التسميات

الاثنين، 9 فبراير 2015

المياه والأمن القومي العربي - الجزء الثاني ...

(الجزء الثاني)
المياه والأمن القومي العربي في سوريا والعراق
(حوض دجلة والفرات)

الأمن المائي مصطلح جديد دخل إلى أدبياتنا العربية منذ قرابة عقدين من الزمن، وتعود جذوره إلى اتفاقية "سايكس بيكو" عام 1916، عندما طلبت الحركة الصهيونية أن يكون للوطن القومي المحدد لليهود في وعد بلفور حدود مائية، تمتد من نهر الأردن شرقًا ومرتفعات الجولان من الشمال الشرقي ونهر الليطاني في لبنان شمالاً، وكان الهدف من ذلك السيطرة على مصادر المياه العربية، ومع التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأخيرة، برزت أهمية بحث ودراسة مسألة الأمن المائي العربي، لأنه وثيق الصلة بالأمن الغذائي العربي الذي يعتبر أهم مكونات الأمن القومي العربي المعرض للعديد من التحديات .

يبلغ حجم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي حوالي 371,8 مليار متر مكعب، يستخدم منها 208,8 مليار متر مكعب، منها 3,6% للاستخدام البشري مقابل 3,7% للاستخدامات الصناعية والباقي للزراعة .
يتفاوت نصيب الدول العربية من المياه، حيث تحصل دول المشرق العربي على 40,9% من إجمالي الموارد المائية العربية مقابل 23% لدول المغرب العربي،31% للدول العربية في حوض النيل و4,6% في الجزيرة العربية.
تمثل المياه السطحية الجانب الأساسي من الموارد المائية العربية، حيث يهطل على الوطن العربي أمطار تبلغ 2280 مليار متر مكعب سنويًا، يستغل منها 350 مليار متر مكعب كمياه سطحية، والباقي يفقد في الأرض، إلى جانب ذلك هنالك حوالي 7700 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العربية غير مستغلة، وتمثل تحليه المياه في الوطن العربي حوالي 66% من إجمالي تحليه المياه في العالم.
يعتبر نصيب الفرد العربي من المياه أدنى نصيب للفرد في العالم، حيث تراجع من 3300 متر مكعب سنويًا عام 1960 إلى 1250 متر مكعب عام 2000، ومن المتوقع أن يصل إلى 650 مترا مكعبا عام 2025، وهذا بسبب تزايد الكثافة السكانية في الدول العربية التي تجاوزت 250 مليون نسمة .
تبلغ مساحة الأرض العربية الصالحة للزراعة حوالي 200 مليون هكتار، لا يزرع منها سوى 47 مليون هكتار فقط، ويرجع السبب الرئيسي في هذا إلى نقص المياه .
مع التسليم بأزمة المياه في الوطن العربي، إلا أنه يجب التأكيد على أن أزمة المياه تختلف أبعادها في الوطن العربي من منطقة إلى أخرى على النحو التالي:
1-في منطقة المغرب العربي: تعتبر أزمة المياه في هذه الدول ذات بعد فني، وذلك لأن الدول في هذه المنطقة لا تستخدم إلا ما يتراوح بين 11% إلى 53% من مواردها المائية التقليدية المتجددة وذلك لأن استغلالها يكلفها الكثير، لأن أغلبها مياه أمطار ومياه جوفية.
2-في منطقة حوض النيل: يتوفر لدى مصر والسودان المياه ، ولكن في مصر تم وضع خطة سيتم تنفيذها بنهاية عام 2017، وتهدف إلى زيادة الموارد المائية من المصادر المختلفة بما في ذلك تحليه مياه البحر في سيناء وساحل البحر الأحمر، لمواجهة التوسع في استصلاح الأراضي ، كما أن الحرب في جنوب السودان أدت إلى تعطيل إنهاء مشروع قناة "جونجلي" التي توفر مزيداً من المياه لمصر والسودان .
3-في دول مجلس التعاون الخليجي واليمن: تعتبر المياه الجوفية وتحليه مياه البحر المصدر الرئيسي للمياه، ويستهلك القطاع الزراعي 85% من المياه، ويصل نقص المياه إلى حوالي مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في هذه الدول إلى 47 مليار متر مكعب بحلول عام 2015، ولكن سيكون المتوفر في ذلك الوقت 21.5 مليار متر مكعب، وهو ما يعني تفاقم عجز المياه في هذه الدول مستقبلاً .
4-في المناطق العربية الأخرى: مثل سوريا والأردن ولبنان وفلسطين والعراق، فإن أزمة المياه لها أبعاد أخرى منها ما هو فني ناجم عن الطبيعة المناخية القاحلة في بعض هذه الدول، ومنها ما هو سياسي مرتبط بسياسة تركيا بشأن نهري دجلة والفرات، وبإسرائيل التي تسعى للسيطرة على المياه العربية في المناطق المحيطة بها .
رغم عدم الاتفاق التام بين الخبراء والمتخصصين والمسئولين حول التحديات التي تواجه الأمن المائي العربي، إلا أن هناك درجة كبيرة من الاتفاق حول عدد من التحديات والتي يمكن إجمالها في الآتي:
5-محدودية الموارد المائية العربية المتجددة، وتراجع نصيب الفرد العربي من المياه بدرجة كبيرة.
6-المياه المشتركة مع الدول الأخرى غير العربية، حيث أن أكثر من 60% من الموارد المائية العربية يأتي من خارج الوطن العربي .
7-أطماع إسرائيل في السيطرة على الموارد المائية العربية، حيث تشكل المياه أهم مكونات الإستراتيجية الإسرائيلية.
8-تدني إنتاجية وحدة المياه في الوطن العربي، بسبب عدم كفاءة استخدام المياه العربية .
9-تدهور نوعية المياه بسبب التلوث الناجم عن الاستخدام الآدمي أو النشاط الصناعي والزراعي.
10-قصور الموارد المالية العربية المخصصة لتطوير حجم واستخدام الموارد المائية العربية.
11- قلة الوعي العربي العام بخطورة أزمة المياه وما تتطلبه من الحفاظ عليها وحسن استغلالها وتنميتها. 
الأساليب والاقتراحات لمواجهة تحديات الأمن المائي العربي:
1- وضع هدف إستراتيجيي عربي يتمثَّل في تحقيق تكامل بين الدول العربية في مواجهة القضايا المتعلقة بالأمن المائي، وتبني دعوة الجامعة العربية لعقد قمة مائية عربية .
2- تشكيل لجنة فنية تقوم بالوساطة بين سوريا والعراق لحل الخلافات حول اقتسام مياه دجلة والفرات .
3- مراجعة الدراسات والبحوث العربية السابقة في مجال الأمن المائي، والربط بينها وبين مشاريع البحوث المقترحة، وربط هذه البحوث بالمجال التطبيقي .
4- وضع قضايا المياه على قائمة اهتمامات الحكومات والشعوب العربية وزيادة الوعي المائي العربي .
5- العمل على وضع صيغ قانونية تؤكِّد الحق العربي في المياه التي تأتي من خارج الوطن العربي.
6- التركيز على زيادة الاستفادة من المياه العربية الحالية، وتقليل الفاقد منها، وزيادة إنتاجية وحدة المياه .
7- وضع رؤية عربية بشأن القضايا المتعلقة بالمياه مثل :المياه ، وبنوك المياه ، وبيع المياه ، ونقل المياه خارج أحواض الأنهار الدولية .
8- المواجهة الجماعية للأطماع والسياسات التي تهدف إلى سلب العرب حقوقهم في المياه أو سرقة المياه العربية.
9- تشجيع المستثمرين العرب على زيادة استثماراتهم في مجال مشروعات المياه ، وخاصة في مشروعات تحليه مياه البحر.
10- إدارة المياه العربية من خلال نظرة متكاملة تراعي البعد البيئي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من الخبرة الدولية في هذا المجال . 
المياه والأمن القومي العربي في سوريا.
الموارد المائية المتاحة في سوريا :
1- الأمطار: ويقدر موردها لسنة متوسطة الهطول بحدود 48 مليار متر مكعب، إلا أن توزعها متفاوت جداً، (ويتراوح بين 100 ملم في البادية إلى أكثر من 1000 ملم في الساحل)، وعلى نسبة تساقط هذه الأمطار وأوقاتها تكون كمية التغذية التي تلحق بالينابيع السطحية منها والجوفية.
2- الأنهار: ومنها الأنهار الداخلية التي تنبع وتصب في أراضينا وهي: الخابور، بليخ، بردى، الأعوج، الكبير الشمالي، عفرين، ومنها الأنهار الدولية وهي: الفرات، دجلة، العاصي، اليرموك، الكبير الجنوبي.
يعد الوضع في نهري دجلة والفرات الواقعين بين تركيا وسوريا والعراق من أبرز ما يشهده العالم من أوضاع إشكالية وخلافية ارتباطا بموضوع المياه العذبة، لاسيما وأن المصالح الحيوية للدول الثلاث ترتبط بهذين النهرين لاسيما نهر الفرات، فضلا عما يشهده وضع هذين النهرين من تداخل العوامل والاعتبارات الاقتصادية والإنسانية والقانونية، إلى جانب العوامل السياسية والتي تكتسب أهمية خاصة من وقوع النهرين، والدول المشاطئة لهما في منطقة الشرق الأوسط التي تتسم بحساسية العلاقة بين دولها في ضوء تداخل الأعراق والحدود السياسية.
ويرى البعض أنّ غياب الإطار القانوني الشامل للعلاقات بين الدول الثلاث المشاطئة لهذين النهرين هو السبب الرئيسي في تفجّر هذه المشكلة، في حين يرى البعض أن العوامل السياسية تلعب الدور الأكبر في هذا السياق، لاسيما أن إيجاد مثل هذا الإطار القانوني يعتمد في المقام الأول على توفر الإرادة السياسية لدى الدول الثلاث (العراق وتركيا وسوريا).
وتتمثل الأطر القانونية لاستغلال مياه الأنهار الدولية في مجموعة من المعاهـدات، والأعراف الدولــية، والأحكام القضائية، ودراسات القانون الدولي، وتحدد هذه الأطر مجموعة من القواعد القانونية الدولية أهمها:
1- لكل دولة مشاطئة الحقّ في حصة عادلة ومعقولة من مياه المجرى المائي الدول.
2- وجوب احترام الحقـوق المكتسبة الناجمة عن الاستخدامات القائمة لمياه المجرى المائي الدولي.
3- عدم جواز قيام أية دولة مشاطئة بإجراءات أو إنشاءات على المجرى المائي الدولي أو فروعه، إلاّ بعد إخطار الدول المشاطئة معها والتوصل إلى اتفاق معها بشأن ذلك.
4- عدم جواز إلحاق الضرر بالدول المشاطئة الأخرى، سواء من حيث كمية المياه أو نوعيتها.
5- وجوب التبادل المستمر للمعلومات والبيانات بين الدول المشاطئة في كل ما له علاقة بمياه المجرى المائي المشترك.
يعد نهرا دجلة والفرات نهرين دوليين بالمعنى المذكور آنفا، إذ يمران عبر أراضي دول ثلاث هي سوريا، وتركيا، والعراق، وقد بدأت جهود التأطير القانوني لوضع النهرين منذ أوائل الستينات بدعوة من العراق، الذي دعا كلاً من سوريا وتركيا للدخول في مفاوضات ثلاثية، بغية التوصل إلى اتفاق ثلاثي يضمن حصص البلدان الثلاثة في مياه النهرين طبقاً لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية، وهناك عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التي نظّمت بعض أوجه استغلال النهرين، فقد أفردت اتفاقية (لوزان)، المعقودة بين دول الحلفاء وتركيا في تموز 1923 مادة خاصة شاملة لهذا الموضوع وهي المادة (109) التي نصّت على ما يلي ( عند عدم وجود أحكام مخالفة، يجب عقد اتفاق بين الدول المعنية، من أجل المحافظة على الحقوق المكتسبة لكل منها، وذلك عندما يعتمد النظام المائي، فتح القنوات، الفيضانات، الرّي، البزل، والمسائل المماثلة، على الأعمال المُنفذة في إقليم دولة أخرى، أو عندما يكون الاستعمال المائــي في إقليــم دولـة ومصادر هذه المياه في دولة أخـرى بسبب تعيين حدود جديدة، وعند تعذّر الاتفاق تحسم المسألة بالتحكيم).
في عام 1946 عقدت معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين العراق وتركيا، وقد ألحق بها بموجب المادة السادسة منها، ستة بروتوكولات، عالج أولها موضوع تنظيم جريان مياه نهري دجلة والفرات مع روافدهما بالتأكيد على حق العراق في تنفيذ أية إنشاءات، أو أعمال على النهرين تؤمن انسياب المياه بصورة طبيعية، أو للسيطرة على الفيضانات سواء في الأراضي العراقية أو الأراضي التركيـة، على أن يتحمل العراق تكاليف إنشاءها.
ونصت المادة الخامسة من البروتوكول على ما يلي ( توافق حكومة تركيا على إطلاع العراق على أية مشاريع خاصة بأعمال الوقاية قد تقـرر إنشاءها على أحد النهرين أو روافده وذلك لغرض جعل الأعمال تخدم على قدر الإمكان مصلحة العراق كما تخدم مصلحة تركيا).
وفي عام 1980 وقع العراق وتركيا في أنقرة محضر اجتماع اللجنة العراقية التركية المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني، وقد ورد في الفصل الخامس منه الخاص بالمياه ما يأتي (اتفق الطرفان على انعقاد لجنة فنية مشتركة خلال شهرين لدراسة المواضيع المتعلقة بالمياه الإقليمية خلال مدة سنتين قابلة للتمديد سنة ثالثة، وستدعى الحكومات الثلاثة لعقد اجتماع على مستوى وزاري لتقييم نتائج أعمال اللجنة الفنية المشتركة، ولتقرير الإجراءات التي توصي بها اللجنة الفنية المشتركة للوصول إلى تحديد الكمية المناسبة والمعقولة من المياه التي يحتاجها كل بلد من الأنهار المشتركة).
وقعت تركيا وسوريا عام 1987 اتفاقا مؤقتا قضـى بأن تكون كمية المياه الواردة على الحدود التركية السورية أثناء إملاء سدّ أتاتورك فـي تركيا، بـما لا يقل عن500 ألف متر مكعب في الثانية، وهو الاتفاق الذي يعترض عليه العراق كونه لا يلبي الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في مياه نهر الفرات، كما أنه اتفاق مؤقت بفترة ملء سـدّ أتاتورك.
في عام 1990 وقّــع العراق وسوريــا اتفاقـاً مؤقتاً يقضي بتحديد حصة العـــراق بـ 58% من المياه الواردة في نهر الفرات عند الحدود التركية السورية، وحصة سوريا بـ42% منها، لحين التوصل إلى اتفاق ثلاثي ونهائي حول قسمة مياه الفرات مـع تركيا.
وقد استمرت التوترات في هذه العلاقة مع عدم قيام أي من الدول الثلاثة بأعمال على مجرى النهر، تقلل من كمية المياه المتدفقة فيه إلى أن وصلت أزمة الفرات إلى ذروتها في يناير 1990 ، عندما قامت تركيا بخفض المياه المتدفقة في هذا النهر لمدة ثلاثين يوما لمليء البحيرة التي تكونت خلف سد أتاتورك، الأمر الذي أضر بسوريا والعراق أشد الضرر وكاد الأمر يصل إلى حد المواجهة المسلحة، لولا الجهود الدبلوماسية وضبط النفس الذي مارسته الأطراف المختلفة.
تجدر الإشارة إلى أن الأمور بدأت تتعقد وتأخذ مسارا خطيرا منذ أن بدأت تركيا بتنفيذ مشروع جنوب شرق الأناضول المعروف اختصاراً باسم "جاب".
وتتمثل المشكلة الرئيسية لنهر الفرات، في أن كمية المياه المستهدفة للاستهلاك من قبل الدول الثلاث تتجاوز إجمالي إيرادات النهر بمقدار 17.3 مليار متر مكعب، وبالتالي من المستحيل تلبية الأهداف الاستهلاكية للدول المعنية من النهر بحدود إمكانياته.
ويلاحظ الأمر ذاته بالنسبة لنهر دجلة، حيث تزيد المطالب المائية للدول المشاطئة له عن إمكانيات النهر المائية، وذلك بحدود حوالي 5.8 مليار متر مكعب.
من ناحية أخرى، لابد من الإشارة إلى أن جانبا كبيرا من التوترات التي تشهدها العلاقات المائية بين الدول الثلاثة ترجع إلى اعتبارات فنية ذات صلة مباشرة بالمشروعات التي يجرى تنفيذها لاستغلال مياه النهرين، وبالآثار المترتبة على هذه المشروعات، ومن أهمها: 
مشروع جنوب شرق الأناضول ـ GAP:
يعد هذا المشروع محور جهود تركيا الرامية إلى ضمان إمدادات المياه، وهو يتكون من 22 سدّاً و 19 محطة كهرومائية وعدد من الأنفاق والقنوات والمشاريع الإروائية.
وقد باشرت تركيا بإنجاز أهم مرتكزات هذا المشروع، فأنشأت على نهر الفرات سدّ كيبان عام 1974 وسدّ قرقايا عام 1986، وفي عام 1990 أنجزت سد أتاتورك، وهو من السدود الكبيرة في العالم، إذ تبلغ طاقته الخزنية بحدود 48 مليار متر مكعب.
وفي عام 1994 أكملت تركيا المرحلة الأولى من مشروع لأطول نفق إروائي من نوعه في العالم "نفق أروفة"، الذي يأخذ المياه من خزّان سدّ أتاتورك إلى مسافة بعيدة لإرواء أراضٍ تقع خارج نطاق حوض الفرات.
ويجري حالياً إنشاء سدّين جديدين على نهر الفرات وعلى مقربة من الحدود التركية السورية، هما سدّ "بيره جك" ،و سدّ "قرقاميش"، حيث سيتاح لتركيا بعد اكتمال هذين السدّين التحكّم شبه المطلق بمياه النهر.
أمّا على نهر دجلة فقد أنجزت تركيا في عام 1997 سدّي "كيرال كيزي ودجلة" على روافد النهر، وأعلنت عن مباشرتها إنشاء سدّ "ألي صو" على المجرى الرئيس للنهر.
وتشير التقارير المنشورة عن مؤسسة مياه الدولة التركية الى أن إجمالي الأراضي المروية حاليا ضمن مشروع" GAP" تبلغ حوالي 14500هكتار فقط، منها 8 آلاف هكتار ضمن حوض نهر الفرات و 6.5 آلاف هكتار ضمن حوض نهـر دجلة.
وتستهدف تركيا إرواء 1,091 مليون هكتار ضمن حوض نهر الفرات و 0,602 مليون هكتار ضمن حوض نهر دجلة.
علماً بأن هناك مساحة قدرها حوالي 537 ألف هكتار شمال سدّ أتاتورك تروى من نهر الفرات، وبذلك يبلغ مجموع المساحة المقرّر إرواؤها في التطوير الكامل لمشاريع التخزين والري على حوض الفرات في تركيا 1.628 مليون هكتار.
وتنبع الاعتراضات السورية العراقية على هذا المشروع من اعتبارات عدة، فعلى سبيل المثال يرى العراق أن تركيا تنكرت لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين العراق وتركيا عام 1946 ، والتي ألزم البروتوكول الأول منها الملحق بالمعاهدة على أن توافق تركيا على اطلاع العراق على أية مشاريع خاصة تقرر إنشائها على نهري دجلة والفرات أو روافدهما لتلافي الآثار والأضرار المحتملة لتلك المشاريع. 
مشروع أنابيب السلام:
ومنذ عام 1987 برز الطرح التركي لمشروع أنابيب مياه السلام والذي تم طرحه بعد بدء مسيرة التسوية السلمية في الشرق الأوسط ونتيجة إلى سلسلة من الزيارات المتبادلة بين المسئولين الأتراك والإسرائيليين، ظهر إلى الأفق ذلك المشروع والذي مفاده، أن تبيع تركيا مياه نهري كيهان وسيهان التي تنبع من منطقة (مناوجات) وتصب في البحر المتوسط دون الاستفادة منها، ويتم ذلك بشحنها عبر البحر في صهاريج بحرية ضخمة، والذي بدأ عملياً مع إسرائيل، أو ضخها بواسطة خطي أنابيب احدهما يتجه غرباً عبر سوريا والأردن وإسرائيل ثم الحجاز، بينما الآخر يتجه شرقاً إلى العراق والكويت وشرق السعودية وقطر والبحرين والإمارات وهذه الفكرة ممكنة من الناحية التقنية، وتروج تركيا لهذا المشروع من خلال صيغة درج على تسميتها "المياه مقابل النفط".
وعلى الرغم مما يراه بعض المحللين من وجاهة في ذلك المشروع، إلا أنه قد أثار قلق وحفيظة كل من سوريا والعراق، لاسيما بسبب الخوف من تأثيرات ذلك السلبية على منسوبات المياه في نهرى دجلة والفرات، وتحاول تركيا دائما تهدئة المخاوف السورية العراقية في هذا السياق من خلال التأكيد المستمر على أنه لا توجد أية علاقة بين مشروع سد أتاتورك وفكرة إنشاء نهر صناعي لتزويد دول الخليج بمياه الشرب من تركيا، وأن المشروع يرتكز على جر المياه المطلوبة من نهر السيحان والجيحان.
ويمكن القول أن المخاوف أو الاعتراضات السورية العراقية في هذا السياق، لا ترتبط فقط باعتبارات فنية خاصة بحصص وتقسيم مياه دجلة والفرات، وإنما ترتبط في جانب كبير منها بقضايا سياسية الطابع، لاسيما ما يتعلق منها بالدور الإقليمي لتركيا وما سيعطيه لها مثل هذا المشروع من مقبولية بين دول الخليج العربي، وهو ما سيزيد أيضا من التفرد التركي الواضح بالأمن المائي للمنطقة، وإعطاء تركيا دوراً فاعلاً لتصبح المنطقة برمتها تحت سيطرة تركيا المائية.
ومن ناحية أخرى، من شبه المؤكد أن إسرائيل ستكون طرفا أساسيا في هذا المشروع، وهو ما كان يعد مسألة مرفوضة لسوريا والعراق في وقت من الأوقات في ظل توجهات السياسة الخارجية لكل منهما. 
نهج التعامل الدول الثلاث مع مسألة المياه في نهري دجلة والفرات:
يمكن من خلال القراءة السريعة لمواقف وسياسات الدول الثلاث المعنية بالمسألة المائية لنهرى دجلة والفرات القول بأن موقف كل منها يرتكز على مجموعة من الثوابت الوطنية التي تبلورت من خلال سلوكياتها تجاه التطورات المختلفة لهذه المسألة، ومن ناحية أخرى يمكن ملاحظة أن هناك قدر كبير من التقارب في الموقفين السوري والعراقي (على الرغم من عدم انطباق ذلك على مجمل العلاقات فيما بينهما)، في مواجهة الموقف التركي الذي ينبني على مجموعة مختلفة من المنطلقات، وهذا ما يمكن تفسيره في ضوء اختلاف المصالح الوطنية بين الجانبين.
و يمكن تلخيص أهم ثوابت الموقف التركي في النقاط التالية:
1-تعتبر تركيا أن نهرى دجلة والفرات يتميزان بخصائص تجعلهما يختلفان عن العديد من المجارى المائية الأخرى في العالم، وأنهما ليسا نهرين دوليين بالمعنى المتعارف عليه، بل يندرجان في إطار ما يمكن اعتباره "مياهاً عابرةً للحدود".
2- تركز تركيا على مبدأ الانتفاع المنصف وتعتبره المبدأ الأكثر قبولا في القانون الدولي في مجال تخصيص مياه نهر عابر للحدود، كما يلقى مبدأ عدم إحداث ضرر بالغ أيضا تأييدا واسعا في هذا السياق.
3- من ناحية أخرى تدعو تركيا كلاً من سوريا والعراق إلى مشاركتها في إعادة النظر في السياسات الداخلية، واتخاذ تدابير تمنع هدر المياه وخاصة تطبيق نظام التسعير المعقول للمياه، كما تدعو إلى معالجة مياه الصرف وإعادة استعمالها.
4- تطالب تركيا بضرورة الأخذ بمعايير مشتركة بين البلدان الثلاثة في تخصيص مياه حوض الفرات ودجلة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تركيا تحاول اعتبار دجلة والفرات حوضا واحدا استنادا إلى اشتراكهما عند المصب في مجرى واحد وإلى اتصالهما عن طريق الثرثار الصناعية. 5- تتجه تركيا في الكثير من الأحيان التي تثار فيها قضية تقاسم المياه إلى الارتكان لمبدأ السيادة المطلقة، مؤكدة أن على أن أنقرة لها السيادة المطلقة على ثروتها الوطنية ومنها هذين النهرين اللذين ينبعان من أراضيها، ويعتبران ثروة طبيعية تركية صرفة مثلما هو النفط المتدفق من الأراضي العراقية والسورية ثروة خاصة بهما، وفي هذا الجانب لا تفرق تركيا بين الثروة الطبيعية الثابتة والموجودة تحت سطح الأرض، والتي هي داخل السيادة الوطنية لتلك الدول والثروة الطبيعية المتحركة والجارية.
6- ومن الجدير بالذكر أن هذا المبدأ قد تراجع دوليا ليحل محله مبدأ السيادة المطلقة والتكامل المقيد في استغلال مياه الأنهار، فالقانون الدولي العام ينص على عدم الإضرار بالآخرين وحل النزاعات حول مياه الأنهار المشتركة بالطرق السلمية، إضافة إلى أن اقتسام مياه الأنهار يجب أن يتم بشكل عادل ومقبول لجميع الدول المشاطئة له.
7- ربط العلاقات المائية بالملفات السياسية خاصة لواء الاسكندرون والأكراد وغيرها، الأمر الذي اتضح غير مرة في منظومة التفاعلات بين الدول الثلاثة، فعلى سبيل المثال يقوم الطرح التركي على أن التوصل إلى أي اتفاق حول تقسيم المياه يجب أن يشمل كافة الأنهار المشتركة بينهما، وتعني بهذا الطرح نهر العاصي الذي ينبع من الأراضي السورية، ويصب في البحر المتوسط بالقرب من لواء الاسكندرون، الذي ضمته تركيا إلى أراضيها في منتصف العقد الثالث من القرن الماضي، الأمر الذي سيتم تفسيره وكأنه اعترافاً رسمياً بالسيادة التركية على الاسكندرون.
ومن الملاحظ أن القضايا التي تصر تركيا على ربط مسألة المياه بها هي من قبيل التوترات المزمنة في العلاقات بين سوريا والعراق من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وفي ظل لعبة التحالفات الدولية وبغياب الركائز المنطقية لضمان علاقات دبلوماسية طبيعية، فإن مشكلة المياه تتغير حسب المصالح الأمنية والتجارية للأطراف المختلفة. 
ومن الممكن إجمال أهم ثوابت الموقف السوري العراقي في :
1-تركز البلدان على مبدأ الحقوق المكتسبة ومبدأ عدم الإضرار بالغير من الدول المشاطئة لمجرى المياه الدولية، كما تدعو سوريا دائما إلى تحكيم الهيئات الدولية المختصة مثل محكمة العدل الدولية في القضايا المتنازع عليها، والتي لا يمكن التفاهم حولها بالحوار، وقدمت سوريا في أواسط السبعينات بوساطة من البنك الدولي اقتراحا باقتسام المياه بين البلدان الثلاثة بنسبة الثلث لكل منها.
2- يرفض الجانبان السوري والعراقي مفهوم "المياه العابرة للحدود"، باعتباره مفهوما خاطئاً يشكل خروجا على الشرعية والإجماع الدوليين، كما أنه لا مؤيد قانونيا له ولا يشكل نظاما قانونيا مستقلا، بل يندرج تحت مفهوم المجاري المائية الدولية.
3- تتمسك الدولتان بالانفصال بين نهري دجلة والفرات، انطلاقا من مما ورد في الفقرة (أ) من المادة الثانية من قانون استخدام المجاري الدولية في الأغراض غير الملاحية والتي ورد في مذكرة الشرح الخاصة بها "أن كون حوضي صرف مختلفين يتصلان بواسطة قناة لا يجعل منهما جزءا من مجرى مائي واحد"، وهذا ما ينطبق تماما على حالة حوضي دجلة والفرات من النواحي الجغرافية والطبوغرافية.
وترى سوريا والعراق أن الإصرار التركي على اعتبار حوضي دجلة والفرات حوضاً واحداً إنما يرجع إلى أن ذلك يبرر تعويض سوريا والعراق بحصتهما من مياه الفرات بحصة أكبر من مياه نهر دجلة، بغض النظر عن منطق السيادة الوطنية والمردود السلبي للنقص الحاد في مياه نهر الفرات وانعكاساته على المشاريع الزراعية على ضفاف ذلك النهر في دول المجرى والمصب، وكذلك تعتبرهما حوضاً واحداً من أجل تعويم المشاريع الكثيفة والمقامة في أعالي نهر الفرات مقابل قلتها على نهر دجلة.
هناك العديد من علامات الاستفهام حول حدود الالتزام الدول الثلاث بالمبادئ القانونية المستقرة في التفاعلات المائية المرتبطة بنهري دجلة والفرات، ففيما يتعلق بمبدأ الاستعمال المنصف للمياه، يشير المراقبون بأن عدد السدود المقامة على نهر الفرات يفوق حاجة تركيا من المياه والطاقة الكهربائية.
أما فيما يتعلق بمبدأ الاستعمال البريء بالمعنى الذي سبقت الإشارة إليه، فمن المعروف مثلا أن مشروع السدود الذي تقيمه تركيا يحقق لها مجموعة من الأهداف غاية في الأهمية، منها توفير المياه اللازمة لريّ ما يعادل 20% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية، وإنتاج المزيد من الطاقة الكهربائية، وتوفير العديد من فرص العمل، وزيادة الإنتاج السمكي من بحيرات المشروع، وزيادة الصادرات الزراعية، إلا أنه وفي المقابل لهذا المشروع أثار غاية في السوء بالنسبة لكل من سوريا والعراق لاسيما لجهة التأثير السلبي على كمية ونوعية المياه التي تحصل عليها البلدان، وهنا قد يكون من المفيد التذكير بأن قيام تركيا بخفض معدل تدفق معدل نهر الفرات لملء بحيرة سد أتاتورك أدى إلى حالة من الجفاف في سوريا، وأدى إلى فقدان سوريا لأكثر من ثلث إنتاجها الزراعي المعتاد في ظل عدم كفاية نهري اليرموك و العاص.
وفي هذا السياق يرى البعض أن تركيا تتصرف وكأنها الوحيدة التي تمتلك خططا للتنمية المائية والزراعية، الأمر الذي يزيد من تعقد العلاقات بين الأطراف الثلاثة، وضاعف من مشكلات الإدارة والتوزيع وتخطيط التنمية بين الدول الثلاثة.
واستناداً إلى المعطيات القانونية دولياً فهناك لوائح تنظم كمية وسعة المياه التي تمر بين الدول المتشاطئة، ولا يوجد مبرر قانوني يسمح لتركيا أن تتحكم في المياه التي تنبع من أراضيها وتجري عبر دولٍ أخرى، والتصرف فيهاً طبقاً لمصالحها دون مراعاة حقوق هذه الدول بعد أن ثبت وبموجب الاتفاقية الدولية الموقعة عام 1997، والخاصة باستخدام المجاري المائية الدولية لأغراض ملاحية والتي حددت المجرى المائي الدولي بأنه المجرى الذي تقع أجزاؤه في دول مختلفة وهذا بدوره يؤكد الصفة الدولية لنهري دجلة والفرات. 
المياه والعلاقات العراقية التركية :
على الرغم من العلاقات التجارية المتميزة بين العراق وتركيا، لا تزال الخلافات المائية مثاراً للجدل، ولم يتوصل العراق إلى تسوية مرضية تضمن حقوقه المائية المكتسبة مع تركيا، وانخفض تدفق مياه نهر الفرات بعد إنجاز القسم الأكبر من منشآت الـ GAP من 18 مليار م3 سنويا إلى 9 مليارات م3 سنويا، بعد اتفاقية عام 1987 التي سميت بقاعة الـ (500 م3/ ث بين تركيا وسوريا)، وحاجة العراق الفعلية تقدر بـ 13 مليار م3 سنويا، مما أدى إلى الإضرار بخطط التنمية الزراعية, خاصة في تعاقب موجات الجفاف التي اجتاحت المنطقة في السنوات الأخيرة.
لم تستجب تركيا لنداءات العراق المتكررة، بشأن زيادة حصته من مياه الفرات والتي لا تتناسب وحجم التطور التنموي والديمغرافي، وقد أخفقت جميع المحاولات، التي قام بها لعقد اتفاقات منفردة مع تركيا، حيثُ تحاشت الأخيرة عقد مثل هذه الاتفاقيات، حتى لا تضطر لمثيلتها مع الجانب السوري، أو لوجوب مرورها عبر البوابة السورية لتأخذ طريقها للتنفيذ، وحينها لابد من دفع ضريبة المرور حينها (ستطالب سوريا بزيادة حصتها أو تقاسم حصة العراق).
وعوضاً عن ذلك طالبت تركيا العراق بجدولة مياه نهري دجلة والفرات في حساب الحصص، وهي الطريقة ذاتها التي اعتمدتها مع سوريا، خاصةً أن العراق يمتلك قناة الثرثار القادرة على تعويض النقص بمياه الفرات عبر مياه دجلة ( يعتقد بعض خبراء المياه أن قيام العراق بحفر قناة بين نهري دجلة والفرات قد مهد الطريق للمطالبة التركية بجدولة مياه النهرين، واعتبارهما حوضا واحداً ).
ولا أتفق مع ذلك لأن العراق كان ولا يزال بحاجة ماسة لتلك القناة، ويمكن دحض الحجَّة التركية بشأن (اعتبار نهري دجلة والفرات حوضاً واحداً، نتيجة وجود قناة فيما بينهما ) من خلال النقاط أدناه:
1-إن هذه القناة تقوم فقط بخدمة الجزء الثاني من حوض الفرات في العراق، أما المسافة الممتدة (الجزء الأول) بين الحدود السورية وسد القادسية الذي يقع على نهر الفرات والبالغة 120 كم فإنها لن تستفيد من عملية التحويل.
2-إن مياه بحيرة الثرثار الواقعة على نهر دجلة ذات ملوحة عالية، وقد تسبب الإساءة لنوعية المياه في نهر الفرات خاصةً أن الترب الزراعية العراقية ترب طينية كتيمة، مما يؤدي إلى تملح الأراضي الزراعية وخروجها من حيز الإنتاج.
3-استغل سكان وادي الرافدين الخاصية الطبيعة الجغرافية لنهري دجلة والفرات وهي، ارتفاع وادي الفرات عن وادي دجلة تارة وبالعكس تارة أخرى "أن نهر دجلة في قسمه العلوي، يجري بمناسيب تعلو على مجرى نهر الفرات، وحين يصل إلى بغداد ينخفض عن نهر الفرات بسبعة أمتار تقريباً، ثم إذا سرنا جنوباً يعود فيصبح بالقرب من الكوت أعلى من نهر الفرات من جديد".
وهنا ينحدر شط الغراف الذي يأخذ من الضفة اليمنى لنهر دجلة وينتهي إلى نهر الفرات عند الناصرية، وهذه الخصائص تساعد على تأمين الري من النهر الواحد والصرف إلى النهر الأخر بالتناوب، بحيث يمكن شق جداول عديدة بين النهرين تمتد بصورة موازية لجريانها بالنسبة للنهرين، وهذا يتوقف على المنطقة التي تقع فيها هذه الجداول " شق سكان وادي الرافدين أنهاراً عظمى من نهر الفرات إلى نهر دجلة ( وبالعكس ) كانت تروي أراضٍ واسعة، وقد استفاد العباسيون من بعضها بعد تطهيرها"، على سبيل المثال النهر القديم الذي سموه بنهر "عيسى"، وكان اسمه في زمن البابليين ( قنال انليل )، أو ( باني انليل ) ولا تزال آثاره ماثلة قرب خرائب ( عقرقوف. (
يرفض العراق المطالبة التركية ويعتبرها تدخلاً فضاً في سيادته الإقليمية، وإن مشاريع الري داخل العراق تعد شأناً داخلياً وغير قابل للمساومة، وهذا ينسجم مع ما أقرته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في 17 حزيران 1997 في مادتها الخامسة التي تنص على، حق دول المجرى المائي بأن تنتفع كل في إقليمها بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة، ويتوجب عليها التعاون في حمايته وتنميته، وبما أن العراق يقع في أسفل المجرى المائي فإن إجراءه لا يؤثر على دول المجرى ويتفق ومضمون تلك المادة، بالإضافة إلى ذلك فإن العراق لم يغير من مجرى النهرين وإنما عمل على إعادة مجاري القنوات القديمة (الحضارات القديمة) بين النهرين، وبالتالي فإن الحجّة التركية ليس لها ما يبررها أو يسندها على المستوى القانوني.
باشرت تركيا بإقامة منشآتها المائية على نهر دجلة يقدر عددها بـ 8 منشآت، وهذه السدود ستعمل على تخفيض كمية المياه المتدفقة تجاه العراق إلى حدود 50% ، كما قامت إيران بتشييد سدود مماثلة على روافد دجلة التي تجري من أراضيها، مما قلل من إجمالي إيراد النهر بنسبة 60 إلى 70% من المياه الواردة من الأراضي الإيرانية تجاه الأراضي العراقية، في حين أن ما تبقى من إيرادات النهر ترفد عبر الأراضي العراقية، وتسبب هذا الوضع الخطير بالضرر بالزراعة والسكان في العراق.
وبالرغم من أن العراق يمتلك عدداً لا بأس من الخزانات المائية والسدود على نهر دجلة فإنها غير قادرة على تعويض النقص على المدى البعيد، مما أخل بالموازنة المائية التي اتبعها العراق بشأن تعويض نقص المياه في نهر الفرات خاصةً أنه لم يستكمل مشاريعه المائية الإستراتيجية على نهر دجلة وبشكل خاص مشروعي سدي بخمة وبادوش، حيث انتهت المرحلة الأولى لسد بخمة في أوائل 1990 ،لكن العمل بالمشروع توقف بعد الحرب الخليجية الثانية، وكان من المفترض أن يزيد من الطاقة التخزينية المائية للعراق في حال استكماله لنحو 130 مليار م3.
تلوث مياه الفرات منذ أن باشرت تركيا بمشروعها "الكاب" المتضمن إقامة 21 سداً و 19 محطة كهرومائية لاستصلاح 1.9 مليون هكتار، تسببت بالإضرار في نوعية المياه الجارية إلى كل من سوريا والعراق، والمتضرر الأكبر هو العراق باعتباره دولة المصب، ويرى العراق، أن المنشآت التركية أثرت سلباً على 1.3 مليون هكتار من الأراضي الزراعية أي 40% من الأراضي الصالحة للزراعة، واجبر العراق على إغلاق 4 مجمعات لتوليد الطاقة الكهرومائية تنتج 40% من الطاقة الكهربائية. 
الخلافات التقنية- الزراعية بين تركيا والعراق :
تعتقد تركيا أن مطالبات العراق بزيادة حصته من المياه، لا تستند لأسس العلوم الزراعية، لأن حصصه المائية المقررة كافية لمشاريعه التنموية والزراعية، إن أحسن استخدامها تبعاً لمبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
ولكن على تركيا أن تحدد حصص مائية منصفة ومعقولة للعراق مقابل سوء إدارة الملف المائي في العراق منذ عقود ولغاية الآن، يتطلب أن تراعي تركيا ما يمر به العراق من حالة عدم استقرار سياسي وأولويات التوظيفات المالية في المشاريع التنموية التي تمس حياة المواطنين المعيشية، وعدم استغلال الظروف اللا طبيعية التي يمر بها العراق للمساهمة بمزيد من الفقر والجوع والتصحر.
تكمن الأزمة والخلاف حول نوعية المياه المتدفقة، إضافة إلى نظام الحصص حيث تصر كلٌ من سوريا والعراق على زيادة حصتيهما المائية من 500 م3 / ث إلى 700 م3/ ث، فالخلاف يدور حول 200 م3 / ث ، أي ما يعادل 6.3 مليار م3 سنويا.
وترجع هذه المطالبة إلى ازدياد عدد السكان في كل من سوريا والعراق والزيادة المائية المطلوبة لسد حاجة 6.5 مليون نسمة يعملون في الحقل الزراعي، في حين أن تركيا تصر على التمسك باتفاقيتها مع سوريا 500 م3/ ث لعام 1987 ، 15.768 مليون م3 سنوياً ، والذي لم يكن العراق طرفاً فيها.
ويؤكد الجانب السوري، بأن اتفاقية عام 1987 كانت مرحلية لحين الانتهاء من ملء خزان أتاتورك، ومن ثم العودة إلى معدل التدفق السابق والبالغ 700 م3 / ث أو الشروع بمفاوضات تضمن حصصاً عادلة لدول الحوض.
صرح (هسنو بوراز)معاون وزير الدولة لشؤون الزراعة التركي قائلاً " على الرغم من أن العراقيين والسوريين يطالبون بتدفق مائي قدره 700 م3 /ث، فنحن نعلم أن كمية 500 م3/ ث ستكون أكثر من كافٍ".
وسبق أن ضمنت هذه الكمية لهم، فحجم المياه المتوفرة في سد الطبقة السوري إضافة إلى كمية الـ 500 م3 / ث من تركيا ستكون أكثر من كافية لاحتياجاتهم.
تعتقد تركيا أن نهري دجلة والفرات عابران للحدود ولا يخضعان للقانون الدولي حول الأنهار الدولية.
وعلى خلافه جاء في تقرير لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة للعام 1993 ما يلي " لا يوجد أي خلاف جوهري حول مفهوم الأنهار الدولية والأنهار العابرة للحدود وشمولها بالقانون الدولي حول الأنهار الدولية".
إضافة إلى إسقاط تعابير قانونية لا تتفق والطبيعة الجغرافية لنهر الفرات، ولا المعايير الدولية كمفهوم ( الأنهار العابرة للحدود) بدلاً من (الأنهار الدولية ) و ( الاستخدام الأمثل) و (التوزيع المنصف والمعقول) بدلاً من ( توزيع الحصص)، وهذا التلاعب بالمفاهيم القانونية لا يشكل حجَّة قانونية مقنعة في الفقه القانوني الدولي.
تعتبر كلاً من سوريا والعراق " بأن نهري دجلة والفرات نهران دوليان، وتبعاً لذلك، تطالبان بحصة من مياههما، ومن الناحية الأخرى، فتركيا لا تقَّر بالطبيعة الدولية لهذين النهرين وتتحدث فقط عن انتفاع عقلاني وأمثل للحوض النهري العبر حدودي الوحيد والفريد، أو عن المياه عبر حدودية أو المياه العابرة للحدود، زد على ذلك، أن تركيا ترى أن الاستخدام اللا محدود لهذه المياه طبقاً لا حتياجاتها هو حقها الطبيعي الأكبر".
الآثار السلبية المتوقعة على العراق بعد بناء سد اليسو
يقع سد اليسو في منطقة دراغيجيتين على بعد حوالي 45 كم من الحدود السورية، ويعتبر سد اليسو من نوع السدود الإملائية الركامية، حيث يبلغ منسوب قمته حوالي 530 ، أما منسوب الخزن الفيضاني الأعلى 528 والخزن الاعتيادي للسد 525 . 
ويستطيع خزن كمية من المياه تقدر بـ 11,40 مليار متر مكعب، وتبلغ مساحة بحيرة السد حوالي 300 كم2 ، وتبلغ طاقة المحطات الهيدرو كهربائية الملحقة بالسد من حوالي 1200 ميجا وات ، وبطاقة سنوية تبلغ 3830 كيلو وات ، وعند اكتمال السد سوف ينخفض الوارد المائي 9,7 مليار متر مكعب سنوبأ ، تمثل حوالي 47 % من الواردات السنوية لنهر دجلة . 
الآثار السلبية المتوقعة على العراق بعد اكتمال بناء سد اليسو:
1- انخفاض مساحة الأراضي الزراعية بسبب انخفاض واردات المياه، حيث تبلغ مساحة الأراضي الزراعية التي سوف تعاني من نقص المياه حوالي 696,000 هكتار من أجود الأراضي الزراعية، والتي يعتمد العراق عليها، والممتدة من أقصى شمال العراق حتى جنوبه على ضفاف نهر دجلة، خاصة بعد انخفاض واردات المياه لنهر الفرات بسبب مشروع (GAP) التي أثرت على الأراضي الزراعية في غرب العراق والفرات الأوسط ، وازدياد معدلات الملوحة في التربة التي تعاني من مشاكل الملوحة المزمنة .
2-الأضرار البيئية التي تنتج عن تقلص رقعة الأراضي الخضراء والمراعي الطبيعية وزحف ظاهرة التصحر نحو مناطق كانت في منأى من هذا الخطر، التي بدورها سوف تنعكس على الطقس في العراق من خلال تكرار العواصف الرملية .
3-على الناحية السكانية سوف يحرم سد أليسو أعداد كبيرة من السكان من مياه الشرب أسوةً بالذين حرمهم مشروع (GAP) في غرب ووسط العراق، أما في سد اليسو سوف يأخذ تأثير مدى أبعد، حيث يمتد إلى شمال العراق, إضافة إلى مشاكل الصرف الصحي الناتجة عن نقص المياه، كما يؤدي انخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة إلى تلوث نوعية المياه بعد استكمال بناء شبكات الصرف الصحي في المدن الواقعة على نهر دجلة، كما في نهر الفرات حيث بلغت نسبة التلوث حوالي 1800 ملغ /لتر في حين أن المعدل العالمي حوالي 800 ملغ لتر .
4-تغير نمط معيشة السكان، حيث أن انخفاض موارد المياه تدفع المزارعين إلى ترك مهنة الزراعة والهجرة نحو المدن والتجمعات السكنية، حيث أن هذه الهجرة تؤدي إلى تغيير أنماط العمل الاقتصادي إلى أنماط غير منتجة من العمل الاقتصادي، وتؤدي أيضاً إلى تدهور المراعي الطبيعية إلى تراجع في أعداد الثروة الحيوانية المنتجة اقتصادياً ( الأبقار والأغنام) .
5- التأثير في عملية إنعاش الأهواز، حيث أن عملية إنعاش الأهواز تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وذلك للمساعدة في عملية إحياء هذا النظام البيئي الطبيعي المتميز, حيث أن انخفاض واردات المياه في نهر دجلة وبكميات كبيرة، إضافة إلى النقص في نهر الفرات بسبب المشاريع التركية السابقة (انخفاض واردات الفرات بنسبة 90% )، سوف تؤدي إلى جفاف الأهواز الطبيعية أو تلوثها لأن المياه الآتية من نهر دجلة سوف تكون غير صالحة لإنعاش الأهواز، بسبب التلوث الذي يحصل بهذه المياه جراء انخفاض مناسيبها وارتفاع نسب الملوحة في نهر دجلة، حيث أن أراضي العراق تعاني من مشكلة تملح التربة والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لغسلها وإزالة الأملاح.
6- يؤدي انخفاض مناسيب نهر دجلة إلى توقف العمل في منظومات الطاقة الكهرومائية المقامة على طول نهر دجلة ( سد الموصل, سد سامراء)، الأمر الذي يؤثر على النشاط الصناعي والبني التحتية ( محطات تصفية المياه ، مصافي النفط ، المستشفيات )، التي تعتمد على الطاقة الكهربائية في أداء أعمالها .
7-كما يؤدي إلى انخفاض مناسيب الخزانات الطبيعية التي يعتمد العراق عليها في عملية خزن المياه والاستفادة منها في مواسم الجفاف مثل بحيرة الثرثار, الحبانية، وبالتالي يجعل العراق في عوز مائي خطير.
8-يمتد تأثير إقامة تركيا لسدودها على مجاري الأنهار حتى شمال الخليج العربي، حيث أثبتت دراسة أجريت في الكويت عن تأثر مناطق شمال الخليج ومناطق صيد الأسماك والروبيان بمجاري الأنهار العراقية دجلة والفرات والأنظمة الطبيعية كالأهواز، التي تعتبر محطة انتقالية لأسماك بحرية تتخذ من أنهار العراق وأهوازه أماكن للتكاثر ثم الهجرة إلى مياه الخليج العربي. 
موقف القانون الدولي فيما يخص إنشاء سد أليسو:
فقد عرفت اغلب الاتفاقيات الدولية خاصة بالأنهار الدولية النهر الدولي أو مجرى الدولي (حيث يعرف النهر الدولي وفقاً لقانون الأنهار الدولية إذا كان حوضهُ يمر في أقاليم دول مختلفة وبهذه الحالة تباشر كل دولة سيادتها على ما يمر في أقاليمها مع مراعاة مصالح الدول الأخرى التي يمر بها النهر الزراعية والصناعية والسكانية(.
كما أن اتفاقية قانون المجاري الدولية غير الملاحية لعام 1997 حددت في مادتها (11) آلية التعاون بشان التدابير المزمع إقامتها فقد نصت المادة على، (تتبادل دول المجرى المائي المعلومات وتتشاور مع بعضها البعض، وتتفاوض حسب الاقتضاء بشأن التدابير المزمع اتخاذها على حالة مجرى دولي مائي).
كما نصت المادة(12) المتعلقة بالأخطار المحتملة للتدابير المزمعة اتخاذها التي يمكن أن يكون لها أثر ضار، حيث نصت هذه المادة على، (قبل أن تقوم دولة من دول المجرى المائي أو أن تسمح بتنفيذ تدابير مزمع اتخاذها يمكن أن يكون لها أثر ضار ذو شأن على دول أخرى من دول المجرى المائي, عليها أن توجه إلى تلك الدولة أخطاراً بذلك في الوقت المناسب ويكون هذا الإخطار مصحوباً بالبيانات والمعلومات التقنية المتاحة بما في ذلك نتائج أي عملية لتقييم الأثر البيئي من أجل تمكين الدولة التي يتم إخطارها من تقييم الآثار المحتملة للتدابير المزمع اتخاذها).
غير أن تركيا لم توجه أي إخطار إلى العراق بالتدابير التي تريد إقامتها على مجرى الأنهار الدولية دجلة والفرات (على حد علم الباحث) بذلك لم تعطي الجهات المختصة في العراق الفرصة في تقدير مخاطر إنشاء سدودها على الأنهار.
إن عدم التزام تركيا بالاتفاقات الدولية أنما ينبع من نظرتها وموقفها القانوني شأن الأنهار، حيث أن تركيا لا تعتبر نهري دجلة والفرات من الأنهار الدولية بل هي أنهار عابره للحدود بموجب المفهوم التركي، لذا فان تركيا تعتبر الاتفاقات الدولية بشأن الأنهار الدولية غير منطيقة على نهري دجلة والفرات، كما تعتبر بموجب مفهوم الأنهار العابرة للحدود ثروة طبيعية تركية صرفة مثلما هو النفط المتدفق في أراضي العراق ثروة خاصة، وهو ما أكده تصريح رئيس الوزراء التركي الأسبق ( مسعود يلماظ ) حين صرح، ( إن المياه نفطنا وان كان هناك من يرضى باقتسام نفطه مع الآخرين فتركيا على استعداد لاقتسام مياهها، وتركيا من هذا الجانب لا تفرق بين الثروة الطبيعية الثابتة والموجودة تحت سطح الأرض، والتي هي داخل السيادة الوطنية لتلك الدولة والثروة الطبيعية المتحركة والجارية الخاضعة للقسمة، والمشاركة بموجب قوانين دولية صادرة من هيئات عالمية) .
ورغم أن العديد من لجان القانون الدولي كلجنة (ILC) الصادرة في عام 1993 التي أوضحت انه لا يوجد اختلاف جوهري بين مفهومي النهر الدولي والنهر العابر للحدود, كما أن اعتراف تركيا باستقلال كل من العراق وسوريا عن السلطنة العثمانية عام 1920 بموجب معاهدة سيفر، وبذلك يجعل نهري دجلة والفرات نهرين دوليين وذلك لمرورهما بأقاليم دول مستقلة ومتعددة ومعترف بها من قبل تركيا وبموجب معاهدة دولية.
أن مسارعة تركيا في عملية بناء سدود على نهري دجلة والفرات تعود إلى أسباب عديدة منها :-
1-فرض أمر واقع على الدول المتشاطئة معها لا تستطيع تغييرها بعد حين، حيث أن استغلال تركيا للواقع السياسي الذي يخيم على منطقة الشرق الأوسط وعدم الاستقرار الذي يعاني منه العراق، حيث أوصى مجلس الأمن القومي التركي مؤسسات الدولة المعنية بالأمر بالتنسيق فيما بينها والعمل على تسريع انجاز المشاريع والسدود الجاري بنائها الآن (13 سد على نهر الفرات, 8 سدود على نهر دجلة) بحلول عام 2023 .
2-تحقيق تنمية اقتصادية واسعة في مناطق تركيا الفقيرة الواقعة جنوب شرق نهر الأناضول ومحاولة تصحيح الاقتصاد التركي، والذي يعاني من التضخم وسوء الإدارة وتلبية شروط ومعايير الاتحاد الأوربي الاقتصادية للانضمام للمنظومة الأوروبية.
3- رفع دخل الدولة التركية من خلال استغلال الأراضي الزراعية التي سوف تدخل حيز الإنتاج الاقتصادي بعد أنشاء السدود التركية، من خلال تصدير المحاصيل الزراعية إلى دول الجوار، وهنا تبرز أهمية خصوبة الأراضي الزراعية التركية مقابل الأراضي الزراعية في العراق، التي تعاني من مشاكل عديدة في مقدمتها انخفاض مناسيب الأنهار وتلوث المياه.
ومن خلال ما تقدم فان انجاز تركيا لمشاريعها وسدودها سوف يضع العراق أمام واقع خطير من ناحية انخفاض مناسيب مياه الأنهار الدولية، التي طالما كانت مصدراً من مصادر قيام الحضارات القديمة في وادي الرافدين، وعلية فان على العراق إتباع الخطوات القانونية التي حددتها الاتفاقات الدولية الخاصة بالمياه، وأهمها اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية, من خلال رفع الخلاف المائي مع تركيا إلى لجنة دولية أو هيئة تحكيم وفق مواد الاتفاقية الخاصة بحل الخلافات والنزاعات بشأن الأنهار الدولية (المادة 33( الخاصة بتسوية المنازعات والتي نصت على، ( وجود خطوات عملية لإنهاء النزاع, والمواد الملحقة بالاتفاقية التي تخص التحكيم والتي ضمنت موادها الأربعة عشر آليات للتحكيم لحل الخلافات).
إن العراق معرض لكارثة بيئية ستقضي على الزرع والضرع في الفترة القريبة القادمة، وبوجود أجندة إقليمية لتقسيم العراق تضطلع بتنفيذها أيدٍ خفية في الداخل، نوجه ندائنا لأصحاب الضمائر الحية في داخل العراق وخارجه لنبذ الخلافات والتناحر لإنقاذ العراق من الكارثة البيئية، ( العراق في دائرة خطر )، بعد أن عجزت الجهات الحكومية ذات الشأن بالحفاظ على حقوق العراق المائية، ندعو الجامعة العربية لتبني عقد مؤتمر للمهتمين بالشأن المائي العراقي من مختصين وقانونيين ( مستقلين وحكوميين ومؤسسات دولية وإقليمية ومنظمات الأمم المتحدة ذات الصلة )، لإيجاد الحلول اللازمة لإنقاذ العراق من كارثة بيئية حتمية والشروع بحملة دولية لمساعدة العراق في تجاوز أزمته المائية، وحشد التأييد الشعبي على المستوى الداخلي والعربي للضغط على تركيا لإبرام معاهدة مائية نهائية يضمن العراق من خلالها حقوقه المائية. 
المياه والعلاقات العراقية الإيرانية :
عمدت الحكومة الإيرانية على إثارة جملة من الخلافات الحدودية مع الدولة العراقية ورفضت رسم الحدود البرية دون الوصول لاتفاق بشأن الحدود البحرية في شط العرب.
توصل البلدان في العام 1975 إلى صيغة اتفاق مجحف بحق العراق لرسم الحدود البحرية في مياه شط العرب وفقاً لنظام الملاحة Thalweg ( خط العمق )، ولكن العراق نقض الاتفاق في العام 1979 عشية انبثاق الثورة الإيرانية، وخاض البلدان حرباً ضروساً استمرت 8 سنوات ثم عادا إلى اتفاقية الجزائر في عام 1975.
تعتبر حرب الـ 8 سنوات تتويجاً لانتهاكات وممارسات عدائية مارسها الجانبين على مدى 5 عقود من الزمن، فبالرغم من المناوشات العسكرية على جانبي الحدود بين فترة وأخرى لم ينجر الطرفين لحرب شاملة، لكن الصراع كان على أوجه في انتهاكات وممارسات عدائية مارستها إيران، كتحويل مجاري وروافد الأنهار التي تنبع من أراضيها وتصب في الأراضي العراقية بما يخالف مبادئ القانون الدولي.
ويمكن إجمال الممارسات الإيرانية في تحويل مجاري الأنهار منذ الستينيات من القرن الماضي بتغير مسارات عدد منها خاصة في المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق ( هناك 18 نهراً أساسياً تصريفها المائي يبلغ 7 مليارات م3 تنبع من غرب إيران لتصب في الأراضي العراقية ) وباشرت بتحويل بعض الروافد الأخرى في المنطقة الشمالية من العراق أهم تلك الروافد ومواقعها :
1- " نهر الوند : قامت الحكومة الإيرانية في العام 1951، بشق قناة من نهر الوند ( دون موافقة العراق ) لإرواء الأراضي الواقعة بين مدينتي ( قصر شيرين ) و ( خسروي ) بالقرب من الحدود العراقية؛ تم إنجاز القسم الأول من القناة ابتداءً من منطقة ( شاه بيكار ) حتى ( قصر شيرين )، وتلاه القسم الثاني البالغ طوله 11 كم، وعرضه 6 أمتار، وعمقه 4 أمتار، التي تقطع الطريق الرئيسي بين قصر شيرين وخسروي في موقعين، حيث بلغ التدفق المائي فيها ما نسبته 60% من مياه نهر الوند.
وقد أدى شق القناة لانخفاض كميات المياه خلال موسم الصيف نحو الأراضي العراقية التي تعتمد على مياه النهر لري مسحات زراعية قدرها 50 ألف دونما من أراضي قضاء خانقين.
إن معدل تدفق مياه نهر الوند عند قرية ( كاني باز ) العراقية، يبلغ 5 م3 / ث صيفاً، ولكن انخفض التدفق لنحو 2 م3 / ث، جراء مشاريع الري الإيرانية في منطقة ( قصر شيرين ).
2- نهر كنجان جم : ينبع من مرتفعات ( بشتكوه ) الإيرانية ويجري باتجاه الجنوب الغربي نحو الأراضي العراقية على امتداد 20 كم، أي من علامة الحدود المرقمة (22- 31)، وعبر خط الحدود في منتصف النهر، ثم يصبح بعد هذه العلامة نهراً عراقياً يجري باتجاه بدرة ( كلالة بدرة ) تستمد ناحية زرباطية ومزارعها المياه من جداول تتفرع من ضفة النهر اليمنى في المنطقة الواقعة بين علامتي الحدود المرقمتين (31 - 32)، بينما تستمد القرى والمزارع الإيرانية مياهها من جداول تتفرع من ضفة النهر اليسرى؛ يشكل منتصف النهر خط الحدود الفاصل بين البلدين وتحديداً في المنطقة الواقعة شرقي ( قضاء بدرة ).
وتتفرع من الجانب الغربي من النهر ( للنهر رافدان هما جزمان وسرخ ) عدة قنوات وترع لري بساتين ومزارع ناحية ( زرباطية )، شرعت الحكومة الإيرانية في العام 1932 بشق قناة من نهر ( كنجان جم ) لري أراضي مهران، بالإضافة إلى ذلك، أنشأت سداً ترابياً في منتصف النهر وتم استغلال كامل مياه النهر، ومع الزمن جف النهر بالكامل.
ونتيجة لتلك الإجراءات وما تبعها ( في شتاء عام 1961 ) من استخدام تعسفي للمياه في إيران عبر تحويل مسار النهر إلى قناة ( ترعة غلام شاه ) برزت مشكلة شح المياه في ناحية زرباطية وإلى هجرة قسم من سكانها وتدهور الأراضي الزراعية.
وتلافياً لذلك عمدت الحكومة العراقية في العام 1962 إلى مدِّ قناة من نهر دجلة لتعويض مزارع بدرة وجصان وزرباطية، عما لحق بها من جفاف جراء انقطاع جريان نهر كنجان جم باتجاه الأراضي العراقية، نتيجة الإجراءات الإيرانية التي لا تنم عن علاقات حُسن الجوار.
3- مياه نهر وادي كنكير : بلغ تصريف النهر عند الحدود العراقية قرب قضاء مندلي نحو 280 م3 / ث، قامت إيران وعلى مراحل باستغلال مياه النهر بشكل تعسفي، مما أدى لانخفاض جريانه تجاه الأراضي العراقية خاصة في موسم الصيف، بالإضافة إلى ارتفاع نسب التلوث المائي والتي قدرت بنحو 2500 جزء في المليون، وعمدت الحكومة العراقية لدراسة مشروع جر المياه إلى قضاء مندلي من نهر ديالى بعد ما طالت النهر الإجراءات الإيرانية غير المبرَّرة.
4- نهر قره تو : يدخل الحدود العراقية عند قرية ( طنكي حمام ) بعد اجتيازه مناطق سهلية إيرانية وتصب به عدة روافد صغيرة بعد دخوله الأراضي العراقية، ويعد منتصف مجرى النهر الحدود الفاصلة بين الدولتين لمسافة 37 كم، ويصب في نهر ديالى عند جدول ( بلاجو ) ، انقطع مجرى النهر تماماً عن قرية ( قره تو )، جراء المشاريع الإيرانية، مما أدى إلى أضرار فادحة بالأراضي الزراعية على الجانب العراقي.
5- نهر دويريج: ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويدخل الحدود العراقية قرب ( مخفر الفكه ) العراقي، ثم يتجه غرباً ويصب في ( هور المشرح )، قامت السلطات الإيرانية بتاريخ 6/ 3 / 1966 بإنشاء سد ترابي على مقطع مجرى النهر في الموقع المسمى ( كَبة هشال )، الذي يقع على مسافة خمسة كيلو مترات تقريباً من مخفر الفكه العراقي، فتسبب بقطع المياه التي تجري إلى الأراضي العراقية.
6 ـ نهر كرخه : ينبع من المرتفعات الإيرانية، ويصب في ( هور الحويزة ) في موسم الفيضان، وتختلف مصادر مياهه عن مياه ( هور الكسارة ) الواقع في ناحية ميسان في محافظة ميسان، الذي يتفرع إلى فرعين أحدهما يصب في ( نهر السويب ) في قضاء القرنة، ويصب الثاني في ( شط الكسارة )؛ أقامت الحكومة الإيرانية بتاريخ 6 / 12 / 1961 مجموعة من السدود على نهري ( كارون ) و ( الكرخه ) لأغراض توليد الطاقة الكهرومائية.
احتج العراق بتاريخ 16 / 12 / 1961 على الإجراءات الإيرانية عبر مذكرة أرسلت إلى السفارة الإيرانية في بغداد و جاء فيها، (إن السلطات الإيرانية، أقامت سدة قاطعة على نهر الكرخه في منطقة السعان ( سن العباس ) ،التي تقع شمال منطقة ( الحميدية )، وعلى مسافة 6 كم منها، وتبعد عن الحدود العراقية مسافة 64 كم، ويبلغ طولها 150 م وتحتوي على ست فتحات مجهزة بأبواب حديدية وتهدف لحجز مياه النهر.
كما تم شق سبعة جداول في مقدمة السد لإرواء الأراضي الواقعة على جانبي نهر كرخة، أربعة منها كبيرة وهي، (الدهوري؛ والهرموني؛ وغضبان؛ والشاولي)، ويقدر عرض كل جدول منها ( 20 ـ 30 ) م، وثلاثة منها صغيرة تقابل الجداول الكبيرة وهي، (نهر علي؛ والزامل؛ والصرخة؛ وحاجي عباس)، ويتراوح عرضها بين (6 ـ 8) أمتار، ومن أهم روافد نهر الكرخه داخل الحدود العراقية هي، (نعمة؛ ونيسان؛ والسابلة؛ والكسرة؛ والخرابة؛ وعمود السيدية)، وجميعها تصب في هور الحويزة، وتجف معظمها في فصل الصيف عدا رافد عمود السيدية.
8- نهر الطيب : ينبع من الأراضي الإيرانية، ويدخل الأراضي العراقية في منطقة ( جمشة ليلة ) التي تبعد عن المخفر الحدودي بنحو 2 كم من ناحية الشمال، ثم يسير النهر بمحاذاة الحدود لمسافة 2 كم تقريباً، ثم يتجه نحو الأراضي العراقية المسماة بأراضي الجزيرة الواقعة شرق مدينة ( العمارة ) ، ويصب في هور المشرح؛ أقامت السلطات الإيرانية سداً على نهر الطيب عند منطقة ( دهلون )، مما أدى إلى أضرار بالغة بالأراضي الزراعية في العراق.
8- نهر هركينه : يعتبر النهر وروافده، الخط الحدودي الفاصل بين ( بناوه سوته ) و ( هركينه ) العراقية و ( بايوه ) و ( باشماق ) الإيرانية، حيث قامت إيران بشق عدة قنوات على النهر لسحب مياهه نحو الأراضي الإيرانية، مما أدى إلى نقص بالمياه الواردة نحو الأراضي العراقية.
9 ـ نهر زرين جوي الكبير : يروي الأراضي الواقعة على جانبي حدود البلدين لمسافة 2 كم؛ أقامت إيران ثلاثة سدود على النهر وهي، ( بايوه الذي يروي الأراضي الزراعية في ناحية بايوه، وسد ( بالاجو ) الذي يروي أراضي باشماق، وسد ( وسان ) الذي يروي أراضي وسان الزراعية)، انقطعت المياه الواردة نحو الحدود العراقية بسبب التعسف في استخدام مياه النهر من قبل السلطات الإيرانية.
10- نهر كارون : ينبع من مرتفعات ( بختياري ) الإيرانية، ويصب في شط العرب عند ميناء ( خرمشهر )ن ويبلغ معدل تصريفه السنوي نحو 20 مليار م3، وقد سيطرت الحكومة الإيرانية على النهر وروافده منذ العام 1962، وشيدت سد دز ( محمد رضا بهلوي ) على نهر دز، أحد فروع نهر كارون لأغراض الري وتوليد الطاقة الكهرومائية، وقد أثر هذا السد على كمية المياه الواردة إلى شط العرب لاسيما في فصل الصيف.
يبلغ طول النهر الإجمالي 890 كم، ويعتبر من أهم وأغنى الأنهار الإيرانية، وسعة حوضه كبيرة جداً، وقد جرت قبل سنوات دراسات عدة لاستغلال مياهه، من خلال إقامة عدد من السدود لتخزين المياه؛ ومن أهم السدود المقامة على النهر هو ( كارون 1) شمال شرقي مدينة ( مسجد سليمان ) بطاقة تخزينية قدرها 3 مليارات م3، وإنتاج طاقة كهرومائية تقدر بـ 4100 مليون كيلو وات ساعة في العام.
أما سد ( كارون 3 ) فيروي نحو 60 ألف هكتار ذات محطة كهرومائية بطاقة تصل لنحو 2000 ميجا وات، وعند إكمال كافة السدود المقررة على نهر كارون ستحول دون وصول مياهه إلى شط العرب.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض روافد نهر كارون تصب في الأراضي العراقية، وقامت إيران من خلال مشاريعها المائية على نهر كارون بتحويلها نحو الأراضي الإيرانية بزعم الاستفادة منها لتطوير المساحات المروية في غرب إيران، ولكن تلك المزاعم والحجج سقطت إبان التسعينيات من القرن الماضي، حين عرضت إيران بيع مياه نهر كارون على كل من قطر والكويت وذلك من خلال مد أنابيب تحت مياه الخليج لتزويد الدولتين بالمياه وأطلق على المشروع ( مياه الإيمان) ، وقدرت كلفة المشروعين على الجانب القطري بنحو 15 مليار دولار وعلى الجانب الكويتي بنحو 1.5 مليار دولار.
من العرض السابق للإجراءات الإيرانية، يتبين نيَّة إيران المبيتة ضد العراق بشأن المياه منذ الخمسينات واشتدت في الستينات من القرن الماضي، ولم تنقطع الإجراءات الإيرانية المنفردة بشأن قطع الروافد المائية ( الدولية ) التي تغذي نهر دجلة في الأراضي العراقية ومازالت، مما أدى إلى انخفاض المياه الواردة إلى الأراضي العراقية بنسبة 60 - 70%، وتشهد المناطق الحدودية لشمالي العراق مع إيران جفافاً لا سابق له، نتيجة إجراءات الحرب المائية الإيرانية غير المعلنة وغير القانونية، والتي تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الخاص بالأنهار المشتركة. 
الإضرار التي لحقت بالعراق جراء السياسات المائية الإيرانية المعادية :
1- انخفاض التدفق المائي من روافد نهر دجلة التي تنبع من الأراضي الإيرانية بنسبة تتراوح بين ( 60 – 70 ) في المائة، مما أثر سلباً على المشاريع التنموية في العراق.
2- تقلص المساحات الزراعية في حوض نهر دجلة نتيجة نقص المياه خاصة المساحات الزراعية القريبة من الحدود بين البلدين.
3- إن مياه روافد نهر دجلة الجارية من إيران لرفد نهر دجلة في العراق لا تغدو سوى تصاريف مائية ذات تراكيز عالية من الأملاح، تسيء لإجمالي مياه نهر دجلة على طول المجرى وتسبب تملح الترب الزراعية نتيجة ريها بمياه مالحة.
4- أن التراكيز العالية للأملاح في مياه نهر دجلة أثر سلباً على أداء تقنيات الري الحديثة المعتمدة في بعض المناطق، خاصة أجهزة الرش والتنقيط نتيجة انسدادها بالأملاح.
5- تحويل روافد نهر دجلة على طول الحدود البالغة 1200 كم، مما أدى لتصحر الأراضي الزراعية وخروجها من حيز الإنتاج الزراعي، وانعكس سلباً على تدفق المياه نحو الأهواز في جنوبي العراق ( تحديداً هوز الحويزة )، وأدى لاختلال المناخ المناطقي وهبوب عواصف رملية أضرت بالمساحات الزراعية.
6- نقص إيرادات المياه نحو شط العرب أدى لاختلال العلامات الحدودية للمياه الإقليمية العراقية ( خط الثالوك – خط العمق )، مما أثر سلباً على الموانئ العراقية ومراسي السفن، وزاد من مساحة المياه الإقليمية الإيرانية على حساب العراق؛ كما تسبب بأضرار بيئية بالغة على الأحياء المائية في منطقة شط العرب، وعلى عملية هجرة الأسماك بين المياه المالحة والعذبة، وكذلك على التغيرات الجيولوجية لمنطقة شط العرب وبالتالي على كامل النظام المائي في منطقة الخليج العربي. 
دخول أمريكا على خط المياه والأمن القومي العربي
و من الغريب أن يتحول الماء من مصدرٍ للحياة والنعم إلى عاملٍ لإثارة النزاعات والفتن مهما يكن، فان شح المياه وموجات الجفاف التي بدأت تتعرض لها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة جعلت كلاً من الباحثين ومراكز البحوث العالمية تحذر من أن الصراع القادم على المياه سوف يؤدي في المستقبل إلى نشوب حروب محتملة بين دول المنطقة.
وقد صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هارولد ساندرز بما يلي، ( ينبغي أن تقال كلمة واحدة حول مصدر واحد غير النفط، هو ندرة المياه؛ إن المياه مورد نادر في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن يكون للطلب المتصاعد على مصدر مائي محدد، وهو أمر حيوي أكثر من النفط، أهمية بعيدة الأثر كسبب للصراع وكحتمية للتعاون معاً).
هذا التصّريح الذي عّبر عنه أحد صنّاع القرار السياسي في الحكومة الأمريكية يدفعنا إلى إثارة التساؤل التالي، أليس غريباً أن نجد أن موضوع المياه يحظى باهتمامٍ كبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وهي تبعد آلاف الأميال عن العالم العربي ؟، وكيف لا يعتري البعض العجب من ذلك الاقتراح الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية حول تشكيل تحالف دولي لأمن المياه ، في حين أن منطقة الشرق الأوسط ما زالت تعاني من غيابٍ واضح في مسألة الأمن المائي ؟.
إذاً من الطبيعي أن تصبح المياه إحدى أهم الملفات الساخنة بنظر خبراء الإستراتيجية الأمريكية، هذه الملفات التي أخذ ينصب عليها في الوقت الحاضر اهتمام ملحوظ وكبير من قبل الإدارة الأمريكية نفسها بسبب حساسيتها وارتباطها المباشر بالمصالح الأمريكية في المنطقة، فاغلب دول الشرق الأوسط بدأت تعاني في الآونة الأخيرة من فجوةٍ مائية كبيرة ناجمة عن ازدياد احتياجاتها وارتفاع معدلات نمو سكانها، وما يعكسه ذلك من تأثيرٍ واضحٍ على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، ولا ريب في أن يتجسد هذا الاهتمام اليوم بما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة، ومراكز بحوثها العديدة حول وجود شحه مائية حقيقية لدى بعض دول الشرق الأوسط، ناجمة عن تفاقم مشكلة المياه فيها وكثرة بناء مشاريع الإرواء لديها، ومعلوم أن وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاغون ) كانت قد بدأت تراقب عن كثب التطورات الحاصلة في مجال إقامة المشروعات المائية في مختلف أقطار العالم العربي والدول المجاورة لها، بهدف معرفة تأثيرات ذلك على مستقبل المياه، وانعكاساتها اللاحقة على الأمن المائي لدولة إسرائيل، وهذا ما ألمح إليه المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية ريتـشـارد هـولمـز حين اعترف بوجود توجهات عدائية ستظهر في حالة نشوب صراع افتراضي حول المياه في المنطقة قائلاً،
(وفي حالة ما إذا اندلعت حرب في المنطقة فسيكون أحد أهدافها السيطرة على المياه).
وانسجاماً مع هذه التصريحات الأمريكية فقد صدرت عن بعض المراكز الغربية دراسات عديدة، ركزت بشكل دقيقٍ على موضوع المياه كأحد أهم الموارد الطبيعية القابلة للنفاذ في المنطقة.
مشيرة في الوقت ذاته إلى احتمال تحول هذا المورد الحيوي إلى مصدر للنزاع المستقبلي بين بلدان المنطقة، واللافت للنظر هنا أن هذه الدراسات قد جاءت متزامنة مع دراسات إسرائيلية أخرى مشابهة لها، أشارت إلى أن إسرائيل سوف تكون بحاجة متزايدة إلى الطلب على المياه في المستقبل، وان النقص الحاصل لديها في الموارد المائية قد بدأ يزداد شيئاً فشيئاً.
ويحدد التقرير الذي صدر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، المناطق المرشحة لحدوث صدامٍ عسكري مسّلح بين دولها، بسبب شحه المياه لديها وهي:
1- المجموعة الأولى: وتضم دول مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وزائير وبوروندي وتنزانيا وراوندا، وتشترك جميعها بحـــوض نهر النيل.
2- المجموعة الثانية : وتشمل تركيا وسوريا والعـــراق حول نهريّ الفرات ودجلة .
3- المجموعة الثالثة: وتضم فلسطين والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وهي الدول التي تشترك بأنــهار الأردن واليرموك والليطاني والحاصباني والوزان.
وأكثر المجاميع أهميةً في الوقت الحاضر هي المجموعة الثانية التي لا يزال فيها الخلاف المائي قائماً حتى اليوم، بسبب عدم وجود اتفاق دولي مسبق يقّسم مياه هذين النهرين بين الدول الثلاثة المعنية، رغم عقد العديد من المباحثات والمفاوضات الثنائية والثلاثية بين الأطراف المتنازعة من دون أن يسفر ذلك عن تقدمٍ ملحوظ يذكر، وبدلاً من أن يتم البحث عن اتفاقٍ موحد يضمن الحقوق الكاملة لكل طرف متنازع، اتجهت حكومات الدول الثلاث نحو بناء عشرات المشاريع المائية على هذين النهرين وروافدهما، مما أدى بالتالي إلى حدوث توترٍ سياسيٍ كبير في علاقاتهما كاد أن يؤدي إلى نشوب صراع مسلح حولها، كما حدث في عام 1975 عندما تأزمت العلاقات العراقية-السورية جراء إقدام الأخيرة على ملء سد الطبقة (الثورة حاليا)، وتخفيض كميات المياه الجارية من نهر الفرات باتجاه الأراضي العراقية لولا الوساطة والجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة العربية السعودية لفض النزاع والخلاف الذي احتدم بين البلدين الجارين.
قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أواخر عام 1993 بإعداد تقرير يتضمن دراسة جدية معمقة لمشاكل المياه في العالم، حيث يتحدث عن وجود عشرة مناطق مختلفة ستشهد في المستقبل صراعاتٍ ومواجهاتٍ عسكرية محتملة حول المياه، غالبيتها تعج بأزمات ومشاكل كثيرة يحتل فيها الوطن العربي مركز القلب، وقد قسّم هذا التقرير المناطق العشرة المرشحة ومن بينها منطـقة الشرق الأوسط للدخول في صراع أو مواجهة محتملة بين دولها إلى ثلاثة مستويات من الخطر هي:
1- المستوى الأول: مناطق تنشب فيها حرب المياه، وتشمل دول الأردن وفلــسطين وإسرائيل.
2- المستوى الثاني: مناطق محفوفة بالمخاطر ممكن لها أن تدخل ضمن دائرة الخطــر الفعلي جراء حدوث نقـصٍ شـديدٍ في مـواردها المائية، وهي دول حوضي الفرات ودجلة ( تركيا، سوريا، العراق ) وكذلك بلدان الخليج.
3-المستوى الثالث : مناطق يشوبها التوتر الدائم بسبب ندرة المياه، وهي مناطــق قابلة للدخول في دائرة الخطر خلال الفترة (20-25) سنة، وتشمل دول حوض نهر النيل (مصر والسودان).
وتختتم الوكالة الأمريكية تقريرها بالتحذير من أية محاولة قد تحصل للاستحواذ على منابع المياه، أو احتكارها أو اللجوء إلى فرض تقسيمٍ غير عادلٍ ومنصف للموارد المائية المشتركة بين دول المنطقة، لان ذلك سوف يؤدي حسب توقعها إلى اندلاع سلسلة من الحروب العسكرية، قد يمتد نطاقها إلى خارج منطقة الشرق الأوسط لتشمل دولاً أخرى مجاورة مما يهدد الأمن والسلام العالميين. 
مشاريع المياه التركية واحتمالات نشوب الحرب المائية في الشرق الأوسط :
لا تزال تركيا تشهد حتى اليوم استكمال بقية وحدات مشروعها المائي العملاق كاب (G.A.P.) المعروف اصطلاحا باللغة التركية ( Guney Dogu Anadolu Projesi)، هذا المشروع الذي تتلخص فكرته الأساسية بإقامة (13) مشروعاً رئيساً، خصص اغلبها لمشاريع الريّ وتوليد الطاقة الكهرومائية.
ويتألف كل مشروعٍ من هذه المشاريع من مجموعة أخرى من المشاريع الثانوية والأعمال الصغيرة المتممة لها.
وتمثل السدود والخزانات المائية حجر الزاوية لهذه المشاريع، إذ يهدف مشروع الكاب إلى إقامة (22) سداً على نهري الفرات ودجلة وروافدهما، موزعة على النحو التالي، (14) سداً على نهر الفرات و(8) سدود على نهر دجلة، وإنشاء (19) محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، يصل مجموع إنتاجها الكلي إلى (27) مليار كيلو وات / ساعة من الكهرباء سنوياً وبطاقة استيعابية تبلغ(500,7) ميغا وات ، بالإضافة إلى إرواء حوالي (7,1) مليون هكتار من الأرض؛ حيث يغطي هذا المشروع مساحة مقدارها (75) ألف كم2، تضم (9) محافظات تركية، تقع جميعها في الأجزاء الجنوبية الشرقية من البلاد وهي ، (غازي عنتاب ، ديار بكر، شانلي اورفة ، أدي يامان، سييرت، شرناخ، ماردين ، بطمان، كالس)، ويحاذي هذا الإقليم - جنوب شرقي الأناضول- من الجنوب سوريا ومن الجنوب الشرقي العراق.
أما عن تكاليف بنائه فهي لا تزال في ارتفاعٍ مستمر نتيجة لقيام الحكومة التركية في الفترة الأخيرة بإجراء تعديلٍ كبير على خطته الأساسية، تمثلت بإضافة مشاريع ثانوية أخرى تساهم في تحويله إلى مشروع تنمويٍ إقليمي شاملٍ متكامل القطاعات، يقوم على أساس مفهوم ( التنمية المستمرة ) الهادفة إلى تطوير كافة نواحي البنى التحتية للإقليم، مثل إنشاء (المستشفيات ، الجامعات، المطارات ، مشاريع السكك الحديدية..الخ ) . وقد تجاوزت تكاليف بنائه حالياً (32) مليار دولار، ويتوقع الانتهاء منه بصورة كلية مع مطلع عام 2029.
بطبيعة الحال فان إنشاء هذه المشاريع المائية في تركيا قد أدت إلى حدوث توترٍ سياسيٍ كبير، وفتور واضح في العلاقات الثنائية بينها وبين كلٍ من العراق وسوريا الدولتان المجاورتان لها، والمشتركتان معها جغرافياً وهايدرولوجياً في مياه هذين النهرين، مما جعل البلدان الثلاثة تتعثر في التوصل إلى حلٍ عادلٍ منصفٍ حول اقتسام مياههما لسنوات طويلة، وبشكل يحقق لكل طرف ماله وما عليه من حقوقٍ مكتسبة ومشروعة بشأنهما.
أثارت مشاريع المياه التي تبنيها تركيا على نهري الفرات ودجلة، مخاوف العراق وقلقه المتزايد من احتمال أن يؤثر ذلك على معدل تصريف المياه الجارية إلى البلاد، بعدما تبيّن في السنوات اللاحقة أن لهذه المشاريع تأثيرات جانبية خطيرة ( بيئية واقتصادية ) على دولتي المصب سوريا والعراق، وتتمثل بحدوث انخفاضٍ كبير في معدل تصريف المياه وتردي نوعيتها وزيادة نسبة التلوث النهري، جراء إقدام الحكومة التركية على القيام بملء سدودها الكبيرة من دون أن تراعي في ذلك الاحتياجات الضرورية لشريكيها، كما حدث في كانون الثاني/ يناير1990 عندما بدأت تركيا تستعد لإملاء اكبر الخزانات المائية الموجودة على نهر الفرات ألا وهو سد أتاتورك الذي تبلغ سعته التخزينية أكثر من (7,48 ) مليارم3، رغم أن هذا الرقم يتجاوز ذلك بكثير حسبما يذكره مدير الأشغال المائية الحكومية ( فروخ انيك ) بقوله: (خططنا لان يكون أقصى حجم تخزيني تستطيع البحيرة استيعابه هو7, 84 مليارم3).
ومع ذلك فقد صاحب عملية إملاء السد توتر كبير في العلاقات السياسية بين الدول الثلاث، فبالنسبة للقرار الذي اتخذته الحكومة التركية بشان إغلاق مجرى النهر لمدة (30 ) يوماً، فانه جاء نتيجة لما أسمته هي ( بالضرورات الفنية )، في حين اعتبر العراق وسوريا أن هذا الإجراء لم يكن مدروساً دراسةً جدية كافية ،لذا فهو لا يمكن عده مبرراً مقنعاً حتى يدفع بالمسئولين الأتراك إلى قطع المياه عنهما طوال هذه الفترة.
عندما بدأت الحكومة التركية تستعد لإملاء خزان سد أتاتورك تعمدت في وقتها عدم إشعار أو إخبار جارتيها بقرار قطعها لمياه النهر، مما عد ذلك خرقاً فاضحاً وصريحاً من قبلها لقواعد القانون الدولي الذي ينص على ضرورة التباحث والتشاور بين الأطراف المعنية بالأمر، مدعيةً في ذلك الوقت أن التغييرات الهيدرولوجية التي تعّرض لها حوض النهر، والتعقيدات الإنشائية والهندسية التي واجهت بناء السد، دفعا بها إلى القيام بعمليات خزن المياه على مستوى منخفضٍ من مجرى النهر، لكن الحقائق أشارت فيما بعد بأن السبب الرئيس وراء قيام الأتراك بقطع المياه عن العراق وسوريا يعود إلى وجود أخطاء فنية في التصميم الهندسي لجسم السد أو ما يطلق عليه الجانب التركي ( بالضرورات الفنية )، وهي مسألة كانت معروفة لديه منذ عام 1983 إلا انه لم يجرؤ على طرحها أمام أعضاء ( اللجنة الفنية الثلاثية ) المكلفة بالتوصل إلى إيجاد حلٍ عادلٍ ومنصفٍ لاقتسام مياه النهرين بين الدول المشتركة بحوضيهما أثناء الاجتماعات الدورية التي كانت تعقدها اللجنة من فترة إلى أخرى، وهو أمر اتضحت حقيقته بصورة أكثر للجانبين العراقي والسوري في أثناء انعقاد الاجتماع الـ ( 14 ) للجنة المذكورة عام 1990 ،عندما رفض الوفدان الاقتناع بالحجج والأعذار التي قدمها إليهما الجانب التركي حول قرار حكومته بإغلاق مجرى النهر لمدة (30) يوماً.
وتفسير مغزى الإجراء التركي من قرار قطع المياه عن العراق وسوريا لإملاء السد الذي يعتبر قلب المشروع الكبير ( كاب ).
ويتفق في هذا إلى أن إقامة هذا السد في تركيا لم يكن يهدف في يوم ما إلى حل ومعالجة مشكلة المياه التي تعاني منها البلاد، بل كان الغرض الأساس من إنشائه عسكرياً بالدرجة الأولى، وان عملية قطع المياه وتحويلها مباشرة إلى هذا السد لم تكن مخصصة من أجل إملاء بحيرته الاصطناعية فقط بل كانت تهدف في الواقع إلى قياس مدى تأثير هذه العملية على واقع الزراعة في كل من العراق وسوريا، بالاعتماد على النتائج التي سيسفر عنها الموسم الزراعي لكليهما خلال هذا العام (1989/1990).
وبالفعل فقد أدى نقص كل ( مليار ) م3 من مياه الفرات في العراق إلى نقصان ( 26 ) ألف دونما من الأراضي الزراعية، وخسارة حوالي ( 40% ) من هذه الأراضي الصالحة للزراعة، جراء ارتفاع نسبة معدلات الملوحة في مياهه، ناهيك طبعاً عن تضرر حوالي( 7 )مراكز محافظات عراقية و(25 ) قضاء، و( 58 ) ناحية، و ( 4000 ) قرية، بمجموع سكانها البالغ ( 5,5 ) مليون نسمة نتيجة لعملية القطع غير القانونية، ولا يختلف الحال عنه كثيراً بالنسبة لسوريا أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا