التسميات

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

أسباب تزايد حالات الطلاق في المجتمع العراقي ...

أسباب تزايد حالات الطلاق في المجتمع العراقي 
 المحامية: منال داود العكيدي - العراق - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "  27 يونيو, 2014: 
    تعد ظاهرة الطلاق من أخطر الظواهر التي يمكن أن يتعرض لها أي مجتمع في العالم، بوصفها سببا جوهريا في تقويض دعائم الأسرة وتشتت أفرادها، وما يترتب على ذلك من خلل كبير في النظام الاجتماعي القائم على تماسك وانسجام الأسرة لكونها تشكل النواة الأولية في المجتمع البشري بصورة عامة . وبسبب تلك التداعيات الخطيرة والأضرار الفادحة الناتجة عن حالة الطلاق، فقد وضعت الشرائع السماوية ومنها الإسلام، وكذلك القوانين الوضعية، لعقد الزواج، قواعد وأسس وأصول تشعر المتزوجين بأنهم يقدمون على خطوة مصيرية تربطهم برباط مقدس قائم على المودة والتراحم والإلفة ، لا تنفكّ أواصره إلا للضرورة القصوى.

   ولم يكن العراق ومنذ أن تشكلت دولته الحديثة في عشرينيات القرن الماضي متميزا عن باقي بلدان العالم العربي في مختلف النواحي العمرانية، والفنية، والأدبية، وفي النظم وتشريع القوانين .. فحسب، بل كان متميزا كذلك باستقرار الأسرة العراقية وتماسك أواصرها . فبعدما بدأت الجهات القضائية، ودوائر الأحوال المدنية بتسجيل عقود الزواج والطلاق بصورة رسمية، لم يسجل أي ارتفاع ملحوظ في معدلات الطلاق في المجتمع العراقي بل ان حالة الطلاق إذا وقعت في أسرة معينة كان ذلك حريا بان تتعرض تلك الأسرة إلى الانتقاد بل وحتى الرفض من قبل محيطها .  لكن الظروف المتردية والحروب الطاحنة التي مر بها المجتمع العراقي بسبب تعاقب أنظمة الحكم وقبضها على مقاليد الأمور في البلاد،والتي ألقت بأعبائها الثقيلة على كاهل العراقيين، وبددت ثرواتهم ومواردهم التي حباها الله إياهم، كانت نتائجها سلبية على تماسك الأسرة العراقية واستقرارها، فأخذ مؤشر حالات الطلاق يأخذ منحى تصاعديا ، إلا أن معدلات الطلاق لم ترق إلى أن تكون بمستوى الظاهرة الاجتماعية البارزة.
   وقد تفاقمت ظاهرة الطلاق في العراق بعد الانفتاح والمتغيرات التي  شهدتها البلاد بعد العام 2003، والذي قاد بدوره إلى تبدل الكثير من المفاهيم الأخلاقية والمجتمعية  حيث تعرضت الكثير من الأسر للتفكك والانهيار مما أدى إلى إلحاق العديد من الأضرار بالمجتمع العراقي وبنيانه الأسري، وتشير الإحصائيات إلى أن ظاهرة الطلاق في العراق تزداد بشكل كبير ومطرد خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعد تهديدًا لكيان هذا المجتمع، إذ بلغت نسبة هذه الظاهرة العام الماضي 65%، بواقع 820 ألف و453 حالة مع تباين بين محافظة وأخرى ... وبطبيعة الحال إن هذه الأرقام ليست المحصلة النهائية لحالات الطلاق في المجتمع العراقي إذ ان ما خفي كان أعظم، إذ إننا نفتقر للإحصائيات الميدانية الموثقة، وللتعداد العام للسكان . ونتيجة لتأثير التقاليد الدينية والأعراف العشائرية وقلة الوعي الثقافي فان الكثير من حالات الزواج والطلاق تتم خارج الأطر القانونية الرسمية لها، ولا تدرج ضمن السجلات الحكومية فكيف يكون الحال ان تم حصر تلك الحالات وإدخالها ضمن الإحصائيات الرسمية فلا بد ان تكون عند ذلك الأرقام مخيفة ومثيرة للفزع  و لا يسعنا عند ذلك إلا أن نقول بان المستقبل لابد أن يكون مظلما. ان لارتفاع  معدلات الطلاق بشكل كبير في عموم العراق، أسبابا جمة منها  اقتصادية ، وخصوصا البطالة، وأخرى اجتماعية مثل السعي وراء الزواج بأخرى لأسباب مختلفة ما يدفع الزوجة الى طلب الطلاق كما إن  أغلب حالات الطلاق سببها الزواج المبكر
 
وقد يكون سبب الطلاق هو الزواج بناءا على رغبة الأهل أو بسبب أواصر القرابة القوية التي تجبر الرجل على الزواج من إحدى قريباته دونما رغبة منه وهذا يحدث خصوصا في المحافظات التي يغلب عليها الطابع العشائري .. وبين الأعوام 2003 و2009، وجدت ظاهرة الطلاق القسري لأسباب طائفية بين العراقيين مكانها بين أسباب الطلاق الأخرى  .كما ان معظم الشباب اخذ يستسهل الزواج ، فما إن تربطه علاقة عاطفية بفتاة حتى يستعجل الاثنان الزواج، بسبب الأجواء المحافظة، التي لا تسمح بعلاقات عاطفية طويلة الأمد، تكون بمثابة مرحلة اختبار للطرفين ليتعرفا إلى بعضهما بعضًا وهذا سيؤدي قطعا الى نهاية مثل هكذا الزواج بعد أن تبدأ الحياة الفعلية بين الطرفين وتبدأ المشاكل تعصف بهما . بالإضافة الى ان  الانفتاح المجتمعي على العالم عبر وسائل الإعلام والمعلوماتية، من انترنت وصحون لاقطة ، ساهم كثيرًا في إشاعة نمط ثقافة غربية غريبة على المجتمع العراقي مما جعل حالة الطلاق مقبولة نسبيا لدى الفتاة والشاب ، فالأولى أخذت تسعى إلى أن تكون أكثر استقلالية عن الرجل ، والثاني أصبح يحبذ إقامة  علاقات عاطفية متعددة مع أكثر من فتاة بعيدا عن بيته وزوجته مما يؤدي الى فشل العلاقة الزوجية بينهما . ويحتل العنف البدني أو النفسي  الذي قد تتعرض له الزوجة على يد زوجها مركزا مهما بين أسباب انتشار ظاهرة الطلاق في مجتمعنا أن تعرّض الفتيات للعنف يعدّ سببًا في انتشار حالات الطلاق، كما إن تدخلات الأهل تساهم في بعض الأحيان في زيادة فرصة حصول الطلاق.وهناك سبب آخر حديث نسبيا اخذ يحتل مكانة متقدمة بين أسباب الطلاق الأخرى وهو ارتفاع مستوى الأجور الذي يتقاضاه الموظف، فالمرأة العاملة أصبحت أكثر استعداداَ لطلب الطلاق من زوجها بوجود الخلافات معه  لأنها أصبحت مكتفية من الناحية المادية وليست بحاجة للرجل ... 
    أن القانون العراقي يحتوي على مرونة وثغرات تساهم في التسريع بحالات الطلاق, وطلب التفريق القضائي. ومن تلك الأسباب القانونية الأساسية أن المادة 39 من قانون (الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل) تنص على وجوب إقامة الدعوى في المحكمة الشرعية, لمن يريد الطلاق واستحصال حكم به.
   إلا إننا نجد أن الظاهر والأغلب هو إيقاع الطلاق خارج المحكمة غيابيًا أو الطلاق الرضائي ( الخلع).  بسبب انعدام الوعي القانوني, وعدم تقدير قيمة الحياة الزوجية والتسرع. كما ان المادة رقم (40) في القضاء العراقي تجيز لمن تضرر ضررًا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية ان يطلب التفريق.
   ولكن الغالبية العظمى ممن يطلبون التفريق لا يعتمدون على هذه المادة خوفًا من ردّ دعواهم، لمعرفتهم بعدم وجود ضرر جسيم يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية لأن الضرر لا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية. لهذا يتبعون طرقًا أخرى لإيقاع الطلاق. ونصت المادة (41) على جواز طلب التفريق من قبل أي من الطرفين عند قيام خلاف بينهما وألزم المشرع المحكمة في هذه الحالة إجراء التحقيقات اللازمة في أسباب الخلاف وسلك المسلك الشرعي في ذلك من حيث التحكيم والسعي لإصلاح ذات البين.
    
لكن ما يحدث فعلاً هو أن المحاكم لم تفعل دور الباحثة أو الباحث الاجتماعي. وهو الشخص المخول قضائيًا بتقديم تقرير للمحكمة عن إمكانية استمرار الزواج من عدمه
   وهنا لابد من القول إنه أياً كان السبب في  تصاعد حالات الطلاق  فإنها باتت تشكل اليوم ظاهرة سلبية ثقيلة تقوض بناء  المجتمع العراقي الذي بدأ يخطو خطواته الأولى للخروج من أزمات الحروب المتلاحقة والصراعات الطائفية، خصوصا عقب الانسحاب العسكري الأميركي نهاية العام الماضي
    فبعد طرحنا لأسباب حالات الطلاق .... هنا يثار سؤال مهم ... هو ما هي الحلول إزاء هذه الآفة التي تهدد كيان مجتمع بأسره ؟؟  .
    إن من غير اللائق بنا اليوم أن نستمرئ شماعة النظام البعثي المباد لنعلق عليها أسباب كل ما يجتاح مجتمعنا العراقي من ظواهر سلبية، وانحرافات سلوكية، لاسيما بعد مرور أكثر من تسع سنوات على سقوطه . وفي نفس الوقت لا يمكن أن ندعي بأن العراقيين كان بإمكانهم تجاوز الإرث الثقيل لنظام البعث خلال هذه الفترة القصيرة مع ما شابها من تعقيدات ، إن توفير الدعم اللازم للباحثين الاجتماعيين والحقوقيين والمشرعين من الكفاءات العراقية الممتازة سواء في الداخل أو الخارج، لغرض دراسة الظاهرة ومعرفة أسبابها المختلفة ، والعوامل المؤدية لها وإيجاد الحلول الجذرية لها ، من خلال  تجاوز العامل الاقتصادي والبطالة بتوفير فرص عمل وإطلاق القروض الصغيرة والمتوسطة لدعم المشاريع الفردية الصغيرة وتعقيد إجراءات الطلاق في المحاكم الشرعية وتفعيل دور الباحث الاجتماعي والنفسي في المحاكم الشرعية ليتبوا دوره الصحيح في مجال إيجاد الحلول للمشاكل بين الطرفين المتخاصمين والحيلولة دون وقوع الطلاق بينهما والحد من ظاهرة إيقاع الطلاق خارج المحاكم المختصة وتوعية الشباب المقبلين على الزواج بأهمية هذا الرباط المصيري المقدس وخطورته وتداعياته وهذا يتم أيضا من خلال الباحث الاجتماعي . وهذا لن يتم إلا إذا صدقت النيات وتضافرت الجهود لمعالجة كل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وتحجيم هذه الظاهرة وهذا لم يحدث حتى وقتنا الراهن، وما تحقق في هذا الصدد لا يتجاوز إصدار قرارات ترقيعية لا تبحث في أصل المشاكل وتجتثها من جذورها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا