التسميات

السبت، 25 أكتوبر 2014

الفكر الجغرافي في العصور القديمة ...

الفكر الجغرافي في العصور القديمة
      لا يمكن أن نحدد تاريخا معينا نعده البداية الأولى لتطور الفكر الجغرافي حسبنا المعرفة الجغرافية تتمثل في معرفة الإنسان للأرض وما يحيط بها فهذه بدأت منذ أن بدأ الإنسان محاولة التأمل بوعي وإدارك في الظواهر الطبيعية المحيطة به والبحث عن إمكانية البيئة ومحاولة استغلالها وإيجاد السبل لاستثمارها .

    عند ذلك يمكن الربط بين بداية الفكر الجغرافية وبداية تلك المرحلة حينئذ يمكن القول أن الفكر الجغرافي قديم قدم التاريخ البشري إلا إنه كان محددا بسبب محدودية حركة الإنسان ومن هذا وصف الفكر الجغرافي بأنه ذو مكاني محدود ففي الأدوار من حياته كان قطر دائرة بيئته يساوي المسافة التي يقطعها أو يراها في حياته اليومية أو العامة لذلك يمكن التأكد على إن بيئة الإنسان الأول كانت محدودة.
   وتأتي هذه المحدودية نتيجة عوامل كثيرة منه منها كفاية مقومات البيئة لمعيشة الإنسان  بسبب قبلة عدده كما إن معرفته بظروف البيئات البعيدة كانت محدودة ويمكن وضعها بأنها ذات طابع يمتاز بالسهولة إذ أرتاد الإنسان الأول المناطق السهلة والآمنة للبحث عن مصادر رزقه وإدامة حياته متجنبا المناطق ذات الطابع القاسي .
   ففي العصور القديمة التي عرفت بالعصور الحجرية والتي استغرقت الجزء الأعظم من حياة الإنسان حيث شغلت العصور الحجرية القديمة وحدها زهاء 98% من حياة البشر . كان الإنسان  فيها يعيش على الجمع والالتقاط والقنص والصيد وهو بذلك يشبه الجماعات البدائية التي تعيش في الوقت الحاضر في بعض أجزاء العالم والتي تمكنت قبل أن تتوصل إلى معرفة الكتابة من عمل بعض الرسوم البسيطة أو الخرائط على قطع الجلد أو على الرمال لبيان بعض الدروب والمسالك التي يتبعونها في المواسم الصيد والقنص . كما أنهم قاموا بتصوير بعض المظاهر الطبيعية كالأنهار والجبال والأشجار والبحيرات على جدران الكهوف.
   وقد حدثت ظواهر طبيعية في هذه المرحلة كان لها أثر كبيرا في حياة الإنسان فقد حدت أزمان جليدية قاسية أشتد فيها البرد وغطته طبقات الجليد الزاحفة شمال أوربا إلى ما بعد جبال الألب فأنهزم الإنسان إلى البقاع الجنوبية من الأرض والتجأ إلى الكهوف اتقاء الزمهرير القاسي.
   وكان يفصل بين عصر جليدي وآخر فترة يتبدل فيها المناخ ويتراجع الجليد إلى الشمال وكان كلما حصل عصر جليدي في أوربا وأمريكا الشمالية ظهر في الشرق الأدنى وفي أفريقية وغيرها من البقاع الأسيوية الجنوبية زمن تكثر فيه الأمطار والرطوبة وقد سميت مثل هذه الأزمان بعصور الممطرة وقد كثرة الأمطار وعمت حتى جزيرة العرب ومنطقة الصحاري في أفريقية مما مكن الإنسان والحيوان من أن يعيش فيها. أما الفترات بين العصور الجليدية في أوربا فكان يقابلها في أنحاء الشرق الأدنى عصور جفاف ونحن نعيش في أواخر فترة جفاف.
ومن المؤكد أن تكون معرفة الإنسان قد بدأت مع النبات قبل الحيوان لأن النبات يمتاز عن الحيوان بقله مقاومته للإنسان فعرف الإنسان الأول الأشجار المثمرة في منطقته وعرف مواسم إثمارها وعرف النباتات الحولية ومواسم نموها وهذه الخطوة زادت في معرفته فاتخذ من حرفة الجمع أساسا لمعيشته وتقوم هذه الحرفة على أساس جمع الجذور الأشجار وثمارها وما ينمو فيها ويكون صالحا لطعامه . وعندما تقدمت معرفة الإنسان وزادت قابليته انتقل لمتابعة الحيوان فأصبح يمارس حرفة الصيد مبتدئا بالحيوان البطيئة الحركة والقليلة المقاومة كالأغنام الأمر الذي تطلب أن ينتقل إلى مناطق أخرى فأدى ذلك إلى توسيع أفقه الجغرافي وزادت معلوماته وعندما أنتقل الإنسان من حرفة الجمع إلى حرفة الزراعة منذ أواخر العصر الحجري تبدلت أساليب عيشه فتحول إلى منتج بعد إن كان مستهلكا فقط فتعلم حراثة الأرض وزرعا بالحبوب التي كان يجمعها في العصر السابق وانتقاله إلى حرفة الزراعة فرض عليه الاستقرار في منطقة معينه طيلة الموسم الزراعي الأمر الذي دعاه للاهتداء إلى بناء البيوت الثابتة وتأسيس المراكز الحضارية وحصيلة الفكر الجغرافي بدعامتيه كانت نتاجا لجميع الحضارات القديمة منها والحديثة ولذلك احتوى الفكر الجغرافي على الروابط مشتركة بين جوانب المعرفة المختلفة للفكر الجغرافي وهذا يعد ذاته يعد مؤشرا يدعم كون الفكر الجغرافي نتاجا عالميا برزت فيه بعض الحضارات دون غيرها تبعا لما تسير لها من معارف استخدمتها في مجال تطوير هذا الفكر فتباينت مراكزها تبعا لتباين استخدام تلك المعارف وجاء اشتراك الحضارات القديمة في جوانب متعددة من المعرفة الجغرافية والتي يمكن إيجازها بالنقاط الآتية :-
 1- الاهتمام بخلق الأرض :-
       تمثل الأرض الدعامة الأولى التي بني عليها الفكر الجغرافي فجميع الحضارات اهتمت بموضوع خلق الأرض وعلاقتها بالدعامة الثانية التي تتمثل في السماء وما فيها. وخاصة الشمس والقمر والنجوم وقد أنعكس هذا الاهتمام على حياة هذه الحضارات الدينية والاجتماعية والاقتصادية وقد ظل الإنسان طويلا يؤمن بصحة شيئين فيها يختص بالأرض والشمس الأول الأرض التي يعيش عليها تمثل مركز الكون والثاني إن الشمس تدور حول الأرض ومن دراستنا التفصيلية الفكر الجغرافي في مراكز الحضارة ستبرز لنا قضية اهتمام الفكر بموضوع خلق الأرض .
 2- الاهتمام برسم الخرائط
    حاجة الإنسان لمعرفة الأماكن والكشف عن الجديد كانت تمثل هدفا واضحا اعتمده الفكر الجغرافي في جميع الحضارات القديمة ولذلك فقد اهتمت الحضارات جميعا بموضوع الخرائط والتي تمثل المؤشر الذي يمكن استدلال من خلاله على موقع المكان والعلماء لا يستبعدون اهتداء الحضارات القديمة إلى معرفة الخرائط فقد وصف بعض الرحالة المحدثين محاولات قديمة لدى الشعوب البدائية لرسم الخرائط كما هي الحال مثلا عند الهنود الحمر والاسكيمو وبعض سكان جزر المحيط الهادي مما يؤيد ذلك أن كثيرا من الشعوب والقبائل الموغلة في البدائية ولا سيما من الصيادين المتجولين والملاحين قد عرف عنهم أنهم قاموا برسم خرائط ( كروكية ) وكانت هذه الخرائط ذات قيمه المكتشفين .
     وقد برزت الخارطة كأساس لمعرفة الفكر الجغرافي في الحضارات القديمة ففي الحضارة العراقية القديمة كانت خرائط مسح الأراضي وقياسها وتخطيطاتها معروفة على درجة من الدقة . ومن الخرائط القديمة التي برزت في الفكر الجغرافي العراقي القديم خارطة مدينة اومة ( تل جوفة ) وخارطة مدينة لكش ( تلو ) وخارطة مدينة نفر والتي سنشير إليها بالتفصيل في مجال بحثنا للحضارة العراقية.
 3- معرفة قياس الزمن :-
    يمكن أن تعد ظاهرة تعاقب الليل والنهار من أول الوسائل التي استخدمها الإنسان لقياس الزمن تلاه تباين حركة القمر الشهرية وتغير الفصول كل هذه الظواهر دفعته للبحث عن معرفة الوسيلة التي بموجبها يتم تحديد علامات الزمنية بين تلك الظواهر للاحتياط لها.
واهتم الإنسان بالنجوم اهتماما كبيرا حتى وصل إلى درجة عبادتها وقادة تلك لمعرفة علم الفلك وقد استعملت الأقوام القديمة وسائل متعددة لتحديد الزمن وتقسيمه ومن هذه الوسائل المزولة الشمسية نهارا والساعة المائية أو الرملية ليلا وأول المحاولات التي جرت كانت في العصر البابلي عندما قسموا اليوم إلى ( 12 ) قسما كل قسم يساوي ساعة مضاعفة من ساعاتنا قسموا الساعة 30 جزء كل جزء يساوي أربع دقائق من دقائقنا وقد جاءنا هذا التقسيم منذ السلالة الأكدية حوالي 2400 ق.م وقسم المصريون كلا من النهار والليل إلى اثني عشر قسما إي أن الساعة المصرية تساوي نصف الساعة العراقية وكذلك استخدموا الظل لحساب الساعات النهارية والماء لحساب الساعات الليلية.
    وقد عرف كل من البابليين والمصريين الفرق في أطوال الليل والنهار بالنسبة للفصول حتى أن بعض المصريين توصلوا إلى وضع نسبة 14 : 12 لطول ليالي الشتاء إلى الصيف كما أن البابليين والمصريين قاموا بتقسيم السماء إلى المناطق ودونوا إثباتا باسماء النجوم وصنفوا النجوم إلى أبراج ومجموعات وربطوا بينها وبين معرفة الزمن.
 4- قياس المسافات
    اعتمد الإنسان الأول في قياس المسافة على حركته الخاصة المقاسة بطول أقدامه وذراعه وخطواته ولذلك كانت المسافات تختلف حسب اختلاف طول الخطوات وطول الأقدام كما أنهم استخدموا الزمن في قياس المسافات فعرفوا سرعة الإنسان والحيوان ومقدار ما يقطع كل منهما في اليوم حتى أصبحت هذه الوسيلة شائعة في معظم الحضارات القديمة .
  إن تزايد حاجة الإنسان بعد نشوء الحضارة في كل من العراق ومصر إلى تدوين المعاملات والشؤون التجارية المتعلقة بالمعابد والمباني العامة دعا إلى التوحيد الموازين والمكاييل والقياسات وابتداع طريقة للعد والقواعد لحساب المعاملات وكانت بداية هذه الأمور في عصور ما قبل التاريخ ويظن أن الإنسان أسس طريقة عدة على عدد أصابع يديه ولذلك اتخذ معظم البشر طريقة العد العشرية ولكن السومرين استعملوا الطريقة الستينية واستخدم سكان العراق وحدة المقاييس الطولية منذ عصر فجر السلالات والتي عرفت ب ( الكار ) الذي يساوي 20 قدما أو 6 أمتار.
 5- معرفة الاتجاه :-
    من أول الظواهر التي استخدمها الإنسان لمعرفة الاتجاه هي الشمس فعن طريقها تمكن من تحديد الجهات الأساسية فالجهة التي تشرق منها الشمس والجهة التي تغرب فيها كانت أول الجهات التي اهتدى إليها الإنسان ثم قسم أعلى الشيء مابين الشرق والغرب فسماه شمالا وأسفل الشيء مابين الشرق والغرب فسماه جنوبا.
وعلى هذا الأساس اهتدى الإنسان إلى معرفة الجهات الأساسية نهارا وبقيت مشكلة الجهات ليلا وخاصة في الليالي غير المقمرة فنتيجة لحركة الأرض وتغير الموقع الظاهري للنجوم تظهر مشكلة تحديد الاتجاه واضحة وتبدو المسالة أكثر  تعقيدا في البحار والصحاري وقد استعانت معظم الحضارات القديمة بظاهرة ثبوت اتجاه الرياح واستعمالها في تحديد الاتجاه وكذلك استعانت ببعض النجوم التي تبدو ثابتة بالنسبة لحركة الأرض ومنها النجم القطبي الذي أشارات إليه معظم الحضارات في نصف الكرة الشمالي ( لأن نجوم القبة السماوية في نصف الكرة الشمالي تختلف عن النجوم القيمة السماوية في نصف الكرة الجنوبي ).
   هذه الأسس الفكرية التي أشرنا إليها سابقا والتي تشابهت في معظم الحضارات القديمة والتي تمثل قاعدة مهمة للمعرفة الجغرافية باعتبارها إحدى المعارف الأساسية والأصلية التي عرفها الإنسان معتمدا على بيئته التي أمدته بالمحفزات الطبيعية فأثارت فيه البحث عن الوسائل التي من شأنها أن تقف في وجه تلك المحفزات فسبقت غيرها في الفكر الجغرافي.
    ومع إن الفكر الجغرافية يمثل نتاجا عالميا ساهمت فيه معظم الأمم إلا أن بعض المجموعات البشرية قدمت أكثر من غيرها للفكر الجغرافي العالمي وهذا ما سوف نتطرق إليه من خلال استعراض دور تلك الشعوب ومساهمتها في المعرفة الجغرافية التي اعتمد عليها الفكر الجغرافي العالمي في حاضره.
جامعة بابل - حمله من هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا