التسميات

السبت، 23 يوليو 2016

دراسة الآثار الاقتصادية المتبادلة بين قطاع التجارة الخارجية وقطاعات الاقتصاد الأخرى ...


دراسة الآثار الاقتصادية المتبادلة بين قطاع التجارة

الخارجية وقطاعات الاقتصاد الأخرى

A Study of the Influences of the Interaction between Foreign Trade Sector and the Other Economical Sectors


مجلة جامعة تشرين - العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد (27) العدد (2) 2005

Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Economic and Legal Sciences Series Vol. (27) No (2) 2005

- الدكتور عبد الهادي الرفاعي - أستاذ مساعد في قسم الإحصاء ـ كلية الاقتصاد ـ جامعة تشرين ـ اللاذقية ـ سوريا.

Dr. Abdul hadi AL-Rifai - Associate Professor- Department Of Statistics –Faculty Of Economics –Tishreen University –Lattakia- Syria.

- الدكتور محمد عكروش - أستاذ مساعد في قسم الإحصاء ـ كلية الاقتصاد ـ جامعة تشرين ـ اللاذقية ـ سوريا.
Dr. Mohammad Akrosh - Associate Professor- Department Of Statistics –Faculty Of Economics - Tishreen University –Lattakia –Syria.

- هناء يحيى سيد أحمد - طالبة دكتوراه ـ قسم الإحصاء ـ اختصاص السكان والتنمية  ـ جامعة تشرين ـ اللاذقية ـ سوريا.
 Hanaa Yahaya Saed Ahamad -  Ph. D. Student - Department Of Statistics - Faculty Of Economics –Tishreen University- Lattakia- Syria.

الملخّص 

  تؤثّر التجارة الخارجية في مختلف فروع الاقتصاد الوطني، وتأتي أهميتها الأساسية في تأثيرها على سير عملية التنمية الاقتصادية من خلال حاجة التنمية إلى استيراد السلع الرأسمالية اللازمة لبناء الطاقات الإنتاجية، وعملية تأمين حاجات الاستهلاك الوسيط والاستهلاك النهائي.

  وعلى اعتبار أنّ قطاع التجارة الخارجية جزء هام من الاقتصاد الوطني، وله علاقة متبادلة بجميع فروع الاقتصاد، سنقوم بدراسة هذه العلاقة بين قطاع التجارة الخارجية والقطاعات الاقتصادية الأخرى المكِّونة للاقتصاد السوري، مبينين أهمية هذا القطاع (التجارة الخارجية) بالنسبة لباقي القطاعات في الاقتصاد الوطني وأهميته بالنسبة للاقتصاد الوطني ككل. 
ABSTRACT 

  Foreign trade affects, all sectors of the national economy, and has a strong impact on the economical processes because of its role in securing capital goods necessary for production and intermediate and final consumer goods. Moreover, because the foreign trade sector is an important part of national economy and interacts with all economical sectors, we will investigate this relation between foreign trade sector and the other economical sectors which form the components of the Syrian economy. The paper finally shows the significance of this sector (foreign, trade) in reference to other sectors at Syrianeconomy, and so its importance for the whole national economy.

مقدمة:

   يحتل قطاع التجارة الخارجية أهمية كبيرة في مجمل النشاط الاقتصادي، ولقد استأثر موضوع التجارة الخارجية باهتمام الاقتصاديين من خلال إعداد لدراسات وأبحاث حول التجارة الخارجية لم يحظ لمثلها أي قطاع آخر من قطاعات النشاط الاقتصادي، وما زال هذا الاهتمام يعكس الدور الكبير الذي تلعبه التجارة الخارجية في الحياة الاقتصادية للدول، وفي تقرير شكل العلاقات المتبادلة فيما بينها.

مشكلة البحث:

  غالباً ما يرتبط اختلال الهيكل الاقتصادي بوجود قطاع متطور منتج لسلعة أو سلع محدودة من المواد الأولية (كما في حالة النفط) الذي يشكل عماد الاقتصاد الوطني في تحقيق الفائض اللازم لمواجهة النقص الحاصل في المجالات الأخرى، مقابل وجود فروع اقتصادية محلية تعاني من التخلف (كما في حالة الصناعة)، الأمر الذي أسهم في سيطرة صادرات النفط الخام على إجمالي الصادرات السورية. مقابل انخفاض كبير في الصادرات الصناعية نتيجة لتخلف القطاع الصناعي في سورية.

   وكما هو معلوم أن تطور الصادرات و الواردات السورية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى التطور الذي يلحق بقطاعات الاقتصاد الوطني ككل، لذلك فإن مشكلة البحث هي تشخيص مواطن الخلل الهيكلي في الاقتصاد، وذلك من خلال إظهار الدور البارز للتجارة في سوريا وآثرها على قطاعات الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الصادرات السورية من المواد الخام الزراعية والصناعية والنفطية.

أهمية البحث:

   تأتي أهمية هذه الدراسة من أهمية الدور الذي تمارسه التجارة الخارجية في التنمية الاقتصادية، وما تمارسه عوائد الصادرات في بنية الاقتصاد واستعادة التوازن الخارجي بما يمكن الوصول بميزان المدفوعات بوضع قابل للاستمرار. إذ يحتل قطاع التجارة الخارجية مكانة هامة في أي اقتصاد قوي، وتعكس تطورات القطاع الخارجي البنية الإنتاجية للاقتصاد الوطني، مستوى التشغيل والأسعار والدخل.. وآثار السياسات الاقتصادية، وإذا كانت علاقة قطاع التجارة الخارجية بفروع الاقتصاد القومي تنبع من طبيعة دور هذا القطاع ووظائفه في خدمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، على اختلاف مهامها ومسؤولياتها والأهداف التي يقتضي عليها النهوض بها. فإن أهمية تلك العلاقة تبدو على حقيقتها من خلال ارتباط النمو الاقتصادي ارتباطا وثيقا بالقدرة على الاستيراد وبمقدار النقد الأجنبي المتاح لتلك الغاية من الصادرات.

الهدف من البحث:

  إذا كانت علاقة قطاع التجارة الخارجية بفروع الاقتصاد القومي تنبع من طبيعة دور هذا القطاع و وظائفه في خدمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، على اختلاف مهامها ومسؤولياتها، والأهداف التي يقتضي عليها النهوض بها. فإن أهمية تلك العلاقة تبدو على حقيقتها وبأبعادها الصحيحة من خلال استعراض أثر هذه العلاقة على أبرز هذه الفروع، والدور الذي يمارسه قطاع التجارة الخارجية في إطارها.

   فالهدف الرئيس من هذا البحث هو تحليل الآثار المتبادلة بين هيكلي الاقتصاد والتجارة الخارجية خلال الفترة (1990 – 2003)، وبيان مدى أهمية هذا القطاع لباقي قطاعات الاقتصاد الوطني، وللاقتصاد الوطني بشكل عام.

فروض البحث:

1- تحتل التجارة الخارجية للقطر العربي السوري موقعاً هاماً بالنسبة إلى المتغيرات الرئيسة للاقتصاد الوطني، وإن أكثر من 40 % من الناتج يتحرك عبر الحدود في حين لا تتراوح هذه النسبة في البلدان المتقدمة ما بين 10-20 %،وما ينجم عنه من تزايد اعتماد الاقتصاد السوري على الأسواق الخارجية.

2- تحتل صادرات النفط المرتبة الأولى من الصادرات السورية.

3- إن إجراءات تشجيع الصادرات الصناعية لم تحقق النتائج المرجوة منها في زيادة نسبة الصادرات الصناعية.

منهج البحث:

   تقوم منهجية البحث على التحليل الوصفي للظاهرة محل الدراسة وتطوراتها، المدعم بالإحصاءات التي ترصد هذه الظاهرة.

1- دور قطاع التجارة الخارجية في حركة الاقتصاد:

  تلعب التجارة الخارجية دوراً كبيراً في الاقتصاد سواءً من حيث مواجهة فائض الطلب الناشئ على مختلف أصناف الإنتاج المحلي، أو من حيث تلبية احتياجات الاقتصاد المحلية من السلع والخدمات التي تحتاج إليها عملية التنمية، ومن حيث تصريف ما يفيض عن حاجة الطلب المحلي من الناتج.

  ويقاس مدى أهمية قطاع التجارة الخارجية في أي اقتصاد بعدد من المؤشرات، من أهمها:

1-1- مؤشر درجة انفتاح الاقتصاد على العالم الخارجي، ويقاس بنسبة إجمالي التجارة الخارجية ( الصادرات+ الواردات) من السلع والخدمات إلى الناتج المحلي الإجمالي:

  ويشير ارتفاع هذه النسبة إلى عمق اعتماد الاقتصاد على الأسواق الخارجية لتصريف منتجاته وللحصول منه على حاجته من سلع وخدمات استهلاكية واستثمارية، و التبعية للخارج، ومن ثم إلى مدى حساسية الاقتصاد المحلي للمتغيرات الخارجية كالأسعار العالمية والسياسات المالية والاقتصادية التجارية للشركاء التجاريين والاتفاقيات والتكتلات الاقتصادية والأحداث السياسية العالمية.والجدول الآتي يبين درجة انفتاح الاقتصاد السوري على الخارج:

جدول ( 1 ) درجة انفتاح الاقتصاد السوري على العالم الخارجي للفترة ( 1990-2003 ) %
السنة
درجة الانفتاح[*]
السنة
درجة الانفتاح
1990
74
1998
57.8
1993
67.6
1999
66.1
1994
70
2000
65.3
1995
66.2
2001
70.9
1996
62.2
2002
75.3
1997
63.5
2003
60.3
المصدر: حسب من قبل الباحث بالاعتماد على المجموعة الإحصائية للأعوام ( 1991-2004 )

  توضح بيانات الجدول السابق أن معدل درجة انفتاح الاقتصاد السوري على الخارج قد تراوح بين 57.8% وأكثر من 75% خلال الفترة المدروسة. وهو ما يعني انفتاح الاقتصاد السوري وتبعيته للخارج وعمق اعتماده على الأسواق الخارجية في أكثر من نصف الناتج المحلي، وهو أيضاً يوضح مدى الدور النسبي للقطاع الخارجي في حركة الاقتصاد السوري.

2-1- نسبة (الصادرات + الواردات) السلعية إلى الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية والتي تبين مدى عجز أو قدرة قطاع التجارة الخارجية في المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.

جدول رقم (2) التركيب النسبي للتجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي للفترة

( 1990-2003 ) بالأسعار الجارية %

السنة

نسبة إجمالي التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي
السنة
النسبة
1990
27.2
1998
11.6
1993
20.1
1999
9.9
1994
19.4
2000
44.6
1995
20
2001
5.1
1996
17.1
2002
55.2
1997
15.2
2003
49.7
المصدرحسبت النسب بالاعتماد على الأرقام الواردة في المجموعة الإحصائية للأعوام ( 1991-2004 )

  يبين الجدول السابق أن نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي قد اتجهت للانخفاض من 27.5% عام 1990 لتبلغ أدنى مستوى لها 9.6 % عام 1999، ثم لترتفع إلى 49.7% عام 2003. وهذا يشير إلى ضعف اندماج الاقتصاد السوري في الاقتصاد العالمي، إذ إنّه على الرغم من تراجع حصة التجارة الخارجية من الناتج المحلي، إلا أن هذه الظاهرة لا ترتبط بتغييرات بنيوية في الهياكل الإنتاجية بقدر ما تعود إلى سرعة انخفاض الواردات، إما نتيجة لتباطؤ الصادرات أو لتضخيم أرقام الواردات، وتصاعد عجز الميزان التجاري.

  لا شك أن تزايد النسبة ابتداءً من عام 2000 إنما تعود إلى تزايد الصادرات النفطية، وتزايد الصادرات السلعية، وهذا ما يشير إلى مدى التبعية للاقتصاد السوري المعتمد على سلعة تصديرية واحدة للأسواق العالمية.

2- قطاع التجارة الخارجية والقطاعات الاقتصادية الأخرى في سورية:

   يلجأ المحللون الاقتصاديون لتحديد بنية الصادرات والواردات للبعد، فارتفاع نسبة الصادرات الصناعية ذات القيمة المضافة المرتفعة إلى إجمالي الصادرات يدل على أن الاقتصاد متطور وتنوع الصادرات يدل على أن الاقتصاد أكثر استقراراً، فيما يدل ارتفاع نسبة الصادرات الزراعية والمواد الأولية، وارتفاع المستوردات الصناعية على أن الاقتصاد متخلف، واعتماد الصادرات على سلعة واحدة أو سلعتين يبين أن الاقتصاد أكثر عرضة لتأثير العوامل الخارجية.

1-2 ـ التجارة الخارجية وقطاع الزراعة في سورية:

تحظى عملية التجارة الخارجية بالمنتجات الزراعية في سورية بمكانة هامة من خلال الدور الذي تلعبه في تطوير الاقتصاد الوطني. إذ من شأن التجارة الخارجية للمنتجات الزراعية أن تسهم في تحقيق الأمن الغذائي، لأنها تؤدي إلى تغطية احتياجات الدول التي تعاني من عجز في الإنتاج الزراعي، تحقيق الاستقرار في الأسعار. كما أن التجارة الخارجية بالمنتجات الزراعية تشكل دعامة اقتصادية وسياسية لأية دولة وهي تتأثر بنمو الإنتاج الزراعي، فإذا زاد حجم الإنتاج عن حجم الاستهلاك، ظهر فائض زراعي يخصص للتصدير. فإنه كلما كان القطاع الزراعي قادراً على تأمين حاجته من القطع الأجنبي اللازم لتأمين مستورداته، عن طريق التصدير لفائض المنتجات الزراعية، كان ميزانه التجاري يعكس صورة ايجابية عن تجارته الخارجية. وانطلاقاً من هذه الأهمية سنقوم بدراسة تطور الصادرات والواردات الزراعية في سورية. والجدول الآتي يبين نسبة الصادرات والمستوردات الزراعية في سورية إلى إجمالي الصادرات والواردات السلعية:

جدول رقم ( 3 ) الأهمية النسبية للصادرات والواردات الزراعية السورية

للفترة (1990-2003) %

السنة

نسبة الصادرات الزراعية إلى إجمالي الصادرات السلعية
نسبة المستوردات الزراعية إلى إجمالي المستوردات السلعية
1990
10
12.3
1992
11.6
6.1
1993
18.6
6.4
1994
18.3
3.4
1995
15.4
5.6
1996
16.5
5.1
1997
21.8
6.7
1998
25.6
7
1999
19.4
7
2000
12.3
9.4
2001
11.4
7.2
2002
15.6
7.2
2003
13.5
8.7
المصدر حسبت بالاعتماد على احصاءات التجارة الخارجية للأعوام ( 1991-2004).

  نلاحظ من الجدول السابق أنّ التزايد الذي تحقق في نسبة الصادرات الزراعية على إجمالي الصادرات السلعية للفترة (1990-2003) من 10 % عام 1990 إلى 19.4 % عام 1999 محققة أعلى نسبة عام 1998 (25.6 %)، مقابل تراجع واضح في نسبة المستوردات الزراعية لنفس الفترة، من 12.3 % عام 1990 
إلى 3.7 % عام 2003.

  إنما يعود بشكل رئيس إلى ارتفاع الصادرات من المواد (القمح والشعير والقطن) بنسبة وصلت إلى حوالى 20 %، 24% من مجموع الصادرات خلال عامي 1997 – 1998 [1]. بعد أن كانت 13% في السنتين السابقتين، وقد أدت الإجراءات التي تم اتخاذهالتطوير مساحات وإنتاج القمح والقطن وتقديم التسهيلات المختلفة وتشجيعهم على زيادة الإنتاج بما فيها شراء محاصيلهم بأسعار تشجيعية، إلى زيادة إنتاجية هذين المحصولين بشكل خاص، مما سمح بتصدير جزء من الاحتياطي الاستراتيجي للقمح في السنوات السابقة.

   إنّ التطور الذي شهده الإنتاج الزراعي، والذي كان محصلة لجملة من الإجراءات والتدابير الحكومية المتوفرة في ميدان التسعير والإقراض والتمويل والدعم والإعفاءات الجمركية ومن هذه الإجراءات:

ـ سياسة التصدير الزراعي التي تم من خلالها السماح للقطاع الخاص والاحتفاظ بنسبة(75-100%) من قيمة صادراته من الخضار والفواكه بالقطع الأجنبي، إعفاء مصدِّري الخضار والفواكه إلى اتفاق المدفوعات والاتفاقات الخاصة من شرط تصدير بنسبة 20% من صادراتهم إلى بلدان القطع الحر [2]، كما تم صدور القانون رقم (7) لعام 1994 القاضي بإلغاء رسم التصدير على القطن المحلوج، وإلغاء ضريبة الإنتاج الزراعي على القطن وبذوره عند التصدير أو عند تسليمه إلى مؤسسات الصناعة النسيجية [3].

ـ سياسة الاستيراد الزراعي التي سمحت لكل مستورد بشراء القطع من أي مصدر لتمويل الاستيراد وحصراً منذ أوائل عام 1992، السماح للقطاع الخاص باستيراد المعدات والمواد الزراعية والأدوية عن طريق تسهيلات ائتمانية لمدة 180 يوماً معفاة من شرط تأدية المؤونة والسلطة النقدية للمصرف [4].

  إلا أن تأثر الإنتاج الزراعي بالعوامل المناخية وموجه الجفاف التي ضربت القطر جزئياً عام 1999، أدت إلى نضوب بعض الآبار وظهور الآفات، بالإضافة إلى الصعوبات التسويقية التي تواجهها الصادرات الزراعية نظراً لعدم مطابقتها للمواصفات، كل هذه العوامل ساهمت بشكل مباشر في تراجع بنسبة الصادرات الزراعية ابتداءً من عام 2000، حيث انخفضت هذه النسبة من 25.6% عام 1998 إلى 13.5 % عام 2003.

2-2 ـ التجارة الخارجية وقطاع الصناعة في سورية:

  تتوضح العلاقة بين القطاعين من خلال ما يقدمه قطاع التجارة الخارجية لقطاع الصناعة من بضائع التكوين الرأسمالي (آلات وتجهيزات ومعدات) ومن المواد الأولية والأساسية المساعدة عن طريق الاستيراد، وبما يتيحه لفائض منتجاته من الأسواق والمنافذ الخارجية عن طريق التصدير.

   لقد عانى الاقتصاد السوري في النصف الأول من الثمانينات من مشاكل عديدة تتعلق بقدرة الإنتاج الصناعي المحلي على تلبية حاجات السكان المتزايدة إلى منتجاته، وبتوفير العملات الصعبة الضرورية لاستيراد كثير من السلع الغذائية وغير الغذائية ومستلزماتالإنتاج المادية اللازمة للإنتاج في المؤسسات الصناعية، وبالقيود المفروضة على التجارة الخارجية، ومما زاد من هذه المعاناة أيضا الانهيار الحاد الذي شهدته أسعار النفط الخام عام 1986 مما حرم البلاد من مصدر أساسي للعملة الصعبة الضرورية لتمويل استيراد المواد الأولية والسلع الاستهلاكية الضرورية.

  لذلك، توجهت الحكومة في النصف الثاني من الثمانينات نحو تخفيف القيود على عمليات الاستيراد وتبسيط إجراءاته، وإطلاق قوى التصدير إلى أبعد الحدود، وتطوير معدلات التعرفة الجمركية لما يخدم هذه العملية، وتطوير السياسات المالية والنقدية بما يتلاءم مع هذه الأهداف. [5].

  فسمح للقطاع الخاص أن يستورد المستلزمات الضرورية لتشغيل معامله مع قطعها التبديلية وأن يتحمل بنفسه أعباء تحويل استيرادها، وأن يسير هذا الأمر على التوازي مع القطاع العام الذي يسمح له بأن يستورد مستلزماته لتشغيل معامله بالاعتماد على قدرته التمويلية الناجمة عن تصدير منتجاته، وسمح للقطاع العام بأن يشتري البدائل المحلية بأسعارها السائدة في السوق[6] واعتمدت السياسة الاستيرادية ضرورة تأمين الاحتياجات التموينية والسلع الغذائية الأساسية من قبل القطاعين العام أو الخاص، كما أعيد النظر بالتعرفة الجمركية. [7]

  وفي مجال التصدير شُكلت لجنة التصدير عام 1986 لقيادة وتوجيه عمليات التصدير، وتحديد السلع المطلوب تصديرها في كل مؤسسة على أساس توفير الحد الأدنى المطلوب من القطع الأجنبي للوفاء بحاجات تلك المؤسسة، واعتبر المرسوم الذي شكلت هذه اللجنة بموجبه نافذا فور صدروه.

وكانت محصلة نشاطات لجنة التصدير حتى عام 1999 هي: [8]

ـ استبدال مبدأ المتاح للتصدير بمبدأ الممكن تصديره.

ـ التعاون في عمليات التصدير بين القطاعين العام والخاص.

ـ إلزامية إعداد خطط للتصدير لدى القطاع العام، والعمل على تتبع تنفيذها، وفتح أبواب التصدير واسعة أمام القطاع الخاص، وعدم اللجوء إلى تحديد كميات لصادراته، وتشجيع التصدير عن طريق عمليات المقايضة عند اللزوم.

ـ إعفاء المؤسسات المصدرة حق الاحتفاظ بالقطع الأجنبي الناجم عن التصدير وبشكل تدريجي

ـ اعتماد مبدأ التصدير بالسعر الرائج عالميا، خاصة بالنسبة لمؤسسات القطاع العام، وإعادة النظر بأسعار قطع التصدير بالنسبة للقطاع العام.

ـ إعفاء عمليات التصدير من ضريبة الإنتاج الزراعي.

ـ الطلب إلى القطاع العام تخصيص خطوط إنتاجية معينة لأعمال التصدير.

ـ استيراد الآلات الصناعية المستعملة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ـ عمليات الإدخال المؤقت بهدف التصنيع أو إعادة التصدير معفاة من شروط الحصول على إجازة التصدير منذ عام 1994.

   إلا أن هذه الإجراءات في تشجيع الصادرات الصناعية السورية وتوجهات السياسة الاقتصادية في هذا المجال لم تحقق النتائج المرجوة منها حتى الآن، والمؤشرات الأولية لتطور الصادرات والمستوردات الصناعية تدل على استمرار تراجع نسبة الصادرات الصناعية إلى إجمالي الصادرات السلعية خلال كامل الفترة المدروسة. وهذا ما يوضحه الجدول الآتي:

جدول رقم (4) الأهمية النسبية للصادرات والمستوردات الصناعية في سورية للفترة(1990-2003) %

السنة

نسبة الصادرات الصناعية إلى إجمالي الصادرات السلعية
نسبة المستوردات الصناعية إلى إجمالي المستوردات السلعية
1990
22.8
35.2
1991
22.8
46.3
1992
15.6
46.2
1993
16
47.9
1994
22.6
50
1995
21.8
46
1996
13.8
44.6
1997
15.7
42.1
1998
17.1
42.3
1999
12
40.8
2000
13
37.8
2001
13.4
37.1
2002
16.5
43
2003
16.4
48.2
المصدر: إحصاءات التجارة الخارجية للأعوام ( 1991-2004 )

يبين الجدول السابق:

1- لقد كان لصدور قانون تشجيع الاستثمار في سورية و إجراءات تحرير التجارة الخارجية التي شجعت قيام منشآت صناعية كبيرة من قبل المستثمرين، دور هام في ارتفاع نسبة المستوردات الصناعية إلى إجمالي المستوردات السلعية من 34.2 % عام 1990 إلى 90 % عام 1994.

إلا أن استمرار وارتفاع هذه النسبة مقابل انخفاض نسبة الصادرات الصناعية من إجمالي الصادرات السلعية، إنما يدل على أن الاقتصاد السوري يعتمد في إنتاجه الصناعي على استيراد المنتجات التامة والنصف الصنع من الخارج بشكل يزيد عن 40%، وإن تراجعها في عامي 2000 و 2001 (37.8 %، 37.1 %) على التوالي، إنما يعود بشكل أساسي إلى أزمة الركود الاقتصادي التي أدت إلى انخفاض هذه النسبة.

2- على الرغم من الجهود التي سعت إليها التنمية في القطر من خلال الأهداف التي تضمنتها الخطط الخمسية لتطبيق منهج صناعة بدائل المستوردات والتركيز على إقامة صناعات تحل منتجاتها محل المستوردات، مما يكفل تقليص حجم المستوردات وزيادة الوفر من القطع الأجنبي، ودعمها لتشجيع الصادرات الصناعية والزراعية على حد سواء، نجد أن هذه الاستراتيجية لم تتمكن من زيادة نسبة الصادرات الصناعية، والإقلال من المستوردات الصناعية، فقد تراجعت الصادرات الصناعية من 22.8 % عام 1990 إلى 16.4 % عام2003 مقابل ارتفاع في المستوردات الصناعية من 35.2 % عام 1990 إلى 48.2% عام 2003 ويعزى هذا إلى مجموعة من الأسباب نذكر من أهمها [9]:

1- تطبيق الحماية الكاملة على المنتجات الاستهلاكية دون تمييز، وليس على المنتجات الوسيطة والاستهلاكية بدل من العكس، ولم تقترن هذه الحماية، بسياسة ديناميكية لتشجيع التصدير، كما فعلت الدول الآسيوية التي اعتمدت على حماية متدرجة ومتنوعة في السوق الداخلية وبين تشجيع التصدير بالسبل كافة إلى الأسواق الخارجية.

2- غياب استراتيجية محددة ومعلنة للتنمية الاقتصادية عامة والصناعية خاصة.

3- اتخاذ قرارات استثمارية دون استكمالها بالسياسات والإجراءات التي تتطلبها هذه القرارات.

4- عدم إيلاء بناء القاعدة التكنولوجية الوطنية الاهتمام الذي تستحق، وانعكس ذلك تقصيراً في تطوير الموارد البشرية، وفق احتياجات الصناعة، وفي تدعيم البحث والتطوير والابتكار وفي تنمية بيوت الخبرة الاستشارية الوطنية.

5- غياب شبه كلي للتمويل الصناعي، إذا لم يتجاوز نصيب الصناعة من إجمالى التسليف المصرفي 2.4% حتى نهاية عام 2002 وحوالي 4% عام 2003، وظل الصناعي السوري معتمداً على موارده ووسائله الخاصة في التمويل.

6- عدم الاهتمام بمرحلة ما قبل الاستثمار، من حيث القيام بدراسات الجدوى الاقتصادية، وما تعنيه من دراسات فنية ودراسة السوق، بما يفسر إلى حد كبير انخفاض معدلات التشغيل وارتفاع التكاليف.

7- غياب سياسة متكاملة لتنشيط الصادرات الصناعية، بما في ذلك إهمال إقامة المؤسسات التجارية المتخصصة بالتصدير لتشكل صلة الوصل الفعالة بين المنتج المحلي والمستورد الخارجي كما هو الحال في اليابان.

8- محدودية منافسة الصناعة السورية في الأسواق الدولية (الجودة – السعر – التسويق).

  بالإضافة إلى أن هناك العديد من المصانع في القطاعين العام و الخاص لا تستغل كامل طاقاتها الإنتاجية بسبب ضعف التسويق في السوق المحلية، فهذه السوق لديها حجم استيعاب معين، وهناك سلع مستوردة مماثلة تنافس السلع في السوق المحلية فهناك الكثير من الطاقات الإنتاجية تُهدر، كما يحدث حالياً في الألبسة والنسيج.

   إذاً إن الانخفاض والتراجع المستمر للصادرات الصناعية السورية إنما يدل على عجز المنتجات الصناعية السورية في القطاعين العام والخاص عن غزو الأسواق الخارجية بمعزل عن تدخل الدولة الذي لم يكن ممكناً لولا العلاقات الخاصة التي كانت موجودة خلال تلك الفترة بين سورية والاتحاد السوفياتي، وتكرار هذه التجربة شبه مستحيل في الظروف الحالية للتجارة الخارجية الدولية، والعولمة، وشروط عمل منظمة التجارة العالمية.

   كما أن خطط التنمية لم تحدث التغيرات المطلوبة في بنية الاقتصاد السوري، بل اعتمدت بشكل رئيس على مدخلات إنتاج مستوردة، وهذا ما يشدد من تبعية الاقتصاد الوطني للسوق العالمية الرأسمالية يبقى القطاع الأول (قطاع النفط) هو القطاع الرئيس المصدِّر.

3-2 ـ التجارة الخارجية وقطاع النفط في سورية:

   لعب النفط في سوريا منذ أواسط الثمانينات دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الصادرات النفطية مصدرا هاماً للحصول على العملات الصعبة الضرورية لتحقيق ما أمكن من أهداف التنمية.

  والنفط السوري ينتج ويصدر في إطار اتفاقيات مع شركات أجنبية تتقاضى مبالغ كبيرة لتغطية نفقاتها أو على شكل أرباح يتم تحويلها إلى الخارج [ 10 ].

   هذا وقد شكلت صادرات النفط الخام القسم الأكبر من الصادرات السورية الإجمالية، وهذا ما يوضحه الجدول الآتي:

جدول رقم ( 5) الأهمية النسبية للصادرات والمستوردات النفطية للفترة ( 1990-2003 ) %

السنة

نسبة صادرات النفط الخام إلىاجمالي الصادرات السلعية
نسبة مستوردات النفط الخام المستوردات السلعية
نسبة صادرات القطاعات الأخرى إلى إجمالي الصادرات
نسبة المستوردات القطاعات الأخرى إلى إجمالي المستوردات
1990
34
3
33.2
49.5
1991
44
-
21.3
47.6
1992
59
-
13.8
47.7
1993
59
-
6.4
45.7
1994
52
-
7.1
46.6
1995
55
-
7.8
48.4
1996
64
-
5.7
50.3
1997
55
-
7.5
51.2
1998
48
0.3
9.3
50.4
1999
63
-
5.6
52.2
2000
75
3.8
-
49
2001
69.5
4.3
5.7
51.4
2002
62.1
-
5.8
49.8
2003
62.5
3
7.6
59.9
المصدر: إحصاءات التجارة الخارجية للأعوام ( 1990-2004 ).

  شكلت الصادرات النفطية نسبة مرتفعة من إجمالي صادرات القطر السلعية خلال الفترة ( 1990-2003 )، فقد ارتفعت هذه النسبة من 34% عام 1990 إلى 75% عام 2000 و62.5 % عام 2003، ويعزى ذلك إلى انتعاش أسعار النفط الخام العالمية، حيثوصل سعر البرميل في سلة أوبك إلى 22.7 دولار عام 2000 و 31.5 دولار عام 2003 بعد أن كان 9.9 دولار في عام 1999.

  أما أدنى مستوى لهذه النسبة كان عام 1998 (48%) الذي شهد انهياراً حاداً في أسعار النفط الخام العالمية، مما ترك آثاراً سلبية جداً على قيم الصادرات النفطية ونسبتها وعلى الميزان التجاري السوري.

  إن الاكتشافات النفطية الجديدة والإنتاج المتزايد للنفط الخفيف بكميات كبيرة خلال الفترة (1985-1999 )، أسهمت في انخفاض بل انعدام المستوردات النفطية وتم الاستعاضة عنها بالنفط الخفيف، لترتفع هذه النسبة بشكل بسيط جدا في عامي (2000-2003)، ( 3.8%، 3% ) على التوالي، وذلك نتيجة الحاجة إلى بعض الأنواع من المشتقات النفطية.

إن تصاعد أهمية صادرات سورية من النفط الخام خلال فترة التسعينات وبداية الألفية الثالثة خفف الضغوط على ميزان المدفوعات من جهة، لكنه من جهة أخرى زاد من درجة تأثر هذا الميزان بتقلبات سوق النفط العالمية، كما حدث في عامي 1986-1998انخفاض شديد في أسعار النفط الخام.

  وتجدر الإشارة هنا، أخيراً، إلى العلاقة القوية بين تطور قيم صادرات سورية من النفط الخام، من جهة، وتطور قيم مستورداتها السلعية الإجمالية من جهة أخرى، خلال الفترة (1990-2003)، فقد بين معامل الارتباط المحسوب بين تغير هاتين الظاهرتين أن 80%تقريباً من التغيرات في قيم الصادرات من النفط الخام خلال الفترة المدروسة رافقها تغير في الاتجاه نفسه (زيادة أو نقصانا) في قيم المستوردات السورية السلعية الإجمالية، مما يؤكد مرة أخرى اعتماد الاقتصاد السوري الكبير على موارد البلاد النفطية إنتاجاً وتصديراً، على الرغم من انخفاض نسبة الصادرات النفطية في عام 2003، لا تعود بشكل أساسي إلى تطور في قيم الصادرات السورية غير النفطية، وإنما ترجع بشكل أساسي إلى انخفاض إنتاج كميات النفط الخام نتيجة نضوب بعض الآبار النفطية وخاصة أن التوقعات تشير إلى انخفاض مطرد في الإنتاج النفطي للفترة القادمة.

4-2 ـ التجارة الخارجية وقطاع النقل في سورية:

   الترابط بين قطاع التجارة الخارجية وقطاع النقل ترابط وثيق، حيث تقترن عمليات الاستيراد والتصدير بمفهوم التبادل التجاري وانتقال السلع من مكان لآخر. وبالقدر الذي تزداد فيه التجارة الخارجية لقطر من الأقطار تزداد معه عمليات النقل البري والبحري والجوي.

  ولقد كان للسياسة التجارية التي مارستها الدولة في فترة الثمانينيات على صعيد قطاع التجارة الخارجية (استيراد وتصديرا) دورٌ هامٌ في إعاقة عمليات الاستيراد والتصدير، الأمر الذي أدى إلى تراجع عمليات الشحن والنقل، إلى أن تم إصدار قانون الاستثمار رقم / 10 / لعام 1991، الذي لعب دوراً كبيراً في إحداث تغير واضح في نسبة وقيمة المستوردات ولاسيما مستوردات وسائط النقل وهذا ما يوضحه الجدول الآتي:

جدول رقم ( 6 ) الأهمية النسبية لمستوردات وسائط النقل وقطعها التبديلية من إجمالي المستوردات الرأسمالية للفترة ( 1990-2003 ). %

السنة

نسبة واردات وسائط النقل إلى إجمالي المستوردات الرأسمالية

السنة

النسبة

1990
25.2
1997
57.6
1991
37.6
1998
45.6
1992
46
1999
33.6
1993
40.6
2000
33.6
1994
38.6
2001
34.3
1995
38
2002
36.3
1996
38
2003
18.5
المصدر: حسبت بالاعتماد على المجموعة الإحصائية للأعوام ( 1991  2004 )

  يبين الجدول أن مستوردات وسائط النقل قد ارتفعت نسبتها من 25.2% عام 1990 إلى 46% 1992 وإلى 57.6% عام 1997 لتتراجع هذه النسبة إلى 18.5% عام2003. يعزى هذا التذبذب في الارتفاع والانخفاض إلى:

ـ تركيز الاستثمارات الناجمة عن قانون الاستثمار رقم / 10 / لعام 1991 في قطاع النقل، حيث انتقلنا من أزمة النقص في وسائل النقل والشحن إلى فائض، والتي نتج عنها ارتفاع تكلفة وهدر كبير للموارد.

ـ النقص الكبير في وسائط النقل وشدة الحاجة إليها الناجمة عن قيود استيراد الآليات.

ـ الربحية العالية التي تتحقق من الاستثمار في هذا القطاع قياساً إلى القطاعات الأخرى وفترة الاسترداد القصيرة.

ـ إعفاء مستوردات المشاريع المشمولة بأحكام قانون 1991 من جميع الضرائب والرسوم المالية والبلدية والجمركية.

ـ قيام شركات النقل السياحي باستيراد أعداد كبيرة مستفيدة من التسهيلات التي منحتها أحكام هذا القانون.

   لقد كانت آثار قانون تشجيع الاستثمار واضحة على تطور قيمة المستوردات السورية من الآلات والمعدات ووسائط النقل في السنوات الخمس الأولى بعد صدوره، ثم بدأت آثاره تضعف فانخفضت قيمة المستوردات من هذه السلع التي تدخل كمكون أساسي من مكونات مجمل تكوين رأس المال الثابت، المحرك الأساسي للتنمية في أي بلد من البلدان، وربما استمر اتجاه تطور استيراد عناصر تكوين رأس المال الثابت لعدة سنوات أخرى قادمة بسبب أزمة الركود الواضحة التي يعاني منها الاقتصاد السوري التي تتجلى، بالإضافة إلى تراجع قيم هذه العناصر المكونة لمجمل تكوين رأس المال الثابت، في تراكم المخزون لدى مؤسسات القطاعين العام والخاص الصناعية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وفشل سياسات التصدير رغم الإجراءات العديدة المتخذة لتشجيع الصادرات، وانخفاض نسبة استغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة في المؤسسات الإنتاجية بشكل كبير، وعجز الميزان التجاري المستمر الذي سيصل إلى حالة تثير القلق بعد انخفاض كميات النفط الخام المستخرج في المدى المتوسط وغيرها من الظواهر الأخرى وذات التأثير المتبادل الذي يتطلب معالجة عاجلة.

  وضع المجلس الأعلى للاستثمار حداً لتوجيه استثمارات قانون رقم / 10 / في شركات النقل ومكاتب تأجير السيارات ابتداء من عام 1998، الأمر الذي دفع في تراجع مستوردات وسائط النقل.

  إذا، إن دور قطاع النقل في التجارة الخارجية يتوقف إلى حد كبير في مدى التطور الذي يشهده قطاع التجارة الخارجية جنباً إلى جنب مع قطاعي الزراعة والصناعة ووجود الأسواق الخارجية اللازمة لتصريف فائض الإنتاج المحلي (التصدير) ووجود الأسواق الداخلية القادرة على الاستيعاب (الاستهلاك والاستثمار)، وهذا يتوقف على مستويات الدخول والأجور والأسعار.

الخلاصة وأهم الاستنتاجات:

1- أوضحت الدراسة طبيعة واتجاهات الخلل في البيئة الاقتصادية في سورية خلال الفترة المشار إليها، وكذلك الخلل على مستوى الأنشطة المولدة للناتج فضلا عن أوجه الإنفاق، مما خلق الحاجة الضرورية لحركة التجارة الخارجية.

2- أظهرت مجموعة المؤشرات الإحصائية المستخدمة في التحليل أن تجارة سورية الخارجية تعاني هي الأخرى من خلل واضح، فتتميز التجارة الخارجية بتركز سلعي في جانب الصادرات يناظره تركز سلعي في جانب الواردات، وسلع أولية (زراعية أو استخراجية) في جانب الصادرات مقابل مدى واسع من الواردات الاستهلاكية والاستثمارية. وقد جعل ذلك الاقتصاد الداخلي تابعا للمؤثرات والمتغيرات العالمية المتعلقة بالطلب على أو العرض من هذه السلع.

3- وجاءت الآثار المتبادلة بين هيكل الإنتاج والصادرات مؤكدة أن استجابة الصادرات للمتغير النفطي، وبما يؤكد أهمية القطاع الاستخراجي وبروز قطاع النفط كقطاع ذي أهمية خاصة في النشاط الاقتصادي.

4- بالإضافة إلى ذلك، رغم أن النشاط الاقتصادي في سورية يرتبط بشكل قوي بما يوفره قطاع الاستيراد من سلع وخدمات، مما يعمق الأثر على واقع وحجم الاقتصاد المحلي، إلا أن تأثير الناتج على الصادرات يعتبر متدنياً إلى حد كبير حيث ترتبط الصادرات بظروف السوق الدولية وتقلبات شروط التبادل التجاري، فتراجع هذه الشروط في غير صالح الاقتصاد المحلي يمارس دوره الأساسي من خلال السعر وليس من خلال النشاط الإنتاجي المحلي.

   مثال ذلك تراجع الطلب العالمي لحدوث كساد في النشاط الاقتصادي للدول الصناعية لا يقابله تراجع في الصادرات الحقيقية بل يكون التراجع في الدخول النقدية فقط بسبب الأسعار، كما أن التراجع في نمو الصادرات والناتج لا يكون بسبب عوامل محلية بشكل رئيس، كما أن يحدث بشكل سريع كما هو الحال في الواردات، فغالبا ما يكون تراجع الصادرات (الحقيقية والنقدية) نتيجة اعتبار الطلب على الصادرات (خاصّة صادرات قطاعات النفط والمنتجات النفطية) الفارق ما بين الإنتاج والاستخدام المحلي من هذا الإنتاج، فضلا عن تراجع الصادرات وعوائدها نتيجة لتغير القيمة لهذه الصادرات نتيجة انخفاض السعر مع خفض أو على الأقل ـ بقاء حجم الصادرات ثابتاً.

لذلك لا بد من الأخذ بالتوصيات الآتية:

ـ تصحيح الهيكل الاقتصادي بما يخلق الانسجام ما بين أداء الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة والقضاء على الاختلالات الموجودة تمثل جوهر عملية التنمية الاقتصادية، ومن ثم يصبح التصحيح هدفاً للسياسة الاقتصادية، هذه السياسة التي يكون اهتمامها تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والقضاء على مواطن الخلل بمصادره المختلفة والمتمثلة في مجموعة السياسات الداخلية التوسعية بما أدت إليه من اختلالات مالية، ومجموعة التطورات والصدمات الخارجية السلبية وتأثيرها على الدخل القومي وميزان المدفوعات، ثم مجموعة المشكلات الاقتصادية من ركود وضعف معدلات النمو والإنتاجية الناجمة عن المعوقات الهيكلية الكبيرة.

ـ تنويع الصادرات السورية وزيادة قيمة الصادرات غير النفطية، خاصة من المنتجات المصنعة، يضاف إلى ذلك أن احتياطات النفط الخام المؤكدة في سورية تتناقص مع المحافظة على كميات الإنتاج المرتفعة نسبياً.

ـ تؤكد بعض المصادر الاقتصادية أن سورية، إذا لم تكتشف احتياطيات جديدة قد تتوقف عن تصدير النفط الخام خلال الفترة ( 2012-2020 ) [ 11]، ربما تتحول سورية إلى مستورد للنفط الخام، وما يتطلب ذلك من توفير عملات صعبة إضافية لتمويل هذا الاستيراد.

   ومما يزيد الوضع سوءاً محدودية كميات المياه المتجددة في سورية وأن معظمها يأتي من خارج الأراضي السورية، وهذا يؤدي بدوره إلى صعوبة الاعتماد في المستقبل على زيادة صادرات الخامات الزراعية كالقطن والقمح، والخضار والفواكه.

ـ يجب أن تمارس هذه السياسات التصحيحيّة دورها في عملية النمو الاقتصادي المعتمد ليس فقط على نمو عائدات الصادرات بل أيضا معالجة وضبط الخلل في بنود الإنفاق وبما يحقق التوافق بين أداء الناتج المحلي بقطاعاته السلعية والخدمية المنتجة وأداء القطاع الخارجي، أي أن الأثر المتبادل الصحيح بين هيكل الاقتصاد والتجارة الخارجية يجب أن يكون على أساس النمو الحقيقي للأنشطة الإنتاجية واستعادة التوازن الداخلي والخارجي للاقتصاد.

  أمام هذا الوضع الصعب لا بد من التفكير عملياً بزيادة الصادرات من المنتجات المصنعة التي تتضمن قيمة مضاعفة كبيرة نسبياً، كالصناعات الالكترونية الدقيقة، مثلا، أو زيادة إيرادات صادرات الخدمات، خاصة السياحية منها، ولاسيما في المرحلة المقبلة مع دخول سورية إلى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والشراكة الأوروبية، ومنظمة التجارة العالمية.

المراجع:

جمعة، محمد صالح، 2002: الميزان التجاري السوري للفترة (1970-2001) ـ منشورات جامعة دمشق ـ كلية الاقتصاد ـ سورية ص285.

د. الحمش، منير، 1991: هيكل الصادرات والواردات السورية وتوزيعها الجغرافي، مجلة الاقتصاد العدد 324، ص 45.

السياسات الزراعية والتخطيط الزراعي في سورية، الندوة القومية عن السياسات الزراعية والتخطيط، 1999، وزارة الزراعة، هيئة تخطيط الدولة ص18.

سويد، ريما، 2000: الزراعة والعلاقات الاقتصادية الخارجية، منشورات جامعة دمشق، ص 163.

د. عز الدين جوني، 2001: التجارة الخارجية السورية خلال ربع القرن الماضي، منشورات سلسلة دار الرضا للمعلومات، دمشق، ص263.

د.عبد النور، خالد، 1999: تأهيل القطاع الصناعي للتكيف مع متطلبات المنافسة الداخلية والخارجية، ندوة الثلاثاء الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، جمعية العلوم الاقتصادية، دمشق، ص 2.

د. العمادي، محمد، 2004: لمحة موجزة عن كتاب الدكتور " تطور الفكر التنموي في سورية " في مجلة العالم الاقتصادي العدد /5 / أيلول ـ 2004، دمشق، ص26.

د. العمادي، محمد، 1994: تجربة سورية في تحرير التجارة والإصلاح الاقتصادي، دمشق، ص3.

نتائج دراسة الاسكوا حول التجارة الخارجية في السورية، 2004: الاقتصادية العدد/149/حزيران/ 2004، دمشق، ص12.

أبو دان، محمد صافي، 2004: واقع الصناعة السورية، مجلة العالم الاقتصادي، شهرية اقتصادية، العدد/5/ أيلول / 2004، دمشق، ص34.

د. حداد، إبراهيم، 2004: النفط السوري يتناقص منذ بضع سنوات، مجلة الاقتصادية العدد / 154 / تشرين الثاني / 2004، دمشق، ص18.

د. حداد، إبراهيم، 2004: الاستثمارات الأمريكية في مجال النفط في سورية، الاقتصادية العدد/141 نيسان/ 2004، دمشق،ص19. 


[*] ( الصادرات + الواردات ) من السلع والخدمات / الناتج المحلي الإجمالي بأسعار 2000 الثابتة × 100.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا