التسميات

آخر المواضيع

السبت، 17 مارس 2018

التخطيط الإقليمي ...

الاقتصاد الإقليمي ECON (390)                                                                  الجزء السابعالتخطيط الاقليمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التخطيط الإقليمي

  ينبثق التخطيط الإقليمي من التخطيط القومي الشامل، ويحدد الخطوط العريضة التي توجه نحو الإقليم وتطوره اقتصادياً واجتماعياً خلال الفترة المحددة لتنفيذ المخططويتم ذلك عن طريق الترابط والتكامل بين ما تسفر عنه دراسات للعديد من العناصر الأساسية الخاصة بكل إقليم كالبيئة الطبيعية ومصادر الطاقة والموارد البشرية وما إلى ذلكوقبل أن نتناول بالعرض موضوع التخطيط الإقليمي نود أن نوضح ما هو المقصود بالتخطيط الإقليمي.

  التخطيط الإقليمي باختصار هو أسلوب علمي لحل مشاكل الإقليم اقتصادياً و اجتماعياً و عمرانياًولكن ما معنى كلمة "تخطيط"؟ التخطيط Planning هو "أسلوب و منهج يهدف إلى حصر ودراسة كافة الإمكانيات والموارد المتوفرة، وتحديد كيفية استغلالها لتحقيق الأهداف المرجوة خلال فترة زمنية معينة" (وإن كانت النظرية الحديثة للتخطيط عملية مستمرة لا ترتبط بفترة زمنية معينة). وقد ذكرنا مسبقاً أن الإقليم هو عبارة عن رقعة من الأرض تتسم بخصائص معينة تميزها عما يجاورهاوبدمج مفهومي التخطيط والإقليم يمكننا تعريف التخطيط الإقليمي بأنه عبارة عن:-"دراسة الموارد الطبيعية والبشرية سواء المستغلة منها أو الغير مستغلة في رقعة محددة من الأرض(إقليملمعرفة إمكانياتها ومواردها واستغلالها خلال فترة زمنية معينة لتحقيق أهداف محددة من شأنها النهوض بهذه الرقعة من الأرض(الإقليموإنعاشها".
   والتخطيط الإقليمي بذلك هو علم وفن وحركة سياسية، فهو علم لأنه يبحث في حقائق الأشياء بإجراء البحوث العلمية والدراسات الميدانية المختلفة، وهو فن لأنه يرتب وينظم استعمالات الأرض داخل الإقليم، وهو حركة سياسة لكون السلطات العامة في الدولة هي التي تصدر قراراتها بتنفيذ بنود الخطط الإقليميةكما يعرف جون فريدمان J.Friedmann التخطيط الإقليمي بأنه: "نوع متخصص من التخطيط السكاني، يهتم أساسا بالترتيب المبني على التقويم الشخصي للأنشطة الاقتصادية الموجودة في مكان اقتصادي معين، يشتمل على مدينة واحدة مع تحديد وتوضيح الأهداف الاجتماعية المراد تحقيقها من خلال عملية التخطيط".  وللدراسات الإقليمية أهمية بالغة في إعداد وتطوير المخطط القومي والمحلي إذ يقتضي المخطط القومي الشامل تحقيق خططه الخاصة بالتوزيع الجغرافي لمراكز التجمعات وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية عامة، مع نتائج الدراسات الإقليمية في المجال ذاته إذ منها تتكشف طبيعة و خصائص وإمكانات الإقليم المختلفة في الدولة ومن هذا فإن التخطيط الإقليمي في ظل التخطيط القومي الشامل يرتكز على الحقائق التالية:-
1-  قد ينظر إلى التخطيط الإقليمي على أنه أداة تستهدف في المقام الأول التنمية الإقليمية، ولكنها في الحقيقة تتعدى ذلك مستهدفة التنمية القومية.
-2  يعتبر التخطيط الإقليمي حجر الأساس في إعداد الخطة القومية حيث يمكن من خلاله التعرف على الإمكانيات والاحتياجات والرغبات الحقيقية للمجتمع المحلي والتي تمثل في مجموعها الإمكانيات والاحتياجات القومية.
-3  يعتمد التخطيط الإقليمي  أساساً على تذويب الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الأقاليم من خلال الإسراع بمعدلات النمو للأقاليم المختلفة، مما يدعم في النهاية التنمية القومية.

الهدف من التخطيط الإقليمي
ـــــــــــــــ
   يهدف التخطيط الإقليمي إلى خلق نوع من التوازن بين الأقاليم Regional Balance والتخلص من ظاهرة الاختلال الإقليمي، ويكون ذلك عن طريق تضييق الفجوات بين المناطق المختلفةوما دام التوصل إلى حالة التوازن المثلى في علاقات المناطق مع بعضها البعض عملية صعبة بحكم الديناميكية المميزة للبيئات البشرية، فإن أقصى ما يطمح إليه المخططون هو العمل المستمر على تخفيف الهوة بين المناطق الهامشية Peri-phetal والمناطق المتطورة Developed Regions. ويشير الباحثون إلى المبررات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تستدعي الأخذ بأسلوب التخطيط الإقليمي، وهي:-
1-  تخلف بعض الأقاليم وما له من آثار سلبية على عملية التنمية الشاملة، فتخلف أحد الأقاليم من شأنه أن يعوق نموه ويبطئ من عملية التنمية القومية بأسرهاوعلى ذلك فإن الأخذ بمبدأ التخطيط الإقليمي يؤدي إلى زيادة معدلات النمو التي يمكن أن يحققها المجتمع ليس على المستوى الإقليمي فحسب إنما على المستوى القومي ككل.
-2  إن عملية تنمية وتطوير أحد الأقاليم تحتاج إلى اهتمامات متداخلة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نظراً لأن دفع إقليم جديد إلى صفوف الأقاليم الكائنة فعلاً يتطلب عناية خاصة من نواحي عديدة كالعمران وإقامة الوحدات الإنتاجية الخدمية والصحية والتعليمية و... إلخ، وما يصاحبها من احتياجات القوى البشرية المدربة، خصوصاً وأنه في المراحل الأولى لا يتحقق نمو هذا الإقليم إلا بخطة إقليمية مرتبطة بالخطة القومية.
-3  إقامة صناعة جديدة في إقليم معين و ما يصاحبها من احتياجات هائلة خاصة في الجوانب العمرانية والبشرية، ولا شك أن هذا العمل الكبير يتطلب تخطيطاً على مستوى الإقليم لإقامة التنسيق والتكامل بين المستوى الإقليمي والمستوى القومي.
-4  تحقيق النمو المتكافئ بين مختلف أقاليم الدولة وما له من ضرورة قصوى لتدعيم النمو المتوازن بين مختلف قطاعات الاقتصاد القوميويعتبر النمو المتكافئ الذي تسعى إليه وتعمل من أجله الإدارة المحلية، والنمو المتوازن الذي ترتكز عليه الخطة القومية جانبين أساسيين لتحقيق النمو الذاتي للاقتصاد بأسرهويعتبر النمو الذاتي بدوره أساساً لتحقيق التنمية.
-5  نشر الوعي التخطيطي على المستوى الإقليمي و المحلي، وما يلعبه من دور أساسي في الأداء التنفيذي للخطة القومية، ولا ريب في أن النشاط التخطيطي يتطلب مثل هذا الوعي على المستويات المحلية خصوصاً وأن الوحدات المحلية والإقليمية هي في ذاتها الوحدات المنفذة للخطة الإقليمية.
-6  تحقيق اللامركزية الاقتصادية على المستوى القومي، بمعنى أن الإقلال من تركيز المشروعات الصناعية في المدن الكبرى وتوزيع الجديد منها على الأقاليم من شأنه أن يدفع التطور الاقتصادي والاجتماعي القومي.
-7  تحقيق الرابطة الاقتصادية والاجتماعية بين أقاليم الدولة مما يؤدي إلى تدعيم الوحدات المحلية وتأكيد  إحساسها بالوحدة القوميةأي أن تدعيم وتطوير مختلف أقاليم الدولة من شأنه أن يقوي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وأن يزيد من تماسك البنيان الاجتماعي للوحدات الإقليمية ويؤدي إلى تحقيق الرابطة الحقيقية بين الوحدات الإقليمية، وهذه الرابطة هي بدورها أساس الوحدة القومية.
-8  التعرف على الاحتياجات والرغبات الحقيقية للمجتمع من خلال مساهمة الدوائر المحلية في العملية التخطيطية الإقليمية، ويعتبر ذلك أساسا جوهريا لتوجيه وتعبئة موارد وطاقات المجتمع نحو تحقيق أهداف قومية وإقليمية تفي بأكبر قدر ممكن من هذه الحاجات والرغبات.
-9  امتصاص العمالة الزائدة عن حاجة المدن الكبرى، ويرجع هذا المبرر إلى أن عدم الاهتمام بالوحدات المحلية و الإقليمية من الوجهة الإنتاجية والخدمية من شأنه أن يزيد من هجرة العمالة الزائدة من الريف إلى المدن الكبرىونظراً إلى أن هذه العمالة غير مدربة ، كما أنها زائدة عن الطاقة التشغيلية للعمل المتاح بالمدن، فإن استمرار هجرتها من الريف إلى المدن يمثل مشكلة بطالة مقنعة يصاحبها مشاكلعديدة خاصة في مجالات الإسكان والنقل والمرافق المختلفة، وأيضاً في مجال الأمنلذلك فإن الاهتمام بالأقاليم وإقامة الوحدات الاقتصادية والخدمية وتطوير كفاءتها من خلال التخطيط الإقليمي سيزيد من الطاقة التشغيلية لقوى العمل المتاح بهذه الأقاليم، ولن يؤدي هذا فقط إلى إيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى فحسب ولكن يعمل أيضاً على عدالة توزيع الدخل.

أنواع التخطيط الإقليمي
ــــــــــــ
    تتعدد جوانب التخطيط سواء على مستوى الدولة (تخطيط قوميأو على مستوى الإقليم (تخطيط إقليميأو على مستوى المدينة تخطيط حضري). ومن أهم هذه الجوانب أو الأنواع، ما يلي:-
1- التخطيط الاقتصادي Economic Planning:هو عبارة عن عملية وضع وإعداد القرارات المنظمة للنشاط الاقتصادي في الإقليم و استخدام الموارد لتحقيق الأهداف التي ينشدها المجتمعوبذلك فهو يشتمل على جميع الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج الزراعي والصناعي والتعديني والتجاري وغيره، والعوامل المؤثرة في كل نشاطوقد أصبح النشاط الاقتصادي في الوقت الحاضر من أهم أنواع التخطيط، حيث أن نجاح المجتمع مرتبط بنجاح اقتصادياته.

2- التخطيط الزراعي Agricultural Planningيهدف التخطيط الزراعي إلى:-
أ  التوسع الأفقي Horizontal Expansion و يعني زيادة مساحة الرقعة الزراعية عن طريق استصلاح الأراضي وتحسين وسائل الري والصرف واستخدام الآلات الحديثة.
بالتوسع الرأسي Vertical Expansion ويقصد به زيادة الغلة الزراعية للأرض وتحسين إنتاجيتهاويتطلب ذلك اختيار تقاوي بذور عالية الإنتاج، وتسميد الأرض ومقاومة الآفات الزراعية، مع التركيز على رفع كفاءة وإنتاجية العمال الزراعيين.
جاختيار أفضل المحاصيل الزراعية وأكثرها إنتاجاًويتطلب ذلك دراسة وحصر خصائص عناصر البيئة الطبيعية من مناخ ومياه وتربة، والتي يمكن على أساسها اختيار أنسب المحاصيل التي يمكن زراعتها في الإقليم.

3- التخطيط الصناعي Industrial Planningيهدف إلى تطوير القطاع الصناعي وتحديثه ، وذلك في الدول التي يوجد بها نشاط صناعي بالفعلأما الدول التي لم تقطع شوطاً طويلاً في مجال الصناعة، فإن التخطيط الصناعي فيها يرمي إلى إقامة صناعات وطنية تعتمد على الخامات المحلية أياً كانت طبيعتهاوأياً كان مستوى التخطيط الصناعي، والذي يتوقف على موارد الإقليم وإمكانياته، فإنه يهدف إلى رفع المستوى المعيشي العام للسكان نظراً لارتفاع الدخل الصناعي مقارنة بالدخول الأخرى (الزراعية مثلاً)، هذا إضافة إلى توفير المنتجات الصناعية محلياً والتقليل من الاستيراد.

4- التخطيط التجاري Commercial Planningيتطلب التخطيط التجاري دراسة التركيب السلعي لكل من صادرات الإقليم و وارداته و التوزيع الجغرافي لكل منهما، وذلك بهدف وضع خطة تعمل على تنمية حجم الصادرات القومية وتقلل من حجم الواردات قدر الإمكان.

5- التخطيط العمراني Architectural Planningقد يكون التخطيط العمراني تخطيطاً حضرياً أو تخطيطاً ريفياً، وهو عموماً يهتم باختيار المواقع المثالية للمحلات العمرانية في الأقاليم المختلفة، مع توزيعها بنمط معين من حيث الحجم والعدد والتباعد، مما يؤدي في النهاية إلى حصول السكان على كافة الخدمات التي يحتاجونها في سهولة ويسر وبلا مشاكل ما أمكن ذلك.

6- التخطيط السكاني Population Planningيعتمد التخطيط السكاني على تقدير أعداد السكان في سنوات محددة في المستقبل (على أساس أعداد السكان في سنوات سابقة)، حتى يمكن معرفة معدلات النمو السكاني الحالية والمستقبلية مما يسهم في التخطيط لاحتياجات هؤلاء السكان المختلفة، ويلقي الضوء على عوامل نمو السكان الحاضرة والمستقبلية.

مراحل التخطيط الإقليمي
ــــــــــــ
  تمر الخطة الإقليمية بعدة مراحل نوجزها فيما يلي:-
المرحلة الأولى رسم السياسات العامة:-  المرحلة التي يتم فيها التحديد المبدئي لأهداف التنمية في المجالات المختلفة مع إعطاء أولويات تحقيق هذه الأهداف عن طريق وضع أوزان نسبية معينة لكل منها.واختبار الأهداف المراد تحقيقها عملية سياسية في المقام الأول حيث تقوم السلطة السياسية العليا بتحديد الأهداف العامة للخطة بناء على الدراسات التي تقوم بها الهيئة العليا للتخطيط.
المرحلة الثانية المسح الشامل:- و يعني جمع البيانات والمعلومات والبحوث الميدانية بهدف الكشف عن الثروات الموجودة داخل الإقليم سواء الطبيعية أو البشرية و كيفية استغلالهاهذا إضافة إلى جمع المعلومات الخاصة بظروف الإقليم العامةويشكل المسح الشامل القاعدة أو الأساس الذي ترتكز عليه خطط التنمية بمحاورها المختلفة، كما يمكن من قياس مدى التغير الذي يحدث في الإقليم كنتيجة لتنفيذ الخطط التنموية.
المرحلة الثالثة تحليل البيانات:- تبدأ هذه المرحلة بتحليل البيانات والمعلومات التي تم الحصول عليها نظرياً.  وتعد هذه المرحلة أولى مراحل وضع خطة التنمية الإقليمية عملياً، حيث يتم فيها تحليل المعلومات والدراسات الخاصة بالإقليم والتي تحدد خطة التنمية وتوجههاويقال أنه لا توجد طريقة موحدة في الدراسات التمهيدية اللازمة لخطط التنمية يمكن تطبيقها كأساس لكل خطة إقليمية، إذ لابد من إعداد دراسات متعمقة وشاملة لكل إقليم يراد تنميته وإعداد خطة لذلك.
المرحلة الرابعة التصميم العام للخطة الإقليمية:- على ضوء البيانات والدراسات التمهيدية السابقة، وعلى ضوء الأهداف المراد تحقيقها من التخطيط الإقليمي، تكون مهمة المخطط هنا هي وضع عدد من البدائل المختلفة والتي يشترط فيها الصلاحية (إمكانية تنفيذها)، ثم اختيار واحد من هذه البدائلهذا البديل يعتمد من السلطات التنفيذية في الدولة كوزير التخطيط أو وزير الشئون البلدية والقروية مثلاً، وعندها يصبح هذا البديل مستند رسمي يسير عليه في عمليات التنمية الإقليمية.
المرحلة الخامسة تنفيذ الخطة:-  هذه المرحلة تكون بتنفيذ الخطة الخمسية العامة ويرصد لها ميزانيات سنوية خاصة، بحيث يمكن تنفيذ كل البرامج خلال الخمس سنوات المحددة للخطة.
المرحلة السادسة تقييم الخطة الإقليمية:- تعني متابعة تنفيذ الخطة ويطلق عليها أيضاً مرحلة المسح الدوري، والتي يسعى فيها إلى متابعة مراحل تنفيذ المشاريع المدرجة في خطة التنمية، ورصد مستويات التشغيل من جميع النواحي الإدارية والفنية وما إلى ذلك، وقد تنقسم هذه المرحلة إلى عدة مراحل، بحيث يتم في كل مرحلة قياس مدى قدرة الأجهزة المنفذة على تنفيذ مفردات الخطة في الأوقات المحددة لها، وتلمس المعوقات التي تعترض مسار التنفيذ وتعيين مدى نسبة تنفيذ ونجاح الخطة في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
علاقة التخطيط الإقليمي بالتخطيط الاقتصادي القومي
ــــــــــــــــــــــــــــ
  تنطوي عملية التخطيط الاقتصادي القومي على ثلاثة أبعاد لابد من أخذها في الاعتبار لضمان نجاح أية خطة اقتصادية للتنمية، هذه الأبعاد هي:-
1- الموارد:- و تشمل جميع الموارد المالية والبشرية والطبيعية سواء المستغلة أو التي يمكن استغلالها.
2- البعد الزمني:- حيث يتطلب تحقيق أهداف الخطة بعداً زمنياً معيناً، ولذلك يتم توزيع أهداف التنمية على فترات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
3- البعد المكاني:- حيث أن توزيع المشروعات يتطلب معرفة كاملة بأفضل المواقع لتوطن هذه المشروعاتولاشك أن الأخذ بهذا البعد يعني ضرورة الأخذ بأسلوب التخطيط الإقليمي.
   وعلى ذلك فإن التخطيط الإقليمي ما هو إلا البعد المكاني لعملية التخطيط الاقتصادي، فالتخطيط الإقليمي ليس بديلًا للتخطيط القومي بل هو مكملاً له ويعمل في إطاره، ويدعم الأسس العملية والمبادئ الرئيسية التي يستند عليها.

التنمية الإقليمية
ــــــــ
   إن عملية التنمية الاقتصادية في البلدان النامية خصوصاً و هي بصدد السعي للقضاء على التخلف الاقتصادي لابد وأن نضع في حسبانها ضرورة الأخذ بالتنمية الإقليمية حتى تتمكن من القضاء على ظاهرة الاقتصاد المزدوج وربط اقتصاديات الإقليم بعضها بالبعض الآخر بهدف رفع معدل النمو الاقتصادي القوميفلكي تتحقق التنمية الاقتصادية بطريقة أكثر كفاءة يستلزم الأمر تنمية أقاليم المجتمع القومي بحيث يتحقق أعلى معدل للتنمية القوميةوعلى ذلك فأسلوب التنمية الإقليمية ليس بديل لأسلوب التنمية القومية وإنما يكمل كل منهما الآخر دون ما تعارض أو تناقضوبانتهاج الأسلوبين معاً تلتقي التنمية الإقليمية التي تبدأ بحصر المطالب والاحتياجات المحلية والموارد الإنتاجية المتاحة لإشباعها مع التنمية مع التنمية القومية التي تأخذ في اعتبارها الصورة الكاملة للاقتصاد القوميتأخذ التنمية الاقتصادية في اعتبارها البعد المكاني لعملية التنمية كما تستهدف تحقيق أعلى معدل للنمو تذوب معه الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الأقاليموهكذا يتضح لنا أن أهداف التنمية الإقليمية لا يمكن فصلها عن أهداف التنمية القومية، ومن ثم فلابد من توافر منهج عام مشترك يربط بين التنمية القومية من جهة والتنمية الإقليمية من جهة أخرى، بحيث تكمل الخطط الإقليمية الخطة القومية في تحقيق أهدافها وبالتالي تصبح الخطةأكثر واقعية في تحقيق أهدافها وبالتالي تصبح الخطة أكثر واقعية وتحظى بمساهمة أفراد المجتمع على مختلف المستويات.
التخطيط الصناعي والتوطن
ـــــــــــــــ
   تمثل الصناعة مقياساً هاماً من مقاييس التطور الاقتصادي لأهمية الصناعة ودورها الكبير في الاقتصاد القومي من مقاييس التطور الاقتصادي لأية دولة، فهي تخلق فرصاً عديدة للعمل إلى جانب أرباحها الكبيرة مقارنة بأرباح الزراعة مثلاً، إضافة إلى توفير الكثير من المنتجات التي تقلل من الاعتماد على الأسواق الخارجية
                                 و يهدف التخطيط الصناعي إلى:-
1- توطين الصناعة    2- تحسين نوعية الإنتاج الصناعي      3- زيادة الإنتاج الصناعي
باختيار مواقع للمراكز      بتحديث الأساليب الصناعية و رفع        بإضافة خطوط إنتاجية جديدة
الصناعيـة الجديـدة       مستوى الكفاءة الفنية للأيدي العاملة       في منشآت صناعية موجودة
تتفـق فيها ظروف و      واستخدام مواد خام جديدة، و توفير        بالفعل، أو التوسـع في إقامة
إمكانيات الموقـع مع      كافة متطلبات الصناعة.                   منشـآت صناعية في أقاليـم
طبيعة كل صناعة من                                           متفرقة بشرط توافر مقومات
الصناعات و خصائصها.                                                 الصناعة فيها

  وتتسم عمليات التخطيط الصناعي ومراحل تطوره بالتعقيد الشديد و الصعوبة، ومرد ذلك ارتباط الصناعة أساساً بعدد من العوامل المتداخلة بعضها طبيعي يتعلق بمصادر الطاقة وموارد الخامات، وبعضها بشري يتعلق بالأيدي العاملة ومدى توافرها ومستواها الصحي والفني، ومدى توافر الخدمات المختلفةهذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كالأسواق والنقل والمواصلات وحجم وطبيعة مصادر التمويلإلى جانب الارتباط ببعض العوامل الأخرى كطبيعة الصناعة أو خصائصها العامة ومدى حاجتها إلى صناعات أجنبية مساعدة لإتمام عملية التصنيع أو صناعات مساندة لها (مثال: حاجة صناعة المنسوجات إلى صناعات والمواد الكيمائية).

التوطن الصناعي Localization
ـــــــــــــــــــ
   يعتبر موضوع التوطن من الموضوعات الهامة في التخطيط الإقليمي والتي تحظى باهتمام متزايد من قبل الاقتصاديين نظراً لما يترتب على عدم التوطن الصناعي السليم من آثار سلبية على الاقتصاد القوميولاشك في أن التوزيع الإقليمي السيء للصناعات ومشاكل التركز الصناعي تتطلب ضرورة رسم سياسة فعالة للتوطن الصناعي ترتكز على التخطيط الإقليمي.
   ويفيد التوطن الصناعي في إدراك مدى تأثير المقومات المختلفة للصناعة في جذب صناعة ما في مكان معين، خاصة أن هناك فريقاً من الباحثين يرى أن هناك مواقع محددة للصناعة ترتبط بها لتوافر مقومات معينة.  بينما يرى فريق آخر أن الصناعة لا ترتبط بموقع محدد إذ يمكن أن توجد في أي موقع أو إقليم متى كانت هناك رغبة من الإنسان في إقامتهاوالحقيقة أن وجهة نظر الفريق الأخير تمثل انقلاباً ضد وجهة النظر السائدة بين الجغرافيين والاقتصاديين والخاصة بالتوطن الصناعي وارتباطاته، إلا أنه لا يمكن الأخذ بها واعتبارها قاعدة ثابتة لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها هنا.

قياس التوطن الصناعي
ــــــــــــ
   تتعدد الأسس التي يمكن الاعتماد عليها في قياس التوطن الصناعي حيث تضم القيمة المضافة Added Value ، وإجمالي قيمة الأجور Total Wages التي تدفع للعمال وعدد ساعات في الصناعةوجملة الاستثمارات في قطاع الصناعة، وعدد العاملين في الصناعة (أهم الأسس التي يعتمد عليها في قياس التوطن الصناعي وأكثرها شيوعا). ويمكن قياس درجة التوطن الصناعي بأحد الطرق التالية:-
أولاطريقة حساب النسبة المئوية لعدد العاملين بالصناعة في إقليم معين إلى جملة العاملين بالصناعة في الدولة:- فكلما ارتفعت نسبة العاملين الصناعيين بالإقليم إلى العاملين الصناعيين في الدولة ككل كلما دل ذلك على أهمية الصناعة في الإقليم و توطنهاأي النسبة التي يحسب بها درجة التوطن هي:-
درجة التوطن الصناعي  =  ـــــــــــــــــــــ  × 100%

ثانيا- طريقة حساب النسبة المئوية لعدد العاملين بصناعة معينة في إقليم محدد إلى جملة العاملين بهذه الصناعة على مستوى الدولة:-  فكلما ارتفعت نسبة العاملين في الصناعة المعنية بالإقليم إلى العاملين في نفس الصناعة في الدولة ككل، كلما دل على أهمية هذه الصناعة في الإقليم و توطنهاأي النسبة التي يحسب بها درجة التوطن، هي:-

درجة التوطن   =  ـــــــــــــــــــــ  × 100%

ثالثا- طريقة نسبة العاملين بصناعة في إقليم إلى إجمالي العاملين بالصناعات المختلفة في نفس الإقليم:-  إذا زادت نسبة العاملين في صناعة معينة في الإقليم إلى إجمالي عدد العاملين بالصناعات المختلفة في الإقليم نفسه عن 60% دل ذلك على شدة توطن الصناعة، وإذا تراوحت هذه النسبة ما بين 60%- 30% فهذا يعني وجود شكل من التركز الصناعي، أما إذا انخفضت النسبة عن 30% فهناك تواجد صناعي ليس إلا.

رابعا- طريقة سيرجنت Sargant Florence:- و هو معيار إحصائي لقياس التوطن الصناعي و لاستخدامه تتبع الخطوات التالية:-
1-  تستخرج النسبة المئوية للعاملين بالصناعة بجميع قطاعاتها موزعة على أقاليم أو جهات الدولة.
-2  تستخرج النسبة المئوية للعاملين بالصناعة المراد قياس درجة توطنها موزعة على إقليم أو جهات الدولة المختلفة.
-3  يحسب انحراف نسبة العمال في الصناعة المراد قياس درجة توطنها على النسبة المقابلة لها و التي تبين العاملين بالصناعة في كل إقليمويكون معامل التوطن لهذه الصناعة هو مجموع الانحرافات الناشئة مقسوما على 100%.
-4  إذا كان نصيب أي إقليم إلى نسبة إجمالي عمال الصناعة المراد قياس معامل توطنها تفوق نسبة إجمالي العاملين دل ذلك على أن معامل التوطن موجب أي أن هذه الصناعة تتركز بدرجة كبيرة في الإقليم.

    يتضح من تتبع أرقام الجدول السابق أن الانحرافات الموجبة التي تؤكد توطن الصناعة المطلوب قياس درجة توطنها، توجد في الأقاليم (1)، (3)، (6), (11). مما يلاحظ اختلاف درجة التوطن في الأقاليم المختلفة و التي تبلغ أقصاها في الإقليم (11) في حين تبلغ أدناها في الإقليم (3) بينما تنتشر الانحرافات السالبة في باقي الأقاليم.


الانحرافات عن نسبة إجمالي العاملين
النسبة المئوية لتوزيع العمال

الإقليم
العاملين بالصناعة المراد قياس توطنها
جملة العاملين بالصناعة
9.40
16.91
7.51
1
-7.54
1.45
8.99
2
3.34
4.80
1.46
3
-6.89
2.50
9.49
4
-7.45
2.13
9.58
5
-4.30
1.96
6.26
6
-3.76
3.06
6.82
7
-2.59
1.18
3.77
8
4.38
11.41
7.03
9
-5.72
2.45
8.17
10
32.60
47.23
14.63
11
-4.79
8.26
13.05
12

   تتباين درجة توطن الصناعة من مكان لأخر داخل الإقليم أو من إقليم لآخر في الدولة، و ذلك حسب ما يلي:-
مدى توافر الإمكانيات المختلفة التي تحتاج إليها الصناعة.
طبيعة الصناعة المخطط لإنشائها و التي تصنف على النحو التالي:-
أصناعات لا تتوطن في أماكن معينة.
بصناعات تنتشر في مساحات واسعة.
جصناعات تتوطن بشكل مركز في منطقة أو إقليم محدد المساحة.

   لذلك نجد صناعات تتوطن في إقليم معين و محدد المساحة أو صناعات تنتشر في مساحات واسعةفهناك صناعات لا تتوطن في أماكن معينة بل تنتشر في العديد من أحياء المدينة ويطلق على مثل هذا التوزيع الصناعي تعبير "التوزيع الشبكيNetwork Distribution  لارتباط صناعته بأسواق التصريف كورش الإصلاح والصيانة، صناعة الخبز، توزيع الغاز وما إلى ذلك من الخدمات الصناعية المختلفةأما الصناعات التي لا تنتشر في مساحات واسعة فيطلق عليها تعبير التوزيع الشبكي المحدود.   
   وهناك مفهوم"النطاق الصناعيIndustrial Belt وهو حيث توجد مراكز صناعية متقاربة في موقعها ولكنها منفصلة في توزيعها كنطاق الصناعات البترولية في المنطقة الشرقية بالمملكةوإذا كان التوطن الصناعي أكثر تركزاً بمعنى تركز الصناعة في منطقة أو إقليم محدود المساحة أطلق عليه "التركز العنقودي". أما إذا كان التوطن أشد تركزاً، أي يتركز في نطاق ضيق جداً فهنا يظهر ما يعرف بالمستعمرات الصناعية Industrial Estates أو المدن الصناعية، كما هو الحال في المدن الصناعية بالجبيل و ينبع.
ومن الأسس التي أسهمت في تركز الصناعات وتتبع الظروف التي نمت فيها الصناعة لمعرفة تحت أي ظروف يمكن أن تتطور وتلعب دوراً مؤثراً في البناء الاقتصادي للإقليم، وخاصة أن وجود صناعة أو صناعات محددة تجذب صناعات أخرى إليها تبعاً للقاعدة المعروفة باسم مبادئ الاختلافات الدنيا Principles of Minimum Differentiation والتي تتلخص في أنه "متى نشأت صناعة معينة في إقليم لأي سبب من الأسباب فإنها تخلق الظروف المناسبة التي تجذب بدورها صناعات أخرى قد تكون مكملة لها أو مرتبطة بها مما يؤدي إلى نمو الإقليم وتطوره بشكل يشبه نمو الكرة الثلجية". بمعنى أن وجود صناعة معينة في الإقليم قد يؤدي بطبيعة الحال إلى جذب صناعات أخرى إلى هذا الإقليم.
   ذكر "رينيرRenner أن أي إقليم يمر خلال تطور الصناعة به بعدة مراحل تضمها دورة عرفها باسم دورة التقدم الصناعي The Cycle of Industrial Development، وتبدأ الدورة بمرحلة الشباب، حيث تتميز الصناعات أو المنشآت بصغر حجمها و ضعف إنتاجها و تحررها في اختيار مواقعهاويصل الإقليم إلى مرحلة النضج عندما يزداد حجم وعدد المنشآت القديمة التي يزداد حجمها، كما يزداد عدد العاملين وينمو الإنتاج وتتطور طر ق النقل والمواصلات، ويتسع حجم السوق المحليوتعد ظاهرة التوطن الصناعي الشديد من السمات الرئيسية للصناعات الحديثة المتطورة من ناحية الحجم والتركيب والتوزيع، وهي في ذلك تختلف اختلافاً جذرياً عن أقاليم انتشار الصناعات البسيطة واليدوية القديمة.
    ويسود في الإقليم الصناعية الحديثة شديدة التوطن مبدأ التخصص في الإنتاج مما يؤدي إلى ظهور مجمعات صناعية يتألف كل منا من عدة مصانع يتخصص كل منها في إنتاج سلعة معينة، بل أن بعضهايتخصص في إنتاج جزء من السلعةوتراعي الحقائق التالية عند إعداد التخطيط الصناعي لأي إقليم أو دولة:-
1-  أن تعتمد الصناعات الناشئة المدرجة في الخطة المحلية أيا كان نوعها زراعية أو زراعية أو حيوانية أو تعدينية، بما يضمن للصناعات الجديدة الحصول على الخامات التي تحتاج إليها من الأسواق المحلية بأسعار معقولة مما يجنبها مشاكل وصعوبات استيراد الخامات من الأسواق الأجنبية.
-2  أن يبدأ التخطيط بالصناعات البسيطة التي لا تحتاج إلى خبرات فنية مرتفعة المستوى أو رؤوس أموال ضخمة، وبعد أن تتوافر مقومات أو عوامل جذب الصناعة، وتتراكم المكاسب المادية، وتتكون الخبرات والمهارات الوطنية مرتفعة المستوى يمكن أن يتطور ويتحسن النشاط الصناعي.
-3  يراعى البدء بالصناعات التي تحتاج الأسواق المحلية إلى منتجاتها لتضمن بذلك سوقاً لتصريف هذه المنتجات، وخاصة أن الجهات المسئولة يمكن أن تحمي هذه الصناعات الجديدة داخل الأسواق المحلية بإغلاق هذه الأسواق في وجه منتجات الصناعات الأجنبية المشابهة لها، أو عن طريق فرض رسوم جمركية عالية على هذه المنتجات لتقليل قدرتها على منافسة المنتجات المحلية.
   ومن المهام الرئيسية أيضاً للتخطيط الصناعي في أي دولة أو إقليم، تحديد ما كان المنشآت الصناعية، وهي مهمة صعبة وشاقة للغاية، ومرد ذلك تعدد العوامل المؤثرة في تحديد هذا المكان وتداخلها مع بعضها البعضيتصل بعض تلك العوامل بالجوانب الطبيعية الخاصة بالخامات ومصادر الطاقة، وبعضها الآخر يتصل بالنواحي البشرية والاجتماعية بكل مفرداتها، والبعض الآخر يتعلق بالأمور الاقتصادية كمدى توافر رأس المال وتكاليف عمليات الإنتاج الصناعي ومفرداتها التي تسهم في تحديد أسعار البيع وبالتالي تحديد الأرباح المتوقعة، في حين يتصل البعض الآخر منها بالنواحي السياسية والاستراتيجية والتاريخيةوفيما يلي تحليل لأهم العوامل التي توضع في الاعتبار عند تحديد موقع الصناعة وهي:-

أولاالمواد الخام من الأسس الهامة للصناعات التحويلية، تلك الصناعات التي تحول شكل المواد الخام أو بعضها من صورتها الخام الطبيعية إلى صور أخرى أكثر تطوراً تتفق واحتياجات الإنسان المختلفة.وتتباين المواد الخام في قدرتها على جذب الصناعات المعتمدة عليها إلى مواقعها حسب خصائصها و طبيعتها و مدى تعرضها للتلفوعلى ذلك تصنف المواد الخام التي تلعب دوراً مؤثراً في تحديد موقع الصناعة إلى أربع مجموعات كلها تجذب الصناعات للتمركز بجانبهاMaterial Oriented وهي:-
المجموعة الأولى:- مواد خام سريعة التلف تفقد خصائصها وصلاحيتها للاستغلال بطول مسافة نقلها، كالخضروات والألبان ومنتجاتها والأسماكلذا تقام المصانع المعتمدة على مثل هذه الخامات بالقرب من مصادر المواد الخام.
المجموعة الثانية:- مواد خام ثقيلة الوزن كبيرة الحجم تتكلف عمليات نقلها نفقات كبيرة، خاصة و أن صناعاتها تستخدم كميات كبيرة منها، كالطين الرخيص المستخدم في صناعة الطور و الحجر الجيري المستخدم في صناعة الأسمدة، لذلك تقام مثل هذه الصناعات في أماكن أقرب إلى مصادر خاماتها
المجموعة الثالثة:- مواد ثقيلة الوزن كبيرة الحجم تفقد جزء كبير من حجمها بعد التصنيع مثال صناعة الحديد والنحاس والورق ومختلف المنتجات الورقية، ولذا نجد هذه الصناعات بالقرب من مصادر المواد الخام.
المجموعة الرابعة:- تضم مجموعة متباينة من المواد الخام لا يشترط قيام صناعاتها بالقرب من مصادرها كالصناعات الهندسية والقطنية والمطاط والمنتجات المعدنية.

ثانيامصادر الطاقة: وتنقسم مصادر الطاقة إلى نوعين:-
1- مصادر طاقة متجددة لا تنضب كالطاقة المائية والشمسية والهوائية.
2- مصادر قابلة للنضوب غير متجددة كالفحم والبترول والغازالطبيعي.
   وتتباين الصناعات في مدى احتياجها للطاقة، كما تختلف مصادر الطاقة في درجة جذبها للنشاط الصناعيوقد ساهم التقدم الفني والتكنولوجي على تقليل كمية الوقود المستخدمة في الصناعات إضافة إلى تعدد مصادر الطاقة، ونجاح الإنسان في نقلها من إقليم لآخر، وأصبح من المكن استغلال العديد من هذه المصادر بصورة اقتصادية وإحلال مصدر مكان آخرالأمر الذي أدى إلى انتشار دائرة الصناعاتفي العالم بأقاليمه المختلفة، وإن كان اختلاف تكاليف مصادر الطاقة المختلفة من مكان لآخر له دوره في توزيع الصناعة ودرجة تركزها.
   تحتاج بعض الصناعات كصناعات صهر المعادن وخاصة الألمنيوم إلى كميات كبيرة من الكهرباء للتحليل، لذلك نجد أن كندا والتي تتوافر فيها مصادر الطاقة الرخيصة (الطاقة المائيةهي من أكبر دول العالم في إنتاج الألمنيوم (كذلك تركز الخطط الصناعية للتنمية بالمملكة على التوسع في إنتاج الألمنيوم لرخص مصادر الطاقة وتوافرها). وإن كان الفحم الجيري قد مثل قوة جذب هائلة للصناعات ولفترة طويلة من الزمن (حتى منتصف القرن التاسع عشر)، فيلاحظ عدم تركز الصناعات في الوقت الحاضر أو توطنها بالقرب من مناطق إنتاج زيت البترول بالمستوى الذي كان عليه بالنسبة للفحم، ويرجع ذلك إلى سهولة وانخفاض تكاليف نقل البترول نسبياًفهناك الكثير من دول العالم تمتلك معامل ضخمة لتكرير البترول رغم أنها لا تنتجه، منها اليابان وهولندا واليمن الجنوبي.

ثالثاالأيدي العاملة: يتمثل تأثير هذا العامل في تحديد موقع الصناعة في أمور ثلاثة، هي:-
1- مدى توافر المهارة الفنية في الأيدي العاملة.
2- مدى التوافر الكمي للأيدي العاملة.
3تكاليف الأيدي العاملة وتباينها بين الأقاليم.  وعلى ذلك يلاحظ التالي:-
    • يعد توافر الأيدي العاملة الماهرة عاملاً أساسياً في توطن الصناعات الدقيقة والتي تحتاج إلى مهارات خاصة كالصناعات الهندسية والأجهزة العلمية والساعات.
    • في حالة الدول والأقاليم المزدحمة بالسكان تتركز الصناعات التي لا تحتاج إلى مهارة عالية من الأيدي العاملة كالصناعات الغذائية.
    • بعض الدول تفتقر إلى الأيدي العاملة سواء من الناحية الكمية أو النوعية، لذا تضطر إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية.
    • قلل التوسع في استخدام الأساليب الآلية في الإنتاج من قوة جذب الأيدي العاملة خاصة الماهرة منها في مجال توطن الصناعي، وأدى الاعتماد على الآلية والعمال النصف مهرة في صناعات عديدة وترتب على ذلك انتشار الصناعة بشكل واضح حتى في النطاقات الريفية.
    • تلعب طرق ووسائل النقل من حيث توافرها وسهولتها وتكلفتها دوراً هاماً في إمكانية انتقال الأيدي العاملة من إقليم لآخر.
    •   تكون تكلفة الأيدي العاملة في الصناعة بمعظم دول العالم أكثر من ثلث تكاليف الإنتاج النهائية ولذلك أخذ هذا العامل في الاعتبار عند التوطن الصناعي يقلل كثيراً من تكلفة الإنتاج ومما يؤثر بدوره على الأرباح النهائية.


رابعاالأسواق:  تتباين الأسواق من إقليم لآخر تبعاً للعوامل التالية:-
1عدد السكان الذي يحدد حجم السوق وقدرته.
2- مستوى المعيشة الذي يحدد القدرة الشرائية ومستوى الإنفاق العام ومفرداته، وكلها عناصر تحدد حجم السوق وطبيعته.
3- مدى تقدم الصناعة وخصائصها العامة ومدى انتشارها.

  وتعتبر الأسواق أحد الأسس الهامة التي تجذب الصناعات للتوطن في إقليم أو مكان ما لاستهلاك منتجاتها، وفي بعض الأحيان تكون الأسواق عبارة عن منشآت صناعية تستغل منتجات صناعية أخرى في عملياتها الصناعية، مثال ذلك الصناعات الهندسية التي تكون سوقاً هاماً لصناعات الحديد والصلبأما الأسواق الأوسع انتشاراً في مجال الصناعة فتتمثل في المستهلكين للمنتجات المصنعة والتي يحدد مستواهم المعيشي وأعدادهم حجم السوق و اتساعه وبالتالي قدرته على الجذب والتوطن بالقرب منه.
  ويمكن تصنيف الصناعات التي ترتبط ارتباطاً قوياً بالأسواق، أي الصناعات التي تنجذب نحو الأسواق مهما كان بعدها عن موقع المواد الخام ومصادر الطاقة وغير ذلك من عوامل التوطن Market oriented إلى خمس مجموعات رئيسية، هي:-
المجموعة الأولى:- الصناعات التي تتلف منتجاتها بسرعة و خاصة بالنقل لمسافات طويلة كالألبان والخبز والفطائر المختلفةلذلك فإنها غالباً ما تتركز بالقرب من الأسواق حتى يتم توزيعها بسرعة على المستهلكين
المجموعة الثانية:-  الصناعات التي يزيد وزن أو حجم منتجاتها بعد التصنيع، مثلصناعة المشروبات والمياه الغازية والمعدنية، صناعة تكرير زيت البترول، وصناعة الخبز.
المجموعة الثالثة:- الصناعات التي تقل تكاليف نقل موادها الخام عن تكاليف نقل منتجاتها المصنعة، ويمثلهاصناعة النسيج، صناعة تكرير البترول، صناعة المنتجات الجلدية المختلفة.
المجموعة الرابعة:- الصناعات التي تحتاج إلى ضرورة الاتصال بالمستهلكين مباشرة للتعرف على رغباتهم وتفضيلاتهم، وتتبع التيارات المختلفة السائدة في الأسواق، كتلك الصناعات المتعلقة بالموضة من ملابس ومساحيق تجميل ولعب أطفال.
المجموعة الخامسة:- تضم صناعات متباينة الخصائص، إلا أنها تتفق فيما بينها من حيث ارتباطها الوثيق بالأسواق، كصناعات النشر والطباعة والتوزيع، صناعة الأجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها.

خامساالنقل:
  تتعدد وسائل النقل التي تستخدم في الصناعات المختلفة و ذلك حسب خصائص الوسيلة الناقلة و طبيعة السلعة المنقولة وموقع المنشأة الصناعية، و هي كلها عوامل أو عناصر تساهم في التوطن الصناعي، وتوضع في الاعتبار عند التخطيط  للتنمية الصناعية. وتعطي كثافة وسائل النقل وتعددها مجالا للاختيار بينها، بالإضافة إلى دورها في خفض تكاليف النقل

مساوئ عدم الأخذ بالتخطيط الإقليمي الصناعي
ــــــــــــــــــــــــ
تتلخص أبرز الآثار السلبية لعدم وجود تخطيط إقليمي صناعي في الآتي:-
1احتمال كبير لوجود بطالة في الموارد الاقتصادية:-  إن عدم وجود تخطيط إقليمي في توزيع الصناعات يعني ترك العملية بدون أخذ السكان في الاعتبار سواء كمياً أو نوعياً، ومن ثم استيعاب العمالة الموجودة في الأقاليمفالتخطيط الإقليمي لابد وأن يمتص الفائض من العمالة أو الموارد الاقتصاديةووجود هذا الفائض له آثاره السلبية و السيئة على الإقليم، حيث ترتفع معدلات البطالة ويتدهور الإقليمو قد تحدث هجرة إلى الأقاليم الأخرى أو تنتشر و تزداد معدلات الجريمة في هذا الإقليم، و غير ذلك.
2- ازدحام المدن في بعض المناطق و تدهور الريف:- عند عدم وجود تخطيط إقليمي قد يتم تنظيم المدن وإنشاء الصناعات فيها بشكل عشوائي يؤدي إلى زيادة متتالية للهجرة من الريف إلى المدن مما ينعكس في صورة ازدحام شديد في المدن وفي المقابل يخلو الريف من العمالة وينخفض الإنتاج الزراعي والحيواني فيتدهور الريف بشكل واضح.
3- انعدام التوازن بين التطور الاقتصادي و التطور الاجتماعي:- في التخطيط عموماً يؤخذ في الحسبان أن يكون التطور الاقتصادي مصحوباً بتطور اجتماعي وثقافي أيضاً في المقابلأما لو حدث تطور في الجانب الاقتصادي فقط فسيكون هناك آثار ضارة بالمجتمع الإقليمي أو الدولة، حيث لا يمكن الفصل بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
4- التلوث البيئي:- من أهم العناصر التي يتم دراستها في الاقتصاد الحضري، فكثير من المدن تعاني من مشكلة التلوث خاصة المدن الكبرى كلندن والقاهرة وشيكاغو ولوس انجلوسوعدم التخطيط يؤدي إلى وجود مصانع في داخل المدن مما يزيد من مشكلة التلوث إضافة إلى ازدحام المدينة نتيجة لعدم وجود تخطيط وزيادة عدد السكان والسيارات، كل ذلك من شأنه زيادة التلوث (ارتفاع نسبة التلوث في المنطقة الجنوبية من مدينة جدة).
5- انخفاض الإنتاجية الخاصة بالعمال:- تنخفض إنتاجية العامل لأي سبب من الأسباب السابقة، كازدحام المدن وتأثيره على التأخر في أداء العمل و المهام المختلفة، والتلوث البيئي وتأثيره على صحة العامل وقدراته البدنية، أو بسبب التخلف الاجتماعي وعدم الوعي بأهمية العمل، وما إلى ذلك.
   وطالما كانت هذه هي مساوئ عدم الأخذ بالتخطيط الإقليمي الصناعي، فإنه يمكن استنتاج المزايا التي تترتب على وجود التخطيط الإقليمي، والمتمثلة فيما يلي:-
1- القضاء على المساوئ الناتجة عن عدم وجود تخطيط إقليمي أي القضاء أو تجنب حدوث ازدحام في المدن أو بطالة أو تلوث، و هكذا..
2- إن وجود صناعة معينة في الإقليم قد يؤدي إلى وجود صناعات ثانوية أخرى يعتمد وجودها على الصناعة الأساسية و هذا بالطبع يتحدد ضمن الخطة الإقليمية.
3- زيادة الخدمات الاجتماعية وارتفاع مستواها، كالضمان الصحي والتعليمي والتدريبي والأنشطة المختلفة والنوادي الترفيهية، ونظم التأمينات الاجتماعية والأنظمة الخاصة بالحوافز والإعانات وما إلى ذلك.
4- استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة الاستغلال الأمثل لأن التخطيط يأخذ في الحسبان جميع الموارد المتاحة ويحاول استغلالها بكفاءة، وتوجيه الصناعات المختلفة للتوطن في الأقاليم ذات الوفرة في هذه الموارد

المراجـــع

    • أدجار هوفرالنظرية المكانية، 1974م.
    • د.العشري حسن درويشالتنمية الاقتصادية، 1979م.
    • دالعشري حسن درويش و دمحمد بن مسلم الرداديترشيد الاستثمارات "دراسة تحليلية في التوطن و التخطيط الإقليمي" ، 1401هـ.
    • تشارلز أبرمز:المدينة و مشاكل الإسكان، 1964م.
    • دعبد الإله أبو عياش: التخطيط و التنمية في المنظور الجغرافي"دراسات حضرية"، 1983م.
    • دعبد الإله أبو عياش و د.إسحق قطب: الاتجاهات المعاصرة في الدراسات الحضرية، 1979م.
    • دعبد الفتاح محمد وهيبهجغرافية العمران، 1990م.
    • دفاروق صالح الخطيب: التنمية الإقتصادية للمدن السعودية، 1409هـ.
    • دفتحي محمد مصيلحي: شخصية المدينة السعودية، 1984م.
    • دفؤاد محمد الصقارالتخطيط الإقليمي، 1969م.
    • دمحمد خميس الزوكةالتخطيط الإقليمي، 1984م.
    • د.محمد حامد عبدالله: الاقتصاد الإقليمي"مع التطبيق على الدول العربية"، 1998م.
    • دمحمد محروس إسماعيل: اقتصاديات الصناعة، 1992م.

    • Currtis C.Harris,Jr. & Mehrad Nadji: Regional Economic Modeling in Theory and Practice, 1987.
    • Harry W. Richardson :  Regional Economics, 1978.
    • Harvey Armstrong & Jim Taylor :  Regional Economics & Policy .

 حمل 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا