التسميات

السبت، 26 مارس 2016

أثر التغيرات المورفولوجية في النسيج الحضري على خصائصه التركيبية : دراسة عن منطقة أسواق الموصل القديمة ...


أثر التغيرات المورفولوجية في النسيج الحضري على خصائصه التركيبية ـ دراسة عن منطقة أسواق الموصل القديمة

ممتاز حازم الديوجي - أستاذ مساعد

حسين سلمان عبد الله -  أستاذ مساعد

أياد وليد جلال - مهندس 

قسم الهندسة المعمارية / كلية الهندسة / جامعة الموصل

The iraqi journal of architecture المجلة العراقية للهندسة المعمارية ISSN: 19991738 -2010 Volume: 6 Issue: 19-20-21 Pages: 348-362 :

المستخلص : 

   نمت المراكز الحضرية وتوسعت بشكل تدريجي وقد رافقت هذا النمو عمليات تجديد لأجزاء عديدة من هذه المراكز على مر الزمن . في العصور الماضية كانت الظروف والاحتياجات تتطور بشكل ضئيل وبطيء والمدن غالبا ما كانت تتغير بفعل الكوارث الطبيعية أو الحروب . 

  أدى قيام الثورة الصناعية وما تلاها من تحولات تقنية مهمة في وسائل النقل إلى التأثير بشكل لا يقبل الجدل على المراكز الحضرية التاريخية وحيث عانت الكثير من التغيرات الشكلية المتمثلة بفتح الشوارع لمرور المركبات وبشكل مقحم وبدرجات متفاوتة من التعاطف مع خصائص هذه المراكز. 

   ينطلق البحث من فرضية عامة مفادها أن الخصائص التركيبية للمراكز الحضرية القديمة وبضمنها التنظيم الفضائي قد تعرضت للتغيير بتأثير التغيرات الشكلية المتمثلة باختراق الشوارع لأجزاء هذا النسيج التقليدي . وبالتالي فان الحاجة تكمن في ضرورة وجود تصور واضح ودقيق للتغير في خصائص التنظيم الفضائي للمراكز الحضرية والتاريخية والناجم عن هذه التغيرات الشكلية.هذا يستلزم بدوره تحديد وتوصيف خصائص هذا التنظيم الفضائي قبل حدوث هذه التغيرات وبعد حدوثها . 

  تم اختيار منطقة المركز التجاري القديم لمدينة الموصل كحالة دراسية . سوف يتم اعتماد منهجية قواعد تركيب الفضاء لأجل تحديد وتوصيف خصائص التنظيم الفضائي لهذه المنطقة قبل حدوث هذه التغيرات وبعد حدوثها وعبر ثلاثة مراحل زمنية اتسمت كل منها بتغيرات مورفولوجية معينة مع الاستعانة بالخرائط التوثيقية الخاصة بمنطقة الدراسة . 

الكلمات الدالة : النسيج الحضري, التنظيم الفضائي, مدينة الموصل, التغيرات المورفولوجية 

The Effect of Morphological Changes in Urban Fabric on its Syntactical Properties 

-A Case Study in Mosul Old Suq

Abstract : 

 Urban centers had been grew and expanded gradually with a little renewal of their parts . In the past, this process was very slowly due to limited development in needs .Most renewal works occurred as a response to destruction caused by natural disasters or wars . This was true until the industrial revolution which was accompanied with a dramatic changes in transportation systems and the necessity to erect wide streets in most historic centers .In many cases ,these works did not take in consideration the importance of spatial attributes of such centers 

  Assuming that syntactical properties of any urban fabric – including the spatial organization - are related to its morphological attributes . This research tries to explore the impact of morphological changes in historic urban fabric ,which are represented mainly by the erection of streets , on its spatial organization . Such aim requires the determination of spatial organization attributes different periods depending on morphological changes in the fabric . 

  The old commercial center in Mosul – The Old Suq – is selected as a case study . Space syntax approach will be applied to determine the spatial organization attributes of this center in three sequential periods characterized by extreme morphological changes .

Key words: Urban fabric, Spatial organization, Mosul city, Morphological Changes

١ - المقدمة : 

١-١ توطئة :

   نمت المراكز الحضرية وتوسعت بشكل تدريجي وقد رافقت هذا النمو عمليات تجديد لأجزاء عديدة من هذه المراكز على مر الزمن في العصور الماضية كانت الظروف والاحتياجات تتطور بشكل ضئيل وبطيء والمدن غالبا ما كانت تتغير بفعل الكوارث الطبيعية أو الحروب .

   أدى قيام الثورة الصناعية وما تلاها من تحولات تقنية مهمة في وسائل النقل إلى التأثير بشكل لا يقبل الجدل على المراكز الحضرية التاريخية وتغيرت الكثير من معالمها وخصائصها ومن ضمنها التنظيم القضائي لهذه المراكز ٠ هذا التأثير تمثل بفتح الشوارع لمرور المركبات وبشكل مقحم وبدرجات متفاوتة من التعاطف مع خصائص هذه المراكز.

١-٢ مشكلة البحث: 

  إن الحاجة تكمن في ضرورة وجود تصور واضح ودقيق للتغير في خصائص التنظيم الفضائي للمراكز الحضرية والتاريخية والناجم عن التغيرات المورفولوجية المتمثلة باختراق الشوارع للنسيج الحضري التقليدي لهذه المراكز .هذا يستلزم بدوره تحديد وتوصيف خصائص هذا التنظيم الفضائي قبل فتح هذه الشوارع وبعد فتحها وقد تم اختيار منطقة المركز التجاري القديم لمدينة الموصل كحالة دراسية .

١-٣ هدف البحث :

   يهدف البحث إلى تحديد التغير في خصائص التنظيم الفضائي للمراكز الحضرية التاريخية والنجم عن اختراق الشوارع لنسيجها الحضري التقليدي متخذا من المركز التجاري القديم لمدينة الموصل حالة دراسية .

٢ - الإطار النظري : 

٢ -١ مفهوم المورفولوجية الحضرية : 

  إن مصطلح المورفولوجية Morphology ومن خلال اتفاق معظم الآراء يمكن تعريفه على أما . انه العلم الذي يختص بدراسة الشكل والهيأة مفهوم المورفولوجية الحضرية Urban Morphology فهو عبارة عن النسيج البنائي للمدن صغيرة أو كبيرة كانت ، وتشمل المخطط، الشكل، الوظيفة، والطرق التي بموجبها تتم دراسة هذا النسيج والتي تعبر عن أشكال المدن عبر المراحل التاريخية . ومن أوائل من تناول مفهوم المورفولوجية الحضرية هو ابن خلدون الذي أشار إلى أن المورفولوجية الحضرية هي ظواهر تتعلق ببنية المجتمع، وهي تحاول دراسة الظواهر التي تتصل بالسكان وأصول المدنيات وتوزيعهم على المساحة التي تشغلها والنظم التي تسير عليها المجتمعات في هجرة أفرادها وكثافتهم وتخلخلهم والمسائل التي تتعلق بتخطيط القرى والمدن، وقيام الأمصار والشروط التي تتعلق بمواقعها والوظائف التي تؤديها، وكذلك تعرض ابن خلدون إلى مقومات النظرية المورفولوجية التي تؤمن بتزاوج الإنسان ووحدة الفضاء، كما ربط بين الوظيفة والشكل بصورة واضحة، مؤكدا العلاقة الجدلية بين الاثنين (ابن خلدون ,١٦٠:١٩٦٠) وقد عرفه Carter بأنه دراسة الهيكل الحضري الداخلي للمدينة( General Structure) ،وقد ربطه بثلاثة متغيرات هي الخطة أو المخطط (Plan)، والنسيج الحضري Land ) الأرض واستعمالات ،(Urban Fabric) use) ، إذ تتفاعل هذه المتغيرات فيما بينها لتنتج أشكالا ونماذج عديدة ومتنوعة لهيأة البيئة الحضرية ، وان ما يعطي للمدينة شكلها وخصوصيتها هو طبيعة العلاقة بين هذه المتغيرات (Carter,1982:236) .

   إن قواعد التنظيم الداخلة في إنتاج الشـكل الحضري مـن عنصـريه الأساسـيين (الكتلـة والفضاء ) هي المؤثرة فـي اخـتلاف البيئـات الحضرية عن بعضها، وان هذه القواعـد تـرتبط بمفهوم مورفولوجيـة الفضـاء الحضـري، وان تحليلها ضروري لإمكانية المقارنة من خلاله بين الخصائص التنظيمية للأنظمـة المختلفـة وتهـتم معظم الدراسات المورفولوجية في دراسة العلاقة بين الكتل والفضاءات المحيطـة بهـا، ودراسـة تعريف الفضاء من خلال تقاطع وتراكب السطوح والجدران المحددة له، وكذلك دراسـة العناصـر المكونة للتنظيمات الفضائية، بوصـفها مـؤثرات ومنبهات حسية (Steadman,1983:33). وتعبر المورفولوجية الحضرية للمدينة عـن مظهرهـا، وهو الكل المرئي فيها بأبعاده الثقافيـة للمجتمـع الذي يعيش فيه الإنسان، ومن خلال ذلـك تعـد بمثابة مرآة لماضي المجتمع وأوضاعه المعاصرة ويشير Hillier إلى أن مورفولوجية الفضاء تعني المجموعة الكاملة للعلاقات المتزامنة ضمن البيئة الشمولية لذلك الفضاء وبذلك فان الدراسات المورفولوجية للهيكل الحضري للمدينة تعتبـر أن الخصائص التنظيمية تمثل منطلقا لتفسير التفاعل الاجتماعي الذي يجـري داخلها ، وهـي بـذلك تسهم في فهمها ككائن حي من خلال فهم تفاعل الوظيفة مع الشكل ، ومن ثم تفسير المدينة كإقليم مميزة وظيفيا وشكليا، وتسهم في إعطـــاء كل مدينة  خصوصيتها.(Hillier n,1984:50) 

  ومما سبق يمكن القول أن المورفولوجيـة الحضرية للمدينة، تعنـى بدراسـة الخصـائص التنظيمية لهيكلها الفضائي، وإنها تستند إلى قواعد يتشكل على أساسها الهيكل الفضائي الحضـري، ويلعب المجتمع بما يحمـل مـن قـيم وعـادات وحاجات وخصائص، الدور الكبير في صـياغتها من حيث مدى تأثيره وتأثره بالهيكـل العمرانـي للبيئة الحضرية ، ومـن ثـم صـياغة الشـكل الحضري لتلك البيئة بما يتناسب وذلـك التـأثير والتأثر.

٢- ١ التغيرات المورفولوجية في النسيج الحضري في المراكز الحضرية القديمة : 

إن ظهور المركبات كإحدى انجازات الثورة الصناعية في وسائل النقل وواحدة من ابرز معالم التطور التقني واختراقها لأجزاء النسيج الحضري عبر شوارع واسعة يعد واحدا من أهم أسباب فقدان النسيج الحضري التقليدي وتغير خصائصه لاسيما وان عملية فتح الشوارع لا تراعي في معظم الأحيان الأهمية التاريخية أو القيمة المعمارية للأبنية بسبب ما تستلزمه الخصائص الهندسية للشوارع من استقامات وتعامد للتقاطعات .
في جانب الرصافة بمدينة بغداد مثلا تشير الدراسات الخاصة بهذا الجانب إلى النقاط التالية: 

١- تهدم مساحة (٦,٧٥) هكتارا من النسيج الحضري القديم وبنسبة تعادل (١٨,٩٧%) من مجموع مساحة هذا النسيج في عموم جانب الرصافة بتأثير فتح ثلاثة شوارع موازية لنهر دجلة واثنين عموديين على النهر وخلال فترة زمنيه لا تتجاوز(٤٤) عاما. علما أن هذه النسبة المفقودة من النسيج الحضري القديم تعادل (٨١ %) من مجمل النسيج القديم المفقود في جانب الرصافة.

٢- كان فتح هذه الشوارع سببا مباشرا في زوال (٤١) مبنى مهم تاريخيا ومعماريا في المنطقة وذالك لما تتطلبه الخصائص الهندسية للشوارع من استقامات. 
٣- إن المحاور الهندسية لهذه الشوارع المستحدثة قد سارت وفق مفاهيم لا تنسجم مع خصائص التنظيم الفضائي لهذا المركز التاريخي وحيث سبب تقطيعات بالغة الأثر في محاور الحركة التقليدية الرئيسة الخمسة والمتمثلة بالفعاليات التجارية وهذه أثرت على خصائص التنظيم الفضائي لهذا المركز (جعفر,١٥٢:١٩٨٦) . 

  إن أعمالا مماثلة قد تمت في العديد من المراكز الحضرية التاريخية في المدن العراقية الأخرى وبضمنها مدينة الموصل وسببت بالنتيجة تغيرات مماثلة لخصائص هذه المراكز .

٢-٢ التغيرات المورفولوجية في النسيج الحضري في المركز التجاري القديم لمدينة الموصل :
 
   إن المصادر التاريخية المتوفرة لا تعطينا معلومات وافية عن نشأة مدينة الموصل إلا انه من المؤكد أن الفتح الإسلامي للمدينة سنة ١٦ هجرية قد اشر بداية مرحلة تخطيطية جديدة في تاريخ المدينة حيث أعيد تخطيطها وفقا للمبادئ التخطيطية الإسلامية والتي عكست أسلوبا للتنظيم المكاني تمثل في التنظيم حول نواة رئيسية مركزية هي المسجد الجامع وحوله المركز التجاري وحولهما المناطق السكنية مع اعتماد منظومة حركة ذات نظام مرتبي متدرج.(ناجي,٣٢٨:١٩٨٦ ).

   تعرضت مدينة الموصل في الفترات اللاحقة إلى تغيرات عديدة في أسلوب تنظيمها المكاني وحيث انتقلت نواتها المركزية إلى منطقة جديدة هي منطقة الجامع ألنوري .(ناجي ,٣٢٨:١٩٨٦) وخلال الفترة العثمانية انتقل مركز السلطة إلى القلعة الداخلية (ايج قلعة) ورافق هذا الانتقال الجديد إعادة تنظيم الفعاليات الحضرية وبضمنها المركز التجاري الذي انتقل إلى جوار القلعة ليستقر في موقعه الجديد مشكلا المركز التجاري الرئيس للمدينة وإلى الوقت الحاضر . (ريمون,١٧٨:١٩٩١)

   أدى دخول معالم التحديث إلى مدينة الموصل في بداية القرن العشرين والتي تمثلت بإزالة القلعة الداخلية وفتح شارع نينوى ثم تشييد جسر نينوى عام ١٩٣٤ وإزالة الجسر القديم و فتح شارع الملك غازي (الثورة) إلى تغيرات على نطاق محدود على المستوى العمراني . ولكن أعمال الهدم والإزالة الواسعة النطاق التي أنجزت لأجل فتح شارع الكورنيش عام١٩٧٤ كانت مسؤولة بشكل أساس عن تغيير معظم خصائص هذا المركز وحيث تم هدم أكثر من ١.٥ هكتارا من الأبنية التاريخية ضمن هذا المركز ثم جاء تطبيق مقترح وحدة التخطيط العمراني في نينوى عام ١٩٩٢ والمتضمن مد شارع اختراقي ضمن هذا المركز ليضيف تغيرا جديدا لخصائص هذا المركز . 

٢- ٣ الخصائص المتفردة للمركز التجاري القديم لمدينة الموصل : 

  لفتت علاقة الأسواق بالمسجد الجامع في المدينة الإسلامية ومنذ فترة طويلة انتباه الباحثين وتعددت الآراء حولها . في مقالته ( التمدن الإسلامي ) أشار المستشرق الفرنسي جورج مارسيه إلى السوق بوصفه مركزاً للحياة التجارية واقع حول المسجد الجامع ومن ثم فان الأسواق تتدرج حول هذا الجامع و نحى الكثير من الباحثين ضمن مجال التمدن الإسلامي هذا المنحى في التأكيد على المسجد الجامع بصفته نواة المركز الاقتصادي والاجتماعي للسوق في المدينة الإسلامية . وحيث أن هذه الظاهرة سائدة في سائر مناطق العالم الإسلامي وضمن نموذج Model قياسي واضح وقابل للتعميم (ناجي,١٤٧:١٩٨١).

   هنا يمكن الاستشهاد بطروحات اندريه ريمون المتخصص بتاريخ التمدن الإسلامي حيث يقول : « وفيما يتعلق بمدينة الموصل فقد كانت مسرحا لحادث حضري ليس له مثيل في أية مدينة كبيرة أخرى . ففي العهد المغولي كانت المدينة الرسمية تحتل موقعا قريبا للغاية من الجامع ألنوري المشيد في موقع مركزي تماما وكانت القلعة ( الحصن) بالقرب منه وكما يبدو فان العديد من الأسواق كانت قريبة من كل ذلك . وبعد الغزو العثماني أقيم المركز الاقتصادي في قطاع مثلث الشكل يقع إلى الشرق بالقرب من نهر دجلة مباشرة . ويمكن الافتراض أن تدمير المدينة شبه الكامل في القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر قد ساعد على هذا الانتقال الذي ارتبط ببناء القلعة الداخلية – ايج قلعة- بالقرب من مجرى دجلة الذي أقيم عليه جسر في القرن الثامن عشر . أصبحت المنطقة زاخرة بالنشاط في القرن الثامن عشر حيث ضمت (٣٨) خانا . كان هذا التغير في موقع المنطقة التجارية وانتقاله بالكامل من الظواهر الشاذة التي يمكن تفسيرها بمجموعة من العوامل الطبيعية (وجود نهر دجلة) والسياسية ( تشييد القلعة الداخلية) والاقتصادية (جاذبية الطريق التجاري الذي كان يعبر النهر) . » (ريمون, ١٥٩:١٩٩١)

٢- ٤ راحل التغير المورفولوجي للمركز التجاري القديم لمدينة الموصل : 

  يمكن إجمال مراحل التغير المورفولوجي في النسيج الحضري للمركز التجاري القديم لمدينة الموصل بالمراحل التالية :

المرحلة الأولى : وهي مرحلة النشوء والاكتمال وتمتد خلال الفترة ما بين القرن السادس عشر و حيث ابتدأت أولى بوادر تحول المركز التجاري إلى المنطقة قرب النهر و في القرن الثامن عشر شهدت الموصل بداية حركة عمرانية محددة ما لبثت أن اتسعت وكان نصيب الأسواق والمنشآت التجارية من هذه الحركة كبيرا . كما شهدت هذه الفترة (وبتأثير النشاط الذي دب في الحركة التجارية والعمرانية) تحولا في طريقة التعامل بالأوقاف الدينية على الجوامع والأضرحة ، وذلك باستغلال المنشآت التجارية منها وعدم الاقتصار على المزارع والقرى . وتمتد هذه المرحلة إلى بداية القرن العشرين حيث شرعت بوادر التحديث العمراني بالدخول إلى المدينة . 

المرحلة الثانية : تتمثل بدخول معالم التحديث إلى المدينة مع بداية القرن العشرين متمثلة بإزالة القلعة الداخلية ( ايج قلعة) وفتح شارع نينوى عام ١٩١٤ مخترقا النسيج الحضري التقليدي للمدينة القديمة بشكل مستقيم وبطول (٢) كلم من الشرق إلى الغرب ويعد بدوره أول إجراء تخطيطي أدى إلى تمزيق التكوين العمراني للمدينة القديمة . ( الجميل,٨٠:٢٠٠٧) . ومن ثم تشييد جسر نينوى عام ١٩٣٤ وإزالة الجسر القديم وفتح شارع الملك غازي . لقدا رافقت هذه المشاريع أعمال هدم وإزالة جزئية وحدث تغير في بعض المنشآت والمباني فقد انفصل القسم الشمالي من المركز التجاري ليتحول إلى ما عرف بسوق الميدان والذي بدوره تخصص بتجارة الأخشاب وأعمال النجارة . كذلك انفصل الجزء الغربي من المركز التجاري الذي يعرف بسوق الصياغ والمتخصص بتجارة المعادن الثمينة كالذهب والفضة والمجوهرات . تمتد هذه المرحلة إلى بداية عقد السبعينات من القرن الماضي . 

المرحلة الثالثة : تبدأ هذه المرحلة مع بداية سبعينات القرن العشرين حيث تم الشروع بشق شارع الكورنيش والذي بدوره أدى إلى هدم وإزالة مساحة (١.٥) هكتارا من النسيج الحضري التقليدي في منطقة المركز التجاري القديم وحيث تضمنت هذه المساحة مجموعة من الخانات والحمامات . كذلك أدى فتح الشارع إلى تغير واضح في معالم الواجهة النهرية المميزة للمنطقة ومن ثم جاء تطبيق مقترح وحدة التخطيط العمراني في نينوى عام ١٩٩٢ والمتضمن مد شارع اختراقي ضمن هذا المركز ليتسبب بإزالة أجزاء أخرى من نسيجه التقليدي . 

٣ - الخصــائص التركيبيــة للفضــاءات الحضرية ومنهجية قواعد تركيب الفضاء :
 
   تعد هذه المنهجيـة وسـيلة أساسـية لوصف وتحليل التنظيم الفضـائي وبموجـب طروحات هذه المنهجية فإن التنظيم الفضـائي يمكن تحليله بوصفه منظومة مـن العلاقـات التركيبية . يمكن تحليل هذه العلاقات التركيبية وفق خاصيتين أساسيتين هما : 

١ ـ خاصية التناظر ـ اللا تناظر :

وهذه تعبر عن العمق البصـري والحركـي لمختلف فضاءات النظام نسبةً إلـى بعضـها فكلما كان الفضاء اقـل عمقـاً نسـبةً إلـى الفضاءات الأخرى ازداد تناظره وبالعكس . 

٢ ـ خاصية الانتشار ـ اللا انتشار :

  وهذه تعبر عن الخيارات في الطرق المتوفرة خلال النظام للوصول إلى كافة فضاءاته فكلما ازداد عدد الطرق للوصول إلى فضاء معـين ازداد انتشاره في النظام وبالعكس . ولغرض قياس هاتين الخاصيتين يتم اعتماد المؤشرات التالية : 
أولاً ـ المقاييس الموضعية : 

  وهذه تحـدد طبيعـة علاقـة الفضـاء مـع الفضاءات المجاورة له بشكل مباشر وتشمل :
 
١ ـ خاصية الاتصالية : وهذه تمثل درجة الخيار المتوفرة للحركة من الفضاء إلى مجاوراته المباشرة وتقاس بالنسبة للفضاء الواحد من مجموع الفضاءات الأخرى التي ترتبط به أو تتقاطع معه أي التي تبعـد عنه بخطوة واحدة . 

٢ ـ خاصية السيطرة الموضعية : وهذه تمثل درجة الخيار التي يوفرها الفضاء للحركة إليه من الفضاءات المجاورة له بشكل مباشر وتقاس من مجموع مقلوب الاتصـالية للفضاءات المتصلة به بشكل مباشر وحسـب المعادلة :
 
EV=Σ1/n

وحيث أن : EV: درجة السيطرة الموضعية للفضاء. 
n : اتصالية الفضـاءات المتصـلة بـذلك الفضاء .أي الارتباطات المحورية لكل خـط محوري يرتبط بالفضاء بشكل مباشر . 
تتراوح قيم درجة السيطرة الموضعية للفضاء حول قيمة مقدارها (١) إذ تشير القـيم التـي تزيد عن (١) إلى سيطرة موضـعية عاليـة للفضاء في حين تشير القيم التي تقل عن (١) إلى سيطرة موضعية ضعيفة . 

ثانياً ـ المقاييس الشمولية :
 
  وهذه تحدد طبيعة علاقة الفضاء مع مجمـل فضاءات النظام الأخرى وتشمل : 

١ ـ خاصية التكامل : وهذه تمثل مقياساً لمدى عدم التناظر النسـبي ضمن النظام الفضائي ويتم حسـاب درجـة تكامل الفضاء كما يلي :

ا ـ حساب معدل عمق الفضـاء MD مـن المعادلة : 

MD=ΣD/(K-1)
حيث أن : MD: معدل العمق للفضاء . D : عدد الخطوات التي يبعدها الفضاء عن أي من فضاءات النظام الأخرى . K : عدد فضاءات النظام .

ب ـ حساب عدم التناظر النسبي RA مـن المعادلة : 

RA =2 (MD –1 ) / ( K-2) 
حيث أن : 
RA : درجة عدم التناظر النسبي للفضاء .
MD : معدل العمق للفضاء . 
K : عدد فضاءات النظام . 

   تنحصر قيم RA بين ( صفرــ ١) حيـث تعبر القيمة (١) عن عدم تناظر نسبي مرتفع مما يشير إلى فضاء معزول بشكل كبير فـي حين تعبر القيمة ( صفر ) عن عـدم تنـاظر نسبي واطئ مما يشير إلى أعلى درجة لتكامل الفضاء مع الفضاءات الأخرى .

ج ـ حساب عدم التناظر النسبي المعدل RRA من المعادلة :

RRA = RA / DK 
حيث أن : 
RRA : درجة عدم التناظر النسبي المعـدل للفضاء . 
RA : درجة عدم التناظر النسبي للفضاء . 
DK : درجة عدم التناظر النسـبي للفضـاء الأساسي من مخطط العمق الجوهري الشكل . 

  تتراوح قيم RRA حول قيمة مقدارها (١) وهي القيمة الناتجة عندما يكون عدم التناظر النسبي للفضاء مساوياً لعدم التناظر النسبي للفضاء الأصلي في مخطط العمق الجوهري الشكل الذي يحمل نفس العدد من الفضاءات المحورية فالقيم التي تزيد عن (١) تشير إلى الفضاءات الأكثر عزلة في النظام ، أما القيم التي تقل عن (١) فتشير إلى الفضاءات الأكثرتكاملاً في النظام (Hillier,1984:97-153) .

٦ – الاستنتاجات والتوصيات :

٦- ١ الاستنتاجات :

١ - أدت التحولات التقنية في وسائل النقل إلى التأثير بشكل واضح على المراكز الحضرية التاريخية وبضمنها المركز التجاري القديم في مدينة الموصل وتغيرت الكثير من معالمها وذلك بفتح الشوارع لمرور المركبات وبشكل مقحم وبدرجات متفاوتة من التعاطف مع خصائص هذه المراكز مسببة فقدانها لأجزاء من نسيجها التقليدي .

٢ - أن المركز التجاري القديم لمدينة الموصل يبرز كحالة متميزة تخرج عن نطاق التعميم الشائع حول تركيب المدينة الإسلامية واتخاذ المسجد الجامع كنواة أساسية للنمو مما يمنح هذا المركز خصوصية معينة . 

٣ – أثرت التغيرات المورفولوجية التي طرأت على المركز التجاري القديم لمدينة الموصل على خصائصه التركيبية متمثلة بخصائص بنية النظام الفضائي وباعتماد منهجية قواعد تركيب الفضاء لقياس هذه الخصائص وعبر مراحل زمنية للتغير المورفولوجي تميزت كل منها بتبدلات واضحة وحيث تمت عمليات فتح شوارع جديدة وإزالة أجزاء من النسيج التقليدي وهنا يمكن إجمال التغير في خصائص بنية النظام الفضائي بتبدل موقع نواة السيطرة الشمولية القوية وبشكل تدريجي حيث كانت هذه النواة متركزة وخلال المرحلة المورفولوجية الأولى في منطقة قلب السوق وانتقلت تدريجيا ومع التغيرات المتتابعة والمتمثلة بفتح الشوارع إلى مناطق حافات السوق وضمن فضاءات الشوارع المستحدثة لتتركز في المرحلة المورفولوجية الثالثة في شارع غازي ( الثورة) تاركة منطقة قلب السوق بشكل شبه كلي باستثناء محور واحد بل وتعدى الأمر هذه الحالة إلى تركز نواة السيطرة الشمولية الضعيفة في منطقة قلب السوق مع ما رافق هذا التغير في الخصائص التركيبية من تغيرات في طبيعة البنية التجارية والاقتصادية وقيمة الأرض في منطقة المركز القديم . 

٦- ٢ التوصيات :

   يوصي البحث بضرورة اعتماد التحليلات العلمية مثل منهجية تركيب الفضاء لدراسة التأثيرات المحتملة لأي تغير مورفولوجي والذي ينجم عن مشاريع التطوير قبل الشروع به بغية المحافظة على خصائص المراكز الحضرية التاريخية .

المصادر: 

١ - ابن خلدون , عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون، نشر وتحقيق د. علي عبد الواحد ، ط٢، لجنة البيان المعرفي، ١٩٦٠.
 
٢ – توحلة , احمد يعرب , المشهد الحضري لأسواق المدينة الإسلامية , أطروحة دكتوراه , المعهد العالي للتخطيط الحضري والإقليمي , جامعة بغداد , ٢٠٠٨ . 

٣ - جعفر , عصام عبد الأمير , تطوير المنطقة التجارية في مركز الرصافة القديمة , رسالة ماجستير , قسم الهندسة المعمارية , جامعة بغداد ,١٩٨٦ . 

٤ - الجميل , علي حيدر سعد , النعمان , رائد سالم ,اثر الشوارع المخترقة في تغير التنظيم الفضائي لمدينة الموصل القديمة , مجلة هندسة الرافدين , المجلد ١٥ , العدد ٣, كلية الهندسة , جامعة الموصل ,.٢٠٠٧  . 

٥ - الديوجي , سعيد , الموصل مدينة أبي تمام وابن الأثير , مجلة العربي , العدد ٢٨,آذار ١٩٦١ , الكويت . 

٦ - الديوجي , سعيد , بحث في تراث الموصل , وزارة الثقافة والإعلام بغداد , ١٩٨٢ . 

٧ - ريمون , اندريه , المدن العربية الكبرى في العصر العثماني ,ترجمة : لطيف فرج ,دار الفكر , القاهرة , ١٩٩١ .
 
٨ – قدورة , محمود ,التنظيم المكاني للمدينة العربية الإسلامية , المدينة العربية , العدد ٢٣, منظمة المدن العربية , الكويت , ١٩٨٧ . 

٩ – ناجي , عبد الجبار , المدينة العربية الإسلامية في الدراسات الأجنبية , مجلة المورد , المجلد ٩ , العدد ٤, بغداد , ١٩٨١ . 

٩ – ناجي , عبد الجبار , دراسات في تاريخ المدن العربية الإسلامية ,جامعة البصرة , ١٩٨٦  . 

10 – Bailly , G.H., The Architectural Heritage , Stanley Thornes Publishers , U.K., 1975 . 

11 - Burton, Elizabeth and Mitchell, Lynne, Inclusive Urban Design, Streets for Life, Architectural Press, Oxford 2006 

12- Carter, Harold , The Study of Urban Geography, 3rd. ed., Edward Arnold, Australia, 1982 . 

13 – Hillier, Bill, And Hanson, Julienne, The Social Logic of Space , Cambridge University Press, Cambridge, 1984 . 

14 – Hillier, Bill, Space is the Machine, Cambridge University Press, Cambridge. 

15 - Marshall, Stephen, Streets and Patterns, Spon Press,Oxon, 2005 . 

16 - Moughtin, Cliff, Urban Design: Street and Square, 3rd. ed., Architectural Press, Oxford 2003 . 

17 – Steadman, J.P., Architectural Morphology, Pion ltd., London, 1983. 

18 - McCluskey, J.; Road Form and Townscape, Architectural Press, London, 1979. 

19 - Safdie , Moshi , The City After the Automobile, An Architect's Vision, Westview Press , , Boulder, Colorado ,USA, 1997 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا