التسميات

الثلاثاء، 5 مايو 2015

الخرطوم والإزدحام المروري ...


الخرطوم والإزدحام المروري 
 
صحيفة الصحافة : تحقيق : بله علي عمر :

   كانت من أبرز ملامح الخرطوم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حالة الزحام الذي يصل حد الاختناق في وسط العاصمة ، ولم تكن حالة الاختناق ناجمة عن ضيق شوارع العاصمة بالسيارات وإنما سببها كثافة المشاة أو الراجلين داخل السوق وبين المحلات التجارية، كان الوضع نهاراً أقرب للاحتفالات بالمولد ، كنت تجد كتفك قد تلامس مع كتف اخر وبحالة خشنة في بعض الأحيان ولا تقف عند هذه الخشونة لأنك تدرك أنها ناجمة عن التزاحم ، بيد ان الصورة قد انقلبت تماما إذ إختفت كثافة المشاة أو قل تراجعت أمام الكثافة الثقيلة أمام حركة سير العربات ، وباتت صورة العربات المتراصة في الطرقات كما الثعابين من إبرز ملامح المدينة .(الصحافة) في المساحة التالية تعمد إلى التحقيق في ظاهرة الاختناقات المرورية ، درجتها ، أسبابها ، أثارها الاقتصادية ، والاجتماعية، وسبل تجاوزها .

* لغة الأرقام :

   لابد في مقدمة التحقيق من الإشارة إلى أنه وفقاً لإحصائيات الجمارك فإن عدد السيارات التي دخلت البلاد منذ العام 2001 قد تجاوزت (300000) ثلاثمائة ألف سيارة ، بينما تشير إحصائيات شرطة المرور إلى أن متوسط عدد العربات المرخصة بالخرطوم حتي العام 2000 كان في حدود (200000) مائتي ألف سيارة وإذا اشرنا إلى أن أكثر من (80%) من السيارات التي يتم إستيرادها تتجه للعاصمة ، فإن ذلك يعني أن هنالك أكثر من (440) ألف سيارة تجوب شوارع العاصمة مضافة إليها أكثر من (200000) مائتي ألف سيارة تدخل الخرطوم فجر كل يوم من الولايات المجاورة لولاية الخرطوم وتغادرها مساء وفقا لرصد شرطة المرور وبذلك يكون إجمالي السيارات التي تجوب شوارع العاصمة (640) ألف عربة.

* مآلات التدفق :

    هذا العدد الهائل من السيارات فوق طاقة طرقات وجسور العاصمة ،وفقا لرؤية الدكتور هشام جعفر وهو مهندس مدني يعمل في مجال هندسة الطرق ، ويضيف الدكتور هشام أنه وفي ظل النمو المتسارع للاقتصاد السوداني فإن معدلات تدفق السيارات نحو البلاد ستتزايد ومالم تواكب هذا التدفق سبل وخطط في مجال هندسة الطرق فإن مخاطر الاختناق المروري ستنعكس بصورة سالبة على مجمل الحراك الاقتصادي .

   وذهب إلى ذات الرؤية الدكتور محمد التجاني المتخصص في مجال اقتصاديات النقل ، ذهب إلى القول أن هنالك سببين لتدفق هذا الكم الهائل من السيارات (300) ألف سيارة منذ العام 2001، إحداهما تنامي الحركة التجارية التي جاءت في أعقاب النمو الاقتصادي الناجم عن تدفق النفط ، والسبب الثاني هو عدم وجود موجهات عامة وضوابط تحكم الاستيراد ، فبينما كان على الدولة أن توجه ظاهرة تدفق الآليات دعما للقطاعات المنتجة كالقطاع الزراعي والصناعي من خلال استقطاب الموردين وتشجيعهم لإستيراد الآليات الزراعية كالتراكتورات والزراعات والحاصدات فقد آثرت الدولة الفرجة وتركت الحبل على الغارب لشركات إستيراد العربات الصغيرة، بل أن القطاع المصرفي في كثير من الأحيان عمل على توفير جزء من تمويل شحنات العربات في وقت بدأت فيه بعض الشركات الأجنبية تقديم تسهيلات كثيرة لعملائها الجدد القادمين لتلبية احتياجات مجتمعاتهم من هذه الأسواق.

* الخروج من الأزمة :

   من جانبه ، يذهب المهندس ياسر شيخ الدين - مهندس مدني - إلى أن ارتفاع معدلات التدفق كبيرة وتتطلب إتخاذ عدد من التدابير ، وذلك رغم الجهود المكثفة التي تقوم بها الولاية في مجالات الطرق الدائرية والكباري ، خاصة أن استراتيجية وزارة الشؤون الهندسية تحدثت قبل عام ونصف العام ، عن تشييد أكثر من (7) جسور على النيلين الأبيض والأزرق والنيل الرئيسي برز منهما في صمت مطبق جسرا المك نمر وجسر الدباسيين .

   ويذهب المهندس ياسر إلى إن الأمر يتطلب اتخاذ عدد من التدابير والتي يتقدمها دعم الدولة لمشروعات الولاية في مجال تشييد الجسور والكباري الطائرة والعمل على نقل المؤسسات الخدمية من مركز المدينة للأطراف ، وفي هذا التوجه لابد من الإشارة لتجربة الميناء البري والخروج بالشاحنات لأطراف العاصمة مما خفف من العبء على طرق وسط العاصمة ، وقد ساهمت مشروعات الطرق الدائرية في نجاح التجربة .

   ويعتبر الدكتور هشام جعفر أن الوضع إضافة إلى ما ذهب إليه المهندس ياسر من خروج بالمؤسسات الخدمية والأسواق لخارج وسط العاصمة - والذي كان تصميمه مواكبا لمتطلبات مرحلة تشييد بنياته التحتية -مع المحافظة عليه بإعتباره إرثا حضاريا كما تفعل كبريات المدن العالمية مع العمل على إدخال نظم النقل الجماعي مثل الأنفاق والمترو وغيرها ، خاصة أن العاصمة بثقها السكاني باتت من كبريات المدن ، وقع في دولة تشهد نموا اقتصاديا سريع الإيقاع .

  وإختتم دكتور هشام جعفر أن ارتفاع معدل تدفق السيارات نحو العاصمة يجعل العاصمة ورغم جهود حكومتها في تشييد الطرق والجسور تبدو في حاجة لدعم مركزي كبير.

  غير أن الخروج من الأزمة لدى الدكتور محمد التجاني يتمثل في مراجعة الضوابط التي تحكم الإستيراد وتجفف الطوابير المنتظرة في موانيء البلاد وذلك من خلال الإجابة على السؤال ماذا أرادت الدولة من خلال الضوابط التي وضعتها في مجال الإستيراد ؟ ذلك أن الواقع يؤكد أن تدفق السيارات بصورته الراهنة يعطي أسوأ الصور عن النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد ، ذلك أنه كان على الدولة تشجيع وتوجيه الحراك الجاري للقطاعات الإنتاجية بدلاً من ترك الحبل على الغارب للشركات المستوردة لتوجيه نصف هذه الموارد الضخمة للعربات الكورية فيما توجه النصف الآخر لقطع غيارها .

    وعندما قلت للدكتور بابكر محمد توم الرئيس المناوب لللجنة الاقتصادية أن الكثيرين من الخبراء يتهمون الدولة بالقصور وعدم وضع الموجهات العامة لمتطلبات حالة النمو الاقتصادي الراهنة ما دفع بشركات القطاع الخاص لاستغلال الوضع وإغراق البلاد بالسيارات دون مراعاة للطاقة الإستيعابية للبلاد في مجال الطرق والجسور ، أجابني الرئيس المناوب للجنة الاقتصادبة بالبرلمان (أولاً حالة النمو الاقتصادي الراهنة طالت كل القطاعات ، فعند القول بأن مظاهر الإزدهار الاقتصادي كانت وقفا على إستيراد السيارات ، فالقطاع الزراعي على موعد مع النفرة الخضراء التي رصد لعام الأساس فيها أكثر من (318) مليار دينار ، وليس جنيه ، قطاع الصناعة هو الآخر بدأت بعض ملامح عودته للمساهمة في الناتج الإجمالي في مجال التعليم ، رصدت مبالغ ضخمة للتعليم التقني وغيره وغيره ، المشكلة ليست في عدم وضع ضوابط الإستيراد ، وإذا كانت موجودة فسببها أن البلاد في مرحلة تحول مفصلي من الناحية الاقتصادية وقد يصاحب هذا التحول بعض حالات الاختناق هنا وهناك وستعمل أجهزة الدولة على إزالة مسببات الاختناق بدليل أن ولاية الخرطوم تعمل جهدها لتلبية متطلبات هذا التحول.

* الوالي: لدينا استراتيجية :

   (الصحافة ) التقت وإلى الخرطوم في ختام الجولة التعريفية لوزراء حكومة الوحدة الوطنية على مشروعات البنى التحتية التي تقوم الولاية بإنشائها . سألنا الوالي عن استراتيجية الولاية في مقابلة متطلبات تدفق السيارات على البلاد و نحو العاصمة بصفة خاصة ، فقال إن استرتيجية الولاية تبنت المضي في مشروعات الطرق والجسور والكباري العلوية كما تتضمن الاستراتيجية التي تعمل وفقها الولاية الإنتقال بالمؤسسات والمراكز الخدمية للأحياء السكنية ، وستساهم مشروعات الطرق والجسور الجديدة في توسعة مركز الخرطوم ، خاصة بعد إنتهاء تشييد جسر المك نمر .

ويمضي الدكتور المتعافي في كشف استراتيجية حكومته في مواجهة تدفقات السيارات ليقول أنه وبعد أيلولة سلطات المرور للولاية ستكون الولاية اكثر قدرة على مواجهة الموقف وضبط تدفق حركة السيارات للمركز ولو تطلب الأمر جعل وسط المدينة وقفاً على سيارات النقل العام والتي تتكون من مواعين النقل الجماعي مثل البصات و المترو.

وهكذا نخرج بنتيجة واحدة وهي أن الخرطوم والتي تستقبل أكثر من 50 ألف سيارة في العام - والعدد قابل للزيادة - تحتاج لجهود ضخمة حتي لا تموت اختناقا ، وجهود الولاية تحتاج لدعم حقيقي من الحكومة المركزية ، كما أن على الحكومة إعادة النظر في الضوابط الخاصة بالإستيراد وتشجيع إستيراد المحاريث والتراكتورات والحاصدات ، ورغم حديث رئيس اللجنة الاقتصادية المناوب ، والذي أشار إلى أن إيجابيات النمو الاقتصادي طالت كل أاوجه الحياة ،ولكن نظرة للشارع السوداني فإن زيادة واردات السيارات هي الأبرز ، وبذلك صدقت رؤية البعض بأن نمو الاقتصاد السوداني أنعكس في قطاع صناعة وتصدير السيارات ............ هناك في كوريا !
 
____________
 

بله علي عمر ، "الخرطوم تختنق"، صحيفة الصحافة ،تحقيق ،العدد (5297) ،18- 3- 2008 م .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا