنسبة (2.91%).. الخ.
2- ونلاحظ بخصوص العمالة الآسيوية في الأقطار الخليجية أنها أخذت في التزايد منذ منتصف السبعينات، بحيث أضحت منطقة الخليج تعج بجماعات آسيوية متنوعة، وخاصة من الهند والباكستان وبنجلاديش وتايلاند والفلبين وكوريا الجنوبية وإيران وغيرها.
وتنشر في المنطقة عدة وكالات لتوريد العمالة من الهند والباكستان وكوريا الجنوبية وغيرها، وتعمل من خلالها مكاتب موزعة بين عواصم الأقطار الخليجية والآسيوية تقوم بتلقي طلبات العمالة واختيار العمال وترحيلهم من أقطارهم الآسيوية إلى المنطقة الخليج نظير عمولات محددةويتمثل المصدر الثاني لتصدير العمالة الآسيوية المنطقة في الشركات الآسيوية دولة النشاطات، وبخاصة الشركات اليابانية والكورية الجنوبية، بل والعديد من الشركات الغربية دولية النشاطات متعددة الجنسية "، فهذه الشركات التي تحصل على عقود ضخمة في المنطقة تعتمد بالأساس في سد احتياجاتها من القوى العاملة على العمالة الآسيوية (9).

وتظهر بوضوح هيمنة العمالة الأسيوية على العمالة العربية الخليجية والوافدة في اكثر من قطر خليجي، وبخاصة الإمارات وقطر والبحرين وعمانفي الإمارات زادت إعداد العمالة الآسيويين من             ( 93.322 )في عام 1975 إلى ( 167.960 ) في عام 1977 إلى ( 531.804 ) في عام 1980، بينما زادت عدد العمال العرب الوافدين خلال هذه الأعوام الثلاثة من ( 23.532 ) إلى ( 40.440 ) إلى          ( 219.751 )، ومن هنا أضحى العمال الآسيويون يشكلون في عام 1980 نسبة ( 51 % ) من إجمالي.

جدول  رقم ( 3 )
العمالة الوافدة في الأقطار العربية الخليجية عام 1980

القوى العاملة في الإمارات مقابل ( 21.1 % ) للعمال العرب الوافدين و( 27.9 % ) للعمال المحليين (10)وفي قطر، وكما يتبين من جدول ( 3 )، بلغ عدد العمال الآسيويين في عام 1980 ( 37.120 ) مقابل                   ( 19.650 ) من العرب الوافدين، بل إنه في نهاية عام 1981 بلغ عدد العمال الآسيويين ( 78.971 ) مقابل ( 23.792 ) من العرب والوافدين و ( 18.910 ) من العمال المحليين ـ أي ان نسبة الآسيويين من إجمالي القوى العاملة في قطر في نهاية عام 1981 بلغت ( 64.9 5 ) مقابل ( 19.6 % ) للعرب الوافدين و ( 15.5 5 ) للعمال المحليين (11)ويتبين من جدول ( 3 ) أن عدد الآسيويين بلغ في البحرين                  ( 69..950 ) مقابل ( 3.790 ) فقط من العمال العرب الوافدين في عام 1980، وفي نفس العام بلغ هذان العددان على التوالي: ( 80.100 ) و ( 12.030 ) في عمان، ( 115.000 ) و ( 229.000 ) في الكويت، ( 153.000 ) و ( 1.090.450 ) في السعودية.
قدرت إحدى الدراسات أعداد العمال الآسيويين في البحرين وقطر والإمارات والكويت في عام 1975 بحوالي ( 247.700 ) كانوا يشكلون نسبة ( 45.7 % ) من إجمالي العمالة الوافدة في هذه الأقطار ( 542.500 ) مقابل ( 226.400 ) من العمال العرب الوافدين بنسبة ( 41.7 % ) من إجمالي العمالة الوافدة، و ( 195.100 ) من العمال المحليين بنسبة ( 26.5 5 ) في السعودية.
قدرت إحدى الدراسات أعداد العمال الآسيويين في البحرين وقطر والإمارات والكويت في عام 1975 بحوالي ( 247.700 ) كانوا يشكلون نسبة ( 45.7 % ) من إجمالي العمالة الوافدة في هذه الأقطار ( 542.500 ) مقابل ( 226.400 ) من العمال العرب الوافدين بنسبة ( 41.7 % ) من إجمالي العمالة الوافدة، و ( 195.100 ) من العمال المحليين بنسبة 0 26.5 % ) من إجمالي القوى العاملة (12).
3- ونلاحظ وجود تفاوت بين دراسة وأخرى في تقديرات أعداد العمال الوافدين في الأقطار الخليجية من حيث جنسياتهموعلى سبيل المثال قدرت دراسة دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل "، والتي اعتمدنا عليها في التوصل إلى البيان الواردة بجدول ( 3 )، عدد العمال الآسيويين في الأقطار الخليجية في عام 1980 بحوالي 0 925.478 ) مقابل ( 1.817.120 ) من العمال العرب الوافدين، وبينما قدرت دراسة دمحمد الرميحي عدد العمال الآسيويين في أقطار مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 بحوالي ثلاثة ملايين عامل مقابل مليون ونصف مليون من العمال العرب الوافدين (13).
والواقع ان هذه التفاوت في تقدير إعداد العمال الوافدين حسب الأصول الآنية في الأقطار الخليجية يرجع إلى ان بضع هذه الأقطار ليس ليدها احصاءات سكانية، أو ليدها احصاءات تقريبية لا يتم إعلانا باعتبارها من الأسرار العليا للدولة، بالإضافة ان أغلب هذه الأقطار تعتبر العاملين فيها من غير السكان المحليين أجانب ـ سواء أكانوا من العرب أو من غير العرب، فضلا عن أن نسبة كبيرة من العمال الوافدين وخاصة من الآسيويين يتواجدون في منطقة الخليج بصورة غير شرعية ـ سواء عن طريق التسلل أو إهمال تجديد إقاماتهم وجوازات سفرهم.
4- وبصرف النظر عن التفاوت في هذه التقديرات، فإن المرء يستشف من أي تقدير منها تزايدا في الطلب الخليجي على العمالة الآسيوية، وهذه ظاهرة ترجع إلى شبكة معقدة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ومن بين هذه العوامل الاقتصاديةانخفاض أجور العمال الآسيويين وقبولهم العمل في ظل ظروف وبموجب شروط أدنى من تلك يطالب بها العمال العرب الوافدين، والاتجار في تصاريح العمل الممنوحة للآسيويين من جانب بعض رجال الأعمال المحليين الخليجيين ووكالات التشغيل المنتشرة في الأقطار الآسيوية وخاصة أقطار شبه القارة الهندية، وإجادة بعض الآسيويين للغات الأجنبية واستخدام التكلس الخليجية في مجالات التجارة الخارجية والأعمال المالية والمصرفية المرتبطة بالأنشطة المالية الدولية والخدمات الفندقية (14).
ومن العوامل الاجتماعية لتزايد الطلب على العمالة الآسيوية في الأقطار الخليجية اتصاف هذه العمالة بالطاعة والخضوع مما يؤدي إلى تفضيلها على العمالة العربية ـ في الأعمال المنزلية والخدمات الشخصية، فضلا عن ترفع السكان المحليين ـ ممن ينتمون إلى أصول قبلية معروفة ـ عن أداء أعمال معينة كالأعمال اليدوية التي كان يقوم بها العبيد قبل الغاء نظام الرق في الستينيات (15).
وتتعلق العوامل السياسية لهذه الظاهرة بالقيادات السياسية الخليجية، وهي في معظمها ذات توجهات تقليدية محافظة، فهذه القيادات تخشى من تزايد الاعتماد على العمالة العربية الوافدة التي قد تتفاعل بعض عناصرها "المسيسة مع السكان المحليين وتنقل إليهم بعض الأفكار السياسية والاجتماعية غير المقبولة من وجهة نظر هذه القيادات، ومن هنا تشجع الأخيرة الاعتماد على العمالة الآسيوية وتنظر إليها على أنها ذات وجود مؤقت ويمكن التخلص منها بشكل أو بآخر عقب استكمال مشروعات البناء والتصنيع لتحل محلها العمالة المحلية، فضلا عن لجوء هذه القيادات إلى اتخاذ عدة تدابير وقائية صارمة في التعامل مع العمال الآسيويين لاحتواء احتمالات الأخطار التي تمثلها إعدادهم المتزايدة (16).
5- وقد يكون من المفيد قبل مناقشة النتائج والآثار التي تفرزها الهجرة العمالية في ارتباطها بقضية التحضر في الأقطار الخليجية، ان نشير إلى سمة مميزة للعمال الوافدين في هذه الأقطار، وهي ارتفاع معدلات الذكورة بينهم.
وعلى سبيل المثال في الكويت في عام 1980 بلغت نسبة الذكورة عدد الذكور لكي مائة أنثى بين العمال الوافدين ( 168 )، حيث كان عدد الذكور ( 496.121 ) وعدد الإناث ( 296.266 ) بين هؤلاء الوافدين (17)وفي نفس العام كان نسبة الذكورة بين العمال الوافدين في الإمارات أعلى من النسبة المقابلة لها في الكويت، غذ بلغت ( 313.4 ) (18)وفي البحرين زادت نسبة الذكور بين العمال الوافدين من ( 234 ) في عام 1971 إلى ( 308.5 ) في عام 1981 (19)وفي قطر بلغت نسبة الذكور في نهاية عام 1981 بين العمال العرب الوافدين ( 808 ) حيث كان عدد الذكور بينهم ( 21.172 ) وعدد الأناث ( 2.620 )، وبني العمال الآسيويين ( 720 ) حيث كان عدد الذكور بينهم ( 72.011 ) وعدد الأناث ( 6.960 ) (20).
ويمكن تفسير ذلك الارتفاع في نسبة الذكور بين العمال الوافدين في الأقطار الخليجية بالنظر إلى ان الانتقال للعمل في هذه الأقطار سواء من الأقطار العربية الأخرى او من الأقطار الآسيوية يتم اساسا ت وفي المراحل الأولى ـ عن طريق الرجال في من العمل من العزاب او من المتزوجين "، ولا يصطحب العديد من هؤلاء الآخرين زوجاتهم وأولادهم معهم اما للطبيعة المؤقتة لهجرتهم، وإما لرغبتهم في تحقيق أقصى ادخار من الأجور التي يحصلون عليهاومن الملاحظ انه حتى عندما يرغب مثل هؤلاء العمال في مراحل متأخرة في جمع شمل أسرهم واحضار أولادهم للإقامة معهم في القطر الذي يعملون فيها، فإن هذه الرغبة لا تتحقق في العديد من الأحوال نتيجة اشتراط حكومة القطر المضيف تحقيق العامل لحد أدنى من الدخل الشهري يزيد في معظم الحالات عن متوسط الدخل الذي يتقاضاه السواد الأعظم من العمال الوافدين ـ باستثناء فئات معينة منهم كالمهنيين وأساتذة الجامعاتوسوف نرى عند تحليل آثار الهجرة العملية في الأقطار الخليجية ما يثيره ارتفاع نسبة الذكور بني العمال الوافدين من قضايا اجتماعية كالسكن الجماعي والسلوك الانحراف.. الخ.
ثالثاالتحضر وآثار العمالة الوافدة في الأقطار الخليجية
قبل دراسة الآثار المتنوعة التي أفرزتها الهجرة العمالية إلى الأقطار الخليجية، يجب التأكيد على أنه من الصعوبة بمكان انكار فضل العمالة الوافدة في تحقيق مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الأقطار، بيد أن السؤال المثال في هذا الصدد هوما التكلفة الاجتماعية ـ الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تتحملها أو سوف تتحملها في المستقبل المنظور هذه الأقطار الخليجية نتيجة اعتمادها المكثف على استيراد العمالة؟
والواقع ان مشروعية هذا السؤال تنبع من ضخامة هذه التكلفة، وخاصة بالنسبة لتكلفة الاعتماد المتزايد على العمالة الآسيويةوثمة ثلاث مجموعات أساسية من الآثار المترتبة على الهجرة العمالية إلى الأقطار الخليجية:المجموعة الأولى ترتبط بأثر تلك الهجرة في الإسراف بمعدلات النمو الحضري وتزايد الضغوط على الخدمات والمرافق الحضرية ـ وخاصة الإسكان، المجموعة الثانية تتعلق بمشكلات التفاعل الاجتماعي بين الوافدين والسكان المحليين في المدن الخليجية، وللمجموعة الثالثة تتعلق بما ترتب على هذه الهجرة من آثار سلبية اجتماعية ـ اقتصادية وثقافية تمس السكان المحليين ـ فضلا عن المخاطر السياسية لتزايد الوجود الأسيوي في الخليجي.
1- الهجرة العمالية وسرعة التحضر وأزمة الإسكان في المدن الخليجية:
يرجع النمو الحضري في الأقطار الخليجية بالأساس إلى ظاهرة الهجرة العمالية، نظراً لأن العمال الوافدين يتجهون في معظمهم إلى المناطق الحضريةوقد أدت هذه الظاهرة، والتي سبقتها وتواكبها في كثير من الحالات هجرة داخلية من المناطق الريفية والبدوية إلى المناطق الحضرية، إلى تزايد إعداد سكان هذه المناطق الحضرية بدرجة جعلت من الأقطار الخليجية أكثر الأقطار العربية تحضراً.
ونتيجة لهذه الهجرة العمالية المتجهة بالأساس إلى المدن الخليجية، أضحت هذه المدن وسكانها يعانون من عدة مشكلات، لعل من ا÷مها تزايد الضغوط على المرافق الحضرية وخاصة للإسكان، فرغم الانجازات الضخمة "التي تحققت في قطاع التشييد خلال عقد السبعينات، لا يزال هذا القطاع في معظم الأقطار الخليجية عاجزا عن الوفاء بحاجات سكان المدن وخاصة من الوافدين، ولا يزال العرض أقل من الطلب الفعلي على المساكن، مما يفسر ارتفاع أسعار الإيجارات بشدة في العديد من هذه المدن منذ منتصف السبعينياتوعلى سبيل المثال تقدر إحدى الدراسات أن الفجوة بين العرض والطلب على المساكن تبلغ في المتوسط منذ منتصف السبعينات ( 350 ) ألف وحدة سكنية سنويا في السعودية و (265 ) ألف وحدة سنوية في العراق (21).
ويمكن في ضوء ازمة الإسكان وارتفاع الإيجارات في المدن الخليجية، ان نفسر ظاهرتين اجتماعيتين لهما أبعد الآثار في الأوضاع الاجتماعية ـ السياسية في تلك المدنونعني بالظاهرة الأولى السكان في مساكن جماعية من جانب العديد من العمال الوافدين ـ وخاصة من الذكور، وهذا ظاهرة خطيرة بالنظر إلى ما يترتب على انتشار المعيشة الجماعية بين مجموعة من الشباب والوافدين من جنس واحد من مخاطر الانحرافات الاجتماعية والاخلاقية والسلوك الاجراميوعلى سبيل المثال في دولة الإمارات كان          ( 39 % ) من مجموع العمال الوافدين يقيمون في مساكن جماعية في عام 1980، وفي نفس العام بلغت هذه النسبة في الكويت ( 22 % ) من مجموع العمال الوافدين منهم ( 50.225 ) من عمال الانشاءات بنسبة ( 29.7 % ) من هؤلاء الوافدين المقيمين في هذه المساكن ومجموعهم ( 168.873 ) (22)ورغم عدم وجود بيانات عن تعليل جنسيات هؤلاء العمال، إلا ا،ه يمكن ان نتوقع ان تكون نسبة العمال الآسيويين مترفعة بين مجموع ساكني المساكن الجماعية في الإمارات والكويت والأقطار الخليجية الأخرى.
وثمة ظاهرة اخرى أفرزتها أزمنة الإسكان وارتفاع الإيجارات في المدن الخليجية نتيجة للهجرة العمالية، والتفاوت الاجتماعي ـ الاقتصادي بين فئات السكان ويطلق عليها اسم مدن الكواخ ـ العشيش ـ الكرتون ـ الصفيح "Shanty Towns للتعبير عن مواد النفايات الرخيصة التي يستخدمها الفقراء في بناء هذه المساكن غير الصالحة، فهي عادة مكتظة بالسكان وتعوزها المرافق الصحية وتنقصها المياه الجارية والكهرباءومعظم سكان هذه الأحياء والمناطق من العمال الوافدين غير المهرة يضمون بين صفوفهم وافدين بطريقة غير مشروعة، فضلا عن مواطنين خليجيين نازحين حديثا من المناطق الريفية أو مراكز توطين البدووقد عبر أحد الباحثين العرب عن الخطورة الاجتماعية ـ السياسية لهذه الظاهرة بقولهط تمثل هذه المساكن الفقيرة المزدحمة مظهرا كئيبا من مظاهر حشد عمالي معزول يلتف من حول جيوب الثراء النفطي، وتمثل قنبلة زمنية اجتماعية موقوتة، أو بالأخرى هي بمثابة حزام من الديناميت الناسف يحيط بخصر نحيل هو طبقة الأثرياء التي خلقها النفط كما خلق معها طبقة الفقراء (23).
ومن ناحية أخرى ترتب على تزايد حركة البناء في الأقطار الخليجية في مواجهة الطلب المتزايد على المساكن ـ خاصة في ظل تدفق عشرات الآلاف من العمال الوافدين، حدوث تغيير معين في خصائص المساكن الحديثة في المدن الخليجية، فهذه المساكن في معظمها مبنية بالأسمنت المسلح أو من مواد سابقة التجهيز على الطريقة الغربية دون اهتمام كبير بالخصائص البيئية المميزة لهذه المدن وخاصة المناخ الصحراوي الجاف، ودون مراعاة للأنماط المعمارية العربية الإسلامية التي كانت سائدة من قبل هذه تلك المدن والتي كان من مزاياها توسيع الظل وزيادة التبريد والتهوية الطبيعية في المساكن، فضلا عن اتصاف معظم المساكن الحديثة بالإفراط في استخدام الطاقة اللازمة للتبريد صيفا وللتدفئة شتاء ـ مما يفسر انقطاع التيار الكهربائي وتعطل محطات الكهرباء بسبب التحميل المفرط عليها والناتج عن زيادة استهلاك الكهرباء بزيادة أعداد مكيفات الهواء وغيرها من الآلات الكهربائية (24).
2- مشكلات التفاعل الاجتماعي بين الوافدين والمحليين في المدن الخليجية:
تتسم المدن الخليجية بشبه انفصال اجتماعي من الناحية الفعلية بين الوافدين والسكان المحليين، بل وفيما بين قطاع الوافدين باختلاف بلدانهم الأصليةوفي معظم الأحيان يقتصر التفاعل الاجتماعي بين الوافدين والمحليين على المستويات الرسمية وحدها وينطبق ذلك حتى على التفاعل بين الوافدين العربي والسكان المحليين، والتفاعل بينهم يتم في المؤسسات الرسمية مثل المنظمات الحكومية والمشروعات الصناعية والتجارية، ولكن ما أن تنقض ساعات العمل فإنه يندر حدوث أي تفاعل اجتماعي بينهم (25).
ومن أسباب الانفصال الاجتماعي بين العرب الوافدين المحليين في المدن الخليجية، بل وفيما بين العرب الوافدين وبعضهم البعض، ما يلي:
أالطبيعة الاجتماعية الانعزالية للأحياء السكنية في المدن الخليجية عموماً، فهناك أحيان مقصورة على المحليين وحدهم، وأحياء أخرى مخصصة للوافدين دون غيرهم (26).
بالتفاوت والتمييز في الأجور وفرص الترقي الوظيفي والمزايا الاجتماعية الوظيفية الأخرى بين العمال العرب الوافدين والعمال المحليين في الأقطار الخليجية عدا العراق والتي تعد الدولة العربية النفطية المستوردة للعمالة الوحيدة التي صدقت في أغسطس 1976 على الاتفاقية العربية لتنقل الأيدي العاملة وصدرت فيها عدة قوانين وقرارات لتأكيد حقوق العمال العرب الوافدين وضمان المساواة بينهم وبين العمال العراقيين (27).. ان العامل العربي الوافد عندما يصل إلى أي قطر خليجي يشعر بأنه سعيد الحظ إذ تحققت أمنيته في العمل بقطر نفطي غنى، ويظل هذه العامل سعيدا وراضيا بأجره المرتفع كثيرا بالمقارنة بالأجر الضئيل الذي كان يتقاضاه في قطر الفقير، ولكن بمرور الوقت تتحول النقطة المرجعية في هذه المقارنة لتتركز على النظير الخليجي هذا العامل الوافد، ومن هنا يتغير موقف الأخير تدريجيا من الرضا والقناعة إلى التبرم والسخط تجاه القطر المضيف، إذ يتزايد في أعماقه الشعور بالتمييز والتفرقة في المعاملة.
جالأشكال المتنوعة من السلوك التسلطي ـ الاستعلائي ـ العدواني التي يتعرض لها العديد من العمال العرب الوافدين على يد العديد من السكان المحليين في معظم الأقطار الخليجية، سواء في العمل أو الشوارع أو المؤسسات الحكومية، واستنادا إلى قوة الوضع الاجتماعي والقانوني للمحليين إزاء الوافدينويفسر أحد الباحثين الخليجيين هذا السلوك على أساس ان رد الفعل الأولى من جانب المحليين إزاء الوافدين العرب لم يكن في البداية معاديا، وان كان متصفا بالحذر، ولكن مبرور الوقت اصبح غير ودي، فبعد أن تعلمت قطاعات من المحيين وجدت معظم الوظائف الإدارية الحكومية يشغلها العرب الوافدون، ومن هنا بدأ الصراع الخفي وأصبح الخلاف حتميا بين الوافدين العرب والمحليين (28)ويؤدي ذلك السلوك إلى بث الشعور بالنقمة والكراهية في نفوس هؤلاء العمال العرب والوافدين، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف ـ ان لم يكن انعدام ـ الروابط الاجتماعية الودية بينهم وبين العمال ولاسكان المحليين، بل ان العامل العربي الوافد إذا ما عاد إلى بلدة عادة ما ينقل إلى عدد كبير من كبير من أقاربه وأصدقائه هذه الشعور غير الودي إزاء سكان القطر المضيف.
دومن الأسباب الأخرى لعدم التفاعل الاجتماعي بين الوافدين العرب ولاسكان المحليين في الأقطار الخليجية تشديد القيم البدوية السائدة فيها ـ حتى بين سكان المناطق الحضرية ـ على الولاء للقبيلة ولذوي القربى، مما يجعل سلوك المواطن المحلي يتصف بالحذر والتشكك إزاء الغرباء ولو كانوا من أبناء الأقطار العربية الأخرى، فضلا عن النظرة السائدة بين العديد من الوافدين العرب بالتميز نتيجة لشعورهم بأنهم جاءوا من بلدان أرقى حضاريا وثقافيا من البلدان الخليجية ـ فهذه النظرة تحد من رغبة هؤلاء الوافدين في التوحد مع البلدان الخليجية وسكانها، والتوحيد كما هو معلوم يمثل الخطورة الأساسية في طريق الاندماج بين المهاجرين والمحلييناضف إلى ذلك لجوء معظم القيادات السياسية الخليجية، التي تخشى من أثر التفاعل بين العرب الوافدين والسكان المحليين في نقل أفكار سياسية واجتماعية غير مرغوب فيها إلى هؤلاء الآخرين، إلى خلق خطورة واضحة للتمايز بين المحليين والوافدين وخلق مصالح ذاتية لهؤلاء المحليين حتى يدافعون عنها ـ وبالتالي عن النظم المهنية والنقابية التي يمكن ان تجمع بين المحليين والوافدين العرب في إطار واحد على أساس مهني أو على أساسا مصالح مشتركة (29).
ه‍ - ومن اهم عوامل ضعف وفتور العلاقات الاجتماعية بين الجماعات العربية الوافدة في المدن الخليجية، بل واتصاف هذه العلاقات بالصراع، اشتداد حدة المنافسة بين أعضاء هذه الجماعات من أجل الحصول على فرص العمل خاصة في ظل زيادة العرض عن الطلب بالنسبة للعديد من الأعمال ـ ولا سيما العمال التي لا تحتاج إلى خبرة او مهارة متميزةوفي ظل هذه المنافسة يستعين العامل العربي الوافد بالعصبية القطرية والقرابية من اجل الحصول على العمل وتحقيق الاستقرار فيه والاستمرار في مجتمع يتميز بدرجة كبيرة من عدم المان الوظيفيوفي كثير من الأحيان تصبح هذه المنافسة بين الأفراد الساعين للعمل منافسة حادة بين المنتمين لأقطار عربية مختلفة، مما يؤدي إلى انتشار المشاعر غير الودية بين التجمعات العربية الوافدة، وينعكس ذلك سلبيا على إدراك كل من هذه التجمعات ـ الجاليات لفكرة الواحدة العربية في التعامل فيما بينها، وهو ما يظهر بوضوح بصدد العلاقات التنافسية والصراعية بين العمال المصريين والفلسطينيتين في العديد من المدن الخليجية (30).
وإذا كانت هذه العوامل وغيرها تؤدي إلى نشوء مثل هذه العلاقات غير الصحية بين الوافدين العرب والسكان المحليين الخليجيين علاقات الاستعلاء والتسلط من جانب المحليين والخضوع والسخط وعدم الرضاء من جانب الوافدين )، واتصاف العلاقات الاجتماعية بين العرب الوافدين وبعضهم بالمنافسة الحادة والصراع، رغم ان الجميع تجمعهم في النهاية وحدة الانتماء إلى ثقافة ولغة وتاريخ عربي إسلامي، فلا شك ان الصورة أكثر قتامة "بخصوص العلاقات بين السكان المحليين وبين الوافدين الآسيويين.
3- الآثار الاجتماعية والثقافية والسياسية للعمالة الوافدة في الأقطار الخليجية:
بالإضافة إلى ما أدت إليه الهجرة العمالية من سرعة التحضر في الأقطار الخليجية وزيادة الضغوط على المرافق والحضرية، فضلا عما يعينه ضعف ـ ان لم يكن غياب ـ التفاعل الاجتماعي بين الوافدين والسكان المحليين بل وفيما بين الوافدين وبعضهم البعض من تحول هذه الهجرة أثارا اجتماعية وثقافية تمس السكان المحليين عموما وسكان المدن منهم خصوصا، وهي في مجملها ذات مردود سلبي من وجهة نظر التنمية الخليجيةوينطبق ذلك القول بوجه خاص على العمالة الآسيوية والتي تحيل أيضا بزيادة وجودها العديد من المخاطر السياسية.
أتدهور اخلاقيات العمل بين الخليجيين والتحيز ضد العمل اليدوي المنتج وعمل المرأة.
صاحب التوسع في استيراد العمالة وتزايد استخدامها في كافة المجالات في الأقطار الخليجية، ازدياد تركز العمال المحليين في مجال الخدمات الحكومية وابتعادهم عن الأنشطة الانتاجية باستثناء القيام بأعمال الإدارة والإشراف في المشروعات الإنتاجيةوعلى سبيل المثال في عام 1975 كان ( 32.9 % ) من مجموع القوى العاملة المحلية في السعودية يعملون في مجال الخدمات الحكومية مقابل ( 0.4 % ) فقط في مجال الصناعات التحويلية و( 1.8 % ) في مجال التعدين والمناجم (31)وفي الكويت كان توزيع القوى العاملة المحلية في عام 1980 على القطاعات الثلاثة المذكورة: ( 72.8 % ) و ( 2.9 % ) و ( 2.5 % ) على التوالي (32).
ومن الملاحظ ان العناصر المحلية تنظر بوجه عام إلى الوظيفة الحكومية باعتبارها حقا مشروعا يتيح لها الحصول على نصيبها من الثروات النفطيةولكن عادة ما لا يقابل هذه النظرة شعور هذه العناصر بواجب القيام بالأعمال الموكولة إليها، حيث يكرس العديد من الموظفين المحليين معظم أوقاتهم وجودهم لأداء أعمالهم الخاصة وزيادة ثرواتهم من خلال المضاربة وغيرها، ويكتفون باثبات الدوام الحضور في الصباح ثم يتركون مكاتبهم لرعاية شؤونهم الخاصة تاركين أغلب الأعمال كي يؤديها الموظفين الوافدين.
ورغم ان هذه الظواهر قد صاحبت التوسع في استيراد العمالة، فإنه من الصعوبة بمكان القول بان استيراد العمالة كان هو الباعث أو الدافع الوحيد لمثل هذا التركيز في قطاع الخدمات الحكومية من جانب المحليين، أو لهذا السلوك غير المسئول من جانب الموظفين المحليين، فبخصوص الناحية الأولى يمكن الإشارة إلى تفضيل العناصر المحلية ولا سيما ذات الأصول القبلية العليا للوظائف الحكومية الإدارية على وظائف وأعمال أخرى كانت مقصورة فيما مضي على العبيد، ورغم ذلك يمكن القول ان درة الأقطار الخليجية على الحصول على احتياجاتها من العمالة الوافدة بأجور محددة بالمقارنة بإيراداتها النفطية تجعل موقف الحكومات يتسم بقدر كبير من التسامح إزاء إهمال الأعمال من جانب العمال المحليين وتشجيعها على الاعتماد على العمال الوافدين لأداء هذه الأعمالوفي هذا الإطار أضحى استئجار الوافدين سلوكا عاما تمارسه كافة القوى ابتداء بالدولة وانتهاء بالأفراد، سواء بهدف القيام بالأنشطة الإنتاجية أو بالخدمات الشخصية في المنازل أو في مجال الأعمال والخدمات الحكومية، وذلك حتى لو كان المحليون أنفسهم قادرين على إنجاز الأعمال المطلوبةومن هنا أضحت من الأمور الشائعة في اكثر من مدينة خليجية أن نجد أسرة خليجية لها خادمة هندية ومربية أطفال فلبينية، وتستخدم عمالا يمنيين أو باكستانيين لبناء فيلتها الجديدة، وتستخدم لبنانيين أو فلسطينيين لإدارة أعمالها الخاصة، في حين يستخدم رب الأسرة مساعداً مصريا يؤدي عنه العمل الحكومي الموكل إليه (33).
بعبارة أخرى ترتب على التوسع في استيراد العمالة الوافدة واستخدامها في العديد من المجالات، وفي إطار عوامل اجتماعية ـ سياسية معينة، تحول العديد من الخليجيين بدرجة أو بأخرى إلى طبقة من السادة يكتفون بالعمل الإشرافي ويتركزون في الأجهزة الحكومية الإدارية ويتركون إنجاز الأعمال الذهنية واليدوية والإنتاجية للعمال الوافدين، بل أنهم لا يؤدين واجباتهم حتى في نطاق أعمالهم الحكومية في ظل اهتمامهم بمصالحهم الخاصة وتفشي البطالة المقنعة بينهمومن هنا تنبع خطورة التوسع في استيراد العمالة واستخدامها من حيث إهمال تنمية الموارد البشرية المحلية والتي تتصف أساسا بالندرة والقصور، في حين لا يمكن الوصول إلى تنمية البلدان النفطية بالوكالة، وإنما تتطلب هذه التنمية ـ بالإضافة إلى الإرادة السياسية ـ تعبئة كافة وسائل الإنتاج الوطنية وخاصة الجهد والعمل البشري (34).
ومن ناحية أخرى نلاحظ أنه على الرغم من النقص الشديد في القوى العاملة المحلية، ولجوء الأقطار الخليجية إلى استيراد أنواع العمالة المختلفة من الخارج بما فيها العمالة النسائية، وعلى الرغم من التطور الذي تحققه في بعض هذه الأقطار كالكويت والبحرين في مجال تعليم الإناث والسماح لهن بالعمل في مجالات معينة كالتدريس في مدارس البنات العاملة في هذه الأقطار تتسم بالضعف، بل ومن المفارقات الغربية في هذا الخصوص أنه بينما يسمح في معظم الأقطار للنساء الأجنبيات بالعمل في مجالات متنوعة، يحظر على النساء المحليات العمل في هذه المجالات (35).
ويظهر ذلك عند تحليل أرقام العمالة المحلية والوافدة في الأقطار الخليجية ومدى مشاركة المرأة في العملوعلى سبيل المثال في الكويت في عام 1980 بلغت نسبة مشاركة الرجال الكويتيين في إجمالي القوى العاملة ( 31.8 % ) مقابل ( 4.8 % ) فقط للنساء الكويتيات ـ في حين بلغت نسبة مشاركة غير الكويتيات ( 16 % ) وفي البحرين في عام 1981 بلغت مشاركة البحرانيين في إجمالي القوى العاملة ( 43.7 % )، بينما لم تتجاوز نسبة مشاركة البحرينيات ( 10.3 % ) مقارنة بنسبة مشاركة ( 26 % ) لغير 
البحرانيات (36).
وإذا كان هذا هو الحال فيما يتعلق بمشاركة المرأة في قوة العمل في الكويت والبحرين وهما أكثر الأقطار الخليجية تطورا في مجال العلاقات الاجتماعية بوجه عام وتعليم وعمل المرأة بوجه خاص، كان لنا ان نتوقع ان يكون الحال اكثر سوءا في هذه الصدد في الأقطار الخليجية الأخرىلا شك ان هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى العادات والتقاليد والأعراف السائدة والنظر إلى عمل المرأة كأمر غير مرغوب فيه، بيد أن سهولة استيراد العمالة الرخيصة تدعم هذا الموقف الاجتماعي من قضية عمل المرأة، بل ان المرأة الخليجية تخلت في العديد من الأحوال عن وظائفها المنزلية ودورها الطبيعي في تربية وتنشئة الأطفال نتيجة للاستخدام الواسع النطاق للخدمة والمربيات الآسيويات ـ رغم ما يحيط بهذا الظاهرة الأخيرة من سلبيات اجتماعية وثقافية سوف نشير إلى بعضها في مواضع لاحقة.
بنشر الأمراض المعدية وارتفاع معدلات الجرائم والانحرافات.
من الآثار الاجتماعية السلبية الأخرى التي لحقت، وتلحق، بالعديد من السكان المحليين في الأقطار الخليجية نتيجة للهجرة العمالية وخاصة الآسيوية منها، انتقال بعض الأمراض إليهم من العمال الآسيويين مثل الملاريا "و التيفود و الجذام و السل و الزهري وغيرها من الأمراض التي كانت غير معروفة أو محدودة الانتشار في هذه الأقطار قبل تزايد معدلات هجرة العمال الآسيويين إليها خاصة منذ منتصف السبعينياتويرجع ذلك إلى ان الأقطار الآسيوية التي يأتى منها هؤلاء العمل تتسم في معظمها بارتفاع الكثافة السكانية وتدني مستويات الخدمات الصحية، بل ان عددا كبيرا من خدم المنازل والمربيات الآسيويات ينقلون مثل الأمراض السائدة في أقطارهم الآسيوية إلى العديد من أفراد الأسر الخليجية 
الحضرية (37).
ومن ناحية أخرى نلاحظ أن عددا كبيرا من العمال الوافدين من الذكور متوسطي الأعمال، ومن غير المتزوجين، أو ممن أتوا فرادي تاركين زوجاتهم في بلدانهم، وينتمي معظمهم إلى أكثر المناطق في بلدانهم فقرا وتخلفاً، ويؤدي ذلك ـ بالإضافة إلى ظروف عمل وحياة هؤلاء الوافدين في الأقطار الخليجية ـ إلى أقدام العديد من الوافدين وخاصة من الآسيويين على ارتكاب الجرائم المتنوعةوقد يؤدي ذلك إلى محاكاة لسلوكهم الإجرامي ـ المنحرف من جانب بعض السكان المحليين ممن لهم ظروف أسرية واجتماعية ونفسية تهيئ فرص المحاكاة وابتاع السلوك الانحرافي أو حتى تكوين العصابات الجانحة ويمكن الإشارة هنا إلى ما ورد في الاحصاءات الرسمية الصادرة في عام1977 بدولة الإمارات العربية المتحدة بشأن مسائل العدل والمن حيث بلغ مجموع مرتكبي الجرائم من الوافدين في ذلك العام ( 4948 ) شخصا كان منهم ( 3858 ) من الآسيويين بنسبة ( 78 % ) من المجموع (38).
ولا يعني ذلك ان تأثير العمالة الوافدين في ارتفاع معدلات الجرائم في المدن الخليجية يقتصر على العمالة الآسيوية وحدها، إذ ان هذا التأثير يشمل أيضا العمالة العربية الوافدة، وكذلك العمالة الوافدة من الأقطار الأخرى ـ بما فيها الأقطار الغربية المتقدمةومن الملاحظ أنه في بعض الحالات كان الوافدين من غير العرب أكثر حذرا في ارتكاب الجنايات من الوافدين العرب، ففي الكويت مثل وخلال الفترة 1970  - 1980 ارتكب الوافدون العرب ( 17.334 ) جناية مقابل ( 4.909 ) جناية ارتكبها الوافدون من غير العرب، وبلغ عدد الجنح ( 48.560 ) بالنسبة للعرب الوافدين و ( 6.440 ) بالنسبة لغيرهم من 
الوافدين (39).
والواقع ان وجود إعداد كبيرة من الوافدين ممن لهم خصائص وظروف معينة في الأقطار الخليجية، وتأثير السلوك الإجرامي للعديد منهم في السكان المحليين، يفسر لنا ـ ضمن عوامل أخرى ـ ارتفاع معدلات الجرائم في هذه الأقطار منذ منتصف السبعينيات، بل ان بعضها ـ كالسعودية ـ أضحت تشهد تزايدا في جرائم معينة لم تكن معروفة من قبل او كانت محدودة الانتشار مثل الجرائم الاخلاقية والاقتصادية والمالية وجرائم النصب والاحتيالوعلى سبيل المثال جاء في الكتاب الاحصائي السنوي لعام 1979 الصادر عن وزارة الداخلية السعودية، أنه بين عامي 1978 و 1979 زاد عدد جرائم النصب والاحتيال من ( 28 ) إلى 117 ) جريمة، وزاد عدد الجرائم الاقتصادية والمالية من ( 1.186 ) إلى ( 3.006 ) جريمة، وارتفع عدد الجرائم الاخلاقية الجنسية من ( 546 ) إلى ( 1.368 ) جريمة، وارتفع عدد جرائم القتل من ( 70 ) إلى ( 136 ) جريمة (40).
جالعمالة الآسيوية وتهديد الطابع الثقافي العربي للمجتمعات الخليجية.
ويؤدي الاعتماد المتزايد على العمالة الآسيوية وبإعداد كبيرة نسبيا في المجتمعات الخليجية التي تتصف معظمها بالضآلة السكانية، إلى إثارة مخاطر فقدان هذه المجتمعات لهويتها وثقافتها ولغتها العربيةويتم هذا التأثير الثقافي السلبي للعمالة الآسيوية من اخلال عدة مسالك لعل من اهمها ما يترتب على انتشار الآسيويين وخاصة من الهنود والباكستانيين في الأعمال التجارية والمصرفية وغيرها من تأثير سلبي على اللغة العربية، حيث تستخدم في الأسواق لغة ركيكة مهجنة مركبة من كلمات عربية وآسيوية اردية يجري نطقها بطريقة بعيدة تماما من اللغة العربية، ولا شك ان الاستخدام الدائم والمستمر لهذه اللغة المركبة كفيل بافساد اللغة العربية في الأقطار الخليجية واقحام الفاظ غربية لا تمت إلى العربية بأي صلة (41).
ومن ناحية ثانية يلاحظ ان الاستخدام الواسع النطاق للمربيات الآسيويات في المنازل الخليجية في تربية وتنشئة الأطفال، وبحيث تقدير إحدى الدراسات أنه من بين كل ثلاث أسر عربية خليجية حضرية من الطبقات العليا أو الوسطى توجد أسرة واحدة على الأقل تعتمد على المربيات الآسيويات، يؤدي إلى خطورة التأثير الآسيوي في الصفات والمكونات الثقافية للأجيال الخليجية الجديدة، فالمربيات الآسيويات يمارسون ـ ولو عن غير قصد ـ تأثيرا خطيرة في التكوين النفسي والقيمي والثقافي للأطفال الخليجيين، ولا يقتصر هذا التأثير على اللغة العربية ومفرداتها، وإنما يتعداه إلى اكساب النشئ قيما وعادات وتقاليد غريبة عن القيم والعادات والتقاليد العربيةوهذا يعني ان هذه الأجيال، والتي قدر يقدر لبعضها شغل مناصب قيادة في المستقبل، ستكون دون وجدان أو لسان أو شخصية أو هوية أو انتماء عربي (42).
دالعمالة الآسيوية ومخاطرها السياسية في الخليج العربي:
يثير تزايد الوجود الآسيوي في الأقطار الخليجية عدة مخاطر سياسية، من بينها خطر توظيف الولايات المتحدة لبعض عناصر العمالة الآسيوية في احتلال منطقة الخليج تطبيقا لحظة الغزو الأمريكي لمنابع النفط العربي "التي وضعتها لجنة تابعة للكونجرس الأمريكي في النصف الثاني من عام 1975 والتي لا يزال احتمال تنفيذها واردا متى استدعت المصالح الأمريكية ذلك، وعندئذ سيكون للآسيويين الوافدين من الأقطار المرتبطة بروابط خاصة بالولايات المتحدة دور يقومون به، وتثور هنا مخاطر العمالة الكورية الجنوبية بوجه خاص لما لمنطقة الخليج (43)فضلا عن أنه لم يكن من قبيل المصادفة ذلك التوافق الزمني بين إعداد الخطة الأمريكية المشار إليها وبين التزايد الملحوظ في إعداد الكوريين الجنوبيين في الأقطار الخليجية من ( 300 ) عامل في عام 1974 إلى ( 21.269 ) في عام 1976 إلى ( 52.247 ) في عام 1977 إلى ( 81.987 ) في عام 1978 إلى ( 99.141 ) في عام 1979إلى ( 120.535 ) في عام 1980 إلى ( 138.210 ) عامل في عام 1981 (44).
وتطرح العمالة الآسيوية في منطقة الخليج العربي خطرا ثانيا أكثر هولا من سابقة، إلا وهو خطر تكوين كيانات سياسية آسيوية في المنطقة، فرغم ان الاضطرابات والاضرابات التي أثارتها وقامت بها بعض قطاعات هذه العمالة في عدد من الأقطار الخليجية اقتصرت حتى الان على المطالبة برفع الأجور وتسحين ظروف العمل (45)إلا أنها يمكن ان تتحول في المستقبل إلى حركات سياسية للمطالبة بحق تقرير المصير وإقامة دويلات آسيوية في المنطقة على أساس التفوق العددي للآسيوية على العرب الخليجيين، وسوف تجد هذه الحركات الآسيوية الدعم والمساندة سواء من جانب الأقطار الآسيوية والتي لا تخفي بعضها اطماعها في المنطقة ـ ولنتذكر إيران، أو من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرها من الأقطار التي لها مصلحة ثابتة في دفع المنطقة العربية عموما نحو المزيد من التجزئة والتفت.
ومن العوامل التي تدعم احتمال حدوث ذلك التطور المخيف في منطقة الخليج، والذي لن يقل في خطورته عن قيام الدولة الإسرائيلية على التراب الفلسطيني، استمرار تدفق العمال الآسيويين بمعدلات كبيرة إلى المنطقة التي تعاني معظم أقطارها من خلخلة سكانية، وتحول العديد من هؤلاء الآسيويين إلى الاستقرار سواء بشكل قانوني أو بشكل غير قانوني حيث تتوافر لهم فرص العمل باجور لا توفرها لهم بدلانهم الآسيوية الفقيرة، فهذا الاستقرار (الاستيطان يؤدي إلى نشوء أجيال آسيوية جديدة تولد في المنطقة وتعيش وتعمل بها دون ان تتوافر لها سوى معرفة محدودة وعلاقة انتماء ضعيفة بأوطان الآباء الأصلية ودون ان تتمتع في الوقت نفسه بفرص الاندماج الكامل في المجتمعات الخليجية، فهذه الأجيال سوف تشكل صلب ومحور الحركات الانفصالية الآسيوية في الخليج (46).. أضف إلى ذلك ان الحكومات الآسيوية أظهرت في أكثر من مناسبة اهتماما كبيرا بأوضاع رعياها العاملين في الأقطار الخليجية، مما يعني ان هذه الحكومات سوف تتدخل في المستقبل لمساندة مطالبهم الانفصالية تحت ستار حماية حقوق الجاليات، وعلى سبيل المثال في فبراير 1980 احتجت الحكومات الهندية على صدور قانون في دولة الإمارات كان من شأن تطبيقه ان يؤدي إلى طرد عدة آلاف من الهنود المتواجدين بصفة غير شرعية وأثيرت تلك المساءلة في البرلمان الهندي وقامت انديرا غاندي بزيارة الإمارات ونجحت في إيقاف تنفيذ ذلك القانون، وفي عام 1981 قام وزير القوى العاملة في الباكستان بزيارة العديد من العواصم الخليجية لمطالبة بتوفير ظروف عمل ومعيشة أفضل للعامل الباكستانيين (47)... وأخيراً وليس آخراً يجب إلا يغيب عن أهاننا ما حدث في سنغافورة حيث تحول المهاجرون ـ المستوطنون الصينيون تدريجيا إلى الأغلبية العددية، وأضحى السكان الأصليون ـ الماليزيون أقلية في جزيرتهم، وانتهى الأمر بالمستوطنين إلى حكم الجزيرة، فهذا نموذج للاستيطان السلمي بنتائجه السياسية الخطيرة والتي لا يستبعد حدوثها في الأقطار الخليجية إذا ما استمرت عجلة الهجرة الآسيوية إلى على هي عليه من سرعة وقوة.
خاتمـــة:
يتضح مما تقدم أن للهجرة العمالية أكبر الأثر في العديد من المشكلات الاجتماعية ـ الاقتصادية والثقافة والسياسية سواء تلك الظاهرة بالفعل أو المتوقع ظهورها في المستقبل المنظور، وخاصة في الأقطار الخليجية الضئيلة سكانياً والتي يزداد فيها حجم العمالة الآسيوية عن حجم العمالة العربية الوافدة والمحلية.
وقد تضمنت الدراسة أكثر من إشارة إلى هذه المشكلات والتي تم تحليلها من منطلق العلاقة بين التحضر في الأقطار الخليجية والهجرة العمالية إليهاويبقى التأكيد على الأهمية تحرك هذه الأقطار بشكل متكامل ـ من خلال مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة ـ من أجل التوصل إلى استراتيجية فعالة لمواجهة هذه المشكلات وخاصة تلك التي تفرزها زيادة العمالة الآسيوية.
ورغم ان تحديد مبادئ وعناصر مثل هذه الاستراتيجية هو بالأساس من الأعمال السياسية التي يجب ان تنهض بها القيادات السياسية الخليجية، إلا أن ذلك لا يمنع من طرح عدة أفكار قد تكون ذات فائدة في هذا الخصوص:أولاً توسيع مشاركة العمالة المحلية في قوة العمل وتوفير ما يتطلبه ذلك من إعداد وتدريب وتأهيل ومواجهة تفشي البطالة المقنعة بين العمالة المحليين خاصة في قطاعات الخدمات الحكومية ـ فضلا عن إعادة النظر في قضية مشاركة المرأة الخليجية في العمل، ثانيا وقف أو تقليل عملية استيراد العمالية الوافدة الآسيوية سواء من جانب الهيئات العامة أو الخاصة أو الأفراد، لما ينطوي عليه تزايد الاعتماد على هذه العمالة من مخاطر اجتماعية وثقافية وسياسية، وثالثاً ضروري الاعتماد في المجالات التي تعاني من عجز العمالة المحلية أو قصورها على العمالة العربية الوافدة بدلا من الاعتماد على العمالة الآسيوية ـ من ضمان المساواة في الحقوق والمزايا الوظيفية والاجتماعية بين العرب الوافدين ولاسكان المحليين.

الحواشــي:
1)     World Bank, World Development Report 1985 ( Washingtion, D. D., World Bank, 1085 ), Table 22, PP. 260 – 261.
2)     Idem.
3)     John I. Clarke, “ contemporary urban Growth in the Middle East, “ in: John I.Clarke and Howard B. Jones, eds., Change and devlopment in the middle            ( London: Methun Co. Ltd., 1981 ), Table 9.6, P. 164.
4)     Idem.
5)     Saad Eddin Ibrahim, “ Urbanization in the Arab World: The Need Fro An Uraban Stategy, “ in: Saad Eddin Ibradim and nicholas S. Hopkins, ed., Arab Society in Transition: Areader ( Cairo: the Amercian University in Cairo, 1977 ), Table 6, P. 367.
6)     Ibid., P. 361.
7)     دمحمود عبد الفضيل، النفط والوجود العربيةتأثير النفط العربي على مستقبل الوحدة العربية والعلاقات الاقتصادية العربية بيروتمركز دراسات الوحدة العربية، 1980 )، ص 34.
8)     طبقا لتصريح وزير الدولة لشئون الهجرة والمصريين في الخارج، والمنشور بجريدة الأهرام يوم 19/ 3/ 1983 ( ص 8 )، بلغ عدد العمال المصريين في الأقطار الخليجية عام 1982 حوالي         ( 2.442.500 ) عامل، منهم الإمارات و ( 1.250.000 ) في العراق ( 800.000 ) في السعودية و ( 200.000 ) في الكويت و( 150.000 ) في الإمارات و ( 25.000 ) في قطر و ( 11.500 ) في عمان و ( 6.000 ) في البحرين.
9)     دعبد المالك خلف التميمي، الاستيطان الأجنبي في الوطن العربيالمغرب العربي ـ فلسطين ـ الخليج العربي الكويتالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ سلسلة عالم المعرفة 71، نوفمبر 1983 )، ص 201  202.
10) نفس المصدر، ص 202، ص 205.
11) نفس المصدر، ص 215.
12) Saad Eddin Ibrahim, “ Oil, Migration And The New Arab Social Order “ , In: Malcolm H. Kenn and sayed Yassir, ed., Rich and poor states in the middle east: Egypt and the New Arab order ( Boulder, colorado: Westvieur Press, 1982 ), Table XI, P. 37.
13) دمحمد الرميحي، الآثار السلبية لغزو العمالة الآسيوية للخليج والعالم العربي "، مجلة العرب، الكويت، عدد ( 280 )، مارس 1982، ص 14.
14) دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، مرجع سابق، ص 151.
15) دسعيد الدين إبراهيم النظام الاجتماعي العربي الجديددراسة عن الآثار الاجتماعية للثورة النفطية القاهرةدار المستقبل العربي، 1982 ) ص 161  162.
16) نفس المصدر، ص 190  191 وأنظر أيضاًجلال عبد الله معوض، الأمن القومي والتنمية الاقتصادية في الوطن العربي "، مجلة دراسات عربية، بيروتدار الطليعة، عدد ربيع 1984، ص 125 ـ 127.
17) دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، مرجع سابق، جدول ( 3- 1 )، ص 137.
18) نفس المصدر، ص 138.
19) نفس المصدر، ص 138.
20) دعبد المالك خلف التيمي، الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي، مرجع سابق، ص 215.
21) M. Huge P. Roberts An Urban profile of The middle East ( London: Croom Helm, Ltd., 1979 ), P. 224.
22) دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، مرجع سابقن ص 138  139.
23) دسعد الدين إبراهيم،النظام الاجتماعي الجديد، مرجع سابق، ص 187.
24) نفس المصدر، ص 186.
25) دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، ص 142.
26) دسعد الدين إبراهيم، النظام الاجتماعي العربي الجديد، ص 186.
27) لمزيد من التفاصيل في هذا الصدد، أنظر:
محسن خليل إبراهيم، حول تجربة في العمالة الوافدة "، مجلة المستقبل العربي، بيروتمركز دراسات الوحدة العربية، عدد ( 51 )، مايو 1983، ص 97  98.
28) دمحمد الرميحي، رؤية خليجية قومية للآثار الاجتماعية والسياسية للعمالة الوافدة "، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد ( 23 )، يناير 1981، ص 78  79.
29) دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، ص 144.
30) ثمة عدة دراسات في هذا الخصوص، ومنها دراسة دعلي ليلة التي جرت في عام 1982 على عينة مكونة من ( 201 ) من المصريين العاملين في الأقطار الخليجية، حيث أشار ( 164 ) منهم بنسبة ( 81.59 % ) من العينة إلى الفلسطينيين باعتبارهم أكثر العرب الوافدين عداء للمصريين، وفي معرض الإجابة عن سؤال حول مدى وضوح فكرة الوحدة العربية في إطار العلاقات الاجتماعية بين المصريين وغيرهم من العرب الوافدين، رد بالايجاب( 13 ) عاملا ( 6.45 % ) وبالنفي ( 117 ) عاملا ( 58.2 % ) وبوضوح الفكرة بعض الشيء ( 69 ) عاملا ( 34.32 % ) وبعدم العلم عاملان ( 0.99 % ).
أنظر في ذلك الصدددعلي ليلة، الهجرة وقضايا الوحدة "، مجلة السياسية الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، عدد ( 73 )، يوليو 1983، ص 76  83.
31) هنري عزام، نتائج واحتمالات انتقال الأيدي العاملة في الأقطار المستوردة والأقطار المصدرة "، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد ( 23 )، يناير 1981، جدول 6، ص 46.
32) دإبراهيم سعيد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمال العربية، جدول  10، ص 159.
33) دسعيد الدين إبراهيم، النظام الاجتماعي العربي الجديد، مرجع سابق، ص 177.
34) دمحمود عبد الفضيل، النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية الكويتالمجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، سلسلة عالم المعرفة 16، أبريل 1979 ) ص 229.
35) دعبد الملك خلف التميمي، الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي، مرجع سابق، ص 269.
36) دإبراهيم سعدي الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، ص 160.
37) دعبد المالك خلف التميمي، الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي، ص 271  273.
38) دعبد الباسط عبد المعطي، في التكلفة الاجتماعية للعمالة الآسيوية في الخليج "، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد ( 37 )، مارس 1982، ص 48  49.
39) دإبراهيم سعد الدين، دمحمود عبد الفضيل، انتقال العمالة العربية، جدول  8، ص 155.
40) دسعد الدين إبراهيم، النظام الاجتماعي العربي الجديد، جدول  6، ص 174.
41) دعبد الملك خلف التميمي، الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي، ص 275. دعبد الباسط عبد المعطي، في التكلفة الاجتماعية للعمالة الآسيوية في الخليج "، ص 50.
42) دسعد الدين إبراهيم، الخطر الصامت على الأسرة العربية "، مجلة الأهرام الاقتصادي، القاهرةمؤسسة الأهرام، عدد ( 745 )، 25 أبريل 1983، ص 31.
43) لمزيد من التفاصيل في هذا الخصوص، أنظر:
دعبد المالك خلف التميمي، مرجع سابق، ص 242 ـ 248 سامي أحمد خليل، الخطر الكبير في الخليج العربي "، مجلة الخليج العربي، جامعة البصرةمركز دراسات الخليج العربي، عدد ( 2 )، 1979، ص 124 ـ126.
44) Robert la Porte, Jr. “ The Ability of South And East Asia To Meet The labor Demands of The middle East and north Africa, “ in: the Middle East Journal, Washington, D. C.: The Middle East institute, Vol. 38, No. 9, Autumn 1984, Table 2, P. 704.
45) أنظر أمثلة متعددة لهذه الاضرابات العمالية الآسيوية في:
E. Hill, “ The international Division of labor: Saudi Arabia and The Gulf, “ in: Journal of the social sciences, Kuwait: Kuwait University, Special Issue, Spring 1983, PP. 134 – 135.
46) دإسماعيل سراج الدين، ستيس بيركس، جميس سوكنات، هجرة العمل الدولية في الوطن العربي "، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد ( 47 )، يناير 1983، ص 85.
47) دعبد المالك خلف التميمي، مصدر سابق، ص 255.
   
[*]  يقصد بالتحضر أو النمو الحضري التقدي في نسبة الساكن المقيمين في المناطق الحضرية إلى مجموع السكان في المجتمع المعين.



النص الكامل : حمله من هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا