التسميات

الأحد، 28 سبتمبر 2014

إستراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين القادمين 2005 - 2025 ...

إستراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين القادمين 2005 - 2025

The Strategy for Sustainable Arab Agricultural Development for the next two decades (2005-2025)

 جامعة الدول العربية ، المنظمة العربية للتنمية الزراعية 
 

إستراتيجية التنمية الزراعية العربية : المستدامة للعقدين القادمين 2005 - 2025

جريدة الدستور -  الأحد، 20 أبريل/نيسان، 2008 -  د. سالم اللوزي - مدير عام المنظمة ـ العربية للتنمية الزراعية :


تقديم :

   
تعد قضايا التنمية الزراعية والأمن الغذائي بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أبرز الأمور التي تلقى اهتماماً واسعاً على كافة المستويات العربية والإقليمية والعالمية.

   وفي هذا الإطار ، فقد تصدرت قضية التنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي العربي اهتمامات القادة العرب في بداية الألفية الثالثة نظراً للدور المحوري الذي يلعبه الملف الزراعي في التفاعل مع التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة.
   
وبرزت أهمية التصدي لكافة المعوقات البيئية والفنية والاقتصادية والتنظيمية التي تقف أمام مسيرة التنمية الزراعية والأمن الغذائي في الوطن العربي ، وذلك بما يهيئ إمكانية تعبئة الطاقات والموارد العربية لزيادة الإنتاج الغذائي العربي والتحقق من سلامة الغذاء في ظل التنافسية الدولية ، والارتقاء بمعدلات التجارة الزراعية البينية ، تحقيقاً لغايات التنمية الزراعية المستدامة في إطار التكامل الزراعي العربي   ووفقاً لمعطيات البيئة الاقتصادية العربية ، ومؤشرات الأداء الراهن للزراعة العربية عامة ، وللعمل الزراعي العربي المشترك بصفة خاصة ، وتعظيماً للاستفادة من المقومات والفرص المتاحة لاستشراف مستقبل أكثر ازدهاراً للزراعة العربية ، دفعاً لمسارات التنمية الزراعية العربية نحو المزيد من التطوير والتحديث التقني ، والمواكبة مع التطورات والمستجدات الإقليمية والدولية المعاصرة والمستقبلية على مختلف الأصعدة ، وتعزيزاً للتنسيق والتكامل في مختلف المجالات الزراعية بين الدول العربية ، فقد أصدر القادة العرب بيان قمة تونس (2004) حول التنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي في الوطن العربي.  وقد دعا هذا البيان لتنسيق السياسات الزراعية القطرية في إطار إستراتيجية تنموية زراعية عربية تدعم مسارات التكامل الزراعي العربي ، وتحقق غايات الاندماج الاقتصادي العربي. وإدراكاً وقناعةً من القادة العرب بأهمية أن يكون للعمل العربي المشترك في المجالات الزراعية إطار إستراتيجي طويل الأجل ، فقد أصدروا قرار قمة الجزائر (2005) الذي يقضي بتكليف الجمعية العمومية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية (وزراء الزراعة العرب) بإعداد إستراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة للعقدين القادمين 2005 - 2025 ، بما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في النفاذ للأسواق العالمية ، ويحقق التكامل الزراعي العربي والوفاء باحتياجات الدول العربية من السلع الغذائية   وعلى هذه الخلفية المتمثلة في أقصى درجات الاهتمام من القادة العرب بواقع ومستقبل الزراعة العربية ، فقد باشرت الإدارة الحالية للمنظمة العربية للتنمية الزراعية القيام بهذه المهمة التاريخية ، يملؤها الفخر والاعتزاز بهذه الثقة الغالية التي طوقها بها القادة العرب في هذه الفترة الدقيقة من تاريخ الأمة العربية.   ولعل السمة الأبرز لهذا التكليف تجسيده للدور المتعاظم المنوط بالمنظمة لشحذ وتعبئة الطاقات الزراعية الهائلة الكامنة في الدول العربية ، وتسخيرها لخلق مستقبل مشرق ومزدهر تصان فيه حقوق الأجيال القادمة   وقد أدركت المنظمة ، مرتكزة على حسها المهني الراسخ ، أن تحقيق هذه الغاية السامية يتطلب رؤية واضحة للمعطيات العربية في ظل التطورات التي يشهدها عالمنا المعاصر ، وما تفرضه من تحديات جسام. تلك التحديات التي لا سبيل لمواجهتها إلا بتكاتف الأيدي والسواعد في إطار منظور تكاملي تتكتل فيه كافة الدول العربية بالقدر الذي يمكنها من التعايش مع التكتلات الاقتصادية العملاقة التي أضحت السمة الأكثر بروزاً في الاقتصاد العالمي المعاصر. ولعله من المفيد التأكيد على أن إدارة المنظمة ظلت منذ تحملها لأعبائها في عام 2001 ، تهيئ نفسها للاضطلاع بمسؤولياتها الجسام على النحو الأمثل ، مرتكزةً على رؤية ثاقبة لمستقبل الزراعة العربية ، ومستندة إلى برنامج متكامل لتحديث وتطوير أداء المنظمة ، ابتكرته إدارتها الحالية ، تحقيقاً للكفاءة والفاعلية ، وترسيخاً للامركزية والشفافية.    ولا غرو أن أضحت المنظمة بذلك مهيأة للاضطلاع بمهامها الجسام باحترافية متمرسة ، وكفاءة عالية ، ووعي مستنير ، يمكنها من التفاعل الفوري مع المتغيرات المتلاحقة التي يشهدها عالمنا المعاصر   ولعل ما يثلج صدر المنظمة ، تكليفها ، بل وتشريفها ، من قبل القادة العرب بأن تكون محوراً ومرتكزاً لإعداد أول إستراتيجية للتنمية الزراعية العربية. وقد آلت المنظمة على نفسها ، مطوقة بهذه الثقة الغالية ، أن تكون هذه الإستراتيجية واضحة الأهداف ، محددة البرامج ، موزعة الأدوار والمسؤوليات ، لا سيما أنها تأتي في إطار إستراتيجية أشمل للعمل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك.   كما حرصت المنظمة على أن تتضمن الإستراتيجية معالجة متكاملة للقضايا الزراعية المستقبلية المؤثرة على المواطن العربي ، ومن أهمها قضية توفير الغذاء الآمن. وذلك فضلاً عن الاهتمام بتحقيق قدرة تنافسية للمنتجات الزراعية العربية في إطار التفاعل المستنير مع مقتضيات حرية التجارة العالمية ، وما يتطلبه ذلك من منظور ونهج تكاملي. ومن ثم فقد صاغت المنظمة الرؤية المستقبلية للإستراتيجية على نحو يضمن الوصول إلى زراعة عربية ذات كفاءة اقتصادية عالية في استخدام الموارد ، قادرة على تحقيق الأمن الغذائي للمواطن العربي ، وتوفير سبل الحياة الكريمة للعاملين في القطاع الزراعي.   ووفاءً بهذا الالتزام التاريخي ، قامت المنظمة بإعداد إستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة للعقدين القادمين ، مستنيرة ومستهدية بقرارات وموجهات أجهزتها التشريعية المتمثلة في جمعيتها العمومية ، ومجلسها التنفيذي ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وتُوّجت هذه الجهود بقرار القمة العربية بالموافقة على الإستراتيجية في اجتماعها بالرياض عام 2007 ، واعتبار هذه الإستراتيجية جزءاً من الإستراتيجية المشتركة للعمل الاقتصادي والاجتماعي العربي   وتأمل المنظمة أن تمثل هذه الإستراتيجية ، التي تعد الأولى من نوعها في الوطن العربي ، الانطلاقة الحقيقية لتفعيل وتطوير العمل العربي المشترك ، المتفاعل مع التحديات الجسام التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية المؤثرة على القطاع الزراعي العربي ، بما يساعد على بلوغ الأهداف الزراعية العربية المنشودة ، ويساهم في توفير الغذاء الآمن والرفاه الاقتصادي للمواطن العربي.   ولعل ما يدعو إلى التفاؤل ببلوغ هذه الغايات والمرامي ، التطورات الإيجابية الملموسة التي حققتها كافة الدول العربية في مجال تحسين المناخ السياسي والاقتصادي الداعم للاستثمار والاستقرار ، تلك التطورات المدفوعة دائماً بالإرادة السياسية الغلابة ، والعزم الملتزم بالنهوض بالزراعة العربية ، الذي يجسده الاهتمام المستمر بقضايا الزراعة العربية من قبل القمم العربية المتتالية في كلْ من تونس ، والجزائر ، والخرطوم ، والرياض.

1 - الدروس المستفادة من تجربة الماضي في تنمية القطاع الزراعي العربي :
    أوضحت تجربة الدول العربية في مسيرتها التنموية خلال العقدين الماضيين أن هناك العديد من الإنجازات التي تم إحرازها ، هذا في الوقت الذي أفرزت فيه هذه التجربة سلبيات عدة يجب العمل على تداركها مستقبلاً. ويمكن هنا الإشارة إلى عدد من الدروس التي تم استخلاصها من هذه التجربة ، تلك التي يمكن اعتبارها بمثابة المقومات الرئيسية للعمل المستقبلي ، والتي يمكن أن تشكل في مجملها الركائز الأساسية لما سوف تتضمنه هذه الوثيقة من برامج تنفيذية.

1 - 1 فقر وندرة موارد المياه :
    بينت تجربة الماضي عدة حقـائق وهي أن المنطقة العربية تعاني بشدة من فقر وندرة موارد المياه ، وللحد من الأثر السلبي لهذه الندرة وجهت الأقطار العربية جل اهتمامها لتنمية هذه الموارد حتى ولو اتسم البعض منها بضعف الاستدامة والتواصل ، دون توجيه اهتمام بنفس القدر لترشيد ما هو متاح منها ، وجاءت المحصلة الإجمالية أن تنامت الإنتاجية الزراعية في العديد من المناطق الزراعية ، إلا أن كفاءة استخدام هذه الموارد النادرة ظلت جامدة ومحل تساؤل.   وإذ كان ناقوس خطر الفقر الحاد في المياه بدأ يدق في بعض أركان الوطن العربي ، فإن دويه من المعتقد أنه سيتسع ليشمل الأقطار العربية جميعها خلال العقدين القادمين ، الأمر الذي يقتضي اتخاذ ما يلزم لمواجهة هذه المشكلة مواجهة حقيقية ، وأن تتصف هذه السياسات المعتمدة للمواجهة بالتكامل اللازم لإحكام هذه المواجهة ، ولتحقيق ذلك فإن ما سوف يخطط من سياسات وبرامج يجب أن يأخذ في الاعتبار الأبعاد الرئيسية التالية:
-
تخطيط استخدامات هذه الموارد أخذاً في الاعتبار تكلفة إتاحتها ، وأن يشارك مستخدموها ولو جزئياً في تحمل أعباء هذه التكلفة ، شريطة أن تكون هذه المشاركة بالقدر الذي يدعو مستخدمي المياه إلى إتباع الأساليب المثلى في ترشيد الاستخدام سواء كانت تكنولوجية أو مؤسسية أو غيرهما.
-
استحداث خطوط ائتمانية أكثر يسراً وجاذبية لمساعدة مستخدمي المياه على تطبيق نظم الزراعة والري المرشدة للمياه.
-
توجيه اهتمام خاص لبحوث استنباط الأصناف النباتية المحدودة في احتياجاتها الإروائية. وأيضاً البحوث المستهدفة لتطوير تقنيات تحلية المياه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة ، إذ أن إحراز بعض التقدم في هذا المجال يمكن أن يغير معالم الحياة في المنطقة العربية.
-
أن تتبنى مؤسسات توجيه الرأي العام مثل وسائل الإعلام بأنواعها ، ومؤسسات التعليم بمستوياتها ، هذا إلى جانب مراكز التوجيه الديني مهام التوعية بأهمية المياه ونشر ثقافة ترشيد استخدامها بين المواطنين العرب ، إذ أن هذا الجهد التربوي والإعلامي يعد الداعم الأساسي لتخطيط سياسات الترشيد وتنفيذها دون محاذير تذكر-  أن تولي الحكومات العربية اهتماماً خاصاً لتطوير نظم إدارة موارد المياه وتوزيعها وذلك للحد من معدلات الهدر الراهن ، هذا إلى جانب تخطيط وتنفيذ البرامج والمشروعات المستهدفة لتنمية مصادر هذا المورد سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية.

1 - 2 محدودية التطوير التقني للزراعة :
    وعلى الرغم مما تحقق من إنجاز في مجالات التطوير التقني للزراعة العربية ، إلا أنه كان محدوداً في القدر والأثر التنموي ، وذلك قياساً بما يمكن تحقيقه ، وقد كانت العلة دائماً تكمن في ضعف أداء المثلث المؤسسي المناط بهذا التطوير سواء كانت من مؤسسات البحث أو الإرشاد أو التمويل الزراعي ، هذا إلى جانب شبه غياب لمؤسسات صغار الزراع. الأمر الذي يعني أن المدخل الحقيقي لإحراز تقدم ملموس في هذا المضمار ينبع عادة من النجاح في إصلاح المؤسسات العاملة في القطاع الزراعي ، ويتضمن هذا الإصلاح ثلاثة جوانب رئيسية ، أولها التدريب المكثف والمتواصل للعاملين وإتاحة فرص الاحتكاك والتفاعل الخارجي لهم ، أما ثانيها فيتمثل في وضع خطط وإجراءات ونظم عمل واقعية تتسم بدرجة عالية من المرونة والتناسق فيما بينها ، وأن تتم متابعتها وتطويرها أولاً بأول ، أما ثالثها فيتمثل في تخصيص الاعتمادات المالية الكفيلة بتحقيق الأهداف بواقعية.

1 - 3 اختلال التوازن بين تنمية الإنتاج وخدمات التسويق :
  أسفرت تجربة الماضي عن ظهور خلل تنموي واضح بين جهـود ونتائج تنمية الإنتاج الزراعي وتلك الجهود الخاصة بتنمية خدمات تسويق هذا الإنتاج ، إذ استثمرت أموال طائلة في مجالات تنمية الإنتاج والإنتاجية الزراعية دون أن يرافق ذلك جهود واستثمارات ملائمة لتنمية القدرة على تسويق وتصنيع هذا الإنتاج   وجاءت المحصلة إهداراً لقدر كبير من الإنتاج الذي تم تحقيقه بعناء ، وبالتالي تقليص الأثر التنموي لما تم إنفاقه من استثمارات في قطاعات الإنتاج. الأمر الذي يدعو مستقبلاً عند تخطيط برامج التنمية أن تحقق هذه البرامج التوازن التنموي الضروري فيما بين أنشطة ومشروعات تنمية الإنتاج ، وتلك الخاصة بأنشطة ومشروعات تسويقه وتصنيعه   وتجدر الإشارة هنا إلى أنه رغم أن مسئولية تنمية أنشطة وخدمات التسويق والتصنيع الزراعي تقع عادة على عاتق القطاع الخاص ، فإن تخطيط السياسات الدافعة لتنمية هذه الأنشطة تقع بالضرورة على عاتق الأجهزة الحكومية المختصة بمـا في ذلك بلورة مشروعات الاستثمار التسويقي الملائمة ، وإحاطتها ببيئة استثمارية جاذبة لاهتمامات رجال الأعمال من القطاع الخاص ، هذا إلى جانب تطوير البنية التشريعية الوطنية بالقدر الذي يسمح بخلق نظام فاعل للتعاقد الزراعي التسويقي يتسم بالعدالة بين أطراف التعاقد من ناحية ، وسرعة البت في مشاكل التطبيق الميداني من ناحية أخرى

4 - 1 الإفراط في المنظور القطري كموجه أساسي للتنمية :
   أوضحت التجربة الإنمائية العربية أن الإفراط في المنظور القطري كموجه أساسي لخطط وبرامج التنمية وسياساتها يؤدي لتدني نتائج التنمية وكفاءة استخدام الموارد ، بل تكون هذه النتائج على تواضعها مهددة بالانهيار ، وغير قادرة على التنافس ، وذلك في ظل نظام دولي وإقليمي بدأت تنهار فيه نظم الحماية وتزداد فيه حدة التنافس المرتكزة على الكفاءة الإنتاجية دون غيرها من المرتكزات. الأمر الذي يدعو إلى أن تتسم خطط وسياسات وبرامج التنمية بالسعي إلى تحقيق درجة مقبولة من التوازن بين المنظورين القطري والقومي كموجهات أساسية لما يخطط من برامج ومشروعات وما يصمم وينفذ من سياسات.   ويقتضي ذلك بالضرورة أن تسعى الدول العربية جاهدة في المضي قدماً نحو تنسيق سياساتها الاقتصادية والزراعية من جانب ، وأن تهيئ لرجال الأعمال والمستثمرين العرب فرصاً مناسبة تستوعب استثماراتهم في البيئات الزراعية الملائمة وذلك من جانب آخر.   وأن يبذلوا جهداً في سبيل تحقيق انسياب أفضل لعناصر الإنتاج ، والمنتجات الزراعية فيما بينها ، إذ أن في ذلك ما يحقق للجميع نصيباً مقبولاً من نتائج التنمية ، ويزيد من قدرة المنتجات الزراعية العربية على التنافس في الأسواق الدولية ، خاصة وأن الدول العربية قد قطعت شوطاً طيباً في سبيل إبراز كينونتها كوحدة اقتصادية ، وأنها مطالبة بإحداث هذا التنسيق في السياسات والخطط الإنمائية كشرط أساسي لاستكمال المراحل القادمة في التنسيق والتعاون الاقتصادي العربي

1 - 5 تباين مفاهيم الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي :
   كان وما زال هدف تحقيق الأمن الغذائي هو الهدف الذي تمحورت حوله جهود التنمية في العديد من الأقطار العربية ، وكان المفهوم الأساسي للأمن الغذائي يرتكز في الأساس على تحقيق أعلى درجة ممكنة من الاكتفاء الذاتي في إطار منظور قطري دون مراعاة لتباين البيئات الزراعية العربية ، ومن ثم تباين قدرتها على إنتاج سلع غذائية محددة   كما اقتصر هذا المفهوم على مجرد الاكتفاء الذاتي دون إيلاء اهتمام خاص لباقي روافد الأمن الغذائي ، خاصة المتعلق منها بجودة وسلامة الغذاء المتداول في الأسواق ، أو بمدى استقرار المعروض من سلع الغذاء الرئيسية في الأسواق العربية ، هذا إلى جانب زيادة قدرة الطبقات الفقيرة في الحصول على احتياجاتهم الضرورية من سلع الغذاء   وقد أسفرت هذه السياسات عن توجهات تنموية أضرت بالمخزون الموردي في عدد من الأقطار العربية ، كما حدَّت من قدرة دول أخرى تمتلك موارد ملائمة على استثمار ما تملكه من هذه الموارد خدمة لقضايا الأمن الغذائي العربي   وقد يكون من المفيد مستقبلاً أن يتطور مفهوم الأمن الغذائي ليكون مفهوماً قومياً وليس قطرياً ، وأن تتاح لكل قطر عربي المشاركة بجهوده التنموية في تحقيق هذا الهدف ارتكازاً على ما يتوافر به من موارد أو إمكانات تنموية ، وأن تكون البرامج الهادفة إلى الحد من ظاهرة الانكشاف الغذائي العربي متكاملة في جوانبها التنموية ، بمعنى أن تتضمن برامج فرعية لتمكين الفقراء من الحصول على احتياجاتهم الغذائية ، مع مراقبة سلامة وجودة الغذاء المتداول في الأسواق ، هذا بالإضافة إلى تحقيق أعلى درجة ممكنة من الاستقرار في المعروض من سلع الغذاء ومعدلاتها السعرية.

2 - تحديات التنمية الزراعية المستدامة :
   تواجه الزراعة العربية العديد من المعوقات والتحديات التنموية ، وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يدمجون بين معوقات التنمية وتحدياتها لتماثل أو تجانس الأثر السلبي لأي منهما على جهود التنمية ، إلا أنه من المناسب في هذا المقام الفصل بينهما باعتبار أن المعوقات تمثل مشكلات تنموية يمكن مواجهتها في المدى القصير أو المتوسط من خلال برامج قطرية أو مشتركة ، أما التحديات فهي في الواقع تمثل معضلات تنموية أساسية يصعب وضع حلول شافية لها في المدى القصير ، كما أن العمل القومي أو الجماعي يزيد من القدرة على مواجهتها   وتتضح صورة ما تواجهه الزراعة العربية من تحديات عند مقارنة أوضاع الزراعة العربية بنظيراتها في الدول المتقدمة أو حتى بعض الدول النامية ، حيث تفيد المقارنة باتساع الفارق ليس فقط في الإنتاجية الزراعية ، ولكن أيضاً في كفاءة استخدام الموارد وقدرة قطاع الزراعة على توليد الدخل ، والحقيقة الأكيدة هنا أن التقدم له ثمن لن يحققه إلا من يدفع ذاك الثمن مهما كان باهظاً   ومن هنا فإن تحديات التنمية لا تخلقها فقط وضعية ما تملكه الدول العربية من موارد زراعية ، وإنما أيضاً المستويات التي حققتها العديد من دول العالم في استثمار ما تملكه من موارد ، ومقارنة بتلك المستويات التي استطاعت أن تحققها الدول العربية خلال العقدين الماضيين.   ويلقي هذا الجزء من الإستراتيجية الضوء على أهم معوقات وتحديات التنمية التي تواجه الزراعة العربية ومسبباتها التي يعكسها الواقع الراهن للزراعة العربية. هذه التحديات يلزم بالضرورة لتجاوزها أوالحد من آثارها تضافر الجهود القطرية والقومية في معركة المواجهة أياً كانت شراستها أو حدتها. كما يلزم لعمليات المواجهة أيضاً إحداث تغيير جوهري في أساليب تعاملنا مع القضايا الزراعية المصيرية والتي تعكسها هذه التحديات ، من خلال الوقوف على أسبابها الحقيقية ، وتحديد أنجع الأساليب المعاصرة للتصدي لها بغرض معالجتها أو الحد من آثارها السلبية ، وهو المفهوم الرئيسي الذي يرتكز عليه إعداد هذه الإستراتيجية

2 - 1 زيادة القدرة على تنمية الموارد وبخاصة المياه :
   أشار الملحق الأول للإستراتيجية بوضوح إلى معالم الصورة الراهنة لموارد الزراعة العربية ، حيث أكد محدودية تنميتها من ناحية ، مع الانخفاض الواضح في كفاءة استخدام المتاح منها وذلك من ناحية أخرى. وتعد محدودية ما تملكه بعض الدول العربية من موارد ، والتدني الواضح في كفاءة المستخدم منها تحدياً شديد الوطأة على برامج تنمية الزراعة العربية   وتتضح هذه الحقيقة بجلاء عند تناول أوضاع موارد المياه التي يتسم المعروض منها بالجمود الشديد حيث يصعب ، بل يتعذر في بعض الحالات زيادة المعروض من هذه الموارد إلا في حدود ضيقة تتمثل في التوسع في تقنيات إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي ، أو توجيه استثمارات باهظة لتحسين المعروض من هذه الموارد في بعض المشروعات المائية كما هو الحال في بعض مشروعات أعالي نهر النيل.   وبطبيعة الحال فإن النجاح في المشروعات المستهدفة تنمية المعروض من المياه هو في الحقيقة رهن نجاح آخر موازْ في التعاون العربي في مجالات تطوير تقانات إعادة استخدام المياه أو حصاد المياه أو تنقيتها ، أو التعاون في مجالات تنمية موارد الأحواض المائية المشتركة ، هذا بالإضافة إلى النجاح العربي في مجال تنسيق التعاون فيما بين الدول العربية وغيرها من دول الجوار غير العربية والمتشاطئة معها في مجاري الأنهار    وإذا كانت تنمية المعروض من المياه تعد أمراً أكثر صعوبة وأعلى تكلفة ، فإن تنظيم إدارة الطلب على المياه عن طريق تخطيط وتنفيذ السياسات وبرامج العمل الهادفة إلى ترشيد استخدامها يعد أمراً ممكناً ، شريطة أن تؤخذ هذه الأمور بدرجة عالية من الاهتمام لتحتل موضعها المناسب في سلم أولويات الاهتمام التنموي على المستويين القطري والقومي    وبصفة عامة فإن جهود تنمية المتاح من الموارد وتحسين إدارتها واستخدامها يعد في الواقع من أهم تحديات التنمية خلال العقدين الماضيين ، وقد يكون من المناسب أن تتبنى الدول العربية مجتمعة برامج وخططاً مشتركة للتعاون للحد من الأثر السلبي لهذا المحدد

2 - 2 المواءمة مع المتغيرات الدولية والإقليمية :
    لا تعمل المنظومة العربية في عالم منفصل أو منعزل جغرافياً عن الكون ، ففي كون معولم تلاشت فيه الحدود أو تكاد ، وتتصارع فيه القوى ، وتتلاحق فيه المتغيرات فإن ذلك يضع الدول العربية أمام حقيقة مفادوها إما أن تكون جزءاً من هذا الكون وشريكة فيه ، أو تكون هامشية وتكتفي بما قد يتاح لها. فالعالم بقواه المختلفة والمتغيرات المتلاحقة فيه يجعل الأمة في تحدْ ويجعل الزراعة العربية في تحدً مفروض عليها فرضاً ، وليس بمقدور الأمة العربية أن توقف تيار التقدم العالمي نحو تحرير تجارة السلع والخدمات ، أو وضع قواعد لحماية الملكية الفكرية ، وليس بمقدورها أيضاً أن تتجاوز التكتلات الاقتصادية العملاقة التي تسيطر على الأسواق وتتحكم في التكنولوجيا وتوجيهها   كما أن الدول العربية ليست قادرة على تجاوز الاعتبارات السياسية والأمنية الدولية التي يمثل الاقتصاد فيها أداة مهمة ، ويمثل الغذاء أحد أركان هذا الاقتصاد المعولم ، وقد يأتي اليوم الذي يكون فيه الإمداد بالغذاء لا يقل أهمية عن الإمداد بالبترول وربما المياه في وقت قادم.   وعلى صعيد الأمة العربية فبعد أن اكتملت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وانتهى العمل بالرزنامة الزراعية ، إلا أن المشكلات القائمة ما زالت تؤثر سلباً على الإيجابيات المحتملة لهـذه المنطقة والمتمثلة في عدم تنسيق السياسات التجارية العربية ، وعدم التوصل لاتفاق بشأن تجارة الخدمات وقواعد المنشأ الموحد للسلع الزراعية العربية ولا المواصفات الموحدة.   ويزيد ذلك كله من ضخامة التحدي الذي يواجه الزراعة العربية من حيث قدرتها على التفاعل والاستجابة للمتغيرات الدولية والإقليمية.   ولا شك إن هذه الأوضاع تضع الزراعة العربية أمام تحد كبير وخطر مصيري ، فإما مواكبة ما يجـري على الساحتين الدولية والإقليمية من متغيرات حتى تضمن الدول العربية البقاء ، أو تكون خارج الساحة

2 - 3 اللحاق بالتطورات التكنولوجية المتسارعة :
   وهناك معضلة أخرى تمثل تحدياً كبيراً أمام الزراعة العربية متمثلة في التطورات التكنولوجية المتلاحقة على الصعيد العالمي ، فقد شهد العالم طفرة في مجالات البحث الزراعي أدت إلى قفزات في الإنتاج والإنتاجية ، وأصبح إنتاج التقاوي المنتقاة صناعة دخلت مجال براءات الاختراع ومن الأسرار التكنولوجية للدول المنتجة لها ، ويعتبر استنباط السلالات عالية الإنتاج والجودة والمتلائمة مع الظروف البيئية والمناخية والأقل احتياجاً للمياه سمة من سمات العصر الحديث ، ولا تتوقف البحوث عند حد ، فالاختراعات متواصلة بل وصلت إلى عصر الاستنساخ ولم يعد مقبولاً أن تمثل إنتاجية الوحدة المنزرعة من الخضروات والفواكه في الدول العربية %50 من مثيلاتها في الدول المتقدمة ، ونفس الشيء بالنسبة للثروة الحيوانية سواء فيما يخص إنتاج اللحوم أو الألبان.  إن استمرار الأوضاع في الزراعة العربية على ما هي عليه باستخدام أساليب إنتاجية تقليدية من جهة ، والاعتماد على استيراد التكنولوجيا الحديثة من جهة أخرى يجعل من الصعوبة بإمكان الوصول بالزراعة العربية إلى مستويات متقدمة قادرة على منافسة الزراعة الحديثة في العالم ، ولا تتوقف التكنولوجيا على استنباط الأصناف وتطوير أساليب الإنتاج ، بل تمتد إلى نظم الري الحديثة والتسويق والإرشاد الزراعي ، أي أن الدول العربية أمام إحداث ثورة زراعية شمولية تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل واستثمارات كبيرة ، فمراكز البحث الزراعي العربية ما زالت عاجزة عن إمداد الزراع العرب بالأصناف النباتية والأصول الوراثية والهجن الحيوانية التي تمكنها من إحداث التغيير الشمولي المطلوب.   ولعل الجهد الفردي لم يعد مناسباً لتحقيق التقدم على هذا المسار ، بل يحتاج الأمر إلى تعاون وتنسيق عربيين يتضمنان تحديث مراكز البحث وإمدادها بالوسائل الضرورية وخلق الكوادر البحثية القادرة ، وفي نفس الوقت تجنب التكرار ، وتبادل الخبرات ، ومن ثم زيادة فاعلية الجهود البحثية ، وتعظيم عوائدها.

2 - 4
  تحقيق التوازن بين المنظورين القومي والقطري في تخطيط وتنفيذ السياسات الاقتصادية والزراعية :
    ظلت السمة الأساسية خلال العقود الثلاثة الماضية هي اتباع كل قطر عربي سياسات اقتصادية زراعية تخصه ولا يراعى فيها البعد القومي إلا في حدود ضيقة ، هذا بالرغم من كافة الاتفاقيات الموقعة بين الأقطار العربية. وباستثناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإن تنسيق السياسات الاقتصادية والزراعية هو في الواقع في حده الأدنى  وإذا كانت هناك أسباب موضوعية لبروز القطرية على حساب القومية في العقود الماضية ، فإن هذه الظروف من المفروض ألا تستمر ، حيث أثبتت تجربة الماضي أن الانكفاء القطري يعد أهم المشاكل التي تواجه المقتصدات العربية وجعلها في غالبيتها مقتصدات تعتمد على موارد طبيعية قابلة للنضوب من جهة وتتأثر بشدة بالأسعار العالمية من جهة أخرى ، مما جعل هذه المقتصدات غير قادرة على مواجهة الأزمات الحادة المفاجئة. ولقد أجمع الاقتصاديون على أن الدولة القطرية تلاشى دورها في الاقتصاد الدولي وأصبحت التكتلات الاقتصادية هي الرائدة في هذا المجال.   وتأسيساً على ذلك فيمكن القول أن أخذ البعد القومي عند وضع السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية (بما فيها الضرائب وأسعار الصرف وأسعار الفائدة) يمثل أداة فاعلة لتحقيق تعاون اقتصادي عربي يحقق أهداف الأمة في التنمية الشمولية ويساعد على إحراز معدلات نمو متسارعة. وعلى صعيد القطاعات الزراعية ثبت من خلال تجربة العقود الماضية أن عدم تنسيق السياسات الزراعية العربية ألحق أضراراً كبيرة بالزراعة العربية ، ولم يتقدم أي قطاع زراعي عربي ليصل إلى المستويات التي حققتها الدول المتقدمة. فعدم وجود تنسيق في سياسات الإنتاج واستغلال الموارد الأرضية والمائية وضعف التنسيق في السياسات التجارية وغيرها من السياسات الاقتصادية والزراعية ، قد أدى ذلك إلى زيادة معدلات الهدر في استخدام الموارد وأضعف قدرة الزراعة العربية على التقدم والمنافسة في الأسواق العالمية

2 - 5 
زيادة فاعلية مؤسسات المزارعين وبخاصة صغارهم في تدعيم أنشطة الإنتاج والتسويق :
   يغلب على الزراعة العربية صغر حجم الملكية الزراعية وانتشار المزارع الصغيرة مما جعل صغار الزراع يمثلون الأغلبية الساحقة (80%) من إجمالي العاملين في القطاعات الزراعية العربية ، وهؤلاء الزراع يفتقرون إلى الإمكانات المناسبة لتطوير وتحديث إنتاجهم ، الأمر الذي يجعل من تطوير وتحديث المؤسسات التي تجمعهم أمراً حيوياً لحمايتهم وزيادة دخولهم بزيادة الإنتاج وتسويقه دون أن يذهب هامش كبير منه إلى طبقة الوسطاء ، ويلاحظ أن المؤسسات الحالية الموجودة سواء كانت روابط مستخدمي المياه أو الجمعيات التعاونية الإنتاجية والتسويقية ، أو إتحادات المنتجين ، وغيرها هي مؤسسات ضعيفة في العديد من الحالات ويسيطر عليها كبار الزراع والملاك في حالات أخرى ، مما يستدعي إعادة النظر فيها لتكون أكثر فاعلية وشفافية ومقدرة على تحقيق أهداف صغار الزراع بما يخدم القطاعات الزراعية العربية بصفة عامة   ويعد هذا التطوير المؤسسي من أشد تحديات العمل التنموي خلال العقدين القادمين ، إذ أن تحقيق التقدم في هذا الاتجاه يقتضي تضافر الجهود بين مؤسسات القطاع الخاص مع المؤسسات الحكومية ، هذا فضلاً عن أهمية اختيار نماذج العمل الجماعي الأكثر توافقاً مع ظروف البيئات الزراعية العربية.

2 - 6 زيادة جاذبية الاستثمار الزراعي العربي في البيئات الزراعية الملائمة :
   من الصعب الحديث عن تطوير أو تحديث الـزراعة العربية في غياب توفير الاستثمارات الضرورية ، فكل تقدم في الزراعة مرهون بمزيد من الاستثمار ، بيد إن قطاع الزراعة ليس من بين القطاعات الجاذبة للاستثمار لأسباب موضوعية تتمثل في انخفاض العائد على رأس المال المستثمر وطول دورة رأس المال في بعض الأنشطة الزراعية وتعرض الاستثمار إلى مخاطر عالية. والزراعة العربية ليست فقط في حاجة إلى مزيد من الاستثمارات بل هي في حاجة إلى ضخ رأس مال كبير لنقلها من وضعها الحالي إلى وضع يجعلها قادرة على منافسة نظيراتها في دول العالم المتقدم ، فما زال رأس المال الخاص يحجم عن التوجه نحو الزراعة   إن وضعا هذا شأنه وتلك طبيعته ، يتطلب تحسين المناخ الاستثماري في القطاعات الزراعية العربية وجعله أكثر جذباً للاستثمار ، وهذا يتطلب خلق بيئة استثمارية مناسبة ، يقع العبء الأساسي فيها على الحكومات العربية المطالبة بتوفير البنية التحتية والمؤسسات الداعمة. ومن ناحية أخرى فإن الضرائب المفروضة على النشاط الزراعي تحتاج إلى إعادة نظر ، كما أن توفير ضمانات كافية للمستثمرين للحفاظ على رؤوس أموالهم ، والاستقرار الأمني والسياسي وإتاحة الفرص للتصدير بتقديم تسهيلات مناسبة كلها تقع على عاتق الحكومات بالدرجة الأولى.   إن جعل الاستثمار الزراعي أكثر جاذبية للمستثمرين العرب يمثل تحدياً حقيقياً أمام الزراعة العربية ، وبدون خلق البيئة الزراعية الاستثمارية الملائمة ، ستكون المهمة ثقيلة أمـام متخذي القرار وواضعي ومنفذي السياسات الزراعية. وعليه فإن الدول العربية أمام تحدْ متعدد الجوانب ، تحدْ في خلق الاستقرار السياسي والأمني ، تحدْ لرفع العائد على رأس المال المستثمر ، تحدْ في تخطيط وتنفيذ سياسات وبرامج للحد من مخاطر الاستثمار ، ثم تحدْ في تفعيل اتفاقيات الاستثمار وفي مقدمتها الاتفاقية الموحدة لاستثمار الأموال العربية في الدول العربية المبرمة في إطار جامعة الدول العربية.

2 - 7 تحقيق الاستقرار في المجتمعات الريفية العربية :
    إن الفوارق الكبيرة بين مستويات الحياة في الحضر والريف تجعل من الريف عاملاً للطرد وتخلق عدم استقرار في المجتمعات الريفية العربية. ففي جانب الدخل ، ينخفض دخل سكان الريف عن دخل سكان الحضر ، وترتفع معدلات الفقر بشكل ملحوظ بين سكان الريف ، حيث أوضحت الدراسات أن 44,6% من سكان الريف العربي (في 12 دولة عربية) يعيشون تحت خط الفقر. وفي جانب الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وغيرهما من الخدمات الضرورية لاستقرار الحياة في الريف فإنها جميعاً ليست متوفرة بشكل مناسب في كثير من البلدان العربية   كما أن المرأة في الريف ما زالت تعاني من مشاكل الأمية وضعف المشاركة الفعلية في جهود التنمية وإذا أضيف إلى ما سبق تدني فرص العمل في الريف مما يرفع معدلات البطالة وفي نفس الوقت انخفاض متوسط الأجور ، فإن المسألة تزداد تعقيداً وينجم عنها مشاكل عديدة في مقدمتها الهجرة من الريف إلى المدن وما تمثله من ضغوط اقتصادية واجتماعية ، هذا إضافة إلى عدم الاستقرار وما ينجم عنه من مشاكل أسرية اجتماعية ترفع من معدلات الطلاق والتفكك الأسري وترفع من نوبات القلق لدى أهل الريف مما ينعكس سلباً على المجتمع ككل    وإذا كان المجتمع الريفي العربي هو عصب الزراعة العربية ، فإن الزراعة ذاتها تتأثر بشدة بأحوال المجتمع الريفي ، فكلما كان المجتمع الريفي يستشعر الأمان الاجتماعي والرعاية وتوفير احتياجاته الأساسية وتوفير فرص عمل مناسبة وخلق مصادر متنوعة للدخل ، كلما تحقق استقرار الزراعة ، وتمهد السبيل إلى تطورها وتقدمها.

2 - 8 توفير الغذاء الآمن للسكان :
    منذ ثلاثة عقود مضت والأقطار العربية تستهدف تحقيق أمن غذائي قومي عربي وتوفير الغذاء الآمن صحياً للشعوب العربية ، وإذا كانت الأقطار العربية قد حققت بعض النجاحات في مجال رفع معدلات الاكتفاء الذاتي من بعض السلع الغذائية الرئيسية كالقمح واللحوم الحمراء والأسماك والسكر ، فإن جودة هذه السلع في جانب منها هو دون المواصفات القياسية العالمية وما زلنا رغم ذلك في أمس الحاجة إلى سياسات قومية مدعومة بسياسات قطرية تحقق أمناً غذائياً قومياً عربياً بجودة مناسبة وبأسعار مناسبة ، وما زال هذا الهدف لم يتحقق وصعب المنال بدون تنسيق عربي حقيقي وفاعل   إن الاستخدام المفرط في المبيدات والأسمدة الكيماوية يرفع من الأثر المتبقي للعناصر الثقيلة في السلع الزراعية ، مما يجعل هذه السلع قابلة لتعريض مستهلكها لأخطار العديد من الأمراض ، من هنا فنحن في تحدْ مزدوج يتمثل في توفير الغذاء بالأسعار المناسبة من جهة ، وأن يتوفر في هذا الغذاء الشروط الصحية الضرورية للحفاظ على صحة الإنسان من جهة ثانية

2 - 9 زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية في الأسواق الدولية :
   لم تعد مقولة زيادة الإنتاج الزراعي بمعدلات مرتفعة فقط مقولة تناسب سمات العصر الحالي ، بل إن زيادة الإنتاج هي ضرورية ولكنها ليست كافية ، حيث تتطلب زيادة الإنتاج أن يتم بتكلفة منخفضة وبجودة عالية وقدرات تسويقية كفوءة حتى تستطيع أن تنافس في الأسواق العالمية   إذن فالزراعة العربية في تحدْ كبير ، يتمثل في ضرورة زيادة قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية ومتطلبات هذه المنافسة تتمثل في توفير الاستثمارات الضرورية لاستخدام الأساليب الإنتاجية المتطورة والحديثة ، والحد من استخدام الأسمدة والمبيدات والاهتمام الكافي بالزراعة العضوية والمقاومة الحيوية ، وفي نفس الوقت إفساح الطريق أمام القطاع الخاص وتذليل الصعوبات التي تواجهه سواء في مجالات الإنتاج أو التسويق الخارجي.   وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحقيق إنجاز في هذا الاتجاه يقتضي العمل في إطار حزمة متكاملة من البرامج الهادفة إلى تحسين القدرة الإنتاجية والتسويقية للعديد من المنتجات الزراعية القابلة للتداول في السوق الدولية.















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا