التسميات

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

نحو مشروع قومي للارتقاء بالبيئة العمرانية ...

نحو مشروع قومي للارتقاء بالبيئة العمرانية 
 منظمة حماة البـيـئة والتنـمية المستدامة - 18 تموز يوليو 2013 م :
بقلم د. حمدي هاشم - خبير جغرافيا بيئية :
    تواجه مدن دول العالم الثالث كثيراً من مشكلات وقضايا النمو الحضري غير المخطط والتي تنعكس وتؤثر في نوعية البيئة المحيطة ـ أياً كانت طبيعتها الجغرافية ـ وإن كانت تختلف في آثارها البيئية، وذلك خلال مرحلة نموها العمراني السريع في ظل تعثر جهود التنمية المحلية وغياب البعد القومي في التخطيط الإقليمي، نتيجة لتزايد الضغط السكاني على المدن وتأجيل الاستثمار في التخطيط للمستقبل؛ وذلك لانشغال الحكومة في مواجهة التحديات والعقبات التي تؤخر مسيرتها نحو التقدم ولاسيما فيما يخص رفع المعدلات المالية للنمو الاقتصادي.

   تظل عملية التنظيم المكاني للعمران رهن بتوفير التمويل المالي ـ الاقتصادي القادر على تنفيذ إستراتيجية التنمية الشاملة على مستوى الدولة، وهكذا تعانى المدن المصرية منذ منتصف القرن العشرين من ظاهرة الامتدادات العشوائية في مناطق الأطراف بالهامش الريفي ـ الحضري، والتي قد تفاقمت مع مرحلة الانفتاح الاقتصادي غير المخطط (من 1973 ـ 1982) المرتبط بمقدمات التغير الإيديولوجي لمصر باتجاه نظام السوق الحر؛ وكانت هذه المرحلة السياسية بالغة الأثر على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والبيئية والصحية، حيث تواجه الحكومة معضلة فك الاشتباك بين المشكلات التراكمية للنمو العمراني العشوائي وبين وضع الاقتصاد القومي وأزمة التنمية.
   توضح أحوال العمران منذ عهد الفراعنة وحتى العثمانيين حضور عنصر الثبات وتغيب عامل التغيير في ملامح العمران المصري، حتى ظهور مشروع قناة السويس بعد مشروعات الري الكبرى في عصر محمد على وإسماعيل، الذي تغيرت معه ملامح ذلك العمران نتيجة تحفيز النمو الاقتصادي لبعض القرى القديمة التي منها خرجت مدن القناة الثلاثة؛ وأيضا لا يمكن إغفال أثر الصناعة في نمو المدن التي توطنت فيها، وكذلك فكرة إنشاء المدن الجديدة التي تبنتها الحكومة بعد حرب 1973 لجذب ذلك الضغط السكاني بعيدا عن الأراضي الزراعية، رغم ضعف قدرة تلك المدن على جذب الحجم المستهدف من سكان الدلتا والوادي.
    هكذا يرتبط العمران المصري بدرجة شديدة بالوادي والدلتا، مع حركة النهر من الجنوب إلى الشمال، وسط طغيان وغلبة تلك الصحراء القاحلة التي تتحدى إرادة المصريين في الخروج إليها للتعمير والاستقرار، لأن المصري القديم قد استقر في القرى والمدن ذات الاقتصاد المبنى على خصوبة التربة ومستوى ماء النهر، حتى صار الفلاح المصري مزروعاً في التربة وسط زراعاته، يخاف بشدة من قسوة الصحراء وندرة مائها؛ فلا يقدر على الصحراء وثقافتها إلا جيش قوى ينأى بعيدا عن المدن لحمايتها قبل أن يهاجمها العدو، وأيضا المستوطن البدوي الذي اعتاد عناء الصحراء ضد الفلاح القروي الذي اعتاد عطاء الوادي والدلتا.
    وهكذا دعت الضرورة إلى تشكيل اللجنة العليا لتخطيط القاهرة الكبرى (1965)، وما تلاها من تشكيل اللجنة العليا للتخطيط الإقليمي والعمراني لمنطقة الإسكندرية، وفى أعقابها اللجنة الدائمة لتعمير شاطئ خليج السويس (1966)، ثم تبلورت فكرة إنشاء الهيئة العامة للتخطيط العمراني (1973)، لتتولى إرساء قواعد السياسة العامة للتخطيط العمراني وإعداد خطط وبرامج التنمية العمرانية في مصر، والتنسيق بينها وبين خطط وبرامج الإنتاج والخدمات العامة بصورة تخدم الحاضر وتحمى المستقبل، بالإضافة إلى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي تأسس (2001) لتحقيق القيم الجمالية في العمران المصري.
   نذكر هنا دراسة السياسة القومية للتنمية الحضرية في مصر (1980-1982) وتكاملها الموضوعي بين سياسات التنمية الريفية والتنمية الحضرية، لاستغلالها كافة العوامل المؤثرة في التوزيع المكاني والوظيفي للسكان والأنشطة الاقتصادية والخدمية داخل الدولة؛ ومن ثم أصبحت إستراتيجيتها تعبر عن مجموعة السياسات القومية الهادفة إلى التأثير في توزيع تجمعات العمران الحضري على نحو يفي بمتطلبات تحقيق الأهداف القومية، من منظور بيئي يربط بين تحقيق النمو الاقتصادي وعدالة التوزيع بين كل من السكان والأقاليم.
    أما تعثر برامج السياسة الحكومية وغياب إستراتيجية التنمية الشاملة في مصر فلا تتحملها ثورة يوليه 1952 منفردة، لكونها مشكلة تراكمية نتيجة تعامل الحكومات المتعاقبة (منذ ثلاثينيات القرن العشرين) مع قضايا الواقع المصري بإصلاحات لا ترجو سوى زمانها المحدود حتى وإن عادت بأضرار على المستقبل؛ ولم يخلو الأمر من تطوير بعض مناطق العاصمة المتدهورة وتنفيذ مشروعات حديقة الأزهر وإحياء الدرب الأحمر وغيرها للارتقاء بالبيئة العمرانية، ولكن المطلوب أن يشمل ذلك التوجه كافة الأقاليم المصرية.
    ومن معرض حالة البيئة العمرانية، لابد من مشروع قومي للتنمية المحلية ـ يتبناه مجلس الشعب ـ يقوم على توفير استثمارات رفع الكفاية الإنتاجية في الريف، من خلال مشروعات متوافقة مع اقتصاديات الأرض الزراعية، وذلك للارتفاع بدخل سكان الريف وتقوية القدرة الفعلية ليتمكنوا من تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية؛ علاوة على ضرورة الارتقاء وكفاية المرافق والخدمات في الريف لتقليل الفوارق بين الريف والحضر والحد من تيار الهجرة الريفية، وما يتلازم معها من معضلات ومشاكل بيئية تعود على الريف والحضر بخسائر اقتصادية فادحة، وإن كان ذلك لتحقيق العدالة الإقليمية وحق الإنسان المصري في بيئة نظيفة، فلابد أن توفر له الدولة كافة الجوانب التشريعية والقانونية والمؤسسية والتمويلية مع تفعيل المشاركة المجتمعية.

منظمة حماة البيئة و التنمية المستدامة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا