التسميات

السبت، 9 مايو 2015

الشركات المتعددة الجنسيات ...

الشركات المتعددة الجنسيات

الفصل الأول : تعريف الشركات المتعددة الجنسيات و نشأتها و خصائصها .

المبحث الأول : تعريف الشركات المتعددة الجنسيات . 

المبحث الثاني : نشأة الشركات المتعددة الجنسيات .

المبحث الثالث : خصائص الشركات المتعددة الجنسيات . 

الفصل الثاني : اقتصاد الشركات المتعددة الجنسيات .

المبحث الأول : دور الشركات المتعددة الجنسيات 
المطلب الأول :في ظل العولمة .
المطلب الثاني : في الإقتصاد العالمي . 

المبحث الثاني : الأهداف الاستراتيجية و المالية للشركات .
المطلب الأول : الأهداف الإستراتيجية .
المطلب الثاني : الأهداف المالية .

المبحث الثالث : الشركات المتعددة الجنسيات و الدول .
المطلب الأول :موقف الدولة الأم .
المطلب الثاني : موقف الدولة المضيفة . 

الفصل الثالث : أثار نشاط الشركات المتعددة الجنسيات .

المبحث الأول : الأثار الإقتصادية و الإجتماعية للشركات المتعددة الجنسيات .
المبحث الثاني : الآثار المرتبطة بالشركات متعددة الجنسيات .
المطلب الأول : الأثار على الدخل .
المطلب الثاني: الأثار على العمالة 
المطلب الثالث : الأثار على التقدم التكنلوجي .
المطلب الرابع : الأثار على الإدارة و التنمية .


الفصل الأول : تعريف الشركات المتعددة الجنسيات و نشأتها و خصائصها .

المبحث الأول : تعريف الشركات المتعددة الجنسيات . 

   عرفت الشركات المتعددة الجنسيات على أنها شركات يؤسسها أفراد أو مساهميين و تتمتع بشكل قانوني محدد في عقد التأسيس في دولة ما تسمى دولة المقر التي يوجد فيها مركز الرئيسي للشركة ، و يتم تأسيس و إنشاء الشركة تبعاً لقانونها الوطني و تأخد جنسية هذه الدولة ، وتخضع لجميع قوانين دولة المقر ، أو قوانين الدولة المضيفة لنشاطها و فروعها و الشركات التابعة لها .

   وعليه فإن الشركات متعددة الجنسيات يكون رأسمالها كبير الحجم ، و لا يقل حجم إنتاجها أو مبيعاتها أو إستثمارتها عبر البحار في دول مختلفة عن 25 % من قيمة الأموال المستثمرة فيها ن أو حدود 10 مليارات دولار أمريكي ، وكذلك لا يقل عدد فروعها أو الشركات التابعة لها عن 20 دولة . وتعد الشركة من الشركات متعددة الجنسيات إذا كان 20% من موجوداتها عبر البحار . و أكدت دراسة قامت بها مجلة الأعمال الدولية على أن الشركة متعددة الجنسيات تصبح عالمية حينما تبلغ مبيعاتها و أرباحها من العمليات الخارجية حوالي 35% من إجمالي المبيعات و الأرباح .

   وتأسيسا على ما تقدم يمكن تعريف الشركات المتعددة الجنسيات بأنها مجموعة من الشركات مختلفة الجنسيات ترتبط بعضها بالبعض الأخر من خلال ما تمتلكه من أسهم أو شكل من أشكال السيطرة الإدارية أو عقد اتفاق معين مكونة بذلك و حدة اقتصادية متكاملة ذات أسس إقتصادية . و تقسم الشركات المتعددة الجنسيات تبغاً لثلاثة معايير تتمثل في نوع العمليات و الحجم و ميدان العمليات . وتسمى الشركات المتعددة الجنسيات بالمسميات الأتية :

1 - الشركات القومية متعددة الجنسيات ، حين يكون للشركة أم واحد من جنسية معينة .
2 - الشركات الدولية متعددة الجنسيات ، حين تكون للشركة اثنان أو أكثر من الشركات الأم المسيطرة عليها من جنسيات متعددة .
3 - الشركات عابرة الأقطار ، حين تملك أساليب متعددة ترتبط فيها هذه الشركات بعضها ببعض و الأشكال القانونية للشركة عابرة القارات أو الأقطار .

   وعليه يمكننا القول: بأن ما يطلق علهيه الشركات المتعددة الجنسيات هي بكل المعاني السابقة: شركة قومية تحتل مكانتها أساسا في إقتصاد ومجتمع الدولة الأم ويقصد هذا لاحكم على كل من الملكية و الإدارة .فإرادة الشركات التابعة وإجمال مجموع الشركة تحتكرها الشركة الأم وتحتفظ هذه الأخيرة في يدها بكافة القرارات الأساسية.وبمهمة التخطيط والحساب و الرقابة وكذلك بملكية المشروعات الأجنبية كاملة في الشركة الأم إذا أنها صاحبة الإستثمار التي تعمل من خلال شركاتها التابعة لها وفي حالة المشروعات المشتركة أي التي تكون فيها ملكية الرأس المال مقسومة بين الشركة الأم أو حكومات أخرى تقوم الشركة الأم بالسيطرة على العملية الإدارية و التخطيطية إلى درجة كبيرة وتطمئن إلى أن المشروع المشترك يندمج في إستراتيجتها العالمية.

المبحث الثاني : نشأة الشركات المتعددة الجنسيات .

المطلب الأول: ظهور الشركات المتعددة الجنسيات

   لقد ظهرت الشركات المتعددة الجنسيات على يد الشركات الأمريكية الكبرى التي دأبت منذ نهاية الحرب العالمية , وبشكل خاص منذ الخمسينات على زيادة استثماراتها المباشرة خارج الولايات المتحدة وذلك بإنشاء وحدات إنتاجية في كند وأوربا وأمريكة اللاتينية في إطار إستراتجية إنتاجية عالمية موحدة , وسرعان ما حذت الشركات الأوربية حذو الشركات الأمريكية بعد أن استردت أوربا أنفسها بعد الحرب وأعادت بناء قوتها وبدأت تنتقل من الإقليمية إلى العالمية بإنشاء وحدات إنتاجية خارج حدودها , بل أن بعض هذه الشركات قام بإنشاء شركات صناعية تابعة لها في أمريكا.
- وبعدها جاء دور اليابان لتدخل هي الأخرى معترك الدولية ورغم أن هذا الدخول جاء متأخرا بعض الشيء فإن العالم تنبأ بأن هذه الشركات اليابانية سوف تلعب دورا متعاظما في المجال العالمي.
- وتستمد هذه الشركات المتعددة القوميات قدرتها على السيطرة على الاقتصاد العالمي من قوتها الاقتصادية الذاتية ومن قوتها الفنية والتكنولوجية الهائلة , وما يميز الشركات المتعددة القوميات ليس هو قيامها بنشاط اقتصادي على المستوى الدولي , وإنما طبيعة هذا النشاط والأسلوب الذي يتم به وكم أن طبيعة وأسلوب نشاط الشركات يختلف اختلاف جذريا عن طبيعة وأسلوب نشاط كل ما سبقها من الشركات التي عرفتها الرأسمالية طوال حياتها .
- وما يميزها كذلك أنها تقوم بنقل وحدات إنتاجية من الدولة التابعة لها , أي الدولة الأم إلى دول أخرى مختلفة مع استمرار سيطرتها على هذه الوحدات الإنتاجية وإدارتها مركزيا في إطار إستراتجية إنتاجية عالمية موحدة

المطلب الثاني : تاريخ الشركات المتعددة الجنسيات

   يرجع تاريخ العديد من الشركات المتعددة الجنسيات التي نعرفها اليوم إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية وبشكل أكثر تحديد إلى نهاية ق 19 فمنذ ذلك التاريخ بدأت بعض الشركات الكبرى في أمريكا وأوربا تقيم وحدات إنتاجية خارج حدودها الأصلية ففي عام 1865 أنشأت شركة باير الألمانية للصناعات الكيميائية مصنعا لها في نيويورك إلى أن أول شركة تستحق وصف (المتعددة القوميات) بالمعنى الدقيق هي شركة سنجر الأمريكية لصناعة مكنات الخياطة التي أقامت في عام 1867 مصنع لها في جلاسكو وتبعته بعدة مصانع أخرى في النمسا وكندا وسرعان ما حذت الكثير من الشركات الأمريكية حذو سنجر .

  ورغم ظهور واستقرا العديد من الشركات المتعددة القوميات فقد بقيت أهميتها في الاقتصاد العالمي محدودة للغاية من ناحية لان القطاعات التي كانت تعمل فيها هذه الشركات وبشكل أساسي البترول , السيارات و الألمنيوم , رغم أهميتها في الاقتصاد اليوم , أم تكن تلعب دور أساسيا في اقتصاديات الدول الرأسمالية آنذاك , إذا كانت الرئيسية هي الفحم , السكك الحديدية , الحديد والصلب ...الخ وبقيت هذه الصناعات بعيدة عن عمل الشركات المتعددة القوميات ومن ناحية أخرى لضيق حجم النشاط الدولي لهذه الشركات .
- والظروف الدولية الاقتصادية في فترة مابين الحربين العالميتين لم تكن لتسمح بنمو أكبرى الاستثمارات الدولية المباشرة من ناحية بسبب عدم استقرار الأوضاع النقدية في أوربا نتيجة لتضخم الهائل على أن هذه الأوضاع تغيرت تماما بعد الحرب الثانية بإبرام الاتفاقية العامة لرسوم الجمركية والتجارة المعروفة باسم (gat) والتي تولت وضع أسس ومبادئ عامة لتنظيم التبادل التجاري الدولي فأزاحت بذلك واحدا من أهم العوائق التي كانت تعترض سبيل الشركات المتعددة القوميات .

   وكذلك اتفاقية إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوربية المعقودة في روما سنة 1957 أعطت دفعة هائلة لنشاط هذه الشركات وهكذا فإن الظروف كلها كانت مهيأة منذ نهاية الحرب العالمية لظهور الشركات المتعددة الجنسيات.


المبحث الثالث : خصائص الشركات المتعددة الجنسيات . 

  يتسم النظام الاقتصادي العالمي الجديد بتعميق عولمة الاقتصاد وتزداد فيه دور المؤسسات الاقتصادية الدولية ، وتبرز فيه عدد من الملامح الهيكلية. تتمتع الشركات المتعددة الجنسيات والتي تعد من أهم ملامح ظاهرة العولمة أو النظام الاقتصادي المعاصر بالعديد من الصفات والسمات التي تميزها وتتحدد دورها وتأثيرها على النظام الاقتصادي العالمي، ومن أهم هذه الصفات : 

1- ضخامة الحجم : تتميز هذه الشركات بضخامة حجمها وتمثل كيانات اقتصادية عملاقة ، ومن المؤشرات التي تدل على هذا ، حجم رأس المال وحجم استثماراتها وتنوع إنتاجها وأرقام المبيعات والإيرادات التي تحققها ، والشبكات التسويقية التي تملكها ، وحجم إنفاقها على البحث والتطوير ، فضلا عن هياكلها التنظيمية وكفاءة أدارتها . ولكن أهم مقياس متبع للتعبير عن سمة الضخامة لهذه الكيانات الاقتصادية العملاقة، يتركز في المقياس الخاص برقم المبيعات أو ما يطلق عليه " رقم الأعمال". كذلك يستخدم حجم الإيرادات لنفس الهدف ، ووفقاً لهذا المقياس احتلت شركة ميتسوبيشي ، بإجمالي إيراداتها الذي بلغ 184,4 مليار دولار ، المرتبة الأولى بين أكبر خمسمائة شركة متعددة الجنسيات في عام 1995 م ، والتي يصل أجمالي إيراداتها إلى نحو 44% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كذلك تستحوذ هذه الشركات على نحو 80% من حجم المبيعات على المستوى العالمي. أن نشاط الشركات المتعددة الجنسيات حقق معدلات نمو مرتفعة تجاوزت 10% سنوياً أي نحو ضعف معدل النمو في الاقتصاد العالمي ومعدل نمو التجارة العالمية.

2- ازدياد درجة تنوع الأنشطة : تشير الكثير من الدراسات والبحوث، إلى إن الشركات المتعددة الجنسيات تتميز بالتنوع الكبير في أنشطتها ، فسياستها الإنتاجية تقوم على وجود منتجات متنوعة متعددة ، ويرجع هذا التنوع إلى رغبة الإدارة العليا في تقليل احتمالات الخسارة ، من حيث أنها إذا خسرت في نشاط يمكن أن تربح من أنشطة أخرى . وقد قامت هذه الشركات بإحلال وفورات مجال النشاط ، محل وفورات الحجم .والتي انتهجتها الشركات الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لذلك تتشعب الأنشطة التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات قطاعياً وجغرافياً ن وهذا بالتالي يؤدي إلى تحقيق التكامل الأفقي والرأسي .

3 - الانتشار الجغرافي – الأسواق : من الميز التي تتميز بها الشركات المتعدية الجنسيات هي كبر مساحة السوق التي تغطيها وامتدادها الجغرافي ، خارج الدولة الأم ، بما لها من إمكانيات هائلة في التسويق ، وفروع وشركات تابعة في أنحاء العالم. لقد ساعدها على هذا الانتشار التقدم التكنولوجي الهائل، ولاسيما في مجال المعلومات والاتصالات. وتكفي الإشارة إلى أن شركة ABB السويسرية، تسيطر حالياً على أكثر من 1300 شركة تابعة منتشرة في معظم أنحاء العالم، مع العلم أن السوق السويسرية لا تستوعب إلا نسبة بسيطة للغاية من إجمالي مبيعات الشركة . وقد ساعدت على ذلك كله إبداعات الثورة العلمية والتكنولوجية في مجالي المعلومات والاتصالات ، حيث أصبح ما يسمى الإنتاج عن بعد ، حيث توجد الإدارة العليا وأقسام البحث والتطوير وإدارة التسويق في بلد معين ، وتصدر أوامر بالإنتاج في بلاد أخرى .

4 - القدرة على تحويل الإنتاج والاستثمار على مستوى العالم : أن هذه الخاصية ناتجة عن كون هذه الشركات تتميز بنشاطها الاستثماري الواسع في العالم، وكذلك كونها كيانات عملاقة متنوعة الأنشطة تسودها عمليات التكامل الأفقي والرأسي . على الرغم من ضخامة الاستثمارات الدولية التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات ، فإن أكثر من ثلثي استثماراتها تتركز في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي 
( إنجلترا وألمانيا وفرنسا ) وسويسرا واليابان، ويعود هذا التركز إلى العوامل التالية : 

- المناخ الجاذب لهذه النوعية من الاستثمارات ، - ارتفاع العائد على الاستثمارات ، - تزايد القدرات التنافسية للدول المضيفة والتي تتحقق عادة من خلال انخفاض تكلفة عنصر العمل وتوافره وارتفاع مستواه التعليمي ومهاراته وإنتاجيته ، - توافر البنية الأساسية وتسهيلات النقل وتقدم شبكات الاتصالات ، - والطاقة الاستيعابية للاقتصاد القومي .

5 - إقامة التحالفات الإستراتيجية : وهي تعتبر من السمات الهامة للشركات متعددة الجنسيات والتي تسعى دوماً إلى إقامة تحالفات إستراتيجية فيما بينها ومن أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية المشتركة وتعزيز قدراتها التنافسية والتسويقية. أن هذه التحالفات هي نتاج المنافسة المحتدمة والتي صارت سمة أساسية للأسواق المفتوحة وثورة الاتصالات والمعلومات . أن التحالفات الإستراتيجية بين الشركات المتشابهة تتم في الصناعات المتماثلة بدرجة أكبر، وفي بعض الأحيان يأخذ هذا التحاف شكل الاندماج ، وهذا يظهر بوضوح في مجال البحث والتطوير بما يحتاجه إلى تمويل ضخم ، ومن الأمثلة على هذا التعاون ، التمركز الأوروبي لبحوث الحاسوب والمعلومات والاتصالات التي تشترك فيه ثلاثة شركات أوروبية كبرى تنتج الحاسبات الآلية ، وهي بول الفرنسية Bull و TCL البريطانية و سمنز الألمانية ، وقد يتحول التحالف الاستراتيجي أيضاً إلى شركات تابعة مشتركة ، للشركات متعددة الجنسيات. وكل هذا يمثل صيغ للتعاون لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لكل شركة متعددة الجنسية تدخل في التحالف الاستراتيجي الذي يتم الاتفاق عليه .

6 - المزايا الاحتكارية : تتمتع الشركات متعددة الجنسيات بمجموعة من المزايا الاحتكارية ، وترجع هذه السمة إلى أن هيكل السوق الذي تعمل فيه هذه الشركات ، يأخذ شكل سوق احتكار القلة في الأغلب الأعم، ومن أهم عوامل نشأته تمتع مجموعة الشركات المكونة له من احتكار التكنولوجيا الحديثة والمهارات الفنية والإدارية ذات الكفاءات العالية والمتخصصة . وهذا الوضع يتيح للشركات المتعددة الجنسيات الفرصة لزيادة قدراتها التنافسية ومن ثم تعظيم أرباحها وإيراداتها .

   وتتحدد المزايا الاحتكارية في أربعة مجالات هي التمويل ، والإدارة ، والتكنولوجيا ، والتسويق. وتنبع المزايا التمويلية من توافر موارد عالية كبيرة لدى الشركة المتعددة الجنسية، وتمكنها من الاقتراض بأفضل الشروط من الأسواق المالية العالمية نظراً لوجود عنصر الثقة في سلامة وقوة مركزها المالي . تتمثل المزايا الإدارية في وجود الهيكل التنظيمي الذي يكون على أعلى مستوى من الكفاءة ، ويسمح بتدفق المعلومات وسرعة الاتصالات ، ويؤدي بالتالي إلى اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب .

   أن توافر المزايا الإدارية يتيح لهذه الشركات التمييز والتفوق ، لذلك تحرص على وجود وحدات متخصصة وقادرة في مجالات التدريب والاستشارات والبحوث الإدارية . وتحصل الشركات على المزايا التقنية، من خلال التطوير التكنولوجي المستمر، للاستجابة لمتطلبات السوق، والحد من دخول منافسين جدد وتقرير وضعها الاحتكاري، ولذلك تحرص هذه الشركات على التجديد والابتكار وتحسين الإنتاجية وتطويرها وزيادتها وتحقيق مستوى عال من الجودة. تأتي المزايا التسويقية للشركات المتعدية الجنسيات من خلال الشبكات التوزيعية والتسويقية ، التي تعمل على توفير منتجاتها بحالة جيدة في الوقت المناسب .

   إن هذه الشركات تهتم بأبحاث السوق والتركيز على أساليب الترويج والدعاية والإعلان لمنتجاتها لضمان طلب متزايد ومستمر عليها .

7- تعبئة المدخرات العالمية : أن كل شركة من الشركات متعددة الجنسيات تنظر إلى العالم كسوق واحدة ، ومن ثم تسعى إلى تعبئة المدخرات من تلك السوق في مجموعها بالوسائل التالية :

1. طرح الأسهم الخاصة بتلك الشركات في كل من الأسواق المالية العالمية الهامة وكذلك الأسواق الناهضة، وغيرها . #تعتمد الشركات متعددة الجنسيات، عند الإقدام على عمليات كبرى مثل شراء أسهم شركة منافسة بالقدر الذي يسمح بالسيطرة على إدارتها مثلاً، إلى الاقتراض من البنوك متعددة الجنسيات وبمعدلات عالية .

2. تستقطب الشركات متعددة الجنسيات الجزء الأعظم من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتوجهه أساساً إلى أسواق الدول الصناعية التي تمثل ثلاثة أرباع السوق العالمية .

3 . إلزام كل شركة تابعة بأن توفر محلياً أقصى ما يمكن لتمويل اللازم لها، من خلال وسائل مختلفة مثل المشروعات المشتركة، طرح الأسهم الخاصة بتلك الشركات في الأسواق المالية العالمية، الاقتراض من الجهاز المصرفي المحلي وغيرها . 

  وبهذه الوسائل يمكن للشركات متعددة الجنسيات أن تقوم بتعبئة مقادير متزايدة من المدخرات العالمية .

8- تعبئة الكفاءات : تتميز الشركات متعددة الجنسيات بعدم تقيدها بتفضيل مواطني دولة معينة عند اختيار العاملين بها حتى أعلى المستويات ، فالمعيار الغالب الذي تأخذ به هو معيار الكفاءة. و النمط المعمول به في اختيار العمالة في هذه الشركات هو الاستفادة من الكادر المحلي لكل شركة تابعة بع اجتياز سلسلة من الاختيارات والمشاركة في الدورات التدريبية .

9- التخطيط الاستراتيجي والإدارة الإستراتيجية : يعتبر التخطيط الاستراتيجي أداة لإدارة الشركات متعددة الجنسيات ، وهو المنهج الملائم الذي يضمن ويؤدي إلى تحقيق ما تهدف إليه الشركة متعددة الجنسية والتعرف على ما ترغب أن تكون عليه في المستقبل . يكثر استخدام التخطيط الاستراتيجي في الشركات المتعددة الجنسيات وهي تسعى من خلال ذلك اقتناص الفرص وتكبير العوائد ، وتحقيق معدلات مرتفعة في المبيعات والأرباح ومعدل العائد على رأس المال المستثمر. أن التخطيط الاستراتيجي هو الأداة الأساسية التي تستخدمها وتقوم بها الإدارة الإستراتيجية في تلك الشركات ، لتحقيق الأهداف الإستراتيجية . وتعد الخطط الإستراتيجية في غالبية الشركات المتعدية الجنسيات في المراكز الرئيسية، ويترتب على ذلك أن قواعد التخصيص ووضع الأهداف الخاصة بكل شركة تابعة يرتبطان بتحقيق الأهداف الإستراتيجية للشركة وخدمة إستراتيجيتها العالمية .

   تعاظم الشركات المتعددة الجنسيات هناك العديد من المؤشرات والتي تدل على تعاظم دور الشركات المتعددة الجنسيات والعالمية النشاط ومن أهمها :

-  أن حوالي 80% من مبيعات العالم تتم من خلال الشركات متعدية الجنسيات، وهو ما يعكس ضخامة قدرتها التسويقية والإنتاجية التي مكنتها من السيطرة على جزء هام من حركة التجارة الدولية .

- الدور الكبير الذي تلعبه هذه الشركات في تسريع الثورة التكنولوجية ، فبفضلها زادت نسبة الاكتشافات التكنولوجية الحديثة والتي كانت نتيجة لجهود البحث والتطوير التي قامت بها هذه الشركات 

10- التركيز على النشاط الاستثماري :

   تُشير البيانات والمعلومات المتاحة إلى أن الشركات متعددة الجنسية تتميَّز بالتركُّز في النشاط الاستثماري الضخم الذي تقوم به تلك الشركات ، ولعل تفسير هذا التركيز في النشاط الاستثماري يرجع بالدرجة الأولى إلى مناخ الاستثمار الجاذب لهذا النوع من الاستثمارات بمُكوِّناته المختلفة بالإضافة إلى ارتفاع العائد على الاستثمار، وتزايد القدرات التنافسية للدول المضيفة في العناصر الخاصة بتكلفة عنصر العمل، ومدى توافره ومستواه التعليمي، ومهاراته الإنتاجية والبنية الأساسية ومدى قوتها وتكاليف النقل، والوقت الذي يستغرقه الشحن، وتسهيلات النقل والاتصالات اللاسلكية والكهرباء والطاقة والأرض، والتسهيلات التمويلية كلها وغيرها، تجعل دولاً معينة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المتدفقة من الشركات متعددة الجنسية، بالإضافة إلى الجوانب الخاصة بالمعلومات والخدمات المدعَّمة للأعمال، وتوافر المُدخَلات في السوق المحلية وغيرها، يُضاف إلى ذلك الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني والصحة الاقتصادية، وإثبات المقدرة على النمو وغيرها من العوامل .


11- الإنتماء غالباً إلى دول اقتصاديات السوق المتقدمة صناعيا: 

   ينتمي المركز الرئيسي أو الشركة الأم في معظم الحالات إلى دول اقتصاديات السوق المتقدمة صناعيا، وفي مقدمتها الو.م.أ لوفرة رأس المال، واحتكار التكنولوجيا لتهيئ مناخ الاستثمار لنمو هذا النوع من الشركات، ولذلك نرى هذه الشركات مركزة بفروعها في عدد من الدول المتقدمة..


الفصل الثاني : اقتصاد الشركات المتعددة الجنسيات .

المبحث الأول : دور الشركات المتعددة الجنسيات 

المطلب الأول :في ظل العولمة .

   لقد نتج عن التغيرات الإقليمية والدولية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية نظام عالمي جديد بمضامينه وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والمالية والثقافية والسياسية المبني على اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وتنامي دور الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية التي أخذت تفرض على الدول النامية سياسات وبرامج إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي وإحداث تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقات الدولية وصياغة علاقات مجتمعية إنسانية جديدة.

   وتعتبر الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات متعددة القومية من الظواهر البارزة في الاقتصاد العالمي ذات تأثير كبير في سياسات الدول المتقدمة فدفعتها لتحقيق أهدافها في إطار تعديل أسس الولاء من الدولة الوطنية إلى الولاء إلى المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات ولقد تعددت تعاريف ومفاهيم هذه الشركات بتعدد جوانبها وأبعادها وأدوارها والتي أخذت أنماطاً مختلفة منها ما هو تجاري أو خدمي أو صناعي أو كلي تتكامل فيما بينها رأسياً وأفقياً.

  وعلى هذا الأساس فإن هذه الشركات اندمج رأسمال المصرفي مع رأسمال الصناعي في رأسمال مالي أي بدمج العمليات الثلاثة الصناعية والتجارية والمالية بكل الاتجاهات وكل أنواع الاستثمارات.

  ولقد ازداد عدد الشركات متعددة الجنسيات حيث أصبحت في أواسط التسعينات /35/ ألف شركة تتوزع على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية واليابان، وفي مستوى هذه الشركات تسيطر /100/ شركة الأكبر فيما بينها على معظم الإنتاج العالمي، وقد أكسبت الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة قوة إضافية لهذه الشركات وقدرة على الإنفاق على البحث العلمي. ويتضح من خلال نشاط هذه الشركات أنها قد ساهمت بشكل كبير في تفكيك عملية الإنتاج على الصعيد الدولي التي تتسم بعدم الاستقرار وبقابلية الإنقطاع والتي تهربت من أية رقابة أو اتفاقيات ملزمة وأنها نسقت مع المؤسسات المالية والمنظمات الدولية في الدخول إلى الدول النامية.

   ولقد تجسدت ممارسة هذه الشركات في نشاطاتها في الاقتصاد الدولي بنمو دورها في تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة والقيم المضافة والمساهمة في تشكيل نظام تجارة دولية حرة والتسريع في نمو أكبر للاستثمار 
المباشر العالمي والتطور السريع للعولمة المالية وتنامي التأثير على السياسات الاقتصادية للدول والمساهمة في تعميق الفقر في العالم وهجرة الأدمغة وتعميق الفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والدول النامية.

   ويمكن إيجاز أثر هذه الشركات على الاقتصاد الدولي بإضعاف سيادة الدول المتصلة وتقليص دورها الاقتصادي والاجتماعي وخلق شريحة اجتماعية طفيلية وإضعاف ميزان المدفوعات وحرمان الدول المضيفة من أنشطة البحث 
العلمي والتطوير وإغرائها بمنحها عائداً أكبر لاستثماراتها لإبعادها عن إرساء قاعدة إنتاجية لها وبنفس الوقت استغلال المزايا النسبية للدول المضيفة ولجوء هذه الشركات للتمويل من السوق المحلية في المرحلة اللاحقة والمساهمة بمعدلات 
منخفضة في العبء الضريبي وزيادة الفساد في المجتمع.

   ومن هنا تبدو أهمية تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد عن طريق إيجاد تعاون إقليمي بين الدول وإعادة هيكلية صندوق النقد الدولي وضرورة إصلاح نظام التجارة العالمي وتعزيز التعاون الصادق بين دول الجنوب ودول الشمال وبمراقبة مناسبة على تحرك رؤوس الأموال الخاصة وتشجيع تعاون عالمي في العلوم ونقل التكنولوجيا إلى الدول 
النامية.

المطلب الثاني : في الإقتصاد العالمي .

   تمثل هذه الشركات أحد العوامل المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي فمنذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر شكلت نقطة تحول هامة في النشاط الاقتصادي الدولي الذي كان سائداً ,وبعد مرحلة الحرب العالمية الثانية تزايد عدد هذه الشركات , وازدادت فروعها في العالم وفي ظل عصر العولمة نحن أمام شركات عملاقة متعددة الجنسيات , تعمل على تكييف مختلف الأنظمة والسياسات الاقتصادية في العالم منذ التسعينيات مع مظاهر ومعطيات العالم الجديد , الذي تعيد تشكيله ونتناول هذه الشركات بالدراسة والتحليل من خلال عدة جوانب :‏

أ - التمييز بين الشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الكبيرة في مرحلة الامبريالية‏.

   أجريت دراسة تفصيلية حول الشركات متعددة الجنسية والتميز بينها وبين الاحتكارات الكبيرة التي كانت السمة الأساسية في مرحلة الإمبريالية من عدة وجوه رئيسية‏ :

1- إن الاحتكارات السابقة كانت تهتم بشكل رئيسي على تركيز نشاطها داخل إمبراطورية استعمارية , وكانت ترفع شعار الوطنية وتحاول حماية السوق القومية من المنافسة الخارجية , وكان لبعضها فروع أساسية داخل أراضي الإمبراطورية وخارجها في بعض المجالات كالتعدين والطاقة ونشاطات مالية وتجارية في حدود طبيعية , أما الشركات متعددة الجنسية فينتشر نشاطها في عشرات الدول بهدف الاستفادة من أية ميزة نسبية توفرها أية دولة , وهي غالباً تحصل على تمويل محلي من كل بلد يمتد إليه نشاطها كما تنتقي كوادرها على أساس الكفاءة والأداء بغض النظر عن جنسية أي منها فهي تحاول محو أية صلة خاصة بين شركة وحكومة واقتصاد بلد المقر وتحاول إخفاء نسبة الشركة الى جنسية معينة ويكتفي باسمها سواء 
حين التعريف بها أو إنتاجها .‏

2- كانت الاحتكارات السابقة تكتفي بنشاط أساسي محدد أما الشركات متعددة الجنسية فإن أهم خصائصها تعدد النشاطات التي تشتغل ضمنها دون الالتفات إلى الروابط الفنية بين المنتجات المختلفة فنجد في سبع شركات ميتسوبيشي متفاوتة المكانة ميتسوبيشي للسيارات, ميتسوبيشي الكهرباء, بنك ميتسوبيشي - ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة , ميتسوبيشي للكيماويات , ميتسوبيشي المصرفية , ميتسوبيشي للمواد , أيضاً شركة /تايم وارنر/ تشتغل بعدد كبير من شركات النشر والملاهي والإعلام إلى استوديوهات هوليود والشبكة الإخبارية cnn .‏

3- الاحتكارات السابقة لم تكن تعطي التطوير التكنولوجي العناية اللازمة أما الشركات متعددة الجنسية فإن التطور التكنولوجي هوعمودها الفقري وهي تسهم مساهمة متزايدة في تحويل عمليات البحث والتطوير الى جانب الدولة فنجد أن الإنفاق على البحث والتطوير في ألمانيا بلغ 2,8% من الناتج المحلي الإجمالي أي 2ر37مليار دولار يسهم فيها المال العام بنسبة 37% والصناعات المختلفة بنسبة 60,1% وفي اليابان 21,8% , 86,2% على التوالي وفي أميركا 39,2% و 58,7% .‏

4- لم تكن الاحتكارات السابقة ذات نشاط مالي واسع بينما الشركات متعددة الجنسية زاد نشاطها المالي والتجاري وتعددت الأساليب الجديدة للتعامل مع الشركات الصغيرة والعمال وتفضيل الشركات لعمليات المضاربة في الأسواق المالية عوضاً عن الاستثمار الانتاجي ويقدر حجم التعامل اليومي في الأسواق المالية (تريليون دولار)

 4- التوزيع السياسي للشركات متعددة الجنسيات‏ : 

   مع أن هذه الشركات موجودة بنشاطاتها وعملياتها واستثماراتها في كل أرجاء المعمورة (حسب قائمة فورشن 500 شركة) نجد أن (418) شركة منها تتخذ مقرها الرسمي في ثلاث مناطق اقتصادية رئيسية يتركز فيها ثروة تقدر بحوالي 20 تريليون دولاراً أي أكثر من 80% من إجمالي الانتاج القومي العالمي وتستأثر بحوالي 85% من إجمالي التجارة العالمية‏ 
هذه المناطق الثلاث هي :‏

1-  منطقة الاتحاد الأوروبي التي تضم 155 شركة‏.

2- منطقة الولايات المتحدة الأميركية التي تضم 153 شركة‏.

3- منطقة اليابان التي تضم 141 شركة‏.

   ويتضح أن هذه الشركات تتمركز في مناطق الدول الصناعية المتقدمة الناضجة رأسمالياً لكن هناك حالة وحيدة تشذ عن هذه القاعدة وهي الشركات المتواجدة في كوريا الجنوبية والتي امتد نشاطها الى عشرات الدول حيث تضم قائمة (فورشن) 12 شركة مقرها في كوريا مثل lg الدولية و lg للإلكترونيات و daewo (سيارات ¯ إلكترونيات ¯ أعمال مصرفية) أما بقية المناطق مثل أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا حتى الدول النفطية في الخليج العربي , فهي في 
العموم مناطق اقتصادية غير أساسية بالنسبة لنشاطات هذه الشركات , فهي تشكل بالنسبة لهذه المناطق مصدر رعب لأنها تستغل هذه المناطق بسبب امتلاكها قدرات احتكارية ضخمة تهدد بها سيادة هذه الدول واقتصادها .

ج- ظاهرة الإنتاج عن بعد :‏

   تنتشر هذه الظاهرة التي تقوم بها الشركات متعددة الجنسية بإعادة رسم خريطة الإنتاج على المستوى العالمي حيث تعمد 
شركة معينة الى التخصص في إنتاج سلعة معينة مروراً بكل مراحل إنتاجها ولكن دون أن تستقر في بلد واحد وهذا يعني الانتقال من الاستراتيجية الانتاجية الوطنية الى استراتيجية الانتاج العالمي بعدم تمركز أو حصر الانتاج محلياً فمثلاً شركة (بيشينه) تستخرج البوكسيت من استراليا وتحوله لالومين في أميركا وتنتج الألمنيوم في الغابون باستخدام الالومين المنتج بواسطة فروعها في غينيا .‏

   وباعتماد هذا الاسلوب من الانتاج يصعب نسبة سلعة معينة الى بلد واحد باعتبار أن السلعة تنتج كأجزاء من آلاف المصانع المنتشرة في العديد من الدول .‏

... فالعالم الآن يشتري ماركات عالمية لاتحمل منشأ الصنع وبدأت تظهر عبارات صنع لدى مرسيدس أوتويوتا أو فيلبس .
د-  ظاهرة اندماج الشركات والمصارف:‏

   وهي تأخذ شكل ابتلاع وامتلاك الشركات والمصارف الأضعف نسبياً وهي تعبير عملي لتمركز رأس المال والإنتاج , وقد شهد القطاع المصرفي في العقد الأخير من القرن الماضي سلسلة كاملة من حالات الاندماج والابتلاع أبرزها (بوينغ) (ماكدونال ¯ دوغلاس) وكذلك (لوكهيد) (مارنين ¯ مريتيا) في صناعة الطائرات (وتشيز مانهاتين) (كيميكال بنك) في القطاع المصرفي , وهناك أكثر من (2500) عملية اندماج وابتلاع تمت عبر الحدود خلال النصف الأول من عام 1999 قدرت قيمتها ب (411) مليار دولار وكانت مصارف وشركات ألمانيا رائدة في هذا المجال في أوروبا الغربية وعلى رأسها العملاق (الألماني ¯ الأميريكي) (دايملر ¯ كرايزلر) وهي شركة صناعية متشعبة في صناعة السيارات والطيران والفضاء , في شهر آب /1999/ أعلنت الشركة الكندية (آلكان) والفرنسية (بتشيناي) والسويسرية (الوسويس) عن رغبتها في إنشاء أكبر مجموعة للألمنيوم في العالم 
وأيضاً في القطاع المصرفي نجد هناك حالات ابتلاع ودمج شديدة مثل دمج ثلاث مصارف يابانية (انداستراييل بنك أوف جابان) ومصرف (داي ¯ إبتش كانغيو بنك) ومصرف (فوجي بنك) وتشكيل مجموعة مصرفية ضخمة برأسمال قدره (142) مليار دولار , وأيضاً مشروع دمج (بنك ناسيونال دي باري) الفرنسي و (سوسيتيه جنرال) و(باريبا) برأسمال قدره (957) مليار يورو .‏

  وهذه الظاهرة تؤدي الى خفض تكلفة الانتاج ومضاعفة الارباح وتعزيز القدرة التنافسية للشركات العملاقة ولكنها بالجانب الآخر تدمر فرص العمل وتؤدي إلى تفاقم اللامساواة الاجتماعية وتضعف السيادة الوطنية للدولة .‏

هـ - تقويض وتغيير دور الدولة الاقتصادي والسياسي‏ :

    لابد هنا من الاشارة الى بعض ممارسات هذه الشركات التي تحاول فيها الحد من دور الدولة الاقتصادي والسياسي‏ :

1- حيث تستعين هذه الشركات بموظفين دوليين تابعين لمنظمات دولية،صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لكي يحلوا محل الحكومات الوطنية في كثير من القضايا وتقوم هذه الشركات بالاعتماد على نظم أمن خاصة وشركات بريد خاصة وتقوم بإصدار بطاقات تحل محل النقود وتقوم بالاستيلاءعلى المرافق العامة والخدمات عبر آليات التخصيص .‏

2-  محاولة التهرب الضريبي‏ :

   أيضاً هذه الشركات تحاول أن تكون بعيدة عن سطو القانون والضريبة لأنها تتقن التهرب منها فهي تقوم باتخاذ المال وطنا يستقر حيث يأمن وينمو بعيداً عن كل مسؤولية وهي تقوم بذلك باستخدام آلية (السعر التحويلي)‏ /

1- فإذا كانت الضرائب على أرباح الشركات مرتفعة في الدولة الأم عنه في الدولة المضيفة وكانت الشركة الأم تصدر الى الشركة التابعة لها فإنها في هذه الحالة ستسعر صادراتها الى فرعها في الدولة المضيفة بسعر أقل من الواقع (مدعية عدم تحقيق أرباح) ناقلة بذلك الأرباح من الشركة الأم الى الشركة التابعة لها وبهذا تقلل من العبء الضريبي الكلي للشركة وعلى العكس من ذلك .‏

2- ويستخدم السعر التحويلي للتهرب من الضرائب الجمركية على الواردات فكلما كانت مستويات هذه الضرائب مرتفعة في الدولة المستوردة كلما لجأت الشركات لتسعير السلعة بسعر أدنى من الواقع لتجنب دفع الضريبة .‏

3- وقد يستخدم السعر التحويلي كأداة للتهرب من القيود التي تفرضها الدولة المضيفة على مقدار الأرباح التي تحولها الفروع الى الشركة الأم , فعندما ترغب هذه الشركات أن تعيد أرباحها من الشركة التابعة الى الأم تلجأ الى تسعير الصادرات من الشركة التابعة الى الأم بسعر أدنى من الواقع أو تسعيرالصادرات من الشركة الأم الى التابعة بسعر أعلى من الواقع وتكون الأرباح بذلك قد تحولت فعلاً من الشركة التابعة الى الشركة الأم وتشير الأرقام الى أن هذه الشركات لم تقدم أكثر من 9% من فئة الضرائب العامة .‏

3- أثرها في ميزان مدفوعات الدولة :‏

   أيضاً تؤثر هذه الشركة في ميزان مدفوعات الدولة المضيفة وذلك من خلال أن دخول رؤوس الأموال الى الدولة المضيفة والأرباح والفوائد المحمولة الى هذه الشركة في مقرها الأم ورواتب الموظفين والعمال في الفرع الذي يعتبرون من رعايا الدولة المضيفة (أجانب) سيخرجونها من الدولة المضيفة الى الدولة الأم وكذلك براءات الاختراع وحقوق الملكية ورسوم الترخيص المدفوعة من الفرع الى الشركة الأم مقابل استخدام التكنولوجيا أوالعمليات الانتاجية والعلاقات التجارية , كل ذلك يسجل في الجانب المدين لميزان مدفوعات الدولة المضيفة وبالتالي فإنه يحدث أثراً سلبياً إلا إذا قامت الشركات متعددة الجنسيات بالإنتاج للسوق المحلي في الدولة المضيفة وصدرته للدول الأخرى فإن ذلك يساهم في تحسين ميزان مدفوعات الدولة المضيفة .‏

و - الهيمنة على اقتصاد العالم :‏

   تشير المعلومات الى سعي الشركات متعددة الجنسيات للسيطرة على العملية الاقتصادية الدولية ذلك من خلال استعراض عدد من الأرقام المتوفرة :‏
امتلكت 40 ألف شركة احتكارية 250 ألف شركة فرعية حتى نهاية عام 1993 وبلغت قيمة مبيعاتها الاجمالية في العام نفسه أكثر من )5500( مليار دولار أميريكي وقيمة صادراتها (4000) مليار دولار أمريكي .‏

  إن إيرادات الشركات الخمسمئة (مجلة فورشن تموز 1996) (11,4) تريليون دولار وفي عام 1995 تساوي 45% من الناتج المحلي الاجمالي لمجموع الدول المذكورة في تقرير التنمية في العالم في عام 1996 
(25,3) تريليون دولار , وإذا استبعدنا من المقارنة الدول ذات الدخل المرتفع نجد أن مجموع إيرادات الشركات المذكورة (159,8%) من مجموع إجمالي الناتج المحلي لمئة وتسع دول تقطنها الغالبية العظمى من البشر .‏

   %80 من التجارة الدولية كانت في عام 1995 تحت هيمنة تلك الشركات متعددة الجنسية‏ 
ارتفعت التوظيفات المباشرة للشركات متعددة الجنسية من 500 مليار دولار الى 2700 مليار دولار أمريكي بين 1980 ¯ 1995 وبلغ مجموع التوظيفات المباشرة لها في عام 1995 أكثر من 3,5 مليار دولار أمريكي .‏

   وجدير بالإشارة إلى أن التوظيفات المباشرة لهذه الشركات تركز على عدد قليل من الدول الصناعية ففي الوقت الذي استحوذت عشر دول صناعية على ثلثي التوظيفات المباشرة لعام (1995) , بلغت نسبة توظيفاتها في (100) دولة لا تحتل موقعاً مهماً في التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل 1% فقط من إجمالي توظيفات تلك الشركات.

المبحث الثاني : الأهداف الاستراتيجية و المالية للشركات .

المطلب الأول : الأهداف الإستراتيجية :

   يجري عادة التمييز بين القرارات الأستراتيجية ، و القرارات التشغيلية في الشركات المتعددة الجنسيات .و ان إعداد الأستراتيجية يكون أكثر تعقيدا في الشركات متعددة الجنسيات و ذلك لانه يتعين عليها أن تأخذ في الحسبان أسواق عديدة ، وعملات متعددة ، و ثقفات متعددة و غيرها .ومن ثم يمكن تحديد الأهداف الأستراتيجية فضلا عن الأهداف المالية . ومختلفة إدارة الشركة و سياستها تبعا لجنسية كل من الشركات المتعددة الجنسيات .

1- تكوين الأستراتيجية  :

    قبل تحديد الأستراتيجية للشركات المتعددة الجنسيات لابد من تحديد مهمتها و إجراء تقييم شامل للبيئة الإجمالية و تحليل للتنظيم و بيان نقاط القوة و الضعف فيه .ودراسة العديد من الإستراتيجيات المتعاقبة ، واختيار استراتيجية معينة و تطبيقها ،ومن تم إجراء التقييم و الرقابة .إن تكوين استراتيجية إجمالية يصبح شيئاً فشيئا مسألة حتمية في بيئة التحول السريع ، وذلك لان السوق تمتد على المستوى العالمي و الموارد تتأتى من اتجاهات عالمية .

   إن الإدارة الاستراتيجية تساعد على التنسيق أفضل و تكامل للعمليات المتحققة في بلدان عديدة ،كما تساعد الشركات على التكيف بشكل ملائم مع التغيرات البيئية بفضل التنظيمات المختلفة و نشاطاتها .وتحديد الاستراتيجية يتم في الداخل اللجان الأستراتيجية ، التي تأخد على عاتقها تحديد الأهداف الكلية فضلا عن تطور الأستراتيجية الإجمالية للشركات المتعددة الجنسيات .وهذه اللجان يمكن أن تضم في عضويتها على سبيل المثال الرئيس ، ونائب المدير العام ،و المدير العام للمالية ، ومدير عام البحث و التطوير ، و المستشار . ويجتمع هؤلاء الأعضاء في اللجان مرتين في السنة ، وفي بعض اللجان الأستراتيجية يوجد كذلك مسئولي الأقسام المختلفة و مدراء الفروع الأجنبية فضلا عن مدراء الفروع المحلية .


2- الأهداف الإستراتيجية :

   تعتمد استراتيجية مجموعة الشركات متعددة الجنسيات على جملة أمور و قرارات استراتيجية تتبناها هذه الشركات و تلتزم بها لفترة طولية ، وتتمثل أغلب هذه القرارات في دعم و جود مجموعة الشركات في بعض الأسواق ،و إنتاج منتجات و تقديم خدمات جديدة ، وتوسيع أهداف حصص السوق ، والدخول في أسواق خارجية ، و اقتناء شركات جديدة ، واعادة تمركز النشاطات و اعتماد تنظيم جديد ، و انتشار أماكن العمل .

المطلب الثاني : الأهداف المالية :

  تتعدد الأهداف المالية المنشودة بالنسبة لمجموعة الشركات المتعددة الجنسيات . وتختلف هذه الأهداف تبعاً للبدان و أحياناً داخل البلد نفسه .ويتمثل أبرز الأهداف فيما يأتي :

1- تعلية التدفقات النقدية.

2-تعلية معدل العائد على حقوق الملكية .

3-تعلية معدل العائد على الأموال المستثمرة .

4- تعضيم قيمة الشركة .
ً 
المبحث الثالث : الشركات المتعددة الجنسيات و الدول :

المطلب الأول :موقف الدولة الأم :

1- من أهم المزايا التي تقدمها الشركات المتعددة الجنسيات للدولة الأم أنها تكون بمثابة و سائل تضمن تزويدها بالموارد المعدنية و الإستراتيجية و الطاقة الضرورية .

2- لكنها في بعض الحالات تمثل خطرا على الدولة الأم .حيث تساهم في نقل رؤوس الأموال خارج هذه الدولة ، وتنتج سلعا في الخارج شبيهة بالسلع المنتجة في الدولة الأم ، مما يدفع هده الأخيرة إلى إعادة استيرادها ، وهذا يؤثر 
على ميزان المدفوعات الخارجية ،كما يؤدي إلى القضاء على التشغيل في المجال الصناعي .

المطلب الثاني : موقف الدولة المضيفة .

  للتذكير فإن أصل هذه اشركات يعود إلى الدول المتقدمة و التي تتبنى اقتصاد السوق .و الدوافع الرئيسي إلى ظهورها هو الأقتصاد الحر العالمي الذي تطور مند عام 1945.

ونسنبرز هذا الموقف على مستويين :المستوى الاقتصادي ،والمستوى السياسي :

1-على المستوى الأقتصادي :

- نظرا لحاجة دولة الأستقبال ( النامية ) إلى استثمار هذه الشركات ،فغالبا ما تصدر قوانين الأستثمار التي يتضمن إجراءات تشجيع هذه الشركات على الأستثمار.من بين هذه الإجراءات :إعفاء هده الشركات من دفع الرسوم و الضرائب .

-لكن في المقابل ، يقلل استغلال هده الشركات بشكل مفرط للموارد الطبيعية للدولة المضيفة ،من الأمتيازات و الفوائد المتوقعة من الاستثمار .حيث قد ينجم عن ذلك إفقار اقتصاد الدولة المضيفة ،وتعميق التخلف،وذلك من خلال تهريب الأموال إلى الخارج ، وعدم الأستثمار في مجال التنمية الصناعية كما تتحكم هذه الشركات أيضا في سعر و إنتاج 
البترول ، وبالتالي تتحكم في منظمة الدول المصدرة للبترول .

   إذن نظرا لطابعها التجاري ، تنظر هده الشركات إلى الكرة الأرضية كسوق و حيدة للمنتجين و المستهلكيين .وهذا يطرح مشاكل بالنسبة للدول المضيفة التي تفقد من الناحية العملية التحكم و السيطرة على المتعاملين الاقتصاديين .لذلك تنظر الدول المضيفة إلى هذه الشركات على أنها وسائل الهيمنة التي يستخدمها الدول الغريبة .

2- على المستوى السياسي :

-تشكل هذه الشركات خطرا و تهديدا على السيادة الوطنية للدولة المضيفة حيث تمارس هده الشركات ضغوطات على سلطات هذه الدولة ، وقد تتدخل في شؤونها الداخلية كالتحكم في توجيه السلطة السياسية ، و التحكم في القرار السياسي في هذه الدولة .من السوابق التي تؤكد ذلك محاولة قلب نظام الحكم في الشيلي و إغتيال الرئيس عام 1973،وذلك 
بموجب مؤامرة بين الشركة الأمريكية للهاتف و التلغراف ووكالة المخابرات الأمريكية .

- لمواجهة هذا التأثير على سيادتها ، تلجأ الدولة المضيفة إلى اتخاد عدة إجراءات من بينها : مراقبة الأستثمارات ، إلزام الشركات المتعددة الجنسيات على إعادة الإستثمار فيها ، التأميم .ومع ذلك ، تضل هذه الإجراءات ذات الفعالية محدودة .

الفصل الثالث : أثار نشاط الشركات المتعددة الجنسيات :

المبحث الأول : الأثار الإقتصادية و الإجتماعية للشركات المتعددة الجنسيات .

الآثار الاقتصادية لنشاط الشركات :

   لا يكفي التأكيد على أن الشركات المتعددة الجنسيّـة تمارس نشاطاً استثمارياً خارجياً فحسب، لأن ذلك تعريفاً خاطئاً نوعاً ما، لأنها، بالإضافة إلى هذا الدور المذكور، تقوم بدور اقتصادي واجتماعي له آثار متعددة، خاصة في البلدان العربية، كما يترتَّب عليها نتائج سياسية وثقافية.

  فمن المعروف أن الشركات المتعددة الجنسية تسعى إلى زيادة أرباحها باستغلال الموارد الطبيعيـة والأيدي العاملة الرخيصة، ولا يعنيها مدى أهميّة المشاريع التي تنفذها بالنسبة للاقتصاد الوطني ولا بالنسبة لآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فقد تركز هذه الشركات على استنفاد مورد طبيعي غير متجدد (النفط...) حين تكون مصلحة الدولـة الوطنية عدم استنفاد هذا المورد. وقد تهتم بصناعات تحويلية، في حين تحتاج الدولة إلى صناعات ثقيلة أساسية. فهي لا تستجيب تماماً للمتطلِّبات الوطنيَّة، لأنها، بكل بساطة، شركات أجنبية.

   من هنا تلجأ البلدان المضيفة لاستثمارات هذه الشركات إلى وضع قيود على هذا الاستثمار، بأن تربطه بموافقة هيئات حكومية متنوعة، بعد أن تكيّف مشاريعها الاستثمارية وفق معايير تحددها البلدان المضيفة. هذا بالإضافة إلى تسابق البلدان النامية إلى تقديم الحوافز لتشجيع عمل هذه الشركات، ومنها :

- إعفاءات ضريبية أو تخفيض في الرسوم الجمركية.
- سياسات تُحرِّر الشركات من القيود على أرباحها المحوَّلة إلى البلد الأم.

  وهناك أسلوب جذّاب للحوافز، هو السَّماح للمنشآت التابعة لهذه الشركات باستيراد ما يلزمها من مواد ومستلزمات بدون خضوعها للضرائب والرسوم 
وثمة طرق أخرى تلجأ إليها الدول المضيفـة بأن تستخدم المنشأة التابعة حجماً معيناً من الموارد الإنتاجية المحلية في عملياتها الإنتاجية، أي، بعبارة أخرى، مساهمة هذا الفرع إيجاباً في الاقتصاد المحلي. كما تدفع هذه الشركات إلى توظيف نسبـة معينة من القوى العاملة من مواطني الدولة المضيفة 
كذلك تلجأ الدولة المضيفـة، وحفاظاً على توازن ميزان المدفوعات، إلى تحديد حجم الأرباح ورأس المال الذي يُسمح للشركة بتحويله إلى الخارج. كما تفرض أن تكون صادرات الشركات كمّيات صغيرة من إنتاج البلد المضيف 
لذلك نقول إن هناك آثاراً سلبية تتركها الشركات المتعددة على عمليات التنمية، وهي إهمال المشكلات التي تعاني منها المجتمعات النامية، كالموارد البشرية، إضافة إلى إهمال توزيع الثروة والدخل على كافة الشرائح الاجتماعية، باعتبار أن عملية التنمية في فلسفة الشركات المذكورة، هي عمليات اقتصادية بحت، إضافة إلى الأرباح الضخمة المحولـة إلى الدولة الأم، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية، وإلى ضياع الفرصة أمام الاقتصاد المحلي لاستغلال موارده استثماراً ذاتياً في الصناعات الوطنية.

   كذلك تتشابه النتائج على صعيد المنتجات الصناعية، بسبب المنافسة في الأسواق وما يترتَّب على ذلـك من عجز كبير في ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري، خاصة إذا تعرّضت البلدان النامية وبلداننا العربية لسياسات الإغراق من جانب الدول الصناعية.

الآثار الاجتماعية لنشاط الشركات :

   تؤكد الدراسات الاقتصادية أن الشركات المتعددة الجنسيات، لا ترتبط أعمالها بالصناعات الوطنية في البلدان النامية بل بالسياسات العامة التي تضعها هذه الشركات، مما يؤدي إلى ازدياد الفروقات الاجتماعية بين الفئة المرتبطة مصالحها بهذه المشاريع وبين أغلبية السكان الذين يتدهور مستوى معيشتهم، تحت التأثير المزدوج لجمود التنمية، وارتفاع الأسعار نتيجة الارتباط الوثيق بالأسواق العالمية.

   وغالباً ما يؤدي هذا الاتجاه إلى فتح الباب واسعاً أمام الفساد وما إلى ذلك من ظواهر اجتماعية سلبية. فغالباً ما تعتمد هذه الشركات الرشوة بغية إفساد الساسة والحكام، وحملهم على قبول شروط أكثر غبنـاً لبلادهم، والتغاضي عن مخالفات قانونية أو دفع ثمن أغلى من الأسعار الدولية. كما نجحت هذه الشركات المذكورة في شراء ذمم كبار المسؤولين، وجنّدت لخدمتها وبمرتبات عالية أعداداً لا يستهان بها من الفنّيين والإداريين ورجال الأعمال والمهنيين... خلاصـة القول، إن للشركات المتعددة آثاراً اجتماعيـة على الدول النامية، ومنها العربية، يمكن تلخيص أهمها بثلاث نقاط هي : 

- تحجيم الصناعة الوطنية المنتجة، وتشجيع قيام فئة اجتماعية تعتاش على حساب المجتمع لها مواصفات غير إنتاجية .

- تكريس الفساد والرشوة وقيم أخلاقية وضيعة.

- زيادة الهوّة بين الشرائح الاجتماعية، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

   إن توسيع قاعدة الارتباط بمصالح الشركات المتعددة في السنوات العشر الماضية، دفع العالم العربي إلى تبعيـة غذائية نتيجة تطور أنماط الاستهلاك وما تُعمِّمه من عادات وقيم في المأكل والمشرب والملبس، وما تقوم به من جهد على "المستوى الإعلامي"، بسبب مكاتبها المنتشرة في أكثر من مئة دولة في أنحاء العالم. وهي تلجأ إلى صرف المليارات من الدولارات على إعلاناتها بغية تسويق منتجاتها. فترسل أحياناً استمارات تفصيلية إلى أساتذة الجامعات المختصّين بالدراسات الإنتروبولوجية الثقافية والعلوم الاجتماعية والنفسية، تطلب فيها، لحساب الشركات، معلومات ذات فائدة (عادات الطعام، نماذج الاستهلاك عند العائلة، ...)، وذلك لمعرفة رغبات الناس وعاداتهم كي يستطيع مديرو الشركات تصميم منتجاتهم حسب نتائج هذه الدراسات.

   إضافة إلى ذلك، تعمل الشركات على إرسال بيانات استطلاع الرأي إلى الصحف والإذاعات وتلفزيونات البلدان النامية، وذلك عبر الأقمار الصناعية، لجمع المعلومات حول الثقافة المحلية بغية تصحيح منتجات الشركة. وقد ساعدها في تحقيق ذلك ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة، مما فجَّر ظاهرة التنافس الشديد بين هذه الشركات وأحدث تغييراً هائلاً في عملية نشأة سوق عالمية واحدة.

   وقد سعت هذه الشركات إلى وضع مصالحها قبل مصلحة الزبائن أو المستهلكين، في عمليات اندماج قامت بها مؤسسات احتكارية تنتج سلعاً متشابهةً تُباع في الأسواق نفسها (اندماج مؤسسة "جنرال إلكتريك" للأدوات الكهربائية ومؤسسة "آر سي أي" ).

   أما أضرار الاندماج بين الشركات التي تمارس أعمالها ضمن الصناعة نفسها، فتقلص المنافسة التي تنجم عن تخفيض عدد المؤسسات التي تنتج السلع نفسها، مما ينعكس سلباً على الزبائن من جرّاء القضاء على المنافسة التي كانت قائمة بين الشركتين المذكورتين. وهذا ينعكس على المصلحة الاقتصادية العامة.

  من هنا، كان تدخل الحكومات للقيام بوضع القوانين والتشريعات الجديدة، وإنشاء هيئات حكومية لمراقبة عمليات الاندماج بين المؤسسات، وذلك للحدّ من التواطؤ بين المؤسسات العاملة ضمن الصناعة الواحدة، والتخفيف من حدة الحالات المنافية للمصلحة العامة.


المبحث الثاني : الآثار المرتبطة بالشركات متعددة الجنسيات

   نركز في هذا المطلب على دراسة وتحليل الآثار المرتبطة بالشركات متعددة الجنسية وهي كمايلي :

أولا: الأثر على الدخل و الأثر على العمالة: يمكن أن تؤثر الشركات متعددة الجنسية على مايلي :

1- الأثر على الدخل :

   إن قيام شركات متعددة الجنسية في بلد ما، يمثل إضافة للدخل الوطني في ذلك البلد، وقيامها بفتح أسواق جديدة والتصدير إليها هو إضافة المدخل، ولقياس أثر الاستثمار على الدخل يمكننا مبدئيا أن نقول: المنفعة المحققة= قيمة الإنتاج – تكلفة الإنتاج 
والتكلفة هي ما يدفعه المستثمرون الأجانب للموارد والعمال والأرض....إلخ

   من هذا التقدير المبدئي نخصم تكلفة الفرصة البديلة، لعناصر الإنتاج التي يستخدمها المستثمر الأجنبي قيمة الاستثمار إذن تكمن في الفرق بين قيمة ما ينتجه وماكان سينتج بدونه، وتصبح المعادلة كمايلي: المنفعة المحققة= قيمة الانتاج- تكلفة الإنتاج-تكلفة الفرصة البديلة.

  ومن جهة أخرى تساعد الشركات متعددة الجنسية في نمو الإنتاج المحلي في تحسين عناصر الإنتاج، وحتى لو كانت كل الموارد موجودة في البلد المضيف، فإن الاستثمار الأجنبي يرفع العائد عليها ويحركها ليس من ناحية فنية فقط، ولكن أيضا يسوقها بما للشركة من شبكات توزيع وأسماء تجارية معروفة ورائجة يكفي وضعها على منتجات عديدة لتباع وتروج.


2- الأثر على العمالة :

   تسعى الدول النامية جاهدة إلى القضاء على مشكلة البطالة أو الحد منها، ولبلوغ هذا فتحت الباب أمام الشركات متعددة الجنسية على أمل خلق فرص جديدة ومتزايدة للعمل، ويمكن تصنيف الآثار المترتبة على العمالة في مايلي:

- إن وجود الشركة متعددة الجنسية يؤدي إلى خلق علاقات تكامل رأسية وأفقية بين أوجه النشاط الاقتصادي المختلفة في الدولة من خلال تشجيع المواطنين على إنشاء مشروعات لتقديم الخدمات المساعدة اللازمة، أو المواد الخام للشركات الجديدة.
إن الشركات متعددة الجنسية ستقوم بدفع ضرائب على الأرباح المحققة، وهذا سيؤدي إلى زيادة العوائد للدولة، ومع بقاء العوامل الأخرى ثابتة فإن زيادة العوائد سوف يمكنها من التوسع في إنشاء مشروعات استثمارية جديدة، هذا ما سيترتب عليه خلق فرص جديدة للعمل.

   إن وجود الشركة متعددة الجنسية قد يؤدي إلى اختفاء بعض أنواع المهارات التقليدية نتيجة لما تستخدمه من تكنولوجيا متقدمة سواء كانت أساسية أو مساعدة أو قد يؤدي وجودها إلى عدم ثبات العمالة الموسمية.

   إن نجاح الحكومة المضيفة في اختيار النوع التكنولوجي المناسب سوف يؤثر إلى حد كبير على عدد فرص العمل الجديدة، ومدى تنوعها.
نتيجة لارتفاع مستوى الأجور والمكافآت التي تقدمها شركات متعددة الجنسية (بالمقارنة بنظيرتها الوطنية)، فإنه من المحتمل أن تهرب العمالة والكوادر الفنية والإدارية للعمل بالشركات متعددة الجنسية.

   إن إنشاء المشروعات الموجهة للتصدير والمشروعات كثيفة العمالة في المناطق الحرة سوف يؤدي إلى خلق العديد من فرص العمل الجديدة.

   إن توسع الشركات متعددة الجنسية في أنشطتها سواء على المستوى الأفقي أو الرأسي مع الانتشار الجغرافي سوف يؤدي مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة إلى خلق فرص عمل جديدة في المناطق أو المحافظات النائية المتخلفة اقتصاديا داخل الدولة

ثانيا: الأثر على التقدم التكنولوجي والأثر على الإدارة والتنمية الإدارية:

1- الأثر على التقدم التكنولوجي :

   هناك آراء مختلفة حول دور الشركات متعددة الجنسية في التطوير التكنولوجيوالتحديث للدول النامية المضيفة في مجالات القوى العاملة وبحوث التنمية والتطوير.

   إذا قامت الشركات متعددة الجنسية بنقل مستوى عال من التكنولوجيا أو التركيز على المشروعات التي تتميز بكثافة رأس المال فإن هذا سوف يؤدي إلى :

- قلة فرص العمل الجديدة.

- ارتفاع نسبة البطالة وخاصة العمال غير المهرة.

- صعوبة تحقيق العدالة في توزيع الدخول على مستوى الدولة مما يؤدي إلى خلق الطبقة الاجتماعية.
- قد تضطر الشركات الوطنية إلى تقليد الشركات متعددة الجنسية (أي تقوم بإدخال مستوى عال من التكنولوجيا) حتى تضمن البقاء في السوق.

- تحصل الشركات من مقابل استخدام الفنون الإنتاجية أو الخبرة الفنية أو استئجار لمعدات معقدة بواسطة الوحدة الموجودة في الاقتصاد المتخلف على الأرباح 
إذا قامت الشركات متعددة الجنسية بنقل مستوى منخفض من التكنولوجيا، فإن هذا يتفاعل مع اهداف الدول النامية بشأن تقليل نسبة البطالة، وبالرغم من أن تحقيق هذا الهدف يمثل ضرورة ملحة إلا أن النتيجة الطبيعية لنقل أو استيراد مستويات منخفضة من التكنولوجيا سيؤدي إلى توسع الفجوة التخلف التكنولوجي بين الدول النامية والدول المتقدمة.

    ومن جهة أخرى فإن محاولة الدول النامية لإحراز درجة عالية من التقدم التكنولوجي كهدف سيكون على حساب درجة تحقيقها لهدف آخر هو التقليل من نسبة البطالة ومن ثم تحقيق العدالة في توزيع الدخول وتحقيق الرفاهية الاقتصادية لأفراد المجتمع

2- الأثر على الإدارة والتنمية الإدارية :

   لاشك أن الإدارة كأحد عوامل الإنتاج (أو كعنصر من عناصر التكنولوجيا) تلعب دورا رئيسيا في تحديد إنتاجية كل من منظمات الأعمال والاقتصاد الوطني ككل، بالإضافة إلى تحديد مركزها التنافسي سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

  وبالنسبة للدول النامية بصفة خاصة فقد تظافرت مشكلة نقص الكوادر الإدارية مع غيرها من مشكلات عدم توافر عناصر الإنتاج من حيث الكم والجودة في تخلف هذه الدول عن ركب التقدم، وبالتالي يمكن القول أنه يزداد طلب الدول النامية على خدمات ومساعدات الشركات متعددة الجنسية لسد جانب الخلل والقصور والنقص في المهارات والكوادر الإدارية في مختلف المستويات التنظيمية والأنشطة الوظيفية في المنظمات العاملة يمكن تحديد إسهامات الشركات متعددة الجنسية بالنسبة للإدارة والتنمية للإدارة 
والتنمية الإدارية في كثير من المجالات منها :

- تنفيذ برامج التدريب والتنمية الإدارية في الداخل وفي الدول الأم. 

- تقديم أو إدخال أساليب إدارية حديثة ومتطورة.

- خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال وتنمية قدرات الطبقة الحالية.

- استفادة الشركات الوطنية من نظيرتها الأجنبية بالأساليب الإدارية الحديثة من خلال التقليد.

- إثارة حماس الشركات الوطنية في تنمية المهارات الإدارية حتى تستطيع الوقوف أمام منافسة الشركات متعددة الجنسية.

   يجب عدم تجاهل بعض جوانب الخاطر الذي قد يحيط بالشركات الوطنية والتنمية الإدارية بوجه عام في الدول النامية نتيجة لوجود الشركات متعددة الجنسية بها قد يؤدي إلى ارتفاع مستوى الأجور والحوافز التي تقدمها الشركات الوطنية للعمل بالأولى بينما تظل الأخيرة تعاني من هجرة الكوادر ومطالبة العاملين بها بالمساواة في الأجور والحوافز وشروط العمل مع نظائرهم بالشركات متعددة الجنسية.

الخاتمة :

    مما سبق يمكن القول أن الشركات المتعددة الجنسيات كيانات اقتصادية عملاقة ،ذات خصائص مميزة .تستند على اساس أهداف استراتيجية و مالية ، ومن أهمها تعضيم أرباحها ، وذلك عبر نشاطها الإنتاجي المتنوع و المستمر و غزو الأسواق العالمية من خلال تحدي و تعدي الحدود الجعرافية للبلدان ، ومن البديهي أن ينتج عن هذا النشاط أثار اقتصادية و سياسية في صالح المجتمع ،كما قد تـؤدي أخرى الـى مشاكل و عواقب وخينة تهدد كيان الدول .


 منتدى شباب الجزائر لكل العرب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا