كتاب جغرافية مصر بين حتمية الموقع الجغرافي وتجارب التنمية الاقتصادية
المقدمة :
حينما
تدور عقارب الساعة وتؤذن بوضع عالمي جديد تحت مسميات عدة تتفق كلها في أن
التعامل مع الأحداث الحالية يتطلب الحذر الشديد من قبل الكثير من الدول التي وضعها
موقعها الجغرافي في دائرة الحرج السياسي من جراء تعدد التوجهات العالمية غير
المتفقة على المبادئ العامة للتعاملات الدولية التي تقتضى احترام حقوق الغير على
مستوى الأفراد والدول .
إن المرحلة الحالية التي بدأت منذ العقد الأخير من القرن الماضي تمثل قمة منحنى
الصراع الإقليمي في ظل المستجدات العالمية التى تنذر بالكثير من المخاطر السياسية
والعسكرية ، قد يتطور إلى مسلسلات حربية على النحو الذي يسود العالم منذ العقد
المذكور .
إن
المصطلح الجديد للهيمنة الدولية وهو العولمة يتطلب الكثير من الحذر الأمني ووجود
نظام أمن معلوماتي يحقق الحفاظ على الخريطة الأمنية ، ولعلني أقصد خريطة الانسجام القومي
، ونحن أمام ذلك يطفو على السطح الكثير من التساؤلات التي تمثل فرضيات يمكن من
خلالها تقديم مرئيات جغرافية تحدد إستراتيجية جديدة تجاه الكثير من القضايا التي
تحكم السلوك السياسي المصري في المرحلة الحالية ، والمرحلة القادمة في ظل مستقبل
مبهم للعلاقات الدولية ، ولذلك فلابد من الاستشهاد بالماضي الذي عاشته مصر لتحقيق :
أولا : استقراء التاريخ المصري
في المراحل التي عاشتها مصر في ظل الترأس العالي لموازين القوى العالمية ، وتجسيد
أدوار الثقل السياسي على شكل نموذج يصلح للتطبيق ( بدرجات متفاوتة ) ، ونخص هنا
فترة محمد على وكيفية إدارته للأزمات السياسية وفق منظومة الأمن القومي المصري .
ثانيا : استنباط بدائل
منهجية لتحديد محاور إستراتيجية لإدارة الأزمات السياسية من خلال دراسة وتحليل
النماذج القياسية ، والتنظيرية المتناظرة مع التجربة المصرية ، وهذه النماذج كثيرة
، ويمكن الإقتداء بالنموذج الهندي ، والنموذج الصيني ، والنموذج الياباني ، فهذه
النماذج معتدلة ، ولتكن النماذج : الكوري ، والإيراني ، والأمريكي مسار دراسة
وتحليل مع التركيز على دور التفرد الجغرافي المصري في امتلاك عناصر القوة السياسية
، ويمكن أن نعرض لبعض المحاور :
منطقة شبه جزيرة سيناء .
منطقة قناة السويس .
منطقة المضايق
والإنقطاعات الأرضية في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة سيناء .
منطقة المصدات الجغرافية
على الجبهة الساحلية المتوسطية في الشمال الشرقي .
منطقة أعناق الزجاجات
الأرضية في جنوب البحر الأحمر.
منطقة القرن الأفريقي وإدارة
الحركة السياسية فيها بين الشرق الآسيوي والغرب الأفريقي .
دول المنبع لنهر النيل
نظرا للمحاولات المتعددة والمتسارعة لإسرائيل في التهديد المستمر ذات الوتيرة
العالية لمصر ، وهناك الكثير من الفرضيات سوف يتم استعراضها لاحقا .
ثالثا : تقديم أطروحات
جغرافية تتفق مع الواقع المصري وتكون مسار نمذجة لكثير من الحالات المشابه ، بمعنى
آخر أن يكون هناك نموذج مصري متطور يصلح للقياس والمشابه لدى النظم السياسية
الأخرى على أن يأخذ فى اعتباره العناصر الفعالة للموقع الجغرافي المصري بصورة يسهل
توظيفها كميا عن طريق نظريات التفاعل السياسي ، ونماذج نقطة القطع السياسي (1).
وتجدر الإشارة إلى أن الوضع الحالي لمصر قد غير الكثير من شخصيتها على الرغم
من ثوابت الشخصية ، فالنيل ( الدلتا والوادي ) والصحراوات الشرقية والغربية ، وشبه
جزيرة سيناء ، والجبهات المائية ، وأعناق الزجاجات الأرضية ، وعلاقات الجيرة كلها
مفاتيح طبيعية للشخصية المصرية ، ولكن ملكات الشخصية تعرضت لكثير من التوجهات في
ظل التطورات الدولية الحديثة الأمر الذي تطلب تطوير مفاتيح الشخصية حتى تستقيم مع
الواقع الجديد المعاش
ولعل الأمر الأكثر أهمية هو ملكات الموقع الجغرافي التي ترفع الوحدة السياسية إلى
مرتقيات عالية ، فالموقع الجغرافي البسيط المحدد بشبكة وهمية من دوائر العرض وخطوط
الطول لا تتركز تأثيراته على الوضع المناخي والإنتاجي فقط ، ولكن يتعداها إلى
موازين القوى الاقتصادية ، وهنا يقوم المناخ ( على سبيل المثال ) بدورين تاريخيين
أولهما المناخ القديم وانعكاساته على المخزون المعدني والصناعي ( بالتتابع ) والثاني
يقدم كشف حساب بميزانية القوى في الدولة ، وتحديد عناصر الثقل السياسي من خلال
النظر إلى الموقع الفعال المحدد بوحى من تباديل عناصر القوة يتم التعامل معها
بطريقة كمية تولد في النهاية كلمة واحدة هي درجة الموقع الفعال .
إن المستجدات السياسية على الساحة المصرية تستوجب تصعيد الاهتمام بمحورين
رئيسين أولهما منطقة شبه جزيرة سيناء باعتباره خط الدفاع الأول وثانيها منطقة خط
القناة باعتباره خط الدفاع الأول الثاني ، وإذا بدأنا بالمحور الأول وهو شبه جزيرة
سيناء ، فإن محور الدراسة سوف يركز على الدور الإستراتيجي لهذه المنطقة باعتبارها
منطقة الصراع العربي الإسرائيلي المزمن ، ولابد أن تتناول المعالجة حيثيات الموقع الجغرافي
مع التركيز على عنصر الإستراتيجية ( الحماية والدفاع ) وتعيين موازين القوى
الطبيعية المستقاة من الطبيعة الأرضية ، وكذلك تعيين موازين القوى السكانية ، فإذا
كانت شبه جزيرة سيناء تقارب ضعف مساحة الوادي والدلتا بحجمهما السكاني ( 71504957
نسمة عام 2006 م ) فالوضع الطبيعي وفق
هذه المقارنة أن تكون شبه جزيرة سيناء مركزا رئيسا للتركزات السكانية ، ولنقارن
ذلك مع الحجم السكاني الحالي لها ( 493769 نسمة عام 2006 م ) فالحجم السكاني لشبه
الجزيرة لا يشكل سوى 0.68% من الحجم السكاني المصري ، ولعل ذلك يوضح حجم القصور
الإستراتيجي تجاه شبه الجزيرة ، وإن كان يعوض ذلك قيام القيادة السياسية بتبادل
الدور السياسي بين القاهرة وشرم الشيخ ، فهذا الموقف له تداعياته السياسية على
المستوى العالمي ، وبالطبع تداعيات إيجابية . إن صناعة القرار السياسي وانطلاقه من
المنطقة الشرقية من مصر ( شبه جزيرة سيناء ) له دلالة كبيرة ، فهذا يؤكد للعالم أن
الثقل السياسي لمصر مرهون بالأهمية الإستراتيجية ، والنقاط الأرضية الحرجة ،
والربط بين الاثنين ضروري لشخصية مصر التكاملية ، أو شخصية مصر فى القرن الحادي
والعشرين ، كما أن اختيار القيادة السياسية لمدينة شرم الشيخ يجعل القرار المصري
يتوسط حلقة الصراع العربي – الإسرائيلي ، مما يعطى انطباعا نفسيا لدى الآخرين بأن
مصر كانت ومازالت قبلة التوجهات التي تهدف إلى لم الشمل العربي وتوحيد الصف العربي
، فعلى سبيل المثال فإن تقريب وجهات النظر بين أجزاء الشعب الفلسطيني كانت بدايته
من شرم الشيخ ، وتعمير غزة أيضا بدأ في شرم الشيخ ..... الخ ، إن هذا الوضع سوف
يدفع تيار التنمية إلى شبه جزيرة سيناء ، الأمر الذي يجعلها محورا تنمويا أصيلا ،
ومركزا للقوة في الجبهة الشرقية من مصر ، ولعل النموذج اليمنى واضح ، فصنعاء
العاصمة الأولى ، وعدن العاصمة الثانية ( إلى حد كبير ) وعلى مبلغ علمي كانت
الأكثر ترددا من القيادة السياسية اليمنية خلال فترة الصراع والحرب الأهلية التي
كانت عام 1994 م .
وإذا تحدثنا عن أدبيات الموقع الجغرافي لمصر فهو مفعم بالكثير من الملكات ، فإذا
قلنا أن مصر محصورة بين دائرتي عرض 22 شمالا ، و32 شمالا ، فهذه بساطة ، ولكن
التداعيات الجغرافية الناجمة عنها مركبة ومعقدة ، بالطبع فإن الموقع القديم لمصر
وما تعرضت له مصر من تأرجحات مكانية بين النطاقات الاستوائية ، وشبه الاستوائية ،
والمدارية ، والصحراوية ، والمعتدلة يدخل فى إطار تقديرات فعالية الموقع الجغرافي
لمصر في مرحلية زمنية .
إن الوراء التاريخي لموقع مصر الجغرافي يؤكد أن مصر عاشت في ظل
فترة من المطر القديم كانت في الأليجوسين ارتبطت بالحركات الأرضية التي رفعت أجزاء
من الشرق المصري وأدت إلى حدوث تعديلات في سطح الأرض في مصر مثل وجود الأنهار
الكبيرة التي أوجدت حياة برية غنية فقرية كبيرة الحجم ، ومازالت بقاياها عند قصر
الصاغة شمال غرب منخفض الفيوم ، بالطبع هذه البقايا الكبيرة لم تجلب إلا بنهر
كبير، وما توصلت إليه الدراسات الأركيولوجية يؤكد أن مصر في العصر الأليجوسيني
كانت أقرب إلى المنطقة الاستوائية ، وبالتالي استقطبت كميات كبيرة من الأمطار ،
وتشير الدراسات التاريخية في مصر إلى توالى فترات المطر خلال البلايستوسين
بالتعاقب مع أدوار الجليد فى المناطق العليا من قارات العالم ، وتتعاقب مع فترات
جفاف تعكس حالات من الدفء ( النسبي ) في المناطق الشمالية ، والمتتبع للدراسات
التاريخية للعمران فى مصر يلحظ أن هذه الفترة شهدت مراكز ضارية متقدمة فى الأودية
الصحراوية ، ومدرجات نهر النيل ( 45 ، 30 ، 15 مترا ) حيث الحضارة الآشولية .
ولقد تأكدت مركزية موقع مصر خلال العصر الحجري القديم ( البلايستوسين الأوسط ) فقد
انتشرت حضارات الفأس اليدوية فى شمال أفريقيا انتشارا واسعا ، فقد توصل كولن كلارك
أن تلك الحضارة قد انتشرت من وأدى النيل إلى الجنوب الأفريقي وجنوب غرب آسيا في
فترات الجفاف ، وإلى جنوب القارة الأوربية في فترات الدفء ، ويتحدد الموقع الجغرافي
لمصر وفق العلاقة بين النيل والبحر المتوسط ، فى اتجاهات عديدة :
الاتجاه الأول : ارتبط
بتطور نهر النيل .
الاتجاه الثاني :
ارتبط بنمو الدلتا على حساب البحر المتوسط .
الاتجاه الثالث : فتح
البحر الأحمر على المحيط الهندى عبر باب المندب .
ارتبط بالتغير الموقعي لمصر ( على النحو السابق ) ظهور شبكات الأودية الصحراوية ،
ولا يمكن أن ننكر أن الموقع الجغرافي كان المبرر الأول لوفود الأجانب ، وأصبحت
توجهات الوفود الأجنبية المعيار الأمثل للقوة الجغرافية لمصر ( سيرد لذلك تفصيل ) .
وإذا كنا نتناول الدور الموقعي لمصر، فإن الخريطة الاقتصادية المصرية مليئة بأوجه
الاختلال ، لقد ظل القطن المصري لفترة طويلة المحدد الرئيس لمركزية الموقع الجغرافي
المصري بل أدار دفة الأمور ليس في مصر فقط بل في العالم ، وكان الموقع الجغرافي المصري
فى الدرجات العلا من الناحية السياسية ( على النحو الذي سيرد تفصيلا ) ولا
يمكن أن تعيش مصر في أمن موقعي أو جغرافي إلا بتحليل الدور الكبير والمتنامي لقناة
السويس ، وعلينا أن نقدر السهام التي وجهت لمصر من جراء افتتاح قناة السويس ، وحتى
لا تطاردنا صفحات المقدمة ، فقد آثرت الاختزال فمنذ السنوات الأولى لافتتاح القناة
توالت أعين الحقد ، فمن بريطانيا ، إلى فرنسا ، إلى إسرائيل و مازالت الأخيرة تحلم
بتهديد الأمن المصري ، بل يمكن اعتبار ذلك بداية لمسلسل التهديدات الموجهة للأمن القومي
المصري ، ولن تنتهي طالما بقيت إسرائيل في موقع القوة .
على المتفحص لموقع مصر أن يدخل التحليلات الكمية التي تحدد الأطر والمستويات التي
تعيشها مصر في ظل ملكات الموقع الجغرافي لمصر ، وهذا زاد في المعالجات التفصيلية
للموقع السياسي ، وكيف أن العلاقات التجارية يمكن أن تدلى بالدور الأكبر توسيع
دائرة العلاقات الإقليمية السياسية لمصر .
ولنعاود المرور على الخريطة الاقتصادية المصرية ، وأخص منها الخريطة الزراعية ،
وحتى نتبين الدور الحتمي للخريطة الزراعية المصرية ، فقد آثرت أن أردف بفترة محمد
على التي شهدت أسمى آيات التقدم الاقتصادي والرفعة السياسية ، وكانت فترة تآلف بين
الاقتصاد والسياسة ، فقد كان القطن الرائد الأول والمتحكم الرئيس في شخصية مصر ،
الأمر الذي يجعلنا حاليا نستشعر خللا في الشخصية المصرية في ظل غياب القطن المصري .
وللإنصاف فقد ركزت الدراسة على الأبعاد المكانية للتنمية الزراعية ، فقد حققت فكرا
جديدا في علاقة الإنسان المصري بالبيئة ، نعم الصحراوية موجودة كمكون في الشخصية
المصرية ، ولكن لن تقول أنها الضد لنهر النيل ، أو أن مصر أرض المتناقضات ، ولكن
أرض المتكاملات ، فالنيل وجد من الصحراء مرتعا لتنمية مصر، والصحراء وجدت من النيل
كل الحب ، وعلى الفور ارتدت الثوب الأخضر من نسيج نهر النيل ، ويكفى أن نعرف أنه
خلال الفترة 1997 – 2017 م سيمتد الثوب الأخضر على 3451910 فدانا ، وتقطع ذلك الثوب
الأخضر على جميع أجزاء مصر من سيناء ، إلى الصحراء الغربية ، مرورا بـ بشمال
الدلتا وشرقها وغربها .
ولكن هناك من المخاطر ما يتاجر بشخصية مصر، ويحاول تحطيمها من خلال تحطيم الخطوط
العريضة في شخصيتها ، فالفقر يمثل ضيفا عزيزا على خريطة مصر ، وقد يقوم بأدوار
عديدة ، فقر الدخل ، والفقر الزراعي ، وفقر الطاقة ، وقد يترجم وجوده في حالة من
الاختلال الجغرافي ، ناهيك عن الكثير من المشكلات التي تأصل حالة الفقر، وقد أستهوت
هذه المحاور البارزة في شخصية مصر الباحث للخروج من هذه الأزمات ، وتقديم الحلول في
إطار التنمية المستدامة التي تنتظرها مصر فى العقود التالية من القرن الحالي .
والمؤلف الذي بين يدي القارئ إنما يمثل قراءة سريعة فى أوراق مصرية علها تقدم
النماذج المرجوة من هذه القراءة ، ويركز على :
المحور الأول : قراءة
الموقع السياسي المصري في إطار من التقويم للتجربة المصرية في توظيف الملكات
الموقعية لمد شبكة العلاقات السياسية المصرية إلى آفاق أوسع ترتقي بمصر بقدر أقصى
امتداد لنسيج الشبكة ، وبدأ ذلك المحور بعرض تأصيلي للأصول التي تنتمي إليها الإدارة
المصرية ، وتتبع مسارات الوفود الأجنبي إلى مصر حتى مستهل القرن الحالي ، ويكفى أن
نعرف أن مصر فى مدى 4500 كم يمكن أن تهيمن على 44.5 % من سكان العالم 55 % منهم من
القارة الآسيوية و18 % من القارة الأفريقية و26.5 % من القارة
الأوربية ، وما كان الحديث عن الموقع الجغرافي مكتملا دون التطرق إلى مهددات الأمن
القومي المصري .
ذكر عندما أردت الكتابة عن موقع مصر وقع بين يدي كتاب أحسبه مهما في ثقافة الصراع العربي
الإسرائيلي نظرا لأن كاتبه كان ينتمي إلى قوة الضد للقضايا العربية ، وما ذكره فى
الكتاب يسجل بكل قوة الحق العربي ، ولعل الاسم الذي ترجم به الكتاب وهو الوطن
المغتصب ( يقصد بالتأكيد فلسطين ) يكفى لمعرفة آلية الكاتب في تحليل القضية
العربية ، وإذا أردت الإيجاز فالكاتب عرض للزيف اليهودي في احتلال فلسطين ، كما
أكد أن الحق العربي كان بحاجة ماسة لهندسة القوة العربية .
ولقد تم توظيف المعالجات الكمية مثل معادلة التفاعل السياسي ، ونقطة القطع السياسي
لتحديد امتداد الإقليم الجغرافي السياسي لمصر اعتمادا على متغيرات القوى الجغرافية
( نسبة الحضرية ، القوى الشرائية المعادلة بالدولار الأمريكي ، والحركة السياحية )
.
المحور الثاني : استعراض
وتحليل الانتهاكات التي أصابت الخريطة الزراعية المصرية في الوقت الحالي ، ولكي
نقدر حجم هذه الانتهاكات ، فقد لجأنا إلى استعراض الصورة العامة لزراعة القرن
التاسع عشر تحت عنوان تجربة محمد على ، ولقد أكدت المعالجة على دور المنتج الزراعي
الصيفي ، فعلى الرغم من أنه لا يمثل سوى 15.6 % من المساحة المزروعة ، فإنه
يقدم % من قيمة المنتج الزراعي ، وبالمقارنة فإن المنتج الزراعي الشتوي الذي
كان يستأثر بـ 72% من المساحة المزروعة يقدم 61.5 % من القيمة الكلية للمنتج الزراعي
، وكذلك الزراعة النيلية ذات النسبة 12.3 % من المساحة ، و6.4 % من القيمة الكلية
سالفة الذكر .
إن القطن ذات الوجاهة الاقتصادية قدم 77.3 % من القيمة الكلية للمنتج الزراعي الصيفي
، بينما قدم المنتج التالي له ( قصب السكر ) 11.7 % من القيمة المذكورة ، ولا يجرأ
أي من المنتجات الشتوية على تحقيق تلك الريادة ، فالبرسيم وهو المنتج الزراعي الشتوي
الأول لا يقدم سوى 34.3 % من المنتج الكلى للقيمة الشتوية ، ويليه القمح بنسبة 30
% ، والفول بنسبة 15.5 % من القيمة الكلية الشتوية .
واستعرضت الدراسة من المنطلق الجغرافي الجهود الحثيثة للنهوض بالزراعة المصرية ،
وتوجهات التنمية الزراعية فى أعقاب انتصاف القرن العشرين وحتى 2017 م التي أثمرت إضافة أكثر
من ثلاثة ملايين من الأفدنة لخريطة مصر الاقتصادية ، وما زالت قطارات التنمية في
أقصى سرعة لها .
المحور الثالث : وهو
الفقر الاقتصادي ، ويمثل الاهتمام الرئيس للكاتب وأحد المرتكزات في تحليل برمجة
التنمية الاقتصادية ، والفقر عبارة عن توليفة من الاختلال في الدخل القومي ،
واختلال سلم التنمية ، واختلال القوى العاملة ، وأخيرا فقر الدخل الذي استحوذ على
الاهتمام الأكبر من قبل الكاتب ، وتمت الدراسة من خلال الواقع الميداني ، وتقسيم
المجتمع إلى مستويات ثلاثة للدخل : مرتفعي الدخل ، ومتوسطي الدخل ، ومحدودي الدخل
، واستعراض الجوانب السكانية والاقتصادية والبيئية لكل منهم .
أما المحور الرابع
والأخير، فقد انصب على مشكلة العصر كما يحلو للبعض نعتها وهى مشكلة الطاقة ،
وتمت معالجتها على مستوى الوطن العربي ، ومصر مع دراسة حالة للطاقة الكهربائية
لمحافظة المنوفية ، وتوظيف المناهج الجغرافية لبلورة مشكلات الطاقة في المنوفية
ومصر.
وبعد فإن هذه قراءة في فصول الرواية الجغرافية المصرية ، ومجرد تأملات في خريطة
مصر نقدمها في عجالة سريعة ، وكل من هذه المحاور سوف تتناوله الدراسات بالتوالي ويود
الكاتب الإشارة إلى أن هذه المعالجة تمت وفق عدة مناهج لعل أهمها المنهج الاستقرائي
الذي يهتم أساسا بإظهار الاختلافات المكانية للظاهرة الجغرافية في إطار نمذجة
الواقع الجغرافي ، ورصد تفصيلات الظاهرة الجغرافية ، وتقديم الحل الأمثل للمشكلات
، ولكن المنهج الأكثر وضوحا في المؤلف الذي تحت أيدينا هو منهج دراسة الحالة
بتركيز الاهتمام على نطاقات جغرافية محدودة بهدف التحليل التفصيلي للمتغيرات
الجغرافية ، وتمت دراسة الحالة عن طريق العمل الميداني .
ويلتمس الكاتب العذر عما يرد في الكتاب من أخطاء لغوية قد تكون من قبيل السهو أو
أخطاء مطبعية ، وأخيرا إذا صادف الكتاب قبولا فتوفيق من الله ، وإذا صادف غير ذلك
فمن المؤلف ، فالكمال لله وحده لا شريك له .
والله المستعان
1- القطع السياسى لا ينصرف إلى قطع العلاقات أو أى شئ من هذا القبيل ، وانما ينصرف
إلى معادلة تحدد البعد الذى يمتد عليه النفوذ السياسى للدولة من واقع الحجم
السكانى والمسافة بين الدول .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق