التسميات

الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

منهجية التحليل الجغرافي عند ابن خلدون ...

منهجية التحليل الجغرافي عند ابن خلدون

مجلة التاريخ العربي - الدكتور مساعد بن عبد الرحمن الجخيدب - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم/ قسم الجغرافيا :
                                                                                
ملخص :

     استأثر ابن خلدون باهتمام كثير من الدارسين والباحثين باعتباره أغنى المكتبة العربية والغربية بأفكاره العلمية في كثير من مجالات العلوم الإنسانية.
     إن الفكر الجغرافي في "مقدمة" ابن خلدون ثري بالمعلومات الجغرافية، شامل لمعظم موضوعاتها بشكل يصعب حصره والوقوف عليه واستقصاؤه في مثل هذا البحث الذي قد لا يُظهر سوى جزء من كل في الفكر الجغرافي الذي يمتلكه. ولعل الوقوف على المنهجية العلمية في عرض الأفكار الجغرافية في "المقدمة" من سمات هذا البحث الذي يحاول إيضاحها بصورة متفقة مع الهدف من الدراسة.
        ويعالج البحث محورين أساسيين: الأول شخصية ابن خلدون الجغرافية من خلال لمحة عن حياته، والعوامل التي أدت إلى تنمية فكره الجغرافي، والمصادر التي زادت من ثقافته الجغرافية؛ بينما يركز المحور الثاني على المنهجية العلمية في كتاباته عبر الاستشهاد ببعض التخصصات الجغرافية التي احتوتها " مقدِّمته ".


الفكرة العلمية للدراسة المطروحة :

        ارتبطت فكرة هذه الدراسة ببعض المفاهيم المدونة في أغلب كتب الفكر الجغرافي المعاصر حول منهجيات البحث لدى مبتكري الكثير من الحقائق في العلوم الإنسانية من المسلمين، والمتمثلة في تضعيف الاتجاه العلمي والمعالجة بزاوية فردية وتبسيط الإضافة العلمية في مصنفاتهم وإيعاز بعض الحقائق، بل ونسبها إلى الوارثين لمعين إنتاجهم من الجغرافيين المحدثين. ولإجلاء فكرة الدراسة، فإنه من المتعين الإلمام بالهدف المراد تحقيقه والتساؤل الذي يمكن أن تجيب عنه.

هدف الدراسة :
        تهدف الدراسة إلى إظهار بعض القضايا المنهجية التي طرحها ابن خلدون وأدرجها في "مقدمتـ"ـه نموذجاً للمصنفات التراثية الإسلامية والمتعلقة بطريقة المعالجة للمفاهيم والحقائق الجغرافية التي أوردها وأصبحت الآن منذ تنظيرها واقعاً ملموساً في البيئات الجغرافية.

تساؤل الدراسة:
        لحصر موضوع الدراسة وجعله مناقشاً للهدف المرسوم، كان من الضروري ربطه بالإجابة على تساؤل محدد هو: ما طبيعة منهجية ابن خلدون في إبراز وعرض المعلومات الجغرافية الكائنة في مصنفه؟ ولتضييق هذا التساؤل الذي قد لا تتمكن الدراسة من الإحاطة به بهذا الإجمال، تم اختيار تساؤلات فرعية مستخلصة منه، وهي:
           ـ  كيف أثرت شخصيته في تبني الأفكار الجغرافية؟.
           ـ  هل منهجيته ذات ارتباط بالتخصص العلمي الدقيق فقط؟.
           ـ  ما طبيعة الفلسفة الجغرافية في دراسته الإقليمية؟.
           ـ  هل هناك توازن في الإضافة العلمية على مستوى فروع الجغرافية؟.
           ـ  كيف توصل إلى بعض الحقائق التي أصبحت مفاهيم نظرية؟.

        إن الإجابة على تلك التساؤلات كفيلة بأن توضح جزءاً من المنهجية المستقلَّة في عرض الفكر الجغرافي الرصين الذي تنتمي إليه "مقدمتـ"ـه.

أولاً: شخصية ابن خلدون الجغرافية :

        تعد الشخصية إحدى الركائز التي تشكل الجانب الفلسفي لرواد العلم من أبناء الأمة الإسلامية؛ كما أنها انعكاس صادق للفكر المطروح. وتتمثل الشخصية في جوانب عديدة، أبرزها:

1. 1.  لمحة عن حياته :

        هو عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين. فاسمه عبد الرحمن وكنيته أبو زيد ولقبه ولي الدين وشهرته ابن خلدون([1]). وترجع أسرته إلى أصل يمنـيّ حضرميّ. وكان مولده في عام 732 هـ/ 1332 م.
        واستطاع ابن خلدون أن يجمع ما بين التحصيل العلمي والتجربة العملية؛ فلم يكن مقتصراً على نهل العلم فقط، بل تعداه إلى تقلد مناصب زادت من اطلاعه السياسي. كما أنه زاول هواية الارتحال، خاصة في شمال أفريقيا. ولقد ذكر سيف الدين الكاتب بعض مشاركاته الاجتماعية بقوله: »وقضى ابن خلدون في فاس نحواً من ثمانية أعوام ما بين 755 و763 هـ/ 1354 و1362 م، واستطاع في هذه الفترة أن يختلط برجال الفكر والأدب حتى كانت له مشاركات نظم فيها الشعر وألقى الخطب وخاض غمار السياسة وتقلب هناك في عدة مناصب«([2]).
        ولقد خرج ابن خلدون من هذه الحياة بكتاب "العبر وديوان المبتدإ والخبر"، وإن كانت "المقدمة" هي التي أظهرت سيرة هذا العَلم الشامخ. ولا تزال "المقدمة" تحوي خلاصة ما اهتدى إليه من معارف متنوعة ينهل منها علماء هذا العصر، كلٌّ حسب تخصصه؛ فعالم التاريخ مثلاً ينهل مما جاء فيها من تاريخ الأمم والشعوب وما آلت إليه، والجغرافي يستنبط منها الكثير من الاستنتاجات الجغرافية بواسطة منهجية علمية، إلخ.
        وفي السادس والعشرين من رمضان سنة 808 هـ/ 1406 م، توفي المؤرخ القاضي السياسي الفقيه عبد الرحمن ابن خلدون عن ثمان وسبعين سنة حفلت بالأحداث بعد أن خلف موسوعة علمية جعلت رجال الفكر والثقافة في الشرق والغرب من بعده ينهلون مما ورد فيها من معرفة.

1. 2.  العوامل التي أدت إلى تنمية الفكر الجغرافي لديه :

        لقد تضافرت عدة عوامل ساعدت على تكوين الفكر الجغرافي وتنميته لدى ابن خلدون:

1. 2. 1. حصيلته العلمية :

        لم يزل ابن خلدون ـ منذ نشأ ـ منكبّاً على تحصيل العلم بجميع معارفه، حيث بدأ يحفظ القرآن بالمساجد. وكان أبوه معلمه الأول، وكانت تونس حينئذ منتدى العلماء والأدباء في بلاد المغرب ومنزل رهط من علماء الأندلس الذين تركوها بعد أن حل بها الاستعمار الصليبي. وقد درس معظم العلوم كالحديث والسيرة واللغة والفلسفة والعلوم الطبيعية والفلكية، وانعكست هذه التخصصات على المنهجية العلمية التي سار عليها في التحليل والتنظير الجغرافيين.
       
1. 2. 2. الأوضاع السياسية التي عاشها
        كان ابن خلدون يعيش عصراً مليئاً بالأحداث السياسية؛ وقد شهدها واستفاد منها. فالعرب والبربر في صراع، والبدو والحضر في نزاع، والسلاطين يتحاربون، والتتار يهجمون. ولا شك في أن هذه الأحداث أوحت إليه بآرائه في البدو وفي الحضر، وفي قوة الدولة وضعفها ونشأتها وزوالها([3]). ومن هذا يتضح أنه لم يقف من تلك الأحداث موقف عدم المبالاة، بل محَّص في جذور تلك الأحداث وأسبابها ونتائجها، مما تمخض عنه استقاء ثروة ضخمة من المعرفة الاجتماعية في العلاقات بين البدو والحضر، وفكر سياسي تلوح معظم نظرياته في التطبيق حتى يومنا الحاضر.
        لقد تقلب في أكثر من مركز سياسي في سبيل تحقيق بعض مفاهيم السياسة التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق الاحتكاك المباشر مع ذوي السلطة حتى أنه استعمل الدسائس السياسية للوصول إلى مراكز يمكنه من خلالها فهم الحقائق السياسية. ويعد ابن خلدون شبيهاً حقيقيّاً لماكيافلي وسابقاً له. فلقد أظهر مهارة فائقة في سلوك هذا الشطرنج السياسي المعقد([4])، واستطاع أن يكتسب بهذا صورة واقعية عن الإدارة السياسية.

1. 2. 3. الحس الجغرافي لديه :

        يمتلك ابن خلدون أسلوب النقد التحليلي الناشئ من تجربة واقعية عاشها عندما خاض غمار السياسة وتقلب داخل المجتمع بفئاته المتعددة. لذلك جاءت آراؤه وتحليلاته قريبة جداً من الواقع حتى تجاوزت إلى اكتشاف قوانين المعيش؛ فهي قريبة، بل تنافس إلى حد كبير ما توصل إليه العلماء المحدثون في كثير من المجالات([5]). وتعد العوامل السابقة بمثابة البوابة التي استطاع من خلالها ابن خلدون أن يأتي ببعض الأفكار الجغرافية. ولعل عدم التخصص الذي ظهر في مصنفه كان سبباً في أن كثيراً من العلماء الحاليين لا يعدّونه من الجغرافيين أمثال المقدسي.
        ولا يمنع ذلك أن يصنف ابن خلدون من الجغرافيين، إذ انفرد ببعض التحليلات الجغرافية، خاصة أن الشمولية التي تميزت بها "مقدمتـ"ـه أهلته لذكر بعض الحقائق الجغرافية الدقيقة التي يخالف بها الجغرافيين؛ فالمقولة التي ترى، مثلاً، أن البلدان الواقعة إلى الجنوب من خط الاستواء خالية من السكان لإفراط الحر، يقف منها موقف المتشكك محاولاً أن يوفق بين تفكيره المتسم بالواقعية والنظريات المتوارثة عن العلم اليوناني، وهو ما أُيد بالمشاهدات.

1. 3.  مصادره وثقافته الجغرافية :

        يتضح أن الأسلوب الذي سار عليه ابن خلدون للاستفادة من هذه المصادر هو اللبنة الأولى لاكتساب المعرفة، واعتمد على مصدرين هما:

1. 3. 1. كتابات السابقين:

        اهتم ابن خلدون بكتابات الجغرافيين الأوائل باعتبارها اللبنة في الفكر الجغرافي والتي تمتد من اليونانيين ثم الرومان، والإضافة التي قدمها المسلمون من بعدهم حتى عهده. وأهم من أخذ عنهم حسب التتابع التاريخي:

1)  بطليموس: أخذ عن بطليموس، ولم يعبه ذلك باعتبار أن العلم ملك للجميع؛ ففي "المقدمة" يقول: »وفي وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد الحبشة على واد يأتي من وراء خط الاستواء ذاهباً إلى أرض النوبة، فيصب هناك في النيل الهابط إلى مصر. وقد وهم فيه كثير من الناس وزعموا أنه من نيل القمر، وبطليموس ذكره في كتابه "الجغرافيا"«([6]).
2)  المقدسي: أخذ عنه خاصة عند عرضه للأقاليم وتحديدها وذكر الأسماء المرتبطة بها، وذلك في كتاب المقدسي المشهور "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم".
3)  الإدريسي: يمتاز ابن خلدون بالأمانة العلمية. فهو يذكر اسم من أخذ عنه. ويقول في هذا الصدد: »ونحن الآن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار والبحار في كل جزء منها ونحاذي بذلك ما وقع في كتاب "نزهة المشتاق" الذي ألفه العلوي الإدريسي الحموي«([7]). ولم يقتصر على هؤلاء، بل أخذ عن آخرين كالمسعودي، والبكري، وياقوت الحموي، وإخوان الصفا، وابن خرداذبة في مصنفه "المسالك والممالك".
       
1. 3. 2. المشاهدة والمعاينة "

        انبرت هذه الصفة في منهجيته بسبب الزيارات التي قام بها سواءٌ إلى مصر أو أثناء تجواله في المغرب. وقد تفاعلت هذه المشاهدة مع الحس الجغرافي الذي يتمتع به من خلال سرعة الربط بين الظواهر المتعددة على أساس التشابه والتضاد والسببية.
        ووردت المعاينة والمشاهدة في كثير من الاستشهادات الجغرافية التي ساقها في مصنفه. فعلى سبيل المثال، حدد وسائل العلاج في البادية بقوله: »وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثاً عن مشايخ الحي. وربما يصح البعض منه؛ إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج«([8]).
        ولا يعد مفهوم التجربة عند ابن خلدون مفهوماً مبلوراً من الناحية النظرية التجريبية، وإنما يحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل على العلم والظن([9]). وتجاوز البحث في المصادر التي استعملها: فهو لا يرجع إلى المصادر لكي يستقي منها معرفة فحسب، بل يفكر في هذه المعرفة تفكيراً نظرياً؛ وبعبارة أخرى، هو يوظف المعارف المستقاة من مصادر مختلفة لأجل صياغة تنظير معين أو قد يكون لديه حدس لتنظير ما، فيسعى في دعمه بشواهد، فتكون القراءة دعماً للتنظير([10]).
       
ثانياً: منهجية ابن خلدون العلمية :

        تعد المنهجية أداة أساسية في المعالجة والتفسير، وترتبط بعدد من الأطر النظرية التي يستند إليها في كتابة المصنفات الجغرافية، وتختلف باختلاف المصنفين والتخصصات. ولقد سار ابن خلدون على منهجية علمية عامة وأخرى متخصصة.
       
2. 1.  المنهجية العلمية العامة :

1)  تصويب المعلومة التي نقلها أو حاول تحليلها. وعليه اعتمد في كتاباته على أساس التحليل والاستقصاء الرامي إلى فحص المرويات أو النصوص الموروثة. فالأخبار التي تصل إليه عن طريق الرواة لا يأخذ بها من دون تحليل وتمحيص، باعتبار أن الخبر يحتمل الصواب والخطأ. وهذه الوسيلة هي التي تتوافق مع منهجية البحث الصحيحة. ويورد هذا المنهج بقوله: »فلا تثقن بما يلقى إليك من ذلك، وتأمل الأخبار واعرضها على القوانين الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه«([11]).
        وبالرغم من أن هذا المنهج ينطبق على علم التاريخ الذي ترد فيه الأخبار والروايات بشكل أكبر، فإن هذا يسري على الجغرافيا أيضاً، وبالتالي يمكن القول بأن منهج ابن خلدون العلميّ ينطبق على كل كتاباته. فنحن نراه يقف، مثلاً، موقف المتشكك من النظرية القائلة بخلو البلدان إلى الجنوب من خط الاستواء من السكان لإفراط الحر. وفي هذا يقول: »ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خط الاستواء وما ورائه، وأورد عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة. فكيف يتم البرهان على ذلك؟«!([12]).
2)  استخدام قانون المطابقة في التحليل: يعد هذا القانون أساساً هامّاً في منهجية ابن خلدون باعتباره حجر الزاوية في "مقدمتـ"ـه، خاصة في العمران والاجتماع البشري الذي يستلزم النظر فيه. وقد ألح على هذه الفكرة في مواطن متعددة. والغرض من هذا النظر استخلاص ما يلحق بهذا الاجتماع من الأحوال سواءٌ لذاته أو بمقتضى طبعه. وإن تطبيق قانون المطابقة جره إلى الكشف عن القوانين الاجتماعية([13]).
3)  بيان انتفاء تماثل بعض الظاهرات على وجه الأرض بالدليل العلمي. ومن الأمثلة على ذلك ما أورده بقوله:

                 وقد زعم ابن رشد أن خط الاستواء معتدل وأن ما وراءه في الجنوب بمثابة ماوراءه في الشمال، فيعمر منه ما عمر من هذا. والذي قاله غير ممتنع من جهة فساد التكوين، وإنما امتنع فيما وراء خط الاستواء من جهة أن العنصر المائي غمر وجه الأرض هنالك إلى الحد الذي كان مقابله من الجهة الشمالية قابلاً للتكوين. ولما امتنع المعتدل لغلبة الماء، تبعه ما سواه؛ لأن العمران متدرج ([14]).

4)  انتهاج الأسلوب الوصفيّ، نظراً لشيوعه في عصره وعصور سابقيه. وهذا لا يعني أنه لا يورد بعض القياسات الكمية، وخاصة في المسافات؛ إلا أن الغالب هو الوصف المبني على ما ذكر من التحليل والاستقصاء التام للمعلومة المطروحة.
       
2. 2. المنهجية العلمية التخصصية :

        تظهر جوانب هذه المنهجية عند دراسة الموضوعات التي ناقشها ابن خلدون في "مقدمتـه" والتي شملت مقتطفات من الجغرافية الطبيعية وأخرى في الجغرافية البشرية بشكل أكثر تفصيلاً وأوسع تحليلاً. ولقد سلك في استعراض الموضوعات التسلسل المنطقي: فالظروف الطبيعية وما يتعلق بها ارتبطت بأبواب في أول "المقدمة"، ثم أتبعها ببيان الجوانب البشرية.
                "
2. 2. 1.  الجغرافيا الطبيعية:

        كما ذكر سابقاً، فإن "المقدمة" احتوت على بعض المقتطفات الطبيعية، إلا أنها لا تصل في كمها المعرفي للإيرادات الخاصة بالظاهرات البشرية؛ فهي قليلة. ولا يمنع هذا من أن له بها آراء علمية، ويتضح هذا بتتبع بعض الجوانب الطبيعية.
       
1)  صفة الأرض :

        أورد ابن خلدون صفة الأرض نقلاً عن العلماء بقوله: »واعلم أنه قد تبين في كتب الحكماء الناظرين في أحوال العالم أن شكل الأرض كرويّ، وأنها محفوفة بعنصر الماء كأنها عنبة طافية عليه. فانحسر الماء عن بعض جوانبها لما أراد الله من تكوين الحيوانات فيها وعمرانها بالنوع البشري«([15]). وتوحي الصفة التي أوردها والخاصة بانحسار المياه وما ترتب عليه، أنها من إضافته ليصل إلى تفسير للعمران البشري الذي عرضه.
        كما دفع التوهم الذي قد يفهمه البعض والمرتبط بعلاقة الماء بالأرض بالنص الآتي: »أن الماء تحت الأرض وليس بصحيح، وإنما التحت الطبيعي قلب الأرض ووسط كرتها الذي هو مركزها«([16]).
       
2)  البحار:
        تناول وصف البحار عند حديثه عن الأقاليم المعمورة مع تفصيل لخصائص البحر الرومي، فقال:

              وذكروا أن هذا البحر المحيط يخرج منه من جهة المغرب الإقليم الرابع البحر الرومي المعروف. يبدأ في خليج متضايق في عرض اثني عشر ميلاً أو نحوها ما بين طنجة وطريف ويسمى الزقاق، ثم يذهب مشرقاً وينفسح إلى عرض ستمائة ميل، ونهايته في آخر الجزء الرابع من الإقليم الرابع على ألف فرسخ ومائة وستين فرسخاً من مبدئه. وعليه هنالك سواحل الشام، وعليه من جهة الجنوب سواحل المغرب، أولها طنجة عند الخليج ثم أفريقيا... ومن جهة الشمال سواحل القسطنطينية. ويسمى البحر الرومي والشامي، وفيه جزر كثيرة عامرة مثل أقريطش وقبرص وصقلية ([17]).

        وفي هذا وصف شامل للبحر الرومي، وهو ما يعرف حالياً بالبحر الأبيض المتوسط. فقد حدد أبعاده بالفراسخ، وهي وحدة الطول المستعملة على عهده. ولم يغفل وصف البحار ذات الارتباط بالبلاد الإسلامية، إذ خص الخليج العربي وبحر الخزر والقلزم (الأحمر) وكذلك المحيط الهندي بالعرض الوافي، كما هو شأن البحر الرومي.
       
3)  الأنهار :
        ركز في عرضه على المجاري المائية التي يستغلها البشر في كثير من النشاطات، كالزراعة والاستقرار على ضفافها. يقول ابن خلدون: »أما الجزء الأول من هذا الإقليم، ففيه مصب النيل الآتي من مبداه عند جبل القمر كما ذكرناه، ويسمى نيل السودان. ويذهب إلى البحر المحيط فيصب فيه«([18]). ويقول في موضع آخر: »ثلاثة أنهار تجتمع في طبيعة واحدة... وينقسم ماؤها بقسمين، فيمر الغربي منها إلى بلاد السودان مغرباً حتى يصب في البحر المحيط ويخرج الشرقي منها ذاهباً إلى الشمال على بلاد الحبشة والنوبة وفيما بينهما، وينقسم في أعلى أرض مصر فيصب ثلاثة من جداوله في البحر الرومي عند الإسكندرية ورشيد ودمياط، ويصب واحد في بحيرة ملحة قبل أن يتصل بالبحر«([19]).
       
2. 2. 2. الجغرافيا الإقليمية:

        انتهج ابن خلدون في دراسته للأقاليم السبعة المنهجيةَ نفسَها التي اتبعت في المصنفات البلدانية التي وردت في كتابات من سبقه، خاصة الإدريسي. ولم يكتف بالنقل، بل أضاف معلومات أخرى لما تتضمنه بعض الأقاليم من معالم لم ترد في تلك المصنفات. فعندما أورد الإدريسي جزر البحر المتوسط، مثلاً، ذكر أنها مجموعة جزر متجاورة تشكل وحدة جغرافية. أما ابن خلدون، فأضاف إلى ذلك جزراً أخرى كجزر الأزور، وهي التي لا يمكن أن تقع ضمن الوحدة الجزرية التي أوردها الإدريسي. ومن الإضافات الأخرى ما أنكره على بطليموس الذي أفاد بخلو المناطق جنوب خط الاستواء من السكان. وقام ابن خلدون بإيجاز ما ذكره الإدريسي في كل إقليم، وذلك بقوله: »ونحن الآن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار والبحار في كل جزء منها. ونحاذي في ذلك ما وقع في كتاب "نزهة المشتاق" للعلوي الإدريسي الحموي«([20]). ولتحديد بعض خصائص الأقاليم بشيء من الإيجاز، كان استعراضها لإيضاح بعض المرئيات الجغرافية حولها:
       
الإقليم الأول: يبدأ من خط الاستواء إلى بحر الغزال تقريباً، وتقع فيه من البلاد المعروفة أثيوبيا وباب المندب واليمن وجنوب الهند. وذكر ما حل بتلك البلاد من تعسف الإفرنج حينما سبوا البشر وباعوه. وذكر بعض المزايا لهذا الإقليم: فقد أورد، مثلاً، طباع الذين يسكنون الكهوف والفيافي؛ يقول فيهم إنهم أناس أقرب إلى الحيوان، يسكنون الفيافي والكهوف ويأكلون العشب والحبوب غير المهيأة، وربما يأكل بعضهم بعضاً، وليسوا في عداد البشر.
       
الإقليم الثاني: يغطي شمال نيجيريا وجنوب الجزائر، ويمتد شرقاً ليضم صعيد مصر وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وأجزاء من إيران وبلاد الهند إلى السند.
       
الإقليم الثالث: يقع هذا الإقليم إلى الشمال من سابقه. ويمكن تحديده بشكل عام في شمال أفريقيا والجزيرة العربية وشمالي إيران وأفغانستان المعروفة باسم أرض كابل. وفي محاولة منه لإبعاد التعميم الذي قد يحصل نتيجة لاتساع الإقليم، قام بتفصيله إلى عشرة أقاليم داخلية يمكن أن تتوافق فيها السمات الطبيعية والبشرية.
       
الإقليم الرابع: يمتد هذا الإقليم أيضاً من الغرب نحو الشرق ابتداء بالأندلس ثم البحر المتوسط وما يحويه من جزر وكذلك جنوب إيطاليا وبلاد آسيا الصغرى (تركيا) ثم الجمهوريات الإسلامية المعروفة الآن بجنوب روسيا. ولقد أخذ بأسلوب التقسيم الداخلي للإقليم ـ المتبع عند غيره ـ ليقلص من التعميم الذي تضعف فائدته العلمية.
               
الإقليم الخامس: يقع إلى الشمال من إسبانيا ويغطي جنوب أوربا والبحر الأسود والقسطنطينية (إستانبول) وأراضي يأجوج ومأجوج. ويعد هذا الإقليم من الأقاليم التي أوردها نصاً من الإدريسي، نظراً لعدم تمكنه من الوصول إلى هذه المناطق.
       
الإقليم السادس: يغطي الإقليم جميع أجزاء شمال أوربا ابتداء ببحر الشمال، فالأراضي المنخفضة، فألمانيا، فأوربا الشرقية عبر السهل الأوربي حتى روسيا وشمال الصين.
       
الإقليم السابع: ذكر فيه أن البحر المحيط غمر عامته، ولا يوجد سوى جزر ظهرت وهي إسلنده (آيسلندا). أما في أجزائه الشرقية، فهي أرض يابسة يغطيها الجليد في بعض أوقات السنة، مما جعل عمرانه قليلاً نسبة إلى غيره مما سبق. وأورد الأرض المحفورة عندما قال: »من العجائب خرق عظيم في الأرض بعيد المهوى ممتنع الوصول إلى قعره يستدل على عمرانه بالدخان في النهار والنيران في الليل«([21]).
        ويتبين مما سبق أن تصنيف الأقاليم الذي أخذ به ابن خلدون مقارب لما هو موجود حالياً. إلا أن التصنيف الداخلي لكل إقليم يختلف عما هو موجود، إذ »أن هذا التقسيم إلى أقاليم تقسيم فلكيّ قام على أساس علم الفلك القديم، وحدود الأقاليم مقدرة على أساس النجوم وأفلاكها وما يقابلها على وجه الأرض؛ فهي ليست وهميـة فحسب ـ كما يقول الإدريسي وابن خلدون ـ، بل هي  مستحيلة«([22]).
        ومما ساعد ابن خلدون على تحديد الأقاليم وتصحيح بعض ما ورد فيها قدرته على قراءة الخرائط والمصورات الجغرافية. وهذا ما أورده عند الحديث عن الإقليم الأول: »والبلاد التي في حافات البحر الرومي وفي عدوته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود وفي وضعها على سواحل البحر على ترتيبها، ومهاب الرياح وممراتها على اختلافها مرسوم معها في تلك الصحيفة ويسمونها الكنباص«([23]).
       
الفلسفة الجغرافية في دراسته الإقليمية:

        عندما درس ابن خلدون طبيعة الأقاليم، حاول تحديد أثرها في الإنسان فسيولوجياً. ومن هذا المنطلق وضع فصلين للبحث عن أثر المناخ في تحديد ألوان البشر؛ فقد دفع التوهم السائد حول سواد بشرة السودانيين بقوله: »وقد توهم بعض النسابين ممّن لا علم لهم بطبائع الكائنات أن السودان هم ولد حام بن نوح، اختصوا بلون السواد لدعوة كانت عليه من أبيه ظهر أثرها في لونه«([24]).
        وأوضح أثر البيئة في سلوك الإنسان، وفي اختلاف أحوال العمران، وفي الخصب، وفي ما ينشأ من الآثار في أبدان البشر. يقول: »اعلم أن هذه الأقاليم المعتدلة ليس كلها يوجب بها الخصب ولا كل سكانها في رغد من العيش«([25]). وذكر أثر هذا العيش في حياة الشعوب المختلفة حسب البيئات.
       
الاختلاف بين حتمية ابن خلدون ومونتسيكو:

        ظهرت آراء مونتسيكو بعد فترة زمنية تصل إلى أربعة قرون. وقد حاول تفسير العلاقة بين الطبيعة والإنسان بشكل مبالغ فيه. وآراء مونتسيكو تتضح في تحديد أثر الحرارة والبرودة على جسم الإنسان، وما يترتب عليه من سلوك يؤدي إلى إيجاد نمط أسلوب معين من أساليب العيش. ومن أهم المقولات التي دافع عنها مونتسيكو في كتابه "روح القوانين" ما يلي:

1) تقلل شدة الحرارة القوة وتزيل النشاط. ولذلك تصل قوة الإنسان إلى أقصى درجاتها في البلاد الباردة، وتنخفض إلى أدنى درجاتها في البلاد الحارة.
2) إن التأثير الذي يحصل بهذه الصورة يسري إلى القوة المعنوية والفكرية أيضاً([26]). ولهذا السبب، فأهل الشمال أكثر شعوراً بالتفوق وأقل ميلاً للاحتيال.
3)  تباين الشجاعة والجبن بين أهل الشمال والأقاليم الحارة.
4)  تتأثر الغريزة الجنسية بالحرارة؛ فهي مفرطة في البلاد الحارة وضئيلة في الأقاليم الباردة؛
5) موافقة الأوامر الإسلامية لأهالي الأقاليم الحارة، بعكس أهل الشمال الذين توافقهم النصرانية.
6)  النساء أكثر تحجباً في المناطق الحارة لكبح جماح الغرائز.
7)  تتضح الديمقراطية في الأقاليم الباردة، والاتِّصاف بالعبودية والإسلام في الأقاليم الحارة.
        هذه بعض مقولات مونتسيكو حول تأثير الأرض في الإنسان. والحقيقة أن الحتمية التي يراها مونتسيكو لا تقوم على تحديد منطقي في توزيعها المكاني، فضلاً عن أنها لا تستند إلى أساس علميّ في معظمها.
        فما ذكره، مثلاً، من أثر للحرارة في قوة الإنسان أمر نسبي، خاصة عند ارتفاع درجة الحرارة التي تؤدي إلى إرخاء الأعصاب، وبالتالي إلى ضعف النشاط. أما ما ذكره حول إفراط الغريزة الجنسية لدى الأقاليم الحارة، فهذا فيه بعد عن الواقع المحسوس، إذ إن تفشي ظاهرة السفاح تسود الأقاليم المعتدلة أكثر من الأقاليم الحارة.
        أما توزيعه للأديان حسب الحرارة، فهذا القول لا يتطابق مع ما جاء به القرآن الكريم في توضيح شمول الإسلام وأنه الدين الوحيد. قال تعالى: {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين}(سورة الأنبياء، الآية 107)، وقوله تعالى {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (سورة سبأ، الآية 28)، وقوله تعالى: {من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (سورة آل عمران، الآية 85). والإسلام صالح لكل زمان ومكان. ولا يواكب حديثه عن الديمقراطية الواقع الذي حدث بالأمس ويحدث اليوم، وهو الاستعباد من قبل مدّعي الإنصاف والاعتدال والديمقراطية لشعوب الدول النامية.
        وبعد هذا، يتبادر السؤال: أين يقف ابن خلدون من الحتمية؟ وللإجابة على هذا التساؤل، لابد أن يُعلم أن عقيدة ابن خلدون المؤمنة بقضاء الله وقدره تجعله يعرف علاقة الإنسان وارتباطه بالكون، وأن الإنسان لديه القدرة على تحدي الظروف والعوائق بما وهبه الله من علم ولأن الأرض خلقت من أجل الإنسان. قال تعالى: {وهو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} (سورة الملك، الآية 15).
        وعلى هذا الأساس، فإن ابن خلدون وإن اعترف بوجود تأثير للبيئة على الإنسان، فإنه لم يمنعه هذا من الإيمان بمجهودات الإنسان التي يستطيع بها تخطي العقبات الطبيعية في بعض الأحيان، بمعنى أن لديه اقتناعاً بأن الإنسان حباه الله بقدرة على تغيير البيئة بما يتوافق مع احتياجاته.
        ويعد ابن خلدون صاحب نظرة جيدة. ففي هذا الباب يؤمن بحتمية الظروف الطبيعية التي يعيشها الإنسان من ناحية وبقدرة الإنسان اللاّمحدودة في السيطرة على هذه البيئة والتعامل معها بما يكفل له البقاء والعيش الكريم([27]). وليس ثمة تشابه بين ابن خلدون ومونتسكيو، لأنه أكثر واقعية؛ وقد اعترف ابن خلدون بالتأثير الحاسم للبيئة في منطقة الأقاليم المتطرفة فحسب([28]). ولعل في ما ذكره ساطع الحصري توضيحاً للفرق بين ابن خلدون ومونتسكيو حينما قال: »إن ابن خلدون قال أيضاً بتأثير الأقاليم والطبيعة في أخلاق الإنسان، ولكنه لم يغال في هذا المضمار كما غالى مونتسكيو؛ فلم يقع في الأخطاء التي وقع فيها هذا المفكر المشهور«([29]).
       
        2. 2. 3. الجغرافية البشرية عند ابن خلدون:

        اهتم ابن خلدون بالجانب البشري من الجغرافيا اهتماماً يتفوق على الجانب الطبيعي، خاصة ما يتعلق بالظاهرات الاجتماعية وما يؤثر فيها وما يتأثر بها من مؤثرات هي في غالبها عوامل بشرية بحتة. وإن "مقدمتـ"ـه مليئة بالطرح العلمي للأفكار الجغرافية من الناحية البشرية. ولصعوبة حصرها في هذا البحث، فإنه من الممكن ضرب بعض الأمثلة منها. ويعد ذكر فروع الجغرافيا البشرية وما ورد فيها من أفكار في "مقدمة" ابن خلدون أجدى وسيلة للوصول إلى الفكرة الجغرافية لكل فرع.
               
1) الجغرافيا الاجتماعية :

        اعتنى ابن خلدون بتقصي النواحي الاجتماعية بعد دراسة الأقاليم التي استعرضها في مقدمته الثالثة عن المعتدل من الأقاليم والمنحرف منها، فذكر ما يلي:

              الإقليم الرابع أعدل العمران والذي حافاته من الثالث والخامس أقرب إلى الاعتدال والذي يليهما، والثاني والسادس بعيدان عن الاعتدال، والأول والسابع أبعد بكثير وجميع ما يتكون في هذه الأقاليم الثلاثة المتوسطة مخصوصة بالاعتدال وسكانها من البشر أعدل أجساماً وألواناً وأخلاقاً وأدياناً([30]).

        وذكر الاختلاف بين البدو والحضر وعد النشاط الاقتصاديّ هو الذي يفصل حياة المجتمع. وفي هذا يقول سيفيتلانا باتسييفا:

              إن علاقة الحياة البدوية بالحياة الحضرية هي علاقة المرحلة السفلى بالمرحلة العليا لتطوُّرِ المجتمع. فالمرحلة السفلى هي مرحلة الإنتاج البدائي القليل التفاوت والمستوى الأدنى للحياة؛ والمرحلة العليا هي مرحلة الإنتاج المتنوع والمتطور. والتحول من المرحلة السفلى إلى المرحلة العليا هو نتيجة لحشد القوى العاملة في مكان واحد ونزوح سكان القرى إلى المدن ([31]).

        كما حدد بعض صفات البدو والحضر. فهو يرى أن البدو أقرب إلى الخير من الحضر؛ وسبب ذلك أن النفس على الفطرة الأولى سريعة لتقبل ما يرد إليها، وأن البدو أقرب إلى الشجاعة من الحضر باعتبار أن الحضر وجدوا الراحة وانغمسوا في الترف الذي يجعلهم غير قادرين على المدافعة عن أنفسهم خلافاً للبدو الذين لا يكلون من الدفاع عن أنفسهم إلى غيرهم.
       
2) جغرافية المدن:

        يرى ابن خلدون أن الأمم تتجه إلى اتخاذ المنازل للقرار والمأوى حينما يعمها الترف. ويجب أن يراعى في مواضع المدن دفع المضار (الحماية) وجلب المنافع وتسهيل المرافق (ماءً ومراعيَ ومزارع) ([32]).
        وعلل أسباب خراب المباني التي خطتها العرب بقوله: »فلا تكون المباني وثيقة في تشييدها.... وذلك قلة مراعاتهم لحسن الاختيار في اختطاط المدن كما ذكر في المكان وطيب الهواء والمياه والمزارع والمراعي؛ فإنه بالتفاوت في هذه تتفاوت جودة المصر ورداءته«([33]). ولقد ربط بين الحضارة وزيادة بناء المدن عند تعليله للأسباب التي جعلت المدن قليلة في أفريقيا. فهو يذكر »أن هذه الأقطار كانت للبربر منذ آلاف السنين قبل الإسلام وكان عمرانها كله بدوياً ولم تستمر فيهم الحضارة حتى تستكمل أحوالها والدول التي ملكتهم من الإفرنجية والعرب لم يطل أمد ملكهم فيهم حتى ترسخ الحضارة«([34]).
        وتقوم منهجيته في دراسة المدن على التعليل، ومن ثم الوصول إلى التنظير بدلاً من الوصف. فـ"المقدمة" لا تولي وصف المدن القدر الذي تحاول فيه تحديد العوامل المقترنة بظروف مواقعها ونموها وأحجامها، مع تحديد لتعريف المدينة.
       
3)  الجغرافية اللغوية:

        بيَّن ابن خلدون أن اللغة العربية سادت المغرب والمشرق لكونها لغة القرآن؛ كما ذكر أسباب فساد اللغة العربية بقوله: »وإن كان اللسان العربي المضري قد فسدت ملكته وتغير إعرابه. والسبب في ذلك هو ما وقع للدول الإسلامية من الغلب على الأمم، ثم فسد اللسان العربي بمخالطتها في بعض أحكامه وتغير أواخره، وإن فسدت أحكامها بمخالطة الأعاجم«([35]). وقد غلبت على كتابة العلوم اللغة الأعجمية.
       
4) الجغرافيا الطبية
        أشار ابن خلدون إلى أن صناعة الطب أصبحت ضرورية في المدن والأمصار، وتطرق إلى أصل الأمراض مما استقاه من معنى الحديث النبوي: »المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء. وأصل كل داء البردة«([36]). وذكر طب البادية بقوله: »وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه. وربما يصح منه البعض، إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج«([37]).
        من هذا يتضح أن ابن خلدون استلهم كثيراً مما ورد في الحديث الشريف وجعل منه المبدأ في دراسته الطبية؛ كما أنه لا يؤيد في كثير من الأحوال الطب البدوي، وهو ما يعرف حالياً بالطب الشعبي الذي يعتمد على التجربة في كثير من الأحيان.
       
5)  الجغرافيا الاقتصادية :

        تعد الجغرافيا الاقتصادية الفرع الرئيس في الجغرافيا البشرية. ولعل الاستطراد في فروعها ـ كغيره من علماء الجغرافيا ـ راجع إلى صلتها بحياة الناس ومعاشهم.
        فتناول في مجال الجغرافيا الزراعية مراحل الفلاحة التي يكون ثمارها جني الأقوات: »هذه الصناعة ثمرتها اتخاذ الأقوات والحبوب بالقيام على إثارة الأرض لها وزراعتها وعلاج نباتها وتعهده بالسقي والتنمية إلى بلوغ غايته، ثم حصاد سنبله من غلافه وإحكام الأعمال لذلك وتحصيل أسبابه ودواعيه«([38]). وأوضح أن البدو هم أصحاب الفلاحة ونسبها إليهم، وهذا مخالف للواقع إلى حد ما، خاصة في جزيرة العرب. لكن قد يكون له واقع في بلاد المغرب؛ فسكان بعض المناطق الصحراوية ينفرون من الزراعة ويهتمون بالرعي. وحتى اليوم، فإن غالب اهتمام سكان البادية منصب على الرعي.
        وتطرق إلى الجغرافيا الصناعية في مواضع عدة، وخص بذلك صناعة البناء باعتبارها أول الصنائع وأقدمها؛ فالإنسان جبل على التفكير في عواقب أحواله، نظراً لأن المسكن من ضروريات الحياة التي يحسب لها. وذكر الوسائل التي يتم بها البناء، وذكر صناعة النِّجارة وما تقوم عليه وهو الخشب الذي سخره الله لعباده، فقال عن ذلك: »أما أهل البدو، فيتخذون منها العمد والأوتاد لخيامهم، والرماح والقسي والسهام لسلاحهم؛ وأما أهل الحضر، فالسقف لبيوتهم والإغلاق لأبوابهم والكراسي لجلوسهم«([39]). وحدد موطن صناعة الحياكة التي تقوم في الحضر فقال: »وإنما تفصيل الثياب وتقديرها وإلحامها بالخياطة للّباس من مذهب الحضارة«([40]).
        وتناول جغرافية التجارة ـ وهي فرع من فروع الجغرافيا الاقتصادية ـ في "مقدمتـ"ـه بتعريف التجارة »بأنها محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء أيّاً ما كانت السلعة من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش. وذلك القدر النامي يسمى ربحاً«([41]). وذكر الأصناف التي تحترف التجارة وأخلاقهم، واستعرض بعض الأساليب التي تتخذ بالتجارة كالاحتكار حتى يحين وقت غلاء السلعة؛ فيظهرها التاجر بغرض زيادة الكسب الحاصل من قلة العرض لتلك السلعة.
       
6) الجغرافيا السياسية :

        أجاد ابن خلدون في وضع أطر نظرية لهذا الفرع. فلا أحد ينكر البصمات التي وضعها في الجغرافيا السياسية. فـ"المقدِّمة" احتوت على كثير من المفاهيم السياسية التي تقف موازية لكثير من المفاهيم السياسية المعاصرة برصانتها العلمية ودلالتها التطبيقية، ومنها:
        مفهوم الدولة عند ابن خلدون: يعد أول من حاول تحديد الدولة، منتهجاً المنهج العلمي ومجتنباً التفسير اللاهوتي الذي كان سائداً آنذاك. فهو أول من أعلن أن الدولة ظاهرة اجتماعية تنشأ بفعل القوانين الطبيعية([42]). أما تعريف الدولة من وجهة نظره، فهي »الامتداد المكاني والزماني لحكم عصبية ما«. من هذا التعريف يحدد أن الدولة تقوم بالعصبية، كما نوه بعدم قيام دولة بلا عصبية. وبناءً على ذلك، قام بتصنيف الدول إلى نوعين وهما »دولة شخصية«، وهي تمثل حكم شخص واحد مثل دولة الوليد بن عبد الملك؛ ودولة أبي جعفر المنصور، التي هي »دولة كلية«، وتمثل مجموعات حكام يحكمون وينتمون إلى قبيلة واحدة.
        واستعرض الدولة والدعائـم التي تـقوم عليها. وهذه الدعائم ـ في نظره ـ أربع هي: العصبية، والفضيلة، ووجود دعوة دينية أو مبدإ أساسي، ثم ضعف دولة سابقة حتى يتاح قيام دولة أخرى على أنقاضها([43]).
        نشأة الدولة: تقوم الدولة ـ في نظر ابن خلدون ـ على أربع دعائم كما ذُكر آنفاً، وهي العصبية والفضيلة ووجود دعوة دينية أو مبدإ سياسي، ثم ضعف الدولة التي قامت على أنقاضها. وهذه هي النشأة الطبيعية لأي دولة نشأت في مواطن الحضارات السابقة. وهذا ينطبق على الدول التي قامت في وادي النيل والعراق واليمن. ويمكن تطبيق مبادئ قيام الدولة التي وضعها في الدول الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين، سواء الأموية أو العباسية أو العثمانية ومعظم دول العالم الإسلامي الحديث.
        أما نظرية جونز في نشأة الدولة وإن كانت تختلف عن مبادئ ابن خلدون في قيام الدولة، فإنها قريبة المعنى ممّا ذكره؛ فنظرية جونز في نشأة الدولة تنص على »أن فكرة الدولة وليدة سلسلة من التطورات مكونة من خمس حلقات هي: فكرة سياسية ـ قرار (عزم) ـ حركة ـ ميدان ـ دولة«([44]). وهي بهذا المضمون قد يعتريها النقص. وهذا ما أوضحه الدكتور طه الفرا من وجود سلسلة ناقصة أطلق عليها »الاستقرار والترابط«، وهو ناتج عن تأثرها بالإطار الديني. وهذا ما ورد عند ابن خلدون من قيامها على أساس دعوة دينية.
        إن نظرية جونز ـ كما هي بهذا المضمون ـ لا يمكن تطبيقها إلا على مساحة من الأرض تتناثر فيها القبائل التي لا تستند على حكم كلي. وهذا ما كان يحدث على الأراضي التي تكثر فيها العرقيات. واستناداً إلى ما ذكر ـ وبلا تحيز ـ، فإن نظرة ابن خلدون لنشأة الدولة أكثر شمولية وأقرب إلى الواقع.
        أطوار الدولة: وضع ابن خلدون عمراً للدولة قدره بمائة وعشرين سنة تمر فيه الدولة بثلاثة أطوار رئيسة:
  1)  النشأة والنمو: ذكر أهمية العصبية ودورها في نشأة الدولة ونموها في بداية الأمر: »إن الدولة العامة في أولها يصعب على النفوس الانقياد لها إلا بقوة قوية من الغلب«([45]). وفي هذا الطور يستفحل الاستبداد وانتزاع المقاليد من الدولة التي قامت على أنقاضها. وتكون العلاقة السائدة بين أفراد العصبية الحاكمة علاقة تتَّضح فيها المساهمة في السلطة.
 2)  طور العظمة والمجد: يتم الرخاء في هذا الطور. وبدلاً من خشونة البداوة، تبدأ رقة الحضارة ويكون فيها الاستبداد والانفراد بالمجد من قبل الحاكم على أفراد العصبية التي ينتمي إليها. ويميل الحاكم إلى الموالي في نصرته. وذكر ابن خلدون ذلك بقوله: »ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنـيّاً باصطناع الرجال واتخاذ الموالي«([46]).
 3)  طور الهرم والاضمحلال: بعد الدور الأول للدولة والقائم على العصبية ودخول الموالي في الطور الثاني، يكون هناك ضعف في العلاقة العصبية بين الحاكم وأهل عصبيته، مما يؤدي إلى طمع الآخرين فيه. ويتأتى ذلك عندما تصل الدولة إلى مرحلة الهرم والفساد الذي يعم الدولة كلها: »يصيب الرئيس أولاً، ثم أهل عصبيته ثانياً، ثم مجموع الدولة حاكمين ومحكومين«([47]).
        وعمر الدولة الذي ذكره ابن خلدون قد لا ينطبق على معظم الدول لظروف تساعد على الامتداد الزمني، خاصة إذا سلكت هذه الدول مسالك تجعل الشعوب التي تعيش في كنفها آمنة. وربما كان الحكم على العمر لدول عاصرها أو استنتجها عبر التاريخ.

الخاتمة
        بعد تتبع بعض المفاهيم والأفكار والآراء التي حوتها "مقدمة" ابن خلدون ومنهجيته في الطرح العلمي الخاص بتحليل خصائص الظاهرات الطبيعية والبشرية وتفسيرها والانتقادات التي ساقها في تأييد الحقائق التي جزم بها، فإن من الأحرى تلخيص بعض النتائج التي كان الهدف منها إعداد هذا البحث، وتتلخص في:
 1)  أن شخصية ابن خلدون الجغرافية تُعَدُّ شخصيّةً متميزة وفريدة بشكل قد لا يتصوره باحث العصر الحديث، وذلك بطريقة استقائه للمعلومة المأخوذة من أي مصدر؛ إذ يخضعها للنقد والتحليل والربط، وتصل أحياناً إلى التجريب. واستطاع عن طريق الحس الذي يملكه، وعن طريق معاينته للواقع والتحليل والنقد أن يخرج بنظريات وقوانين خاصة في مجال العمران والسكان؛
 2)  لم تلق الجغرافية الطبيعية الاهتمام من قبله بالشكل الذي لقيته معظم الفروع الجغرافية الأخرى، واكتفى بما نقله عن الآخرين بشكل مقتضب. وربما يعود السبب في ذلك إلى قلة المهتمين بهذا المجال من قبل طبقة المتلقين الذين يرغبون في تفسير الظروف المحيطة بهم والتي تقع في محيط اهتماماتهم، خاصة الاضطراب السياسي الذي تعيشه القبائل؛
3)  تكون الفلسفة الجغرافية عند ابن خلدون بشأن تأثير البيئة على الإنسان أكثر اعتدالاً مما هي عليه عند الحتميين، خاصة إذا علمنا أن منهجيته حولها قائمة على المعالجة برؤية شرعية؛
 4)  احتوت المقدمة على معلومات غزيرة ومركزة حول ميادين الجغرافيا البشرية المتنوعة، خاصة الجغرافيا السياسية. وهذا ناتج عن انعكاس صادق على شخصيته في حياته العلمية. وأسهمت هذه المعلومات في وضع نظريات تخدم الجغرافيا في تخصصاتها، ولا يزال معظمها يطبق. وما اندثر منها ناشئ عن التغيير في تركيبة المجتمع بين ما هو موجود الآن وما هو موجود في عصره.


المصادر والمراجع

   - القرآن الكريم.
   - ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت، ط. 1، 1978 م.
  - أومليل، علي، مصادر ابن خلدون في المعرفة والتنظير، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الدار العربية، 1980 م.
  - الجابري، محمد عابد، تكوين ابن خلدون. العصبية والدولة، دار الطليعة، بيروت، ط. 3، 1982 م.
 - الحصري، ساطع، دراسات عن مقدمة ابن خلدون، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 3، 1967 م.
-  الحوفي، أحمد، مع ابن خلدون، مكتبة نهضة مصر، 1952 م.
-  الخشاب، مصطفى، علم الاجتماع ومدارسه، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1983 م.
- الذيب، الميلود الكوني، الفكر الجغرافي عند ابن خلدون، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى قسم الجغرافيا بكلية العلوم الاجتماعية بالرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1403 هـ.
- سفيتلانا، باتسيفا، نظريات ابن خلدون، دار المغرب العربي، تونس، 1974 م.
- ـــــ       ــــــ  ، العمران البشري في مقدمة ابن خلدون، ترجمة رضوان إبراهيم، الدار العربية للكتاب، ليبيا، 1978 م.
- الطالبي، محمد، »المنهجية الخلدونية«، ابن خلدون والفكر العربي المعاصر، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الدار العربية، 1980 م.
- الفرا، طه عثمان، »تطبيق نظرية جونز الميدانية على نشأة وتطور المملكة العربية السعودية«، مجلة الدارة، العدد الأول، الرياض، 1395 هـ.
-الكاتب، سيف الدين، أعلام من المغرب والأندلس، عز الدين للنشر، بيروت، 1982 م.
- كراتشوفسكي، أغناطيوس، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ترجمة صلاح الدين هاشم، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القسم الأول، 1957 م.
- لاكوست، إيف، ابن خلدون، ترجمة زهير فتح الله، مكتبة المعارف، بيروت، ط. 1، 1958 م.
- مؤنس، حسين، »ابن خلدون جغرافيّاً«، مجلة كلية العلوم الاجتماعية بالرياض، العدد الثالث، الرياض، 1399 هـ.
- ناصيف نصار، الفكر الواقعي عند ابن خلدون، دار الطليعة، بيروت، ط. 1، 1981 م.
- وافي، علي عبد الواحد، عبد الرحمن ابن خلدون، وزارة الثقافة والإرشاد، سلسلة أعلام العرب، 1962 م.




([1])   وافي، 1962، ص. 12.
([2])  سيف الدين الكاتب، أعلام من المغرب والأندلس، عز الدين للنشر، بيروت، 1982، ص. 31.
([3])  أحمد الحوفي، مع ابن خلدون، مكتبة نهضة مصر، 1952، ص. 14.
([4]) إيف لاكوست، ابن خلدون، ترجمة زهير فتح الله، مكتبة المعارف، بيروت، ط. 1، 1958 م.
([5]) الميلود الكوني الذيب، الفكر الجغرافي عند ابن خلدون، رسالة ماجستير غير منشورة، 1403 هـ، ص. 22.
([6]) عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت، ط. 1، 1978، ص. 56.
([7]) المصدر نفسه، ص. 43.
([8]المصدر نفسه، ص. 493.
([9])  ناصيف نصّار، الفكر الواقعيّ عند ابن خلدون، دار الطليعة، بيروت، ط. 1، 1981، ص. 202.
([10]علي أومليل، مصادر ابن خلدون في المعرفة والتنظير، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الدار العربية، 1980، صص. 67 ـ 68.
([11]) ابن خلدون، المصدر السابق، ص. 13.
([12]) أغناطيوس كراتشوفسكي، تاريخ الأدب الجغرافيّ العربيّ، ترجمة صلاح الدين هاشم، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القسم الأول، 1957، ص. 443.
([13]) محمد الطالبي، »المنهجية الخلدونية«، ابن خلدون والفكر العربي المعاصر، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الدار العربية، 1980، صص. 39 ـ 40.
([14]ابن خلدون، المصدر السابق، ص. 41.
([15]) المصدر نفسه، ص. 44.
([16]) المصدر نفسه.
([17]) المصدر نفسه، صص. 45 ـ 46.
([18]) المصدر نفسه، ص. 54.
([19]) المصدر نفسه، ص. 55.
([20]) المصدر نفسه، ص. 53.
([21]) المصدر نفسه، ص. 83.
([22]) حسين مؤنس، »ابن خلدون جغرافيّاً«، مجلة كلية العلوم الاجتماعيّة بالرياض، عدد 3، الرياض، 1399 هـ، صص. 350 ـ 351.
([23]) ابن خلدون، المصدر نفسه، ص. 54.
([24]) المصدر نفسه، ص. 83.
([25]) المصدر نفسه، ص. 85.
([26]) الذيب، المرجع السابق، ص. 128.
([27]) المصدر نفسه، ص. 134.
([28]) باتسيفا سفيتلانا، العمران البشريّ في مقدمة ابن خلدون، ترجمة رضوان إبراهيم، الدار العربية للكتاب، ليبيا، 1978، ص. 211.
([29]) ساطع الحصري، دراسات عن مقدمة ابن خلدون، دار الكتاب العربي، بيروت، ط. 3، 1967، ص. 29.
([30]) ابن خلدون، المصدر نفسه، صص. 82 ـ 85.
([31]) باتسييفا، نظريات ابن خلدون، دار المغرب العربي، تونس، 1974، صص. 43 ـ 44
([32]) ابن خلدون، المصدر السابق، ص. 347.
([33]) المصدر نفسه، ص. 359.
([34]) المصدر نفسه، ص. 357.
([35]) المصدر نفسه، ص. 379.
([36]) المصدر نفسه، ص. 415. والبردة هي إدخال الطعام على الطعام قبل أن يتم هضم الأول.
([37]) المصدر نفسه، ص. 493.
([38]) المصدر نفسه، ص. 460.
([39]) المصدر نفسه، ص. 410.
([40]) المصدر نفسه، ص. 411.
([41]) المصدر نفسه، ص. 394.
([42]) الذيب، المرجع السابق، ص. 235.
([43]) مصطفى الخشاب، علم الاجتماع ومدارسه، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1983، ص. 155.
([44]) طه عثمان الفرا، »تطبيق نظرية جونز الميدانية على نشأة وتطور المملكة العربية السعودية«، مجلة الدارة، عدد 1، الرياض، 1395 هـ، ص. 17.
([45]) ابن خلدون، المصدر السابق، ص. 154.
([46]) المصدر نفسه، ص. 175.
([47]) محمد عابد الجابري، تكوين ابن خلدون، العصبية والدولة، دار الطليعة، بيروت، ط. 3، 1982، ص. 253.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا