التسميات

السبت، 9 يناير 2016

الأبعاد الجيوديموجرافية لانتخابات مجلس الشعب المصري عام 2005 م - د. سامح عبدالوهاب ...



الأبعاد الجيوديموجرافية لانتخابات مجلس الشعب المصري

عام 2005

د. سامح عبدالوهاب

أستاذ مشارك بقسم الجغرافيا

كلية الآداب جامعة القاهرة

وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن


 سلسلة بحوث جغرافية

العدد الواحد والعشرين - 2008 م

الجمعية الجغرافية المصرية

مقدمة

   شهدت الحياة السياسية المصرية خلال العقد الأخير تطورات كبيرة لا يمكن إغفالها بأي حال من الأحوال، ومن أهم المظاهر التي يمكن أن تدل على تطور الحياة السياسية في أي مجتمع من المجتمعات هى العملية الانتخابية وما يترتب عليها من تشكيل للقوى السياسية في المجتمع والتي يفترض أن يكون منوط بها المشاركة فى تسيير الأمور بالدولة بعد فوزها.

   وقد تناول الباحث في وقت سابق دراسة خريطة مصر الانتخابية لانتخابات مجلس الشعب لسنة 2000، مركزا فيها على تشكيل الدوائر الانتخابية في واحد من أهم القطاعات بالجمهورية (1) وقد كانت بكل المقاييس انتخابات تمثل تحولا في الحياة البرلمانية المصرية، فهي أول انتخابات تجرى تحت إشراف قضائي كامل ولذا واستكمالا للفائدة وجدنا أن دراسة انتخابات مجلس الشعب لسنة 2005 هى أحد الأمور ذات الأهمية وذلك من خلال التركيز على جانب آخر من جوانب العملية الانتخابية، ألا وهو دراسة الأبعاد الجيوديموجرافية للناخبين المصريين.

  وبصفة عامة يمكن القول أن العملية الانتخابية هي واحدة من أهم العمليات الحديثة التي تخوضها أي مجموعة بشرية في مجتمعات العالم المختلفة، فهي التي – من المعتاد – تُنتج السلطة التي تملك الحق في تسيير الأمور، وهي التي تشكل النظام الذي يتفاعل من خلاله السكان في المجتمع لكي يشكلوا واقع ومستقبل الإقليم السياسي – الدولة – التي يحيون فيها. ومن ثم فإن تحليل العملية الانتخابية ودراستها يمكن أن يعرفنا على الكثير من خصائص المجموعات البشرية التي نحن بصدد درستها.

ـــــــــــــــ
(1) سامح عبد الوهاب، 2005، خريطة مصر الانتخابية: مع التطبيق على محافظة الجيزة، المجلة الجغرافية العربية، العدد 45، الجمعية الجغرافية المصرية، القاهرة.

  والعملية الانتخابية هي عملية تتفاعل فيها الكثير من العوامل الجغرافية وغير الجغرافية التي من شأنها في النهاية تشكيل التيارات السياسية الحاكمة وطبيعة التفاعل السياسي في المجتمع. وهذا البحث يهدف إلي تحليل وفهم المقومات الجغرافية التي تؤثر في تلك العملية وذلك من خلال تحليل انتخابات مجلس الشعب المصري لسنة 2005، وكيف أن تشكيلها تأثر بدرجة كبيرة بالخصائص والتركيبة البشرية للسكان في المجتمع. وذلك من خلال أولا: نظرة إجمالية للعملية الانتخابية على مستوى الجمهورية، اعتمادا على البيانات الرسمية والإحصاءات والإسقاطات السكانية للناخبين. وثانيا: من خلال التحليل الميداني لتلك العملية على مستوى عينات من قطاع جغرافي يشمل أربع محافظات رئيسية هي القاهرة والجيزة والقليوبية وبني سويف.

  وإذا كانت معظم الدراسات الخاصة بتحليل وفهم الخريطة الانتخابية تهتم بشكل خاص بعرض وتحليل نتائج الانتخابات، وتحليل ودراسة القوي السياسية التي فازت أو خسرت في العملية الانتخابية. فان دراستنا هذه سوف تولي أهمية خاصة بتحليل ودراسة توجهات الناخبين المشاركين في العملية الانتخابية، وذلك في ذات الوقت الذي لن نتجاهل فيه عرض وتحليل نتائج الانتخابات – أو المنتخبين – والصورة التي تشكلت بها خريطة القوى السياسية للقوى الفائزة في الانتخابات. وعليه فان هذه الدراسة سوف تولي قدرا أكبر من الاهتمام بعدد من الضوابط الجغرافية والديموجرافية التي تحكمت في توجيه العملية الانتخابية والتي بالتالي نتج عنها فوز أو خسارة قوى سياسية معينة.

  ولكي تكون العملية الانتخابية صادقة لابد أن تتميز بالنزاهة أو بالحياد Impartiality وهي واحدة من أهم الخصائص التي يجب أن تتوفر في أي عملية انتخابية حتى تكون معبرة عن توجهات الناخبين بصدق. ومن ثم فان إدارة العملية الانتخابية Electoral Management Body (EMB) يجب أن تتميز بمجموعة من الصفات الأساسية والتي تشمل ثلاثة عناصر أساسية هي :

1) الاستقلالية

Independence، 2) الشفافية

Transparency، 3) النزاهة Impartiality.

  وأي فقدان لأي عنصر من هذه العناصر إنما هو قصور في العملية الانتخابية. وعليه فان إدارة العملية الانتخابية هدفها الرئيسي تحقيق رغبات المواطنين وتحقيق المشاركة الانتخابية. ولتحقيق عملية انتخابية مدارة بشكل قانوني وصادق لابد من تحقيق عملية انتخابية تتسم بالحرية والنزاهة Free and Fair، بحيث يستطيع فيها الناخبون أن يقترعوا وفقا لقناعاتهم ولمن يرغبون فى وصوله إلي الفوز، ولكي تتحقق انتخابات حرة ونزيهة فان هناك مجموعة من الضوابط وضعتها المنظمة الدولية للديمقراطية ودعم الانتخابات (IIDEA) لابد أن تتحقق (IIDEA, 2002, P. 42) وهذه الضوابط تشمل ما يلي:

1) الحرية والحيدةIndependence and Impartiality : إن إدارة العملية الانتخابية يجب ألا تتأثر بتوجهات أي شخص أو سلطة أو حزب سياسي بحيث يجب أن تدار بدون أي تفضيلات أو نزعات مسبقة، وبحيث تكون الإدارة بشكل حر وخال من أي تضارب. وذلك لأنه في حال وجود أي ادعاء Allegation أو تلاعب Manipulation أو إحساس بأن هناك انحرافا فإن هذا سوف يلقي مباشرة بظلال من الشك ليس فقط على مصداقية الحالة التي حدث خلل بها، وإنما سيلقي بظلال من الشك على كامل العملية الانتخابية.

2) الفاعلية والصلاحية Efficiency and Effectiveness : إن الفعالية والقدرة على تعديل الانحراف والصلاحية في المسئولين عن إدارة العملية الانتخابية هي من الأمور شديدة الأهمية، وهي من العوامل المتممة للثقة الإجمالية في العملية الانتخابية. فالفعالية هي مسألة حساسة في أي عملية انتخابية خصوصا عندما يحدث خروج على الضوابط الفنية Technical Breakdowns المفترضة أو حدوث مشكلات تؤدي إلي انحراف في تطبيق القوانين والنظم المعمول بها في العملية الانتخابية. والفاعلية والصلاحية تعتمد على العديد من العوامل، فهي تشمل مدى كفاءة المسئولين والموارد المتاحة، وأكثر من ذلك الوقت الملائم لتنظيم العملية الانتخابية، هذا بالإضافة إلي تدريب من سيتولى مسؤولية الإشراف عليها.

3) الاحتراف Professionalism : إن إدارة العملية الانتخابية تحتاج إلي فرقة متخصصة ذات تدريب راقي، وكذا إلي لجان خبيرة في إدارة وتسهيل العملية الانتخابية، وهؤلاء عادة يكونون موظفين دائمين مسئولين عن إدارة العملية الانتخابية Permanent Employees of EMB ، وبطبيعة الحال يجب أن لا نخلط بين وجود فرق محترفة متخصصة ومتفرغة لإدارة العملية الانتخابية والعمليات الرقابية التي يمكن أن تتم حال إجراء الانتخابات لضمان نزاهتها وحيدتها.

  وقد أظهرت الخبرات المختلفة المكتسبة عن إدارة العمليات الانتخابية المختلفة إن الانتخابات يمكن أن تكون إما مفتاح الحل للنزاعات والصراعات، أو تكون نزاعا دوارا ومتواصلا لا نهاية له Conflict Escalation، ولحل هذه المعضلة فانه عندما تكون الانتخابات حرة ونزيهة تعطي قوة حقيقية وفعالة للعملية الديمقراطية ومن ثم يبطل أي مبرر للصراع، ولتحقيق هذا الغرض يمكن أن يكون للدعم الإعلامي الدولي International Media Support (IMS) دورا كبيرا في تحقيق حالة من السلام والاستقرار في المناطق التي تشهد قدرا من الصراع والتناقضات من خلال الدعم السريع والإيضاح الذي يمكن أن يقوم به في تلك المناطق، وما يمكن أن يقدمه من عرض أكثر وضوحا للعملية الانتخابية (Howard, 2004, P.2). 

  وكل تلك الأمور التي تؤثر في العملية الانتخابية - السابق ذكرها - وغيرها يجب أن يضعها أي باحث سوف يولي تقييم العملية الانتخابية في حسبانه، وذلك سواء عند تقييمه لنتائج تلك العملية أو عند تحليل الأبعاد التي تؤثر في توجهات الناخبين، وذلك حتى لا يتأثر بدوافعه الذاتية وتوجهاته الشخصية والتي قد تؤدي في النهاية إلي نتائج غير موضوعية.

أولاً : انتخابات مجلس الشعب المصري لسنة 2005 :

المراحل الانتخابية :

أجريت انتخابات مجلس الشعب لسنة 2005 على ثلاث مراحل، وذلك بحيث شملت المرحلة الأولي ثمانية محافظات هي القاهرة، المنوفية، الجيزة، بني سويف، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد ومطروح، وتم إجراء انتخابات هذه المرحلة يوم الأربعاء الموافق التاسع من نوفمبر وتم إجراء الإعادة يوم الثلاثاء الخامس عشر من نوفمبر 2005. أما المرحلة الثانية فقد شملت تسع محافظات هي، الإسكندرية، بور سعيد، السويس، القليوبية، الغربية، البحيرة، الإسماعيلية، الفيوم وقنا. وأجريت انتخابات هذه المرحلة يوم الأحد الموافق العشرون من نوفمبر والإعادة يوم السبت السادس والعشرون من نوفمبر 2005.

 وأخيرا تم إجراء انتخابات المرحلة الثالثة في تسع محافظات هي دمياط، الدقهلية، الشرقية، كفر الشيخ، سوهاج، أسوان، البحر الأحمر، شمال سيناء وجنوب سيناء، وتم إجراؤها يوم الخميس الأول من ديسمبر والإعادة في السابع من ديسمبر 2005 (شكل 1).

  ويتضح من الاختيار المكاني للمحافظات التي تم تضمينها في كل مرحلة من المراحل الانتخابية الثلاث السابق ذكرها إليها انه كان هناك حرص علي أن تكون المحافظات الممثلة لكل مرحلة لا تمثل قطاعا جغرافيا متصلا اتصالا كاملا - فيما عدا المرحلة الأولي- وإنما شهدت كل مرحلة تنوعا مكانيا في المحافظات بحيث تشمل كل مرحلة محافظات ريفية وأخرى حضرية أو محافظات من الوجه القبلي وأخرى من الوجه البحري أو محافظات من الوادي والدلتا وأخرى من محافظات الحدود، وهذا الأمر يمكن النظر إليه بشكل إيجابي حيث إن التنوع المكاني للمحافظات قد يعمل علي سهولة في عمليات توفير المتطلبات الإدارية والأمنية من محافظات مجاورة لا تشهد عملية انتخابية في ذات المرحلة.

   أما المرحلة الأولى فبرغم اتصالها المكاني، فقد أحيطت من الشمال والشرق والجنوب بمحافظات لم تجر بها انتخابات، مما وفر لها قدراً من الدعم الإداري والأمني من المحافظات المجاورة. وفيما يتصل بالتوزيع العددي للمحافظات للمراحل الثلاث السابقة كان متناسقا، فالمرحلة الأولي اشتملت على ثمانية محافظات والثانية والثالثة اشتملت كل منهما على تسع محافظات.

  وإذا كان التوزيع المكاني للمحافظات التي تم ادخالها في كل مرحلة من مراحل الانتخابات له ما يبرره تنظيميا، فان هذه المراحل الثلاث السابق الإشارة إليها شهدت تناقضات كبيرة وعدم توازن واضح في عدد من الجوانب (جدول 1)، ويمكن الإشارة إليها كما يلي:

1) التباين في المساحة سواء الإجمالية أو المعمورة : فقد تباينت المساحة الإجمالية لكل مرحلة من مراحل الانتخابات، بحيث كانت المساحة الأكبر من نصيب المرحلة الأولى حيث بلغ إجمالي مساحة المحافظات التي تم إجراء الانتخابات بها في هذه المرحلة نحو 595 ألف كلم مربع، وهي نسبة تبلغ نحو 67% من إجمالي مساحة الجمهورية أي أن ما يقرب من ثلثي مساحة مصر الإجمالية قد اجريت انتخابات المرحلة الأولي. في حين بلغت المساحة الإجمالية للمحافظات التي أجريت بها المرحلة الثانية نحو 47 ألف كم مربع أي نحو 5% من إجمالي المساحة وهي الأقل بين الثلاث مراحل. أما المرحلة الثالثة فقد بلغت المساحة الاجمالية للمحافظات التي شهدتها هذه المرحلة نحو 240 ألف كم مربع أي نحو 27% من مساحة مصر الإجمالية. ولعل هذا الوضع يوضح التفاوت المساحي الواضح بين المراحل الثلاث، إلا أن التباين في المساحة الإجمالية رغم أهميته لا يعكس حقيقة التباين المساحي الفعلي وما يرتبط بتقديم الدعم الإداري والتنظيمي. ولعل ما يعكس هذا هو التباين في المساحة المعمورة بين تلك المراحل الثلاث، أي التباين في المساحة التي يشغلها السكان بالفعل. وهنا نجد أن المساحة المعمورة تتباين أيضا بشدة بين تلك المراحل ولكن بصورة مختلفة تماما، ففي حين كانت المساحة الإجمالية للمرحلة الأولي هي المساحة الأكبر على الإطلاق فإنها من حيث المساحة المعمورة كانت الأصغر بين المراحل الثلاث حيث بلغت نحو 13 ألف كم مربع، أي أن المرحلة الأولي أجريت على نحو 20% من مساحة المعمور المصري. في حين تقاربت مساحة المعمور في المرحلتين الثانية الثالثة حيث كانتا نحو 24 ألف، 26 ألف كم مربع على التوالي أي نحو 38% و 42% تقريبا. وهنا يمكن القول بأن عنصر المساحة لم يؤخذ في الاعتبار عند تقسيم المراحل الانتخابية، فبالرغم من التساوي العددي بين عدد المحافظات فان عنصر التساوي المساحي قد غاب تماما.


جدول (1) : مراحل انتخابات مجلس الشعب لسنة 2005.


المرحلة الأولي

المرحلة الثانية


المرحلة الثالثة

الإجمالي

عدد المحافظات

في المرحلة


8


9


9


26


عدد الدوائر الانتخابية


82


72


68


222


عدد المقاعد


في البرلمان


164


144


136


444


المساحة الكلية 


كم مربع


594.641


47.525


239.582


881.748


نسبة المساحة الإجمالية %

67.4


5.4


27.2


100


المساحة المعمورة


كم مربع


13.183


23.946


26.520


63.650


نسبة المساحة المعمورة %


20.7


37.6


41.7


100


عدد السكان


2005 


27.076.182


24.517.514


19.748.439


71.512.332


النسبة المؤوية


للسكان 2005


37.9


34.3


27.6


100


السكان في سن الانتخاب


15.060.069


13.593.448


10.741.837


39.578.161


السكان في سن الانتخاب %


38.1


34.3


27.1


100


المدعون للانتخاب (الناخبين)


10.936.229


10.726.748


10.473.259


32.126.796


المدعون للانتخاب %


34.0


33.4


32.6


100


المصدر: من حساب الباحث اعتمادا على مصادر أولية، تشمل الخرائط لحساب المساحات وتعدادات السكان لإجراء الإسقاطات السكانية وبيانات وزارة العدل لبيان أعداد الناخبين.

2) التباين العددي للسكان : تباينت أعداد السكان(1) بشكل كبير بين المراحل الثلاث للانتخابات وهذا الأمر ينطبق على العدد الإجمالي للسكان وكذا على عدد السكان في سن الانتخاب أي السكان 18 سنة فأكثر، وقد بلغ إجمالي عدد السكان الذين شملتهم المرحلة الأولي نحو 27 مليون مواطن، في حين بلغ عدد السكان في سن الانتخاب في هذه المرحلة نحو 15 مليون نسمة، وذلك بنسبة نحو 38% لكل منهما، أي أن المرحلة الأولي شملت نحو خمسي السكان وأيضا خمسي السكان في سن الانتخاب، وهو أكبر عدد بين المراحل الثلاث للانتخابات، أما المرحلة الثانية فقد انخفضت أعداد السكان التي شملتها حيث بلغت 25 مليون نسمة، وبلغ عدد السكان في سن الانتخاب في هذه المرحلة نحو 14 مليون أي نحو 34% سواء من إجمالي السكان أو السكان في سن الانتخاب. وسجلت عدداً أدنى في المرحلة الثالثة يعد ادني معدل لها حيث ضمت نحو 20 مليون نسمة، ونحو 11 مليون نسمة في سن الانتخاب، بنسبة تبلغ نحو 28% و 27% على التوالي من إجمالي عدد سكان مصر ومن السكان في سن الانتخاب. وبهذا يتضح أن أعداد السكان وأيضا السكان في سن الانتخاب كانت متباينة بين المراحل الثلاث بشكل ملحوظ، وهي أعداد بلغت أعلى مستوى في المرحلة الأولى وأدنى مستوى في المرحلة الثالثة، وقد يفسر هذا احد أوجه ظهور التركيز الإداري والأمني في الانتخابات بشكل ملحوظ في المرحلة الثانية وبشكل أكثر وضوحا في المرحلة الثالثة، حيث توفرت أعداد أكبر من الجهات الإدارية ومن قوات الأمن نسبة إلي عدد السكان في هتين المرحلتين.
ــــــــــــــ
(1) تم إجراء إسقاط لإجمالي السكان و كذا للسكان في سن الانتخاب سواء على مستوي المحافظات المصرية أو على مستوي المراحل الثلاث للانتخابات، معتمدين في ذلك على بيانات تعداد السكان لسنة 1996 ومتوسط معدل النمو في كل محافظة خلال الفترة التعدادية 1986 – 1996 بالإضافة إلي حساب أعداد السكان 18 فأكثر من جداول التركيب العمري.


شكل (1) : المراحل الانتخابية لانتخابات مجلس الشعب لسنة 2005.

  وإذا كنا فيما سبق قد تناولنا التباين الواضح بين المراحل الثلاث للانتخابات المصرية، فما وجه التشابه بين تلك المراحل الانتخابية. وجه الشبه الأول كما ذكرنا هو عدد المحافظات التي بلغت في الأولي 8 محافظات وفي كل من المرحلتين الثانية والثالثة 9 محافظات لكلا منهما. أما وجه الشبه الثاني – والاهم نظريا – فهو عدد المدعوين للانتخابات والذي تقارب إلي حد كبير بين المراحل الثلاث، ففي حين بلغ إجمالي عدد المقيدين في الجداول الانتخابية في مصر نحو 32.1 مليون ناخب فقد تمت دعوة نحو 10.9 مليون في المرحلة الأولي ونحو 10.7 مليون في المرحلة الثانية ونحو 10.5 مليون في المرحلة الثالثة، أي أن كل مرحلة ضمت نظريا نحو ثلث عدد الناخبين أو المقيدين في الجداول الانتخابية. ولعل هذا الأساس هو الذي اعتمدت عليه جهة الإدارة في تقسيم المراحل الانتخابية. 

   وهنا نتساءل هل الاعتماد على أعداد الناخبين لتقسيم المراحل الانتخابية والمتمثل في تحديد قيمة متقاربة لعدد الناخبين لكل مرحلة يعد – منفردا – أساسا صحيح للتقسيم؟ بطبيعة الحال أنَّ استخدام أساس واحد للتقسيم أمر قد يجانبه الصواب، خاصة إذا كان الأساس المستخدم والمتمثل في أعداد الناخبين – السكان المسجلين في الكشوف الانتخابية – هو بيان مشكوك في مصداقيته تماما، بحيث لم يعد يعبر عن الأعداد الفعلية للناخبين، وهو الأمر الذي سنعرض له تفصيلا فيما بعد. ولعل التباين في النسب بين أعداد الناخبين في كل مرحلة وأعداد السكان في سن الانتخاب يمثل إشكالية كبيرة ظهرت في هذه الانتخابات كما اشرنا سابقا، على أي حال فان ما توفر لجهة الإدارة هو أعداد الناخبين، ولم تعمل على إجراء إسقاطات سكانية مما جعلها تعتمد على هذا الأساس منفردا، وهو أمر يحتاج إلي مراجعة وتصحيح بطبيعة الحال. وخلاصته فان الحديث عن تناسق مفترض بين المراحل الانتخابية أمر نظري تصورته جهة الإدارة ويجب أن يراعي تصحيحه في الانتخابات القادمة.

المشاركة السياسية :

المشاركة السياسية Political Participation واحدة من أهم المتطلبات بل والضرورات الشعبية التي من خلالها يمكن إعادة صياغة بنية سياسية فعالة قادرة على صياغة نظام حكم ديمقراطي. ولعل مشروع إدارة الحكم في الدول العربية Program on Governance in Arab Region (POGAR) وهو المشروع الذي تبناه المـكتب الإقليمي للدول العربية المنبثق عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة United Nations Development Programmed (UNDP) في مطلع سنة 2000 والذي اعتمد علي ثلاثة محاور رئيسية تشمل :

1) المشاركة السياسية

2) الشفافية والمسائلة

3) سيادة القانون (UNDP, 2006, P. 8)

  جعل المحور الأول للمشروع هو المشاركة السياسية، وهو الأمر الذي يوضح إلي أي مدى تعد هذه المشاركة أحد الركائز الأساسية لتأسيس الحكم الصالح. ولعل قضية تقاسم السلطة Power-sharing والحصول على التفويض الشعبي لممارسة السلطة هي واحدة من القضايا التي لا تنال التفكير أو الاهتمام الكافي (Assakaf, 2000, P. 11). 

  وبصفة عامة نستطيع القول أن أداء الدول العربية في إدارة الحكم في ظل تفعيل حكم القانون والشفافية والمساءلة والمشاركة جاء دون المستوى المطلوب إذا ما وضعنا في اعتبارنا قدرات وإمكانات تلك المنطقة، ففي الكثير من الحالات هناك فجوة كبيرة بين النصوص النظرية والتطبيق الفعلي وهو ما يمثل حالة كبيرة من التناقض في الكثير من الأحيان. كما أن مشاركة المرأة العربية على صعيد العمل السياسي قد جاءت دون المستوى المطلوب فهي مازالت تعاني الكثير من العراقيل الهيكلية والمؤسساتية والمجتمعية (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2002، ص 9) وبطبيعة الحال فان هناك تفاوتات كبيرة فيما بين الدول العربية المختلفة، فلا يمكن بأي حال إن نقول أن كل الدول العربية جاءت على نفس المستوى من المقياس، وإنما تتباين بدرجات واضحة مدى ما حققته دولة عربية عن دولة أخرى في مجال المشاركة السياسية، سواء بالنسبة للمجتمع ككل أو بالنسبة لمشاركة المرأة في العملية السياسية، ففي بعض المجتمعات قد تكون مسألة المشاركة السياسية للمرأة Female Political Participation إشكالية كبيرة، خصوصا عندما تكون هناك هيمنة ذكورية على الساحة السياسية، أو أن يكون العنف هو اللغة المسيطرة على العملية السياسية (Banerjee, 2003, P. 172)، ومن ثم فانه بلا مشاركة سياسية حقيقية وفعالة ينحرف الحكم عن مساره، فهي إحدى الضمانات الحقيقية لإعادة تصحيح المسار وتوجيه العملية الديمقراطية لرعاية المصالح الأساسية للشعب. 
ولعل هذا ما جعل بعض النظم تتمادي في الاعتماد على الشرعية Legitimacy المعتمدة بشكل أساسي على ديمقراطية المشاركة Participatory Democracy والتي قد تخدم الدولة بشكل أفضل من نظام الأحزابMultiparty System وذلك بشكل خاص عنـدما يتصل الأمر بمسائل مثل التنمية وعـلاج مشكلات الفقر، والتي قد يكون اهتـمام الفـرد فيـها بتحقيق المنافع بغض النظر عن الرؤى الحزبية (Hickey, 2004, P. 994).

   وهنا قد يثار تساؤل وهو إلي أي حد يمكن أن يكون النطاق الوطني الشامل Nationwide بداية للتمثيل السياسي والمساهمة في العملية الانتخابية؟ حيث يمكن القول انه من المهم في النظم الديمقراطية تحديد الكيفية التي يتم بها دخول الأحزاب السياسية الصغيرة الجديدة Small new parties إلي الساحة السياسية. وهنا نقع في مفارقة بالغة وهي وضع الضوابط المنطقية فيما بين الانفتاح المطلق لتشكيل الأحزاب السياسية والذي قد يؤدي بدورة إلي تمزيق المشهد الحزبيSplinting the party landscape وبين الجمود الشديد في إتاحة تشكيل الأحزاب والذي قد يؤدي في النهاية إلي الوهن وموت الحياة الحزبية. هذا بالإضافة إلي أن الضوابط الصارمة المبالغ فيها لتشكيل الأحزاب قد تعطي شعورا بعدم المساواة بل وحتى بابتعاد النظام عن الشرعية وهو أمر خطير وينال من المصداقية التي تتحقق لدى الناخب في النظام الذي يعيش في ظله (Taagepera, 2002, P. 384).

   ومن ثم فان انفراد حزب واحد بالسلطة وحرمان باقي الاتجاهات السياسية من المشاركة هو أمر يبعد المجتمع عن المشاركة السياسية الحقيقية، وقد نجد أبرز الأمثلة لهذا الوضع في حالة الدول ذات الحزب الواحد، كما هو الحال – على سبيل المثال – في الصين وفي مصر قبل إنشاء الأحزاب، حيث يكون الحزب الذي يوجد على الساحة السياسية هو حزب واحد فقط، وبطبيعة الحال فإن المشاركة التي تتحقق في هذه الحالة هي مشاركة وهمية وبطبيعة الحال فانه لا ديمقراطية النخبة أو جمهور (أنصار) الحزب المنفرد - كما هو الحال في الحزب الصيني الشيوعي Chinese Communist Party (CCP) - له دلالة ديمقراطية حقيقية، فلتحقيق ديمقراطية حقيقية لابد من المشاركة الشعبية في ظل انتخابات حرة وفي ظل نظام متعدد الأحزاب Fair Elections in a Multiparty System ، حيث يمكن القول أن الأشكال المختلفة من الإندماجCoalitions والصراع Factional السياسي داخل هذه الأحزاب يعد غير واضح ومبهما بشكل كبير لجماهير الشعب، ومن ثم فإنه يفتقر إلي الشفافية (Li, 2005, P. 389).

على أي حال فإن المشاركة السياسية أمر شديد الأهمية سواء تمت من خلال اعتماد المشاركة الجماهيرية القائمة على الحوارات الجماهيرية العامة وأخذها مأخذ الجد لتحقيق تطلعات المواطنين، أو تمت من خلال الحوارات الحزبية والتي قد يدخل فيها جدل إيديولوجي يرتبط بتوجهات الأحزاب.

قياس المشاركة السياسية في المجتمع :

  لعل قضية قياس المشاركة السياسية للسكان في المجتمع هي إحدى الإشكاليات البحثية، والتي قد تتطلب التفريق بين عدة أمور مثل :

1) الاهتمام بالشأن السياسي

2) المشاركة في النشاط السياسي

3) المشاركة في عملية الانتخابات

4) القدرة علي تغيير النظام السياسي.

  ولوحظ من خلال الدراسة – كما سنفسر لاحقا – تباينات بين تلك الأوجه فالاهتمام النظري بالشأن السياسي قد لا يرتبط بالمشاركة السياسية وقد لا ترتبط بعض أوجه المشاركة السياسية بالمشاركة في العملية الانتخابية، كما قد تؤثر مسألة القدرة علي التغيير السياسي سلبا علي بعض الأوجه السابقة. ومن ثم فقد لا تتحقق هذه الأوجه بشكل متسق. كما يُفرض سؤال مهم هنا وهو من الذي يشارك في النشاط السياسي؟ ولماذا؟ ومن الذي يتجنب المشاركة؟ ولماذا؟ وهو أمر يسترعي الانتباه والدراسة. وفيما يلي سوف نتناول أوجه مختلفة للمشاركة السياسية.

   بلغ إجمالي سكان مصر سنة 2005 - تاريخ إجراء انتخابات مجلس الشعب - نحو 71.5 مليون نسمة منهم نحو 39.6 مليون نسمة في سن الانتخاب - أي تزيد أعمارهم عن 18 سنة - اى أن نحو 55.3 % من سكان مصر هم من تخطوا 18 سنة(1)، ومن ثم يصبح هذا العدد هو العدد المؤهل للمشاركة في العملية الانتخابية (ملحق 1). وبطبيعة الحال فإن من تضمهم الجداول الانتخابية (الناخبون) لا يشمل كل السكان الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة، فقد بلغ إجمالي عدد المقيدين في الجداول الانتخابية نحو 32.1 مليون ناخب، أي أن نسبة القيد(2) تبلغ نحو 81.2 %، وبمقارنة هذه النسبة بما كانت عليه في الانتخابات البرلمانية السابقة – أي انتخابات برلمان 2000- والتي بلغت نسبة القيد بها 69.6 % بحيث يمكن القول إن نسبة القيد سجلت خلال تلك الفترة تقدما، وهو إلي حد ما يعكس رغبة أكبر من السكان في الانضمام – ولو النظري- للمجمع الانتخابي. ولعل هذا الأمر يمكن أن يرجع في أحد جوانبه إلي قدر من الإيجابية نجمت عن بعض التحسن الذي شهدته انتخابات مجلس الشعب لسنة 2000، عما سبقها من انتخابات، والمتمثلة بشكل أساسي في الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية والتي حدثت للمرة الأولي في هذا التاريخ. هذا بالإضافة إلي بعض عمليات التسجيل الروتيني التي قامت بها وزارة الداخلية لتسجيل عدد ممن بلغوا سن 18 عاما.

للمزيد :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا