التسميات

السبت، 28 نوفمبر 2015

الأمن في منطقة آسيا الوسطى ...


الأمن في منطقة آسيا الوسطى

مقدمة :

تمهيد: 

  شهد العالم في العقد الأخير من القرن العشرين، بروز منطقة جديدة، كانت ولمدة طويلة تعاني مـن العزلة التي فرضت عليها من قبل الاستعمار الروسي، القيصري منه والسوفييتي. 

  شكّلت آسيا الوسطى في الماضي واحدة من أكبر مراكز الإشعاع الثّقافي والحضاري الإسلاميّ، وليس أدلّ على ذلك، العمارة الإسلامية في حواضر سمرقند و بخارى، بمراصدها ومـساجدها العظيمـة، كمـا شكلّت فيما بعد، أهم نقطة تتقاطع فيها الطّرق التّجارية التي تربط أوروبا بالصّين، كما كانت في القرون الوسطى عاصمة لواحدة من أكبر الإمبراطوريات الآسيوية، وهي الإمبراطورية التيمورية.

 هذه المنطقة، التي أنجبت خيرة علماء الإسلام، في مختلف الميادين كالبخاري والترمذي والإمـام أبي حنيفة النعمان في العلوم الشّرعية، وابن سينا والفارابي والخوارزمي في علوم الطّب والفلسفة والرّياضـات تقهقرت تقهقرا كبيرا بفعل السياسات الاستعمارية المتلاحقة، وتحولت إلى منطقـة معزولـة و مهمّـشة و مجهولة، حتى من قبل المسلمين. 

  كان من الطبيعي أن يسعد الكثير بعودة آسيا الوسطى إلى حظيرة الأمـة الإسـلامية، و يـأملوا في تحوّلها إلى نقطة انطلاق لمشاريع سياسية وتكتلات إقليمية وجهوية للتعاون الاقتصادي والأمني، غـير أنّ هذه الطموحات اصطدمت بواقع محلّي ودولي قائم على الصّراع والتنافس، على غـرار مـا حـدث في جمهورية طاجيكستان، التي عانت من ويلات حرب أهلية مدمّرة، فراح البعض يتنبّأ بحتمية انتـشار هـذه الحرب إلى الجمهوريات الأخرى. كما ساهمت الاكتشافات الطاقوية في منطقة قزوين، في بروز تنـافس جديد بين العديد من القوى الإقليمية والدولية بغية احتكار استغلال هذه الثروة الحيوية أو احتكار طـرق تصريفها نحو الأسواق المحلّية والدولية. 

  ولهذا سأحاول من خلال هذا البحث، دراسة مختلف العوامل التي أعاقت اسـتقرار هـذه المنطقـة و منعتها من تحقيق تنميتها الاقتصادية.

مبرّرات اختيار الموضوع: 

ـ الأسباب الذاتية: إنّ شعوب آسيا الوسطى، شعوب إسلامية، عرفت طـوال الفتـرة الاسـتعمارية محاولات متكرّرة قصد إبعادها عن دائرة الأمّة الإسلامية، وبما أن المسلم أخو المسلم، أينما كان وحيثمـا وجد، فإن مسألة الاهتمام بأمر المسلمين تصبح واجبا شرعيا يفرض نفسه ، و كان اهتمامي هبذه المنطقة سابقا لاستقلالها ، وهذا البحث يشكل مناسبة جيّدة ووسيلة مثلى للتعمّق في دراسة أحوال هذه الشعوب. 

  كما أن وجود الكثير من عناصر التماثل الحاصل بين أوضاع هذه المنطقة اليوم، وبين واقع الجزائـر بعد استقلالها، أضاف إلى المبرّر الأول مبرّرات إضافية، فالجزائر عرفت بعد استقلالها عن المستعمر الفرنسي طموحا مشروعا نحو تحقيق السيادة والتنمية، و لكنها عجزت عن تثمين مواردها الطبيعية الهائلة ويخشى أن تكرر هذه الدول أخطاء التجربة الجزائرية. 

ـ الأسباب العلمية: تمثل منطقة آسيا الوسطى للباحثين في حقل العلاقـات الدوليـة، مخـبرا حقيقيـا لدراسة معظم الظواهر المرتبطة بالمسألة الأمنية، كالصراعات العرقية والحدودية مرورا بقضايا البيئة والهوّية. 

  و تشكّل لدارسي النظم السياسية وتطوّرها، فرصة نادرة لاختبار دور العوامل الثقافية في تكريس نمط معين من أنماط الحكم، كما أهنا مجال خصب للبحث في الشؤون السوفييتية. 

كما أن موقع دول آسيا الوسطى المتميّز بالانحصار والمركزية من جهة، وامتلاكها لموارد طبيعية مختلفة يفتح اجملال واسعا أمام محلّلي الجغرافية السياسية لدراسة دور العامل الجغرافي أو الطبيعي في تحديد سـلوك الدول، ومعرفة مبرّرات التنافس الدولي. 

أدبيات الدراسة: تناول العديد من الباحثين هذه المنطقة بالدراسة، وكل باحث تناولها وفق اهتماماتـه ووفق تخصصه. وبما أن دراستي ستركّز على دور السياسات السوفييتية، أو مـا يـسمى اليـوم “الإرث السوفييتي ” فلقد كان ضروريا الاعتماد على مؤلفـات نخبـة مـن “ خـبراء الـشؤون الـسوفييتية ”soviétologues، خاصة كتب الباحثين: ألكسندر بنجسن ( Alexandre Bennigsen ) وهيلين كارير دانكوس، وهي مؤلفات مفيدة تساعدنا على إدراك دور العوامل الثقافية والعرقية وخـصوصية التجربـة السوفييتية، لكنّها مراجع تم تأليفها في فترات سبقت تفكك الاتحاد السوفييتي ، لهذا استوجب البحث عن مصادر أخرى عايشت تجربة بناء الدولة المستقّلة ، فكان الاعتماد على كتب جيل جديد مـن البـاحثين )، لأهنا تختصر النتائج ∗ المتخصصين في المنطقة على غرار الكاتب الفرنسي أو ليفيي روا ( Olivier Roy التي وصلت إليها دراسات سابقيه وقدّمت فهما جديدا للحركية السياسية الحالية . 

  وبما أن النفط من العناصر الأساسية في دراستي، فقد لجأت إلى مؤلفين مختصين في هذا اجملال، وهـو وهما باحتان ∗ اجملال الاقتصادي الأكثر ارتباطا بالسياسة، ككتب عبد القادر سيد أحمد وشمس الدين شيتور جزائريان ألفا العديد من الكتب حول تأثير الريع النفطي على اقتصاديات الـدول المتخلفـة وكـذا دوره في إثارة الحروب و الصراعات الدولية. 

  أدى تفكّك الاتحاد السوفييتي، إلى زيادة وتضاعف المؤلفات الخاصة بالدراسات الجيوسياسية، بعضها عام كمؤلف زبيجنيو بريزنسكي ( Zbigniew Brzezinski ) المشهور أو مؤلفات تتناول المنطقة بـصفة مستقلة على غرار كتب الباحث محمد رضا جليلي حول الجغرافية السياسية لمنطقة آسيا الوسطى. 

  بالإضافة إلى إصدارات عديدة ومتفرقة من معاهد البحث المختصة في الشؤون الروسية و مخابر الدراسة الموجودة في الكثير من الدول المتقدمة. 

إشكالية الموضوع: لقد أصبحت دول آسيا الوسطى دولا منحصرة جغرافيا، لا تمتلك منفذا مباشرا إلى المحيطات والبحار المفتوحة، و بتفكّك الارتباطات القديمة والاعتماد المتبـادل الـذي أفرزتـه التجربـة السوفييتية، أصبحت هذه الدول مضطرة للتكيّف مع هذه المعطيات الصعبة، وأصبح التحدّي الأكبر لديها هو تحقيق الانفتاح على العالم والاندماج في محيطها الإقليمي والدولي. لكن سياسة الانفتاح سـتحدث لا محالة، تحدّيات أخرى ناتجة عن التبعية التي يفرزها الانحصار الطبيعي والضغوط التي تنشأ عـن سياسـات الاستقطاب التي تنتهجها مجموعة من دول الجوار والقوى الكبرى، ومما زاد الأمر تعقيدا توسّع الاستث مارات النفطية في حوض قزوين، وبروز الأطماع الاقتصادية ، فالنفط يشكّل أكثر سلعة اقتصادية تـثير التنـافس والصراع، لا لكونه يحقّق الأرباح فحسب ،بل لكونه أيضا سلعة حيوية تتوقّف عليها عجلة التنمية . 

  وبما أن هذه المنطقة غير قادرة على مواجهة كل هذه التحدّيات وحدها، فسيكون مستقبل المنطقـة محدّدا أيضا بالاتجاه الذي ستأخذه الارتباطات والتحالفات التي تقوم هبا جمهوريات آسيا الوسطى . 

  وعلى ضوء هذه المشاكل تبرز إشكالية البحث التي نصوغها كما يلي : هل تشكّل رغبة دول آسـيا الوسطى في الانفتاح وبروز التنافس الدولي على المنطقة، عامل هتديد لأمنها واستقرارها أم أهنا سـتفرز تعاونا واعتمادا متبادلا؟. 

ومن هذه الإشكالية تتفرّع جملة من الأسئلة: 

- هل يعتبر انحصار دول آسيا الوسطى ظاهرة سلبية ؟

- هل تشكّل الارتباطات القديمة عائقا أمام تطوّر واندماج جمهوريات آسيا الوسطى ؟ 

- ما هي العوامل التي هتدّد أمن دول آسيا الوسطى؟ 

- ما هو دور النخب الحاكمة في تأزّم الوضع الأمني ؟ 

- ما هي أهمية منطقة آسيا الوسطى من الناحية الطاقوية ؟ وهل تشكّل مواردها هتديدا لأمنها ؟ 

- ما هي الأسباب التي تجعل الدول الكبرى تحاول فرض مشاريعها الخاصـة لنقـل نفـط و غـاز جمهوريات آسيا الوسطى ؟ 

- هل ترتبط مصالح الدول الكبرى مع دول آسيا الوسطى بعامل النفط فقط ؟ أم أهنا تريـد تحقيـق أهداف أخرى، مستعملة النفط كوسيلة أو أداة ؟

- هل يمكن أن يتحوّل التنافس بين الدول الكبرى إلى عامل إيجابي، توظّفه دول المنطقة لاكتـساب هامش من الحركة ،لم تكسبه في الفترة السوفييتية ؟

ومن هذه الأسئلة تبرز لنا مجموعة من الفرضيات الأساسية هي: 

- إن الانحصار الجغرافي ظاهرة طبيعية ثابتة، تقيّد سلوك الدول، لكن قدرة الدول على التكيّف معها يمكنّها من تحويله إلى امتياز. 

- تعيش جمهوريات آسيا الوسطى مرحلة انتقالية، وبالتالي فهي غير قادرة على تجاوز مخلّفات الفترة السابقة في مدّة وجيزة. 

- هناك عوامل هيكلية ثابتة، كالمسألة العرقية والحدود، وهناك عوامل مرحليـة مرتبطـة بالوضـع الراهن.

- إن لم تكن النخب الحاكمة المتسبّب الأول في بروز الأزمة الأمنية، فهي مسؤولة عن حلّها أو تسييرها. 

- تسمح لنا مقارنة موارد آسيا الوسطى النفطية والغازية مع موارد دول أو مناطق نفطيـة أخـرى بمعرفة الأسباب الحقيقية للتنافس الدولي. إذ يعتبر النفط عاملا من العوامل التي تخلق الصراعات، لكنّ ذلك يرتبط بعوامل أخرى، وقد يتحوّل إلى مجال للتعاون والتكامل. 

- إن مرور النفط عبر دول معينة سيسمح لها بتحقيق امتيازات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة. 

- النفط بالنسبة للدول الكبرى غاية ووسيلة، فهو غاية لأهنا تحتاج إليه كمصدر للطاقة، لكـنّ نفـط قزوين له وظائف أخرى مرتبطة بالسياسات الأمنية. - يمكن لدول المنطقة أن تستفيد من التنافس الحاصل بين الدول الكبرى، لأن التنافس يساهم في منع هيمنة دولة معينة على دول المنطقة، ويضعها أمام خيارات عديدة، عكس الفترة السابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا