التسميات

الخميس، 7 أبريل 2016

الإطار الاستراتيجي لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى عام 2022 (جمهورية مصر العربية) ...

جمهورية مصر العربية
الإطار الاستراتيجي لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية
حتى عام 2022
(مقترح لأغراض الحوار المجتمعى)
وزارة التخطيط و التعاون الدولى
نوفمبر 2012 
  

الإطار الاستراتيجي
لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 
2012 - 2022 
مقدّمة
أكدت التجارب التاريخية أن فعاليات التخطيط لا تحقق النتائج المنشودة منها إلا إذا توفر إطار استراتيجي حاكم لأبعاد وآليات العملية التخطيطية. ولذا، أصبح مُصطلح التخطيط الاستراتيجي شائعاً في الأدبيات الاقتصادية، كما صارت أدواته منهاج عمل عند صياغة الخطط والبرامج الإنمائية.
وقد برزت أهمية تبنّي هذا الفكر التخطيطي في الحالة المصرية في ظل اعتبارات ثلاثة تعكس الدروس المستفادة من التجارب التنموية السابقة من ناحية، والمنظور المستقبلي للتنمية الشاملة والمستدامة، من ناحية أخرى.
وأول هذه الاعتبارات يتعلق بما يُعرف "بثلاثية" التنمية، أي أبعادها الثلاثة الممثلة في النمو الاقتصادي المرتفع، والتشغيل الكامل والكفء واللائق، والعدالة الاجتماعية في توزيع وإعادة توزيع الثروات والدخول. فقد تمخّضت التجارب التخطيطية السابقة عن حقيقة مؤداها أن النمو المرتفع – وإن كان شرطاً ضرورياً للتنمية – إلا أنه ليس بكافٍ ما لم تستند مرتكزاته على اعتبارات التشغيل والتكافؤ الاجتماعي، الأمر الذي استلزم بدوره مراجعة الفكر التقليدي الذي ينظر إلى "التشغيل" باعتباره تابعاً للنمو الاقتصادي السريع، وإلى العدالة الاجتماعية باعتبارها ناتجاً لاحقاً عندما تتساقط ثمار التنمية على الفئات الاجتماعية محدودة الدخل، وعندما تنتقل آثار النمو من القطاعات الرئيسية إلى القطاعات الثانوية.
وليس بخافٍ على أحد أن مصر قد تبنّت هذا الفكر التقليدي لسنوات عديدة بالتركيز على تسريع معدل النمو الاقتصادي. وقد تحقق ذلك في بعض السنوات الأخيرة عندما قفز معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى 7% سنوياً، غير أنه من ناحية أخرى، لم يكن هذا النمو مشفوعاً بارتفاع مستويات التشغيل أو بتحسّن مستويات معيشة المواطن العادي، بل واصل معدل البطالة ارتفاعه حتى بلغ نحو 13% في عام 11/2012، كما تصاعدت معدلات الفقر ليتضرّر منها نحو 25% من جملة السكان.
وإزاء هذه التطوّرات، لم تعد القضية المطروحة هي قضية "النمو"، وبرزت الحاجة لتنبّي فكر مُغاير ينظر إلى ما هو أبعد من النمو المرتفع، ويرتكز إلى استراتيجيات أكثر قدرة على التصدّي للتحديّات القائمة من خلال التوجّه التخطيطي الصريح والمباشر لاستهداف التشغيل واستهداف استئصال شأفة الفقر دون انتظار غير مؤكد لجني ثمار النمو السريع.
أما الاعتبار الثاني، فيتعلق بالأبعاد المكانية والزمانية للمنظور التنموي، وبالتالي منظومة التخطيط. فمصطلح "التنمية" لم يعد يُذكر مجرداً أو منفرداً كما كان في الماضي، بل صار موصوفاً بالشمول لتبرز مصطلحات التنمية الشاملة والتنمية المستدامة، والأولى تعني انتشار التنمية مكانياً لتُغطي كافة المناطق والأقاليم، والثانية تعني الحفاظ على الموارد وصونها وحمايتها من الهدر لصالح الأجيال القادمة.
وهذا التطوّر الفكري يتطلب بالضرورة إطاراً استراتيجياً متوافقاً معه يأخذ بعين الاعتبار تناسق التنمية القطاعية والتنمية المكانية، وقضايا الاختلال بين السكان والحيّز المأهول والتفاوتات الدخلية بين الأقاليم والمحافظات، والحاجة إلى تبنّي وتفعيل مفاهيم اللامركزية والإقليمية والإدارة المحلية ... كما اقتضى هذا التطوّر الفكري، من ناحية أخرى، صياغة الاستراتيجيات التنموية التي تحقق التوافق بين صالح الأجيال الحاضرة والأجيال المستقبلية من خلال الحفاظ على الموارد القابلة للنضوب واستحداث الموارد الأكثر استدامة.
وتأتي في مقدّمة الأولويات الاستراتيجية في هذا السياق الحفاظ على الأراضي الزراعية من الاعتداءات العمرانية وترشيد استخدامات المياه وتنمية مواردها، واستغلال مصادر الطاقة الجديدة والمتجدّدة والتي تزخر بها الصحراوات المصرية.
والاعتبار الثالث، وهو لا ينفصم عن الاعتبارين سالفي الذكر، يرتبط بركائز الاقتصاد المعرفي. فالتنافسية الدولية لم تعد قائمة اليوم على درجة توفر عوامل الإنتاج الأولية، أو حتى اعتبارات الكفاءة في الاستثمار وتوجيه الموارد، وإنما في اكتساب المعارف والعلوم والقدرة على الابتكار والتطوير، أي في الانتقال إلى ما يُعرف بالاقتصاد المعرفي، وهو ما وصلت إليه اليوم الدول الصناعية المتقدّمة، وترنو إلى الوصول إليه في القريب العاجل الاقتصادات الناشئة أو الصاعدة، ولا يتصوّر أن يغيب هذا التوجّه الاستراتيجي عن المُخططين ومُتخذي القرار في مصر.
ومن هذا المُنطلق، يستند الفكر التخطيطي في الأجل المتوسط إلى توفير الركائز الأربع الداعمة للانتقال التدريجي من اقتصاد قائم على استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة إلى اقتصاد يسعى إلى تحقيق كفاءة الاستثمار تمهيداً للارتقاء إلى مصاف دول الاقتصاد المعرفي.
ويقتضي هذا التوجّه الاستراتيجي التركيز على تنمية الموارد البشرية من خلال تطوير نُظم التعليم والتعلّم والتدريب، وتحفيز البحث العلمي والابتكار، بتخصيص الموارد المالية المناسبة للإنفاق على البحث والتطوير وتعزيز القدرات البحثية الوطنية والاستفادة من العقول المهاجرة، وكذا تطوير نُظم الاتصالات وتقنيّة المعلومات، وتوفير الإطار المؤسسي والتنظيمي المحفّز لقطاع الأعمال، وما يتطلبه ذلك من مراجعة للتشريعات القائمة وتبسيطٍ لإجراءات الاستثمار، وتحفيز القطاع الخاص وتنظيمات المجتمع المدني على مزيدٍ من المشاركة الفاعلة في خطط التنيمة.
ولقد كانت الاعتبارات الثلاثة سالفة الذكر هي القوة الدافعة لفريق العمل بوزارة التخطيط والتعاون الدولي ومجموعة اللجان التي تم تشكيلها وضمّت ممثلين لكافة الوزارات والأجهزة المعنيّة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني للتباحث حول الإطار الاستراتيجي للخطة القومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال العشر سنوات القادمة (2012 – 2022). وقد سبق إصدار الوثيقة الأولية لهذا الإطار الاستراتيجي في يونيو 2012، والوثيقة الحالية هي نسخة مُنقحة منها في ضوء المستجدّات التي طرأت في خلال الشهور الخمسة الأخيرة وتُغطي المكوّنات والمُفردات التي تتفق ومنظومة التخطيط الاستراتيجي من حيث البدء بالرؤية المستقبلية للمجتمع المصري والأهداف المنشودة، ثم الاستراتيجيات التنموية لتحقيق ما يصبو إليه المجتمع من أهداف، وتتبعها السياسات والموجّهات التنفيذية المتوافقة مع الاستراتيجيات المطروحة.
وإننا لنأمل أن يكون هذا الإطار الاستراتيجي للخطة القومية للتنمية مُعيناً لكافة شركاء التنمية كنقطة انطلاق أساسية لإجراء حوار مجتمعي موسّع حول الرؤية التنموية لمصر والأهداف المُنبثقة منها، وحول توجّهات المنظومة التخطيطية للاقتصاد المصري وآفاقها المستقبلية بما يُفيد في تبنّي السياسات وبرامج العمل التي من شأنها تعزيز انطلاقة مصر في رحاب التنمية الشاملة والمستدامة على خريطة التنافسية الدولية والاقتصاد المعرفي  وبما يحقق الرفاهة الاجتماعية لكافة المواطنين – أجيالاً حاضرة ومستقبلية – في إطار  من العدل والمساواة وتكافؤ الفرص.
ولا يفوتني في هذا الإطار أن أتوجّه بخالص الشكر والتقدير لفريق العمل الذي عَكف على إعداد هذه الوثيقة في إطار تشاوري بنّاء بقيادة معالي الوزيرة/ فايزة أبو النجا – الوزيرة السابقة – ومع شكر خاص للوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) لما قدّمته من مساندة فنية أثرت مُخرجات هذه الوثيقة.
والله ولي التوفيق ،،،
القاهرة: نوفمبر 2012
    د/ أشرف العربي
    وزير التخطيط والتعاون الدولى
توطئة
يسعدنى بشكل خاص أن أعرض هذا الإطار الاستراتيجى المقترح لفترة العشر سنوات القادمة 2012 – 2022 للخطة القومية لمضاعفة الدخل. ويرجع مصدر سعادتى وإعتزازى إلى أن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها إعداد إطار استراتيجى للخطة الخمسية وإن ذلك قد تم من خلال عمل علمى مدروس على أعلى مستوى.
لقد وفرت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 فرصة غير مسبوقة لإحداث تنمية حقيقية تقوم علي أساس بنية سياسية سليمة، ومن ثم فلقد كانت عملية إعادة البناء السياسي والمؤسسي للدولة بمثابة فترة تمهيدية يتم فيها التحضير للخطة الخمسية السابعة 2012/2013 – 2017/2018 في بداية مرحلة جديدة يعلو فيها هدف التنمية علي ماعداه من شعارات العمل الوطني، إلا أن امتداد فترة التحول الديموقراطي بعد الثورة عما كان مقدّراً لها، فضلاً عن الإضطرابات السياسية والأمنية ولاسيما في أواخر عام 2011 قد خلقت ظروفاً مُغايرة يتحتم معها إعادة النظر في العمل التخطيطي بما يحقق المرونة المطلوبة لمواجهة الظروف السياسية الطارئة والمستجدّات التي قد تطرأ بعدها دون الإخلال بالأهداف بعيدة المدي.
لقد مارست مصر تجارب تنموية مُمتدة منذ أوائل الستينيات توصلت بعدها الدولة إلي أهمية تفعيل آليات السوق والأخذ بنظام الاقتصاد الحرّ الذي يلعب فيه القطاع الخاص دوراً رائداً، إلا أن التجربة علي أرض الواقع خلال السنوات الماضية - ورغم تحقيق معدلات نمو جيدة - قد أسفرت عن عِدّة دروس مستفادة من أهمّها أن تحقيق النمو وحده ولو بمعدلات مرتفعة لا يؤدي بالضرورة إلي التنمية  المنشودة أو التنمية المستدامة.
ومن ناحية أخرى، فإن الاقتصاد الحر لا يعني التخلي عن الدور الاجتماعي للدولة من خلال سياسات فعالة تضع نصب أعينها قضية العدالة في توزيع الدخل وتكافؤ الفرص.
لقد كان للضغوط الاجتماعية التي نجمت عن التركيز علي سياسات شحذ النمو فقط أثرها الواضح علي ارتفاع معدلات الفقر، الأمر الذي ساهم في تأجيج الإحساس بغياب العدالة الاجتماعية وإشعال الثورة. وأضحي جلياً ضرورة بناء الخطط القادمة علي أسس جديدة لتحقيق الهدف المزدوج من تحقيق معدلات نمو اقتصادى متنامى مع تحقيق العدالة الاجتماعية، ذلك فضلاً عن الاستفادة من تجارب تنموية متاحة في ظروف مشابهة في العديد من دول العالم.
وفى ضوء ما سبق، فقد أستقر الرأي علي اتباع الأسلوب التالي:
  • وضع إطار استراتيجي لخطة رئيسية تجميعية Master Planتغطي فترة العشر سنوات الممتدة من عام 2012 إلي عام 2022، تهدف إلي مضاعفة الدخل بنهاية العشر سنوات والقضاء علي البطالة وتكون بمثابة الإطار الإسترشادي الذي يمكن الرجوع إليه عند وضع خطط تفصيلية مرحلية خلال هذه المدة.
  • وضع ثلاث خطط مرحلية تحت مظلة الخطة الخمسية علي النحو التالي:
    1. خطة انتقالية مرحلية للتعافي من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عن الاضطرابات السياسية والأمنية عام 2011 تتراوح مدّتها ما بين 12 إلي 18 شهراً، وتستهدف تحقيق معدل نمو يتراوح ما بين 2% و4%. وهذا ما قامت وزارة التخطيط بإنجازه وتقديمه بالفعل إلى مجلسى الشعب والشورى.
    1. خطة خمسية ذات بدائل مختلفة لبناء المقوّمات السليمة لتنمية اقتصادية علي أسس متينة تتوافر لها مقومات النجاح ترتكز على استغلال وتعظيم الموارد والثروات والإمكانات، وتستهدف فى المرحلة الأولى تحقيق معدل نمو يتراوح ما بين 4% و6%.
    2. خطة رباعية يتم فيها بدء عملية الانطلاق نحو تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة، وتستهدف تحقيق معدل نمو يتراوح ما بين 6% و8%.
وتستند هذه الاستراتيجية على تحقيق أهداف هذه الخطط من خلال برامج ومشروعات تنفيذية تنبع من هذه الخطط من خلال التفاعل اليومي المستمر بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، وفق الأطر التشريعية السائدة والاعتبارات الموضوعية التي تحدّدها الموارد المتاحة والموازنة العامة للدولة.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه المنظومة التي اعتمدتها وزارة التخطيط عند وضع الخطة الحالية تنبع من اعتبارين رئيسيين:
    الأول:  أنه وفق المسار السياسي المحدّد للمرحلة الانتقالية بعد الثورة فإن هذه الإدارة الانتقالية (الحكومة الحالية) لا يمكنها أن تُلزِم أية إدارات قادمة بخطط خمسية محدّدة. إلا أن واجبها الوطني ومسئولياتها الانتقالية تحتم عليها تقديم مسار استرشادي للإدارة القادمة لتتخذ قرارها سواء بالاعتماد أو التعديل أو الإضافة وفقاً لما تراه من مُعطيات المرحلة القادمة.
    والثاني: أنه ليس من المنطقي أو المقبول أن ننظر تحت أقدامنا فقط دون أن نمد البصر إلى المستقبل الذي نرجوه ونتوخاه لأهداف التنمية الشاملة في مصر ما بعد ثورة يناير.
والوثيقة الحالية هي تجسيد للخطة الرئيسية سالفة الذكر، وتأتي تحت عنوان "الخطة القومية لمضاعفة الدخل: إطار استراتيجي لفترة 10 سنوات 2012-2022". وهي عبارة عن نتيجة جهد دؤوب "للجنة التخطيط" والتي تشكلت لوضع هذه الخطة، وهي مجموعة متميزة من خبرات هذا الوطن في محاولة لبث الأمل في المستقبل ورسم ملامح الطريق لتحقيقه.
ولا يسعنى هنا ألا أن أشكر فريق العمل الذى استطاع إنجاز هذه الوثيقة فى ظل ظروف زمنية ضاغطة وأقدّم لهم جميعاً تحية خاصة لما بذلوه من جهد صادق وعلم وفير وحماس وطنى تجلى واضحاً فى كافة الاجتماعات واللقاءات التى عقدت أثناء فترة الإعداد. كما أود أن أتقدّم بشكر خاص إلى الدكتور / شينجى نارو الذى تابع هذا المشروع منذ البداية وأتاح لمعدّى هذا الإطار الدروس المستفادة من التجربة اليابانية الرائدة للتخطيط، فضلاً عن إسهاماته المتميّزة طوال فترة الإعداد.
    والله من وراء القصد،،
القاهرة: يونيو 2012
    فايـزة أبو النجـا
    وزيرة التخطيط والتعاون الدولى

الباب الأول
نحو حياة أفضل فى مصر
تتطلب مرحلة التحوّل الحالية فى مصر العمل على تحقيق الاستقرار السياسى، والتحرّك السريع والمدروس نحو تحقيق التنمية المستدامة بركائزها الثلاث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبما ينعكس إيجاباً على نوعية وجودة الحياة لكافة أبناء مصر، خاصة الفقراء منهم، تحقيقاً للعدالة الاجتماعية التى هى فى مقدمة أهداف ثورة 25 يناير.
لــذلك، فإن خطة التنمية العشرية المُقترحة تستهدف تحفيز طاقة النمو المحتملة للوصول إلى أعلى المستويات، وبما يؤدى إلى مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات، وزيادة التشغيل الذى يوفر عدداً كافياً من فرص العمل ذات الأجور اللائقة لقوة العمل المتسارعة فى النمو، مع الانتقال من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد يعتمد على التقنيّات المتطورة والمعرفة، ويحافظ على البيئة. لذا، فإن الخطة تضع ضمن أولوياتها العمل على التحوّل التدريجى والموجّه إلى النُظم الخضراء للتنمية، والتى من شأنها الحفاظ على الموارد الطبيعية ورفع كفاءة استخداماتها، والحد من المخاطر البيئية ذات الصلة، مع زيادة القدرة على توفير الرفاهية للمجتمع، وعلى أن يتم ذلك من خلال اتباع نهج تشاركى يستند إلى تطوير منهج جديد للتخطيط، وعلى الأخص أسلوب وضع التصوّر الإستراتيجى ونطاقه، والتعديل المؤسسى المُقترح لدعم فاعلية منظومة التخطيط فى مصر.
فيقدّم هذا الباب عرضاً شاملاً لجوانب الخطة ابتداءً من الرؤية، وأهداف الخطة المحدّدة بمضاعفة الدخل وزيادة التشغيل، ثم الحد من الفقر، واتباع منهج أخضر مستدام لتحسين نوعية الحياة، وصولاً إلى اقتراح هيكل جديد للتخطيط، مع الأخذ فى الاعتبار إن تحقيق هذه الرؤية والأهداف  يقابله عدداً من التحديات التى يمكن التغلب عليها عن طريق الاستفادة من الفرص المتاحة لمصر.
محتويات الباب الأول
  1. رؤية لمجتمع جديد.
  2. سمات المجتمع الجديد المنشود.
  3. الفرص والتحديات التى تواجه مصر.
  4. أهداف الخطة العشرية.
  5. مضاعفة الدخل القومى فى عشرسنوات.
    1. استقرار الأسعار.
    2. الهيكل القطاعى للاقتصاد.
    3. الادخار والاستثمار.
  6.   زيادة التشغيل (الحد من البطالة).
    1. سياسات لحل مشكلات البطالة وسوق العمل.
      1. سياسات على المستوى الكلى.
      2. سياسات الحماية الاجتماعية.
  7. تحسين نوعية الحياة.
    1. تغيير أسلوب الحياة.
    2. تحسين جودة الحياة.
  8. منظومة جديدة للتخطيط.
    1. الإطار الأساسى للعملية التخطيطية.
      1.   الآثار المتوقعة للتخطيط وتنفيذ السياسات.
      2.   نطاق الإطار الإستراتيجى والخطة السنوية.
      3.   وضع الإطار الإستراتيجى.
    2. منهج وهيكل الإطار الإستراتيجى لمدة عشر سنوات.
      1. هيكل الإطار الإستراتيجى والخطة التنفيذية.
    3. الجهاز القومى لتنفيذ المشروعات الكبرى.
  1.  رؤية لمجتمع جديد:  
هذه الوثيقة لا تضم الرؤية النهائية لمستقبل التنمية فى مصر، لأن هذه الرؤية يجب أن يشارك فى وضعها كافة قوى المجتمع المصرى لإنجاز مشروع إعادة "بناء الدولة المصرية"، وتحقيق غايات ارتضاها ممثلو مكونات هذه الدولة من قوى سياسية، ومراكز تفكير إستراتيجى، ومجتمع مدنى، وجمعيات أهلية، وجماعات مصالح.
وتتمثل هذه الرؤية فيما يلى:
  • فى عقدين من الزمان تستهدف مصر – بكل مكوناتها الاجتماعية والسياسية – إعادة هيكلة المنظومة الاجتماعية لها، وبحيث تتمحور فى تحولها القادم حول المكانة التنموية الطموحة، والأمن الوطنى، والتوجه للجودة والابتكار.
  • عبر قفزة تنموية تصبح مصر دولة منافسة فى تكنولوجيات مختارة تبنى على إمكانات بشرية، وعلى تمايز ثقافى مُطوّر، وعلى نهضة سريعة فى التعليم، وخاصة فى التعليم العالى والبحث العلمى.
  • تكتسب مصر ريادة فى تحوّل حضارى عربى إسلامى – متفاعل مع الآخر – فى غايات الحياة، وتميز مناهج اتخاذ القرار، وتحقق إنجازاً بتنوع مؤشرات التنمية بين الرضا والمشاركة ومستوى المعيشة المادى (من منظور حضارى مختلف)، وفى إعلاء القيم الإنسانية وحقوق الإنسان والديمقراطية.
  • تعاد هيكلة المكان إلى علاقات شبكية وتصاعد فى إنتاج المعرفة وتبادلها، ونمو العمل الجماعى والعقل الجمعى، وتفاعل الثقافات كلها. وتكون الهيكلة تعبيراً عن مراجعة لدور الدولة فى القرن الحادى والعشرين.
  • تترجم الرؤية إلى إستراتيجيات تنموية شاملة تلتزم بها الدولة، من خلال فكر إستراتيجى يحول إلى سياسات ثم برامج وخطط قد تتبدل، ولكن فى إطار الإستراتيجية، مع تداول السلطة بين الحكومات.
  • تنهل التنمية الاجتماعية من قيم الطبيعة المصرية، وتستفيد الخبرات الاقتصادية من تجارب بلدان تحولت من اقتصادات استهلاكية إلى أخرى رائدة تصنع مستقبلها.
  • تنتقل الإدارة فى مصر إلى نموذج حضارى استرشادى جديد فى التعامل مع تبدلات الفلسفة والمعرفة ومحتوى التقدم العلمى، وتصبح أكثر استعداداً للتعامل مع بشر أحرار وعقد اجتماعى جديد، وتبدأ فى اكتساب صفات صنع المستقبل من تعليم وإدارة وفنون ومهارات، والتنسيق بين أنشطة التخطيط وعن بعد للمجتمع ما بعد الصناعى.
  • يعاد بناء مناهج التفكير واتخاذ القرارات، وصياغة المؤسسات ومجالس الإدارات للمنظومات التعليمية، انطلاقاً من أن الشباب هم أصحاب المستقبل وطاقة بناء وليسوا عبئاً، وأن اللامركزية هى الأصل.
  1. سمات المجتمع الجديد المنشود:
هناك عِدّة سمات ينبغى أن تتوفر فى المجتمع الجديد المنشود، يأتى فى مقدمتها :
  • التجديد والإبتكار:
إن المشاكل المزمنة التى تواجه عملية التنمية سوف تحتاج بالضرورة إلى أساليب غير تقليدية للتعامل معها، فالحلول الخلاقة والمبتكرة لا غنى عنها للتغلب على العقبات التى تواجه التنمية. إن التحول نحو مجتمع خلاق ومبتكر سوف يعتمد إلى حد كبير على التقدم الذى سيتحقق فى العلوم والتكنولوجيا.
  • رفاهية لجميع فئات المجتمع:
إن ارتفاع القدرة الشرائية لدى بعض الفئات القليلة من المجتمع المصرى قد أتاحت لهذه القلة شراء خدمات أفضل مثل التعليم الخاص والخدمات الخاصة فى الصحة والنقل والأمن وحتى الخدمات الترفيهية الخاصة، ومن ثم أصبحت الخدمات العامة هى الملاذ الوحيد للفقراء وذوى الدخول المنخفضة. أن مثل هذا الفصل الحاد يجب القضاء عليه كى تكون الرفاهية متاحة لدى جميع فئات المجتمع.
     -  مجتمع يسوده العدل والمساواة والسلام:
إن المجتمع المنشود يجب أن يسوده الأمان ويتحقق فيه الأمن لمنع الفوضى والجرائم التى ترتكب فى حق الأفراد والمنشأت العامة، ولن يتحقق هذا الأمن إلا من خلال التطبيق الحازم للقانون.
     -   مجتمع صحى وآمن:
على المجتمع توفير الرعاية الصحية اللازمة وشبكات الأمان الاجتماعى للفقراء، وذلك من خلال مؤسسات متخصّصة تخضع نتائج أعمالها للتقويم، وقياس أثر هذه الأعمال على فئات السكان المستهدفة.
     -  مجتمع مفتوح يتسم بالشفافية:
مجتمع يمكن فيه الوصول إلى المعلومات بسهولة، ويتم فيه التعبير عن الآراء بحرية من خلال القنوات العامة، ويقوم فيه الإعلام بدور بناء، حيث ينبغى على الإعلام بشكل خاص أن يبتعد عن الممارسات التى تسعى إلى الابهار السريع أو تحقيق نجاحات إعلامية قصيرة المدى بدون مراعاة لما يكون لهذه الممارسات من تأثير سلبى على المدى الطويل.
     -   تكافؤ  الفرص لجميع أفراد المجتمع:
ينبغى وضع وتطبيق السياسات التى تساعد على انتشال الفقراء من دائرة الفقر، وذلك بتمكينهم بواسطة التعليم والتدريب حتى يمكن اتاحة لهم فرص الحصول على وظائف مناسبة. وكذلك تطبيق السياسات التى تراعى كرامة المواطن وصحته وظروف معيشته وعمله.
    -   فرصة عمل لكل الجادين الراغبين فى العمل:
إن الفجوة بين التعليم الذى يحصل عليه الفرد ومتطلبات سوق العمل أصبحت متفاقمة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة. فالشباب المتعلم يسعى للحصول على فرص عمل بالخارج، والتحدى الآن هو تشجيع الشباب الجادين فى الرغبة فى العمل، وتوفير فرص ملائمة لهم سواء بالداخل أو الخارج.
   -   استقرار المجتمع يحقق التنمية:
من المعروف أن الاستقرار السياسى هو شرط أساسى لجنى ثمار السياسات الاقتصادية المتبعة. فاستقرار المجتمع يُمكن خطط التنمية من تحقيق أهدافها، وبالتالى يمكن للمسار التنموى أن يتخذ طريقه الصحيح لتحقيق معدلات نمو مرتفعة.
  -   المنافسة وتضافر الجهود:
فى عصر العولمة سوف يتحتم على مصر الدخول فى منافسات مع الآخرين. إن المراكز المتدنية التى تحتلها مصر فى مؤشرات التنافسية العالمية تعود اساساً إلى الضعف الشديد فى كفاءة سوق العمل، وضعف جودة المؤسسات التعليمية. وعلى مصر أن تسرع الخطى فى إصلاح الإطار التنظيمى لقطاع الأعمال من أجل توفير مناخ عمل قادر على المنافسة مع الدول الأخرى، كما إنها فى حاجة إلى تضافر جهود جميع أبنائها والعمل معاً من أجل حياة أفضل تحقق الرفاهية للجميع، وهى الهدف النهائى لأية جهود مشتركة.

الإطار1إعمال حقوق الإنسان وتعزيز التنمية
إن الأساس المنطقي وراء الخطة الرئيسية للعشر سنوات هو إتاحة الوقت الكافي حتى تأتى السياسات المتبعة بالنتائج المتوقعة على الحياة العامة في مصر وعلى حياة المواطنين المصريين، فيجب أن يتمتع المصريون بكامل حقوقهم الإنسانية. وسيضمن الدستور الجديد للبلاد حق المواطن المصري في حرية ممارسته للحقوق المدنية والسياسية، ويجب أن تكون النصوص الدستورية واضحة ومفصلة في هذه القضايا. كما سيعطى الدستور أيضاً الحق في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويمكن تحديد إطار للوسائل التي يمكن بها تحقيق ذلك، ولكن ليس من المتوقع أن تكون مفصلة على نحو دقيق، حيث أن السياسات المطلوبة لضمان ممارسة تلك الحقوق تتطور مع مرور الوقت ومن المفترض أن يكون الدستور وثيقة أساسية طويلة الأمد.
ويجب تخصيص أوجه الإنفاق العام وفقاً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحتى يستطيع الفقراء التمتع بهذه الحقوق يجب إعطاء الأولوية للسياسات الاجتماعية، وأن يحصل التعليم والصحة والإسكان علي مخصصات أكبر من الإنفاق. ففي مجال السياسة التعليمية يجب أن يتضمن الناتج المحلى الاجمالى زيادة تدريجية ومطردة للإنفاق على كل طالب بحيث يصل أولاً إلى المعدل المتوسط بالنسبة للمنطقة العربية ثم يصل بعد ذلك للمستويات الدولية.
كذلك ومن المفترض أن يتم توفير حماية اجتماعية للمواطنين من خلال نظام ضمان اجتماعي بمشاركة العاملين في القطاعين الخاص والعام. وتعتبر نسبة تغطية الضمان الاجتماعي في الاقتصاد غير الرسمي في المناطق الحضرية والزراعية المصرية نسبة منخفضة للغاية. لذلك يجب أن تقوم الدولة بتقديم إعانة اجتماعية للفقراء والمحتاجين حتى تمكنهم من توفير احتياجاتهم ولتحقيق التكافل الاجتماعي.
وقد نصت المعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية علي أن التعاون الدولي هو أحد الوسائل الهامة التي تساعد على تعزيز الحقوق الإنسانية. وتسعى مصر إلى تحقيق العديد من الشراكات والتعاون الدولي بهدف الإسراع في عملية التنمية، وستقوم بذلك من خلال توجيهات وأولويات محددة في خطة العشر سنوات الرئيسية.

  1. الفرص والتحديات التى تواجه مصر:
    إن المجتمع الذى ينبض بالحياة ويسعى دائماً إلى التقدم والنمو، تقابله عادة كثيراً من التحديات، وتلك التحديات تخلق فرصاً سانحة يجب استغلالها لتحقيق الأهداف المرجوة. فهناك عدد من التحديات التى تفرض نفسها على الواقع المصرى، والتى يجب مواجهتها من أجل تحقيق الفرص المتاحة، والعمل على التنسيق بين الوزارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية حول آلية التعامل معها. وهو الأمر الذى يقترن بضرورة تحديد سلم الأولويات على النحو الذى يسمح بإعادة تخصيص الموارد المتاحة، لتنفيذ البرامج والمشروعات ذات الأولوية المتقدمة. وتتمثل هذه الفرص فيما يلى: 
  1. الاستفادة من موارد مصر: قناة السويس، وشبة جزيرة سيناء، ومياه نهر النيل، والأراضى الزراعية، والسكان(85 مليون نسمة)، وصحارى شاسعة، وثروة أثرية، والموارد التعدينية مثل البترول، والغاز الطبيعى، والنحاس.
  2. مصادر الطاقة الطبيعية المستدامة: مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتنمية نظم للطاقة المستدامة.
  3. المدن الذكية : إنشاء مدن صديقة للبيئة تقع فى بيئة صحراوية بالتعاون الدولى.
  4. مدن العلوم والأبحاث: استغلال كافة الموارد المتاحة لدعم التطبيقات والأبحاث التكنولوجية والصناعية، وإنشاء مراكز لتعزيز الابتكار فى مجتمع الأعمال داخل تلك المدن، بالإضافة إلى تعزيز أواصر التعاون بين قطاع الصناعة والجامعات والحكومة فى إطار برنامج محدد.
  5. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تطوير نظم التسويق، والتوزيع، وتنمية التجارة السلعية، ودعم الصادرات، وإنشاء مراكز رعاية الأعمال.
  6. الصناعات العنقودية: إنشاء بنية صناعية مترابطة، ورفع معدلات القيمة لهذا القطاع.
  7. التحالف التقنى مع كبرى الشركات فى العالم، وعدم الاقتصار على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر.
  8. النهوض بأوضاع الشركات المملوكة للدولة: إنعاشاً وليس خصخصة.
  9. زراعة ذات قدرات تنافسية وقيمة مضافة مرتفعة: التكامل بين الزراعة وعمليات التصنيع الزراعى وسائر الصناعات والأنشطة المرتبطة بهما، مثل التسويق والتوزيع وما إلى ذلك.
  10. إستراتيجية متكاملة للتنمية الإقليمية فى مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الدول العربية والإفريقية، والتوجه نحو إنشاء مناطق تجارية وصناعية بالتعاون مع تلك الدول، إضافة إلى إنشاء مركز تكنولوجبا المعلومات العربى، ومنطقة العلوم والأبحاث العربية بمبادرة من مصر، مع إعطاء الأولوية للتعاون المصرى الإفريقى.
ويستلزم نجاح الاستفادة من تلك الفرص وجود كيان مؤسسى محدد، يكون دوره الأساسى هو إدارة المشروعات. فعادة ما تتولى كل وزارة أو جهة تنفيذ المشروعات والبرامج المتعلقة بنشاطها، إلا أنه فى حالة وجود مشروع قومى إستراتيجى، فقد يكون هناك قدر من الصعوبة فى أن تتولى وزارة معينة أو هيئة محددة تنفيذه منفردة. وهو الأمر الذى يستدعى إنشاء هيئة مستقلة لهذا الغرض.

الإطار2إقليم قناة السويس: منطقة واعدة للخدمات اللوجستية لحركة التجارة العالمية
 يوجد حاليًا باقليم قناة السويس:
  • 28%  من عدد المناطق الصناعية بالجمهورية (27 منطقة صناعية).
  • 43%  من عدد المناطق الحرة على مستوى الجمهورية.
  • 17%  من عدد المناطق الصناعية بالمدن الجديدة فى الجمهورية.
  • 34.5%  من عدد المصانع المنتجة بالمدن الجديدة بالجمهورية.
  • 47.9%  من اجمالى رأس المال المستثمر بالمدن الجديدة فى الجمهورية.
  • 48%  من اجمالى قيمة الانتاج السنوى بالمدن الجديدة فى الجمهورية.
  • 47.3%  من اجمالى فرص العمل بالمدن الجديدة فى الجمهورية.

    يحتوي محور قناة السويس الصناعي على ثلاثة مشروعات تنموية كبرى هي:
  • مشروع المنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس، ومشروع وادي التكنولوجيا بالإسماعيلية بمنتصف محور قناة السويس، ومشروع المنطقة الصناعية شرق بورسعيد.
كما أن هناك خمس قضايا محورية ينبغى ايجاد حلولاً لها، بالتزامن مع مواجهة تحديات تحقيق الفرص السابق ذكرها. تلك القضايا هى:
  • مشكلة الدين العام:
    • التعاون مع الجهات والمنظمات الدولية لإنشاء هيكل مالى سليم.
    • وضع خطة طويلة الأجل على مدار عشر سنوات كاملة لإعادة هيكلة نظام الدعم ورفع كفاءته، على أن يتزامن ذلك مع العمل على رفع مستوى الدخل وتوفير فرص العمل. 
  • توفير فرص العمل:
  • تبنى نظم وآليات للتوظيف (تطوير النظام الحالى وتطبيق فكرة الخدمات الإستشارية).
  • تطوير شبكة الأمان الاجتماعى.
  • تطبيق التدريب العملى: التدريب أثناء العمل (OJT)، والتدريب من خلال المشروعات OPT))، والتدريب العملى الإختيارى فى الشركة والحكومة.
  • التنمية الإقليمية: تطوير النظم الاجتماعية والتربوية، والنهوض بقطاع الصناعة:
  • تمكين الطبقات محدودة الدخل.
  • دعم آلية "المساعدة الذاتية" الدائمة.
  • اللامركزية (بناء القدرات الإدارية فى المحليات).
  • دعم قدرة مصر على المنافسة الدولية:
  • يحدد اقتصاد السوق الفائز والخاسر فى المنافسة.
  • الحاجة لايجاد ميزات تنافسية مصرية.
  • دعم البنية التحية للخدمات الانتاجية والاجتماعية:
  • البنية التحتية لقطاع الصناعة.
  • البنية التحتية للحياة الاجتماعية.
  • النظام التعليمى.
  1. أهداف الخطة العشرية: 
    يمكن تحديد أهداف الخطة العشرية فى ستة أهداف تحقق قدراً كبيراً من التوافق المجتمعى. وهذه الأهداف هى:
  • الحياة الكريمة:
    أن توفير فرص عمل لكافة أفراد المجتمع هى أساس الحياة الكريمة، وذلك عن طريق تبنى سياسة متكاملة للتشغيل، وتوفر فرص عمل جديدة للشباب بتشجيع العمل الحر، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
  • الديموقراطية:
إقامة دولة تقوم على "الديموقراطية المسئولة مع المشاركة القومية"، بحيث يستطيع هذا النظام الديموقراطى الاستمرار لعشرات السنين القادمة، ومواجهة الصعوبات المعروفة والمحتملة على مدار الفترات الزمنية المختلفة، وهو الأمر الذى يستلزم تشارك كافة أفراد المجتمع. وذلك من خلال سياسة تربوية تعليمية تستهدف إعلاء قيمة العقل والأخلاقيات، وتحفيز أصحاب الضمائر للمشاركة فى إنشاء نظام مؤسسى للديمقراطية التشاركية.   
  • هيكل اقتصادى جديد:
التحول من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد التكنولوجيا والمعرفة المتقدمة. وذلك بوضع خطة رئيسية لمدة 100 عام للموارد الطبيعية غير القابلة للاستبدال. وكذلك إعادة هيكلة النظم الاجتماعية والاقتصادية القائمة والتى ركدت لفترات طويلة، وذلك عن طريق الاستثمار فى البشر ونظم التعليم، ودعم المنح الدراسية لإنشاء قاعدة من الخبرات المهنية المتميزة فى مجالات العلوم المختلفة، وتشجيع خبراء التنمية البشرية والاقتصادية الذين يمكنهم تصميم وإصلاح مؤسسات مصر الاجتماعية والاقتصادية وسياساتها. 
  • هيكل صناعى جديد:
بناء هيكل صناعى ذات قيمة مضافة عالية مع صناعة متنوعة ومتوازنة  بالتعاون مع الدول والجهات المانحة الدولية، لدعم البنية التحتية لقطاع الصناعة على النحو الذى يدعم نمو هذا القطاع. وذلك من خلال توطين الأساليب التكنولوجية من مختلف دول العالم بشكل فعال، وتشجيع القطاع الخاص، والنهوض بأوضاع الشركات العامة.
  • التنمية المكانية ومنظومة نقل متكاملة:
تحقيق تنمية مكانية متسقة، من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتطوير منظومة النقل. وذلك عن طريق دعم التنمية المحلية والتحول من المركزية إلى اللامركزية، وإنشاء سلطات محلية مسئولة، ودعم الموارد البشرية، وإنشاء حكم ذاتى محلى، وتشجيع المؤسسات المحلية، والاهتمام بسياسات التخطيط العمرانى، والأطر التشريعية المرتبطة بكل منهما، بالإضافة إلى تبنى خطة متكاملة للتنمية المكانية الشاملة، وذلك بالتزامن مع تطبيق التصور الإستراتيجى لتطوير البنية التحتية للخدمات الاجتماعية.
  • تعزيز الدور الإقليمى لمصر:
ينبغى العمل على نهوض مصر بدورها الإقليمى على مستوى المنطقة العربية، والقارة الإفريقية، وحوض البحر المتوسط، وذلك عن طريق الاستمرار فى بذل  الجهود الدبلوماسية من أجل بناء ثقة متبادلة مع الدول المجاورة.
  1. مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات:
يتمثل الهدف الرئيسى للخطة العشرية (2012-2022) فى مضاعفة الدخل القومى والحد من البطالة فى إطار من العدالة الاجتماعية، حيث يكون البديل المتفائل لمضاعفة الدخل هو مضاعفة متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقى فى نهاية العشر سنوات. ويقتضى ذلك تحقيق متوسط معدل نمو سنوى يتجاوز 9% سنوياً، إلا أنه - بسبب الظروف الحالية فى مصر وعدم التأكد حول المدى الزمنى المتوقع ليستتب الاستقرار السياسى والاجتماعى، وأيضاً عدم اليقين بالنسبة للظروف والأوضاع الاقتصادية العالمية والإقليمية - فإنه قد يصعب تحقيق هذا الهدف. ولذا، يتبنّى هذا الإطار للخطة العشرية هدفاً أكثر واقعية يتمثل فى مضاعفة الدخل القومى الحقيقى معبّراً عنه بالناتج المحلى الإجمالى، وبحيث يمثل هذا الهدف الحد الأدنى من النمو الذى يتعين تحقيقه، ويتطلب ذلك تحقيق متوسط معدل نمو سنوى يبلغ حوالى 7.5% [جدول 1].
الجدول 1: المؤشرات الاقتصادية الكلية الرئيسية

البيانسنة الأساس *2011/2012سنة الهدف 2021/2022النسبة بين سنة الأساس وسنة الهدف (%)
عدد السكان (بالمليون نسمة)81.395100.689(2.15123.7
الناتج المحلى الاجمالى بتكلفة العوامل (بالمليار جنيه)1477.23044(7.5) 206.1
متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى (بالألف جنيه)18.0630.232(5.3167.4
متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص (بالألف جنيه)15.02821.069(3.44) 140.2
الرقم القياسى لناتج الصناعة **100190.8(6.68) 190.8
الرقم القياسى لناتج الصناعة التحويلية100260.2(10) 260.2
الرقم القياسى لناتج الزراعة100142.14(3.56) 142.14
العمالة (بالألف عامل)2350031938(3.1) 135.9
الواردات (بالمليار جنيه)387881.53(8.6) 227.8

* تقديرات، وزارة التخطيط..

الأرقام بين الأقواس تعبّر عن متوسط معدل النمو السنوى.      كل القيم بأسعار سنة الأساس 2011/2012.

** الصناعة بمعناها الواسع، وتتضمن الصناعات الإستخراجية والصناعة التحويلية والتشييد والبناء. 
ولا يعنى ذلك افتراض معدل نمو سنوى ثابت، لكن من المتوقع أن يكون معدل النمو أقل من المتوسط فى السنوات الأولى (من 3.5% إلى 5% فى أول سنتين)، ويتزايد بالتدريج مع التقدم فى تنفيذ الخطة (من 5% إلى 7% فى الأربع سنوات التالية و من 8% إلى 10% فى الأربع سنوات الأخيرة).
أما فيما يتعلق بهيكل استخدامات الناتج المحلى، والتى يوضحها الجدول رقم (2)، فإن نسبة الاستثمار للناتج المحلى الإجمالى تبلغ 31.8%، وهى أعلى كثيراً من النسبة المناظرة فى سنة الأساس (15.3%)، حيث ينمو الاستثمار بمتوسط معدل نمو سنوى حوالى 16%.
الجدول 2: هيكل الطلب 
(القيم بالمليار جنيه وبأسعار سنة الأساس)

البنودسنة الأساسسنة الهدف
الطلب الكلى1933.24146.5
إجمالى الاستهلاك النهائى(90.61401.2(75) 2448.7
    الاستهلاك النهائى الخاص(79.11223.2(64.9) 2121.4
    الاستهلاك النهائى الحكومى(11.5) 178(10) 327.3
الاستثمار المحلى الإجمالى(15.3) 237(31.8) 1040.6
الصادرات295657.1

القيم بين الأقواس تعبر عن الهيكل النسبى (%) للناتج المحلى الإجمالى.
وفيما يتعلق بالاستهلاك النهائى تستهدف الخطة أن يشكل حوالى 75% من الناتج المحلى مقابل نسبة ادخار 25%. ويتزايد الاستهلاك النهائى، بمعدل 5.7%، وهو أقل من معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى (7.5%). وليس من المطلوب فى هذه المرحلة ضغط الاستهلاك النهائى بدرجة أكبر لصالح زيادة معدل الادخار المحلى، وذلك للسماح بتحقيق نقلة فى مستوى معيشة الأفراد تعوض حرمان الفترة السابقة، وأيضاً للسماح للطلب المحلى بتحريك النمو باعتباره الدافع الأكبر للاستثمار الخاص، خاصة مع عدم استقرار معدلات تزايد الطلب العالمى، ومن ثم فرص التصدير للعالم الخارجى. ويتزايد الاستهلاك الحكومى بمعدل 6.3%، وهو أعلى من معدل نمو الاستهلاك الخاص (5.7%)، وذلك تمشياً مع السياسة المالية التوسعية المطلوبة فى المرحلة المقبلة لدفع عملية التنمية الاقتصادية وتوفير الخدمات الاجتماعية، بصفة خاصة للطبقات والمناطق المحرومة. ومع ذلك، فإن نسبة الاستهلاك الحكومى للناتج المحلى الإجمالى تتناقص من 11.6% فى سنة الأساس إلى حوالى 10% فى السنة النهائية للخطة.
    1. استقرار مستوى الأسعار:
إن هدف مضاعفة الدخل القومى فى الخطة يتم تقديره بالأسعار الثابتة لسنة الأساس 2011/2012، ويفترض أن يتحقق التوازن بين الطلب والعرض خلال فترة الخطة دون تغيرات فى الأسعار، حيث يمثل استقرار الأسعار أحد أهم شروط تحقيق أهداف الخطة.
ومع

ذلك، فإنه فى خلال عملية النمو لا يمكن تجنب التقلبات الاقتصادية بشكل كامل، وذلك بسبب التعاملات مع العالم الخارجى. ولذا يصعب تصور إمكانية القضاء تماماً على تقلبات الأسعار قصيرة الأجل. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من المتوقع حدوث تغيرات فى الأسعار النسبية للسلع والخدمات بسبب التغيرات المتوقعة فى هيكل الاقتصاد خلال فترة الخطة، وأيضاً التغيرات فى عرض العمل ورأس المال.
إن مسار خطة التنمية يمكن أن يتأثر بالتأكيد بتقلبات الأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثيرها على الطلب على الصادرات المصرية، وأيضاً على أسعار كل من الصادرات والواردات، ومن ثم على استقرار مستوى الأسعار فى الداخل.
من المتوقع أيضاً أن تؤدى التغيرات المستهدفة فى الحد الأدنى للأجر، وفى هيكل الأجور بصفة عامة، إلى ارتفاع تكلفة العمل، ومن ثم تكلفة الإنتاج، وهو ما يمثل أحد الروافد المحتملة للضغوط التضخمية فى فترة الخطة. ويؤدى التحسن فى الإنتاجية إلى تخفيف هذه الضغوط التضخمية.
ومن العوامل الأخرى التى يمكن أن تؤثر على معدل التضخم فى الفترة المقبلة إصلاح نظم الدعم فى اتجاه التخفيض، وبصفة خاصة دعم الطاقة.
وفى كل الأحوال، فإن السياسة النقدية يجب أن تقوم بدور فاعل فى هذا الاتجاه لتفادى الاتجاهات التضخمية التى قد تنتج. ولا يقل أهمية عن السياسة النقدية ضرورة ضبط ومراقبة الأسواق لتفادى ظهور الاحتكارات، وما يرتبط بها من ممارسات ضارة، وأيضاً ترشيد عملية توزيع السلع والخدمات وتقليل حلقات الوساطة.
إن أهمية استقرار الأسعار لتحقيق أهداف الخطة تفرض على الحكومة أن تقوم بمراقبة الأسعار بشكل مستمر، واتخاذ كافة السياسات والإجراءات الكفيلة بتقليص فترات التقلبات ومداها.
    1. الهيكل القطاعى للاقتصاد:
فيما يتعلق بالهيكل القطاعى المتوقع للناتج فى نهاية الخطة العشرية، فإن الزراعة تستوعب حالياً ما يقرب من 30% من العمالة، فى حين تساهم فى الناتج فقط بحوالى 14%. ويؤدى ذلك إلى انخفاض إنتاجية العامل، ومن ثم نصيبه من الدخل، وينتشر الفقر ويتركز فى الريف. ومن المعروف أن هناك حدوداً لمعدلات النمو التى يمكن تحقيقها فى الزراعة بسبب قيود الموارد المائية والأرضية. ومن ثم، يجب أن يتوجه الاستثمار إلى تنمية أنشطة غير مزرعية فى الريف تتكامل مع الأنشطة الزراعية، وتستوعب جزءاً من العمالة وتحسن مستوى دخل سكان الريف. ومن المطلوب أيضاً تنويع هيكل الصناعة والتوسّع فى الصناعات التى تعتمد على الإنتاج الزراعى، مثل الصناعات الغذائية، وزيادة القيمة المضافة فى السلع الزراعية التى يتم تصديرها. ومن المتوقع فى الخطة أنه مع التوسّع فى القطاعات الأخرى يحدث انتقال لجزء من العمالة الزراعية إلى قطاعات أخرى ذات انتاجية وقيمة مضافة أعلى. وبناءً عليه، فإن معدل النمو المتوقع  لقطاع الزراعة يتراوح حول 3.5%، ونصيبه فى الناتج يتراجع من حوالى 14% إلى 10% لصالح تزايد نصيب الصناعة والخدمات [جدول 3].
الجدول 3: هيكل العرض الكلى 
(القيم بالمليار جنيه وبأسعار سنة الأساس)

قيمة المتغيرسنة الأساسسنة الهدف
العرض الكلى1933.24146.5
الناتج المحلى الإجمالى(100) 1477.2(100) 3044
الناتج من الزراعة(14.8) 218.5(10.2) 310.6
الناتج من الصناعة(35.7) 528(33.1) 1007
الناتج من الخدمات(38.7) 571.1(43) 1312
الناتج من النقل والمواصلات والمرافق العامة(10.8) 159.8(13.6) 414.5
الواردات387881.5

القيم بين الأقواس تعبر عن الهيكل النسبى (%) للناتج المحلى الإجمالى.
ويستهدف تزايد نصيب الصناعة التحويلية فى الناتج من 16% ليصل إلى حوالى 20%، بموتسط معدل نمو سنوى حوالى 10%. ويتحقق ذلك من خلال اتباع سياسة صناعية يتم صياغتها وتنفيذها بشكل جيّد، ويتم ربطها بأهداف التشغيل والتطوير التكنولوجى وزيادة تنافسية الصادرات، وأيضاً باعتبارات التنمية المستدامة والمحافظة على موارد الطاقة والثروة الطبيعية والاعتبارات البيئية. إن السياسة الصناعية تشكل توجّها أساسياً للخطة. وفى هذا السياق، فإن جميع الدول التي حققت نجاحاً مشهوداً في مجال الصناعة خلال العقود الماضية، كانت قد اتبعت سياسة صناعية متكاملة اقتضت تدخل الدولة لحماية ودعم الصناعات الوليدة والواعدة، وفقاً لقواعد ومعايير صارمة لمتابعة وتقويم الأداء.
وفيما يتعلق بهيكل الصناعة فى الفترة القادمة، فإن التطوير التكنولوجى والسعى إلى إقامة صناعات متقدمة تكنولوجيا لا يعنى بالضرورة التخلى عن الصناعات التقليدية، على نحو تجارب بعض الدول الآسيوية فى الانتقال إلى هيكل صناعى أكثر تقدماً. إن شدة المنافسة العالمية وتقلبات أوضاع الطلب العالمى تقتضى المحافظة على الصناعات التقليدية فى مصر وعدم التخلى عنها، مثل صناعة الغزل والنسيج والجلود والصناعات الغذائية وغيرها. وفى نفس الوقت وعلى التوازى، لا بد من السعى إلى إقامة صناعات جديدة ذات محتوى تكنولوجى ومعرفى أعلى. ويتم اختيار هذه الصناعات وتدعيمها من خلال السياسة الصناعية المتبعة.
من المفترض أيضاً أن تزيد معدلات نمو قطاعات التشييد والبناء

(9.8%)، والخدمات (8.7%) عن متوسط معدل النمو، وهى قطاعات مؤهّلة لاستيعاب العمالة بدرجة كبيرة.
أما قطاعات النقل والاتصالات والمرافق العامة، فمن المتوقع أن تحقق أعلى معدل نمو (10%)، وذلك ليسمح بتحقيق الزيادة المطلوبة فى البنية التحتية للأغراض الاجتماعية.
    1. الادخار والاستثمار:
يبلغ معدل الاستثمار فى مصر فى سنة الأساس 2011/2012 حوالى 15%، وفى السنوات السابقة لم يتجاوز 23% من الناتج المحلى الإجمالى فى أحسن الظروف. وتستهدف الخطة العشرية أن يصل هذا المعدل إلى حوالى 32%، وهى نسبة مازالت أقل مما حققته بعض الدول الآسيوية فى تجاربها التنموية الناجحة. ومن المتوقع عندما تستقر الأوضاع السياسية أن يتدفق على مصر حجم متزايد من الاستثمارات الأجنبية والمنح والمساعدات، حيث أن هناك عدداً كبيراً من الدول الصديقة تترقب الأوضاع فى مصر وترغب فى تقديم المساعدات بأشكال مختلفة حال استقرار الأوضاع السياسية والأمنية بصفة خاصة.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن هذا المعدل للاستثمار قد يمكن تجاوزه إلى مستويات أعلى، وذلك بزيادة حجم الاستثمارات العامة التى تقوم بها الدولة بشكل ملموس، على الأقل فى المراحل الأولى للخطة. ومن المقترح أن تتجاوز الاستثمارات العامة المجالات التقليدية من مرافق عامة وبنية تحتية، وتتطرق أيضاً إلى مجالات إنتاجية، وذلك بالمشاركة والتكامل مع القطاع الخاص وليس بديلاً عنه. ويتطلب ذلك توافق المجتمع وقبوله لفكرة قيام الدولة بدور مباشر فى الإنتاج. إن ذلك من شأنه زيادة الاستثمار وفرص النمو والتشغيل، خاصة عندما يقصر القطاع الخاص فى الاستثمار فى مجالات معينة ذات فائدة للتنمية حتى مع استخدام الحوافز المختلفة لتشجيعه عليها.
وفيما يتعلق بفرص زيادة الاستثمار الخاص، فإن ذلك يتوقف على مدى نجاح الدولة فى اتخاذ السياسات والإجراءات الكفيلة بتهيئة المناخ الملائم للاستثمار، وتبسيط الإجراءات ونظم التقاضى والشفافية واستقرار السياسات العامة. وفى هذا السياق، فإن الدولة عليها أن تستخدم الأدوات المتعارف عليها دولياً، مثل "إطار سياسة الاستثمار Policy Framework for Investment"، وهو الدليل الذى وضعته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD)، لمتابعة مدى نجاح الدولة فى تنفيذ كافة السياسات والإجراءات المحفزة للاستثمار.
وفيما يتعلق بتمويل الاستثمار، فإن هناك توجه للاعتماد على المصادر المحلية بشكل أساسى مع استخدام كل الفرص المتاحة من التمويل الخارجى. إن معدل الادخار الستهدف يجب ألا يقل عن 25% فى نهاية الخطة، مقابل 9.4% فى سنة الأساس، وذلك لتأمين مصدر تمويل محلى مستقر لتنفيذ الاستثمارات المستهدفة، وتقليل درجة الاعتماد على الخارج. وفى هذا السياق، يمكن ملاحظة أن بعض الدول الآسيوية حققت معدلات ادخار أعلى من ذلك، إلا أن ضغط الاستهلاك بدرجة كبيرة يمكن أن يؤثر سلباً على الطلب المحلى، ومع ظروف الطلب العالمى غير المستقر ليس هناك ضمان لتوسع الصادرات على النحو المستهدف، وبالتالى، فإن ذلك يمكن أن يؤثر سلباً على حوافز الاستثمار.
ولتحقيق معدل الادخار المستهدف يتعيّن أن ترتفع قيمة الادخار المحلى من 174 مليار جنيه فى 2012/2013، بنسبة 9.8% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 816.2 مليار جنيه بأسعار 2011/2012، بنسبة 25% من الناتج المحلى الإجمالى. وإذا تم الأخذ  فى الاعتبار صافى عوائد عوامل الإنتاج من العالم الخارجى، فإن الادخار القومى الإجمالى من المتوقع أن يبلغ 239 مليار جنيه فى 2012/2013، ومن المستهدف أن يصل إلى حوالى 990.6 مليار جنيه فى السنة الأخيرة للخطة العشرية.
وفيما يتعلق بهيكل الادخار القومى من حيث مساهمة القطاعات المختلفة، يلاحظ أن ادخار القطاع العائلى يمثل نحو 120.5% من الادخار القومى الإجمالى. ولكن عجز الموازنة العامة للدولة يمثل ادخاراً سالباً بنسبة -46% من الادخار القومى. ويؤدى ذلك إلى تحويل استخدام جزء هام من المدخرات لتمويل عجز الموازنة بدلاً من توجيهه إلى استثمار منتج. ومن المستهدف فى السنة الأخيرة للخطة أن يتراجع عجز الموازنة العامة إلى نحو -9.2% فقط من إجمالى الادخار القومى [جدول 4].
الجدول 4: ميزان الادخار والاستثمار 
(القيم بالمليار جنيه وبأسعار سنة الأساس)

البنودسنة الأساس (2012/2013)*سنة الهدف
القيمةالهيكل (%)القيمةالهيكل (%)
الادخار المحلى الإجمالى174816.23
الادخار القومى الإجمالى239100990.6100
الادخار العائلى288120.5849.585.8
ادخار القطاع الخاص3615.117818.0
ادخار القطاع العام2510.554.45.5
ادخار الحكومة (عجز الموازنة)-110-46.0-91.3-9.2
الإقتراض من الخارج3750
الاستثمار المحلى الإجمالى2761001040.6100
الاستثمار الخاص17663.8832.580.0
الاستثمار الحكومى47.617.298.79.5
الشركات والهيئات العامة 52.619.1109.510.5
* سنة الأساس فى هذا الجدول هى 2012/2013، حيث لا تتوافر تفاصيل البيانات المطلوبة لعام 2011/2012، وهذه البيانات تقديرية.
ويستمر الادخار العائلى فى سنة الهدف فى تمويل الجزء الأكبر من المدخرات بنسبة 85.5%، وترتفع مساهمة القطاع الخاص من نحو 15% إلى ما يقرب من 18%. وفى المقابل، يتضاعف حجم ادخار القطاع العام (الشركات العامة والهيئات الاقتصادية العامة) من 25 مليار جنيه فى 2012/2013 إلى حوالى 54 مليار جنيه فى 2021/2022. ومع ذلك، تنخفض مساهمته فى الادخار القومى من حوالى 10.5% إلى 5.5%. وتستمر الحكومة فى الإقتراض لتمويل جزء من استثماراتها.
وفيما يتعلق بالاستثمار المحلى الإجمالى، فمن المتوقع أن يرتفع من نحو 276 مليار جنيه فى 2012/2013 بنسبة 15.5% من الناتج المحلى الإجمالى إلى حوالى 1041 مليار جنيه فى السنة الأخيرة للخطة، بنسبة 32% من الناتج.
ومن المستهدف ارتفاع حجم الاستثمارات الحكومية والاستثمارات العامة، إلا أن معدل التزايد يكون أكبر للاستثمارات الخاصة، وذلك بمحاكاة التجربة اليابانية حيث يمثل الاستثمار الخاص أربعة أمثال الاستثمار العام (الحكومى والشركات)، وبما يمثل 80% من إجمالى الاستثمارات. ولكى يتزايد الاستثمار الخاص بالمعدلات المستهدفة، فإن الحكومة عليها اتباع السياسات المناسبة والإجراءات اللازمة لتحفيز الادخار الخاص (المحلى والأجنبى)، وتبسيط إجراءات إنشاء الأعمال وغيرها، وأيضاً تفعيل آليات الشراكة مع الدولة فى كافة المجالات، سواء كانت مرافق عامة وخدمات، أو مشروعات إنتاجية تساهم فى زيادة الإنتاج والتشغيل وتدعيم البنية التحتية للاقتصاد القومى. 
ويتطلب تحقيق أهداف الخطة العشرية زيادة حجم الاستثمارات العامة، وبحيث ترتفع من حوالى 60 مليار جنيه فى 2011/2012 إلى حوالى 91.3 مليار جنيه فى السنة النهائية للخطة. وتظل نسبتها للناتج المحلى الإجمالى فى حدود 3% خلال فترة الخطة. حيث أن هناك حاجة ماسة لتبنى إستراتيجية لها القدرة على زيادة الاستثمارات العامة التى تعد من أهم الوسائل لتعزيز النمو وتقليل الفقر. فقد أكد العديد من الدراسات أن الاستثمار العام سواء لتدعيم النمو الاقتصادى من خلال الاستثمار فى التنمية الريفية والحضرية والطاقة والرى والإسكان وغيره، أو لزيادة إنتاجية الفقراء من خلال الاستثمار فى التنمية البشرية كالتعليم والصحة كان له تأثير كبير فى تخفيض معدلات الفقر. ولتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية يجب أن يكون هناك تحديد لأولويات الاستثمار العام لتمكين الفقراء، ويجب أن يكون ذلك فى إطار سياسات قوية وواضحة تحددها الدولة وترتكز على التوسع فى الاستثمارات العامة، وبناء القدرات، وتعبئة الموارد، والمساعدات الإنمائية الرسمية.
وفيما يتعلق بالهيكل القطاعى للاستثمارات فى فترة الخطة، فإن معدلات النمو المستهدفة للقطاعات المختلفة تحدد الهيكل القطاعى للاستثمارات الذى يفترض أن يؤدى إلى تحقيق هذه المعدلات. ويتوقف تنفيذ الخطة الاستثمارية المستهدفة، من جانب كل من القطاع الخاص والدولة، على مشاركة كل أطراف المجتمع فى صياغة أهداف وسياسات الخطة، ومن ثم الالتزام بتنفيذها. ويتوقف التنفيذ أيضاً، وبدرجة كبيرة، على مدى قدرة الدولة على استخدام أدوات السياسة المالية والنقدية، وحزم من الحوافز وآليات المتابعة والتقييم، وذلك لتوجيه القطاع الخاص للاستثمار بالقدر المطلوب وفى المجالات المستهدفة.
كذلك يتوقف نجاح السياسة الصناعية المتبعة فى إعادة هيكلة قطاع الصناعة على مدى كفاءة الدولة فى استخدام هذه الآليات. ويتوقف تحقيق الخطة الاستثمارية أيضاً على مدى نجاح الدولة فى تنفيذ الاستثمارات العامة المطلوبة من بنية تحتية ومرافق تتسق قطاعياً وزمنياً ومكانياً مع الاستثمارات الخاصة المطلوبة، وذلك فضلاً عن إمكانية قيام الدولة بالاستثمار المباشر فى بعض الأنشطة الإنتاجية الإستراتيجية باستخدام آليات المشاركة مع الاستثمار الخاص المحلى والأجنبى.
ومن الأمور الهامة التى يجب مراعاتها فى تنفيذ الخطة الاستثمارية الترتيب الزمنى لأولويات الاستثمار، تجنباً لحدوث اختناقات أثناء التنفيذ يمكن أن تعوق تحقيق الأهداف المطلوبة.  
6- زيادة التشغيل والحد من البطالة:
إن الحد من البطالة و مضاعفة الدخل القومى يعتبران الهدف الرئيسى للخطة العشرية. حيث إنه لايمكن فى الواقع العملى القضاء تماماً على البطالة، ويظل دائماً هناك قدراً من البطالة لا يمكن تجنبه. ولذا فإن ترجمة هدف التشغيل الكامل تتمثل فى تخفيض معدل البطالة بما لا يتجاوز 4%. ووفقاً لمعدل النمو السنوى للسكان فى تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وهو 2.15%، وبافتراض ثبات نسبة قوة العمل للسكان، فإن ذلك يعنى أن جهود التنمية عليها أن توفر ما يقرب من 840 ألف فرصة عمل سنوياً. ويمثل ذلك أحد التحديات الهامة فى أية خطة للتنمية. 
ويتطلب تحقيق هدف التشغيل الكامل بمفهومه السابق أن تنمو العمالة بمتوسط معدل نمو سنوى يبلغ حوالى 3.1%. ويعنى ذلك أن تزيد العمالة من حوالى 23.5 مليون عامل فى سنة الأساس إلى نحو 31.9 مليون عامل فى السنة النهائية للخطة [جدول 5].
ومن المتوقع أن يحدث بعض التغيير فى الهيكل القطاعى للعمالة، ذلك أن فائض العمالة ضعيفة الإنتاجية فى الزراعة من المفترض أن يتجه إلى القطاعات الأخرى فى مجالات أكثر إنتاجية وأعلى أجراً، خاصة مع تزايد قدراتهم ومهاراتهم نتيجة الزيادة المفترضة فى الاستثمار الموجّه لتنمية الموارد البشرية. وعلى ذلك، ومع معدل النمو المحدود لقطاع الزراعة (3.5%) من المتوقع أن تنخفض نسبة العمالة فى الزراعة من 30% إلى حوالى 25%، وإن كان حجم العمالة يرتفع من 7.05 مليون عامل فى سنة الأساس إلى 7.98 مليون عامل فى السنة العاشرة.
أما الصناعة بمعناها الواسع، فهى تستوعب حالياً حوالى 19% من العمالة. ومن المتوقع أن تحتفظ بنفس النسبة خلال الخطة رغم ارتفاع معدل النمو الخاص بها عن متوسط معدل نمو الناتج المحلى، وذلك للسماح بزيادة معدل الإنتاجية، وأيضاً توجيه جزء من استثمارات الصناعة إلى صناعات جديدة ذات تكنولوجيا متقدّمة ومُحتوى معرفى متقدّم. وهذه الصناعات بطبيعتها غير كثيفة العمالة، وذلك بالإضافة إلى أن قطاعات التعدين هى بطبيعتها قليلة العمالة. ومن المتوقع أن ترتفع العمالة فى قطاع الصناعة من نحو 4.16 مليون عامل فى سنة الأساس إلى 6.07 مليون عامل فى السنة الأخيرة من الخطة.
ومن المتوقع أن يكون قطاع التشييد هو أكثر القطاعات استيعاباً للعمالة فى نطاق قطاع الصناعة بمعناها الواسع.
الجدول 5: هيكل العمالة
(بالألف عامل)

القطاعاتسنة الأساسسنة الهدفمعدل النمو السنوى (%) للعمالةمعدل النمو السنوى (%) لإنتاجية العامل
الزراعة(30) 7050(25) 79841.252.2
الصناعة(19.6) 4155(19) 60683.862.75
الخدمات(44) 10794.4(48) 153303.575.1
النقل والمواصلات والمرافق العامة(6.4) 1500(8) 25555.474.4
إجمالى الاقتصاد(100.0) 23500(100) 319373.14.3
الأرقام بين الأقواس تمثل الهيكل النسبى للعمالة (%).
أما قطاعات الخدمات (وتشمل السياحة)، فمن المتوقع أن تكون أكثر القطاعات استيعاباً للعمالة حيث تتزايد نسبة العمالة فيها من 44% إلى 48%، ويرتفع حجم العمالة فى هذه القطاعات من 10.8 مليون عامل فى سنة الأساس إلى نحو 15.3 مليون عامل فى السنة النهائية للخطة.  ويتسق ذلك مع الزيادة المتوقعة فى نمو هذه القطاعات (8.8%) والتى تفوق معدل نمو الناتج المحلى، ذلك أن هذه القطاعات بطبيعتها كثيفة العمالة، ويتطلب تحقيق هدف التشغيل الكامل مع عدم التقيد بالصناعات التقليدية كثيفة العمالة، أن تزيد الاستثمارات الموجّهة لقطاعات الخدمات التى يمكن أن توفر فرص عمل واسعة.
من المتوقع أيضاً مع تزايد الاستثمارات فى قطاعات المرافق والبنية الأساسية والنقل والاتصالات أن تتزايد نسبة العمالة فى هذه القطاعات من 6.4% فى سنة الأساس إلى حوالى 8% فى السنة النهائية للخطة، وذلك بمعدل نمو سنوى حوالى 5.5%، وبحيث يرتفع حجم العمالة فيها من 1.5 مليون عامل إلى 2.56 مليون عامل خلال فترة الخطة، حيث يعمل الاستثمار فى خلق فرص عمل جديدة، مما يقلل من معدلات البطالة، وهذا بدوره يساعد فى زيادة الإنتاجية. وكذلك يُساعد الاستثمار فى التنمية البشرية كالتعليم والصحة فى تحسين إنتاجية العامل ورفع كفاءتها. ومع وجود إنتاجية مرتفعة تتسم بالجودة والكفاءة العالية، تزداد معدلات النمو الاقتصادى، مما يكون له تأثير واضح فى خفض معدلات الفقر. ومن ثم، يكون حجم الاستثمار المطلوب لخلق فرص عمل جديدة هو فى حد ذاته استثمار لخفض معدل الفقر.
وفيما يتعلق بإنتاجية العمل، فإن رفع إنتاجية العامل فى كافة القطاعات يجب أن يشكل هدفاً أساسياً فى الخطة، ومن المتوقع فى الخطة العشرية ارتفاع إنتاجية العامل على المستوى القومى بمتوسط معدل نمو 4.3% سنوياً، ويتفاوت هذا المعدل من قطاع إلى آخر، حيث يبلغ أقصاه فى قطاع الخدمات (5.1%) وأدناه فى الزراعة (2.2%).
6-1 سياسات لحل مشكلات البطالة وسوق العمل:
تعد بطالة الشباب مشكلة ذات طابع خاص، حيث تميل معدلات البطالة بينهم إلى استغراق مدة أطول للتعافى فى أعقاب فترات الركود. وفى بعض الحالات، لا تعود أبداً حتى إلى المستويات الأكثر انخفاضاً بين تلك التى كانت سائدة قبل أزمات الركود، كما يتعرّض الشباب إلى التغيّرات فى بيئة العمل بقدر أكبر من غيرهم، نظراً لأنهم عادة ما يفتقرون إلى المهارات التى تتطلبها الوظائف المتاحة، والخبرة والقدرة على النفاذ إلى المعلومات المتعلقة بسوق العمل، وهم أكثر عُرضة للبطالة بوجه خاص خلال فترة الإنتقال من الدراسة إلى العمل، حيث يلجأون إلى العمل فى القطاع غير المنظم، أو إلى العمل لحسابهم، أو إلى العمل فى وظائف مؤقتة أو لبعض الوقت حال عجزهم عن العثور على عمل دائم، كما يمكن للبطالة عند التخرّج أن تفضى إلى فترات أطول من العمل لقاء أجور متدنيّة. وتحتاج هذه الفئة إلى تدخلات سياسات ذات طبيعة خاصة تعالج تلك الصعوبات االتى تواجهها.
وكذلك يمكن- بل ويجب- أن تتحوّل الزيادة فى النصيب النسبى للشباب الأكثر تعليماً والباحثين عن وظائف فى قوة العمل من عبء إلى "ميزة سكانية". فخلق فرص العمل الملائمة يمكن أن يؤدى إلى الحد من هجرة العمالة الماهرة بين الشباب وأصحاب الخبرة. فضلاً عن ذلك، يميل العاملون الأصغر سناً إلى الادخار بقدر أكبر، كما أنهم يسددون قدراً أكبر من الضرائب، ومن ثم يخلقون الفرص لاصلاح نظام المعاشات.
وفى حقيقة الأمر، ترجع النتائج غير المرضية لسوق العمل، بصفة أساسية، إلى سياسات الاقتصاد الكلى غير المواتية التى تحول دون الاستثمار فى رأس المال الثابت، ونمو الإنتاجية المصحوبان بالدخول المتدنية المتولدة عن العمل. وتعبّر النسبة المنخفضة للاستثمار عن وجود خلل هيكلى.
ومن ثم، تحتاج مصر إلى تبنّى سياسات حصيفة وخلاقة للاستثمار العام فى سياق إستراتيجية إقليمية، وإلى تدعيم المؤسسات العمالية، ووضع سياسات استباقية خاصة Pro-activeبسوق العمل، وتبنى إجراءات للحماية الاجتماعية. وثمة ثلاثة مجالات أكثر أهمية من غيرها من حيث الدور الذى قد تلعبه فى تحقيق نمو اقتصادى سريع وعادل وقابل للإستدامة فى مصر. وهذه المجالات هى: سياسات اقتصادية كلية متماسكة تهدف إلى التمو الاقتصادى والمنافع المشتركة، وسياسات اجنماعية متناغمة تعظم من آراء المواطنين وقابلية الحكومة للمساءلة، ونظم للحماية الاجتماعية توفر دخلاً وأمن وظيفى من خلال توزيع المخاطر على كافة السكان، حيث إن النمو المتكافئ يُعظم من فرص تحقيق أهداف الحد من الفقر ونمو العمالة. فالسياسات الاقتصادية المحافظة التى تركز على برامج التثبيت فى الأمد القصير تقوّض أسس النمو الاقتصادى البعيد الأمد، وتتجاهل آثاره التوزيعية. فالنمو بحد ذاته ليس هو الهدف، إنما الهدف هو تحقيق تنمية بشرية.
ويتعيّن على السياسات التى تسعى إلى إنجاز تنمية بشرية وتوفير العمل اللائق أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة بكل منطقة داخل مصر على حدة. فعلاقات التوزيع والبنية المؤسسية لاقتصاد ما تلعب دوراً مهماً فى تحديد السلوك على المستوى الكلى. فقد تؤثر التغيرات فى درجة عدم المساواة فى النمو ومعدلات البطالة والفقر. ففى المناطق التى يسود فيها الفقر المصحوب بمعدلات بطالة مرتفعة أو آخذة فى التزايد، لا تكون نظم الرفاه الاجتماعى كافية بحد ذاتها. وفى مثل هذه الحالات، يكتسب الاستثمار العام والإنفاق التنموى أهمية محورية فى تحقيق النتائج المرغوبة.
وبصفة عامة، لابد للسياسات أن توجه الاستثمارات والوظائف إلى القطاعات التى يعمل فيها الفقراء (الزراعة القزمية والصناعات المتوسطة والصغيرة)، وإلى المناطق التى يعيشون فيها (الأقاليم المتخلفة)، وعوامل الإنتاج التى يحوزونها (العمالة غير الماهرة والأراضى غير المطورة). وتعد الاستثمارات العامة إستراتيجية بالغة الأهمية لتحقيق هذه الأهداف، على الرغم من المعارضة التى تواجهها من منطلق الآثار المترتبة على مزاحمة الاستثمارات العامة للاستثمار الخاص، والآثار التضخمية التى قد تنتج عن هذه الاستثمارات العامة، حيث يمكن إعطاء الأولوية للأساليب التكنولوجية القائمة على تكثيف استخدام العمالة.
ويمكن لسياسات سوق العمل النشطة والفعّالة، مثل خدمات التوظيف، والإرشاد المهنى، والاستشارات الوظيقية، ونظم معلومات سوق العمل أن تساعد على زيادة التوظف، وإعادة إدماج بعض الجماعات الاجتماعية كالشباب فى سوق العمل. وينبغى أن تنطوى هذه السياسات عند تصميمها وتنفيذها على المشاركة النشطة للمستخدِمين للعمالة.
وعلى الرغم من أن عدد الوظائف المتاحة يتحدد من خلال طلب المستخدِمين وليس استناداً إلى مؤهلات الباحثين عن عمل، إلا أن نوعية التعليم وارتباطه بطبيعة الطلب يمكن أن تتحسن وبخاصة بالنسبة للإناث. فنوعية التعليم فى مصر دون المستوى العالمى بكثير. وعليه، يحتاج التعليم إلى أن يصبح أكثر حساسية لمتطلبات سوق العمل، وبخاصة متطلبات القطاع الخاص. واتصالاً بهذا الأمر يجب وضع السياسات الكفيلة برفع مستوى تعليم المرأة وتحسين مهاراتها من أجل زيادة الطلب على تشغيلها، ومن ثم زيادة مشاركتها فى النشاط الاقتصادى.
وتجدر الاشارة هنا إلى ما تمثله قضية البيانات المتاحة والمرتبطة ببرامج وسياسات التنمية ونوعيتها من عائق مهم أمام تحليل السياسات الاقتصادية والعامة وتقويمها. فمتابعة وتقويم أثر السياسات والبرامج تبقى مسألة عسيرة ومتعذرة فى ظل الافتقار إلى الإحصاءات. ويرجع ذلك جزئياً إلى غلبة القطاع غير المنظم على الاقتصاد، وهو الأمر الذى يجعل تقويم دوره أمراً متعذراً على الرغم من إمكانية إجراء مسوح لقوة العمل. بالإضافة إلى غياب الإحصاءات الدقيقة عن المرتبات والأجور، وهيكل دخول المتكسبين، وقياس أشكال الاستخدام (باستثناء يعمل/لا يعمل)، بالإضافة إلى مسوح المتابعة.
6-1-1 سياسات على المستوى الكلى:
ينبغى – على مستوى الاقتصاد الكلى – توجيه سياسات الاستثمار، والسياسات المالية والنقدية والتجارية بما يعزّز الطلب على العمل. كما ينبغى إدخال إصلاحات تشريعية ومؤسسية للاستفادة من التغييرات التى يرجى إدخالها على السياسات، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير سوق العمل غير المنظم فى هذه المرحلة لحين دمجه فى سوق العمل المنظم.
  1. الاستثمار: توجد حاجة إلى زيادة الاستثمارات المحلية والمدخرات المحلية. وعلى الرغم من انخفاض معدل الادخار المحلى، فإنه توجد مدخرات كبيرة وعاطلة فى الجهاز المصرفى، يمكن أن توفر حافزاً مفيداً للنشاط الاقتصادى، وأن تخلق طلباً على العمل، إذا ما وجدت آليات الوساطة المناسبة وتوفرت الحوافز الملائمة. ولجذب الاستثمارات الأجنبية، ينبغى تصميم الحوافز بعناية فى ضوء مجموعة من الأهداف المحدّدة مسبقاً. كذلك، تفيد حوافز السياسة النقدية والمالية فى قيام بيئة معززة لقطاع الأعمال تساهم فى اجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما ينبغى زيادة نصيب قطاع الصناعات التحويلية فى مجموع الاستثمارات، لقدرته على توفير مزيدٍ من فرص العمل، وكذلك استهداف الأنشطة التى تعتمد على تكثيف استخدام العمالة، وتحقق قيمة مضافة مرتفعة، وذات الارتباطات القوية بالأسواق العالمية. ولا ينبغى أيضاً إهمال القطاعات الفرعية المعنية بتوريد مستلزمات الإنتاج. كما يجب إصلاح السياسات والبيئة التنظيمية والمؤسسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة على كل من المستوى الكلى ومستوى المحافظات، واعتبار المشروعات الصغيرة أداة رئيسية لتوفير فرص العمل.
  2. السياسة المالية: ينبغى أن يوضع النظام الضريبى فى خدمة الاستثمار وخلق فرص العمل. ومن فمن المفيد استخدام الحوافز الضريبية بطريقة رشيدة، وربطها بأهداف محدّدة مسبقاً من ناحية، وبأداء المشروعات التى تستفيد منها من ناحية أخرى، خاصة فيما يتعلق باستيعاب مزيدٍ من العمالة.
  3. السياسة النقدية: قد يكون من المفيد الأخذ بسياسة نقدية توسعية. ومن شأن مثل هذه السياسة أن تسمح بوضع الحجم الكبير للودائع المتراكمة فى الجهاز المصرفى في خدمة التشغيل، والنمو الاقتصادى، والتنمية. ويمكن تخفيض أسعار الفائدة على قروض المشروعات الإنتاجية التى يكون عنصر التشغيل فيها مرتفعاً. وبالطبع، لا يعنى الأخذ بسياسة نقدية توسعية إهمال هدف التحكم فى معدل التضخم، كما ينبغى تحسين أنظمة الائتمان متناهية الصِغَر. فإذا كانت هذه الأنظمة جيّدة التصميم وقابلة للاستدامة، يمكن أن تشجع على الاستثمار والتشغيل فى المشروعات الصغيرة ومتناهية الصِغَر.
  4. السياسة التجارية: إن سياسات تشجيع الصادرات يمكن- فى ذات الوقت- أن تشجع على خلق فرص للعمل. ومع ذلك، فإنه عند إجراء دراسات السوق ينبغى دراسة مكونات كل قطاع، لكى يمكن تحديد القطاعات الفرعية والمنتجات التى تجمع بين تشجيع الصادرات وخلف فرص للعمل، لأن تجميع القطاعات يمكن أن يؤدى إلى نتائج مضللة، وبالتالى إلى سياسات غير سليمة. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن بعض صناعات الملابس الجاهزة، وبعض أنواع المنسوجات، والصناعات الكيماوية، والصناعات الغذائية تعد من القطاعات الفرعية التى تجمع بين احتمالات التوسع فى التصدير وخلق فرص العمل. وينبغى صياغة وتنفيذ إستراتيجية للتصنيع بحيث تكون متسقة مع السياسة التجارية وتساعد على النهوض بهذه الصناعات.
  5. الإصلاحات التشريعية والمؤسسية: يجب إجراء إصلاحات تشريعية ومؤسسية لتعظيم المنافع المترتبة على تطبيق السياسات سالفة الذكر. ينبغى مراجعة بعض القوانين، مثل قانون العمل، وقوانين الضرائب، وقانون المنافسة ومنع الاحتكار، وقانون العاملين بالدولة. وينبغى التوفيق بين تأمين فرص العمل والمرونة فى سوق العمل للقضاء على الازدواجية الحالية بين وظائف القطاع العام غير محدّدة المدّة التى تتمتع بحماية كبيرة من جانب، ووظائف القطاع الخاص محدّدة المدة التى تتمتع بمستوى منخفض من الحماية من جانب آخر. وكذلك ينبغى زيادة التقيّد بتشريع العمل، ووقف الممارسات غير القانونية بالنص صراحة على حظرها فى تشريعات العمل، وتشديد العقوبات فى حالة حدوثها، كما لابد من تشديد عمليات التفتيش لاكتشاف حالات سوء تطبيق القانون، وتسهيل لجوء العمال إلى محاكم مستقلة للفصل فى التجاوزات. وكذلك يجب وضع تشريعات تُحِد من عدم المساواة فى الأجور، كما يجب زيادة التنسيق بين مؤسسات سوق العمل مع تعزيز مكاتب الاستخدام، ووضع إطار مؤسسى مناسب لتحقيق التنسيق بين جميع برامج سوق العمل، بالإضافة إلى إصلاح نظام التأمينات الاجتماعية لتوسيع نطاق تغطيته وزيادة موارده، ولوضع خطط مبتكرة تحقق الكفاءة والأمان فى استثمار أموال صناديق المعاشات.
6- تطوير سوق العمل غير المنظم:
لابد من الاعتراف بأهمية سوق العمل غير المنظم فى توفير فرص للعمل وتوليد الدخل لأعداد متزايدة من القوى العاملة. ولكى تنجح السياسات، لابد أيضاً من الاعتراف بتنوع وحدات الاقتصاد غير المنظم، وتنوع أنشطته، وارتفاع درجة قدرته على التأقلم مع بيئات العمل المختلفة. ويعد إجراء مشاورات مع الأطراف المعنيّة من الأمور الأساسية التي تكفل نجاح السياسات. ويمكن أن يسهم التدريب، والتسويق، والابتكار، والتمويل، ومختلف السياسات الجزئية فى النهوض بالتشغيل فى الاقتصاد غير المنظم، مع تحسين شروط العمل وظروفه فى فرص العمل الجديدة. وينبغى التعريف بالسياسات وبرامج الدعم لكى تستطيع المشروعات والعمال الاستفادة منها. وتشمل السياسات المقترحة ما يلى:
  • تطويع عملية التدريب وتطوير المهارات: ينبغى التدريب وتنمية المهارات لكى تتفق مع خصائص العمال فى الاقتصاد غير المنظم، والذين يظهرون قدرات خلاقة وقدرة على الابتكار فى بيئة للعمل كثيراً ما لا تكون مواتية بالنسبة لهم. ونظراً لفقر العمال فى الاقتصاد غير المنظم، ينبغى أن تتحمّل الدولة الجانب الأكبر من المسئولية عن تمويل النهوض بمهاراتهم. ويمكن أيضاً الاستفادة من التمويل الذى توفره البلدان والمؤسسات المانحة فى أغراض التدريب.
  • إصلاح جوانب الضعف وتعزيز جوانب القوة فى نظام التلمذة الصناعية، من خلال تدريب العمال على التكنولوجيات الجديدة، وإكسابهم المهارات التى تتفق مع طلب أصحاب العمل.
  • زيادة القدرة على الابتكار والتجاوب مع التغيّرات لمساعدة المشروعات متناهية الصِغَر على البقاء فى الأسواق التى تشتد فيها درجة المنافسة. وتستطيع التعاونيات أن تقوم بدور مهم فى هذا الصدد.
  • دعم تسويق المنتجات التى تنتجها المشروعات والعمال غير المنظمين، واتخاذ التدابير اللازمة لتوسيع نطاق أسواق هذه المنتجات إلى ما يتجاوز المناطق القريبة من وحدات الإنتاج غير المنظمة، وإقامة روابط فيما بينها وبين المؤسسات الكبيرة من خلال التعاقد من الباطن. وأن تمكن المشروعات متناهية الصِغَر من بيع منتجاتها وخدماتها فى الأسواق العامة، لأن ذلك يُعد الخطوة الأولى لضمان استمرارية نشاطها الاقتصادى.
  • أن تضع مؤسسات التمويل القواعد والإجراءات التى تتفق مع ظروف الاقتصاد غير المنظم. ويمكن أن تكون البنوك المتنقلة مفيدة فى هذا الصدد، وكذلك توسيع نطاق تغطية خدمات التمويل لكى تصل إلى المشروعات متناهية الصِغَر، وخصوصاً المشروعات التى تديرها المرأة وغير المتعلمين. وينبغى ضمان استمرارية خدمات التمويل عن طريق تعبئة موارد التمويل المحلية.
  • تزويد المشروعات متناهية الصَغَر بالمرافق العامة، مثل المياه النظيفة، والصرف الصحى، والكهرباء والتخلص من النفايات.
  • التوصل إلى تعريفٍ أوسع للحماية الاجتماعية فى الاقتصاد غير المنظم، لتشمل التأمينات الاجتماعية وأنظمة التأمين غير المنظمة، مثل الأنظمة القائمة على دفع اشتراكات، والأنظمة التى تنشئها التعاونيات ومنظمات المجتمع المحلى.
  • بالنسبة لنساء الريف المشتغلات بالزراعة، فإن تمكينهن مطلوب، وذلك عن طريق زيادة قدرتهن على الحصول على الأرض والتسهيلات الائتمانية. وينبغى توفير الائتمان والتدريب لنساء الريف المتعلمات اللاتى تعانين من البطالة لمساعدتهن على تحقيق دخل من المشروعات غير الزراعية، كما ينبغى أن تساعد السياسات على زيادة مشاركة المرأة فى العمل فى القطاع الخاص المنظم غير الزراعى، بالإضافة إلى التصدى للمشاكل التى تواجه النساء من صاحبات العمل.
6-1-2 سياسات الحماية الاجتماعية:
يحتل توسيع نطاق تغطية وزيادة فعالية نظم الحماية الاجتماعية وتطوير نظم أخرى أهمية خاصة، حيث تعانى مصر من ارتفاع معدلات البطالة فى ذات الوقت الذى تسود فيها مستويات مرتفعة نسبياً من الفقر. وعليه، يجب أن تكون آليات الحماية الاجتماعية التى تهدف إلى حماية الأفراد والأسر المعيشية من البطالة والفقر جزءاً هاماً من حزمة السياسات الاجتماعية. وبصفة عامة، تتراوح هذه السياسات بين سياسات الأمن الغذائى فى المدى القصير، والضمان الاجتماعى لكافة السكان. ويتيح نظام الضمان الاجتماعى فى مصر عدداً محدوداً من المزايا، ومن ثم يجب أن يتسع ليشمل أولئك الذين لا يمكنهم الاشتراك أو المساهمة فى نظم التأمينات الاجتماعية الرسمية، وأن يضيف مزايا تولد عائدات اجتماعية، مثل تشجيع تعليم الأطفال، وزيادة القدرة على النفاذ إلى الخدمات الصحية.
كذلك يجب تطوير برامج أخرى، مثل برامج تعويضات البطالة التى تنعدم تماماً فى مصر، كما تحتاج قوة العمل فى القطاع غير المنظم، وأولئك الذين يعملون لحسابهم، وفى المناطق الريفية إلى أشكال بديلة لحمايتهم من التعطل عن العمل. ويكتسب الحكم الجيّد أهمية بالغة فى هذا المقام لضمان التنفيذ الفعال لكافة هذه البرامج، كما يمكن له أن يضمن استدامة نظم الضمان الاجتماعى على المدى الطويل.
وكذلك يمكن تعزيز الحوار المجتمعى من خلال زيادة العضوية فى المنظمات العمالية، حيث أن رفع مستوى هذه المنظمات يزيد من فعالية تمثيل العمال، ويساعد على توضيح وجهات نظرهم واحتياجاتهم واهتماماتهم، وهو ما يمكّن من تأمين التشغيل وفرص العمل بشكل أفضل. هكذا يمكن أن يصبح العامل فى القطاع الخاص أكثر إغراءً، وأن يوفر القطاع الخاص ظروف عمل أفضل. وكذلك، فإن زيادة تمثيل العمال فى المنظمات العمالية، بما فى ذلك عمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، سيتيح لهم المشاركة بشكل فعّال فى صياغة وتنفيذ سياسات سوق العمل، وهذا من شأنه زيادة عدد فرص العمل الجديدة، ويمكن أن يلعب الحوار المجتمعى كذلك دوراً هاماً فى تحقيق التوازن الدقيق بين القواعد المنظمة لاستخدام العمالة والحماية الاجتماعية. ويعد الحوار المجتمعى مفتاحاً رئيسياً للتوصل إلى توافق مجتمعى حول السياسات العامة كسياسات الأجور مثل مستوى الحد الأدنى للأجور.
  1. تحسين نوعية الحياة:
يتطلب تحسين نوعية الحياة فى الخطة العشرية تغيير أسلوب الحياة، وتحسين جودتها، واللذان يتطلبان تطبيق مجموعة من السياسات تساعد على تحقيقهما.
7-1 تغيير أسلوب الحياة:
إذا كانت الخطة العشرية تهدف إلى حياةٍ أفضل وأكثر سعادة للمصريين عن طريق مضاعفة الدخل القومى وتوفير فرص العمل لكل قادر وراغب، فإن هذا لا يمكن تحقيقه برسم الخطط، ورصد الميزانيات، وتنفيذ المشروعات فحسب، بل إن مبدأ التطوّر ومواكبة تغيّرات العصر سيكون عاملاً حاسماً فى إمكانية تحقيق أهداف الخطة.
وفى خلال العقود الثلاثة الماضية، قد تمحور الفكر العالمى حول ضرورة تحقيق الاستدامة، أى اتباع أنماط للحياة تضمن استهلاك موارد الطبيعة وخدماتها بمعدل لا يفوق قدرتها على تجديدها، وبما يضمن حقوق الأجيال القادمة فيها. وبدون هذا النهج، فإن الحياة لا يمكن أن تكون مستدامة، إذا جاءت لحظة قد تنضب فيها الموارد أو تتدهور نوعيتها، نتيجة لتلوثها بمُخرجات الأنشطة البشرية. وينطبق ذلك على الهواء والماء والتربة والغلاف الجوى وكل موارد الأرض وخدماتها التى توفرها للبشر لضمان استمرار حياتهم.
ومصر والبشر فيها ليسوا استناءً لهذه القاعدة، فتطبيق قواعد الاستدامة والتنمية المستدامة يتطلب من المجتمع المصرى– مثلما يتطلب من أى مجتمع آخر – أن يغيّر أو يطوّر أسلوب حياته، وهو ما فعلته مجتمعات أخرى كثيرة استطاعت أن تواكب ظروف العصر ومتغيراته، بل وتقود التغيير فيه إلى ما هو أفضل. والمقصود بالمجتمع المصرى هنا الدولة كلها بأفرادها وحكومتها ومؤسساتها وجمعياتها ومجتمعاتها.
فتحديث أسلوب الحياة للتخلّص من ممارسات قديمة خاطئة أدت إلى التدهور، أو استحداث ممارسات جديدة من أجل التقدّم، هو ضرورة حتمية تفرضها قوانين الحياة والتطوّر، وإلا فإن المصير هو التدهور والاندثار. والمتأمل لأسلوب حياة المجتمع المصرى يجد أن هناك ضرورة تحتم سرعة تغيير أسلوب حياته، والمرتبط أساساً بأسلوب تفكيره، وخاصة فيما يتعلق بالتالى:
  • أسلوب وأنماط القياس والحكم والتقويم: حيث يغلب على أسلوب المواطنين فى هذا المجال العاطفية والشخصانية، وليست الموضوعية. كذلك فإن المقاييس الأُحادية – مثل الدخل المادى – ليست هى المعبّر الوحيد عن نوعية الحياة، لذلك فإنه يجب أن تكون المقاييس أكثر شمولاً.
  • أسلوب وأنماط التعليم والتعلّم والبحث العلمى: حيث أن التعليم قد صار الهدف الرئيسى منه هو الحصول على الشهادة وليس المعرفة، وليست هناك فرص متكافئة وعادلة للحصول على تعليم جيد أو مواصلة التعلّم مدى الحياة. وكذلك يفتقر التعليم سواء فى المحتوى أو الممارسة إلى مفاهيم العدالة والديمقراطية والمواطنة والحقوق والواجبات المدنية والسياسية.
  • أسلوب وأنماط التنمية: فالتنمية العادلة والمتساوية لجميع أقاليم الوطن ومحافظاته وتجمّعاته مهما بعدت أو صغرت، هى مبدأ أساسى فى التوصل إلى التنمية المستدامة. وفى ظل هذا المبدأ، فإنه لا يمكن أن يستمر صعيد مصر مهملاً، وأن تظل مؤشرات التنمية لمحافظاته هى الأدنى بين محافظات مصر الأخرى. وكذلك لا يمكن أن يظل حوالى 40% من سكان مصر يقطنون العشوائيات.
  • أسلوب وأنماط العمران والعمارة: فلا يمكن أن يظل المواطنون يعيشون على مساحة لاتتجاوز 6.5% من إجمالى مساحة وطنهم، ولا يمكن أن يبقى الريف مركز طرد للسكان الذين يهاجرون إلى الحضر، وإذا لم يجدوا لهم مكاناً ، لجأوا إلى تكوين العشوائيات حول المدن.
  • أسلوب حماية البيئة: لابد من أن تتغيّر نظرة المواطنين للبيئة المحيطة وكيفية التعامل معها، لتحويلها من بيئة مُمرضة جالبة للضيق والتعاسة إلى بيئة نظيفة مشجّعة على الإنتاج، وجالبة للعيش السعيد.
  • أسلوب الاستهلاك وأنماطه: لابد من تغيير أنماط الاستهلاك الحالية، وخاصة فى الغذاء، والتى تضر بصحة المواطنين، وتضغط على مواردهم.
  • أسلوب الهدر: وهو ما يرتبط بالإنتاج ونقله وتوزيعه واستخدامه. ويتمثل هذا – على سبيل المثال – فى مياه الشرب والمحاصيل الزراعية. فيجب أن تكون "الكفاءة" فى الإنتاج والنقل والاستخدام والاستفادة من المُنتج هى معيار قياس الأداء.
7-2 تحسين جودة الحياة:

أصبح مصطلح ومؤشر "جودة الحياة" هو الأكثر استخداماً فى الوقت الحالى كمقياس للتقدّم ونوعية الحياة. ويستند مؤشر جودة الحياة إلى قيمة الدخل وفرص العمل إلى جانب عوامل أخرى تحدد نوعية حياة الإنسان، مثل البيئة العمرانية والصحة البدنية والعقلية والتعليم والترفيه وقضاء وقت الفراغ والانتماء الاجتماعى.
ويتجه مؤشر جودة الحياة فى مصر والصادر عن مؤسسات عديدة إلى الانخفاض إلى ما دون المتوسط العام. مما يتطلب من الحكومة والمجتمع بمراكزه البحثية وهيئاته أن تتابع مؤشرات جودة الحياة فى مصر والصادرة عن المؤسسات والمراكز الدولية، بالإضافة إلى استحداث مؤشر وطنى لجودة الحياة فى مصر، يحقق خصوصيات الحياة المصرية، ومتطلبات أفراد مجتمعها كما يحدودنها بأنفسهم، واعتبار هذا المؤشر وتطوراته هو المقياس لتطوّر أداء خطط وجهود التنمية فى مصر.
  1. منظومة جديدة للتخطيط :

8-1 الإطار الأساسى لعملية التخطيط:

يتضمّن الإطار الأساسى لعملية التخطيط الآثار المتوقعة لهذه العملية وآثار تنفيذ السياسات، وكذلك نطاق التصوّر الإستراتيجى والخطة السنوية، ووضع هذا التصوّر.

8-1-1 الآثار المتوقعة للتخطيط وتنفيذ السياسات:

من المتوقع أن تثمر منظومة التخطيط عن خمس نتائج أساسية، وذلك على النحو التالى:
    1. صيغة مشتركة وآلية للتواصل، حيث من المفترض أن يتمكن كل من القطاعين العام والخاص من الوصول إلى صيغة مشتركة، على النحو الذى يسمح لكلا القطاعين من مناقشة الأهداف المطروحة.
    2. توافق مجتمعى، بمعنى الوصول إلى فهم مشترك لهدف اجتماعى محدّد.
    3. الثقة واليقين، حيث تستهدف الخطة الحد من المخاوف التى تحيط بوضع مصر الحالى، وبما يستهدف تشجيع الاستثمارات المستقبلية.
    4. الإفصاح، ويتم ذلك من خلال استعراض صورة واضحة لمستقبل مصر والسياسات المزمع تبنيها لتحقيق تضافر الجهود.
    5. تعظيم الآثار، حيث تستهدف الخطة تحفيز طاقة النمو المحتملة للوصول إلى أعلى المستويات.
وتأتى أهمية تلك الخطة مستندة إلى ما تحمله من آثار ونتائج إيجابية من المتوقع أن تنعكس على كافة أبناء المجتمع المصرى. وعلى الرغم من أهمية تلك الخطة إلا أنها لا تتعدى كونها وثيقة على الورق، لا يمكن أن تؤتى ثمارها إلا إذا تمتعت بقناعة وإيمان أبناء المجتمع. ولا يمكن أن يتحقق هذا الإيمان وتلك القناعة، إلا إذا استشعر المجتمع أن تلك الخطة سيتم تنفيذها بشكل دقيق؛ وهو الأمر الذى يستلزم أن تقوم الحكومة بالإفصاح التام عن نتائج تنفيذ الخطة، وما يرتبط بها من سياسات وآليات. وتتضمّن تلك السياسات والآليات كلاً من الموازنة العامة للدولة، والأطر التشريعية والقوانين، والبرامج والمشروعات المختلفة [شكل 1]. 
الشكل 1: كيفية الربط بين الخطة متوسطة-طويلة المدى وخطة التنفيذ
وإيماناً بما تحمله مصر من إمكانات هائلة للمستقبل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كان من الأهمية بمكان العمل على توجيه تلك الإمكانات على النحو الصحيح  الذى يُمكّن المجتمع  من الاستفادة منها. فهذه الإمكانات تظل كامنة إن لم يتم توظيفها بشكل سليم. وتأسيساً على ذلك، يُعد الإطار الإستراتيجى لمضاعفة الدخل القومى خلال العشر سنوات القادمة (Master Plan) بمثابة خارطة طريق لكلٍ من الحكومة والمجتمع. فإذا استطاعت مصر- حكومة وشعباً- تنفيذ هذا الإطار بنجاح سينعم الجميع بما تؤتيه من ثمار ونتائج. حيث يتعيّن على الجميع – الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع - بذل أقصى الجهود لتحقيق أفضل النتائج.

8-1-2 نطاق الإطار الإستراتيجى والخطة السنوية:
ليس من الضرورى على الإطلاق أن تتضمّن الخطة سرداً لأهداف مفصلة أو قواعد إلزامية لقطاعات المجتمع بتبنى سبل تنفيذ تتسم بالصرامة أو الجمود لتحقيق أهدافها عبر المجالات الاقتصادية المختلفة، وإنما يعد الإطار الإستراتيجى بمثابة خارطة الطريق، الذى يحمل المبادىء الإسترشادية لإدارة مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
ومن ثم، يعتبر هذا الإطار الإستراتيجى بمثابة خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة طويلة المدى، والتى تمثل المبادىء والإطار الإسترشادى للإدارة الاقتصادية والاجتماعية. ولتفعيل الدور المنوط بهذا الإطار، يجب أن يتم تحقيق الاتساق بين ما يحتويه هذا الإطار من جهة، وبين مختلف الخطط والإستراتيجيات الحكومية طويلة الأجل التى تم صياغتها فى الماضى، أو تلك التى سيتم صياغتها مستقبلاً من جهة أخرى. فمن الجدير بالذكر أن الحكومة المصرية قد عمدت طوال السنوات السابقة إلى صياغة عددٍ كبيرٍ من الإستراتيجيات، والرؤى، والبرامج والخطط طويلة الأجل، ولقد كان لكلٍ منها عدد معيّن من التوجّهات على مستوى المجالات المختلفة. ومن ثم يجب على الحكومة أن تعمل على دمج هذه الدراسات جميعها فى إطار واحد يتسق وما يتضمّنه الإطار الإستراتيجى.
فضلاً عن ذلك، فإن الإطار الإستراتيجى باعتباره الأداة الأساسية التى تستند إليها الدولة لتحديد الوضع الاقتصادى والاجتماعى، ورسم ملامح وسمات النمو طويل الأجل، فمن المنطقى أن يتم الرجوع إليه لتحديد السياسات الاجتماعية والاقتصادية قصيرة المدى التى يجب تبنيها. ولذا، ينبغى أن تتخذ الحكومة من ذلك التصوّر إطاراً استرشادياً عند صياغة الإطار العام لخطة السنة المالية التالية، والذى يتضمّن التوجّهات الأساسية للإدارة الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن تحقيق أهداف الإطار الإستراتيجى طويل الأجل واستدامتها. 
ويجب على الحكومة أن تتجنّب الجمود والآلية فى تطبيق ذلك الإطار، وأن تتعامل مع الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بقدر من المرونة والاستجابة، دون أن ينتج عن ذلك الخروج عن الإطار العام للتصور الإستراتيجى طويل الأجل. وتأتى فكرة المرونة لتتفق مع ما يمكن أن يتسم به الاقتصاد العينى من تغيّرات، وكذلك لتأثر الاقتصاد المصرى بالاقتصاد العالمى. ويتعيّن على الجميع السعى لتحقيق الهدف الاجتماعى الذى يتضمنه هذا الإطار دون تنازل أو تهاون، مع توافر المرونة الكاافية بما يضمن تحقيق هذا الهدف بشكل كفء ومتزن.
وإضافة إلى ما سبق، ليس هناك ما يحول دون السعى إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين الداخلى والخارجى - على مستوى الاقتصاد الحقيقى - بما يجاوز المخطط له فى الإطار الإستراتيجى، بما يمكّن المجتمع من تحقيق الأهداف المدرجة فى هذا الإطار خلال مدة زمنية أقل. فإذا تم ذلك دون الإخلال بالاستقرار الاجتماعى أو الاقتصادى، ودون المساس بقدرة  الاقتصاد المصرى على النمو فى المستقبل، فإن ذلك بالتأكيد يعد أكثر فائدةً  للاقتصاد المصرى، فلا يجب على الإطلاق تعطيل قدرة الاقتصاد على النمو. وفى هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أمر هام، وهو ضرورة إجراء مراجعة دورية لأهداف هذا الإطار ومطابقتها بما تم تحقيقه. وفى حالة تحقق تلك الأهداف خلال مدة زمنية أقل، يجب أن تعمل الحكومة على وضع خطة جديدة وأهداف أخرى، وألا تنتظر إنتهاء السنوات العشر على الرغم من تحقق الأهداف. 
يتطلب تحقيق أهداف الإطار الإستراتيجى جهوداً سياسية ليست بالقليلة. فعلى الرغم من أن تحقيق معدلات مرتفعة من النمو من شأنه المساهمة فى حل العديد من المشكلات التى يعانى منها المجتمع المصرى فى الوقت الحالى بشكل سريع، إلا أنه فى الوقت ذاته ينطوى على عديدٍ من المخاوف، والتى تتمثل فى إمكانية حدوث شقاق مجتمعى واسع فى حالة حدوث طفرة فى مستويات النمو بشكل مبالغ فيه، نظراً لما يمكن أن يترتب على تلك الطفرة من تغيرات مفاجئة. بالإضافة إلى إن هذا النوع من الطفرات فى معدلات النمو عادة ما يفتقر إلى الإستدامة. ولذا، فإن ما يجب استهدافه ليس النمو الاقتصادى فحسب، وإنما إستدامة هذا النمو واستقرار المجتمع المصرى أيضاً.
وكذلك يجب أن تخضع الخطط السنوية - التى تم صياغتها وفقاً للخطة الرئيسية - لمتابعة ودراسة دقيقة على مدار العام، وأن يتم مقارنتها بالأوضاع الاقتصادية الفعلية، على النحو الذى يسمح بإجراء مراجعة دورية  لما تتضمّنه من أهداف تتلاءم مع المتغيرات المختلفة.
      1. وضع الإطار الإستراتيجى:
  1. التخطيط المتكامل:
يُعد الإطار الإستراتيجى خطة قومية متكاملة. ولقد تم إعداده ليكون بمثابة المرجعية الأساسية لكافة الخطط القطاعية التى تضعها مختلف الوزارات والجهات فى الدولة. وتحقيق الهدف الاجتماعى الأساسى الذى يحمله ذلك الإطار يستلزم  بالضرورة الاتساق التام بين ما جاء به من ناحية، وبين الخطط متوسطة وطويلة الأجل التى سيتم إعدادها لاحقاً من ناحية أخرى، وأن تحترم الخطط القطاعية المشار إليها ما يتضمّنه الإطار الإستراتيجى من إجراءات وسياسات وأهداف [شكل 2].  
الشكل 2: منظومة التكامل التخطيطى
  1. لجنة التخطيط:
    يجب العمل على تشكيل لجنة تعرف باسم "لجنة التخطيط"، بتوجيه من وزير التخطيط وتحت إشرافه، ويكون الغرض الأساسى منها على النحو التالى:
  • مواجهة أوجه التناقض والخلاف التى يعانيها المجتمع المصرى، والعمل على خلق نسق اجتماعى متناغم ومتسق.
  • تحقيق الحيادية فى نظم الإدارة وضمان نزاهتها.
  • الاستفادة من الخبرات المتخصّصة شديدة التميّز فى مختلف المجالات.
  • الوصول إلى توافق عام حول أساليب ونظم الإدارة.
  • صياغة منهج فعال وديمقراطى.
    ويجب أن يأتى تشكيل تلك اللجنة معبّراً عن آراء ثلاث فئات رئيسية فى المجتمع، وهى:
    1. الرأى العام: ممثلاً فى المنظمات الاجتماعية العامة.
    2. الآراء الفنية والمهنية المتخصّصة: ممثلاً فى أساتذة الجامعات والمهندسين والخبراء.
    3. رأى الجهات المعنية / أصحاب المصالح: ممثلاً فى مختلف فئات المجتمع.
    ويُعد تشكيل لجنة التخطيط هو حجر الأساس لتبنّى منهج جديد للتخطيط  فى مصر. وتعد اللجنة فى شكلها الحالى خطوة مبدئية يجب العمل على تطويرها من حيث التشكيل ومنهجية التواصل. وهو المنهج الذى سيكون له عظيم الأثر فى إعادة بناء المجتمع المصرى. ولقد جاء تشكيل اللجنة متضمّناً تسع مجموعات بحث، إضافة إلى فريق التحرير [شكل 3].
الشكل 3: تشكيل التخطيط (لجنة التخطيط) 
    1. منهج جديد للتخطيط:

يجب أن تستند الخطة الجديدة فى صياغتها إلى آلية ديموقراطية وعلمية فى الوقت ذاته، على النحو الذى يؤهلها لتكون الإطار الإسترشادى لتوجيه المجتمع بشكل صحيح. وهو الأمر الذى يستلزمه أن تتم صياغة تلك الخطة وفقاً لفلسفة جديدة، تتمثل أبرز معالمها فى:
  • المرونة (كيفية تحقيق الهدف، وعدم تغيير الهدف الاجتماعى).
    • وضوح الهدف (هدف يسهل فهمه من قبل جميع أفراد المجتمع).
    • مواكبة الاقتصاد العالمى (أى ما يطرأ عليه من تغيّرات).
    • توجيه وقيادة المجتمع (حيث تمثل الخطة خارطة الطريق).
    • خلق هياكل اجتماعية واقتصادية جديدة (رؤية إبداعية لمصر جديدة ).
    8-2 منهج وهيكل الإطار الإستراتيجى لمدة عشر سنوات:
    إن العمل على إعادة هيكلة النموذج المصرى الحالى على المستويين الاقتصادى والاجتماعى يتطلب صياغة رؤية واضحة، لما يجب أن تكون عليه البيئة الاجتماعية فى مصر والمجتمع عموماً على المدى الطويل. ومن الضرورى ألا يقل المدى الزمنى لتك الرؤية عن عشر سنوات على الأقل. ولذا فقد كانت التوصية الأساسية أن تكون الخطة التالية خطة عشرية (10 سنوات). وباستشراف العشر سنوات القادمة، فمن المتوقع أن تمر مصر بمراحل التطور التالية:
    1. فترة النقاهة الاجتماعية (الإصلاح الاجتماعى): 2012-2014(عامان ± 1)
        • استقرار الأوضاع السياسية (الانتخابات الرئاسية، الدستور).
        • مفهوم جديد للمؤسسية الاجتماعية.
        • بداية الانتعاش الاقتصادى (3-5 % زيادة فى الناتج المحلى الإجمالي).
    2. فترة الاستقرار(الاستقلال) الاقتصادى والاجتماعى: 2014- 2019 (5 أعوام±1)
      • القطاع الخاص يقود الاقتصاد.
      • استثمارات تقوم على رأس مال محلى.
      • التوازن الصناعى ( الصناعات من الدرجة الأولى، والثانية، والثالثة).
    3. طفرة فى معدلات النمو الاقتصادى والاجتماعى: 2019- 2022 (3 أعوام± 1)
      • الاستقرار الاجتماعى وتحسين مستوى المعيشة.
      • طفرات فى المنظومة الاجتماعية / الاقتصادية. 
      • هيكل صناعى متوازن.
    وتجدر الإشارة إلى أن معظم دول العالم قد مرت بمراحل التطوّر السابقة. ففى اليابان على سبيل المثال، وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية، شهد المجتمع جميع المراحل المشار إليها. ولذا فإن التنبؤ بمرور المجتمع المصرى بتلك المراحل يستند إلى حقيقة تاريخية وتصوّر منطقى.
    إن برنامج التخطيط الحاكم للعشر سنوات القادمة يجب أن يتواءم وطموحات وآمال المجتمع المصرى، وأن يكون محفزاً له على العمل. يجب أن يجتذب هذا البرنامج المجتمع المصرى بتجسيد الحلم والتطلع لمستقبل أفضل، وفى الوقت ذاته يجب أن يعكس الواقع الذى تعيشه مصر فى الوقت الحالى، حيث تمر مصر الآن بظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، ولذا يجب على الحكومة أن تنهض بالقيام بدورها بشكل فعال، وأن ترشد المجتمع وتوجهه عبر السنوات القادمة من خلال خطة واضحة، والممثلة فى البرنامج الذى تم وضعه للعشر سنوات القادمة. فالحكومة يجب أن توجه وترشد وتراقب تنفيذ هذا البرنامج عبر السنوات القادمة.
    ولقد تم وضع الإطار الإستراتيجى وترتيب مراحل التنفيذ المقترنة به على النحو التالى [شكل 4]:
    1. الخطة الرئيسية لمدة عشر سنوات:
      الأسس والمبادىء التى تشكل الإطار طويل الأجل لتوجيه مراحل التخطيط الثلاث المتعاقبة والرقابة عليها.
       ب -    آلية مرحلية (مرحلة أولى، ثانية، ثالثة):
      -  المرحلة الأولى: 2012-2014 (سنة- سنتان): تحقيق الإصلاح الاجتماعى.
      -  المرحلة الثانية: 2014-2019 (5 سنوات): تحقيق الاستقرار (الاستقلال الاقتصادى).
      - المرحلة الثالثة: 2019-2022 (3-4 سنوات): تحقيق طفرة فى معدلات النمو الاقتصادى.
    الشكل 4: هيكل "الخطة الرئيسية" والنهج المرحلى
      1. هيكل الإطار الإستراتيجى والخطة التنفيذية:
    لقد عمدت الحكومة إلى إعداد التصور الإستراتيجى الذى يمثل إطاراً استرشادياً طويل الأجل، ثم انتقلت إلى صياغة الخطة التنفيذية وفقاً لهذا الإطار، حيث تمثل الخطة التنفيذية المستوى العملى لتطبيق البرنامج طويل الأجل. ويترواح المدى الزمنى للخطة التنفيذية بين ثلاث وخمس سنوات، والذى يتم تحديده بناءً على تطوّر المجتمع والظروف الراهنة (المرحلة الاجتماعية). ويتعين على وزارة التخطيط مراقبة التغيرات والتطوّرات الاقتصادية والاجتماعية التى تشهدها مصر بحرص شديد، والعمل على صياغة الخطة التنفيذية بناءً على تحليل الموقف الراهن.
    وتمثل الخطة السنوية للعام المالى (2012/2013)، المرحلة الأولى من مراحل الإطار الإستراتيجى طويل الأجل، وهى مرحلة الإصلاح الاجتماعى. وإذ تتقدم وزارة التخطيط بالخطة السنوية للعام المالى الحالى، فإنها توصى بضرورة العمل على إعداد الخطط التنفيذية التالية، والتى تتمثل فى المرحلة الثانية (خمس سنوات: خطة الاستقرار(الاستقلال) الاقتصادى)، والمرحلة الثالثة (ثلاث - أربع سنوات: خطة الطفرة فى معدلات النمو) وفقاً للإطار طويل الأجل الذى عكفت الوزارة على صياغته، وذلك لما يمكن أن يكون لتلك الخطط من آثار إيجابية فى المستقبل على المجتمع والاقتصاد المصرى.  
    8-3 الجهاز القومى لتنفيذ المشروعات الكبرى:
    ترى وزارة التخطيط ضرورة العمل على إنشاء جهاز مستقل يضم مختلف التخصّصات، يُعرف باسم "الجهاز القومى لتنفيذ المشروعات الكبرى"، وتكون مهمته الأساسية إدارة المشروعات القومية التى يتم الموافقة عليها من قبل مجلس الوزراء. ومن المقترح أن يكون هذا الجهاز تابعاً لوزارة التخطيط. وسيقوم الجهاز بدوره المحورى وفقاً لأحدث المعايير الدولية المتعارف عليها فى هذا المجال، فضلاً عن الاستعانة بأعلى مستوى ممكن من الخبرات الفنية والتقنية، وعلى النحو الذى يؤهل هذا الجهاز لتعزيز مفاهيم الابتكار والتطوير للمشروعات المصرية [شكل 5]. 
    الشكل 5: وحدة تنفيذ المشروع الوطنى الاستراتيجي (SNAP)
    الباب الثاني
    استراتيجية التنمية الاجتماعية والبشرية 

    يتمحور هذا الباب حول دعائم استراتيجية التنمية البشرية التي يتركز عليها التحول إلى  التغير المنشود في مصر. وهى توضح الحاجة إلى مناهج متكاملة وليست سياسات متقطعة. ويمثل التعليم ركيزة التنمية الأولى في مصر بإجماع الآراء. ويقدّم هذا الباب تحليلاً لمشكلة التعليم بأنواعه المختلفة في مصر واتجاهات التحرك نحو حل هذه الإشكالية. ويتبع هذا القسم تحليلاً لسياسات البحث العلمي وكيفية ربطه بمواضع الإنتاج. 




















    محتويات الباب الثانى 
    القسم الأول: نحو استراتيجية للتنمية الاجتماعية والبشرية فى مصر
          1 – 1 نحو استراتيجية جديدة للتنمية الاجتماعية والبشرية
          1 – 2 التركيز على الفئات المستهدفة : الأطفال، والشباب، والمرأة
          1 – 3 تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية
          1 – 4 الاستراتيجيات والبرامج والمشروعات المقترحة
    القسم الثانى: التعليم الركيزة الأولى للتنمية
          2 - 1 منظومة التعليم في مصر
          2 – 2 نحو استراتيجية لتعليم الكبار ومواجهة الأمية في مصر
          2 – 3  نحو صياغة جديدة لسياسة التعليم قبل الجامعي في مصر
          2 – 4 نحو استراتيجية قومية للتعليم الفني في مصر
          2 – 5 نحو استراتيجية جديدة وسياسة مستقرة لمنظومة التعليم العالي في مصر
          2 – 6 نحو سياسة جديدة للبحث العلمي وربطه بمواقع الإنتاج





    القسم الأول: نحو استراتيجية للتنمية الاجتماعية والبشرية فى مصر(*)
    مقدمة
    التنمية البشرية هي توسيع لحريات البشر ليعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة والإبداع، ويسعوا إلى تحقيق الأهداف التي ينشدونها ويشاركوا في رسم مسارات التنمية في إطارٍ من الإنصاف والاستدامة على كوكب يعيش عليه الجميع، فالبشر أفراداً وجماعات هم المحرّك لعملية التنمية البشرية، وهم المستفيد منها.
    وفي هذه الصيغة، إعادة تأكيد على جوهر التنمية البشرية و ما تقوم عليه من أُسس الاستدامة والإنصاف والتمكين، وما تنطوي عليه من مرونة. وبما أن المكاسب يمكن أن تكون ضعيفة وعرضة للزوال، وبما أن الأجيال المستقبلية يجب أن تحظى بالمعاملة العادلة، فمن الضروري تركيز الجهود على ضمان استمرارية التنمية البشرية عبر الزمن، وهذا ما يُقصد بالاستدامة. وبما أن التنمية البشرية تعني إزالة الفوارق الهيكلية، فيجب أن تكون منصفة، وبما أنها تعني القدرة على ممارسة الخيارات الفردية والمشاركة في الخيارات التي تتخذ على مستوى الأسرة والمجتمع والوطن، والتأثير فيها والاستفادة منها فيجب أن يكون هدفها التمكين.
    في الأعوام العشرين الماضية، أحرزت التنمية البشرية تقدّماً كبيراً في نواحٍ عديدة. فالناس اليوم يتمتعون بصحة أفضل، ويعيشون حياة أطول، ويحصلون على مستويات أعلى في التعليم، ويحظون بالحصول على مزيد من السلع والخدمات. وما تحقق من تحسّن في الصحة والتعليم شمل حتى البلدان التي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، وما أحرز من تقدّم لم يقتصر على مستوى الصحة والتعليم والدخل، بل شمل قدرة الناس على اختيار قادتهم، والتأثير على القرار في الشأن العام، واكتساب المعرفة.
    ومع ذلك، ليس كل ما شهدته الأعوام الماضية مشرقاً، فقد ازدادت مظاهر عدم المساواة داخل الوطن، وانتشرت أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة، وكثرت التباينات في الإنجازات المحققة، وشهد سكان بعض المناطق، فترات من التراجع وخصوصاً في المجال الصحي، وظهرت مخاطر جديدة تتطلب مواجهتها ابتكار سياسات عامة تسمح بمعالجة الأضرار وتقليص الفوارق وبتطويع قوى السوق لتحقيق الفائدة للجميع.
    والتحديّات التي يواجهها عالم اليوم تستلزم رؤية جديدة على مستوى السياسة العامة. فالتنمية البشرية  لا تتحقق بحلول فورية، ولا بعصا سحرية، بل هي نتيجة للسياسة العامة المتبعة ومفعولها. فنحن  لا نستطيع الافتراض بأن التنمية في المستقبل ستكون تكراراً لإنجازات الماضي. ففرص اليوم والمستقبل تفوق ما شهده الماضي في الكثير من المجالات.
    وكذلك فقد أثبتت التجارب المتنوّعة والظروف المختلفة أنه من غير الممكن تعميم الوصفات على صعيد السياسة العامة، بل من المستحسن التركيز على مبادئ وتوجهّات أساسية، مع معالجة التحديات الطارئة في الوقت المناسب.
    والتحديات الماثلة في الأفق كثيراً ما ترتبط بالسياسة العامة، لذلك فإنه يجب أن تكون السياسات الإنمائية محلية المنشأ، وأن ترتكز على مبادئ صلبة وراسخة، وبعضها يرتبط بمشاكل تتجاوز قدرة الدول منفردة. ولهذه التحديات أثر على توجيه أعمال البحث أيضاً، بحيث يتعمّق التحليل في توضيح أسباب ضعف العلاقة بين النمو الاقتصادي والتحسّن في الصحة والتعليم، وكذلك في أثر تعدّد أبعاد الأهداف الإنمائية على الفكر الإنمائي.
    ويشكّل التعليم أحد أهم التحديات التي تواجه التنمية البشرية والاجتماعية في مصر، وهناك تحديات أخرى تبدو جسيمة تحتاج إلى الاهتمام الفوري.  
    كيف يمكن تحقيق التنمية الاجتماعية والبشرية في مصر؟
    تتمثل نقطة البداية فى ملف التنمية الاجتماعية فى ضرورة الوصول إلى توافق مجتمعي على الأهداف الجديدة للمجتمع المصري، حيث أن تحديد أولويات التنمية الاجتماعية سوف يحكمه بالضرورة تحديد الأولويات في مجالات الإنفاق الاجتماعي، وكذلك إيجاد الآليات والوسائل التي تتناسب معها. ومن ثم، فيحتاج برنامج التنمية الاجتماعية إلى تبنّي مفهوم التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة واستخدامه في توجيه الموارد الطبيعية المختلفة. ومن الواجب أيضًا ضمان ألا تتعارض السياسات الاقتصادية مع تحقيق الأهداف الاجتماعية (الجديدة) والمنصوص عليها صراحة في توجهّات الدولة في هذه المرحلة الراهنة، حيث أن قضية خلق فرص عمل للشباب هي من أهم الأولويات. وأخيرًا فهناك حاجة إلى الحرص الشديد على تبنّي الأطر التشريعية القوية والحاكمة في تنظيم سلوك القطاع الخاص والبناء المؤسسي القوي والفعال القادر على حماية حقوق المستهلك وصغار الصناع والفلاحين وغيرها من الفئات التي يؤثر السلوك الاحتكاري للقطاع الخاص بشكل مباشر على خفض مستوى معيشتها، سواء من خلال المبالغة في أسعار السلع أو السيطرة على المنافسة للحفاظ على هذه الأرباح الطائلة، وهو ما له من تأثير على الحد من خلق فرص عمل.
    1 – 1 نحو استراتيجية جديدة للتنمية الاجتماعية والبشرية
      1- الرؤية : أن يكون المجتمع المصري بكافة عناصره- الحكومة والمجتمع المدني والأسر- قادراً على إطلاق الإمكانات البشرية والمادية والمعنوية لجميع أفراده، وتعظيم الاستفادة منها لتحقيق مستوى أعلى من الرفاهية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمواطن وأسرته من خلال تشجيع جميع المواطنين على الالتفاف حول أهداف تنموية طموحة تتوافق فيها المصلحة المجتمعية مع المصلحة الفردية لغالبية أفراد المجتمع مع استمرار الدولة في رعاية ومساندة الأسر غير القادرة.
      2- مبادئ الاستراتيجية : يتم تحقيق هذه الرؤية من خلال ثلاثة مبادئ استقر عليها العديد من الدول الناشطة في صياغة رؤى اجتماعية واضحة هي :
    1. تكافؤ الفرص: بمعنى ضمان حصول المواطن على  فرصته العادلة في الحصول على فرصة عمل منتجة في إطار من التنافسية والشفافية والتقدير الموضوعي للكفاءات والإمكانات.
    2. الإتاحة العادلة للخدمات المختلفة ذات الجودة، وعلى رأسها التعليم والصحة: فمن الضروري إعادة إرساء مبدأ تكافؤ الفرص واعتبار حصول المواطن على قدرٍ كافٍ من الخدمات التعليمية والصحية حقاً أساسياً، واعتبار حصوله على هذه الخدمات إنما هو استثمار في إزالة أي تمييز ضد أى فئات. فإنه لا يمكن تصوّر مفهوم عن العدالة الاجتماعية لا يكون عنصراً مهماً فيه هو الاهتمام بإتاحة الخدمات المختلفة بجودة مناسبة تضمن أن يبدأ الجميع من نقاط بداية متقاربة.
    3. التضامن والحماية الاجتماعية، سواء الدائم أو المؤقت منها : على الرغم من تأكيد ضرورة إعادة إرساء مبادئ تكافؤ الفرص، سوف يستمر المجتمع في حاجة إلى تأكيد مبادئ التضامن والحماية الاجتماعية، والتي تحرص على الترابط والتكافل الواجب توافره لصالح الأفراد أو أسر تُفرض عليها ظروف تخرج عن إرادتها، من مرض أو إعاقة بدنية أو ذهنية أو نفسية عدم القدرة على الاستفادة من الفرص والخدمات المتاحة. ويعنى هذا التوجّه أن المجتمع يعترف ويؤيد المسؤولية التضامنية لكافة أفراد المجتمع في مساندة هذه الفئات بالقدر اللائق الذي يضمن لها مستوى مقبول من المعيشة.
    3 - الأهداف
    1. الاستثمار المكثف في الشباب والأطفال وتأهيلهم تعليمياً وصحياً واجتماعياً أياً كانت ظروف أسرهم الاقتصادية والاجتماعية مع الاستمرار في إعدادهم وتأهيلهم لكي تتواكب مهاراتهم مع متطلبات سوق العمل في الداخل والخارج.   
    2. حصول كل مواطن على فرصته العادلة في العمل المنتج وعدم التمييز ضده بسبب نوعه أو دينه أو ظروف أسرته الاقتصادية والاجتماعية أو بسبب انتمائه لمنطقة تتسبب في الحد من قدرته على استغلال إمكانياته الموروثة والمكتسبة.
    3. التمسك بمجانية التعليم حتى نهاية التعليم الأساسي مع الاستثمار المكثف في تطوير التعليم الفني والسعي إلى رفع كفاءة التعليم الجامعي من خلال ربطه باحتياجات سوق العمل وتخفيض الأعداد المقبولة في الكليات.
    4. استهداف المساواة الكاملة في حصول المواطن على حزمة الخدمات الأساسية من بيئة صحية نظيفة ومياه شرب جيدة وخدمات الصرف الصحي والكهرباء والاتصالات.
    5. وضع أسس مظلة فعالة للضمان الاجتماعي (الدائم أو المؤقت) وتوفير الموارد الكافية لها مع التركيز على تحسين الاستهداف وخلق حوافز تشجع عدم استمرار الأسرة في الاعتماد على المساندة متى تحسنت ظروفها.
    4. آليات الوصول إلى توافق مجتمعي بشأن استراتيجية التنمية الاجتماعية للدولة
      تحديد أولويات الإنفاق العام: يمكن القول بأن أصعب ما فى العمل فى مجال التنمية الاجتماعية هو الوصول إلى توافق مجتمعي يحدّد الأولويات التي يحرص المجتمع على توجيه الإنفاق العام تجاهها، والإجماع على ماهية مصادر الموارد الواجب توافرها لهذا الإنفاق، وما هي كيفية توزيع تكلفة هذه الأعباء على فئات المجتمع المختلفة، حيث أن التوجّه الاجتماعي يختلف من دولة إلى أخرى، حيث تؤكد بعض الدول على مسؤولية أكبر للدولة في توفير "الحقوق الاجتماعية "ويقابلها في هذا الشأن مستويات مرتفعة من الضرائب توفر الموارد اللازمة لهذا التوجّه، بينما تتجه دول أخرى إلى تبنّى مستويات أقل من الحقوق الاجتماعية وقصر التزام الدولة بها فقط بالنسبة للفئات الأضعف، بينما يتولى باقي الأفراد مسؤولية توفير هذه الحقوق من خلال وسائل تأمينية وادخار وغيرها. كما تختلف الدول بالنسبة إلى درجة اهتمامها بفئات المجتمع الأولى بالرعاية، ومنها الطفولة والشباب والمرأة والمسنين والفئات ذات الاحتياجات الخاصة. ومن أهم الآليات المتاحة في هذا الصدد هي تحفيز دور الجمعيات الأهلية ومراجعة تخصيص موارد الدولة في الموازنة.
    دمج منظمات المجتمع المدني كأطراف قائمة بالتغيير: ينبغي على الدولة والأجهزة التشريعية مراجعة قانون الجمعيات الأهلية من أجل توفير بيئة داعمة لمنظمات المجتمع المدني، كما يجب أيضًا أن تتم هذه المراجعة في سياق أسلوب يتسم بالتشاور والمشاركة، يتم من خلاله دعوة منظمات المجتمع المدني وتشجيعها للمشاركة في عملية إصلاح القانون الذي يتعيّن أن يُراعى فيه الالتزام بالمعايير الدولية، وفي ذات الوقت، يواكب السياق المصري بما يسمح بتوفير قدر أكبر من الحرية لمنظمات المجتمع المدني، ويتيح لها العمل كشريك للحكومة في عملية التنمية. ويتضمّن هذا إزالة العوائق أمام متطلبات عملية التسجيل والترخيص، وتوسيع نطاق الأنشطة المسموح بها، وإزالة القيود والضوابط غير الضرورية التي تُفرض على الموارد المالية، والتدخلات البيروقراطية المفرطة. وينبغي أيضًا أن يشجع الإطار القانوني على تمتع المجتمع المدني بحرية إلى تغيير السياسات، وممارسة إجراءات المساءلة، ومتابعة أداء الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
    مراجعة دعم الطاقة واستهداف الفقراء : تجاوز إجمالي الدعم 100 مليار جنيه مصري في الأعوام الأخيرة. وتعد قيمة دعم الطاقة في مصر أكبر من إجمالي ما تم تخصيصه للتعليم، والصحة. ويحظى الخُمَيْس الأغنى في مصر، بصورة غير عادلة، بالنصيب الأكبر من دعم الطاقة. ولذلك، فإنه من الأهمية بمكان مراجعة سياسة تسعير منتجات الطاقة. وفي ضوء استكمال قاعدة بيانات الأسر المصرية، سيكون من المفيد تعميم نظام استخدام هذه البطاقات الذكية حتى يحل محل نظام بطاقات التموين الحالي، ويتم استخدام هذه البطاقات في إدارة الدعم، كما يمكن استخدامها أيضًا لتقديم أشكال أخرى من المساعدات (بما في ذلك التعويضات النقدية) للأشخاص المستحقين. ويساهم هذا البرنامج في تحقيق الأهداف المرجوة للاستراتيجية الاجتماعية بشكل أساسي، حيث يوفر موارد أكبر للإنفاق على الخدمات الأساسية، وكذلك تحسين كفاءة واستهداف الأسرة المستحقة للمساندة من الدولة.
    1 – 2 التركيز على الفئات المستهدفة : الأطفال، والشباب، والمرأة
    الأطفال : يمثل الأطفال تحت 15 عاماً ثلُث سكان مصر، ويعيش أكثر من خُمس هؤلاء الأطفال في حالة من الفقر. ويتطلب النمو المستدام الذي يراعي الفقراء والأطفال التزامًا ببناء قدرة البلاد المادية وبنيتها التحتية الاجتماعية. وتعد أنجح السياسات هي تلك التي تعالج الفقر بين الأطفال على جبهات متعدّدة، بحيث تجمع بين نهج شامل [مثل دعم دخل الطفل] وبين اتخاذ الإجراءات التي تستهدف أكثر الأطفال تعرّضًا للفقر [مثل رعاية الطفولة في المناطق المحرومة]. وفي هذا المجال، تحققت عِدّة إصلاحات تشريعية لحماية الأطفال من أهمها : (1) قانون الطفل 126/2008، (2) رفع سن الزواج إلى 18 عامًا للفتيات، (3) تشديد العقوبات على الاستغلال الجنسي، والاعتداء الجنسي على الأطفال، (4) وتجريم عمالة الأطفال. ولعل تقديم مجموعة من التدخلات والمبادرات التي تستهدف العائلات الفقيرة تكون خير سبيل لتخفيض الزيادة السكانية.      
    الشباب بناة المستقبل : ويُمكن تصنيف عناصر استراتيجية تمكين الشباب إلى ثلاث مجموعات على النحو التالي: (1) برامج قطاعية لتحسين فرص الوصول إلى التعليم ذي الجودة العالية والتدريب المهني والصحة والصرف الصحي والإسكان، (2) بيئة داعمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وصغار روّاد الأعمال لتحسين فرص الحصول على الأرض والقروض والخدمات الإرشادية،(3) تشجيع المشروعات الطوعية التي يقودها ويديرها الشباب والتي توجّه إلى تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية والأهداف القومية الأخرى. وتتمثل المهارات التي يحتاج إليها الشباب أكثر في مجال الإدارة والقيادة لمشاركة الحكومة المحلية في تقديم الخدمات ومراقبة تطبيق الحوكمة الرشيدة.
    ومن الناحية الاجتماعية والثقافية، يجب أن يكون وضع برنامج قومي تشترك فيه الوزارات لنشر ثقافة الرياضة والتربية البدنية، وأسلوب الحياة الصحي. بالنسبة للشباب من الجنسين، وإنشاء المكتبات العامة والتوسع فيها، والمراكز المجتمعية والأماكن الآمنة لمشاركة الشباب وللتعبير عن أنفسهم، أحد العناصر الأساسية في السياسات والبرامج القومية.
    لقد كان تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2010، المعنون "شباب مصر: بناة مستقبلنا "والصادر في نوفمبر 2010، متصل بدرجة غير عادية بالوضع الذي نحن بصدده. فقد كانت أبرز النتائج اللافتة للنظر والتي توصّل إليها التقرير هو ما يواجهه الشباب من إقصاء من المشاركة السياسية والمشاركة في العمل العام، وقد عرف التقرير الشباب بأنهم الشريحة التي تقع في الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاماً، وهى السن التي يكون فيها الشباب قادراً على المشاركة في العملية الانتخابية، وفى صنع القرارات الاجتماعية الهامة. لقد ألقى الشباب اللوم على المناخ الثقافي والسياسي الذي ساد خلال تلك الفترة والذي أدى إلى غياب المشاركة، والتي قوّضها غياب الممارسات الديمقراطية، وجهاز الأمن الذي كان لا يتسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة.
    وفي هذا الصدد تضمّنت الرسائل الأساسية التي وردت في تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2010 عن الشباب ما يلي :
      • أن الشباب هم أفضل فئة مرشحة للعمل كأطراف فاعلة للتغيير من أجل استعادة الأعراف الثقافية التقليدية المصرية المتعلقة بالتسامح واحترام الآخر. وهذا يتطلب إصلاح المناهج الدراسية لترسيخ القيم الأخلاقية وتنمية القدرة على حل المشاكل ومهارات ريادة الأعمال وثقافة الاختراع والابتكار.
      • ضرورة إيجاد قنوات تسمح بمشاركة الشباب في الحكم لضمان العودة إلى نظام إدارة الموارد البشرية القائم على الجدارة، والابتعاد عن الممارسات التي تستند إلى المحسوبية ومحاباة الأقارب والواسطة.
      • التعجيل بخلق فرص عمل للشباب، ويمكن أن يتم ذلك من خلال: (1) مساهمة الدولة في مدفوعات الضمان الاجتماعي للشباب كما أوصى بذلك تقرير التنمية البشرية لمصر عام 2005، (2) برنامج قومي للتشغيل في إطار زمني محدّد يستهدف تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ومؤشراتها والبرنامج القومي للألف قرية الأكثر فقراً، (3) دعم الدولة للهجرة المؤقتة (3 إلى 5 سنوات) وذلك في إطار شروط يتم التفاوض بشأنها في الدول المضيفة.
      • تنمية ريادة الأعمال وهو ما يحتاج إلى توفير بعض الأصول إلى جانب رأس المال البشرى. ويمكن تحقيق عدالة التوزيع وضمان المرتكزات الاقتصادية الجيدة من خلال تبنّى مشروع قومي مثل "أراضى المشروعات "الذي يتم بمقتضاه توزيع قطع أراض على الشباب في المناطق الجديدة لإقامة أنشطة ذات قيمة مضافة مثل المشروعات السياحية الصغيرة، والزراعة صديقة البيئة، والإسكان وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات،...الخ.
      • إجراء متابعة سنوية لمؤشر رفاهة الشباب (يشمل أكثر من 100 مؤشر فرعى عن الصحة والتعليم..الخ.) والذي أعد حديثًا (الفصل الخامس عشر من التقرير) حتى يمكن تقييم مستوى الحرمان الذي يعانيه الشباب ودرجة شدته بطريقة علمية. ويشمل هذا المؤشر بيانات عن الدخل والتوظيف والخدمات الاجتماعية ووقت الفراغ والأمن.
    تمكين المرأة ودعم مشاركتها في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية : يكفل الدستور المصري نفس الحقوق لكلٍ من الرجل والمرأة. إلا أن الثقافة السائدة تبدو أقل تسامحًا في فتح الباب أمام المرأة. وبصفة خاصة للدخول في سوق العمل والتوظيف، إذ تراجعت نسبة مشاركة النساء لتصل إلى أقل من 20%، بل أن المؤسسات السياسية والقضائية تبدي تحركًا بطيئًا نحو الأمام، وذلك على عكس المؤشرات الاجتماعية الأخرى، خاصة التعليم والصحة وبعض التشريعات على جبهة الأحوال الشخصية.
    وتعتبر أفضل طريقة للنساء كي يطالبن بحقهن في توسيع مشاركتهن السياسية والاقتصادية هي من خلال منظمات المجتمع المدني، كما يجب استغلال إمكانيات جمعيات تنمية المجتمع والجمعيات الأهلية لتحقيق المساواة بين الجنسين في القيادة. ونظرًا لما تتمتع به المرأة من ميزة نسبية في شؤون الأسرة والمجتمع، فإن العمل على مستوى جمعيات تنمية المجتمع يفيدها كثيرًا باعتبار ذلك ميدانًا للتدريب والتمكين السياسي في الدوائر المحلية. وعلاوة على ذلك، فإن كافة منظمات المجتمع المدني المولدة للدخل تعتبر - من الناحية الاقتصادية - معبرًا للنساء المستفيدات إلى عالم الأعمال وريادة المشروعات.
    1 – 3 تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية
    الصحة والتغذية : حققت مصر تقدمًا كبيرًا في تخفيض معدلات وفيات الأطفال من أكثر من 240 لكل 1000 مولود حي في عام 1967 إلى 28 لكل1000 مولود حي في 2008. وقد قام برنامج إصلاح النظام الصحي بعملية إعادة تنظيم لدمج بعض البرامج الرأسية في الأنشطة الرئيسية. ومع هذا، فإن تنفيذ برنامج صحة الأسرة على النطاق القومي، الذي يُعد حجر الزاوية في برنامج إصلاح النظام الصحي والذي يتم من خلاله تعميم نظام التأمين الصحي على جميع المصريين، مازال ينتظر الانتهاء من بعض التفاصيل الإدارية.
    أثر التلوث على الصحة: شهدت العقود الماضية أثر تدهور البيئة المتزايد على صحة المواطنين. وقد أدت سياسة التوسع في التصنيع، وتكثيف الإنتاج الزراعي الرأسي إلى زيادة عملية تصريف المخلفات الصناعية غير المعالجة في الطبيعة، وإلى زيادة كميات الأسمدة الكيماوية والمبيدات التي تجد طريقها إلى قنوات الصرف وشبكة الري، كما أدى التفريغ العشوائي وتصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في المجاري المائية إلى تفاقم التدهور البيئي. ومن المتوقع أن تتسبب المشاكل الأخرى، مثل ندرة المياه وتغير المناخ في جعل الصورة أكثر تعقيدًا. وهناك الملايين الذين يعيشون في العشوائيات تحت ظروف غير صحية، مع أدنى حد من خدمات البنية التحتية الأساسية أو حتى بدونها، وهذا من شأنه زيادة حجم المخاطر البيئية على الصحة.
    الأمراض المعدية: يشكل فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (ب)، وفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) تهديدًا صحيًا خطيرًا في مصر. وتواجه مصر وباء فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (سي)، حيث تكون معدلات الإصابة به أعلى منها في الدول المجاورة وفي الدول الأخرى في أنحاء العالم التي اتخذت إجراءات مماثلة للسيطرة على هذا الفيروس. وعلى المستوى القومي، تبلغ نسبة الإصابة بهذا الفيروس على أساس اختبار PCR-RNA 9.8% من إجمالي السكان. وهناك ما يدل على أن معدل انتشار وباء نقص المناعة البشري (الإيدز) تحول من معدل منخفض بين السكان عامة (أقل من 1%) إلى وباء مركز Concentrated بين بعض الجماعات (أكثر من 5%). وهناك مجالات تحتاج لمواجهتها بصورة عاجلة مثل: عدم كفاية المعلومات عن فيروس نقص المناعة البشري والإيدز، خاصة بين النساء والشباب. وتجدر الإشارة أيضاً إلى الأمراض المعدية الأخرى، فبعد أن تحسّنت معدلات الإصابة بمرض السل على مدى العقود الماضية، زادت معدلات الإصابة بهذا المرض نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، وارتفاع معدلات سوء التغذية. وعلاوة على ذلك، من الضروري أن تنتبه مصر لوباء أنفلونزا الطيور الذي أصبح متوطنًا في صناعة الدواجن، وهو بذلك يظل يمثل تهديدًا كبيراً لصحة الحيوان والإنسان، إلى جانب عواقبه الخطيرة على حياة وتغذية ملايين البشر.
    سوء التغذية: أدت الزيادة في أسعار الغذاء والوقود ووباء أنفلونزا الطيور، فضلاً عن حالة الفقر والبطالة الحالية إلى تقليل قدرة الأسر على التكيّف مع الدخل المحدود. وقد كشفت الأدلة العلمية الحديثة بشأن سوء التغذية أن الفترة من الحمل حتى 24 شهرًا من عمر الطفل هي فترة بالغة الأهمية، لأن هذه الفترة هي الأساس الذي يحدّد النتائج الصحية في حياة البالغين. وعليه، يتعيّن عمل مزيدٍ في هذا الصدد بالبناء على الإطار القانوني الذي نص عليه قانون الطفل والذي تم تحديثه مؤخراً (2008)، ويبدو من الصعب التغلب على الأزمة الحالية، وعلى تدهور الحالة الصحية للأطفال في الأسر المستضعفة بدون وجود برنامج للحماية الاجتماعية يستهدف الأسر المحتاجة. وقد اكتملت المرحلة التحضيرية من برنامج وزارة التضامن الاجتماعي للتحويلات النقدية المشروطة (الذي يغطي الصحة وتعليم الطفل من ضمن المزايا الأخرى)، ويجري حاليًا التطبيق الميداني في القاهرة والوجه القبلي. وتتزايد حالات سوء التغذية في مصر ـ خاصة بين الأطفال ـ كما أشار المسح السكاني والصحي لمصر لعام 2008.
    نظام جديد للتأمين الصحي الاجتماعي الشامل: لابد أن يحقق أي نظام مُقترح للتأمين الصحي الحماية المالية من خلال تجميع المخاطر والحماية من الأمراض الكارثية التي قد تدفع الناس إلى الدخول في دائرة الفقر. والمقترح هو التوجّه نحو تغطية كافة السكان (يغطي النظام الحالي 50% من السكان) في إطار قانون موحد يستهدف تحقيق العدالة في الحصول على قائمة طويلة من الخدمات الصحية الأساسية ذات جودة عالية. وتعمل الحكومة حاليًا على تنفيذ خطة من شأنها توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية الأساسية لجميع المواطنين، وقد بدأ تنفيذ برامج تجريبية في محافظات السويس وسوهاج والإسكندرية. وهناك خطة مرحلية مدتها 10 سنوات تنطوي على شراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير رعاية صحية أكثر شمولاً. وتلعب صناعة التأمين ككل دورًا هامًا في دعم هذا التحوّل في النظام. ويعتمد تمويل هذا النظام على مبدأ التكافل الذي يتطلب مساهمات ترتبط بمستوى الدخل تطبق على الذين يحصلون على دخل ثابت أو يمكن تقديره. 
    المياه والصرف الصحي وإدارة المخلفات الصلبة: خلال السنوات الخمس الماضية، استكملت الحكومة 1669 مشروعًا لخدمات المياه والصرف الصحي، تكلفت 50 مليار جنيه مصريًا والمخصّص معظمها للصرف الصحي. وبدءًا من عام 2009 بلغ إجمالي طاقة خدمات الصرف الصحي المطلوبة 21 مليون متر مكعب يوميًا بينما تبلغ طاقة خدمات الصرف الصحي الحالية 13.7 مليون متر مكعب يوميًا، بما يمثل 65% من الطاقة المطلوبة وكان من المقرّر زيادتها إلى 68% بحلول شهر يونيو 2010. ويتمثل التحدي الرئيسي في التوسّع في تغطية الصرف الصحي في الريف بحيث تصل نسبة التغطية إلى 100% من القرى. ولتمويل التغطية الكاملة للريف، فإن إجمالي المبلغ المطلوب يقدر بـ 60 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يتطلب الأمر تنفيذ ثلاث خطط خمسية للانتهاء من هذه المهمة.
    وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر المخلفات الصلبة واحدًا من أكبر القطاعات المسببة للتلوُث في مصر، كما أن الهيكل الإداري المنوط به إدارة هذه المخلفات معقد للغاية، ومفتّت ومتناثر بين عدد من الأجهزة الحكومية. ولهذا، هناك حاجة عاجلة لوضع استراتيجية جديدة وشاملة لإدارة المخلفات. وسوف تشمل هذه الاستراتيجية تقديم حوافز، ووضع برامج لإنشاء مصانع ذات جدوى اقتصادية ومالية للتدوير وإنتاج الكومبست، وتوليد الطاقة باستخدام المخلفات. ويمكن إعادة النظر في الإجراءات اللامركزية، وبرامج التوعية على مستوى المجتمع المحلي حتى يمكن تشجيع عملية فرز القمامة عند المصدر.
    1 – 4 الاستراتيجيات والبرامج والمشروعات المقترحة
    1. الاستراتيجية المتكاملة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة: تستوعب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة 85% من العمالة في القطاع الخاص غير الزراعي، و40% من إجمالي حجم العمالة، وأكثر من 80% من هذه المشروعات هي مشروعات غير رسمية وتتسم بانخفاض القيمة المضافة، وتدنّي نوعية الإنتاج وضعف قدرتها على التصدير وتواجه هذه المشروعات الكثير من المعوقات، منها صعوبة الوصول للتمويل الرسمي، وخدمات تنمية الأعمال، والأسواق، والمعلومات، والتكنولوجيا، والعمالة الماهرة، والمدخلات بأسعار معقولة.
      وكان من المقرّر أن تُنفذ الاستراتيجية القومية لتنمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بفاعلية ومن شأنها توسيع نطاق هذا  القطاع بنسبة 30% مما يعني زيادة فرص العمل بنحو 2.25 مليون فرصة عمل على مدى السنوات الخمس القادمة بمتوسط450.000 فرصة عمل سنويًا. ويتسم قطاع المنشآت الصغيرة بضآلة تكلفة رأس المال لفرصة العمل، ويقوم معظم رواد الأعمال الجدد بتمويل مشروعاتهم عند بدء تأسيسها من مواردهم الشخصية. ووفقًا للمسح العالمي لريادة الأعمال Entrepreneurship Monitor Survey (GEM) ، فإن الغالبية العظمى من المشروعات الوليدة والمبتدئة في مصر هي مشروعات صغيرة، كما أن 60% من رواد الأعمال المبتدئين في مصر يموّلون مشروعاتهم عند بدء تأسيسها بأقل من 50 ألف جنيه. ومن الضرورى الاهتمام بتفعيل هذه الاستراتيجية.
    1. التنمية الزراعية والريفية المستدامة، والأمن الغذائي : إن الارتباط بين التنمية البيئية والتنمية الزراعية والريفية المستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي، والحد من الفقر هو قضية محورية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن نحو 57% من إجمالي السكان يعيشون في المناطق الريفية التي يسود فيها الفقر. وعلى هذا، فإن دفع عجلة التنمية الزراعية والريفية المستدامة قُدُما، كوسيلة للحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي، يعدّ شرطا أساسيًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، ومن ثم يجب اعتبارها أولوية اجتماعية وسياسية. والزراعة في مصر لا تعد أسلوبًا للحياة، وقطاع ذا أهمية بالغة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فحسب، ولكنها أيضًا قاطرة للنمو إذا حظيت بالاهتمام الواجب.
      وثمة ارتباط وثيق بين النمو الاقتصادي والحد من الجوع والفقر، كما أن ثمة صلة وثيقة بين الفقر وانعدام الأمن الغذائي، حيث إن معظم الفقراء إما أنهم يعانون من نقص التغذية، أو يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وتنفق الأسر منخفضة الدخل جزءًا كبيرًا من دخلها على شراء الطعام، وهم معرضون بصفة خاصة لمخاطر التقلبات في أسعار الغذاء أو ندرته، كما أن ما يقرب من70% من الفقراء، أو الذين يفتقدون الأمن الغذائي، يعيشون في المناطق الريفية. ويعتمد السواد الأعظم من هؤلاء الناس، إلى حد كبير، على الزراعة للحصول على المنتجات الغذائية (المنتجة محليًا) ولتحقيق الدخل. ويبدأ التنوع الاقتصادي على مستوى الأسر الريفية التي تعمل بالزراعة، وتدعم التنمية الزراعية وغير الزراعية بعضهما البعض.
      1. - استكمال ودعم مشروع الألف قرية : حدّدت الخرائط الجغرافية للفقر الألف قرية الأكثر فقرًا في مصر، وأظهرت أن أكثر من خمسين في المائة من الأسر الموجودة في هذه القرى تعيش تحت خط الفقر القومي، كما أن هذه القرى محرومة من البنية التحتية والخدمات الأساسية.
      وتشتمل الخطة الرئيسية المتكاملة المقترحة في هذا الصدد على تزويد هذه القرى بالمياه، (أو تحسين نوعيتها)، ومرافق الصرف الصحي، والطرق، والمدارس، والمرافق الصحية، والخدمات، والبرامج الاجتماعية، والتدريب على مهارات التنمية، والقروض متناهية الصغر، والاستثمارات من جانب صناعات وشركات القطاع الخاص.
      ومع هذا، فإنه على امتداد عامين تقريبًا تضمنت المرحلة الأولى مائة وخمسين قرية فقط تم فيها مد الطرق إليها، وتحسين البنية التحتية فيها، أما باقي التدخلات الممكنة فلم تتبلور بعد. 

      القسم الثانى: التعليم الركيزة الأولى للتنمية
      2 - 1 منظومة التعليم في مصر
      تُعاني منظومة التعليم في مصر من مشكلات عديدة تتمثل في مُدخلاتها ومكوّناتها الجزئية، كما أن المجتمع يُعاني من الآثار المترتبة على منتجاتها.
      وتتمثل مشكلات مُدخلات المنظومة التعليمية في التالي:
      1. عدم وجود تخطيط استراتيجي طويل المدى على المستوى الوطني.
      2. عدم وجود خطط زمنية تتسق مع الخطط الوطنية والكلية للتنمية.
      3. الخطط المُقترحة من خلال الوزارات تتغيّر بتغيّر الوزراء وهي غير ملزمة لأي طرف في الدولة بما فيها الحكومة نفسها حيث أنها لا تصدر بقوانين. ولذلك، فإن الخطط القطاعية تتعاقب للقطع الواحد بما يحمل عوامل تناقضها ولا يتم استكمال تنفيذ أي منها.
      4. ليس هناك تحديث منتظمة لأساليب الإدارة والتي تتميّز بالمركزية المفرطة، سواء في مرحلة ما قبل الجامعي أو ما بعدها.
      5. ليس هناك تحديث منتظم لتشريعات التعليم لتواكب التغيّرات العالمية والتحوّلات الاجتماعية.
      6. التمويل في معظمه حكومي وموارده قاصرة عن تلبية احتياجات المنظومة النامية حجماً والواجب تطويرها نوعاً  ونوعية وجودة.
      7. مُخرجات المراحل المتعاقبة من منظومة التعليم لا تفي بالمتطلبات الأساسيةكماً  وجودة للمراحل اللاحقة لها. ويتضّح هذا جليّاً في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية ثم الثانوية ثم التعليم العالي.
      8. مساهمات المجتمع المدني في مُدخلات المنظومة التعليمة تتسم بالضعف الشديد نظراً لعدم إشراك المجتمع المدني في التخطيط للتعليم أو إدارته أو إصلاحه. لذلك، فلقد تحول التعليم بالنسبة للمجتمع المدني إلى وسيلة للحصول على شهادة تؤهل للحياة المهنية أو الاجتماعية، كما أن التعليم الخاص في جميع مراحل التعليم قد صار واحداً من مجالات الاستثمار المربحة.
      9. مُدخلات المنظومة المتصلة بمواكبة التحديث الجاري على المستوى العالمي ضعيفة جداً وتقتصر على بعض تقارير المتابعة والتقويم بالمشاركة مع عددٍ من المؤسسات الدولية أو المشروعات المشتركة التي تنتهي بانتهاء جدولها الزمني ومن النادر أن تترك أثراً يُذكر في تغيير المنظومة أو إصلاحها.
      أما الهيكل المكوّن لمنظومة التعليم في مصر بمكوناته المتشابكة، فإنه يُعاني من المشكلات التالية:
      1. يتسم الهيكل التعليمي بالجمود والتصلب وعدم المرونة، سواء في الحركة داخله وبين مراحله أو في الحِراك بينه وبين المجتمع وبيئة العمل.
      2. تتعدّد مؤسسات التعليم في مراحل التعليم قبل الجامعي من مدارس دولية، ومدارس لغات، ومدارس خاصة، ومدارس دينية ومعاهد أزهرية، ومدارس حكومية بأنواعها المختلفة. ويتكرّر نفس الأمر على مستوى التعليم العالي حيث توجد الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة والتي يحمل بعضها اسماء دول أجنبية إضافة إلى المعاهد المتوسطة العليا الحكومية والخاصة. ورغم ما قد يبدو في هذه التعددية من تنوّع يوحي بثراء المنظومة التعليمية، فإن هذا قد لا يكون صحيحاً نظراً للاتجاهات التعليمية المختلفة في هذه المؤسسات والتي لا يمكن بوضعها الحالي أن تُنتج فكراً جمعياً للمجتمع المصري المعروف بتماسكه الفكري والاجتماعي على مدى تاريخ أقدم دولة في العالم.
      3. البنية التحتية الأساسية، وخاصة في مؤسسات التعليم الحكومي وعلى جميع مستويات التعليم ومراحله المختلفة  صارت تنوء بأعباء عددية من الطلاب تتعدى طاقة الحمل الممكنة لها في معظم الأحوال إن لم يكن في جميعها. ويتمثل هذا في التكدّس الشديد في الفصول والمُدرجات الجامعية، إضافة إلى القصور المعيب في المعامل والمكتبات والمساحات المتاحة للأنشطة.
      4. يعاني المعلمون بالمدارس الحكومية وكذلك أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية من الإهمال وعدم الرعاية سواء التكوينية أو التدريبية أو المعنوي أو الصحية أو المادية والمتمثلة في دخولهم المادية المتدنّية. ولقد أدى هذا إلى عدم التفرّغ لعملهم الأصلي واللجوء إلى أعمال أخرى كسباً للعيش بما فيها الدروس الخصوصية. وهو ما يؤثر بالسلب على معيشتهم وعلى مستواهم العلمي وروحهم المعنوية، وبما انعكس سلباً على نوعية التعليم والبحثية.
      5. قصور وجمود المناهج والوسائل التعليمية، وخاصة في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي. أما في مرحلة التعليم العالي، فمازال هناك في الجامعة ما يُعرف "بالكتاب الجامعي "وهو ما يُخالف الأعراف العالمية.
      6. أدى التوزيع الجغرافي غير المتسق للمؤسسات التعليمية إلى تركيز الخدمات التعليمية في المدن الكبرى – وخاصة منطقة القاهرة الكبرى – بينما ظلت هناك أماكن أخرى تُعاني من الحرمان أو القصور في توافر الخدمات التعليمية.
      لقد أدت المشكلات التي تتعرّض لها منظومة التعليم في مصر، سواء في مُدخلاتها أو في تكوينها الهيكلي وعلاقته التشابكية، إلى النتائج التي يُعاني منها ليس فقط الاقتصاد الوطني بل المجتمع المصري بأسره. فخريجو مراحل التعليم المختلفة هم في معظم الأحوال ليسوا مؤهلين بما فيه الكفاية للالتحاق بالمراحل اللاحقة. وخريجو المراحل النهائية في التعليم الفني والعالي لا يلبوا حاجة الاقتصاد الوطني وخططه التنموية كماً وكيفاً.
      والآن علينا أن نتناول مشاكل المنظومة التعليمة في مصر بدءاً من محو الأمية إلى التعليم العالي في محاولة لرسم خطوط عريضة لاستراتيجيات وسياسات للإصلاح.
      2 – 2 نحو استراتيجية لتعليم الكبار ومواجهة الأمية في مصر(*)
      مقدمة
      تعتبر مشكلة الأمية في مصر من أخطر العقبات التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بها، وهي مظهر من مظاهر التخلف العلمي والتربوي. ويشير التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2011م الصادر عن منظمة اليونسكو عام 2011 أن عدد الأميين الكبار في مصر(15 سنة فما فوق) قد وصل إلى 17.8 مليون أمي، وأن نسبة القرائية (من يستطيعون القراءة والكتابة بالعربية) تمثل 66% وهي نسبة منخفضة مقارنة بالعديد من الدول العربية.
      وبالرغم من الجهود التي بذلت من الدولة لمحو الأمية إلا أن الملايين من الأفراد أطفال وكبار مازالوا لا يتمتعون بمزايا التعليم ويعيشون - فضلاً عن ذلك - في حالة فقر مدقع، حيث أن معدلات محو الأمية مازالت دون تحقيق المستهدف ولا تتزايد بالسرعة الكافية وذلك وفقاً للتوقعات المستقبلية التي أشار إليها التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع (2008).
      وتتولى الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار – كهيئة مستقلة أنشئت عام 1993 وفقاً للقانون 8 لسنة 1991 – مسئولية التخطيط لبرامج محو الأمية ومتابعة تنفيذها والتنسيق بين الجهات المعنية. وعلى الرغم الجهود المبذولة لمحو الأمية فأن المردود النهائي مازال دون المستوى المنشود، ومازالت نسبة الأمية، في مصر تتزايد مع تزايد عدد السكان. ولقد أدى عدم وجود التزام وإرادة سياسية ومجتمعية للقضاء على مشكلة الأمية، بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة الرسوب ونسب التسرّب وعدم القدرة على الاستيعاب الكامل للملزمين بالتعليم الابتدائي وغيرها من الأسباب التي أدت إلى عجز الدولة والمجتمع عن القضاء على مشكلة الأمية في مصر. ومن هنا، ظهرت الحاجة إلى إستراتيجية متكاملة للقضاء على مشكلة الأمية في مصر.
      واقع مشكلة الأمية في مصر وأسبابها:
            من أهم الأسباب التي تزيد من مشكلة محو الأمية في مصر ما يلي:
      1. التزام وإرادة سياسية غير كافية لإدراج محو الأمية على جدول الأعمال الوطني، داخل قطاع التعليم وخارجه.
      2. قدرات وطنية ضئيلة، لا سيما بين العاملين في مجال محو الأمية.
      3. عدم توافر قاعدة بيانات دقيقة عن أعداد الأميين وأماكن تواجدهم بالإضافة إلى دراسات حالة لواقعهم.
      4. ارتفاع معدلات الفاقد وضعف الكفاءة الداخلية لنظام التعليم ومن أهم أسباب الفاقد الحالة الاقتصادية للأسرة وظروف المدرسة من مسافات وأبنية وتجهيزات وطرق تدريسية واقتناع بجدوى التعليم في الحياة.
      5. ارتفاع نسبة التسرّب في المدارس الابتدائية نتيجة لضعف النظام التعليم، بالإضافة إلى جذب سوق العمل للأطفال بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية لأسر التلاميذ، وهو ما يؤدي إلى تسرّب أعداد كبيرة من التلاميذ من الصفوف الأولى (ما دون الصف الرابع) أي قبل أن يتقنوا المهارات الأساسية للتعليم.
      6. عدم عدالة توزيع الخدمات التعليمية، وخاصة في المناطق الريفية، وتفاوت المستويات الاقتصادية والاجتماعية بين الريف والحضر. ويلاحظ أن 32.2% من الأميين يعيشون في المناطق الحضرية، أما الباقي فيعيشون في القرى المصرية وتوابعها من عزب وكفور ونجوع.
      7. سادت بعض العادات و التقاليد التي تحرم الإناث من التعليم لعدم توافر الوعي الكافي بين فئات السكان وخاصة غير المتعلمين من الآباء بأهمية تعليم الإناث، ويلاحظ أن ثلاث أرباع النساء الريفيات أميات.
      8. قصور المدارس وعدم قدرتها على الاستيعاب الكامل للملزمين إضافة إلى ضعف بنية النظام التعليمي وعجزه عن استيعاب جميع من هم في سن الإلزام، إذ لم تتعد نسب الاستيعاب 85%. وترجع ضخامة عدد الأميين في مصر إلى تعدّد منابع الأمية وتباين مصادرها، فالمؤسسات التعليمية القائمة في مراحل التعليم الأساسي عاجزة عن ملاحقة الزيادة السكانية السنوية من أطفال في سن الإلزام مما يحرم المجتمع من تحقيق الاستيعاب الكامل. ورغم ضخامة الجهود التي تبذل في هذا المجال وهو زيادة أعداد الأبنية التعليمية إلا أن هذه الزيادة كانت دون المستوى المطلوب. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كثافة الفصول وتعدّد الفترات الدراسية. وانخفاض معدل إنشاء المدارس عن معدل النمو إلى قلة الموارد المتاحة لبنائها بما يتناسب مع الأعداد المتزايدة من السكان، كما تبلغ نسبة الأبنية غير الصالحة أكثر من 10%، كما أن أكثر من 40% من الأبنية تستخدم لفترتين وتستخدم أحياناً لفصول الخدمات.
      9. عدم وجود قواعد وضوابط لردع المتخلفين عن الالتحاق بالمدارس الابتدائية.
      10. سوء التخطيط وضعف حملات وجهود محو الأمية، وعدم المشاركة الشعبية والرسمية وعدم وظيفية البرامج وربطها بالتدريب المهني والعمل المنتج، كما أن معظم المشروعات سطحية لم تنفذ إلى جوهر المشكلة، كما أنها لم تصل إلى أكبر قطاع يعاني من هذه المشكلة (المرأة الريفية والعمال الزراعيين) بالإضافة إلى عدم توافر حافز لدى المستفيدين (الأميين) للانتظام بالدراسة.
      11. اختزال تعليم الكبار في تعليم مبادئ القراءة والكتابة والحساب دون ربط ذلك ببرامج تنموية.
      12. عدم وجود آليات ومؤشرات للرصد والمتابعة مما يؤثر على جودة البرامج.
      13. عدم وجود برامج تدريبية ودبلومات مهنية لإعداد معلم تعليم الكبار.
      وفي ضوء عرض الأسباب التي أدت إلى تفاقم مشكلات الأمية في مصر وعدم وجود حلول فعالة لها حتى الآن، ينبغي تبنّي إستراتيجية تربوية لمواجهتها، والتي تتمثل في الآليات التالية:
      1. وجود الإرادة السياسية والاجتماعية، إذ أن مشكلة الأمية تعتبر مشكلة اجتماعية واقتصادية وسياسية وتربوية معاً. ولذلك، لابد أن يتم التعامل معها على أساس أنها مشكلة وطنية ذات تأثير قوي وسلبي على معدلات التنمية كماً وكيفاً.
      2. ترجمة الالتزام السياسي إلى خطة عمل متكاملة مبرمجة وإعداد الجداول التنفيذية لها ورصد الاعتمادات المالية وتوفير الإمكانات البشرية للتنفيذ.
      3. توفير القاعدة البيانية السليمة عن أعداد الأميين في مواقع العمل المختلفة وأنشطة العمل التي يقومون بها، وفرص العمل المتاحة بعد التدريب المهني.
      4. التأكيد على الجوانب الكيفية في العملية التعليمية لزيادة كفاءة النظام التعليمي ورفع مستوى العملية التعليمية فليس الهدف من إتاحة الفرص التعليمية في التربية الأساسية هو مجرد توفير الأماكن في المدارس، بل لابد من تقويم برامج تعليمية على درجة عالية من الكفاءة والجودة وليس الهدف أيضاً من التربية الأساسية مجرد تعليم القراءة والكتابة، ولكن الاحتفاظ بمهارات التعليم الأساسي لمدة أطول واستدعائها في وقت أقل، وتوظيفها في مجالات العمل والإنتاج. ولابد أن يتعلم التلاميذ كيف يتعلمون بأنفسهم وكيف يستمرون في التعليم استمرار الحياة نفسها. كل ذلك يعني التنبيه بالاهتمام بقضايا المناهج والوسائل والطرق ومستويات المحكمين وأدوات القياس والتقويم.
      5. أن برامج  محو الأمية يجب أن تكون متعدّدة الوسائل، كما يقتضي ذلك تعديلاً جوهرياً في طرق التدريس والبُعد عن التلقين والسرد والتدريس المباشر والتحوّل إلى التدريس غير المباشر، واستخدام استراتيجيات المناقشة لحفز الدارس على المشاركة، ومن ثم، الإحساس بأهمية ما يدرس وزيادة فعاليته نحو التعلم.
      6. ضرورة أن تسير برامج محو الأمية - جنباً إلى جانب - مع برامج التدريب المهني، وذلك حتى يرى الدارس وظيفته المعرفية ويدرك العلاقة بين التعليم والتشغيل.
      7. الاهتمام بتدريب معلّمي المرحلة الابتدائية ومحو الأمية والعمل على حل مشاكلهم لتشجيعهم وزيادة إنتاجياتهم.
      8. الاهتمام بالمحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة والتي ترتفع فيها نسب الأمية، بخاصة في الفئة العمرية المنتجة وكذلك محافظات الصعيد.
      9. تطوير برامج التعليم الابتدائي ومحو الأمية وتعليم الكبار بما يتمشى مع متطلبات الخطة القومية للتنمية واحتياجات سوق العمل ومع الظروف البيئية التي يعشون فيها.
      10. تنوع برامج ومناهج محو الأمية بتنوّع البيئات المختلفة وتنوّع الدارسين من حيث السن والجنس والثقافة.
      11. التنسيق بين منظمات المجتمع المدني التي تقوم بجهود لمحو الأمية في حملة وطنية واحدة.
      12. تقديم حزمة متكاملة من برامج تعليم الكبار، بالإضافة إلى برامج محو الأمية (برامج التوعية الحياتية والصحية والسياسية والبيئية).
      13. حصر احتياجات الدارسين التعليمية وإعداد خريطة لهذه الاحتياجات ومراعاة ذلك عند التخطيط لبرامج محو الأمية وتعليم الكبار.
      14. توفير بيئات تعليمية أمنة وصحية تضمن الحماية من الإيذاء والعنف والتمييز وتعزيز قيم الاحترام والتسامح وفهم الأخريين.
      2 – 3  نحو صياغة جديدة لسياسة التعليم قبل الجامعي في مصر(*)
      ونحن نتطلع إلى صياغة جديدة لسياسة التعليم قبل الجامعي في مصر، فعلينا أن نستجمع رصيد الخبرة المجتمعية، وكذا نتائج الخبرات الحديثة في عملية صنع السياسات التعليمية، والمبادئ والقيم والثوابت التي أصبحت مستقرة في توجيه السياسة التعليمية كمفاهيم: الديمقراطية، وتكافؤ الفرص، والتعليم للجميع، والتعليم من أجل التنمية، والتعليم لبناء مجتمع معرفي، والتعليم للجودة والتميز, وغيرها.
      ومع تزايد الرغبة المجتمعية في توفير تعليم راق النوعية للانسان المصري، بات من الضروري إصلاح مواطن الخلل والبدء باصلاح عملية صنع السياسة التعليمية، والتي هي بمثابة "بوصلة التوجيه "للنظام التعليمي، وضرورة أن تتوفر لهذه العملية المقوّمات والظروف التي تجعلها تضطلع بوظائفها المنوطة بها، وفي المقدّمة من ذلك اتباع منهج علمي رصين، وتوفير الاطار المؤسسي المستند إلى معايير العلمية والتشاركية كإطار يوجه انتاج السياسة التعليمية المرجوة.
      وتتحدّد أهداف عملية اشتقاق المستويات المعيارية للسياسة التعليمية، في الآتي:
        1. اتساق السياسة التعليمية ومفاهيم الجودة, فقد تبيّن أن تحقيق الجودة فى التعليم لا يتم بمعزل عن السياسة التعليمية المتصفة بالجودة. لذلك، فإن وجود سياسة تعليمية تطبق الجودة فى عمليتى صنعها وتنفيذها يسهل تحقيق جودة التعليم.
        3. التقريب بين الطموحات العامة والأهداف الاستراتيجية التى تضعها السياسة التعليمية، والأداء التعليمى الفعلي والمقيد بالواقع اليومي، وما يحمله من مشكلات إدارية وثقافية وحياتية, وموارد محدودة يمكن استخلاصها من تحليل عناصر الفجوة المتزايدة بين ما طرح من سياسات طموحة طوال المراحل السابقة، وحجم الإنجاز المتواضع الذي تحقق منها فى الواقع, الأمر الذى أهدر الكثير من الجهد والموارد، وأصاب ثقة المجتمع فى النظام التعليمى.
        4. ضمان استمرارية وتواصل السياسة التعليمية؛ كونها مرتبطة بعجلة الجودة التى تمثل الآن قناعة وتوافق ومدخل وحيد لقيام التعليم بدوره في المجتمع المعاصر.
      والخلاصة أن المعايير تساعد على ضبط الأداء التعليمى والتربوى, وتجعله يسير على وقع متطلبات الجودة التعليمية.
      نحو سياسة جديدة للتعليم قبل الجامعي في مصر
      الموجّهات الفكرية
      ونحن بصدد رؤية جديدة لعملية صنع السياسة التعليمية في مصر، فمن اللازم الركون إلى مرجعية فكرية يمكن اعتبارها بمثابة محرّك للتفكير في عملية صنع السياسة التعليمية. ويتبعها بالضرورة مرحلة التطبيق والآليات والاجراءات التي تتبعها. وعلى ذلك تتضمّن الرؤية جانبين رئيسيين:
      • الجانب الأول: "وضع السياسة التعليمية "، وتختص بهذا الجانب "اللجنة العليا لوضع السياسة التعليمية"، وهي لجنة تضم صفوة من العقول والخبراء التربويين وغير التربويين ممن لهم صلة بالنظام التعليمي في التخصّصات المختلفة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والفكر والأدب والفن والاعلام والدعوة الدينية، وذلك في إطار من العلمية والتشاركية والنظرة المستقبلية. وتتسق هذه المرحلة مع مفاهيم السياسة التعليمية المستقرة في الأدبيات المتخصّصة ومع خبرات معاصرة حققت تقدّماً في مجال صنع السياسة التعليمية.
      ويفترض أن مرحلة وضع السياسة التعليمية تحظي بتأييد سياسي ومؤازرة مجتمعية واسعة، وذلك لاكساب عمل اللجنة المتخصّصة الشرعية والقبول المجتمعي والتربوي. وهذه اللجنة يستند عملها علي مجموعة من المنطلقات والأسس والمعايير التي ترشد عملها، كما تضع لنفسها موجّهات لعملها: الرؤية والرسالة، الأهداف الاستراتيجية، كما تقترح مجموعة البرامج التي تطبّق في واقع النظام التعليمي.
      1. رؤية ورسالة اللجنة العليا لسياسة التعليم قبل الجامعي
      يكون التعليم في مصر نظاماً رائداً في المنطقة، يعمل على إعداد المواطنين لمجتمع المعرفة والتنافس في القرن الحادي والعشرين ".
      وتتحدّد رسالة هذه اللجنة كما يلي:
      "تصوغ اللجنة العليا لسياسة التعليم قبل الجامعي سياسة تعليمية تسعي إلى تقديم تعليم للجميع يطبق معايير الجودة النوعية ويُخرج أفراد قادرين على المشاركة بفاعلية مصر تحقيق الأهداف التنموية، وبناء مجتمع معرفي، وتعزيز الأمن القومي للمجتمع ".
      ويتضح تحقيق هذه الرسالة من خلال مجموعة الأهداف الاستراتيجية الآتية:
      • زيادة التلاحم والتفاعل بين النظام التعليمي كنسق مجتمعي فرعي – وبين الانظمة المجتمعية الاخري، وذلك من أجل خدمة أغراض التنمية الشاملة وتحقيق التنمية المستدامه للمجتمع المصري.
      • الارتقاء بالمستوي المهني والمهاري لجميع العاملين في قطاع التعليم، ورفع مستوي الأداء والانجاز بما يؤدي إلى رفع معدلات الكفاءة الداخلية/ والخارجية في النظام التعليمي,
      • التحسين المستمر لعناصر الجودة النوعية في النظام التعليمي من خلال الاهتمام بمدخلاته وعملياته، وذلك لتخريج أجيال من المبدعين القادرين على الابداع والابتكار وبناء مجتمع معرفي.
      • تعظيم مساهمة النظام التعليمي في التطوير المعرفي، والنمو الثقافي والحضاري والتقدم التكنولوجي حتي يتمكن المجتمع من تحقيق المنافسة في القرن الحادي والعشرين.
      • تعظيم فكرة المشاركة المجتمعية في التعليم تحقيقا لمبدأ التعليم حق للجميع، وأن التعليم هو شأن مجتمعي، وقضية أمن قومي.
      • تبنّي مفهوم اعادة هيكلة المراحل التعليمية من أجل تحقيق التكامل بين: العام والفني والتقني، ومن شأن هذا التكامل أن يحقق الارتقاء بمستوي الموارد البشرية في المجتمع.
      • الجانب الثاني: "تطبيق السياسة التعليمية "، ويختص بها "المجلس التنفيذي لسياسة التعليم قبل الجامعي". ولقد وضح من نتائج الدراسة المرجعية الراهنة ضرورة اعتماد مفهوم "المأسسة "في عملية صنع السياسة التعليمية وتخصيص كيان مؤسسي جديد يضطلع بتطبيق السياسة التعليمية، والذي تتحدّد أهدافه ومسئولياته وتشكيله بقرار من رئيس الجمهورية. وهذا المجلس له شخصيته الاعتبارية واستقلاله بعيداً عن سلطات وزارة التعليم مع الإقرار بعلاقته التشاركية مع الوزارة وغيرها من جهات تطبيق السياسة التعليمية.
      ومن المقترح أن يضطلع المجلس التنفيذي بالوظائف الآتية:
      1. تخطيط برامج ومشروعات السياسة التعليمية.
      2. متابعة تطبيق البرامج التعليمية.
      3. قياس وتقويم الأداء التعليمي.
      آليات وضع وتطبيق ومتابعة وتقويم السياسة التعليمية
      مأسسة السياسة التعليمية
      يُقصد بمأسسة السياسة التعليمية عملية بناء السياسة التعليمية وفق إطار مؤسسى وتشريعى يتفق مع دستور الدولة وتشريعاتها بما يحقق صلاحية تطبيقها.
      أولاً: وضع السياسة التعليمية وإقرارها وإصدارها بقانون:
      • تشكل لجنة عليا لاقتراح السياسة التعليمية.
        1. يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتشكيل اللجنة العليا المعنية باقتراح السياسة التعليمية طبقاً لصلاحياته المنصوص عليها في الدستور.
        2. يُحدّد قرار التشكيل فترة العمل بالسياسة التى تقترحها اللجنة بما لا يتجاوز عشر سنوات.
        3. يشير قرار تشكيل اللجنة إلى التزام كافة جهات الدولة بدعم عملها، وتقديم كافة المعلومات والتسهيلات المطلوبة لإنجاز عملها.
      • تكون للجنة شخصيتها الاعتبارية وصلاحياتها المحدّدة.
        1. تكون للجنة شخصيتها الاعتبارية واستقلاها الإداري، وتقوم بتقديم تقريرها إلى رئيس مجلس الوزراء عن طريق وزير التربية والتعليم.
        2. توجد معايير محدّدة لاختيار أعضاء اللجنة العليا.
           1. يتم اختيار أعضاء اللجنة من المفكرين والعلماء والمثقفين والمتخصّصين.
           2. يتم اختيار قيادات وأعضاء اللجنة فى ضوء معايير واضحة ومحددة.
           3. تراعي وثيقة السياسة التعليمية المعايير الوطنية والعالمية فى محتواها.
        تحدّد وثيقة السياسة التعليمية أهم معالم السياسة التعليمية.
        1. تُعرّف الوثيقة ماهية السياسة التعليمية وتحدد أهدافها.
        2. تُوجّه الوثيقة إلى استراتيجيات وخطط وبرامج التنفيذ.
        3.تُحدّد الوثيقة التوقعات الكمية والكيفية لمردود السياسة التعليمية المقترحة وآليات قياسها في ضوء دراسات مرجعية.
        4. يضمن أسلوب عمل اللجنة تحقيق المشاركة المجتمعية خلال صنع السياسة التعليمية 
      • تصدر وثيقة السياسة التعليمية بقانون من مجلس الشعب يعطيها صفة الإلزام.
      ثانياً: متابعة تطبيق وتقويم السياسة التعليمية:
      إنشاء المجلس التنفيذي لسياسة التعليم قبل الجامعي
      تستخدم التغذية الراجعة من عملية تقويم المردود التعليمى فى تحسين إجراءات وآليات السياسة التعليمية.
      وهي الاجراءات المتعلقة بتفعيل وظائف المجلس التنفيذي للسياسة التعليمية، وتشمل الآتي:
        • تشكيل المجلس التنفيذي لسياسة التعليم قبل الجامعي باستصدار القرار الجمهوري الخاص به، ويلي ذلك تشكيل وحداته الأساسية.
        • اعتماد مجموعة المعايير والأهداف الاستراتيجية للسياسة التعليمية وفق أفق زمني محدد للسياسة (حتي 2022م).
        • اجراء المشاورات والدراسات التمهيدية وتحديد القوي المجتمعية وممثليها ممن يشاركون في وضع الأهداف واقتراح القرارات والبرامج المتضمّنة في السياسة التعليمية.
        • تحديد أوجه الاستفاده من الخبرات الدولية للمنظمات التربوية، ومنظمات إعداد المعلم، والجهات المانحة.
        • تحليل الوضع الراهن للتعليم قبل الجامعي للوقوف على أهم أولويات الخطة الاسترايتجية للتعليم وذلك باستخدام نموذج التحليل والتوقع Analysis and Projection Model (ANPRO).
        • إعداد بيانات التكلفة والتمويل لبرامج الخطة الاستراتيجية.
        • تحديد وتصميم البرامج ذات الأولوية ونظم المتابعة والتقويم لها في داخل كل مرحلة تعليمية.
        • تحديد أساليب قياس الأداء التعليمي والاداري والقيادي ونظم المحاسبية وتقويم الآداء لكل مرحلة في ضوء معايير وأهداف السياسة التعليمية.
        • اجراء مراجعة للسياسة التعليمية في ضوء أهدافها ومعاييرها شاملة مدخلات السياسة وأهدافها ومشكلات التطبيق.
        • تفعيل دور البحوث العلمية المتعلقة بتحليل وتقويم السياسة التعليمية من خلال مراكز البحث التربوي وكليات التربية بالاشتراك مع وحدة القياس والتقويم بالمجلس التنفيذي لسياسة التعليم.
      2 – 4 نحو استراتيجية قومية للتعليم الفني في مصر(*)
      مقدّمة:
      التعليم الفني هو أحد أسس التنمية في أي دولة، فخرّيجوه يمثلون الكم الأكبر من القوى العاملة الماهرة في قطاعات الإنتاج المختلفة سواء أكانت صناعية أم زراعية، أم خدمية أم إدارية، وحيث أن مصر تتبنّى برنامجاً طموحاً للتنمية، فإن توفير القوى العاملة يُعتبر المطلب الأول لتحقيق هذا البرنامج.
      وتواجه مصر في الوقت الحالي مشكلة حقيقية تجاه تحقيق متطلبات سوق العمل من العمالة الفنية الماهرة اللازمة لسد احتياجات السوق في مجالات الإنتاج المختلفة، سواء للاستهلاك المحلي أو التصدير. وكذلك، فإن أسواق العمل المحيطة بمصر عربياً وأفريقياً ومتوسطياً وأوروبياً ترحب بالعمالة الماهرة من مصر.
      ولكن واقع التعليم الفني بحالته الراهنة يعجز عن مواجهة المطلوب منه لأسباب بعضها خارجي لايتعلق بالتعليم الفني نفسه، وبعضها الآخر يُعزى إلى منظومة التعليم الفني ذاته. ولقد صدر خلال العقود الأخيرة عديد من التقارير من المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا وكذلك عديد من المخططات والاستراتيجيات من وزارة التربية والتعليم، وتهدف جميع هذه الدراسات والاستراتيجيات إلى رسم خريطة طريق للنهوض بالتعليم الفني في مصر ليكن قادراً على مواجهة المطلوب منه، ولكن ما تحقق حتى الآن لا يُلبي الطموحات المأمولة بل أنه لا يُلبي بشكل أساسي المطالب الرئيسية من التعليم الفني تجاه دوره في مد سوق العمل باحتياجاته من العمالة الماهرة كماً وكيفاً.
      والهدف هنا هو إلقاء الضوء على الأوضاع الراهنة للتعليم الفني وتحليلها، وكذلك بحث العوامل الأساسية التي يمكن من خلالها التوصل إلى استراتيجية قومية واقعية للتعليم الفني في مصر يمكن تحقيقها في ظل الظروف الراهنة والمتوقعة ليتمكن التعليم الفني من أن ينهض بدوره المنشود في خطط التنمية الوطنية.
      الوضع الراهن للتعليم الفني في مصر:
      تتحمّل وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي مسئولية التعليم الفني في مصر بمستوياته المختلفة. ويعتبر التدريب المهني متمماً ومكمّلاً للتعليم الفني وهناك 26 وزارة وجهة في مصر يتبعها 1200 مركز للتدريب المهني في مصر. ويبلغ عدد طلبة التعليم الفني في مصر حوالي 1.4 مليون طالب يمثلون أكثر من 60% من مجموع المطلوب في مرحلة ما بعد الإعدادية، وهو ما يمثل الكم الأكبر من الشباب الدارسين في هذه المرحلة العمرية.
      ويشكّل عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الصناعي والتجارية والزراعي حوالي 59% و31% و10% على التوالي من مُجمل الطلاب الملتحقين بالتعليم الفني.
      بعض نقاط القوة والإيجابيات في التعليم الفني:
      لا يمكن وصف التعليم الفني بأنه في حالة انهيار أو أنه غير قابل للإصلاح. فالتعليم الفني يمتلك العديد من نقاط القوة والإيجابيات التي يمكن أن تكمن قاعدة لانطلاق تطويره. ويتمثل ذلك فيما يلي:
        (أ)  التقاء رغبة الحكومة مع الشعب وقطاع الأعمال على ضرورة تطوير التعليم الفني بشكل خاص.
        (ب)  تتطلب التنمية توفير القوى البشرية اللازمة لسوق العمل داخلياً إضافة إلى أسواق العمل الخارجية.
        (جـ) إن العديد من مشروعات التطوير قد لاقى نجاحات جزئية قد تَعد بنجاحات مماثلة إذا تم التطوير على المستوى الكلي.
        (د)  المعدات والأجهزة الحديثة والتي تم تزويد العديد من المدارس الفنية بها خلال السنوات الأخيرة يمكن أن تستخدم بفاعلية في رفع مستوى تدريب الطلاب.
        (هـ)  نجاح مشروعات تحويل بعض المدارس إلى وحدات إنتاجية عن طريق مشروع "رأس المال "يُعطي أملاً في إيجاد مورد جديد لتمويل التعليم الفني إضافة إلى رفع مستوى التدريب وزيادة خبرة المعلمين بما يخدم حاجة سوق العمل.
        (و)  التعاون الذي بدأ تفعيله بين وزارة التربية والتعليم وبعض الوزارات والهيئات المعنيّة بالتعليم الفني يُعطي نموذجاً يمكن تعميمه في طريق تطوير التعليم الفني.
        (ز)  إتمام المرحلة الأولى من مشروع بناء مستويات المهارة القومية حيث تم توصيف 105 مهنة (59 صناعي، 24 سياحة وفنادق، 22 تشييد وبناء)، في صورة 235 مؤهّلاً تعتبر فاتحة لتفعيل ما تم توصيفه واستكمال توصيف بقية المهن وتفعيل المنظومة العامة لمستويات المهارة القومية والتي تشكّل عاملاً أساسياً في إنجاح أي خطة لتطوير التعليم الفني وربطه بسوق العمل.
      التحديّات التي تواجه تطوير التعليم الفني:
      قبل التفكير في تحديد ملامح استراتيجية قومية للتعليم الفني، فإنه ينبغي تحديد التحديّات الرئيسية التي تواجه التعليم الفني، ويمكن تلخيصها على الوجه التالي:
      1. تسارع تطوّر المعارف والتكنولوجيات المستخدمة في جميع مجالات التنمية.
      2. ضَعف البنية الأساسية للتعليم الفني ممثلة في المدارس وتجهيزاتها وكثافة طلابها.
      3. تدنّي كفاءة الاستفادة من الموارد الحالية المتاحة، سواء البشرية أو التجهيزات والمعدات.
      4. عدم وجود تنسيق بين التعليم الفني والتدريب المهني.
      5. نظرة المجتمع المتدنّية للتعليم الفني وطلابه والقائمين عليه وخرّيجيه.
      6. انخفاض المستوى العلمي للطلاب، وكذلك مستويات تدريبهم.
      7. ضَعف الثقة في الركن الأساسي للتعليم وهو المعلّم وانخفاض قدرة الاجتماعي وتقليص صلاحياته.
      8. البيروقراطية والمركزية في إدارة التعليم الفني وعدم تحديثها.
      9. قصور المعلومات الحقيقية عن احتياجات سوق العمل.
      10. تواضع التمويل المتاح – الحكومي والخاص – لتطوير مؤسسات التعليم الفني والتدريب.
      توصيات مقترحة للمحاور الأساسية لاستراتيجية قومية لتطوير التعليم الفني:
      أولاً: على المستوى القومي:
      1. إنشاء هيئة قومية (هيئة مستقلة) تكون مسئولة عن التعليم الفني والتدريب المهني، على أن تكون هذه الهيئة مسئولة مسئولية كاملة عن ميزانية التعليم الفني والتدريب (ميزانية الدولة الرسمية – القروض – المنح بأنواعها – والمخصّصات المالية الأخرى بكافة أنواعها). وتخضع جميع الجهات والهيئات والمراكز والتجمّعات المختلفة التي لها صلة بالتعليم الفني لهذه الهيئة القومية.
      2. تحديد مواصفات خرّيج  التعليم الفني طبقاً للآتي:
        أ – الإمكانيات المتاحة.
        ب- احتياجات سوق العمل.
      1. تنفيذ برنامج  معلومات احتياجات سوق العمل بكافة قطاعات العمل الحكومي والعام وقطاع الأعمال والقطاع الخاص والاستثماري والمشروعات القومية، ويتم معالجة البيانات بمركز معلومات مجلس الوزراء والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وتحديثها دورياً.
      2. ربط منظومة التعليم الفني بالمشروعات القومية الكبرى بحيث يشارك - على سبيل المثال - قطاع التعليم الصناعي في التصنيع المحلي لبعض احتياجات هذه المشروعات من خلال إمكاناته البشرية والمادية في جميع المحافظات، وبما يقلل من تكلفة الخامات المطلوبة للتدريب ويُعظم الاستفادة من الموارد المتاحة، ويعمّق انتماء الشباب بمشاركتهم في مشروعات قومية تنعكس على مستقبلهم.
      3. توسيع مشروع رأس المال من خلال تكثيف عملية تصنيع المعدات التعليمية والتجهيزات المعملية لقطاع التعليم والتدريب لإتاحة التدريب العملي المباشر لكل طالب وفقاً للمُخرجات التعليمية بكل برنامج دراسي حيث أنه لا يمكن أن تكفي الموارد المتاحة لتحقيق الأهداف المنشودة بدون مشاركة قطاع التعليم الفني في إنتاج جزء من معداته، إضافة إلى أهمية مثل هذا التوجيه في الاستعانة بعناصر من قطاع الصناعات المُغذية والذي يشهد نقلة نوعية ملموسة.
      4. تطوير نظام التدريب العملي ليتمكن الطالب خلال سنوات الدراسة من تصنيع أجزاء متدرجة التعقيد لمُنتج محدّد يتم انتقاؤه إما لخدمة منظومة التعليم أو للمجتمع.
      5. تحقيق الترابط والتفاعل بين قطاعات وتخصّصات التعليم الفني المختلفة حتى تخدم بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، يمكن لقطاع التعليم الصناعي من خلال برامجه التدريبية ومشروع رأس المال أن يُنتج معدات لقطاع التعليم الزراعي، وأن يقوم القطاع التجاري بإعداد الدراسات والخطط التسويقية لقطاع التعليم الصناعي والزراعي والفندقي.
      6. تدعيم قدرات الطالب في مجال تكنولوجيا المعلومات واللغة الأجنبية لما لهما من أولوية قصوى في جميع مجالات التخصّص.
      7. الارتقاء والتوسّع في برامج التدريب للكوادر البشرية وبدعم من الإدارة المركزية للتدريب ومركز التدريب الصناعي بوزارة التجارة والصناعة وأكاديمية المعلّم.
      8. إعداد سجل بيئي لكل مدرسة بالتعاون مع وزارة الدولية للبيئة.
      9. إنشاء وحدة لتأهيل المدارس الفنية للاعتماد من الهيئة القومية للاعتماد والجودة للتعليم.
      10. التوسّع في برنامج التعليم التبادلي والمزدوج من خلال بروتوكولات تعاون مع القطاعات الإنتاجية والخدمية لمؤسسات قطاع الأعمال العام والخاص بما يمكّن من تعظيم العائد من التدريب العملي بمواقع العمل وتقليل تكلفته وتوريد وتحديث معدات التدريب بالمدارس.
      11. إنشاء تخصّصات جديدة يحتاجها سوق العمل، مثل تكنولوجيا حفر آبار البترول والغلايات والمعدات الحرارية وغيرها والتي لا يخلو مصنع منها.
      12. إنشاء معارض دائمة ومؤقتة لتسويق منتجات قطاع التعليم الفني بحيث يكون لكل مُنتج كتالوج فني مُعد وفقاً للمواصفات العالمية.
      2 – 5 نحو استراتيجية جديدة وسياسة مستقرة لمنظومة التعليم العالي في مصر(*)
      بعد مرور أكثر من ألف عام على بناء الأزهر، وأكثر من مائتي عام على تشييد محمد علي للمدارس والمعاهد العليا، وأكثر من مائة عام على بدء عمل أول جامعة عصرية في مصر، فإن المنظومة الكلية للتعليم العالي في مصر بكل مؤسساتها الجامعية ومعاهدها تبدو في أسوأ حالاتها.
      فجميع الأطراف غير راضين عما آلت إليه الأمور، سواء كانوا من الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس أو الحكومة أو المجتمع. لقد شاب القصور، مُدخلات المنظومة بطلابها من خرّيجي التعليم العام والفني المتداعيين، وسياساتها المتذبذبة، ومخصّصاتها المالية غير الكافية، وتشريعاتها التي لا تُفعَل. وطال القصور كذلك بنية المنظومة التحتية التي صارت تنوء بالأعداد الغفيرة من الطلاب المحشورين في الأفنية بأعداد تفوق من في المدرجات والمكتبات والمعامل، وبأعضاء هيئة التدريس المشغولين بكسب عيشهم في أماكن أخرى ولم يعد لهم من الوقت ما يكفي سواء للبناء الذاتي أو التعليم الجيّد للطلاب، أو متابعة التقدم العلمي العالمي والمشاركة في إثرائه.
      وكان طبيعياً أن يصبح إنتاج هذه المنظومة ليس أقل سوءاً من مُدخلاتها الواهنة أو بنيتها المتعبة. إنها تبدو كآلة ضخمة تعمل بضجيج عالي ولكن بكفاءة متدنيّة وإنتاج متراكم ومتزاحم ولكنه غير كاف أو واف. وقد يكون في التعميم ظلماً لبعض النماذج المشرفة المتمثلة في بعض النقاط المضيئة من أماكن أو أفراد ولكنها متناثرة ومتباعدة والتي تبدو وكأنها تُغرّد بعيداً عن السرب ومن خارج المنظومة، ولكنها هي التي تحفظ لمصر ذلك البصيص من الضوء الذي يبعث بالأمل في الخروج من النفق بعد زمن قد يطول أو يقصر، ولكنه الأمل.
      وإذا كان واقع منظومة التعليم العالي في مصر يُنبئ - سواء بالمعاينة أو المعايشة اليومية أو نتائج الدراسات - عما تعانيه من تدنّي شديد في كفاءتها الداخلية والخارجية، ومن بيئة محيطة غير مواتية، فإن هذا يعبّر عن واقع مؤلم. ولكن الأسوأ أن هذا الواقع إذا ما استمر، فإنه يُنذر بعواقب وخيمة على اقتصاد الوطن وخططه للتنمية المستقبلية نظراً لعجز منظومة التعليم العالي عن إمداده بالقوى البشرية المؤهّلة للقيام بهذا الدور، وهو أمل مصر من أجل التقدّم والنهضة.
      وفي ظل المفاهيم الجديدة الحاكمة والممثلة في مجتمعات واقتصادات المعرفة، وتحت تأثير ممارسات العولمة التي صارت واقعاً معاشاً، فإن التنافسية قد تحوّلت من المستوى الوطني والإقليمي لتصبح عالمية بين دول العالم المختلفة، حيث يتنافس الفرد مع أقرانه على مستوى العالم، وحيث لا مكان للمتقاعس أو غير المؤهّل أو المتخلف عن الركب.
      وحتى نعرف مكاننا الحقيقي في معترك التنافس العالمي، فعلينا أن نراجع ما حصلت عليه مصر من درجات في بعض مجالات التعليم العالي، أو ما يتصل بها (الدرجة القصوى هي سبع درجات في كل مجال) وكذلك ترتيبها ضمن 142 دولة قام المنتدى العالمي بدراسة بياناتها وإحصائياتها مع إعداد مؤشر وحسابه لكل مجال. وصدرت النتائج في تقريره الأخير 11/2012 [جدول 6].
      الجدول 6:
      المجـــــــــالالدرجة التي حصلت عليها مصرترتيبها
      جودة منظومة التعليم2.3/7135/142
      جودة مؤسسات التعليم العالي الحكومية (بما فيها الجامعة)126/134
      (تقرير 08/2009)
      جودة تعليم الرياضيات والعلوم2.4/7143/142
      توافر خدمات البحث والتدريب3.9/783/142
      تدريب أعضاء هيئة التدريس3/7141/142
      هجرة العقول2.5/4122/142
      القدرة على الابتكار2.8/783/142
      جودة مؤسسات البحث العلمي2.8/7113/142
      إنفاق الشركات على البحث والتطوير2.7/7106/142
      درجة التعاون بين الجامعات والصناعة في مجال البحث والتطوير2.6/7128/142
      مشتريات الحكومة من منتجات التكنولوجيا الحديثة3.3/7104/142
      توافر العلماء والمهندسين4.5/740/142
      براءات الاختراع لكل مليون نسمة0.274/142
      والجدير بالذكر أن ترتيب مصر في مؤشر التنمية البشرية (الذي يُصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريره السنوي) قد هبط من المركز 112 إلى المركز 113 من بين 188 دولة مبحوثة وذلك من عام 2010 إلى عام 2011.
      وإذا كانت منظومة التعليم العالي قد أصابها التدهور، فإن هذا لا يعني أنها لا تملك عوامل للنهوض والصعود، فهناك نقاط قوة داخلية وفرص خارجية لم تستخدم بل وكادت تحبط. فمازالت هناك قوى بشرية واعدة بين أعضاء هيئة التدريس قادرة (إذا ما أتيحت لها الفرصة) على تكوين كتلة حرجة للبدء في التغيير، وهناك بنية تحتية ومؤسسية قابلة للإصلاح،وهناك طلب مجتمعي متزايد على التعليم العالي، وهناك طلب متزايد على التخصّصات الجديدة،وهناك وعي مجتمعي بضرورة إصلاح التعليم وخاصة التعليم العالي ورغبة من المجتمع المدني في أن تتاح له الفرصة للمشاركة في إصلاح منظومة التعليم العالي لأنه على أي حال يشارك في تكاليفها ويود أن يضعها في موضعها الصحيح، وهناك اتصالات بعالم خارجي يعرف قدرات مصر الكامنة والتي يمكن أن تشارك في إثراء المعرفة العالمية.
      ولكن ينبغي الانتباه إلى أن منظومة التعليم العالي هي نسق معقد ومركب، ويتكوّن من كيانات كثيرة ومتشابكة الترابط، وبذلك فإنه لا يمكن تناولها ببساطة أو محاولة حل مشاكلها عن طريق إجراء وحيد، مثل إصدار قانون جديد لتنظيم الجامعات أو حتى زيادة مخصّصاتها المالية. فماذا يمكن لاجراء أحادي أن يفعله في مجال منظومة معقدة تحتاج إلى إعادة النظر في تخطيطها الهيكلي بعامة، وفي المشاكل الأساسية الممثلة في التمويل، وسياسات القبول، ومشاكل أعضاء هيئة التدريس، والمناهج، وآليات التقويم والاعتماد....الخ.
      آليات وخطوات صياغة الاستراتيجية:
      إن البدء في حل مشاكل هذا النسق الكبير لا يمكن إلا أن يتم في حضور وبمشاركة جميع  الاطراف المعنيّة من الحكومة والمجتمع المدني وأعضاء هيئة التدريس والطلاب لحصر المشاكل ومناقشتها واقتراح حلول قابلة للتنفيذ تواكب الاتجاهات العالمية. ولابد أن يكون هناك أسلوب ممنهج للبدء في هذه العملية ومتابعتها والوصول بها إلى استراتيجية طويلة المدى يتم الاتفاق عليها من قِبَل كل الأطراف المشاركة.
      ويتم هذا عادة عن طريق أحد الأساليب التالية:
      • تشكيل لجنة قومية من المفكرين وخبراء التعليم والتربويين والمهتمين وأصحاب المصلحة وتكليفهم بوضع استراتيجية للتعليم العالي.
      • تشكيل مجلس أعلى للتعليم العالي  برئاسة أحد المفكرين– وليس وزير التعليم العالي – لوضع تلك الاستراتيجية.
      وفي أي من الحالتين، فإن وضع الا ستراتيجية يتم  بمشاركة جميع  الاطراف المعنيّة.
      ويجب على هذه الاستراتيجية أن تتناول النواحي التالية:
      أولاً: تحديد الغايات الكبرى والأهدف للمنظومة الكلية للتعليم العالي:
        1. تحسين قدرة مصر التنافسية على المستوى العالمي بتحويل اقتصادها إلى اقتصاد قائم على المعرفة يعتمد على قدرات رأس المال البشري، وهي الطريقة الوحيدة الآن والمختبرة لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود.
        2. تعزيز مكانة مصر بمساهمتها في إثراء العلم والمعارف على المستوى العالمي.
        3. تعزيز فرص التنمية الوطنية عن طريق التوازن بين خرّيجي التعليم العالي كماً ونوعاً وكيفاً ومتطلبات خطط التنمية.
        4. تحقيق العدالة الاجتماعية باتاحة فرصة أكبر للالتحاق بالتعليم العالي ومواصلته للموهوبين والقادرين علمياً من الفقراء والمهمّشين وغيرالقادرين مادياً.
      ثانياً: إصلاح منظومة التعليم العالي:
        1. تنويع مصادر تمويل التعليم العالي بمشاركة جميع الأطراف.
        2. ضمان استقلالية مؤسسات التعليم العالي، وخاصة الجامعات.
        3. الحد من الجمود الهيكلي للمنظومة وتحقيق المرونة في حركة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
        4. تحسين معايير قبول الطلاب وتوفير المعلومات الكافية لهم للاختيار وتوسيع فرصه.
        5. تمكين أعضاء هيئة التدريس من أداء واجباتهم التعليمية والبحثية عن طريق عدالة تعويضهم مادياً وعلمياً وأدبياً.
        6. تحديث الإدارة والعناية بالتدريب، وتوفير وسائل التعلّم للعاملين بها، وتعزيز القدرة على الإدارة الذاتية.
        7. التوسّع المدروس في منظومة التعليم العالي لتعزيز إتاحته بما يُلبي الطلب عليه من قطاعات الشباب المتنامية.
        8. تطبيق آليات محدّدة لقياس جودة العملية التعليمية والمحاسبة على التقصير والمكافأة على الإجادة.
        9. تأكيد قيم وأخلاقيات التعليم العالي.
        10. تحديد البرامج اللازمة للإصلاح والجهات المسئولة عن تنفيذها.
        11. متابعة تنفيذ برامج الإصلاح وتقويم النتائج وتصحيح المسار في حالة الضرورة.
      ثالثاً: ترسيخ قيم مشاركة المجتمع المدني وتقاسم المسئولية:
        1. تشجيع قيام الجامعات الأهلية التي لا تهدف للربح.
        2. تشجيع العودة إلى نظام الوقف الأهلي لصالح مؤسسات التعليم العالي.
        3. مشاركة المجتمع المدني في التخطيط للتعليم العالي ومتابعة تنفيذ برامج اصلاحه وتقويم نتائجها. وتعرض الاستراتيجية بعد اصدارها من الجهة المختصة على مجلس الوزراء لإقرارها ببرامجها وميزانياتها. ثم تُعرض على مجلسي الشورى والشعب لاستصدار قانون بها يجعلها محل الإلزام، وخاصة من جانب الحكومة فيما يتعلق بالتمويل والتنظيم وضمان الجودة.
      2 – 6 نحو سياسة جديدة للبحث العلمي وربطه بمواقع الإنتاج(*)
      مقدّمة:
      كانت مصر في طليعة دول المنطقة في تبنّي البحث العلمي لتحسين الإنتاجية، حيث قامت بإنشاء هيئة البحوث الزراعية في بداية القرن العشرين، وكان الهدف من إنشائها تطوير وتحسين القطن، بصفته أحد المحاصيل المتميّزة على المستوى العالمي، لما له من صفات طول التيلة والجودة. وتوالي إنشاء المؤسسات البحثية الأخرى في المنطقة بدءاً من العقد السادس من القرن العشرين. وكان في طليعة تلك المؤسسات المركز القومي للبحوث الذي أنشيء عام 1956. وشهدت الفترة ما بين منتصف الخمسينيات ومنتصف التسعينيات من القرن الماضى نهضة كبرى في الاهتمام بإنشاء المؤسسات البحثية، وإعداد الكوادر العلمية لها في الداخل والخارج، وتدبير الاعتمادات المالية المتواضعة لتشجيع تلك المؤسسات على إجراء البحوث العلمية. وعلى أية حال، فإن المؤسسات البحثية في مصر تُعد حديثة العمر إذا قورنت بمثيلاتها في الدول المتقدّمة والتي بدأت النهضة في القرن التاسع عشر.
      وعلى عكس ما هو سائد في مجال البحث العلمي في الدول المتقدمة – التي أصبح القطاع الخاص يسهم في تمويلها بنسبة تقترب من النصف – فإن مؤسسات البحث العلمي في مصر منذ نشأتها، سواء في الوزارات أو الجامعات، تعتمد بصفة أساسية على التمويل الحكومي، مما هيأ لها العمل فيما يعن لها من موضوعات بحثية، ربما تكون بعيدة عن احتياجات المجتمع، وعدم ارتباط هذا القطاع الحيوي بالمستفيد النهائي من قطاعات الإنتاج والخدمات، وذلك على نقيض الدول التى انتهجت أسلوب تبنّي القطاع الخاص والإنتاجي للبحث العلمي المتخصّص الداعم لاحتياجاتها. وقد أسهم التحوّل الاقتصادي في مصر في فترة الخمسين سنة الماضية – من النظام الرأسمالي قبل الثورة إلى النظام الاشتراكي، ثم مؤخراً إلى نظام اقتصاد السوق – في تعميق الفجوة بين أداء البحث العلمي والقطاع الإنتاجي. إلا أن هناك علامات مضيئة لابد من الإشارة إليها:
      • أولت مصر التنمية الزراعية والصحية أولوية واهتماماً، مما أسهم في تحسين المنتج الزراعي والحالة الصحية على مدار تلك السنوات، وكان للبحث العلمي المهدف دور هام فيها.
      • أسهم المركز القومي للبحوث في إعداد قاعدة علمية  متميّزة في مختلف مجالات العلوم، وخرج من تحت مظلته عديد من المعاهد البحثية المتخصّصة التي تسهم في دعم العديد من قطاعات الإنتاج، كما قدّم عدداً لا بأس به من المنتجات، وأسهم في الحملات القومية الزراعية والصناعية التي كان لها أثر ملموس على الإنتاج.
      • أنشئت في عام 2003 القرية الذكية التي أسهمت في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأصبح لها منتجات تجد طريقها للأسواق العالمية.
      • تم إنشاء عددِ من مراكز التميّز العلمي المتخصّصة في علوم الصدارة في الجامعات والمراكز البحثية والوزارات.
      عناصر القوة في منظومة البحث العلمي في مصر
      وتتمثل في الآتي:
      • توافر قاعدة بشرية مؤهّلة وقادرة على العمل البحثي يصل قوامها إلى 120 ألف عامل ومهندس وفني؛ يعملون في 320 مؤسسة بحثية.
      • وجود بدايات للارتباط بمؤسسات الإنتاج والخدمات.
      • امتلاك مصر لبنية مؤسسية تسمح بتطوير الأداء بشكل فاعل وسريع في عديد من المجالات الزراعية والاتصالات والبترول والري والصحة والقوات المسلحة.
      • وجود عددٍ كبيرٍ من المؤسسات البحثية والمراكز ذات الطابع الخاص، تستهدف خدمة المجتمع من خلال الاستشارات والتدريب والبحوث.
      • إنشاء عددٍ من مراكز التميّز العلمي المتخصّصة في علوم وتكنولوجيا المستقبل وبعض المجالات التطبيقية.
      • وجود عددٍ من التحالفات البحثية مع بعض الجهات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
      • التزام الدولة بتمويل مؤسسات العلم والتكنولوجيا وفق ما تسمح به الموازنات المتاحة.
      • وجود تقاليد عريقة في النشاط العلمي والتكنولوجي.
      • الموقع النسبي الريادي والتاريخي لمنظومة العلم والتكنولوجيا المصرية على المستوى العربي والأفريقي.
      • التزام الدولة التشريعي بالجوانب المتصلة بالتجارة وحقوق الملكية الفكرية، والذي يعتبر أحد الركائز الأساسية للتنمية العلمية والتكنولوجية.
      عناصر ضَعف المنظومة
      وتتمثل فيما يأتي:
      • غياب التنسيق بين مؤسسات البحث والتطوير في مصر، وتفكك الروابط فيما بينها، وعدم توافر الآليات المناسبة لتسويق إنتاج ا لمراكز البحثية ونقلها إلى مرحلة التطبيق التجاري، مما يزيد من عزلتها، ويضعف الروابط بينها وبين المستفيدين من خدماتها.
      • تمثل الرسائل العلمية وبحوث المؤتمرات والبحوث التي تنشر في الدوريات العلمية – محلياً وعالمياً – أكبر مكوّنات العرض لمنتجات البحث العلمي في مصر، وليس هذا بغريب، لأن ضآلة التمويل المتاح وكذلك نظم التخطيط المتبعة في إطار ظروف الإدارة الحاكمة لهذا التخطيط، وما يكتنفها من غلبة الرؤية الذاتية للباحثين في العملية التخطيطية؛ جعلت طبيعة منتجات البحث العلمي في غالبيتها أكاديمية النزعة دون عمق، ومنخفضة الجودة مع محدودة الأصالة، وبعيدة عن الإبداع العلمي وعن التقدّم التكنولوجي.
      • أن معظم منتجات مؤسسات البحث والتطوير في مصر لا يوجد طلب عليها من قبل قطاعات الإنتاج، كما تتدنّى استفادة القطاع الخاص من مُخرجات هذه المنظومة، إذ يعتمد رجال الصناعة والأعمال والمنتجون على استيراد التكنولوجيا والمعارف الفنية من الخارج.
      • ضَعف الإنفاق على البحث العلمي، حيث لا تزال نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي أقل من 0.2% من الناتج ا لمحلي الإجمالي في مصر وتذهب نسبة كبيرة منها (85%) للمرتبات والحوافز، وتتحمّل الدولة معظم أعباء تمويل البحث العلمي، ولا توجد مساهمة تذكر للقطاع الخاص في تمويله.
      • يُعاني قطاع البحث العلمي من انخفاض كفاءة الإدارة، ويخضع بصفة رئيسية لرؤية الوزير المسئول، الذي عادة ما يلغي خطط السابقين ويحرم هذا القطاع من الاستقرار والاستمرار لجني ثمار جهد عديدٍ من العلماء والخبراء المشاركين في تنفيذ مهام علمية محدّدة في ضوء ما هو متاح من إمكانات، كما يُعاني القطاع من تدنّي كفاءة الإدارة في مؤسسات البحث والتطوير من حيث تطبيق مبادئ التخطيط الاستراتيجي، وتفعيل موازنة الأداء والبرامج، وتقدير ميزانيات محدّدة لهذه البرامج، والتقويم الدوري للأداء.
      • عدم توافر التسهيلات اللازمة للبحوث والتطوير، خاصة الأجهزة العلمية والمعدات والمكتبات ووسائل الاتصال الإلكتروني، ومصاريف الصيانة في كثير من المراكز والمعاهد القائمة، مع تقادم العديد منها في تلك المعاهد وتخلفها عن المستوى العالمي.
      • تدنّي المستوى العلمي والبحثي لعديد من أجهزة البحث العلمي، خاصة وأن العنصر البشري في تلك المؤسسات هو نتاج تعليم مؤسس على التلقين والحفظ لا على التأمل والتحليل والابتكار وتفعيل التفكير الناقد والإبداعي، مما نتج عنه بناء كوادر لا تتواكب مع ما تتطلبه خطط التنمية، فازدادت البطالة رغم حاجة التنمية إلى كوادر مؤهّلة تصبح عوناً لها، لا عبئاً عليها.
      • انخفاض جودة مُخرجات العملية التعليمية، خاصة في ظل تدهور البنية الأساسية لقطاع التعليم، وتزايد أعداد المقيدين بالمراحل التعليمية المختلفة، وارتفاع كثافة الفصول، فضلاً عن انخفاض نسبة الملتحقين بالكليات العلمية بالنسبة للكليات النظرية، مما يؤدي إلى نقص الخبرات المطلوبة.
      • أن النظرة الدونية اجتماعياً للتعليم الفني والمتوسط، واعتبار الطلاب الملتحقين بهذا النوع من التعليم من الطلاب المخفقين الذين لم يستطيعوا الحصول على مجموع كبير من الدرجات في مرحلة التعليم الأساسي تمكنهم من الالتحاق بالتعليم الثانوي العام، أدت إلى عدم توافر العدد الكافي من الفنيين والمساعدين اللازمين للبحوث والتطوير، وذلك على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يحتلها هذا النوع من التعليم في الدول المتقدمة، لقدرته على تخريج العمالة المدربة الماهرة التي يحتاجها أي اقتصاد لتحقيق معدلات مرتفعة من الإنتاجية.
      • غياب ثقافة العمل الجماعي لدى الباحثين.
      • غياب رأس المال المخاطر الذي يسهم في عديد من الإنجازات العلمية التي تخدم البشرية.
      • عدم الاستفادة من خبرات الدول الأخرى التي شقت طريقها في سبيل النهضة التكنولوجية على غِرار ما حدث من تطوير التعليم في الهند، وتدرج نقل التكنولوجيا في كوريا الجنوبية، وتسخير القروض في عمليات نقل التكنولوجيا في الصين، ودورية الاستشراف التكنولوجي في الاتحاد الأوروبي واليابان.
      • عزوف العلماء عن العمل في مواقع الإنتاج لبعض الوقت للاستفادة بالخبرات الصناعية والتعرّف على مشاكل الإنتاج عن قٌرب.
      • افتقار أغلب مراكز الإنتاج لوحدات بحثية متخصّصة تخدمها، وتبني أجيالاً من الكوادر البحثية المسلحة بروح الابتكار.
      نحو سياسة وطنية بناءة للبحث العلمي في مصر
      وعلى ضوء ما سبق، يوصي بما يأتي:
      • أهمية تبنّي الدولة تنفيذ المخططات الاستراتيجية التي تم إعدادها وربطها بخطط التنمية الشاملة، وتطبيق السياسات العلمية والتكنولوجية التي تستهدف تعظيم دور العلم والتكنولوجيا في دعم الاقتصاد القومي.
      • توفير التمويل الكافي لإنجاح سياسات البحث والتطوير، حيث أن الإنفاق على البحث العلمي لا يتعدى 0.2% من الناتج المحلي، بينما تخصّص الدول المتقدّمة من 2% إلى 3.5% من ناتجها الإجمالي لهذا الغرض. وعلى الحكومة أن تسعى لزيادة تدريجية في نسبة الأموال المخصّصة للبحث والتطوير؛ بحيث تصل إلى 2% في فترة لا تتجاوز خمس سنوات على الأكثر، على أن يكون الإنفاق الحكومي المصدر الرئيسي لدعم البحث والتطوير لفترة طويلة قادمة، إلى أن يزداد دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي لتحسين إنتاجه، كماً وكيفاً.
      • تشجيع القطاع الخاص على زيادة الإنفاق على البحث والتطوير، بأن تقوم الحكومة بإجراء تخفيض كبير في الرسوم والتعريفات الجمركية والضرائب على الأنشطة التي تتصل اتصالاً مباشراً أو غير مباشر بالبحث والتطوير. وتوعية القطاع الخاص بأن إسهامه في الإنفاق على البحث والتطوير يخدم مصلحته على أفضل وجه، بوصفه مصدراً رئيسياً لتحسين مُخرجاته لتتلاءم مع المعايير التي تحدّدها الأسواق العالمية والتصدير.
      • ضرورة تركيز الجهات البحثية على تفعيل دور البحث العلمي والتطوير التكنولوجي من خلال تحديد أولويات البحث من منظور الاحتياجات الوطنية، وتجميع ونشر المعرفة، وتعبئة موارد الحكومة والقطاع الخاص، وتنمية وتطوير الموارد البشرية لتأهيل القيادات المستقبلية.
      • توفير الحوافز للبحث والابتكار، وتشجيع ومكافأة الأشخاص النابغين في البحث والتطوير، بما في ذلك إعلاء شأن ومنزلة العلماء وإبرازهم كقدوة ونماذج يُحتذى بها للأجيال الأحدث من العلماء والباحثين، وتقليل الفجوة بين مصر ودول العالم المتقدّم فيما يخص الاستثمار في مجالات البحث والتطوير.
      • دعم الأنشطة التجارية التي تهدف إلى تعزيز عمليات البحث والتطوير، وذلك من خلال تشريعات ضريبية تفضيلية، وتخصيص حوافز كبيرة للأنشطة الرائدة، والتطبيق الجاد لقوانين الملكية الفكرية، وتشجيع رأس المال المخاطر، وتوفير التمويل اللازم، وإتاحة التسهيلات الائتمانية للمشروعات التي تتناول المراحل المبكرة للمنتجات والخدمات المستحدثة.
      • تبنّي سياسات من قِبَل الدولة لتشجيع الجهات الإنتاجية على تخصيص نسبة من أرباحها لتمويل مشروعات بحثية تخدم تلك الجهات، مع وضع ضوابط لضمان الشفافية والمافسة بين الباحثين لحل مشاكل الإنتاج.
      • مراجعة وتطوير التشريعات المشجّعة على البحث العلمي، وبخاصة تلك المتعلقة بالضرائب وحماية الملكية الفكرية، لتهيئة المناخ المناسب للوحدات الاقتصادية ومجتمع الأعمال العام للاستثمار في البحث العلمي.
      • التعاون بين كل مؤسسات البحث والتطوير والجامعات وقطاع الصناعة، وضمان استمرارية تطور ونمو منظومة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والتعليم، وتفعيل العلاقات المؤسسية على المستوى الوطني والإقليمي والعربي والدولي، لتشجيع التطوير والابتكار التكنولوجي.
      • تقديم نماذج لإنتاج سلع وخدمات تنافسية الخصائص تصديرية التوجّه، فيها إضافة وتحسين وتطوير للمُنتج الأصلي.
      • إنشاء مراكز بحثية نوعية في الوحدات الإنتاجية؛ تستقل بكوادرها البحثية، وتتعاون مع العلماء والخبراء بالجامعات والمراكز البحثية.
      • ربط ترقية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وأعضاء هيئة البحوث بالمراكز البحثية بشرط استيفاء قضاء فترة زمنية مناسبة (سنة أو سنتين) للعمل في مواقع الإنتاج؛ كما هو معمول بها في عددٍ من الجامعات ومراكز البحوث بالدول المتقدّمة.
      • السماح بإعارة العلماء لقطاعات الإنتاج لفترات تنظمها اللوائح، مع ضمان حق الجهات التي ينتمي إليها هؤلاء في حقوق الملكية الفكرية التي تنتج عن هذا التعاون.
      • استحداث برامج مرنة للاستفادة من العقول المهاجرة، وإعادة جذب شباب العلماء الواعدين الذين اختاروا الهجرة سبباً لتحسين أوضاعهم العلمية والاجتماعية، ودمجهم في تطوير أداء منظومة العلم والتكنولوجيا الوطنية.
      الباب الثالث
      إستراتيجية إدارة الموارد الطبيعية
      تمر مصر بمرحلة تحوّل هامة فى إطار جهودها المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة. وتواجه فى ذلك تحديات عديدة فى كافة القطاعات منها، الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية، وشح الموارد المائية، وذلك بالإضافة إلى العديد من المشاكل البيئية المتعلقة بالأنشطة المختلفة فى مجالات الزراعة والصناعة وقطاعات مياه الشرب والصرف الصحى وغيرها.
      وبناءً عليه، فإن خطة التنمية العشرية تستهدف تحفيز طاقة النمو المحتملة للوصول إلى أعلى المستويات، وأن ينعكس ذلك على كافة أبناء المجتمع المصرى من خلال تحقيق استدامة النمو والتوظيف الكامل، مع الانتقال من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد يعتمد على التكنولوجيا والمعرفة ويحافظ على البيئة. وتتطابق أهداف الخطة فى ذلك مع التوجّه العالمى الحالى لتطوير مفاهيم الاقتصاد الأخضر كأداة  ضرورية لتحقيق الربط بين المحاور الثلاثة للتنمية المستدامة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وطبقاً للتعريف الذى أطلقه برنامج الأمم المتحدة للبيئة فأن "الاقتصاد الأخضر" هو اقتصاد يؤدى إلى تحسين رفاهية الإنسان، والحد من عدم المساواة على المدى الطويل، مع عدم تعريض الأجيال القادمة لمخاطر بيئية كبيرة وندرة إيكولوجية. وينظر إلى الاقتصاد الأخضر على أنه يساعد على التحوّل عن أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة وما ينتج عنها من تلوّث ، والاستخدام الجائر للموارد الطبيعية، وخاصة مصادر الطاقة والإنبعاثات الناتجة عنها. ويؤدى هذا النمط الجديد فى إنتاج واستخدام الموارد إلى اقتصاد أكثر فعالية ومتنوّع، ويحافظ على البيئة، ويساعد على خلق فرص عمل لائقة، وتشجيع التجارة المستدامة، والحد من الفقر، وتحسين العدالة الاجتماعية.
      وفى ضوء ما تقدم، فإن الخطة العشرية تضع ضمن أولوياتها العمل على التحوّل التدريجى والموجّه إلى النظم الخضراء للتنمية، والتى من شأنها الحفاظ على الموارد الطبيعية، ورفع كفاءة استخداماتها، والحد من المخاطر البيئية ذات الصلة، مع زيادة القدرة على توفير الرفاهية للمجتمع،  وعلى أن يتم ذلك من خلال اتباع  نهج  تشاركى يستند على تطوير بنية مؤسسية وتشريعية فاعلة  لتحقيق معايير التنمية المستدامة، والاستجابة لاحتياجات الفئات المختلفة.
      ومن ثم، هناك عدد من القضايا ذات الصلة بالتحوّل إلى تطوير واستخدام نظم تنموية تساعد على تحقيق معايير الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على البيئة فى مجالات الموارد الطبيعية والطاقة، نظراً للعلاقة التبادلية الوثيقة بينها وبين المتغيّرات البيئية، خاصة الآثار السلبية المتوقعة، وذلك يستلزم أن تتضمّن خطة التنمية إيلاء الأولوية للتعامل مع هذه القضايا. 
      محتويات الباب الثالث
      إستراتيجية إدارة الموراد الطبيعية
      1. الحفاظ على الموارد المائية والأراضى و ومواءمة الاعتبارات البيئية
      2. تنويع مصادر الطاقة والتوسّع فى استخدامات الطاقة المتجدّدة
      3. تحسين كفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك
        1. الصناعة الخضراء
        2. نظم النقل المستدام
        3. النظم الخضراء فى القطاع المنزلى
      1 - الحفاظ على الموارد المائية والأراضى و ومواءمة الاعتبارات البيئية:
      تعانى مصر من الهدر فى استخدام الموارد المائية المحدودة المتاحة، حيث يتم استخدام أكثر من 80٪ من مواردها المائية فى الزراعة. ومن المتوقع تزايد العجز فى المياه وعدم التوازن بين العرض والطلب بشكل مطرد فى المستقبل، خاصة فى ضوء تعثر المفاوضات مع دول حوض النيل. وقد انعكس هذا الوضع - بالإضافة إلى الامتداد العمرانى- على الأراضى الزراعية، والتى يتناقص نصيب الفرد منها بشكل مضطرد.
      ويضاف إلى ما تقدّم التهديدات الناشئة عن تغيّر المناخ، حيث أشارت التقارير الدولية إلى أن الارتفاع المحتمل لسطح البحر خلال العقود القادمة نتيجة للتغيرات المناخية، سوف يؤدى إلى غرق مساحات كبيرة من الساحل الشمالى لمصر، ويمكن أن يؤدى ذلك إلى خسائر اقتصادية فادحة فى البنية الأساسية والمشروعات، فضلاً عن نزوح الملايين من السكان جنوباً،  وفقدانهم لوظائفهم. ويُضاف إلى ذلك احتمال حدوث انخفاض جوهرى فى غلات المحاصيل الرئيسية ( القمح والذرة)، وتآكل فى شواطىء الدلتا، وتداخل مياه البحر مع المياه العذبة، وتدهور فى بعض النظم البيئية، هذا ما لم يتم إتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة للتخفيف من الآثار السلبية المتوقعة من التغيّرات المناخية المحتملة.
      ومن ثم، يتطلب الحفاظ على الموارد المائية والأراضى المتاحة ما يلى:
      • الإدارة المتكاملة للموارد المائية: أن العمل على الحفاظ على الموارد المائية، وخاصة فى ضوء الآثار المتوقعة للتغيّر المناخى، يتطلب وضع السياسات المائية اعتماداً على مبدأ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وإعداد المنهجيات ذات الصلة، حيث يجب القيام بما يلى:
      • أن يكون هناك تخطيطاً أفضل لتوزيع استخدامات المياه على القطاعات المختلفة المستخدمة لها به قدراً أكبر من التنسيق.
      • أن تأخذ إدارة الموارد المائية فى اعتبارها جميع الأبعاد ذات الصلة بقضية المياه، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أوالبيئية.
      • إعادة تقويم الموارد المائية المتاحة تحت تأثير السيناريوهات الإقليمية لتغيّر المناخ، مع الأخذ فى الاعتبار المياه الافتراضية فى الصادرات والواردات من المنتجات الزراعية.
      • مراجعة وتطوير التشريعات الخاصة بإدارة وحماية وصيانة الموارد المائية،  والمحافظة على الموارد المائية من التلوّث ، ومعالجتها باستخدام التكنولوجيا منخفضة التكلفة.
      • الاستثمار فى تحديث وتحسين نظام الرى فى الأراضى القديمة.
      • تحسين كفاءة استخدام المياه فى الرى والصناعة والاستخدام المنزلى، ونشر ثقافة ترشيد استخدامات المياه.
      • تنمية الموارد المائية من المصادر التقليدية وغير التقليدية، مع زيادة التوسّع فى بحوث استثمار الطاقات المتجدّدة فى تحلية المياه. 
      • تعميق الدراسات الموجّهة المتعلقة باستعمالات المياه منخفضة النوعية فى الرى.
      • الاستثمار فى البحث العلمى لتحسين التركيب المحصولى بحيث يكون أكثر ملاءمة للظروف الجغرافية والمناخية لمصر، ومحققاً لإنتاجية أعلى باستخدام مائى أقل.
      • الإدارة المتكاملة للأراضى: يتطلب ذلك ما يلى:
        • تطوير البنية الداعمة لتحقيق تنمية موارد الأراضى وتخطى معوقاتها، وإنفاذ التشريعات المتعلقة بمنع التعدى على الأراضى الزراعية.
        • إعداد منهجيات الإدارة المتكاملة والمستدامة للأراضى بالاعتماد على خرائط التربة والغطاء النباتى، وخرائط الاستعمال الأمثل شاملة التوسّع فى استخدام النظم الأكثر أماناً مع البيئة، التى تقلل من استخدام الآلات، وتحفظ للأراضى خصوبتها، وتزيد من تخزين الكربون فى التربة .
        • اعتماد نظام الزراعة الحافظة مع توفير الإرشاد والتوعية لدى المزارعين، وتأمين الدعم الفنى والمالى الذى يحفزهم على تطبيق الدورات الزراعية المناسبة .
        • استنباط أصناف من الحبوب وطرز وراثية من مختلفة الأنواع المحصولية، تتسم بكفاءتها العالية فى استعمال المياه، وتحمل الجفاف والحرارة المرتفعة.
        • دعم البرامج الموجّهة نحو الإدارة المزرعية الجيّدة فى مجال التربية، وتحسين الإنتاج الحيوانى، لرفع قيمة العائد من الإنتاج الحيوانى فى وحدة المساحة نفسها، والتقليل من الإنبعاثات.
        • سن التشريعات الداعمة لزيادة مساحة المحميّات الطبيعية والمحافظة عليها.
      هذا ويعتبر النمو الديموغرافى غير المستدام والكثافة العالية للسكان من العوامل الأكثر خطورة والمسبّبة للتدهور البيئى فى مصر. فمن المتوقع أن يصل إجمالى عدد السكان إلى 100 مليون نسمة بحلول عام 2020 ، مما يؤدى إلى زيادة الضغط على البيئة، بما فى ذلك المزيد من استهلاك الموارد المائية وغير المتجدّدة، فضلاً عن زيادة التلوّث ، والاستخدام غير المستدام لموارد المياه، والنفايات الصناعية والصرف الصحى، وكذلك  الاستخدام الجائر للموارد الطبيعية. وعلى الرغم من تحسين الإطار التشريعى بشكل ملحوظ، فإن الإدارة الفعلية للبيئة تعانى من أوجه قصور مختلفة، مما أدى إلى بلوغ تكلفة التدهور البيئى إلى حوالى 4.8 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى مصر، حيث يُعزى نصف هذه التكلفة إلى تلوّث  الهواء وحده، والذى ينتج عن الأنشطة البشرية، خاصة فى قطاعات الطاقة والنقل والصناعة.
      وفى ضوء هذا التدهور فى الموارد الطبيعية، فأن الخطة التنموية تولى الاعتبار بالقضايا ذات الصلة بالحفاظ على الموارد المائية وإدارتها فى خدمة التنمية، مع مواجهة آثار تغيّر المناخ على موارد المياه والأراضى، وذلك من خلال اتباع نظم مستدامة تحافظ على البيئة. وفى سبيل مواجهة التأثيرات البيئية المشار إليها، فإن الأمر يتطلب ضرورة إصدار التشريعات التى تتواءم واحتياجات الحد من هذه التأثيرات، ومنها:
      • إصدار التشريعات واللوائح الملزمة التى تحدّد الحدود القصوى للملوّثات الناجمة عن الصناعة، والتى قد تلوّث  المياه أو الهواء أو حتى التربة.
      • تعزيز الأُطُر التشريعية والتنظيمية التى من شأنها تسريع وتيرة نقل الحلول التكنولوجية ذات الصلة بتقنيات الطاقة قليلة الانبعاث، ونشرها وتعميم استخدامها، بما فى ذلك إزالة الحواجز التى تبطىء من انتشار هذه التقنيّات.
      • وضع معايير ومواصفات قياسية عربية للتقنيّات ذات الصلة ببرامج الحد من انبعاث غازات الدفيئة، مع مراعاة تحقيق المواءمة مع المواصفات القياسية العالمية فى المجالات ذات الصلة.
      • تحديث القوانين البيئية المتعلقة بمعايير انبعاث غازات الدفيئة من مرافق قطاع الطاقة كافة، وتطوير وسائل المراقبة والفحص لضمان الامتثال بها. وأن يستند ذلك على إتمام تقويم دورى للبيانات المتعلقة بانبعاث غازات الدفيئة فى قطاعات إنتاج واستهلاك الطاقة .
      1. تنويع مصادر الطاقة والتوسّع فى استخدامات الطاقة المتجدّدة:
      يواجه قطاع الطاقة فى مصر تحدياً حقيقياً فى الوفاء باحتياجات التنمية، حيث إن الزيادة المضطردة فى الاستهلاك غير الكفء للطاقة، والتوجّه إلى تصدير مصادر الطاقة الأولية، خاصة الغاز الطبيعى، قد أدى منذ عام 2007/2008 إلى بدء ظهور فجوة متزايدة بين المصادر الأولية المتوفرة للاستهلاك المحلى وحجم الطلب عليها. وترتب على ذلك ظهور الحاجة إلى استيراد بعض المنتجات البترولية من الخارج، والتى اصبحت تمثل عبئاً ضخماً على الموازنة العامة للدولة. بل ومن المتوقع أن تتراوح هذه الفجوة خلال الفترة (2022-2030) بين 24% و35% من حجم الطلب على مصادر الطاقة الأولية.
      ومن ثم، فإن ضمان تحقيق نمو اقتصادى يتناسب وأهداف خطة التنمية الطموحة لمصر، يستلزم اتخاذ إجراءات فاعلة ومؤثرة بالضرورة لمواجهة اتساع الفجوة بين موارد الطاقة، وحجم الطلب عليها، مما يتطلب أن تتضمّن إستراتيجيات وخطط قطاع الطاقة العمل على تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة، وتنويع المصادر، والتوسّع فى استخدام الطاقة المتجدّدة، وتحسين كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة، وترشيد استهلاكها.
      ولذلك ينبغى القيام بما يلى:
      • تعظيم الاستفادة من المصادر المائية المتوفرة: حيث تم إنشاء وتشغيل أربع محطات، وجارى الإنتهاء من  تنفيذ آخر محطة بقدرة 32 م.و، ومحطات مائية بقدرة إجمالية 423 م.و، مما استنفد معه تقريباً الإمكانات المائية المتاحة.
      • البرنامج النووى المصرى: حيث تسعى وزارة الكهرباء والطاقة حثيثاً لتنفيذ مخطط لبناء عددٍ من المحطات النووية لإنتاج الكهرباء، من المتوقع أن تصل قدراتها من 2000 إلى 4000 م.و. بحلول عام 2020 .
      • إن ضمان أمن الطاقة فى ظل وجود الفجوة بين مصادر الطاقة المتاحة والطلب عليها، يتطلب بالضرورة تكثيف الاعتماد على المصادر المحلية المتاحة، كما أن التحرّك الإستراتيجى لسياسة الطاقة فى مصر خلال العقود القادمة، يجب أن يستند إلى إحلال الغاز الطبيعى والطاقة المتجدّدة محل المنتجات البترولية والحد من استيرادها، مع العمل على تقليل الآثار البيئية الناجمة عن حرق الوقود، وذلك من خلال :
        • إعادة النظر فى الاتفاقيات التى تبرم مع الشركاء الأجانب فى نشاط البحث والاستكشاف، بحيث تحقق التوازن بين مصالح طرفى الاتفاق، وتقلل من تكاليف الإنتاج، وتحافظ على حقوق الأجيال القادمة.
        • تكثيف أنشطة التنقيب والاستكشاف، والعمل على استخدام التقنيّات المتقدّمة فى ذلك لدعم زيادة مصادر الطاقة المحلية بقدر الإمكان، حيث أنه بدون اكتشافات جديدة وكبيرة للبترول والغاز يمكن أن تنضب المصادر الإحفورية المتاحة.
        • إعادة النظر فى تصدير الغاز الطبيعى، والإبقاء عليه للمشاركة فى تأمين الاحتياجات المحلية من الطاقة. وبناءً على ذلك، يجب إعادة النظر فى إنشاء مصانع  تسييل الغاز الطبيعى للتصدير،  وتوفير المليارات اللازمة لذلك.
        • إجراء إصلاحات تشريعية ومؤسسية فى قطاع الطاقة، خاصة فى قطاع البترول. مثل مراجعة قانون الهيئة المصرية العامة للبترول التى تقوم بإدارة كافة أنشطة البترول فى مصر، وتنظيم علاقاتها بالشركات الأخرى العاملة فى هذا النشاط، وكذلك علاقاتها بالموازنة العامة للدولة.
        • وضع السياسات واتخاذ الإجراءات اللازمة للإسراع فى إحلال الغاز الطبيعى محل المنتجات البترولية المستوردة/المحلية، خاصة من خلال العمل على استكمال مشروعات توصيل الغاز الطبيعى إلى المنازل والمنشآت الصناعية على نطاق واسع، مع إعطاء الأولوية للمناطق التى تم تنفيذ شبكاتها الرئيسية، مما يُحِد من استيراد البوتاجاز، واعتماد أساليب لمشاركة المستفيدين، خاصة من الفئات القادرة فى تكلفة التوصيلات.
        • التوسّع فى مشروعات التحوّل إلى الغاز الطبيعى فى المركبات، مع إدراج ذلك ضمن السياسات القطاعية المختلفة، وتوفير الحوافز والضمانات لنشر ذلك.
      • التوسّع فى استخدامات الطاقة المتجدّدة: تتبنى وزارة الكهرباء والطاقة إستراتيجية لتوفير20% من الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة المتجدّدة بحلول عام 2020. وخلال العقد الماضى(2000-2010)، بدأت تظهر مزارع الرياح التى وصلت قدراتها فى عام 2010/2011 إلى نحو 540 م.و.، ويستهدف وصولها إلى حوالى7200 م.و بحلول عام 2020. كما تم إنتاج الكهرباء من النظم الحرارية الشمسية بقدرة 140 م.و.، بالإضافة إلى بدء بعض صناعات الطاقة المتجدّدة التى أنشأها القطاع الخاص للسخانات الشمسية، ولتجميع ألواح الخلايا الشمسية وتنفيذ نظمها، حيث تتوافر فى مصر مناطق متميّزة لطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والكتلة الحية، مع مصادر محدودة لطاقة الحرارة الجوفية الأرضية.
        فتتوافر طاقة الرياح فى مواقع متعدّدة خاصة على خليج السويس، وسواحل البحر الأحمر، تصل سرعاتها المتوسطة إلى حوالى 7 متر/ثانية، بينما تصل فى بعض المناطق إلى نحو 10 متر/ثانية. كما تتوافر الرياح بسرعات قابلة للاستخدام فى مناطق شرق وغرب النيل جنوباً، وفى شرق  العوينات وسيناء. وتعتبر نظم طاقة الرياح لإنتاج الكهرباء من أقل تقنيّات الطاقة المتجدّدة تكلفة فى المواقع التى تتوفر بها المصادر المناسبة.
        وكذلك تتوافر الطاقة الشمسية بمعدلات مرتفعة على كافة المناطق المصرية، وبساعات سطوع تسمح باستخدامها على مدار العام. ويتراوح الإشعاع الشمسى الكلى من 5 إلى 9 ك.وس/م2/اليوم، بينما يصل الإشعاع الشمسى المباشر إلى 5-7 ك.و.س/م2. وتمثل هذه المصادر إمكانات كبيرة لاستغلال الطاقة الشمسية فى تطبيقات متعدّدة، سواء لإنتاج الكهرباء أو فى التطبيقات الحرارية.
                 أما طاقة الكتلة الحيوية، فتتوافر فى مصر ثروات متعدّدة وضخمة من الكتلة الحيوية، سواء من المخلفات الريفية، أو الحضرية، أو الصناعية، إلا أن الجهود المبذولة حتى الآن مازالت قاصرة عن أبراز أهمية هذه المصادر، أو تحديد برامج مناسبة لاستخدامها سواء فى إنتاج الغاز الحيوى، والوقود السائل أو الكهرباء. ذلك على الرغم من العديد من البرامج التجريبية التى تم تنفيذها  لإنتاج الغاز الحيوى من تدوير المخلفات .

       الإطار
      3استغلال الطاقة الشمسية في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية

        في يوليو 2009، وضع ممثلو نحو 20 شركة ألمانية كبرى في مؤتمر صحفي عقدوه في ميونيخ ، توقيعاتهم على إعلان مشترك يتبنون فيه تنفيذ مشروع "تكنولوجيا الصحراء" أو DESERTEC” الذي يقوم على استغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية بهدف فتح باب عولمة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية العابرة للقارات. وبذلك تفتح أوروبا الباب الأوسع أمام تبدل ضخم في خريطة الطاقة عالمياً، مع ما يرافقه من تبدلات هائلة في السياسة والاقتصاد والأمن الاستراتيجي والتنمية وغيرها. 
        بناً على هذا المُقترح، ستجمع حقول من المرايا في الصحراء أشعة الشمس لغلي المياه لتشغيل محركات من أجل تزويد شبكة خالية من الكربون بالكهرباء تربط بين أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وسيحتاج ''ديزيرتيك'' إلى 20 أو أكثر من كابلات التيار المباشر الفاعلة تكلف كل منها ما يصل إلى مليار دولار لنقل الكهرباء شمالا تحت البحر المتوسط. 
        المزايا
      • الطاقة التي تتوافر في صحاري العالم في ست ساعات أكبر مما يستهلكه العالم خلال عام بأكمله.
      • خطوة إيجابية من العالم المتقدم لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعاني أغلبية موجات الجفاف والتصحر المتكررة التي يلقى باللوم فيها على ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض.
      • استغلال أشعة الشمس على مساحة 90 ألف كلم مربع، أي واحد في المائة من المساحة الإجمالية للمنطقتين، يمكن أن يؤمن من الناحية النظرية كامل حاجة الكرة الأرضية من الطاقة الخضراء.

        العيوب
      • توليد الطاقة الكهربية واعتماد اوروبا عليه سوف يخلق اعتماداً سياسياً على بلدان شمال أفريقيا، كما سوف تشكل محطات توليد الطاقة وخطوط النقل هدفا لهجمات الارهابيين.
      • الأوضاع السياسية في دول المغرب العربي والعواصف الرملية في منطقة الصحراء الكبرى والخطر الذي يواجه سكان الصحراء إذا استخدمت مياههم في تنظيف المرايا الشمسية من الغبار.
      • تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة, التي يقوم عليها مشروع ديزيرتيك, تتضمّن تكاليف ومخاطر أكبر من المشاريع الأصغر نطاقاً التي تعتمد على الخلايا الكهربائية الضوئية التي تولد أغلبية إنتاج أوروبا من الطاقة الشمسية في الوقت الحالي
      • هناك خطر مصادرة الأصول والنكوث بالتراخيص والفساد والبيروقراطية التي يمكن أن تمنع الانطلاق بالخطوة الأولى.
      • سيكون نصيب الدول العربية المنتجة للكهرباء ضئيلاً مادياً حيث أن معظم الاستثمارات والتكنولوجيا المستخدمة ستكون أوروبية

        الدول العربية
        صرّحت الحكومة المغربية إن ''ديزيرتيك'' يمكن أن يحل محل اعتماد المغرب على الطاقة المستوردة مع الإبقاء على كمية كبيرة من الطاقة لأوروبا وأن المغرب ستولد طاقة كافية للاستهلاك المحلي وللتصدير خلال السـنوات الـمائة المقبلة، كما حددت بالفعل مواقع لوضع المرايا الشمسية ليس في عمق الصحراء, بل في مناطق مأهولة بالسكان إلى الشمال من الصحراء لضمان توفير إمدادات المياه لتنظيف المرايا وتبريد المحرّكات. 
        ويوجد في الجزائر أكبر مساحات من الصحراء وقررت شركة سيفيتال الجزائرية الخاصة الاشتراك في مشروع ديزيرتيك. وشددت الحكومة الجزائرية من الشروط على الاستثمارات الداخلية وتقول إنها لن تتعاون مع ''ديزيرتيك'' إلا إذا سمح بمشاركات بين الجزائر وشركات أجنبية وبنقل التكنولوجيا.
      وعلى الرغم من الجهود التى وجهت لتنمية استخدامات مصادر الطاقة المتجدّدة المتوفرة، والمشروعات التى تم تنفيذها فى مجالات متعدّدة، يأتى فى مقدمتها إنتاج الكهرباء من مزارع الرياح، والنظم الشمسية الحرارية، والخلايا الشمسية فى المناطق النائية، وكذلك السخّانات الشمسية للمياه، إلا أن حجم انتشار تطبيقاتها مازال قاصراً عن الامكانات المتوفرة. وقد كان ذلك نتيجة لعقبات عِدّة واجهت انتشار استخدام هذه المصادر، منها: (1) عدم إدراج سياسات الطاقة المتجدّدة فى السياسات العامة أو السياسات القطاعية للطاقة. (2) محدودية التمويل المخصّص للطاقة المتجدّدة من مصادر محلية. (3) ضعف مستوى التنسيق بين الجهات المعنيّة بتطوير هذه المصادر بدءاً بواضعى السياسات وصولاً إلى المستهلك النهائى. (4) قصور إمكانات التصنيع المحلى للمعدات والتشريعات والبرامج الهادفة إلى تطويرها، مما يعوق خفض تكلفة المعدات والتوسّع فى التسويق. (5) انخفاض مستوى الوعى العام بمدى تطوّر هذه التقنيّات وإمكانات وجدوى استخدامها. (6) غياب رؤى الدور الاجتماعى للطاقة المتجدّدة فى تنمية المناطق الريفية، وتحسين أوضاع الشباب والمرأة بها.
        فى ضوء ما تقدّم، فإن الخطة العشرية تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات الكبيرة المتوفرة للتوسّع فى استخدام طاقة الرياح، وحفز استخدامات الطاقة الشمسية والكتلة الحيوية، لتحقق إسهاماً متزايداً فى الوفاء بالاحتياجات المستقبلية للطاقة فى مصر، خاصة فى ضوء توفر فرص التعاون الدولى المتاحة، لحفز تنفيذ مشروعات الطاقة المتجدّدة على المستوى الموسّع بما فى ذلك تبنّى استراتيجية وطنية لإنتاج 20% من إجمالى الطاقة الكهربائية المنتجة فى مصر فى عام 2020 من مصادر الطاقة المتجدّدة كما سبق الذكر، وعلى أن تتضمّن البرامج الهادفة إلى تنفيذ الإستراتيجية توفير 20% من الكهرباء المنتجة، و20% من المنتجات البترولية والغاز المقدّر استهلاكها فى ذات العام، وعلى أن تتضمّن البرامج التنفيذية للإستراتيجية الآتى:
      • إنتاج الكهرباء بالقدرات الكبيرة : من مزارع الرياح بقدرة إجمالية تصل إلى نحو 9000 م.و، وحوالى 400 م.و من المحطات الشمسية الحرارية بالارتباط مع التوربينات الغازية، ونحو 300-400 م.و من محطات الخلايا الشمسية، مع الإشارة إلى أن ذلك يتماشى مع ما تستهدفه وزارة الكهرباء والطاقة ضمن الإستراتيجية الحالية، وما يمكن إنشاؤه خلال الفترة (2020 – 2023).
      • تطبيقات الخلايا الشمسية محدودة القدرة  فى تطبيقات متنوّعة، وذلك من خلال وضع التشريعات والمعايير التى تُشجِّع القطاع الخاص على تبنّى هذه المشروعات فى التطبيقات المتفرّقة والأماكن النائية، وبقدرات إجمالية  20-30 م.و. مركب، وكذلك التوسّع فى  استخدام الخلايا الشمسية فى رفع المياه والرى .
      • نشر السخانات الشمسية للمياه فى نسبة لا تقل عن 50% من المبانى الجديدة،  وإحياء العمل بقرار وزير الإسكان والتعمير الخاص بذلك، مع بناء قدرات الشباب لإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة لتصنيع وتسويق وتركيب وصيانة هذه النظم، والتى ستوفر فرص عمل كبيرة.
      • نشر النظم الشمسية للتسخين الصناعى، حيث يمثل الاستخدام الحرارى للطاقة فى الصناعة ما يربو على 35% من إجمالى استهلاكها من الطاقة، فتتوافر إمكانات كبيرة لاستخدام نظم الطاقة الشمسية الحرارية، كما تتوافر القدرات الصناعية والتدريبية لتنفيذ هذه النظم وتشغيلها والتعامل معها.
      • تبنى برنامج قومى لنشر تقنية إنتاج الغاز الحيوى من المخلفات الحيوانية والزراعية فى الريف المصرى، وتدريب الشباب فى هذه المناطق على تصنيع وتركيب وتشغيل الوحدات، وإنشاء شركات صغيرة لخدمات الطاقة بها. وسوف يسهم هذا المشروع فى توفير الغاز الحيوى فى الريف، وبالتالى الاستغناء عن البوتاجاز المستورد، فضلاً عن فوائده فى إنتاج السماد الحيوى ونظافة البيئة.
      • تطوير برامج قولبة المخلفات الزراعية، خاصة حطب القطن وقش الأرز، وتطوير نظم إنتاج الطاقة منها.
      • دراسة وتنفيذ ما يثبت جدواه من نظم معالجة المخلفات الحضرية من القمامة، ومخلفات الصرف الصحى، وتنفيذ مشروعات تطبيقية له بالمشاركة مع القطاع الخاص، استناداً إلى دراسات جدوى مُدققة.
      1. تحسين كفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك:
      من الثابت أن تحسين كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها هو أفضل الوسائل الفنية والاقتصادية للحد من الطلب عليها وتقليل الآثار البيئية لها. ومن ثم، يجب أن تحظى نظم تحسين كفاءة الطاقة وترشيد استخدامها بأولوية التطبيق فى كافة قطاعات الإنتاج والاستهلاك، مع ملاحظة أن يتم التركيز على القطاعات الأعلى استهلاكاً والأقل كفاءة حالياً، مثل قطاعات الصناعة والنقل والمنزلى، مع التركيز على اختيار التقنيات الأكفء والأنسب للتطبيق فى كلٍ من هذه القطاعات.
      وقد خلصت الدراسات والمشروعات الحقلية التى تم تنفيذها فى مصر خلال العقدين الماضيين إلى أن مشروعات كفاءة الطاقة فى مصر، يمكن أن تحقق وفراً فى الاستهلاك تباينت تقديراته بين 10% فى القطاع المنزلى، وإلى ما يتراوح بين (10% و25%) فى قطاعى الصناعة والنقل، إلا أن أحدث التقديرات على المستوى الوطنى أشارت إلى أن مشروعات تحسين كفاءة الطاقة يمكن أن توفر حوالى 8.3% من الاستهلاك الإجمالى للطاقة بحلول عام 2020، ولكن هى قيمة تقديرية تظل رهن اعتماد الأطر التشريعية والتنظيمية التى تمكن من تنفيذ ذلك.
      وفى سبيل نشر تطبيقات تقنيات ونظم رفع كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها، فإن الخطة العشرية تأخذ بعين الاعتبار تطبيق عدٍد من الإجراءات، يأتى فى مقدّمتها:
      • اعتماد إستراتيجيات قطاعية تتضمّن الالتزام بأهداف كمية محدّدة، لرفع كفاءة الاستخدام والترشيد، مع إدماجها بشكل متكامل مع الإستراتيجيات الوطنية للتنمية.
      • تحديد برامج قطاعية محدّدة، وتحديد أولويات تنفيذها فى التطبيقات التى يمكن أن تتمتع بانتشار واسع، وإمكانات جدوى اقتصادية واضحة، مع استحداث أساليب تمويل مشجّعة لبرامج التطوير.
      • تحديث وتطوير قواعد بيانات موثقة حول إنتاج واستهلاك الطاقة فى القطاعات المختلفة كأساس لوضع قواعد العمل المستقبلى، فى ظل الإستراتيجيات والسياسات المشار إليها.
      • العمل على بناء القدرات البشرية والمؤسسية اللازمة، لتوفير الكوادر والإمكانات المطلوبة لتنفيذ ما تقدم، على أن توجّه إلى كافة المعنيين فى المجال على اختلاف مستوياتهم.
      • إصدار معايير تشجيعية لكافة القطاعات المستهلكة لرفع كفاءة استخدام الطاقة، وتحقيق المعدلات العالمية لمعدل استخدام الطاقة لوحدة المنتج .
      وفى ضوء ما تقدّم، نعرض فيما يلى بعض المعايير والإجراءات ذات الأولوية لتحسين كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة فى قطاعات الصناعة، والإسكان، والنقل.
      3-1 الصناعة الخضراء:
        يمثل قطاع الصناعة أكبر المستهلكين للطاقة النهائية فى مصر، حيث بلغ استهلاكه فى عام 2009/2010 نحو 34.2% من استهلاك الطاقة النهائية، كما استحوذ على حوالى 25.2% من إجمالى الكهرباء المستهلكة. ويُضاف إلى ذلك أن الدراسات والمسوح الميدانية قد بيّنت الآتى:
      • وجود إمكانات كبيرة لرفع كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها فى العمليات الصناعية المختلفة، يمكن أن تتحقق لها الجدوى الفنية والاقتصادية، وتوفر ما يتراوح  بين 10% و25% من الطاقة المستخدمة، مع تباين فترات استرجاع رأس المال بين عدّة شهور إلى سنوات محدودة  بناءً على طبيعة المشروع والإجراءات التقنيّة المستخدمة.
      • تمثل المشروعات ذات التكلفة المنخفضة والمتوسطة قدراً كبيراً من إمكانات الترشيد فى إدارة جانب الطلب، ويمكن أن تصبح محور اهتمام لبرامج على نطاق واسع.
      • وبناءً عليه، ولما كانت الصناعات التحويلية هى أكبر مستهلكى الطاقة، فيجب أن تتضمّن خطة التنمية برنامجاً موسعاً لرفع كفاءة الطاقة فى الصناعات التحويلية يُراعى فيه الآتى:
      • البدء بالصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وهى صناعات الحديد والصلب والدرفلة، وصناعة الأسمنت، وصناعة الألومنيوم، والتى تستهلك نصيباً كبيراً من المنتجات البترولية والكهرباء المنتجة. حيث بلغ استهلاكها فى عام 2009/2010 نحو 5.3% ، 3.7% ، 3.6% على التوالى، وبإجمالى 12.5% من الكهرباء المستهلكة فى مصر.
      • العمل على تبنّى مفهوم الصناعة الخضراء، بغية تعديل مسار التنمية الصناعية وتعزيز استدامتها، وتضمين ذلك فى الإستراتيجيات والخطط والبرامج، مع مراجعة واستحداث التشريعات والسياسات اللازمة، لتعزيز تطبيق التشريعات البيئية فى القطاع الصناعى، ودمج قضايا الصناعات الخضراء والإنتاج الأنظف فى صلب السياسات الصناعية.
      • تعبئة الجهود البشرية ورصد الميزانيات اللازمة وتوفير المعونة الفنية، التى تمكن من تنفيذ البرامج والخطط الرامية إلى دعم وتنمية الصناعات الخضراء فى مصر، ضمن برامج تحدّد الأولويات الملائمة للبيئة المحلية وقدرتها الاستيعابية، وتشجع التحوّل التدريجى، مع خلق بيئة مؤاتية لقيام القطاع الخاص بالاستثمار.
      • العمل على تطوير فرص إعادة استخدام النفايات الصلبة والسائلة فى  الصناعة وقوداً بديلاً للحرق فى الأفران، خاصة فى صناعة الأسمنت، وذلك لحل مشكلة النفايات وتأمين طاقة بديلة رخيصة.
      • تحسين إجراءات الصيانة والتشغيل والمتابعة الدورية للمعدات الحرارية والكهربائية المستخدمة.
      • إعطاء الأولوية فى التمويل والتنفيذ للمشروعات التى سبق تنفيذ نماذج ناجحة لها، وتتسم بأنها متكرّرة فى صناعات متعدّدة، ويمكن أن تحقق وفورات عالية. ومن أهمها: (1) نظم استعادة الحرارة المفقودة فى الصناعة. (2) نظم التوليد المشترك للحرارة والكهرباء. (3) رفع معامل القدرة الكهربائية. (4) رفع كفاءة الغلايات من خلال تحسين كفاءة الاحتراق، وغيرها.
        1. نظم النقل المستدام:
      يرتبط تحقيق استدامة قطاع النقل بإمكانات رفع كفاءة الطاقة فى القطاع، والحد من آثاره على البيئة.  ويستلزم ذلك العمل على: (1) تحسين إدارة المرور، (2) التوسّع فى استخدام الغاز الطبيعى فى وسائل النقل، (3) تحسين نوعية الوقود، فضلاً عن ضبط وصيانة المحركات. وفى هذا الإطار، فقد قامت وزارة البترول بجهود عديدة لتطوير معامل التكرير لكى تصبح قادرة على تكرير المنتجات الثقيلة، وتحسين مواصفات الوقود، كما قامت بالتعاون مع وزارة البيئة ببدء برنامج لإحلال الغاز الطبيعى محل الوقود السائل فى المركبات. وفى ضوء ما سبق، ينبغى على الجهات المختصة أن تعمل على تنفيذ الأولويات الآتية خلال الخطة العشرية.
      • فى مجال إدارة المرور:
        • تطوير وتعزيز وسائل النقل الجماعى داخل المدن، بما فى ذلك حافلات النقل العام والاستمرار فى التوسّع فى شبكات المترو.
        • وضع وتنفيذ قوانين صارمة للمرور على الطرق الرئيسية، مع مراقبة الانبعاثات من المركبات، وتخصيص مسارات مرورية للشاحنات.
        • تنفيذ مشروعات لمد شبكات السكك الحديدية بين المحافظات، مع التوجّه لكهربتها.
        • وضع ضوابط تشريعية لتقنين امتلاك السيارات، والحد من استيراد المركبات الملوّثة للبيئة.
        • تفعيل وتنفيذ الاشتراطات الواردة فى قانون البناء بالنسبة لإنشاء الجراجات فى جميع المبانى الجديدة، وتغليظ العقوبات ذات الصلة، وذلك لزيادة مساحة الطرق المتاحة لحركة المرور، والحد من الازدحام.
      • التوسّع فى استخدام الغاز الطبيعى فى المركبات: أن تتبنّى الوزارات المختصة برنامجاً قومياً للتوسّع فى تحويل المركبات التى تعمل بالبنزين للعمل بالغاز الطبيعى، بحيث يتضمّن هذا البرنامج تحويل 50% من سيارات التاكسى، 20% من سيارات الميكروباس إلى استخدام الغاز الطبيعى حتى عام 2022/2023، مع تقويم إمكانات استخدامه فى النقل العام.
      • تحسين مواصفات الوقود: تطوير مواصفات الوقود السائل، خاصة إزالة الرصاص من البنزين، مع تخفيض الحد الأقصى لمُحتوى الكبريت فى وقود الديزل إلى 500 جزء  فى المليون " كمرحلة إنتقالية " أو 50 جزءاً  فى المليون، بالإضافة إلى تركيب أجهزة تحكم ملائمة فى الانبعاثات.
      • ضبط وصيانة المحرّكات: اعتماد وتطوير برامج الصيانة، وإعادة تأهيل والتفتيش على المركبات، مع وضع معايير واضحة لحدود الانبعاثات المسموحة، حيث أثبتت التجارب الميدانية لذلك إنه يمكن تخفيض استهلاك الوقود بنسبة 15% للسيارات موضع الاعتبار.
        1. النظم الخضراء فى القطاع المنزلى:
         القطاع المنزلى هو ثالث أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة النهائية بعد قطاعى الصناعة والنقل، حيث وصل استهلاكه إلى نحو 18.8% من إجمالى استهلاك الطاقة النهائية عام 2009/2010.  ولذلك، فإن العمل على تحسين كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها فى هذا القطاع من الأمور الهامة فى التحرّك نحو الحد من نمو الطلب على الطاقة. ولذا ينبغى القيام بما يلى:
      • تطبيق مواصفات العمارة الخضراء: النظر فى تضمين قوانين البناء المعايير والاشتراطات التى تسمح بنشر أساليب العمارة الخضراء، للحد من الأحمال الحرارية للمبانى وتوفير الأجواء الملائمة داخلها، بما فى ذلك مواصفات مواد البناء.
      • تحسين كفاءة الإنارة: الاستمرار فى البرامج التى تبنتها وزارة الكهرباء لنشر استخدام وحدات الإنارة عالية الكفاءة، وإصدار حوافز تشجيعية للصناعة المحلية لإنتاج ونشر استخدام هذه الوحدات لتحقيق انتشار واسع لها فى مدى زمنى محدود.
      • استخدام السخانات الشمسية فى تسخين المياه: اعتماد برامج وطنية لنشر استخدام السخانات الشمسية فى مصر، مع الأخذ فى الاعتبار الدروس المستفادة من  التجارب السابقة فى ذلك، واعتماد الحوافز التشجيعية اللازمة لدعم الصناعة المحلية لهذه السخانات.
      • زيادة كفاءة الطاقة فى الأجهزة المنزلية: إصدار المواصفات القياسية وأساليب الاعتماد اللازمة لتشجيع نشر استخدام الأجهزة عالية الكفاءة والترويج لها.
      هذا ومن الأهمية بمكان التأكيد أن تنفيذ كافة البرامج المشار إليها لنشر استخدامات النظم الخضراء فى عمليات التنمية تتوقف على إيجاد البنية المؤسسية والتشريعية الفاعلة، والتنسيق على المستوى الوطنى، فضلاً عن ضرورة تشجيع البحث العلمى، وحفز المشاركة المجتمعية من خلال برامج بناء القدرات والتوعية، مع دعم الصناعة الوطنية وتشجيع القطاع الخاص على الدخول فى تنفيذ مشروعات النظم الخضراء للتنمية.
      الباب الرابع
      استراتيجية التنمية القطاعية والمكانية 
      يتعرّض هذا الباب لمعالجة السياسة الصناعية في مصر وهي ما ينسحب على كافة الأنشطة الانتاجية  ولا يقتصر على الأنشطة الصناعية بالمعنى الضيّق. والمغزى الذي يحاول أن يبرزه هذا القسم هو التحوّل نحو أنشطة ترفع القيمة المضافة للنشاط بدءاً من الصناعات الاستخراجية وصولاً إلى اقتصاد المعرفة  والصناعات الكثيفة في استخدامات التكنولوجيّات الحديثة.
      ثم يتعرّض الباب للتوجّه الرئيسي الذي يسعى إلى الاستفادة من الحيّز المكاني لمصر باعتباره أحد الثروات الطبيعية التي تتمتع بها مصر بما يرفع من قيمة الأرض ويفتح المجال أمام الخروج من الوادي الضيق إلى آفاق أرحب، ويقضي على المشاكل التي تعترض إدارة الأراضي في مصر، ويقدّم مُقترحاً لتقسيم مصر إلى أقاليم تنموية بمقوّمات أساسية للتنمية  بما يدفع بعملية التنمية ويقلل الفوارق بين أجزاء الوطن الواحد.
      وينتهي الباب بتقديم المُقترح الخاص بنظام نقل متكامل لمصر بناءً على دراسة حديثة للوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) بما يتلاءم مع منطلقات التنمية وربط مراكز الإنتاج و الاستهلاك داخل مصر من ناحية، وربطها مع العالم الخارجي، من ناحية أخرى.
      محتويات الباب الرابع 
      القسم الأول: استراتيجية التنمية القطاعية
            1 – 1 الهيكل القطاعى للنشاط الاقتصادى
            1 – 2 معايير اختيار الهيكل القطاعى فى مصر
            1 – 3 الهيكل القطاعى المستهدف فى نهاية الخطة العشرية
            1 – 4 متطلبات تحقيق الهيكل القطاعى المستهدف
      القسم الثانى: استراتيجية التنمية المكانية
            2 – 1 إدارة أراضـي الدولة
            2 – 2 تقسيـم مصـر إلـي أقاليـم تنمويـة
            2 – 3 الإسكان
              2 – 4 النقـــل








      القسم الأول: استراتيجية التنمية القطاعية
      1 – 1 الهيكل القطاعى للنشاط الاقتصادى
      تعتمد استراتيجية التنمية القطاعية على اتباع السياسة الصناعية بمعناها الواسع، أى باتباع مجموعة من السياسات والبرامج والإجراءات التى تعمل على توفير مناخ اقتصادى ملائم لتنمية النشاط الاقتصادى ككل أو بعض قطاعاته، بما يؤدى إلى تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد ودفع معدلات النمو الاقتصادي.
      ويتطلب تنفيذ السياسة الصناعية التدخل، بشكل غير مباشر، من خلال توجيه عمليات تخصيص الموارد بين الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وكذلك تنظيم عمل الأسواق، خاصة فى حالات إخفاق السوق فى تخصيص الموارد بشكل سليم وفقاً لآليات السوق التنافسية.
      وكذلك لا يلزم بالضرورة أن يتم تنفيذ السياسة الصناعية فى إطار نظام التخطيط المركزى، فقد تنتج تلك السياسة فى إطار من تضافر الجهود بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، وهو الأسلوب الذى تنتهجه كافة الدول المتقدمة(1). بل إن للسياسة الصناعية أهمية خاصة عند الانتقال من نظام التخطيط المركزى إلى نظام اقتصاد السوق، وذلك من خلال رسم الخطوط العريضة لبيئة الأعمال ووضع الإطار المؤسسى الذى تعمل فيه الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
      لذا، لا يجب الربط بين السياسة الصناعية والتدخل فى آليات السوق، فمن المؤكد أن الاقتصادات سريعة النمو هى تلك التى لديها سياسة صناعية قوية. ومن ثم، يجب التركيز فى البحث عن الدرجة المُثلى للاستهداف وآليات التوجيه المناسبة للأنشطة المختلفة2.
      وتعمل السياسة الصناعية، فى سبيل تحقيقها لأهدافها، على محورين أساسين، هما:
      1. الهيكل القطاعى للنشاط الاقتصادى: مع التقدّم الاقتصادى، ينتقل هيكل النشاط الاقتصادى للدول من الاعتماد على الصناعات التقليدية ذات القيمة المضافة المنخفضة إلى الصناعات الأحدث ذات القيمة المضافة الأعلى. ويبرز دور السياسة الصناعية هنا بالتدخل فى تحديد الهيكل الصناعى أو توليفة الصناعات التى يمكن البدء بها، وفقاً لعددٍ من المعايير، للانتقال من مرحلة صناعية لأخرى، أخذاً فى الاعتبار الطلب المتوقع على السلع والخدمات المختلفة، وإمكانيات التوسّع فى طاقات الإنتاج فى ضوء محدودية الموارد (الأراضى - الموارد البشرية – الطاقة - رأس مال – المياه....)، والعلاقات التشابكية والقدرات التنافسية للأنشطة المختلفة.
      2. التنظيم الصناعى: يختص التنظيم الصناعى بوضع الإطار الذى تعمل من خلاله الأسواق، وأسس المنافسة بين الشركات فيما يتعلق بالسعر والجودة والخدمات، وضمان عدم وجود موانع لدخول السوق، أو قيام الشركات بأية ممارسات احتكارية أو ممارسات ضارة بالمنافسة بهدف الاستحواذ على الأسواق. أى ضمان وجودة سوق حرة ومفتوحة للجميع بما يُزكى روح المنافسة والإبداع.
      1 – 2 معايير اختيار الهيكل القطاعى فى مصر
      لتحقيق هدفى الخطة العشرية القادمة فى مصر والمتمثلان فى مضاعفة الدخل القومى والقضاء على البطالة، ينبغى أن يرتكز الهيكل القطاعى على معايير معيّنة لتحديد القطاعات ذات الأولوية، وهى على النحو التالى:
      • القطاعات كثيفة العمالة، وذلك لتوفير نحو 840 ألف فرصة عمل سنوياً للداخلين الجدد فى سوق العمل، بخلاف السحب من مخزون البطالة.
      • القطاعات ذات المزايا التنافسية، والتى تستطيع المنافسة محلياً وعالمياً.
      • القطاعات ذات العلاقات التشابكية، والتى يؤدى الدفع بأحدها إلى النهوض بالقطاعات المرتبطة بها.
      • القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وذلك من أجل مضاعفة الدخل القومى والارتقاء بمستويات المعيشة.
      وبذلك يمكن اختيار مزيجٍ من الصناعات التقليدية ذات القيمة المضافة المنخفضة، والصناعات الحديثة ذات القيمة المضافة الأعلى. حيث يتطلب تحقيق:
      • هدف التشغيل: الاعتماد بدرجة كبيرة على القطاعات التقليدية كثيفة العمالة (الزراعة، والصناعات الخفيفة مثل الصناعات الغذائية والملابس، وتجارة الجملة والتجزئة، والتشييد والبناء)، مع العمل على زيادة تنافسية تلك الصناعات وقيمتها المضافة (تقليل الفاقد، الارتقاء بالجودة، المعالجة والتصنيع، توفير المعلومات،...).
      • هدف مضاعفة الدخل القومى: التحوّل بشكل تدريجى إلى الصناعات ذات القيمة المضافة العالية مثل: صناعات المواد الخام الثقيلة كثيفة رأس المال (الصلب – البتروكيماويات)، وصناعات التجميع عالية العمليات (السيارات - الصناعات الكهربائية)، والصناعات المعرفية كثيفة التكنولوجيا (الاتصالات - المعلومات)، مع التركيز فى جميع الأنشطة على الصناعات ذات المزايا التنافسية الأعلى، والتى تستطيع المنافسة مع منتجات الاقتصادات العالمية الكبرى فى ظل اقتصاد السوق الحر، وهو ما يتطلب:
      • تقويم المزايا التنافسية لمصر فى السوق العالمى فى الصناعات المختلفة.
      • تقويم الجوانب التنافسية للصناعات المختلفة (الإنتاجية – تكلفة العمل – التميّز فى الموقع والموارد – الابتكار والإبداع).
      • تحديد عناصر المنافسة التى سيتم التركيز عليها، هل هى السعر أم الجودة أم العلامة التجارية؟، مثل النموذج الصينى مقابل النموذج اليابانى (السعر مقابل الجودة).
      1 – 3 الهيكل القطاعى المستهدف فى نهاية الخطة العشرية
      يقوم الهيكل القطاعى الحالى فى مصر على أنشطة منخفضة القيمة المضافة، ومعاملات محدودة، وتجارة غير منتظمة. ولذلك، يعانى الميزان التجارى فى مصر من عجز مزمن، نتيجة اعتماد النموذج الحالى للتجارة الخارجية على تصدير المواد الخام، وبعض المنتجات منخفضة القيمة المضافة، مقابل استيراد منتجات ذات قيمة مضافة متوسطة ومرتفعة، وبعض المواد الخام والمنتجات منخفضة القيمة المضافة.
      ويوضّح الشكل رقم (6) هذا الهيكل وفقاً للتوزيع القطاعى للناتج المحلى الإجمالى فى عام 2011/2012، حيث يعد قطاع الصناعات التحويلية أهم قطاعات هذا الهيكل بنسبة 16%، يليه قطاع الصناعات الاستخراجية بنسبة 15%، وقطاع الزراعة والصيد بذات النسبة 15%.
      الشكل 6: التوزيع القطاعى للناتج المحلى الإجمالى فى عام 11/2012
      ويختلف هذا الهيكل بعض الشئ وفقاً للتوزيع القطاعى للعمالة، حيث يعد نشاط الزراعة والصيد أهم القطاعات استيعاباً للعمالة بنسبة 27.8% من إجمالى العاملين، يليه نشاط التشييد والبناء بنسبة 11.6%، ثم تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 10.9%، والصناعات التحويلية بنسبة 10.2%3.
      ومن ثم، يتطلب الوصول إلى هيكل تجارى متوازن ذو قيمة مضافة عالية، العمل على زيادة القيمة المضافة للصادرات، بإضافة بعض عمليات التصنيع على المواد الخام، وذلك فى إطار من التكامل والتشابك ما بين الزراعة والصناعة التحويلية والخدمات. أى عن طريق تصنيع المنتجات الزراعية والمواد الخام التعدينية، مع تشجيع الإبداع والابتكار فى عمليات التوزيع والتسويق والقنوات التجارية. وبذلك، يمكن الوصول إلى الهيكل الصناعى المستهدف فى نهاية الخطة العشرية 2021/2022 كما هو موضّح فى الشكلين رقمى (7)،(8) سواء من منظور الناتج أو من منظور العمالة. حيث يبيّن الشكلان تطوّر هذا الهيكل ما بين عامى 2001/2002، 2011/2012، والهيكل المستهدف فى عام 2021/2022.
      الشكل 7: تطوّر هيكل العمالة والناتج  (2001/2002 – 2021/2022)
        (أ)هيكل العمالة
      (ب) هيكل الناتج
      حيث يتضمّن:
        • قطاع الزراعة كلاً من: الزراعة والصيد والغابات.
        • قطاع الصناعة كلاً من: الصناعات الاستخراجية والتحويلية والتشييد والبناء.
        • قطاع الخدمات كلاً من: الخدمات الإنتاجية والاجتماعية والشخصية.
      الشكل 8: تطوّر الهيكل القطاعى وفقاً للتوزيع القطاعى للعمالة (01/2002-21-2022)
      (تتبع الخطوط الخضراء والسوداء والحمراء على التوالى للحصول على إحداثيات قطاعات الزراعة فالصناعة فالخدمات).
      يتضّح من الشكلين السابقين الثبات النسبى لمساهمة قطاع الصناعة فى كلٍ من الناتج المحلى الإجمالى والعمالة خلال الثلاث سنوات محل الدراسة، بينما انخفضت مساهمة قطاع الزراعة مقابل تصاعد مساهمة قطاع الخدمات.
      1 – 4 متطلبات تحقيق الهيكل القطاعى المستهدف
      يتطلب تحقيق الهيكل القطاعى المستهدف توافر عِدّة متطلبات على مستوى كل قطاع  كما هو موضّح فيما يلى:
        أولاً: قطاع الزراعة:
      يتطلب الارتقاء بقطاع الزراعة والأنشطة المرتبطة به، تبنّى مفهوم جديد للزراعة، لتكون زراعة تنافسية ذات قيمة مضافة مرتفعة، وذلك لمقابلة الاحتياجات الغذائية للأعداد المتزايدة من السكان. وكذلك العمل على زيادة التشغيل والقيمة المضافة، من خلال الارتقاء بعمليات ما بعد الحصاد، والربط ما بين قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والخدمات.
      الأهداف الإستراتيجية للتنمية الزراعية المستدامة حتى عام 2022
      في ضوء الرؤية الإستراتيجية للتنمية الزراعية المستدامة حتى عام 2030 - والتى أعدتها وزارة الزراعة-وتحقيقاً لرسالتها فقد تحدّدت ستة أهداف لإستراتيجية التنمية الزراعية المستدامة حتى 2022 تتمثل فيما يلي:
      1. تحسين مستوى معيشة السكان الريفيين وتخفيض معدلات الفقر الريفى
      2. الاستخدام المستدام للموارد الزراعية الطبيعية
      3. زيادة الإنتاجية الزراعية لوحدتى الأرض والمياه
      4. تحقيق درجة أعلى للأمن الغذائي من سلع الغذاء الاستراتيجية
      5. تدعيم القدره التنافسية للمنتجات الزراعية فى الأسواق المحلية والدولية
      6. تحسين مناخ الاستثمار الزراعي
      7. الاستخدام المستدام للموارد الزراعية
      تعد مصر من الدول ذات الندرة الواضحة في مواردها الزراعية الطبيعية (خاصة موردي الأراضي والمياه) وذلك يحكم ثقلها السكاني الكبير, وانتشار الكتلة السكانية على مساحة لا تتعدى 5% من مجمل المساحة الأرضية المصرية، حيث تمارس كافة الأنشطة الاقتصادية الزراعية . وعلى الرغم من ذلك، فإن الإستخدام المستدام لهذه الموارد يظل محلاً للتساؤل، إذ مازالت كفاءة استخدام المياه فى أعمال الري محدودة، كما أن خصوبة  الموارد الأرضية تتدهور سنة بعد أخرى، ويُضاف إلى ذلك أن معدلات التعدي على الأرض الزراعية وتحويلها من الاستخدام الزراعي إلى استخدامات أخرى غير زراعية  ما زلت قائمة رغم كافة القيود و القوانين التي شرعت للحد من هذا التعدي. ويتطلب الاستخدام المستدام للموارد الزراعية اتخاذ الإجراءات التالية:
      1.1 رفع كفاءة استخدامات المياه في الزراعة
      2.1 الزيادة المستدامة لمساحات الأراضي المستصلحة
      3.1 التنمية المستدامة لإنتاجية الوحدة من الأراضي والمياه
      4.1 تعظيم العائد المستدام من الزراعات المطرية
      5.1 صيانة وحماية الأراضي الزراعية
      6.1 تنمية الموارد البشرية
      2.     تدعيم القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية فى الأسواق المحلية والدولية
      وتتمثل التوجّهات الرئيسية للإستراتيجية فى هذا المجال فيما يلى:
      • إبلاء اهتمام كبير ومتزايد لتطوير المنتجات من حيث الجودة والخصائص النوعية ، وفق متطلبات الأسواق الخارجية والداخلية والمتطلبات التسويقية والتصنيعية،  وبخاصة فى إطار البرامج البحثية والإرشادية.
      • يرتبط بما سبق وضع وتطبيق معايير للجودة والمواصفات القياسية للمنتجات الزراعية، وتعميم إجراء عمليات الفرز والتدريج والتعبئة وفق تلك المعايير.
      • مواكبة التقنيّات العالمية المتطوّرة والحديثة التى تدعم وتعزز تحسين مستويات الكفاءة الإقتصادية للإنتاج الزراعي. وبخاصة فيما يتعلق بتطوير واستخدام الأصناف عالية الإنتاجية ، قصيرة العمر و الأكثر تحمّلاً للظروف البيئة غير الملائمة .
      • استخدام التقنيّات الحديثة فى نظم المعلومات والإتصالات التى تخدم القطاع الزراعي.
      • تطوير المرافق والخدمات التسويقية وأسواق التعامل فى المنتجات الزراعية .
      • تطوير معاملات ما قبل وما بعد الحصاد التى ترفع من جودة المنتجات وكفاءتها التسويقية.
      • استخدام وتطبيق الأساليب والتقنيّات الحديثة فى مجال الرصد والتحليل والتنبؤ بالمخاطر الطبيعية والفنية والسوقية، وذلك فى إطار وحدة أو إدارة مختصة بإدارة المخاطر الزراعية .
      • دعم وتعزيز ربط المزارعين – وبخاصة صغارهم – بالأسواق ، ويدخل فى هذا الإطار مختلف التوجّهات التى تدعم هذا الربط بما فى ذلك تطوير النظم والقنوات التسويقية، وتشجيع إقامة منظمات المزارعين التسويقية ، وتوفير المعلومات السوقية، والإرشاد التسويقى.
      • تفعيل وتقوية الدور الحكومى فى المجالات التى تحقق التوازن الكفء بين هذا الدور وبين آليات السوق، بما فى ذلك مجالات الإشراف والرقابة على الجودة والمواصفات للمدخلات والمنتجات، وتعزيز التنافسية، ومنع الإحتكار والغش، وحماية المستهلك، مع دعم دور منظمات المجتمع المدنى.
      • تقوية الآليات المؤسسية والتنظيمية التى تدعم زيادة درجة التكامل فيما بين حلقات التسويق المحلى والتسويق التصديري والتصنيع الزراعي، بما فى ذلك سياسات التسويق التعاقدى، والاتحادات والمجالس السلعية النوعية وغيرها.
        تحسين مناخ الاستثمار الزراعي
      رغم ما تحقق من إيجابيات في مُناخ الاستثمار الزراعي، فما زالت هناك بعض القيود والمشاكل العالقة. ويمكن الإشارة إلي أهم هذه المشاكل المرتبطة بالاستثمار الزراعي علي النحو التالي:
      • تعقد إجراءات الاستثمار الزراعي، خاصة في مجالات استصلاح الأراضي ونظراً لتعدّد الجهات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، وضعف التنسيق فيما بين هذه الجهات. الأمر الذي ينعكس سلباً علي المستثمرين والمنتجين الزراعيين .
      • الامتداد الزمني الكبير للفترة اللازمة للحصول علي عقود تملك الأراضي المستصلحة لتتجاوز أكثر من عشر سنوات في عديدٍ من الحالات, مما يفقد هذه الأراضي صلاحية استخدامها ضمن الضمانات البنكية اللازمة للاقتراض متوسط وطويل المدى, والذي يُعد الأداة الأساسية للاستثمار، سواء في الأنشطة الزراعية المباشرة أو الأنشطة الاقتصادية الأخري المرتبطة بها أو المكمّلة لها.
      • الانخفاض الواضح للاستثمارات العامة في القطاع الزراعي، وبصفة خاصة في مجال مشروعات الري والصرف، وذلك خلال السنوات القليلة الماضية, إذ أن هذه النوعية من الاستثمارات تعد شرطاً ضرورياً لدخول استثمارات القطاع الخاص. ومن ثم، فإن تقليصها يعني بالضرورة تقليصاً مصاحباً للاستثمارات الخاصة.
      • ضعف تكاملية سياسات التوسّع الزراعي الأفقي, ففي الوقت الذى تولي فيه الحكومه اهتماماً بتجهيز مناطق استصلاح الأراضي بالمرافق وعناصر البنية التحتية الزراعية, يتضاءل اهتمام هذه السياسات بتجهيز ذات المناطق بعناصر ومقوّمات الخدمات الزراعية وغير الزراعية الكفيلة بإقامة مجتمعات مستقرة في المناطق الجديدة, الأمر الذي أدي غيابه إلي ندرة العمالة الزراعية وارتفاع أجورها بالقدر الذي زاد من الأعباء الاستثمارية لمناطق التوسّع الزراعي الأفقي.
      وعلى ذلك، فإن تحسين مناخ الاستثمار الزراعي يتطلب أن تعمل وزارة الزراعة بالتعاون مع الوزارات الأخري ذات العلاقة على الحد من معوّقات الاستثمار الزراعي.
      1. تحسين مستوى معيشة السكان الريفيين
      أسفرت تراكمات السياسات والإهتمامات المتحيّزة فى غير صالح الزراعة والمناطق الريفية، إلى نتائج بالغة الخطورة من منظور الإختلالات التنموية بين الريف والحضر ، ومن منظور الأوضاع المتخلفة للأحوال المعيشية السائدة بين سكان الريف ، والتى كانت ولا تزال السبب الرئيسي فى الحفاظ على العديد من مظاهر التخلف ومن القيود الثقيلة التى تعوق الزراعة المصرية عن الإنطلاق نحو التطوّر والتحديث.
      وهكذا، فإن قضية الإهتمام بتحسين مستوى المعيشة لسكان الريف وتقليل الفجوة بين الريف والحضر تمثل ضرورة اجتماعية وإنسانية، غير أنها فى الرؤية الإستراتيجية تمثل ضرورة أساسية من ضرورات التنمية، سواء على المستوى القومى العام أو على مستوى التنمية للقطاع الزراعى بوجه خاص.
        العناصر الرئيسية لتوجهات تحسين مستوى معيشة السكان الريفيين
      يُعد تحسين أحوال الريف ومستوى معيشه سكانه شأناً عاماً يدخل فى نطاق الأهداف والسياسات والبرامج التنموية القومية الشاملة . وتقع أعباؤه و مسؤولياته على عديدٍ من الوزارات والهيئات، لا سيما فيما يتعلق بالمرافق والبنيات التحتية كالطرق والكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحى، أو ما يتعلق بالخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وشئون البيئة. ومن ثم، يعتبر دعم وتطوير كافة المرافق والخدمات فى المناطق الريفية من أهم التوجّهات التى ينبغى لها أن تحتل موقعاً هاماً ومكانة بارزة ضمن الرؤية الإستراتيجية للتنمية الشاملة فى مصر. ومن الطبيعي، فإن تحسين مستوى معيشة السكان الريفيين هو محصّلة لتحقيق نتائج إيجابية فيما يخص الأهداف السابق عرضها بالإضافة إلى كونه هدفاً يستلزم تحقيقه العمل من خلال مجموعة من السياسات والبرامج التي تستهدف المساهمة فى إنعاش وتحسين أحوال الريف المصرى، والارتقاء بمستوى معيشة سكانه. ويتمثل التوجّه الرئيسي والمحورى فى هذا الشأن فى العمل على الخروج بالريف المصري من الدائرة الضيّقة للتنمية أحادية القطاع (الزراعة) إلى دائرة أكثر اتساعاً تضم مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى ضمن إطار تكاملى، ووفق الظروف والمقوّمات التنموية لكل منطقة ريفية. ويمكن عرض أهم عناصر توجّهات هذه الإستراتيجية للمساهمة فى تحقيق الهدف الخاص بتحسين مستوى معيشة السكان الريفيين فيما يلى:
      • تنويع مجالات العمل والنشاط الاقتصادى من خلال تشجيع إقامة الأنشطة والمشروعات المرتبطة بالزراعة فى المناطق الريفية، مثل الأنشطة والمشروعات التسويقية والتصنيعية للمدخلات والمنتجات الزراعية.
      • تخطيط مناطق التوسّع الزراعى الجديدة على أساس تنوّع وتعدّد مجالات الأنشطة والمشروعات ، بما يدعم إقامة مجتمعات زراعية صناعية خدمية متكاملة.
      • دعم وتنمية الحرف والصناعات الريفية الصغيرة والصناعات المكملة والملائمة لأوضاع الإنتاجية والبيئية، بما يساهم فى خلق فرص جديدة للعمل وتحسين مستويات الدخول.
      • تعظيم إستفادة المزارعيين من المتبقيّات الزراعية – النباتية والحيوانية – وتحويلها إلى مواد نافعة وقيمة اقتصادية مضافة ( أسمدة – أعلاف – طاقة) وبما يساهم أيضاً فى تحسين أحوال البيئة الريفية ونظافتها .
      • دعم وتطوير مؤسسات صغار المزارعيين، وبخاصة فى مجال التسويق الزراعي، لزيادة قدرتهم التسويقية والتفاوضية والتعامل بأسعار عادلة، سواء فى مجال الحصول على المدخلات أو بيع المنتجات .
      • العمل على دمج صغار المزارعيين فى النشاط التصديرى لتحسين عوائدهم ودخولهم ، ولتطوير معارفهم وممارساتهم الزراعية .
      • تفعيل دور المرأة فى مختلف مجالات التنمية الريفية ، سواء داخل المنزل باعتبار المرأة زوجة وأم وربة أسرة، أو فى الحياه العامة باعتبارها عنصراً بشرياً مشاركاً فى مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وفى تحسين أحوال السكان الريفيين بصفة عامة.
      ثانياً: قطاع الصناعة التحويلية والتعدين:
      تتمتع مصر بإمكانيات واعدة فى الثروات التعدينية والصناعات التحويلية القائمة عليها من الصناعات الكيماوية والمعدنية وصناعات الحراريات ومواد البناء والخزف والصينى4. وتتنوّع هذه الثروات ما بين خامات الصناعات الكيماوية، مثل الفوسفات والبوتاسيوم والكبريت والتلك، والخامات الفلزية، مثل الحديد والذهب والنحاس والرصاص والزنك، وخامات الحراريات من الكوارتز والفلسبار ورمال الزجاج، ومواد البناء من حجر جيري وطفلة وجبس ورمال وحصى، وأحجار زينة مثل الرخام والجرانيت، وغيرها من الخامات المستغلة وغير المستغلة.
      وتتطلب تنمية قطاع الصناعات الاستخراجية، ربطه بالصناعات التحويلية والخدمات التمويلية والتسويقية والتجارية، من خلال التوسّع فى الصناعات المعتمدة على المواد الخام، ورفع القيمة المضافة لهذه المواد الموجّهة للتصدير، بإضافة بعض العمليات الصناعية عليها، خاصة مع زيادة الطلب الأجنبى على الخامات المصرية عالية الجودة، مثل رمال السيليكا، وأحجار الزينة، خاصة الرخام. 
      العلاقات والتشابكات الصناعية
      ويتوقف نجاح التنمية الصناعية فى تحقيق أهدافها دون معوّقات أو اختناقات فى مسيرتها على درجة مراعاة العلاقات والتشابكات الصناعية. إن النموذج القائم فى مصر حالياً للتجمّعات الصناعية Industrial Clusters، يعتمد على توفير الأراضى الصناعية المُرفّقة، وبيعها للمشروعات لإقامة صناعاتها، دون مراعاة للعلاقات التشابكية والروابط الأمامية والخلفية التى تجمع هذه الصناعات مع بعضها البعض، فيخلق ذلك وحدات إنتاجية متفرّقة لا يجمعها أى شكل من الترابط أو التشابك.
      ويمكن أن تتبع مصر أحد النماذج المُقترحة التالية لتحقيق التشابك بين المشروعات فى منظومة واحدة، مما يعمل على خفض التكاليف وزيادة القيمة المضافة. وذلك على النحو التالى:
        النموذج الأول: تجمع صناعى بين مشروعات تجمعها علاقات متشابكة من خلال روابط أمامية وخلفية، (المادة الخام – الموردين – عمليات التوريد)، (صناعة الأجزاء – التجميع)، (عمليات التوزيع – التسويق).
        النموذج الثانى: تجمع صناعى يعتمد على تسلسل العمليات الإنتاجية، بدءاً من توفير المادة الخام ومروراً بمراحل التصنيع المختلفة، وانتهاءً بالمرحلة الأخيرة، وهى التوزيع فى السوق المحلى أو التصدير.
        النموذج الثالث: تجمع صناعى يقوم على وجود شركة أم كبيرة وحولها مجموعة من المشروعات الصغيرة التى تمدها بالمواد الخام والتوريدات اللازمة.
      هناك أيضاً عدد من الاعتبارات يتعيّن أخذها فى الحسبان عند تصميم السياسة الصناعية5 فى فترة الخطة، وتشمل ما يلي:
      • ضرورة دعم تكاليف "الاستكشاف الذاتي" لانتاج منتجات جديدة: إن عدم اليقين بشأن نجاح أو فشل سياسة صناعية ما في إنتاج منتجات جديدة يشكّل عادةً عقبة رئيسية لإعادة هيكلة القطاع الصناعى، ويتطلّب حل هذه المشكلة القيام ببعض الاستثمارات الأوّلية وتطويع التكنولوجيات المستوردة للعمل بشكل جيّد وفقاً للظروف المحلية. وبالتالى يمكن أن تتدخل الحكومة لتغطية بعض تكاليف المراحل المبكرة من تكلفة عملية الاستكشاف، على أن يتم ذلك وفقاً لمعايير محدّدة، منها أن تكون أنشطة جديدة إلى حد كبير، وقادرة على تحقيق وفورات فى الاقتصاد، وأن تخضع لنظم مراجعة وتقويم أداء صارمة.
      • تطوير آليات لتمويل المشروعات مرتفعة المخاطر: إن تنفيذ الاستثمارات المطلوبة وفقاً لتصميم السياسة الصناعية يتطلب فى كثير من الأحيان إنفاقاً استثمارياً كبيراً يفوق أحياناً حجم الموارد المتاحة للقطاع الخاص. وفى الدول النامية لا تكون البنوك التجارية على استعداد لتمويل تلك المشروعات لارتفاع نسبة المخاطر. وبالتالى، فإن تطوير الأعمال والقيام بعملية الاستكشاف الذاتى يتطلب توفير أدوات تمويلية أخرى قادرة على تمويل تلك الأنشطة، مثل أسواق الأسهم وصناديق الاستثمار. 
      • دعم جهود البحث والتطوير: تتطلب عملية "الاستكشاف الذاتى" قدراً كبيراً من جهود البحث والتطوير التى تفوق عادةً إمكانات القطاع الخاص، وهنا يبرز دور الدولة فى دعم هذه الجهود وتسهيل عمليات نقل التكنولوجيا وتوطينها ثم تطويرها.
      • تطوير منظومة الاستثمار فى رأس المال البشرى: يلعب التعليم دوراً حيوياً فى مجال التصنيع، ويتطلب دعم وتطوير منظومة التعليم بمستوياتها المختلفة تدخل الحكومة، ليس فقط تدخلاً وظيفياً وإنما تدخلاً انتقائياً أيضاً لتعزيز مهارات محدّدة فى صناعات معيّنة، ذلك أنه عادة ما تواجه الأنشطة الجديدة نقصاً فى العمالة الماهرة والمدرّبة، وغالباً ما تحتاج الشركات لتقديم التدريب أثناء العمل، وهو ما يعدّ بمثابة تكلفة إضافية على المنشأة تتطلّب دعماً من الدولة فى شكل إعانات أو منح للشركات الخاصة أو للمدارس الفنية ومراكز التدريب المهنى للمشاركة في تمويل جهود التدريب الخاصة بهم.
      • التعامل بكفاءة مع قواعد منظمة التجارة العالمية: أوضحت التجارب الدولية الناجحة أهمية مبدأ التدرج والانتقائية فى تحرير التجارة الخارجية لحين وصول الصناعة الوطنية إلى مرحلة النضج. ومن هذا المنطلق، فإن السياسة الصناعية المقترحة يجب أن تتعامل بكفاءة مع قواعد منظمة التجارة العالمية وتضع آليات صحيحة لتوجيه وتحفيز القطاع الخاص فى الاتجاه المرغوب، على أن تكون أداة التحفيز فى كل حالة مرتبطة برصد مستوى الأداء والعمل وفقاً لآلية الرقابة المتبادلة، مما يدعم تنظيم علاقات العمل بين الجهات المختلفة المشاركة فى عملية التنمية الصناعية. فمن الضرورى مراعاة التكامل بين السياسة الصناعية والسياسات التجارية والاستثمارية والتكنولوجية من أجل تحقيق الهدف النهائى وهو التنمية بمعناها الشامل، ذلك أن تحقيق ميزة نسبية ديناميكية تخدم أغراض التنمية يستلزم أن تعمل السياسة التجارية على حماية بعض الصناعات من خلال الرسوم الجمركية و/أو القيود الكمية، وتقديم الإعانات،  وغيرها من التدابير الأخرى، شريطةً أن يتم ذلك فى إطار الالتزام بالاتفاقات والقواعد الدولية وبما يتسق مع طبيعة وظروف الدولة.
      • ضمان دور قوى للدولة يتكامل مع دور رئيسى للقطاع الخاص: تؤكد التجارب الدولية الناجحة فى مجال التصنيع على ضرورة وجود تدخل حكومى مباشر وغير مباشر، على أن يتم هذا التدخل بشكل انتقائى أو وظيفىلمعالجة فشل السوق. 
      • وفى ضوء القواعد السابقة التى تشكّل إطاراً عاماً للسياسة الصناعية فى مصر خلال الفترة القادمة، فإن السياسة الصناعية المقترحة لمصر يجب أن تنطلق من رؤية إستراتيجية طويلة الأجل، تحتل مصر من خلالها دور الريادة فى مجال التصنيع على مستوى المنطقة من خلال الاندماج الإيجابى الفعّال فى الاقتصاد العالمى القائم على المعرفة، وبالقدر الذى يسمح لمصر أن تكون منطقة جذب حقيقية للاستثمارات الوطنية والأجنبية فى مجال الصناعة. ويقتضي تحقيق هذا الهدف الإستراتيجى سرعة استعادة وتيرة الأداء الصناعى فى الأجل القصير، مع العمل على ضبط مسار الصناعة المصرية فى الأجلين المتوسط والطويل بما يسمح بتصحيح التشوّهات التى يعانى منها الهيكل الصناعى ويوسّع من قاعدة التصنيع المحلى، وذلك من خلال: بناء القدرات المحلية فى مجالات التكنولوجيا والتدريب والجودة؛ التوجّه نحو تعميق الصناعة المصرية وتصنيع خطوط وماكينات الإنتاج محلياً؛ تدعيم الصادرات الصناعية كأداة أساسية للارتقاء بالأداء الصناعى؛ استكمال شبكة البنية التحتية للصناعة، والتوسّع فى المناطق الصناعية فى جميع أنحاء مصر؛ وتوجيه الصناعة نحو ترشيد الطاقة والاهتمام بالبعد الصحى والبيئى.
      1. قطاع الخدمات:
      ترتبط تنمية الخدمات الإنتاجية خاصة خدمات النقل والتخزين، وتجارة الجملة والتجزئة، والتمويل والتأمين، ارتباطاً وثيقاً بمستوى التنمية فى قطاعات الزراعة والصناعات الإستخراجية والتحويلية وغيرها من الأنشطة السلعية. لذا من الضرورى توجيه الاهتمام إلى هذه الخدمات الإنتاجية باعتبارها جزءاً أساسياً ومُكمّلاً لعملية التصنيع.
      ومن الأنشطة الخدمية ذات الأولوية والأهمية الخاصة فى مصر، نشاط السياحة، نظراً لقدرته على استيعاب العمالة وزيادة الدخل القومى وتوفير العملات الأجنبية، إضافة إلى العلاقات التشابكية التى تجمع هذا النشاط بالأنشطة الاقتصادية الأخرى الزراعية والصناعية والخدمية. ورغم ما تتمتع به مصر من مقوّمات سياحية متميّزة ومتنوّعة قلما توجد فى أى دولة فى العالم، إلا أن الطلب على السياحة فى مصر أقل كثيراً من الإمكانيات المتاحة، وهو ما يتطلب حزمة من البرامج والسياسات تعمل على مضاعفة أعداد السياح والدخل من السياحة خلال العشر سنوات القادمة.
      ويتطلب الارتقاء بالهيكل القطاعى، والربط ما بين أنشطته المختلفة الزراعية والصناعية والخدمية، بهدف تعظيم القيمة المضافة والعائد من الأنشطة الاقتصادية المختلفة، العمل على عدّة محاور أساسية. وذلك من أجل تحقيق هدفى النمو والتشغيل المستهدفان فى الخطة العشرية. وتتضمّن هذه المحاور: 
      • تحفيز جانب الطلب (المحلى والأجنبى).
      • تنمية جانب العرض (الموارد الطبيعية – التكنولوجيا – رأس المال).
      • دفع العلاقات والتشابكات والتنظيمات الصناعية.
      ويتطلب العمل على هذه المحاور التطبيق الفعال لعدد من الآليات فى سياق أدوار متكاملة وفاعلة لكل شركاء التنمية، وهو ما سيتناوله الباب الخامس والأخير من هذه الوثيقة.
      القسم الثانى: استراتيجية التنمية المكانية

      2 – 1 إدارة أراضـي الدولة

      مقدّمة

      تتكوّن مصر من جزأين متباينين تباينا شديداً: أولهما هو الحيّز المعمور الحالي الذي يمثل حوالي 6% من مساحة مصر ويسكنه أغلب سكانها وهو زراعي بطبيعته، ولقد عاش الإنسان المصري فى هذا الحيّز الضيّق منذ الاستقرار الأول وحتى الآن. أما الحيّز الآخر، فإنه يتمثل فى صحراوات مصر وسواحلها وتبلغ مساحته حوالي 94% من مساحة مصر. وهو حيّز رحب شبه خالي، ويشتمل فى بعض أجزائه على إمكانات تنموية متعدّدة.
      تعيش مصر فى شبه "ثورة ديموجرافية "منذ ما يزيد على مائة وخمسين عاماً وتزداد حِدّة بمرور الوقت. ولكن خلال العقود الست الأخيرة ازدادت حِدّتها زيادة كبيرة حتى أصبحت تمثل تهديداً خطيراً على الوجود المصري فى صورته التاريخية والجغرافية. فمع الزيادة السكانية المضاعفة، امتدت المدن والقرى على الأراضي الزراعية المحيطة بها وانحسر الغطاء الأخضر أمام الزحف الخرساني المستمر، وفقدت مصر بذلك أكثر من ثُلُث أراضيها الخصبة فى الوادي والدلتا. ولو استمر الانحسار الأخضر بمعدله الحالي فسوف يختفي تماماً فى الوادي والدلتا ما بين عامي 2070 و 2100 كما يتوقع بعض خبراء التخطيط.
      وأمام هذا المأزق والذي يتمثل فى ان الوادي قد ضاق بساكنيه ولم يعد لديه القدرة على استيعاب مزيدٍ منهم، فلم يعد هناك بديل إلا توجيه الزيادة السكانية من الحيّز الحالي إلى الحيّز الجديد. لقد كان من المفترض إعداد تخطيط قومي شامل على كامل المسطح الجغرافي المصري يبدأ بدراسة الامكانات التنموية الظاهرة والكامنة وتحديد محاورها والأنشطة الإنتاجية والخدمية التي يمكن ان تقام عليها، ثم تحديد أنماط المستقرات البشرية الملائمة لطبيعة الحياة فى هذه المحاور من حيث الأحجام والطابع المعماري والتخطيطي والعمراني. وكذلك يشمل التخطيط القومي نمط الانتشار السكاني من الحيّز القديم الى الحيّز الجديد ومحاور النقل والمواصلات التى تربط الحيّزين لكى يكوّنا معاً فى النهاية منظومة تخطيطية وتنموية وإدارية واحدة. ولكن مثل هذا التخطيط لم يتم بعد – بل لم يبدأ بعد – وذلك هو السبب الرئيسي فى تعثر الانتشار السكاني من الوادي والدلتا الى خارجها.
      2 – 1 – 1 الواقع الراهن

        أولاً : القوانين والقرارات الجمهورية المنظمة لحيازة واستخدامات الأراضي الصحراوية خارج الحيّز العمراني الحالي

      في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي بدأت مصر مرحلة جديدة من مراحل التنمية العمرانية عقب حرب 1973. وقد بدأت هذه المرحلة بتعمير مدن القناة الثلاث ثم إنشاء مدن ومجتمعات جديدة خارج الوادي والدلتا ووضع مخططات لتنمية أقاليم بأكملها، مثل اقليم سيناء وإقليم الساحل الشمالي وإقليم البحر الأحمر وإقليم الوادي الجديد. وكذلك بدأت الدولة في التوسّع في مشروعات استصلاح الاراضي والمشروعات السياحية، كما وضعت الوزارات المختلفة خططها القطاعية المستقبلية. وبمعني آخر، بدأت مصر خطواتها الأولي نحو تعمير الصحراوات والسواحل والخروج من الوادي الضيّق الي آفاق تنموية جديدة رحبة.
      ومنذ منتصف السبعينيات وإلى الآن، تم إصدار العديد من القوانين والقرارات الجمهورية بهدف تنظيم حيازة واستخدامات الأراضي الصحراوية والساحلية. ويمكن تلخيص مضمون هذه القوانين والقرارات فيما يلي:
      (1)  الأجهزة المنوط بها تحديد استخدامات الاراضي للأنشطة المختلفة
      مرّت التشريعات المنظمة لاستخدامات الأراضي للأنشطة المختلفة : العسكرية والإنتاجية والخدمية والعمرانية بثلاث مراحل كما يلي:
      المرحلة الأولي: مجموعة القوانين والقرارات الجمهورية والتي بموجبها تقوم كل من وزارة الدفاع ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ووزارة التعمير والإسكان ووزارة السياحة منفردين وبالتوالي بتحديد المناطق اللازمة لها واصدار قرارات وزارية بذلك. ولكن في هذه المرحلة –وكذلك في المراحل التالية- أعطيت أولوية التخصيص لأغراض الدفاع والأمن الوطني، كما استوجبت هذه القوانين أنه على الوزارات الأخري أخذ رأي وزارة الدفاع مسبقاً في تحديد المناطق اللازمة لأغراضها.
      المرحلة الثانية : بموجب القوانين التي صدرت في هذه المرحلة لم يترك للوزارات منفردة تحديد احتياجاتها من الأراضي بل يتم تخصيص المناطق العسكرية والمناطق اللازمة لاستصلاح الأراضي والسياحة والتعمير بموجب قرارات جمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء وعرض الوزير المختص. وفى هذه المرحلة تم قدر من التنسيق بين الوزارات المختلفة إذ أن طلبات الوزارات من الأراضي الصحراوية خارج الوادي والدلتا تمر من خلال قناة واحدة، وهى مجلس الوزراء، ثم تصدر قرارات جمهورية بتخصيصها لكلٍ من الوزارات المعنيّة بعد موافقة المجلس على ذلك.

      المرحلة الثالثة : تم إنشاء مركز وطني لتخطيط استخدامات الأراضي تابع لمجلـس الوزراء، يتولى بالتنسيق مع الوزارات المختلفة حصر أراضى الدولة وإعداد التخطيط العام لاستخداماتها. ثم تصدر قرارات جمهورية بتخصيصها للـوزارات بعد موافقة مجلس الوزراء على هذا التخصيص، أى أن هذا المركز يمثل الجهاز الفني التخطيطى الذى يتولى تحديد استخدامات الأراضي للأنشطة المختلفـة وعرض هذا التخصيص على مجلس الوزراء للموافقة عليه تمهيداً لإصدار القرارات الجمهورية اللازمة بشأنه.


      (2)  استخدامات الأراضي

      استخدمت الوزارات الأراضي التى خصّصت لها فى أنشطتها المختلفة : الزراعية والسياحية والعمرانية وغيرها وأصبح للهيئات المعنيّة التابعة لهذه الوزارات السلطة الكاملة فى استغلال هذه الأراضي وإدارتها والإشراف على استخدامها والتصرّف فيها. وتعد حصيلة هذا الاستغلال أموالاً عامة ومورداً من موارد هذه الهيئات. وقامت الهيئات بالتصرّف في الأراضي للأفراد والشركات باحدي الطرق الآتية:
      1. البيع أما بتحديد قيمة بيعية مسبقة أو عن طريق المزاد العلني.
      2. التأجير بالقيمة الإيجارية الفعلية.
      3. التأجير بقيمة إسمية لمدة معيّنة.
      4. إتاحة الأرض بالمجّان لبعض المشروعات الاستثمارية الخاصة.
      وقد نتج عن ذلك ان الجـزء الأكبر من الأراضي التي تم تخصـيصها للوزارات والهيئـات قد انتقلت ملكيتها من الملكية العامـة للمجتمع إلى الملكية الخاصـة للأفراد والشركـات، وأقل القليل من هذه الأراضي أتيح للشركات بحق الانتفاع لمدد محدّدة وبرسوم معيّنة.
        (3) التناقضات بين بعض القوانين والقرارات الجمهورية الخاصة بتحديد استخدامات الأراضى وتخطيطها وتنميتها
      لم تمثل القوانين والقرارات الجمهوريـة الخاصة بالأراضي منظومة تشريعيـة واحدة، ولم يجمعها خط فكـري واحد له رؤياه وله اتجاهـه المحدّد، بل صـدر كل منها منفرداً لمواجهـة وضع معيّن له ضروراته في حينه، أو لعلاج مشكلة مستجدة لم تكن في الحسبان أثناء اصدار القوانيـن والقرارات السابقـة لها. ومن الملاحظ أن التغيّـرات المستجدة كانت سريعة الايقاع في هذه الفترة، وعلي الأخص في مجال تشجيع الاستثمـار العربـي والأجنبـي في مشروعات التنمية. وقد أدى ذلك بالضرورة الي ما يلـي :
      • كثرة أعداد هذه القوانين وتعديلاتها والقرارات الجمهورية وتنوّعها.
      • عدم اتساقها مع بعضها البعض، بل وتناقضها في بعض الأحيان.
      • عدم وضوح الرؤية بدرجة كافية في بعض المجالات، وعلى الأخص في طرق حيازة الأراضي وتخصيصها مما فتح المجال الي التباين في تطبيق بعض هذه القوانين.
      • تداخل الاختصاصات بين الأجهزة المختلفة المعنيّة بتخطيط واستخدامات الأراضي.
      وبمعني آخر، فإن إدارة أراضي الدولة اتسمت بالتشتت القانوني بجانب تشتتها المؤسسي.
      ثانيـاً : النظام المؤسسـي الحالي لإدارة أراضى الدولة
      تشارك عِدّة وزارات فى إدارة أراضى الدولة دون تنسيقٍ كافٍ فيما بينها، وهى وزارة الدفاع، والإنتاج الحربي، ووزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ووزارة السياحة، ووزارة الصناعة. وتقوم كل وزارة منفردة بتحديد احتياجاتها من الأراضي لتوطين أنشطتها كما سبق ذكره ثم تقوم بالتصرّف فى الأراضي المخصّصة لها حسب سياستها وخططها القطاعية دون أن يجمع هذه الوزارات نظام مؤسسي واحد متكامل تتحقق معه وحدة الرؤى والأهداف والسياسات فى مجال استخدامات الأراضي وفى أساليب تخصيصها.
      ولقد نتج عما سبق بعض الظواهر التى تتطلب وضع نظام مؤسسي وقانوني محكم لإدارة أراضى الدولة حفاظاً عليها من الضياع أو سوء الاستخدام. ويمكن تلخيص هذه الظواهر فيما يلي:
      1. عندما ترك للوزارات المختلفة تحديد مواقع ما تحتاجه من أراضى لاستخداماتها القطاعية، فإنه من الملاحظ أنها بالغت فى مساحة هذه الأراضي فقد وضعت يدها على مواقع أكبر من مساحة ما تحتاجه فعلا لتحقيق هذه الأهداف. وقد ترك لهذه الوزارات حرية التصرّف فى هذه الأراضي كل حسب سياساتها وخططها. وقد لوحظ التضارب فى استخدامات الأراضي بين الوزارات المختلفة، كما لوحظ أيضاً أن أساليب التصرّف في أراضى الدولة تختلف من وزارة إلى أخرى، بل قد تختلف في الوزارة الواحدة، وأنها لم تتم حسب سياسات واضحة ومحدّدة ومتفق عليها وتتسم بالشفافية.
      2. لوحظ في بعض الأحيان شئ من الإسراف فى تخصيص أراضى بمساحات شاسعة للشركات والأفراد قد تفوق قدراتهم الاستثمارية وقت التخصيص، فأقاموا مشروعات على جزء صغير من الأرض وتركوا الجزء الأكبر منها بدون استغلال والذي يقدّر فى بعض الحالات بمئات الآلاف من الأفدنة كنوع من الادخار الآمن ذى العائد الكبير فى مستقبل الأيام مخالفة بذلك شروط تخصيصها. وهذا يعنى أن تخصيصات الأراضي فى بعض الأحيان لم تحقق العائد التنموي المنتظر منها، وشابتها بعض السلبيات والتى يجب تلافيها فى سياسات التخصيص المستقبلة.
      3. قامت بعض الشركات بتغيير استخدامات الأراضى التى خُصِّصت لها من تنمية زراعية طويلة المدى الى إقامة منتجعات سكنية فاخرة ذات عائد سريع وكبير مخالفة بذلك شروط التعاقد، أى أنها قامت بتحويل استخدام الأرض من إنتاج تنموي مستدام إلى إنتاج سلع شبه استهلاكية لا يُضيف كثيراً الى الاقتصاد القومي العام. ولم تجد هذه الشركات من يحاسبها ويراجعها فى الوقت المناسب فى تغيير استخدامات الاراضى التى خُصِّصت لها.
      4. أمام التعارض والتضارب المؤسسي والقانوني وغياب الولاية على أرض مصر والإشراف الحقيقي عليها، انتشرت ظاهرة وضع اليد على أراضى الدولة، وفى بعض التقديرات تزيد مساحة هذه الاراضى عن مليوني فدان. ويعنى ذلك تحويل بعض أراضى مصر من ملكية عامة الى ملكية خاصة دون مقابل وبطريقة غير مشروعة تحت سمع وبصر الجميع.
      5. قد يؤدى ترك أراضى الدولة الى القطاع الخاص بدون وضع القيود والمحدّدات الكفيلة بحماية مصالح المجتمع ككل إلى تركيز الثروات فى أيدي قليلة وعدم العدالة فى توزيع الثروات وعوائد التنمية بما يعنيه ذلك من عدم التوصّل لهدف أسمى للتنمية، وهو تحقيق العدالة الاجتماعية بين شرائح المجتمع جميعها.
      ثالثاً: الإصلاح المؤسسي المطلوب
      تمثل الأرض – بجانب البشـر – رأس مال الدولة الذي لا ينضب ولا ينتمي لجـيل واحد أو إلى شريحة اجتماعـية واحدة بل هو ملك لكل المجتمـع وكل الأجيال، كما أن استخداماتهـا يجب أن تحقق هدفاً واحداً وهو التنمية الاجتمـاعية والاقتصـادية الشـاملة والمسـتدامة. ولذا، فإنه من الضروري وضع نظام مؤسسي محكم متكامل لإدارة هذه الأراضـى إدارة تتسـم بالكفاءة والفاعلية وتسعـى الى توحيد الجهـود وتعاون المؤسـسات التخطيطـية والتنفيذية لتحقـيق الاستخـدام الأمثل للأرض.
      وفيما يلي عناصـر النظام المؤسـسي المقترح :
      1- المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية   
        من المقترح أن ينشأ مجلس أعلى لإدارة أراضى الدولة يمثل السـلطة العليا فى كل ما يتعلق بإدارة أرض مصـر فى كلٍ من الحيّزين الحالي فى الوادي والدلتا والمستقبلي فى صحراوات مصـر وسواحلها. ويقوم هذا المجلس بوضع الرؤى والأهـداف والسياسات الخاصة بإدارة هذه الأراضى، كما يقوم بوضع أسس تخصيص الأراضى وتسعيرها ونظم الإشراف على استخداماتها للأغراض التنموية المختلفة. ويقوم المجـلس بجانب وضـع الرؤى والسياسات والأسـس باعتماد تخصـيص الأراضي للوزارات والهيـئات والشـركات الاستثمارية. ومن المقترح أن يُشكِل المجلس برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزراء المعنيين بتنمية أراضى الدولة وبعض الخبراء المتخصصين.
        ويكون للمجلس أمانة فنية تقوم بدراسة طلبات التخصيص والتأكد من انها تتفق مع المخطط الاستراتيجي القومي الشامل واستخدامات الأراضى. كذلك تقوم الأمانة بالتنسيق بين طلبات الوزارات والهيئات والشركات الاستثمارية لكى تتكامل فيما بينها وتؤدى فى النهاية الى تنمية قومية شاملة متناسقة وذلك قبل رفعها للمجلس الأعلى للتصديق عليها.
        ويُشرف المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية على إعداد التخطيط القومي الشامل للتنمية القومية بشقيها الاقتصادي والعمراني، وكذلك إدارة أراضي الدولة، مع إضافة الوزراء المعنيين وبعض الخبراء لعضويته، ويكون للمجلس أمانته الفنية التي تمثل فيها كل من الهيئة العامة المنوط بها التخطيط الاقتصادي والهيئة العامة للتخطيط العمراني والمركز الوطني لتخطيط استخدامات الأراضي.
        وبذلك يجتمع كل من التخطيط الاقتصادي والتخطيط العمراني وإدارة أراضي الدولة في منظومة مؤسسية واحدة يتولى رئاستها وإدارتها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية.
      2- الولايـة على أراضـى الدولـة خـارج زمـام الحيّز الحـالي فى الـوادي والدلتا
        مما سبق يتضح ضرورة تحديد جهة معيّنة لتقوم بالولاية على أرض مصر(Custodian) بدلاً من تعدد الجهات الحالى. ومن المقترح أن تكون الولاية لمجلس الوزراء مباشرة، وأن يكون المركز الوطني لتخطيط أراضي الدولة بمثابة الأمانة الفنية لمجلس الوزراء في هذا الشأن. وسيقوم المركز بتنفيذ السياسات التى يُقرّها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في مجال تخصيص الأراضي وتسعيرها. وسوف يتلقى طلبات تخصيص الأراضي من الوزارات مباشرة ومن المستثمرين من خلال وزارة الاستثمار. وبعد استيفاء كافة البيانات المتعلقة بها وتحديد أسلوب التخصيص وسعرها الملائم يقوم بتحويلها إلى الأمانة الفنية للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية لدراستها من الناحية التخطيطية حسب المخطط الاستراتيجي القومي تمهيداً لرفعها الى المجلس الأعلى لاعتماد هذا التخصيـص.
      3- قانون الأراضي الموحّد 
        من أولى مهام المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية وضع قانون موحّد للأراضي فى مصر لكى يحل محل مجموعة القوانين الحالية , ويبيّن القانون النظام المؤسسي المقترح وتحديد مكوّناته وعناصره ومسئوليات وواجبات كل مكوّن منها، كما يوضّح علاقات العمل بين هذه العناصر بحيث تتحقق أهداف هذا النظام المؤسسي بكفاءة وشفافية. 
      2 – 1 – 2 نحو سياسة وطنية لإدارة أراضي الدولة
      أولا : فى مجال تخصيص الأراضـي
      1. تبقى الأراضي الصحراوية والسحلية خارج النطاق الحالي للحيّز المعمور المصري ملكاً للمجتمع وتخصص للانتفاع لفترة زمنية محدّدة لإقامة المشروعات التنموية عليها، هي عادة عمر الدورة الكاملة لهذه المشروعات والتي تتراوح بين أربعين عاماً ومائة عام.
      2. يكون تخصيـص هذه الأراضي للمنتفـع بها نظير رسـوم سـنوية تتحدّد حـسب نوعية الأنشطة التي تقام عليها , فرسوم الأراضي التي تخصّـص للخدمات الاجتماعية تختلف عن رسوم الأراضي التي تخصّص للمشروعات الاستثمارية.
      3. تكون شروط حق الانتفاع شروطاً متزنة تحقق بصفة عادلة مصلحة المجتمع ومصلحة المستثمر فى آن واحد، ويمكن أن يحقق المستثمر منها العائد المربح لاستثماراته.
      4. تعود الأرض الى المجتمع بعد فترة الانتفاع بها لإعادة تخصيصها لأنشطة أخرى أو للسماح باستمرار الأنشطة القائمة إذا كان ذلك متفقاً مع خطط التنمية فى ذلك الحين.
      5. استخدام حق الانتفاع هو الوسيلة الغالبة فى تخصيص الاراضي. ولكن عند الضرورة وفى حالات خاصة وبشروط محدّدة يمكن تخصص الأرض بالتمليك أو بالإيجار إذا كان ذلك أفضل للصالح العام.
      ثانياً: فى مجال إقامة نظام مؤسسي لإدارة أراضى الدولة 
      1. تكليف المجلس الأعلى للتخـطيط والتنمية بإدارة أراضى الدولـة ووضع السياسات والأسس لتخصيص الأراضى وتسعيرها واعتماد التخصيصات المطلوبة للوزارات وشركات الاستثمار بجانب عمله الحالي فى الإشراف على إعداد الخطط التنموية القومية والإقليمـية والمحليـة، بشقيها الاقتصادي والعمراني، واعتمادها.
      2. تكون الولاية على أرض مصر لمجلس الوزراء، ويمثله المركز الوطني لتخطيط استخدامات الأراضي الذي يقوم بتنفيذ السياسات التي يقرّها المجلس الأعلى فى مجال تخصيص الاراضى وتسعيرها وتسجيلها والإشراف عليها.
      3. وضع قانون موحّد للأراضى على غرار القانون الموحّد للمبانى.
      مقدمة : مصر بين المركزية التقليدية واللامركزية المعاصرة
      نظام الإدارة في مصر نظام مركزي شديد المركزية، فحكومة العاصمة تسيطر سيطرة شبه كاملة على شئون المحليات من محافظات ومدن وقرى. وليس للقاعدة الشعبية سلطة فعلية وحقيقية في إدارة شئونها المحلية أو في التأثير على مسار الشئون القومية العامة. لقد كانت لهذه المركزية في الحكم مبرّراتها التاريخية والجغرافية ؛ إذ إن حضارة مصر قامت منذ فجر التاريخ على الزراعة النهرية ذات الدورات السنوية الثابتة.ويتطلب ذلك حكومة مركزية تضبط توزيع المياه وتنظيم الري وإقامة وصيانة الجسور. هذا وقد ساعدت طبيعة مصر الجغرافية وشكل المعمور المصري في الوادي والدلتا - كواحة تحف بها الصحراء والبحار- على حتمية المركزية في كيان الدولة وإدارتها.
      لقد استنفدت هذه الحضارة الزراعية النهرية أغراضها وأتمت دورتها، ونحن فى بدايات دورة حضارية جديدة تقوم على أسس تختلف تماماً عن سابقتها. فتعداد سكان مصر الآن يربو على 83 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يصل عام 2050 إلى ما يزيد على 140 مليون نسمة. والنطاق العمرانى لم يعد يقتصر على الشريط الطولى الضيق الذى يسير من الجنوب إلى الشمال، بل سوف يمتد إلى آفاق أوسع وأرحب فى صحراوات مصر وسواحلها. وسوف تتغيّر أنساق الحياة لكى تتلاءم مع البيئة الإيكولوجية الجديدة بكل تحدياتها، ومع الفكر والعلم المعاصر بكل معطياته. وسوف يتاح للفرد دور أكبر فى تشكيل الحياة الاجتماعية والسياسية، كما سوف تتاح له أيضاً مزيد من الإمكانات للابتكار والإبداع. هذه الحياه الجديدة ستتطلب نمطاً آخر فى الإدارة يتسم أساساً بالمشاركة الشعبية الفعّالة على المستوى المحلى وعلى المستوى القومى، كما يتسم باللامركزية فى الإدارة تخطيطاً وتنفيذاً. وبتحقيق اللامركزية فى نظام الإدارة يمكن أن تتحقق الديمقراطية كنظام سياسى. والقول الشائع فى هذا الشأن هو أن "اللامركزية تعنى الديمقراطية"
      "Decentralization means Democratization "
      إن الاتجاه العالمى التاريخي فى إدارة الدولة الحديثة يتجه نحو الحد من المركزية والتوسّع فى تطبيق اللامركزية. ويقتصر دور الحكومة المركزية فى هذه الحالة على الأمور السيادية، مثل الدفاع والسياسة الخارجية وإدارة الاقتصاد القومى، وكذلك إنشاء المشروعات القومية الكبرى والمرافق العامة التى تربط الأقاليم بعضها ببعض. أما حكومة الأقاليم فتقوم أساساً بتقديم الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وإسكان وثقافة وأمن. وكذلك تقوم بتخطيط وتنفيذ وتشغيل مشروعات المرافق، وبالتنمية الإنتاجية والخدمية داخل الإقليم.وهذا يتطلب أن يكون للإقليم موارده المالية الخاصة، والسلطات الإدارية الكافية، والأجهزة المؤهّلة للقيام بمسئولياته. ومن البديهى أن تتم سياسات وخطط الإقليم داخل إطار السياسات والخطط القومية العامة للدولة. ويمكن للإقليم أن يتلقى دعماً من الحكومة المركزية وذلك لتحقيق التوازن فى التنمية بين الأقاليم المختلفة، وكذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية على المستوى القومي.
      وسوف يؤدى الأخذ بنظام الأقاليم إلى إدارة أفضل للتنمية وتحقيق معدلات مرتفعة لها فى كل مجالاتها، كما سيؤدى أيضاً إلى الحد من تضخم البؤرة القاهرية، بل إلى انكماشها، فضلاً عن إعادة الاتزان إلى النسق العمراني القومي بأكمله وعلاج ما يعانيه من خلل واضح.
      ولا يعنى الأخذ بنظام الأقاليم إنشاء مستوى إداري جديد يؤدي إلى مزيد من بيروقراطية الإدارة في مصر بل يعنى تحويل السلطة المركزية المفرطة في العاصمة إلى سلطات إقليمية تقوم بأداء الخدمات المباشرة الإنتاجية والاجتماعية لسكان الأقاليم.
      2 – 2 – 1 النظـام الإداري الحالـي وسلبياتـه
      (1)  النظام الإداري الحالي 
      تشتمل الإدارة الحكومية في مصر علي مستويين إداريين : المستوى الأول هو الإدارة المركزية في العاصمة. وتتمثل في وزارات الدولة السيادية والوزارات الإنتاجية والخدمية. والمستوي الثاني هو الإدارة المحلية التي تقوم بإدارة المحافظات والمدن والقرى أو ما يعرف "بالمحليّات ". وقد أعطى النظام الإداري المصري للمستوي الأول هيمنة شبه كاملة على المستوي الثاني، حتي يمكن القول أن الإدارة المحلية لا تتمتع بذاتية مستقلة بل إنها في الواقع تعمل لدي الحكومة المركزية وتعتبر امتداداً لها، أي أنها بمثابة أذرع لهذه الحكومة في إدارة المحافظات والمحليّات. ويمكن توضيح ذلك فيما يلي :
        1- لكل وزارة من غالبية الوزارات المركزية إدارة تابعة لها في كل محافظة من محافظات مصر، وتُسمي هذه الإدارة "بالمديرية "(مثل مديرية الإسكان التابعة لوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، ومديرية الشئون الصحية التابعة لوزارة الصحة والسكان، ومديرية التعليم التابعة لوزارة التربية والتعليم وغيرها). وتقوم كل وزارة بالإشراف الفني والإداري على المديرية التابعة لها، كما تقوم المديرية بدورها بتنفيذ خطط وبرامج الوزارة داخل المحافظة.
        2- تقوم الحكومة المركزية بتعيين وتغيير الموظفين العموميين بالمحافظات، مثل المحافظين ورؤساء المدن والأحياء ومديري المديريات القطاعية السابق ذكرها، وذلك دون مشاركة محلية في اتخاذ قرارات التعيين والتغير لهؤلاء الموظفين.
        3- ليس للإدارات المحلية موارد مالية ذاتية كبيرة بل تعتمد اعتماداً شبة كامل على ماتتيحه لها الخزانة العامة من تمويل.
        4- تقوم الوزارات المركزية بوضع خطط التنمية وتوفير الخدمات في المحافظات المختلفة وتقوم بالإشراف علي تنفيذها من خلال مديرياتها بالمحافظات دون مشاركة محلية حقبقية في التخطيط والتنفيذ.
        وقد اتسم النظام الإداري المصري بظاهرتين خطيرتين وهما :
        1- عدم التنسيق الكافي بين الوزارات المركزية في مجالي التنمية والخدمات بل تقوم كل منها بوضع خططها وتنفيذها وهي في معزل عن غيرها. وهذه الظاهرة واضحة أيضاً على المستوى المحلي إذ أن أنشطة المديريات المختلفة في المحافظة الواحدة لا يجمعها نسيج إداري واحد. وهذا يعني أن العلاقات الأفقية بين الوزارات علي المستوى المركزي، وبين المديريات علي المستوى المحلي شبه غائبة.
        2- الأداء على المستوى المركزي ينصب أساساً علي إيجاد الحلول للمشاكل الآنية في مداها القصير. ولم تعبأ الحكومة المركزية كثيراً بوضع خطط طويلة المدى تحقق رؤى وأهداف قومية متفق عليها.
      (2)  سلبيات النظام الإداري الحالي
      أدي النظام الإداري الحالي بعد تطبيقه على مدى ستين عاماً إلى قصور واضح في إدارة التنمية، وعدم انتقال مصر من دولة نامية إلى دولة متقدّمة، وقد سبقتها في ذلك العديد من الدول. ويمكن إيجاز النتائج السلبية لهذا النظام فيما يلي :
        1- الخلل في النظام المؤسسي للتخطيط ؛ وذلك لانفصال التخطيط الاقتصادي عن التخطيط المكاني، حيث تقوم هيئة التخطيط العمراني التابعة لوزارة الإسكان بإعداد التخطيط العمراني على المستوى القومي والإقليمي وعلي مستوي المدن والقرى، دون تعاون وتكامل مع الوزارات والهيئات التي تقوم بالتخطيط الإقتصادي في مجالاته المختلفة : الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة والنقل والكهرباء والطاقة والموارد المائية وغيرها، بل ان هذه التخطيطات القطاعية تتم دون أن تتجمع لتكوّن تخطيطاً إقتصادياً واحداً. ويعنى ذلك أن الخطط الاقتصادية والتخطيط المكانية لا تصب جميعها في وعاء تنموي واحد وتكوّن فيما بينها مخطط قومي شامل للتنمية في مصر على كامل مسطحها الجغرافي وشاملاً كافة الأنشطة الإنتاجية والخدمية.
        2- عدم العدالة في توزيع الاستثمارات بين المحافظات وتركيزها في المراكز الحضرية الكبرى وحرمان المحافظات النائية منها، مما أدى إلى تضخم هذه المراكز تضخماً أخل بمنظومة العمران المصري وأفقدها اتزانها. ذلك لأن التخطيط لهذه الاستثمارات يتم مركزياً بتحيّز مكاني واضح، ودون الأخذ في الاعتبار بدرجة كافية ضرورة تنمية أقاليم مصر جميعها بطريقة متوازنة ومتوازية.
        3- وكما كان هناك تحيّز مكاني في مجال التنمية يوجد أيضاً تحيّز مجتمعي. فلم تُعط الدولة اهتماماً عادلاً ومتناسباً مع الاحتياجات الفعلية لشرائح المجتمع المختلفة بهدف تحقيق التماسك الاجتماعي والعدالة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال في مجال الإسكان، تركز اهتمام الدولة خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي على توفير الإسكان الشعبي والإسكان العمّالي، ثم انتقل الاهتمام إلي الإسكان المتوسط خلال السبعينيات والثمانينيات، ثم انتقل مؤخراً إلى الإسكان فوق المتوسط والإسكان الفاخر، مع تجاهل شبه تام للإسكان الشعبي والعمّالي، أي أن مؤشر الإسكان انتقل من أحد طرفي الطيف الاجتماعي إلى الطرف الآخر دون إدراك كاف للنتائج الخطيرة التي قد تترتب على ذلك.
        4- عدم وجود سياسة للتنمية المكانية تتناسب مع النمو السكاني المتزايد. ولم توضع الاستراتيجيات والخطط لمواجهة الزيادة السكانية وتوفير ما تحتاجه من حيّز مكاني وفرص عمل يسيران في تناسب وتزامن مع هذه الزيادة المستمـرة.
        5- القفز من إقليم لآخر بدون تنمية أي منهما تنمية كافية. ففي خلال ثمانينيات القرن العشرين أعد تخطيط لتنمية إقليم سيناء. ويمتاز هذا الإقليم بوجود نواة سكانية به، وكذلك بتوفّر قاعدة من البنية الأساسية، مع تنوّع إمكاناته التنموية، وذلك فضلاً عن أهمية موقعة البالغة من الناحية الأمنية. ولكن بعد تنفيذ حوالي 27% من خطة التنمية –أمكن خلالها استصلاح عشرات الآلاف من الأفدنة، وإقامة مشروعات صناعية هامة - توقف المشروع وانتقل اهتمام الحكومة إلي إقليم توشكي، وهو إقليم خالي تماماً من السكان والبنية الأساسية. وبعد أن تم إنفاق ما يزيد على عشرة مليارات جنية في مد الترع وإقامة محطة رفع مياه ضخمة، تعثر تنفيذ المشروع ويواجه حالياً صعوبات كبيرة قد تؤدي إلي توقفهـ إذ أنه بعد مرور ما يزيد علي عشرين عاماً من بدء العمل في هذا المشروع لم تستصلح منه إلا مساحات محدودة، بينما كان الهدف منه استصلاح حوالي نصف مليون فدان.
                 وقد بدأ الحديث يعلو منذ فترة عن ضرورة وأهمية البدء في تنفيذ ممر التنمية الجديد غرب الوادي والدلتا (ممر التنمية والتعمير). وهذا القفز من إقليم لآخر يدل علي غياب إدارة حقيقية للتنمية الشاملة المستدامة ببعديها المكاني والسكاني.
        6- عدم تطبيق سياسات التنمية المتكاملة في بعض المناطق خارج المعمور الحالي، واستمرار التركيز على التنمية القطاعية فقط، والذي يلقي بأعباء التنمية في تلك المناطق على قطاع واحد فقط مثل ما تم في تنمية جنوب سيناء وساحل البحر الأحمر.
        7- لا يوجد حتى الآن نظام مؤسسي وتشريعي واحد لإدارة الأراضي من حيث الحيازة والتخصيص والاستخدام بما يحقق تنمية مستدامة على المستوي القومي والإقليمي والمحلي. وقد أدي ذلك في بعض الأحيان إلى استخدام الأرض بغرض المضاربة والتربّح السريع بدلاً من استخدامها لأغراض التنمية. كما أدى إلى عدم قدرة الإدارات المحلية على التصرّف في الأراضي المتاحة لها داخل حدودها الإدارية.
        8- عدم توفر الكفاءات الفنية بالإدارات المحلية للقيام بمسئولياتها التي أتاحتها لها القوانين. فعلى سبيل المثال فقد وضع قانون البناء الموحد مسئولية التخطيط العمراني للمدن والقرى علي عاتق المحليات. ولكن نظراً لعدم توفر الأجهزة الفنية القادرة علي القيام بهذه المهمة فقد تنازلت عنها المحافظات وتركتها للهيئة العامة للتخطيط العمراني التابعة للحكومة المركزية لتقوم بتخطيط كل مدن وكل قرى مصر.
        لقد كان من الواجب تدريب الكوادر البشرية القادرة على التنمية المحلية في كل مجالاتها وتعزيز المحليات بمثل هذه الكوادر.
        9- عدم الاهتمام بالتنمية البشرية المحلية، وعلى الأخص توفير الكفاءات القادرة على استيعاب التكنولوجيات الحديثة واستخدامها في الارتقاء بالصناعات التقليدية، وفي قيام صناعات متقدّمة ذات قيمة مضافة عالية حتى تكتسب المنتجات المحلية قدرة تنافسية عالية في السوق المحلي والسوق العالمي.
        10- أدى تركيز السلطة في العاصمة وانفرادها بوضع السياسات واتخاذ القرارات الهامة والحاكمة إلى عدم إتاحة فرصة كافية للقواعد الشعبية في المشاركة الايجابية في وضع هذه السياسات واتخاذ مثل هذه القرارات، وذلك حتى في الأمور التي تمس حياتهم بصورة مباشرة. والمشاركة الشعبية هي سمة أساسية من سمات الدولة الحديثة، إن لم تكن أهمها. وفي ظل اللامركزية، يمكن تحقيق هذه المشاركة والانتقال بمصر من النمط التقليدي في الإدارة إلى الأنماط المعاصرة.
        11- عدم الاتفاق علي تعريف موحّد "للكيان الإقليمي "بين الوزارات المختلفة. فقد قامت العديد من الوزارات - كل منها منفردة – بتقسيم مصر إلى أقاليـم بما يتناسب مع طبيعة أنشطتها. فأصبح لدينا العديد من التقسيمات الإقليمية القطاعية (مثل الأقاليم التي حدّدتها كل من وزارة الصناعة ووزارة الزراعة ووزارة السياحة ووزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية وغيرها). ويعني ما سبق أن كل وزارة من هذه الوزارات سارت في مسارها الخاص في تحديد حدود أقاليمها، دون أن يجمعها مفهوم موحد للإقليمية الإدارية.
      ونظراً لقصور الأداء السابق ذكره، فإنه يجب إعادة النظر في النظام الإداري الحالي والتفكير في نظام إداري جديد يتولى حل المشاكل السابق ذكرها، وكذلك إدارة التنمية والعمران خلال الحقبة القادمة.
      2 – 2 – 2 التجارب السابقـة فـي تقسيـم مصـر إلى أقاليـم
      (1)  التقسيم إلي أقاليم قطاعية
      سبـق أن ذكر أن بعض الوزارات قد قامت بتقسيم مصر إلى أقاليم بما يتلاءم مع طبيعة نشاطها، وبما يحقق لها حسن الإشـراف على هذا النشاط وإدارتـه. مثل أقاليم النقل التي أعدتها وزارة النقل، وأقاليم الري التابعة لوزارة الموارد المائية والري، وأقاليم السياحة التي تأخذ بها وزارة السياحة، وأقاليم توطن الأمراض التي أعدتها وزارة الصحة، والأقاليم الأمنية التي تقسّمها وزارة الداخلية.
      وقد أعدت كل وزارة نظامها الإقليمي منفردة دون التعاون فيما بينها، ودون التشاور مع غيرها من الوزارات في وضع أسس مشتركة لتحديد حدود نظام إقليمي موّحد.
      (2)  تقسيم مصر إلى أقاليم تخطيطية : مشروع وزارة الإدارة المحلية
      بناءً على ما أعدته وزارة الإدارة المحلية من دراسة بشأن تحديد الأقاليم الاقتصادية بمصر، فقد صدر قرار رئيس الجمهـورية رقم 475 لسنة 1977 بتقسيم المسطح   المصري إلى ثمانية أقاليم تخطيطية اقتصـادية، هي:
        -  إقليم القاهرة : وعاصمته القاهرة، ويضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.
        - إقليم الإسكندرية : وعاصمته الإسكندريـة، ويضـم محافظتي الإسكندرية والبحيرة ومنطقة النوبارية.
        -  إقليم الدلتا : وعاصمته طنطا، ويضم محافظات المنوفية والغربية وكفـر الشيخ ودمياط والدقهلية
        -  إقليم قناة السويس : وعاصمتـه الإسماعيليـة، ويضم محافظـات القناة الثلاث (الإسماعيلية وبورسعيد والسويس) وسينـاء ومحافظـة الشرقية والجزء الشمالي من محافظة البحر الأحمر حتى خليج السويس.
         -  إقليم مطروح :  وعاصمته مطروح، ويضم محافظة مطروح.
        - إقليم شمال الصعيد : وعاصمتـه المنيـا، ويضم محافظـات المنيـا وبنى  سويف والفيـوم والجزء الشمالـى من محافظـة البحـر الأحمـر.
        -  إقليـم أسيـوط : وعاصمتـه أسيـوط، ويضم محافظتـى أسيوط والوادي  الجديـد.
        -  إقليم جنوب الصعيد: وعاصمته أسوان، ويضم محافظات أسوان وسوهاج وقنـا والجزء الجنوبي من محافظة البحر الأحمر.
      ثم صـدر قـرار مجلـس الوزراء رقم181 لسنة 1986 بضم محافظة مطروح إلى إقليم الإسكندريـة وبناءً على ذلك بلـغ عدد الأقاليـم سبعة.
      ونص القرار الجمهوري سابـق الإشارة إليـه أن تنشـأ بكل إقليـم لجنـة عليـا للتخطيط الإقليمي وهيئـة للتخطيط الإقليمي وذلك على النحو التالي :
      اللجنة العليا للتخطيط الإقليمي وتشكل من محافظ عاصمة الإقليـم رئيسـاً (عدّل فيما بعد ليصبح أقدم المحافظين رئيساً)- محافظي المحافظات – رؤسـاء المجالس المحلية للمحافظـات المكوّنة للإقليم - رئيس هيئة التخطيط الإقليمي - ممثلي الوزارات المختلفة بالإقليم. وتختص هذه اللجنة أساساً بوضع المعايير والأطر لوضع التخطيط الإقليمي ثم إدارته، ومتابعة تنفيذ الخطط التنموية.
      هيئة التخطيط الإقليمي وتتبـع وزارة التخطيط، ومهمتها أساساً إعداد التخطيط الإقليمـى فى ضوء الأولويـات والمعاييـر التى تحدّدها اللجنة العليـا  للتخطيط الإقليمـى، وذلـك بالإضافـة إلى متابعة تنفيـذ الخطـة عند إقرارها. وقد أنشـأت وزارة التخطيط - تطبيقاً لهذا القرار الجمهـورى - هيئـات تخطيط إقليمـى بمعظـم أقاليـم الدولـة.
      ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على صدور القرار الجمهورى بإنشاء الأقاليم الاقتصادية وتكوين اللجان العليا للتخطيط بكل الأقاليم وإنشاء هيئات التخطيط الإقليمى بها، فإن أداء هذه اللجان والهيئات كان متواضعاً للغاية، ولم يحقق الهدف من إنشاء نظام الأقاليم بصورة مرضية. ويرجع ذلك للأسباب الآتية:
        1-  لم ينشأ مع هذا التقسيم جهاز إدارى على مستوى الإقليم له سلطات إدارية تنفيذية ذات أثر فعّال، بل كان واضعوا هذا التقسيم التخطيطي حريصين على أن تكون مسئولية اللجنة العليا للتخطيط الإقليمى هى مسئولية تخطيطية فقط. ويترك للمحافظات تنفيذ قرارات هذه اللجنة العليا كل فى دائرتها، أى أن اللجنة العليا بالإقليم أشبه ماتكون بلجنة تنسيق بين المحافظـات دون أن يكون لها سلطة إدارية على هذه المحافظات.
        2-  علاقات اللجنة العليا للإقليم مع الوزارات المركزية غير واضحة وغير محدّدة فى إعداد التخطيط الإقليمي، وفى إعداد الخطط التنفيذية فى الإقليم وفى متابعة تنفيذها. وكذلك، فإنه لم يتم أيضاً تحديد العلاقات بين الإقليـم وبين مستويـات الإدارة المحليـة فى المحافظات والمدن والقرى التابعة له، أي أن القرار الجمهوري بتقسيم مصر إلى أقاليم قد خلا من تحديد واضح لمسئوليات ومهام كل مستوى من مستويات الإدارة بما يحقق الكفاءة في الأداء وتجنب التداخل في المسئوليات.
      لذلك لم يُكتب لهذا التقسيم النجاح كما لم يُكتب لغيره من التقسيمات التي أعدّتها جهات عِدّة من قبل.
      2 – 2 – 3 التحوّل من المركزية إلى الإقليمية
      يعني النظام الإقليمي تقسيم الدولة إلى أقاليم تنموية تخطيطية وإدارية على أن يتولى كل إقليم إدارة شئونه في مجالات الإنتاج والخدمات، تاركاً للحكومة المركزية وضع التخطيط الإستراتيجي والسياسات العامة والقيام بالمشروعات القومية الكبرى والتنسيق بين الأقاليم.
      وبذا يكون للإقليم كيان إداري ذاتي له موارده المالية الخاصة وله أجهزته الإدارية والمالية والفنية القادرة على تحقيق أهدافه وبرامجه، ولكن نجاح مثل هذا النظام يحتاج في المقام الأول إلي إرادة سياسية واعية وقبول شعبي واسع وقيادات كفؤة علي المستوي القومي والإقليمي.  
        (1) الأسس العامة للنظام الإقليمي
      يختلف نظام الأقاليـم بين دولة وأخرى. فليس هناك أنماط جاهزة للنظام الإقليمي يمكن الأخذ بها. إذ يجب أن ينبع مثل هذا النظـام من خصوصية الدولة : الجغرافيـة والتاريخيـة والسكانيـة والإمكانات والفرص المتاحة في كل منطقة فيها، كما ان السياسـة التنموية التي تتبعها الدولة لها أثرها أيضاً في تحديد أقاليمها.
      (3)  تحديد حدود الأقاليم
      تعددت الأسس التي يمكن أن تتحدّد بموجبها حدود الأقاليـم وذلك لتعدّد المدارس الفكرية فـى هذا الشأن، فضلاً عن أنه لكل دولة خصوصيتها التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديـد الأقاليم بها. ويمكن أن تكون القواعد الآتية أسساً سليمة للتخطيط الإقليمي في مصـر:
        1- أن يكون للإقليم إمكانات تنمويـة كافيـة لكي يكون قادراً علـى تنميـة ذاتـه بذاتـه، ويكـون دور الحكومة المركزية فـى هذا الشـأن هو دور "التمكين "والدعم في مراحـل التنميـة الأولى، كما يجب أن تكـون الأنشطة التنمويـة متعـدّدة ومتنوّعـة، وإن كان مـن الممكن – بل ومن الأفضل – أن يكـون للإقليـم نشـاط تنموي رائـد يتمتع فيه بميزة تنافسية يمثـل قاطـرة التنمية فيه، مثل صناعة معيّنة أو سياحـة أو زراعة متخصّصـة أو غير ذلك.
        2-  أن تكون مساحة الإقليم وحجم السكان به كافياً لكي يمثل كياناً مكانياً وسكانياً قادراً على إدارة شئونه. كذلك تكون لديه القاعدة البشرية التي يمكن تأهيلها على استيعاب التقنيّات الحديثة في تخطيط وتنفيذ وتشغيل مشروعاته.
        3-  أن يشتمل الإقليم على جزء من الحيّز المعمور الحالي وجزء من الحيّز المعمور الجديد حتى تسهل عملية الانتشار السكاني وتوطين الزيادة السكانية خارج الوادي والدلتا. ويجب أن يكون للإقليم إطلالة على البحر المتوسط أو البحر الأحمر، أي أن تكون له موانيه البحرية وأيضاّ مطاراته الدولية.
      ولتحديد الأقاليم على أسس سليمـة، فإن ذلك يجب أن يأتي بعـد أن يتم إعـداد التخطيط الاقتصـادى والتخطيط المكانـى لمصر وتوحيدهما فى تخطيط قومـى شامـل تتضـح منه الخريطة التنمويـة للدولـة وإمكانات وميزات كل منطفة فيها. فتحديـد الأقاليـم إنما ينبثق من هـذه الخريطـة بعد أن تتضح معالمهـا المكانيـة والتنمويـة والسكانيـة وإمكانات وميزات كل منطقة فيها.
      (4)  مجموعات الأقاليم
      بدراسة الخصوصية المصرية: السكانية والمكانية، وما تواجهه مصر من تحديات ومشكلات، يمكن أن تتجمع الأقاليم في مجموعات رئيسية أربع، وهي:
      1- مجموعة الأقاليم داخل الحيّز الحالي
            هي الأقاليم التي تشتمل بصفة عامة على المحافظات الحالية المحصورة في الداخل Inland، مثل محافظات الدلتا : كفر الشيخ – الغربية – المنوفية – القليوبية – الدقهلية. ومن الملاحظ أن هذه المحافظات قد بلغت درجة التشبّع السكاني القصوى بل تجاوزته. ولذا، يجب أن تكون في التخطيط الجديد محافظات طاردة للسكـان لتفريغهـا مـن بعـض ساكنيها. وفى الغالب يكون نمط التنمية بهـذه الأقاليـم هو : أولاً تطويـر مـا هو قائم مـن أنشطة تنموية، وثانيـاً الارتقـاء بمستـوى الحيـاة الحضريـة فيهـا.      
      2-  مجموعة أقاليم تجمع بين الحيّز الحالي والحيّز الجديد
            هي الأقاليم التي تشتمل أساسا على بعض مناطق الحيّز الجديد من صحراوات وسواحل وبعض محافظات الحيّز الحالي خصوصاً في أقاليم الصعيد. ويجب أن تكون هذه الأقاليم جاذبة للسكان. ونمط التنمية بها هو: أولاً إنشاء أنشطة تنموية جديدة وإقامة حياة عمرانية جديدة بمستوى حضري حسب المعدلات العالمية المعاصرة، وثانياً تطوير الأنشطة القائمة والارتقاء بمستوى الحياة الحضرية بالمحافظات الحالية بهذه الأقاليم، وإدارة الانتشار السكاني من المحافظات الحالية إلى مناطق التنمية بالحيّز الجديد.
      3- مجموعة أقاليم بالحيّز الجديد
            هي أقاليم تقع بالكامل في الحيّز الجديد، مثل إقليم سيناء وإقليم الساحل الشمالي الغربي وإقليم الوادي الجديد، والتي سيجري تنميتها بالكامل لاستيعاب الزيادة السكانية المتوقعة.
      4- مجموعة أقاليم ذات طبيعة خاصة
            هي أقاليم ذات طبيعة خاصة تنفرد بها، مثل أن يكون للإقليم أنشطة مكثفة ذات طبيعة دولية كإقليم قناة السويس، ومثل أن يشتمل الإقليم على عاصمة البلاد وهي القاهرة. وهي ليست عاصمة سياسية ومقر للحكومة المركزية فقط بل أيضاً عاصمة حضارية تاريخية ولها وزنها الكبير على المستوى الإقليمي والعالمي.
      ونظراً لأن كل مجموعة من هذه المجموعات تنفرد بخصوصيّات معيّنة تختلف بها عن غيرها من المجموعات، ولأن أنماط التنمية الإقليمية سوف تختلف من مجموعة لأخرى، فإن التكوين الهيكلي للإقليم وتحديد وظائفه يجب أن يكون متفقاً ومتناسقاً مع طبيعة هذا الإقليم وخصوصيته.
      لذلك، فإن التنوّع في الهياكل الإقليمية والتنوع في أنماط تنميتها وإدارتها يمثل أحد الأسس المهمة للتقسيم الإقليمي في مصر.
      (5)  تعديل حدود المحافظات الحالية داخل الأقاليم
      عند تحديد حدود الأقاليم يجب إعادة النظر في حدود المحافظات داخلها لكي تتلاءم مع التقسيم الإقليمي المقترح. ففي مجموعة الأقاليم التي تجمع بين الحيّز الحالي والحيّز الجديد يجب إضافة مساحات صحراوية جديدة إلى المحافظات الحالية للامتداد الأفقي عليها، مثل محافظات الصعيد.
      أما مجموعة الأقاليم التي تقع بالكامل على الحيّز الجديد فهي في الغالب ذات مساحات كبيرة وتستوجب إنشاء محافظات جديدة بها. فعلى سبيل المثال، تمتد محافظة البحر الأحمر بطول الساحل حوالي 1000 كيلو متر. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث محافظات: محافظة خليج السويس، وتتبع إقليم شمال الصعيد، ومحافظة البحر الأحمر وتتبع إقليم وسط الصعيد، ومحافظة جنوب البحر الأحمر وتتبع إقليم جنوب الصعيد.
      وبالمثل يمكن تقسيم إقليم الساحل الشمالي إلى ثلاث محافظات أيضاً: محافظة مطروح، ومحافظة العلمين، ومحافظة سيوة.
      كذلك يمكن لبعض المحافظات الحالية بإقليم الدلتا، مثل الغربية والمنوفية أن تمتد غرباً حتى طريق القاهرة / إسكندرية الصحراوي لتضيف مساحات جديدة إليها، كما يمكن إنشاء محافظة جديدة غرب هذا الطريق، هي محافظة وادي النطرون تضاف لإقليم الدلتا.
      (6)  مهام الأقاليم وأطرها الإدارية والتشريعية
      1-  مهام الأقاليم
      مما سبق يتضح أن مهام الإقليم كمستوى إداري مستجد يقع بين الوزارات المركزية والإدارات المحلية يمكن تلخيصها فيما يلي :
         -   وضع المخطط الإقليمي بمراحله المختلفة ومتابعة تنفيذه.
              -  تخطيط وتنفيذ وتشغيل مشروعات التنمية الجديدة داخل الإقليم، خصوصاً في حيّزه الجديد.
              -  تقديم الخدمات الاجتماعية اللازمة لمواطني الإقليم، مثل الإسكان والمرافق وشبكات النقل والتعليم والصحة والأمن والثقافة والرياضة وغيرها.
              -  الارتقاء بمستوى الحياة الحضرية في كل مجالاتها بالمحافظات الحالية الآهلة بالسكان داخل الإقليم.
              -  الارتقاء وتطوير المشروعات التنموية القائمة بالمحافظات الحالية بالإقليم من صناعة وزراعة وغيرها، وذلك باستخدام التقنيات الحديثة وعدم الاعتماد على التقنيات التقليدية.
              -  التنسيق بين المحافظات التابعة لها والإشراف عليها والعمل على أن تتم التنمية بها جميعاً بصورة متوازنة وعادلة وبما يحقق التنمية القومية الشاملة.
      2- الإطار الإداري والتشريعي للإقليم
             مع تحديد دور حكومـات الأقاليم ومسئولياتها ووظائفها، يجب أيضاً تحديد علاقات الإقليم مع الوزارات المركزية من ناحية، ومع الإدارات المحلية التابعة لها وهى المحافظات والمدن والقرى من ناحية أخرى تحديداً دقيقاً. وبمعنى آخر، فإنه يجب تحديد واجبات ومهام كل مستوى إداري من هذه المستويات وتقسيم العمل بينها تقسيماً واضحاً ومحدّداً، بحيث تتكامل جميعاً في منظومة إدارية واحدة ذات كفاءة عالية في إدارة التنمية. ولكي نضمن فاعلية هذه المنظومة واستدامتها، فإنه يجب أن توضع في إطارها التشريعي الصحيح، إذ أنه بدون هذا الإطار، فإنه يصعب تطبيق نظام الأقاليم، وتظل المركزية هي البديل الوحيد المتاح لإدارة التنمية والعمران.
      (7) التقسيم الإقليمي –  مقترح الهيئة العامة للتخطيط العمراني
      قامت الهيئة العامة للتخطيط العمراني بإعداد المشروع الابتدائي للمخطط الإستراتيجي للتنمية العمرانية لمصر حتى عام 2052.
      ووفقاً لما حدّده قانون البناء رقم 119 لسنة 2008، فإن المخطط الإستراتيجي القومي هو "المخطط الذي يحدّد أهداف وسياسات وبرامج التنمية العمرانية على كامل مساحة الجمهورية، ويبيّن المشروعات القومية التي سيتم تنفيذها ومراحل التنفيذ، ودور كل جهة من الجهات العامة والخاصة في هذا التنفيذ". وقد اتخذت الهيئة مدخلها في إعداد هذا المخطط من منطلق التحديات التي تواجه مصر – مكانيا واقتصادية وسياسياً، إجتماعياً وأمنياً – وأخذا في الإعتبار الموارد والثروات ومقوّمات التنمية المنتشرة في كافة أنحاء الجمهورية.
      وقد جاء المشروع الابتدائي للمخطط الإستراتيجي للتنمية العمرانية لمصر ليواجه تحديات تحقيق التنمية العمرانية المستقبلية (كمياً ومكانياً ونوعياً) وما يتطلبه من دمج أراضى المعمور القائم مع معمور جديد، بما يضمن أفضل توزيع للزيادة السكانية المستقبلية وفقاً للموارد والثروات ومقوّمات التنمية على كامل مسطـح المعمور المصري، وبما يحقق العدالة الإجتماعية ويساهم في الحد من الفقر من خلال توفير فرص عمل بالمناطق المقترحة للتنمية. وكذلك يهدف المخطط إلى تقليل التفاوت في توزيع الموارد والثروات بين الأقاليم على المستوى القومي، وبين المحافظات على مستوى كل إقليم. وقد قامت الهيئة بدراسة المناطق المحتملة للأنشطة التنموية المختلفة من زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية ولوجستية ومراكز توليد الطاقة الجديدة والمتجدّدة وموارد المياه المتاحة، ثم قامت بتحديد نطاقات التنمية وأهم المشروعات المقترحة بها والخدمات التي يمكن أن تتوطن فيها، وأعداد السكان التي يمكن أن تستوعبها وفرص العمل بكلٍ منها. وبناءً على هذه الدراسات، اتضحت ملامح تقسيم الجمهورية إلى أقاليم تنموية.
      وتتمثل الأقاليم التنموية في التقسيم المقترح للهيئة العامة للتخطيط العمراني حتى عام 2027 في عشرة أقاليم تنموية ذات أنشطة رئيسية على النحو التالي:
        1- إقليم القاهرة الكبرى: عاصمة الدولة التي تمثل مركز الحكم والمؤسسات والخدمات الإدارية، وبقية محافظات الإقليم تمثل الامتداد العمراني للتوسّع وتتركز به الأنشطة الاستثمارية المنافسة على المستوى القومي والدولي.
        2-  إقليم الدلتا : إقليم زراعي صناعي ينافس على المستوى المحلـى والقومـي.
        3-  إقليم الإسكندرية : إقليم خدمي لوجستى وصناعي وزراعي ذو بنية متطوّرة.
        4-  إقليم مطروح : إقليم تنمية متكاملة يستوعب أكبر قدر من الزيادة السكانية المستقبلية يعتمد على الطاقـة الجديدة وتحلية ميـاه البحـر.
        5-  إقليم قناة السويس : مركز عالمي للخدمات اللوجستية.
        6-  إقليم سيناء : إقليم حدودي إستراتيجي وأمنى ذو قوام اقتصادي سياحي وصناعي وزراعي.
        7-  إقليم شمال الصعيد : إقليم للصناعات الزراعية والنباتات الطبية التصديرية وتوليد الطاقة الجديدة والمتجدّدة.
        8-  إقليم وسط الصعيد : إقليم زراعي صناعي سياحي ومركز لتوليد الطاقة الجديدة وتحلية مياه البحر.
        9-  إقليم جنوب الصعيد : إقليم سياحي وصناعي تعديني ومركز لتوليد الطاقة الجديدة وتحلية مياه البحر.
        1. إقليم الوادي الجديد : إقليم سياحي بيئي ومركز لتوليد الطاقة الجديدة والمتجدّدة.
      2 – 2 – 4 خطوات التحوّل إلى الإقليمية
      للانتقال من المركزية المفرطة إلى الإقليمية لإدارة التنمية في الحيّز العمراني الحالي والحيّز الجديد، وتحقيق الانتشار السكاني، فإنه يمكن اتخاذ الخطوات الآتية:
        1- الانتهاء من إعداد المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية حتى عام 2052. ويتم ذلك بمشاركة وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الجانب الاقتصادي، ووزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية في الجانب العمراني، وكذلك المركز الوطني لتخطيط استخدامات الأراضي في مجال تحديد المناطق للاستخدامات المختلفة. وقد قامت هيئة التخطيط العمراني باتخاذ خطوات ايجابية في إعداد هذا التخطيط. ويمكن الانتهاء من هذا المخطط خلال عام.
        2- القيام بتحديد حدود الأقاليم التنموية وتحديد حدود المحافظات داخل كل إقليم، وكذلك إعداد النظام المؤسسي والتشريعي لهذه الأقاليم وتحديد أهدافها ومهامها. ويتم ذلك بمشاركة الوزارات والهيئات السابق ذكرها مع وزارة التنمية المحلية. ويمكن أن يتم ذلك أيضاً خلال عام.
        3- عرض المخطط الاستراتيجي القومي ومشروع انشاء الأقاليم التنموية على المجتمع بكل شرائحه وأطيافه لأخذ إتفاق مجتمعي عليهما، ثم اتخاذ الخطوات اللازمة لعرضها على المجالس التشريعية لإصدارهما في صورة قانونية. وقد تستغرق هذه المرحلة عاماً أيضاً.
        4- تنفيذ المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية وتطبيق نظام الأقاليم على مراحل بدءاً بتدريب وتأهيل الكوادر الفنية التي تقوم بتنفيذه.
      2 – 3 الإسكان
      مقدّمة 
      تعتبر حاجة الإنسان إلى السكن إحدى حاجاته الحياتية الأساسية، شأنها في ذلك شأن الغذاء والكساء، فحق السكن هو أحد حقوق الإنسان الأولى التي كفلتها الشرائع والدساتير، لذلك فإن على المجتمع أن يحفظ للفرد هذا الحق، ويمكنّه من حيازة المأوى الملائم له. ويمثل المأوى حيّز الإنسان الخاص به، والذي يمكّنه من أن يمارس فيه نشاطاته الحياتية الفردية والأسرية، وتتحقق فيه تبعاً لذلك ذاتيته وخصوصيته. ويمثل المسكن أيضاً التجسيد المكاني للأسرة التي هي الخلية الأولى للمجتمع. فلا يمكن للأسرة أن تتكوّن وتنمو وتقوم بوظائفها الاجتماعية على الوجه الصحيح إلا من خلال مسكن ملائم تقيم فيه، وفي بيئة عمرانية تتوفر فيها عناصر الحياة الحضرية السليمة. وكذلك يحقق المسكن حاجات الفرد والأسرة المادية والمعيشية، وكذا حاجاتهما الوجدانية والمعنوية، والتي من أهمها الشعور بالطمأنينة والأمان داخل مأواهما وبالانتماء إلى المجتمع والوطن الذي يعيشان فيه.
      لذلك، فإنه على الدولة من خلال سياسات ثابتة مستقرة أن تقوم بتوفير السكن الملائم لكل شرائح المجتمع حسب الاحتياجات الفعلية لكل شريحة منها. والعمل على دعم الشرائح غير القادرة وتمكينها من حيازة السكن الملائم لها، وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية لكل أطياف المجتمع في هذا المجال الحيوي البالغ الأهمية.
      إن مشكلة الإسكان في مصر مشكلة مزمنة ومركّبة، وجاءت أساساً نتيجة لسلسلة متعاقبة من السياسات والتشريعات خلال الستة عقود الأخيرة والتي لم تتسم في كل الحالات ببُعد النظر ومراعاة مصلحة المجتمع بكل شرائحه بصورة متوازنة وعادلة. ولقد أدت هذه السياسات والتشريعات إلى خلل واضح في منظومة الإسكان المصري، كان من أبرز مظاهره أن حوالي نصف المجتمع بنى لنفسه وبنفسه مساكنه خارج الإطار الرسمي للدولة وبدون اهتمام يُذكر منها،
      وكأن الدولة قد تخلت ـ طوعاً أو كرهاً ـ عن القيام بأحد التزاماتها الأساسية. ومن مظاهر هذا الخلل أيضاً أن هناك في الوقت الحالي ما يزيد على ثلاثة ملايين أسرة مصرية لا تجد لنفسها المأوى الملائم في حّده الإنساني الأدنى، بينما هناك ثلاث ملايين وحدة سكنية (وفي تعداد آخر خمسة ملايين وحدة) مغلقة تمثل مخزوناً سكنياً راكداً لشريحة محدودة من المجتمع.
      لذلك، هناك حاجة ماسة إلى سياسة إسكانية رشيدة راسخة الأركان تهدف ليس فقط إلى تحقيق الاحتياجات المستجدة للمجتمع المصري عاماً بعد عام، بل أيضاً إلى حل مشاكل الإسكان المتراكمة، وكذلك سد النقص الحالي في عدد الوحدات السكنية نتيجة للسياسات والتشريعات السابقة.
      2 – 3 – 1 مسـار الإسكـان – السياسـات والتشريعـات
      حدّد مسار الإسكـان منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن عنصران حاكمان هما : سياسات الإسكان، والقوانين والتشريعات التي صدرت في هذه الفترة وتحكم العلاقة بين المالك والمستأجر. ففي مجال السياسات، تبيّن أن الدولة لم تعط اهتماماً متساوياً لشرائح المجتمع المختلفة وبما يحقق الاحتياجات الفعلية لكل شريحة منها. بل تركز الاهتمام في كل مرحلة من هذه الفترة على شريحة واحدة دون الشرائح الأخرى، وذلك حسب المتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية العامة التي مرّت بها الدولة في هذه الحقبة. وقد أدى هذا الانحياز المجتمعي المتغيّر إلى عدم توزيع الوحدات السكنية توزيعاً عادلاً على كل شرائح المجتمع، وتسبّب في ندرة شديدة في ناحية، ووفرة كبيرة في ناحية أخرى.
      كان القانون المدني هو الذي يحكم عقد الإيجار بين المالك والمستأجر خلال النصف الأول من القرن العشرين والذي بموجبه تُرك تحديد القيمة الإيجارية ومدّة العقد إلى رضاء وقبول طرفي التعاقد. ولكن خلال الخمسينيات والستينيات صدرت عدّة قوانين والتي بموجبها تم تحديد القيمة الإيجارية وامتداد عقد الإيجار. وكان لهذه القوانين الاستثنائية تأثير بالغ على مسار الإسكان.
      (1)  سياسات الإسكان
      شهدت مصر ثلاث سياسات متتالية ومختلفة عن بعضها البعض اختلافاً كبيراً، وان كانت في مجملها تتمثل في الانتقال من توفير الإسكان الشعبي في الفترة الأولى إلى الإسكان المتوسط في الفترة الثانية ثم إلى الإسكان فوق المتوسط والإسكان الفاخر في الفترة الثالثة، حتى بلغ الاهتمام بهذا الإسكان الأخير أقصاه في الآونة الأخيرة، وذلك على النحو التالي :
      في الفتـرة الأولـى: (الخمسينيات والستينيات) اتجهت الدولة إلى إقامة إسكان محدودي الدخل، أو ما كان يُسمي وقتئذٍ بالإسكان الشعبي  (مثل مساكن زينهم وعين الصيرة وشبرا بالقاهرة والقباري بالإسكندرية). وقد حققت هذه المشروعات احتياجات الشريحة الدنيا من المجتمع من الإسكان في هذه الفترة، وكذلك اتجهت الدولة إلى إقامة الإسكان العمّالي الملحق بالمراكز الصناعية الكبرى (مثل السد العالي وشركة كيما بأسوان وشركة الحديد والصلب بحلوان ومصانع السكر بقوص وإدفو والحوامدية). وتعتبر هذه المدن مجتمعات عمرانية متكاملة توفرت فيها كل عناصر الحياة الحضرية الصحيحة لشاغليها من عمال وموظفين.
      وفي الفتـرة الثانيـة: (السبعينيات والثمانينياتانتقل مؤشر الإسكان من الإسكان الشعبي إلى الإسكان المتوسط. فلم تشهد هذه الفترة مشروعات إسكان تذكر لمحدودي الدخل والإسكان العمّالي. فكل ما تم إنشاؤه في هذه الفترة من الإسكان الشعبي لم يتجاوز 11% مما سبق إنشاؤه في الفترة الأولى، كما هبط الإسكان العمّالي إلى ثُلُث ما أُنشئ في الفترة السابقة.
      وبدأ الاهتمام الحكومي يتزايد بالإسكان المتوسط وفوق المتوسط والإسكان الفئوي، ويتمثل ذلك في إنشاء المؤسسات والهيئات التي تتولى توفير الإسكان المتوسط، مثل هيئة تعاونيات البناء وبنك الإسكان والتعمير وشركات الإسكان (مدينة نصر ـ المقطم ـ المعمورة ـ مصر الجديدة ـ المعادي)، وفي توفير قروض ميسّرة لدعم هذا الإسكان، وكذلك في توفير مواقع مناسبة لمثل هذه المشروعات في كل محافظات الجمهورية.
      أما الفترة الثالثة : (من بداية التسعينيات وحتى الآنفقد استمر الاهتمام الرسمي بالإسكـان المتوسط، ولكن بدأ الاهتمام يتزايد بالإسكان فوق المتوسط والفاخر. فأتاحت الدولة مساحات شاسعة في المدن الجديدة، وعلى الأخص في القاهـرة الجديدة ومدينة 6 أكتوبر ومدينة الشيخ زايد، للمستثمرين في هذا النوع من الإسكان لإقامة مشروعاتهـم فيها. وأقاموا هذه المشروعات بقروض كبيرة من البنوك التجاريـة بضمان الأرض التي أتاحتها لهم الدولة بأسعار منخفضة عن سعرها الحقيقي. وأصدرت الدولة قانون التمويل العقاري والذي كان من أهدافه الرئيسية تسويق المشروعات الضخمة للإسكان فوق المتوسط والفاخر التي توسّعت الشركات العقارية والمستثمرون في إنشائها.
      وقد نتج عن هذه السياسة أن الشرائح فوق المتوسطة والعليا من المجتمع تم تحقيق احتياجاتها من السكن، وأصبح لديها فائض من الوحدات المغلقة قُدرت في تعداد 2006 بخمسة ملاييـن وحدة سكنية.
      وكانت النتيجة الطبيعية لتغيير مسار الإسكان وانتقال الاهتمام الرسمي من إسكان محدودي الدخل إلى الإسكان المتوسط ثم الإسكان فوق المتوسط والفاخـر، أن أخذت شرائـح محدودي الدخل - وهي نصف المجتمع - الأمر بيدها وأقامت خارج النطاق الرسمي ما يسمى بالإسكان العشوائي والإسكان الهامشي (الجوازي) وإسكان المقابر، بعد أن تيقنّت أنها لم تعد موضع اهتمامٍ كافٍ من واضعي سياسات الدولة.
        (2)  تشريعـات الإسكـان
      أثناء المد الاشتراكي في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن صدرت ثلاث مجموعات من القوانين تُحدّد العلاقة بين المالك والمستأجر للوحدات السكنية. وهذه المجموعات هي :
      المجموعة الأولي: تهدف إلى تخفيض القيمـة الإيجارية للوحدات القائمـة. وبلغت نسبـة هذه التخفيضات المتتالية 35% من القيمة الإيجارية التي كانت سائدة.
      المجموعة الثانية: تهدف إلى تحديد القيمة الإيجارية السنوية للوحدات الجديدة بأن تساوي 5%  من سعر الأرض و8% من تكلفـة المبانـي، ثـم صارت 7% من سعر الأرض وتكلفة المباني معاً.
      المجموعة الثالثة : استهدفت إلى تثبيت الإيجار وامتداد العقد امتدادا تلقائياً حتى أقرباء الدرجة الثالثة. أي إلى  ما يقرب من ثمانيـن عاماً. وبموجب هذه القوانين تحوّل مستأجروا الوحدات السكنيـة تقريبـاً إلى ملاك لها.
      وفي عام 1996، تم الرجوع إلى تطبيق القانون المدني بالنسبة للوحدات الجديدة والوحدات الخالية. أما الوحدات القديمة قبل هذا التاريخ، فقد تركت كما هي خاضعة للقوانين الاستثنائية السابق ذكرها. ومن الجدير بالذكر أن التشريعات التي صدرت في هذه الفترة تعرّضت فقط للوحدات السكنية في حالة التأجير. أما في حالة التمليك، فقد تُرِكت تمامـاً لقانون العرض والطلب دونما قيود أو شروط.
      لقد أدت القوانيـن الاستثنائيـة كما أدت سياسات الإسكان إلى ذات النتيجة، وهي عدم إعطاء شرائح المجتمع المختلفة اهتمامـاً عادلاً ومتناسباً مع احتياجات كل شريحة فيه. مع إغفال شرائـح محدودي الدخل وهـي تمثل تقريبـاُ نصف المجتمع حيث لم تنـل ما تستحقـه من عناية واهتمام الدولة مما سبب خللاً خطيراً في منظومة الإسكان المصري.
      2 – 3 – 2 نتائـج سياسـات الإسكـان وتشريعـاته
      كان للسياسـات التي اتبعت في العقود الأخيرة وللتشريعات التي صدرت بشأن العلاقة بين المالك والمستأجر نتائـج خطيرة متراكمـة، جعلت من الإسكان في الوقت الحاضـر مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة ليس من السهل إيجاد الحلول المناسبة لها. وبذلك، أصبحت من التحديات الكبرى التي تواجهها مصر في حاضرها ومستقبلها. كما يتضح فيما يلي :
        (1)  عدم اتزان سوق الإسكان
        يتمثل الخلل في سوق الإسكان في المؤشرات التالية:
        أ- انحسار ظاهرة التأجير وانتشار ظاهرة التمليك
               أدت قوانين تثبيت القيمة الإيجارية وامتداد عقد الإيجار إلى خروج المستثمر الخاص من سوق الإسكان المؤجر، والاتجاه نحو البناء بهدف التمليك. واتجهت الأجهزة الحكومية وشركات القطاع العام هي الأخرى نفس الاتجاه، فأصبح التمليك بذلك هو السمة السائدة لسوق الإسكان في مصر. وقد أدى كل ذلك بالضرورة إلى زيادة كبيرة وغير مبرّرة في القيمة البيعية للوحدات السكنية المتاحة.
        وقد بلغت نسبة الوحدات المُملكة 80%من مجموع الوحدات التي شُيّدت خلال هذه الحقبة. وفي حالة اتزان سوق الإسكان، تصل نسبة الوحدات المُملّكة إلى 55% والوحدات المؤجرة إلى 45%.
        ولما كان التمليك - ذو العائد السريع - يخرج تماماً عن نطاق إمكانات الشريحة الكبرى من المجتمع، وهي شريحة محدودي الدخل، فقد أُخرِجت هذه الشريحة من سوق الإسكان الرسمي وتُركِت لشأنها، فأقامت فيما بينها سوقاً أخرى للإسكان غير الرسمي خارج النظام العام، وأقامت ما يسمى بالإسكان المُشوّه والذي سيأتي ذكره فيما بعد.
        ب-   انخفاض القيمة الإيجارية وارتفاع قيمة التمليك
      كانت القيمة الإيجارية للوحدة السكنيـة قبل صدور قوانين الإيجـار السابق ذكرها تساوي ما يتراوح بين 15% و20% من دخل الأسرة، وهي قيمة إيجارية متزنة وعادلة بالنسبة لكلٍ من المالك والمستأجر.. وقد بقيت هذه القيمـة ثابتة - بموجب قوانين الإيجـار - منذ ذلك الحين وحتـى الآن، أي على مدى ما يقرب من ستين عاماً. ومع الانخفاض المستمـر للقوة الشرائيـة للعملة خلال هذه الحقبة أصبحت القيمة الإيجاريـة للوحدة السكنية تمثل أقل من 1% من دخـل الأسرة. ويقابل ذلك ارتفاع كبير في أثمان الوحدات السكنية المتاحة للتمليك، حيث يبلغ ثمن الوحدة في المتوسط مجموع دخل الأسرة في مدة تتراوح بين 9 و11 سنة، بينما يجب ألا يزيد ثمن الوحدة على مجموع دخل الأسرة في أربع أو خمس سنوات فقط حسب المعدلات المقبولة دولياً.
        جـ-  ارتفاع نسبة الإسكان غير الرسمي
        ارتفعت نسبة الإسكان غير الرسمي إلى حوالي 50% من مجموع الوحدات المشيّدة. وهذا يعني أن الدولة لم يكن لها وجود يذكر في تشييد نصف عدد الوحدات السكنية التي أقيمت خلال العقود الأخيرة. أي أن الدولة لم تقم بالقدر الكافي بمسئولية أساسية من مسئولياتها، وهى توفير السكن الملائم لكل أسرة من أسر مجتمعها بكل شرائحه، وعلى الأخص الأسـر المكوّنة حديثاً محدودة الدخل.
        د-  انتشار ظاهرة الوحدات المغلقة
              بلغ عدد الوحدات المغلقـة في تعداد 1996 حوالي 3 مليون وحدة، ووصل العدد في تعداد 2006 إلى 5 مليون وحدة كما سبق ذكـره، ويتمثل هذا المخزون السكنـي الكبير فيما يلـي:
              - وحدات سكنية يحتفظ بها مستأجروها دون أن يشغلوها لانتقالهم إلى مساكن أخرى أو لهجرتهم الى الخارج، وذلك لانخفاض قيمتها الإيجارية.
         -  وحدات سكنية اشتراها الآباء لكي تكون متاحة مستقبلاً لأبنائهم.
        -  وحدات اشتراها مالكوها كبديل للمدخرات النقدية التي تتآكل مع التضخم المستمر، باعتبارها وسيلة آمنة للادخار.
      وتمثل الوحدات المغلقة رأس مال قومي كبير راكد يقدّر بمئات المليارات من الجنيهات.
        (2)  استشراء الإسكان المشوّه: الإسكان العشوائي والإسكان الهامشي وإسكان المقابر
      نتج عن عدم إعطاء إسكـان محدودي الدخل الاهتمام الكافي في سياسات الدولة المتتالية، وعلى الأخـص خلال العقـود الأربعـة الأخيرة كمـا سبق ذكره، أن أخذت هذه الشريحة الأمر بيدها وأقامت خارج النطاق الرسمي للدولة ما يُسمّى الإسكان غير الرسمي، والمعروف بإسم الإسكان العشوائي والإسكان الهامشي وإسكان المقابر.
        أ-   الإسكان العشوائي
              أقيمت الأحياء العشوائية حول المدن وأحاطت بها إحاطة السوار بالمعصم. وقد أقامها الأهالي على مواقع غير مخططة وغير مرفقة وبدون تراخيص بناء. وأغلب هذه الأحياء تمثل بيئة حضرية متدنية، وتنقصها العناصر الأساسية للحياة الحضرية السليمة، مثل الخدمات الاجتماعية الضرورية : التعليمية والصحية والإدارية والمرافق والمساحات الخضراء وغيرها. ويزيد عدد المناطق العشوائية بالمدن الحضرية على 1100 منطقة، ويسكنها ما يربو على 16 مليون نسمة. والإسكان العشوائي ليس ظاهرة عارضة بل هو حقيقة وُجِدت لتبقى، وأصبح بانتشاره السريع الواسع جزءاً عضوياً من النسيج الحضري المصري. وقد أقامه الأهالي بأنفسهم وبوسائلهم الذاتية دون عون يذكر من الدولة، وأنفقوا عليه من مدخراتهم المحدودة ما يقرب من مائتي مليار جنيه.
        ب-   الإسكان الهامشي
                يُقصد بالإسكان الهامشي (الجوازي) Marginal بالسكن في أماكن غير معدّة أصلاً للسكـن، مثل أحواش المساجد والأماكن الأثرية والوكالات والفراغات تحت السلالم وغرف الأسطح والعشش الخشبية التي أقيمت في أزقة وحواري الأحياء الشعبية. وكذلك يتمثل هذا الإسكان في سكن أسرة كاملة في غرفة واحدة وتشارك غيرها من الأسر في دورة مياه واحدة. وتبلغ نسبة عدد الأسر التي تقطن هذا الإسكان الهامشي حوالي 20% من مجموع الأسر الحضرية. وفي محافظة القاهرة، ترتفع هذه النسبة لكي تبلغ في بعض أحيائها الشعبية، مثل باب الشعرية، حوالي 45%.
        جـ- إسكان المقابر
               يتمثل إسكان المقابر في سكن أحواش المقابر وإسكان الجزر السكانية التي أقيمت داخل الحيّز الجغرافـي للجبّانات. ويبلغ سكـان المقابر في القاهرة حوالي 600 ألف نسمة، وهم يمثلون شريحة اجتماعية ضاقت بهم السبل فذهبوا ليعيشوا بين مقابر الأموات. وأغلبهم نزحوا من الأحياء الشعبية المجاورة بعد أن تصدّعت مبانيهم لقدمها، وأُجبِروا على تركها بأوامر إدارية.
        (3)  انقسام الإسكان المصري إلى منظومتين منفصلتين ومتباعدتين
      يتضّح مما سبق أن منظومة الإسكان المصري تنقسم إلى منظومتين منفصلتين ومتباينتين، يدور كل منهما حول بؤرة اجتماعية خاصة بها. وهاتان البؤرتان في تباعد مستمر وتتسع المسافة بينهما بمعدل متزايد، وقد ظهر ذلك جليّاً خلال العقدين الأخيرين.
      المنظومة الأولى : تتمثل المنظومة الأولى في إسكان الأحياء المتردية والإسكان الشعبي والإسكان العشوائـي والإسكـان الجوازي وإسكان المقابر. ويقطن هذا النوع من الإسكـان الشرائح الدنيا من المجتمع المصري والتي تمثل في حقيقة الأمر أغلبية هذا المجتمع ـ وتعاني هذه الشرائح من ندرة حادة في الإسكان الصحي السليم. ويقدّر عدد الوحدات السكنية اللازمة لسد حاجات هذه الشرائح في الوقت الحاضر بحوالي 3 ملايين وحدة. ويمكن أن يُطلق عليها هنا" مجتمع الندرة ".
      المنظومة الثانية : تتمثل في الإسكان فوق المتوسط والإسكان الفاخر، ويقطن هذا النوع من الإسكان "مجتمع الوفرة "من الشريحة فوق المتوسطة والشريحة العليا من المجتمع. وقد تم إشباع حاجة هاتين الشريحتين من سكن دائم وسكن ترفيهي وسكن موسمـي، بل وأصبح لديها فائض يمثل مخزوناً سكنياً راكداً يقدّر بحوالي 3 مليون وحدة سكنية غيـر مستخدمة حسب تعداد 1996. كما يقدر بحوالي 5 مليون وحدة في تعداد 2006، كما سبق الذكر. وقد بلغ إسكان الشرائح العليا مداه في مستوى الرفاهية في المجتمعات المغلقة على ساكنيها والتي انتشرت بصورة كبيرة خلال العقدين الأخيرين.
      وهنا تظهر المفارقة الكبيرة في طبيعة الإسكان المصري، إذ أن مصر في حقيقة الأمر لا تعاني نقصاً في عدد الوحدات السكنية بقدر ما تعاني من سوء توزيع هذه الوحدات على شرائح المجتمع المختلفة. فهناك ندرة شديدة من ناحية، ووفرة كبيرة من ناحية أخري.
      والتحدي الذي يواجه مصر حالياً هو محاولة إعادة الاتزان للإسكان مكانيـاً واجتماعيـاً بحيث يغطي الحيّز المصري المأهول الحالي والمستقبلي، وكذلك يغطي شرائح المجتمع جميعها، وعلى الأخص الشرائح الدنيا منها. مع العمل على زيادة إنتاج الوحدات السكنية بما يتناسب مع حجم الطلب عليها في الحاضر والمستقبل، وكذلك لمواجهة النقص الكبير في عدد الوحدات التي تخلفت عن سياسات الإسكان السابقة.
      2 – 3 – 4 نحـو سياسـة قوميـة جديدة للإسكـان
      يتضح مما سبق أن الإسكان في مصر يعاني من مشاكل خطيرة متراكمة، أبرزها الخلل الواضح في المنظومة الإسكانية برمتها: وفرة في عدد الوحدات لشريحة معيّنة على حساب الشرائح الأخرى، والجنوح الشديد للتمليك على حساب التأجير، وانخفاض متوسط القيمة الإيجارية مع ارتفاع قيمة التمليك عن المعدلات المقبولة عالمياً. ثم ارتفاع كبير في نسبة الإسكان غير الرسمي حتى كادت أن تصل إلى نسبة الإسكان الرسمي.
      ويجب أن تهدف سياسة الإسكان الجديدة ليس فقط إلى توفير وحدات الإسكان حسب حجم الطلب عليها في الحاضر والمستقبل، بل أيضاً إلى سد النقص الحالي في عدد الوحدات نتيجة السياسات والتشريعات السابقة والتي يقدّر عددها بحوالي 3 ملايين وحدة كما سبق ذكره. وبمعنى أخر، يجب أن تكون سياسة الإسكان سياسة طويلة المدى واضحة المعالم ؛ تسعى إلى تحقيق أهداف محدّدة في توفير المسكن الملائم للأسرة المصرية في كل شرائح المجتمع.
      وتشتمل العناصـر الأساسيـة لسياسـة الإسكـان على ما يلي :
      أولاً: تحديد الشرائح الاجتماعية تحديداً دقيقاً وعلى الأخص شرائح محدودي الدخل
      يجب تحديد الشرائح الاجتماعية المختلفة تحديداً دقيقاً : شرائح محدودي الدخل وشرائح الطبقة الوسطي والشرائح العليا، ونسبة عدد الأسر بكلٍ منها للمجموع الكلّي للأسر المصرية، وذلك حتى تنال كل شريحة ما تحتاجه من وحدات سكنية دون أن تجور على غيرها من الشرائح. وقد تم خلال العقود الأخيرة أن دعمت الدولة أغلب الوحدات السكنية التي أنشأتها بقروض ميسّرة تحت اسم "الإسكان الشعبي "لم تكن فى حقيقة الأمر إسكاناً شعبياً، بل كانت إسكاناً متوسطاً وفوق المتوسط، ولم يذهب الدعم إلى شريحة محدودي الدخل، بل ذهب إلى شرائح أخرى أيسر حالاً من هذه الشريحة. لذا، فإنه من ألزم الأمور - عند وضع سياسة قومية للإسكان - تحديد الشريحـة الاجتماعية المستهدفة بإسكان محدودي الدخل، وهو ما يسمي "بالإسكان الاجتماعي ". وتُعرّف هذه الأسر عادة بالأسر التى يقع دخلها تحت ما يُطلق عليه بحد الفقر، وهو الحد الأدنى من الدخل الذي يجب توفره لكى تسد الأسرة احتياجاتها الضرورية من الغذاء والكساء والإسكان.
      ثانياً: المجموعات السكّانية المستهدفة بسياسات الإسكان
      تتمثل المجموعات السكّانية المستهدفة فيما يلي :
      1- الأسر المكوّنة حديثاً
              يبلغ عدد الأسر الجديدة سنوياً 600 ألف أسرة، وذلك حسب عدد عقود الزواج الرسمية التي تتم خلال العام. وتحتاج هذه الأسر إلى عدد مساوي من الوحدات السكنية. ويمكن أن يقدر بصورة تقريبية نسبة الأسر الجديدة محدودة الدخل بحوالي 45% من عددها الكلّي، ونسبة الأسر في الشرائح الوسطي بحوالي 35%، والباقي موزعاً بين أسر الشريحة فوق المتوسطة والشريحة العليا.
        والأسر الجديدة محدودة الدخل هي الأولى بالرعاية والأكثر احتمالاً إلى الانتقال إلى محاور التنمية الجديدة خارج الوادي والدلتا.
      2-  الأسر التي تضطر إلى ترك مساكنها بقرارات إدارية
        تضطر هذه الأسر إلى ترك مساكنها نتيجة التقادم أو التصدّع أو الانهيار. وتقدّر وزارة الإسكان عدد الوحدات السكنية التي يجب إخلاؤها سنوياً لهذه الأسباب بحوالي 55 ألف وحدة. ومن الواجب توفير عدد مناسب من الوحدات السكنية الجديدة لهؤلاء السكان. ويمكن افتراض أن نصف عدد هؤلاء السكان من شرائح محدودي الدخل، والنصف الآخر من الشرائح الوسطى، إذ أنه من الملاحظ أن أغلب المباني التي تصدُر لها قرارات إزالة تقع في الأحياء القديمة موطن هذه الشرائح.
      3-  الأسر التي تسكن في أحياء عشوائية في مساكن غير آمنة
        قدّر "صندوق تطوير المناطق العشوائية "العدد الكلّي للوحدات السكنية غير الآمنة بالأحياء العشوائية بحوالي 210 ألف وحدة، منها حوالي 150 ألف وحدة يجب إزالتها ونقل سكانها إلى مساكن جديدة آمنة. أما الوحدات الباقية - وعددها ستون ألف وحدة - فيمكن أن تظل فـي مكانها مع إزالة مسبّبات عدم الأمان الذي يتعرّض له سكانها (مثل تحويل كابـلات الضغط العالـي الكهربائية الممتدة فوق هذه الوحدات إلى كابـلات أرضية).
        وقد وضـع الصندوق توصيف الوحدات السكنية غير الآمنة كالآتي :
      • الوحدات بالمناطق المعرّضة إلى انهيار الكتل الحجرية من حواف الهضاب والجبال.
      • الوحدات بالمناطق المعّرضة للسيول.
      • الوحدات بالمناطق الواقعة بجوار خطوط السكك الحديدية، ويتعرّض ساكنوها لحوادث القطارات.
      • المنشآت المتهدمة أو المتصدّعة أو التي تمثل سكناً دون المستوى الآدمي، وتمثل خطورة كبيرة على ساكنيها.
        واشتملت خطة تطوير العشوائيـات إلى نقل سكـان هذه الوحدات غير الآمنـة ـ كأولوية أولـي، على مدى الخمس سنوات القادمـة. وأغلب هؤلاء الأسـر من شرائـح محدودي الدخل.
      4-  الأسر التي تقيم في الإسكان الهامشي (الجوازي)
                يبلغ عدد هذه الأسر حوالي 3 مليون أسـرة، وأغلبها من شرائـح محدودي الدخل. وليس من السهل نقـل مثل هذا العدد الكبيـر من الأسر إلى وحدات أكثر ملاءمة في فترة قصيـرة، بل سوف تطول هذه الفتـرة إلى ما يزيد على 20 عاماً، كما أنه ليس من المنتظر البدء في توفيـر الإسكـان اللازم لها قبل خمس سنوات على الأقل.
      ويُعد تدخل الدولة لمعاونة الشرائح الاجتماعية المذكورة أمراً ضرورياً لحمايتها من الآثار السلبية المتشعبة، والتى تنعكس على حياة أفرادها الاجتماعية والصحية والأمنية. والدعم الذي يقدّم لهذه الأسر محدود للغاية إذا ما قورن بالثمن الاقتصادي والاجتماعي الباهظ الذي يتكبّده المجتمع إذا ما تُركِت هذه الأسر وشأنها دون رعاية كافية.
      ثالثاً: تحديد مساحات الوحدات السكنية الملائمة للشرائح الاجتماعية
      علاوة على ضرورة تحديد الشرائح الاجتماعية تحديداً واضحاً، فإنه يلزم أيضا تحديد مساحات الوحدات السكنية الملائمة لكل شريحة من هذه الشرائح. وهناك عِدّة معايير لتعريف الإسكان الاجتماعي والإسكان المتوسط والإسكان فوق المتوسط والإسكان الفاخر، ولكن أيسرها وأقربها للواقع هو مساحة الوحدة السكنية فى كل نوع من هذه الأنواع الأربعة :
      1-  الوحدات الملائمة للإسكان الاجتماعي
              تتراوح مساحات الوحدات السكنية الملائمة للشريحة الاجتماعية المستهدفة بالإسكان الاجتماعي ما بين 35 متراً مسطحا و60 متراً مسطحاً. ومثل هذه الوحدات تحقق الحاجات المعيشية للأسر محدودة الدخل بأحجامها المختلفة والتى تتراوح بين فردين وسبعة أفراد. ونصيب الفرد من هذه الوحدات فى المتوسط يتراوح ما بين 10 إلى 12 متراً مسطحاً.
      2-  وحدات لإسكان المتوسط
        تتراوح مساحات الوحدات السكنيـة المناسبة للشرائح الوسطى ما بين 60 و 120متراً مسطحاً. ونصيب الفرد فيها يبلغ 18 متراً مسطحاً.
      3-  وحدات الإسكان فوق المتوسط والفاخر
              تتراوح مساحات الوحدات السكنية المناسبة للشرائح فوق المتوسط ما بين 120 و 160 متراً مسطحاً، بواقع 28 متراً مسطحاً للفرد. أما الإسكان الفاخر، فتزيد مساحة الوحدة فيه على 160 متراً مسطحاً.
      رابعاً: دعم الإسكان وإنشاء صندوق الإسكان الاجتماعي 
      يجب تقرير الدعم على أسس واضحـة تتسم بالشفافية، من أهمّها أن يذهب الدعم للشرائـح المستحقة له دون غيرها، وأن يوجه إلى الساكن وليس إلى المسكن، وأن يكون الدعم واضحاً ومحدّداً ومباشراً. وهناك طريقتان لدعم الساكن وتمكينه من الحصول على الوحدة الملائمة له:
      الطريقة الأولى دعم الإيجـار، ويتمثل في منح العائلة الفرق بين قدرتها على الإيجار (20% من دخلها) والإيجار الفعلي للوحدة.
      والطريقة الثانية هي دعم التمليك، ويتمثل في تمكين العائلة من دفع أقساط القرض الواجب سداده ثمناً للوحدة. ويجب أن تتساوى قيمة الدعـم في الحالتين، وبالتالي، فإن اختيار الأسرة لاستئجار أو تمليك وحدتها لا يؤثر على قيمة الدعم الذي سيُمنح لها.
      ويستوجب الدعم إنشاء صندوق للإسكـان الاجتماعي، وإتاحة موارد دائمة وكافية له ليقوم بدوره فى دعم الإسكان الاجتماعي. فبجانب ما يُخصّص للصندوق سنوياً من الخزانة العامة، يمكن تدبير الموارد الآتية:
      • 10% من حصيلة مزادات بيع الأراضي المملوكة للدولة والهيئات العامة وشركات القطاع العام.
      • 25% من حصيلة بيع الأراضي المملوكة للوحدات المحلية.
      • الفائض السنوي من موازنة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
      • حصيلة بيع وإيجار ومقابل الانتفاع بالمباني التي ينشئها الصندوق، وكذلك عائد استثمار أموال الصندوق.
      • المبالغ المخصّصة لأغراض الصندوق في الاتفاقيات الدولية التي تعقدها الدولة.
            -  العائد من رسوم الاستثناءات من الارتفاع التي تُمنح لبعض المباني لطبيعتها الخاصة، وكذلك  حصيلة مخالفات قانون البناء الموحد. 
        خامساً:  النظام المؤسسي لتوفير الإسكان الاجتماعي
        من المقترح إقامة هيئة عامة جديدة للإسكان الاجتماعي شبيهة بهيئة تعاونيات البناء تُسمّي الهيئة العامة للإسكان الاجتماعي. فبينما تقوم هيئة تعاونيات البناء بتوفير الإسكان المتوسط والإسكان الفئوي، ستقوم هيئة الإسكان الاجتماعي بتوفير الإسكان الاجتماعي للشرائح الأولى بالرعاية من المجتمع. وقد بقيت هذه الشرائح حتى الآن بدون جهاز إداري يتولى أمرها ويعمل على توفير ما تحتاجه من إسكان. ولذلك، فإن إنشاء هذه الهيئة المقترحة يُعد حلاً لنقص خطير في منظومة الإسكان المصري.
        وسيقوم هذا الجهاز الجديد بكافة مراحل توفير الإسكان الاجتماعي من تحديد الشرائح الاجتماعية المستهدفة بالإسكان الاجتماعي، وتحديد نماذج وحدات الإسكان الملائمة لهذه الشرائح، وتوفير المواقع اللازمة ثم إقامة مشروعات هذا الإسكان، كما سيقوم هذا الجهاز أيضاً باختيار المستحقين للوحدات السكنية، وتقديم الدعم لهم من صندوق الإسكان الاجتماعي إما إيجاراً أو تمليكاً لوحداتهم السكنية.
        سادساً: سياسة تخصيص الأراضي
        سبق ذكر أن هناك ثلاثة أنواع من الإسكان : الإسكان الاجتماعي المخصّص لشرائح محدودة الدخل، ثم الإسكان المتوسط، والإسكان الفوق المتوسط والفاخر، وأن الشرائح الاجتماعية الأولى بالرعاية هي شرائح محدودي الدخل ثم الشرائح الوسطي خصوصاً الدنيا منها. وعلى ذلك، فإن تخصيص المواقع للإسكان بأنواعه المختلفة يجب أن يختلف من نوع لآخر، وذلك على النحو التالي :
        1 – تتاح الأراضي للإسكان الاجتماعي بسعر أقل من تكلفة إعدادها ومدّها بالمرافق.
        2 – تتاح الأراضي للإسكان المتوسط بسعر التكلفة.
          3 – أما الإسكان فوق المتوسط والفاخر، فيمكن أن تتاح الأراضي اللازمة لهما بسعر أعلى من تكلفة إعدادها.
        وتستخدم الزيادة في سعر أراضي الإسكان فوق المتوسط والفاخر في سد العجز في سعر أراضي الإسكان الاجتماعي المنخفض، وهو مايسمى Cross-subsidy.
        أما إذا ما أخذ بنظام حق الانتفاع في المجتمعات الجديدة خارج الوادي والدلتا، فيمكن أن تحدّد قيمة رسوم حق الانتفاع حسب نوع الإسكان فتبلغ أدناها في الإسكان الاجتماعي، وأقصاها في الإسكان فوق المتوسط والفاخر.
        2 – 3 – 5 تحديد حجم الطلب على الإسكان
        إذا ما فرضنا أن نسبة الأسر محدودة الدخل تبلغ 45% من مجموع الأسر، ونسبة أسر الشريحة الوسطي 35%، ونسبة أسر الشريحة فوق المتوسطة والعليا 20%، ومع تحديد المجموعات السكانية المستهدفة بسياسات الإسكان  كما سبق توضيحه، فإنه يمكننا تحديد حجم الطلب السنوي على الإسكان على النحو التالي :
          1- الأسر المكّونة حديثاً، وعددها السنوي حوالي 600 ألف أسرة. وتحتاج هذه الأسر سنوياً من وحدات سكنية على النحو التالي :
                  -  وحدات سكنية لشريحة محدودي الدخل  270000 وحدة
                  -  وحدات الشريحة الوسطي    210000 وحدة
                  -  وحدات الشريحة فوق المتوسطة والعليا  120000 وحدة
          2- الأسر التي تضطر إلى ترك مساكنها بقرارات إدارية، ويبلغ عددها 55 ألف أسرة سنوياً، نصفها من محدودي الدخل، والنصف الآخر من الشريحة الوسطي. وعلى ذلك، فإن ما تحتاجه هذه الأسر سنوياً هو الآتي :
                  -  وحدات سكنية لشريحة محدودي الدخل  27500 وحدة
                  -  وحدات الشريحة الوسطي   27500 وحدة
          3- الأسر التي تسكن في أحياء عشوائية في مساكن غير آمنة، ويبلغ عددها 150 ألف أسرة كما سبق ذكره، وهم من محدودي الدخل. وحسب الخطة القومية لتطوير العشوائيات، فإن الدولة ستقوم بتوفير إسكان ملائم لهذه الأسر على مدي خمس سنوات. وبنـاءً على ذلك، فإن عدد الوحدات السكنية الجديدة المطلوبة لهذه الأسر يبلغ 30 ألف وحدة سنوياً من وحدات محدودي الدخل.
          4- الأسر التي تقيم في الإسكان الهامشي، وعددها يقدر بثلاثة ملايين أسرة من شرائح محدودي الدخل كما سبق الذكر، وتوفير وحدات مناسبة لهذه الأسر سوف يحتاج إلى فترة طويلة قد تبلغ عشرين عاماً. ولكن نظراً للظروف الخاصة التي تمر بها مصر في الوقت الحالي، فإنه ليس من المنتظر توفير إسكان لهذه الأسر قبل خمس سنوات على الأقل كما سبق ذكره.
        يتضّح مما تقدّم أن عدد الوحدات السكنيـة المطلوبـة سنويـاً خلال الخمس سنوات القادمـة هي كالأتي :
          النوعألف وحدة(%)
          وحدات سكنية لشريحة محدودي الدخل
          وحدات سكنية للشريحة الوسطي
          وحدات سكنية للشريحة فوق المتوسطة والعليا
          327
          237.5
          120.0
          48%
          34.5%
          17.5%
          المجموع الكلي للوحدات السكنية المطلوبة سنوياً684.5100%
        2 – 3 – 6 حـل مشاكـل الإسكـان الحاليـة
        يعانى قطاع الإسكان عدّة مشاكل مزمنة سبقت الإشارة إليها، ويصعب تطبيق سياسة فعّالة للإسكان مع بقاء هذه المشاكل معلّقة. لذا، فإنه من الواجب إيجاد الحلول الملائمة لها. وهذه المشاكل هي: العلاقة بين المالك والمستأجر، ومشكلة العشوائيات.
          (1) العلاقة بين المالك والمستأجر بالنسبة للوحدات السكنية الخاضعة لقوانين تحديد القيمة الايجارية وامتداد عقد الإيجار
        إن إعادة صياغة العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر بالنسبة للمباني القديمة الخاضعة لقوانين تحديد القيمة الإيجارية واستمرار عقد الإيجار؛ سوف تمس بصورة مباشرة أمن واستقرار ملايين الأسر التي استقرت على أوضاع سكنية ثابتة لمدد طويلة ويصعب عليهم تغييرها. ولذا، فإنه يجب أن تتم هذه الصياغة بحذر شديد حتى يمكن أن تتحقق بها العدالة بين طرفي التعاقد، دون إرهاق لأي منهما. فالمستأجرون من ذوي الدخول المحدودة يجب أن لا تمثل العلاقة الجديدة بينهم وبين الملاك أعباءً جديدة فوق طاقاتهم. أما الشرائح العليا من المستأجرين – والذين يدفعون إيجارات منخفضة للغاية في وحدات سكنية ذات قيمة عقارية كبيرة – فمن الواجب رفع القيمة الإيجارية لوحداتهم السكنية تعويضاً عما أصاب ملاك هذه الوحدات من غبن من ناحية، وتحقيقاً للمساواة والعدالة في تحديد القيمة الإيجارية بالنسبة لكلٍ من المباني القديمة والجديدة على السواء، من ناحية أخرى.
        ومن المقترح في هذا الشأن، زيادة القيمة الإيجارية زيادة سنوية منسّبة إلى القيمة الإيجارية القانونية الحالية إلى أن تصل إلى سقف معيّن. ويجب أن لا تكون نسب الزيادة موحّـدة بصورة مطلقة لكل الوحدات السكنية، بل يؤخذ فى الاعتبار: تاريخ الإنشاء، والمستوى العمراني للأحياء المختلفة، ومستوى دخول الشرائح الاجتماعية للمستأجرين، بحيث لا يتجاوز الإيجار في قيمته الجديدة 20% من دخل الأسرة، وتكون فترة الانتقال من الإيجار القديم إلى الإيجار الجديد طويلة نسبياً تتراوح بين 15 عاماً و25 عاماً، حتى يصير هذا الانتقال غير مرهق بالنسبة لمجموع المستأجريـن، كما يجب أن يسمح بامتداد عقد الإيجـار إذا ما استوجبت الظروف الاجتماعيـة لمن ينتقل إليهم العقد بهذا الامتداد، فإلغاء الامتداد - وليس تنظيمه - سوف يمثل عسراً شديداً على عددٍ كبيرٍ من الأسر المُقيمة حالياً في هذه الوحدات. ويمكن أن يقوم صندوق الإسكان الاجتماعي المقترح بدعم المستأجرين غير القادرين على تحمّل الزيادة في القيمة الإيجارية إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، فهو هنا أشبه بشبكة أمانSafety net للمستأجرين الحاليين محدودي الدخل.
        ويلزم أن توجّه نسبة من الزيادة في القيمة الإيجارية إلى صيانة العقارات القديمة وإصلاحها للحفاظ على ثروة مصر العقارية، والتى أدى إهمال صيانتها لفترات طويلة إلى إهدار لرأس مال قومي كبير.
          (2)  مشكلة الإسكان العشوائي
        نشأت مشكلة الإسكان العشوائي أساساً نتيجة إهمال الشريحة الدنيا من المجتمع، وعدم السعي لتحقيق احتياجاتهم الأساسية. وقد امتد الإسكان العشوائي بكل سلبياته حول المدن المصرية وداخلها امتداداً كبيراً، واستفحلت مشكلاته الاجتماعية والعمرانية كما سبق توضيحه. ولذا، فإنه أصبح من الواجب مواجهة هذه المشكلات وإيجاد الحلول الملائمة لها، والتي يمكن أن تتمثل فى الآتي:
          1-   العمل على وقف النمو العشوائي بصورة نهائية، وذلك بإتاحة مواقع مرفّقة لأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة نظير رسوم مخفضة أو رمزية بالمدن الحالية والمدن الجديدة، على أن يتم تخطيط هذه المواقع وتقسيمها بما يتلاءم مع إمكانات هذه الشريحة، والعمل على توفير فرص عمل بها كافية لساكنيها، وكذلك توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل المدارس والمستشفيات وغيرها، ويتم ذلك فى إطار السياسة القومية للإسكان، وضمن التخطيط الحضري للمدن والتخطيط الإقليمي والتخطيط القومي الشامل.
          2-   إدخال الأحياء العشوائية الحالية فى النسيج الحضري للمدن، وذلك بمد الطرق والمرافق إليها، وتوفير الخدمات بأنواعها لسكان هذه الأحياء. وقد يتطلب الأمر إزالة بعض الوحدات المتردية على أن يتوفر لساكنيها وحدات بديلة، ويُقام مكانها بعض الخدمات الاجتماعية الضرورية، أي العمل على الارتقاء بمستوى الحياة الحضرية بالأحياء العشوائية الحالية.
          3-   بالنسبة لبعض المناطق العشوائية والتى فى حالة بالغة التردي، فقد يكون من الأفضل لساكنيها إزالتها بالكامل، وإتاحة بيئة عمرانية جديدة لهم فى مناطق أخرى، وإعادة استخدام هذه المواقع المتردية بتخطيط سليم، إما للأغراض السكنية أو للخدمات والأنشطة غير السكنية، مثل الأنشطة التجارية والحرفية والمهنية.
        في عام 2008، أنشأت الدولة صندوق تطوير المناطق العشوائية. وجاء في قرار إنشائـه أن من مهامه وضع خطة لتطوير المناطق العشوائيـة مع إعطاء أولوية للمناطق غير الآمنـه، ومتابعة تنفيذ خطط تطوير العشوائيات بالتعاون مع المحافظات ومؤسسات المجتمع المدني. وقد وضع الصندوق خطة متكاملة لتطوير هذه المناطق غير الآمنة على مدى خمس سنوات تبدأ من عام 2012 وتنتهي في عام 2017. وقُدرت التكلفة الكلّية بمبلغ 8.5 مليار جنيه، على أن تقوم المحافظات بهذا التطوير، ويقوم الصندوق بالدراسات الفنية وبالتمويل من خلال ما يُسمّى بالقرض الدوّار. ويعنى ذلك تطوير مناطق ذات قيمة مضافة يمكن معها استعادة التكلفة بعد انتهاء التطوير وتوفير التمويل اللازم لتطوير مناطق أخرى غير ذات قيمة مضافة. ويجرى حالياً تطوير هذه المناطق الخطرة في محافظات مصر ولكن بدرجات مختلفة.
        2 – 3 – 7 تقييم المشروعات السكنية الجاري تنفيذها حاليـاً
        قامت وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية في عام 2006 بالبدء في تنفيذ مشروع إسكان أسمته "البرنامج القومي للإسكان الاجتماعي "يهدف إلى توفير نصف مليون وحدة سكنية على مدى ست سنوات تنتهي في عام 2011 بمعدل 85 ألف وحدة سنوياً. وتُخصّص هذه الوحدات لمحدودي الدخل، وعلى الأخص شريحة الشباب منهم. واشترطت الوزارة في خطتها أن يكون دخل المنتفع الأعزب في حدود ألف جنيه شهرياً. أما دخل الأسرة فيجب أن يكون في حدود 1500 جنيه شهرياً. وجاء في خطة الوزارة أن ينشأ نصف العدد من الوحدات السكنية في المحافظات. أما النصف الآخر، فيُنشأ في المدن والمجتمعات الجديدة. فقامت بالاتفاق مع المحافظات المختلفة ومع هيئة المجتمعات الجديدة لتوفير المواقع اللازمة لهذا المشروع.
        وكذلك، قامت الوزارة بتوفير الدعم اللازم لتمكين شريحة الشباب ومحدودي الدخل من حيازة هذه الوحدات، فقدّمت دعماً مباشراً يتراوح ما بين 15 ألف و25 ألف جنيه لكل وحدة، كما اتاحت قرضاً ميسّراً قدره 30 ألف جنيه لشاغلي الوحدة، يُسدّد على فترة طويلة تبلغ 20 عاماً. وقد بلغ مجموع الدعم المباشر خلال تنفيذ المشروع 15 مليار جنيه : 6 مليارات جنيه دعم نقدي من الخزانة العامة (بواقع مليار جنيه كل عام) و9 مليارات جنيه من حصيلة بيع أراضي هيئة المجتمعات الجديدة.
        وقد أشتمل المشروع على المحاور التالية :
          1-   محور تمليك الوحدات في عمارات سكنية : عدد الوحدات  السكنية المستهدفة 323315 وحدة.
          2-  محور توفير أراضي بمساحات صغيرة بالمدن الجديدة وفي بعض المحافظات "مشروع أبني بيتك": عدد قطع الأراضي المستهدفة 93554 قطعة. وتبلغ مساحة القطعة الواحدة 150 متراً مسطحاً، على أن يبني المنتفع بها وحدة سكنية بمساحة 75 متراً مسطحاً. ويمكنه مستقبلاً أن يقيم دورين علويين، أي إضافة وحدتين أخرتين إما لاستخدامه العائلي أو للتصرّف فيهما بالبيع أو التأجير.
          3-  محور تخصيص أراضي بالمدن الجديدة للقطاع الخاص لتوفير وحدات سكنية بمساحة 63 متراً مسطحاً للوحدة : يبلغ عدد الوحدات السكنية المستهدفة في هذا المحور 10000 وحدة. وقد تم تخصيص 6674 فدان لعدد 141 شركة في عدد 15 مدينة جديدة لتنفيذ هذا المشروع.
          4-  محور تمليك بيت العائلة بمدينة 6 أكتوبر : يهدف هذا المحور إلى توفير وحدة سكنية من دور واحد للمنتفع، ويمكنه إضافة مستقبلاً دور واحد أو أكثر عليها. ويبلغ عدد الوحدات المستهدفة في هذا المشروع 3020 وحدة.
          5- محور توفير وحدات سكنية بمساحات صغيرة (42متراً مسطحاً للوحدة) تتاح بالإيجار للمواطنين الأولي بالرعاية : يبلغ العدد المستهدف للوحدات في هذا المحور 46883 وحدة.
          6- محور توفير وحدات سكنية مساحات 62 متراً مسطحاً للوحدة تتاح بالإيجار في المحافظات والمدن الجديدة بالاشتراك مع هيئة الأوقاف : يبلغ العدد المستهدف من الوحدات السكنية في هذا المحور 36295 وحدة.
          7- محور تمليك البيت الريفي : كان العدد المستهدف في هذا المحور بقرى المحافظات وقرى الظهير الصحراوي 8000 بيت ريفي. وقد تم أخيراً زيادة العدد المستهدف إلى 14563 بيت ريفي.
        مما سبق يتضح أن مشروع "البرنامج القومي للإسكان الاجتماعي "يمثل تحوّلاً كبيراً في مسار الإسكان في مصر، إذ أنه يتجه بسياسة الإسكان نحو الاهتمام بشريحة محدودي الدخل وجعلها "الشريحة الأولى بالرعاية "في خطط الدولة في هذا المجال. ويهدف المشروع إلى توفير الوحدات السكنية التي يمكن أن تدخل حيازتها، تمليكاً أو إيجاراً ـ وفي حدود إمكانات هذه الشريحة، وذلك بتقديم الدعم المباشر وإتاحة القروض الميسّرة التي تسدّد على فترات طويلة للشباب والأسر محدودة الدخل. وقامت وزارة الإسكان والمحافظات بتوفير المواقع المرفقة اللازمة لمشروعات هذا البرنامج في المدن الحالية والمجتمعات الجديدة.
        وكذلك يمثل هذا المشروع توجّهاً جديداً في وسيلة حيازة الوحدات السكنية، وهو الأخذ بنظام التأجير بجانب التمليك. ويمكن بذلك إعادة الاتزان مرّة أخرى إلى سوق الإسكان المصري، كما أن أحد الملامح الرئيسية الإيجابية في هذا المشروع يتمثل في مشاركة القطاع الخاص في توفير الإسكان الاجتماعي على نطاق واسع بجانب مؤسسات الدولة الرسمية.
        ويبلغ مجموع ما تم تسليمه من وحدات في المحاور السبعة المذكورة نحو 363.6 ألف وحدة وذلك حتى شهر أبريل 2012.
        وقد أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية مؤخّراً عن إعداد برنامج جديد لتوفير مليون وحدة سكنية خلال الخمس سنوات القادمة (2012 – 2017) بواقع 200 ألف وحدة في العام الواحد. ومن الواجب تقويم مشروع "البرنامج القومي للإسكان الاجتماعي الذي جرى تنفيذه خلال الستة أعوام الماضية للوقوف على إيجابياته وسلبياته، وذلك لتعظيم الإيجابيات وتجنّب السلبيات في مشروع المليون وحدة سكنية المتوقع تنفيذه في السنوات القادمـة. ويشتمل التقويم، بجانب ما ذكر، على ما يلي:
          1- مدي تحقيق المشروع لأهدافه وأسباب عدم إمكانية تنفيذ وتسليم الوحدات المستهدفة، وهي نصف مليون وحدة في المدّة المقرّرة، وهي ست سنوات.
          2- درجة الإقبال النسبي على الوحدات في كل محور من محاور البرنامج.
          3- مدى تحقيق الوحدة السكنية في المحاور المختلفة للاحتياجات المعيشية لساكنيها. ومدى رضاء الشاغلين عن وحداتهم، والصعوبات التي تواجههم في حياتهم الجديدة.
          4- الأسلوب المتبع في الدعم، ومدى نجاحه في تمكين الأسر من حيازة وحداتها.
          5- الصعوبات التي واجهت المنتفعين في التمويل، وارتفاع التكلفة وإدارة المشروع في مراحله المختلفة.
        2 – 3 – 8 خطوات تحقيق سياسة الإسكان
        أوضحت الدراسة أهمية اتخاذ الخطوات التالية لمواجهة مشاكل الإسكان في مصر:
          1- وضع سياسة جديدة تحقق الاحتياجات الفعلية لكل شريحة من شرائح المجتمع، وإصدار التشريعات اللازمة لتقنين هذه السياسة. والمدة المقترحة لوضع السياسة وتقنينها تتراوح ما بين عام وعامين.
          2- دراسة وتقويم المشروعات السكنية الحالية والمسمّاة "البرنامج القومي للإسكان الاجتماعي "وذلك لتعظيم إيجابياته وتجنب سلبياته في مراحله المستقبلية. والمدة المقترحة لهذا التقويم يمكن أن تكون عاماً واحداً.
          3- وضع النظام المؤسسي المحلي بكل محافظة لإدارة تطوير المناطق العشوائية داخل المحافظة. ووضع خطط التطوير والإشراف على تنفيذها بالاشتراك مع المجتمع المدني والقيادات الشعبية لهذه المناطق. والمدّة المقدّرة لوضع هذا النظام المؤسسي لتعزيز دور وحدة تطوير العشوائيات بكل محافظة تبلغ ستة أشهر.
          4- تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر بالنسبة للوحدات السكنية الخاضعة للقوانين الاستثنائية التي تحدّد القيمة الإيجارية وتسمح بامتداد عقد الإيجار. والمدة المقترحة لدراسة هذه المشكلة وإصدار التشريعات اللازمة لها قد تتراوح بين عام وعامين.
          5- وضع الخطط لتحقيق الاحتياجات السنوية من الإسكان اللازمة لشرائح المجتمع المختلفة، وعلى الأخص شرائح محدودي الدخل والشرائح الوسطي، وتحديد مواقعها حسب التخطيط القومي الشامل للتنمية.
        2 – 4 النقـــل
        2 – 4 – 1 نظام النقل المتكامل
        يعتمد هذا القسم على أهم ما جاء في التقرير المخطط الرئيسي لدراسة النقل القومي بمصر MiNTS التي قامت بها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) والتي انتهت في يناير 2012. وتغطي الدراسة كافة وسائل النقل بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والنقل البحري والنقل النهري والنقل الجوي وخطوط الأنابيب. يمتد أفق الدراسة حتى عام 2027.
        تقوم هذه الدراسة على أساس "رؤية "تمثل هدفاً مستقبلياً يتلخص في "نظام نهائي للنقل "، يكون بمثابة الصورة التي يجب ترجمتها إلى "سياسات "يمكن تحقيقها من خلال "استراتيجيات "تمثل مبادرات تقوم بها الحكومة لتنفيذ هذه السياسات.
        وتتلخص الرؤية المعتمدة في الدراسة لقطاع النقل فيما يلي:
        • ربط شبكة النقل بخطة التنمية القومية مما يشجّع على التفاعل القوي بين النقل والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر، مع تعزيز دور مصر الهام في الساحة الدولية، إقليمياً وعالمياً.
        • وجود تخطيط فعال مع القيام بتشكيل أنماط للتنمية تؤثر على موقع وحجم وكثافة وتصميم الأراضي المستخدمة مما يعمل على خلق فرص تنقل تكون ملاءمة وأكثر أماناً.
        • التوصّل إلى حلول مستدامة للنقل وصديقة للبيئة في القرن الحادي والعشرين مما يعمل على تحسين جودة نظم النقل وخدماته، كما يسهُل على جميع المصريين إمكانية الوصول إليها والقدرة على تحمّل تكاليفها على مدى العقدين القادمين وما بعد ذلك.
        • تطوير مفهوم النقل المتكامل ومتعدّد الوسائط مع الحفاظ على أهمية المعايير المحلية والتوقعات والمتطلبات الملازمة لحركة الركاب والبضائع.
        اعتمدت الدراسة خمسة سيناريوهات بديلة تم اختبارها باستخدام نموذج النقل القومي على الحاسب الآلي وقاعدة بيانات جغرافية أساسية [شكل (9)]، وتدرجت منها على النحو التالي:
        1. اختيار السيناريو المفضّل.
        2. تشكيل محاور السيناريو المفضّل.
        3. تحديد المشروعات الأساسية لهذه المحاور وأولوياتها.
        الشكل 9: مؤشرات أداء السيناريوهات المستقبلية
        2 – 4 – 2 اختيار السيناريو المفضّل
        خضعت السيناريوهات لمحاكاة ودراسة تحليلية من مناظير مختلفة بما في ذلك كفاءة استخدام شبكة الطرق والاعتبارات البيئية والقدرة على تحمّل التكاليف والكفاءة الاقتصادية. وقد تم تنقيح السيناريو المفضّل في استعراض التحليلات والمناقشات اللاحقة مع المعنيين بالدراسة. ومن المتوقع - مع انتهاء الأفق الزمني للدراسة - أن يشهد السيناريو المفضل زيادة في أنصبة جميع وسائل نقل البضائع ما عدا الطرق من 3.6% إلى 9.8% كم/طن. ومن الممكن أن يحدث هذا التحوّل من خلال تحقيق نمو متوازن بين وسائل النقل المتنافسة ما عدا الطرق. وفي حالة نقل الركاب، من المتوقع زيادة نصيب قطاع السكك الحديدية (كم/راكب) من 6.6% إلى 25.5% بعد تشغيل نظام للسكك الحديدية عالية السرعة.
        ويتم الوصول إلى هذا التحوّل في أنصبة وسائل النقل نتيجة تنفيذ استراتيجية ذات شقين، وهما بنية تحتية إضافية في قطاعات النقل (عدا الطرق)، وإدخال تدريجي لآلية تسعير الوقود في السوق. ولم تتطرّق الدراسة لأي توصيات تتعلق بإدخال نظام ضريبي خاص بدفع ضريبة وقت التزود بالوقود أو ضريبة أخرى تتعلق بالبيئة، رغم أن هذه الفكرة تمت دراستها بعناية كأحد السيناريوهات التي تحقق تحوّلاً أفضل في أنصبة قطاعات النقل (عدا الطرق).
        2 – 4 – 3 تشكيل المحاور
        يمثل السيناريو المفضّل للنقل الإطار الأساسي الذي يحدّد تشكيل محاور النقل. وقد تم الانتهاء من تشكيل المحاور بالتشاور الوثيق مع ممثلي لجنة تسيير الدراسة ووزارة النقل، كما تم الحصول على مدخلات أكثر عن طريق تنظيم حلقات وورش عمل. ويلاحظ مسار النشاط التخطيطي في (الشكل رقم (10)).
        وتهدف الرؤية المعتمدة في الدراسة إلى إنشاء نظام نقل متوازن يتوافق مع بنية التنمية القومية التي تنتشر مكانياً على كامل التراب الوطني وتخدمها شبكة النقل المتكاملة. ويتم ذلك من خلال تحديد  مراكز الربط الحضرية الرئيسية و/أو تجمّعات الأنشطة الاقتصادية في تسلسل متتابع بدءًا بالمراكز القومية مروراً بالمراكز الإقليمية ووصولاً إلى المنافذ الحدودية. ومن الممكن اعتبار تلك المراكز أنها بمثابة نقاط تجمّع للأنشطة المختلفة أو نقاط التقاء لوسائل النقل يتم عندها توليد أو جذب نقليّات للركاب والبضائع، ويمكن أيضاً أن تعمل كمراكز توزيع هامة إلى مناطق الداخل أو نقاط اتصال مع خطوط النقل الدولية.
        الشكل 10: تحديد محاور النقل
          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابنية للتعاون الدولي (JICA)
        أسفرت الدراسة عن أحد عشر محوراً تأتي في مقدّمها المحاور التالية:
        • محور البحر المتوسط، ويربط ليبيا مع فلسطين عن طريق مرسى مطروح والعلمين والقاهرة الكبرى (الجزء الشمالي من الطريق الدائري الخارجي بالقاهرة) والإسماعيلية ومنطقة شمال سيناء عند قناة السويس.
        • محور النقل متعدّد الوسائط (The Intermodal Transport Corridor ITC)، الذي يربط مركز مُقترح إقامته في مدينة السادس من أكتوبر بإسم مركز السادس من أكتوبر للقيمة المضافة بكلا من الموانئ البحرية في منطقة الإسكندرية وميناء السخنة على البحر الأحمر. ومن المتوقع أن يركز المحور على الخدمات اللوجيستية لتدفق البضائع بصورة عالية الكفاءة.
        • محور البحر الأحمر، وهو المحور الموازي لشاطئ البحر الأحمر / خليج السويس بين الزعفرانة وبرنيس تقريبا، مع إمكانية تعزيز الوصلات الحالية مع السودان. وتعمل مناطق رأس غارب والغردقة وسفاجا كنقاط وسطية أساسية.
        • محور صعيد مصر، وهو الذي يسير بمحاذاة نهر النيل بين القاهرة الكبرى وأسوان، مع احتمال مدّه لإنشاء منفذ جديد إلى السودان (الخرطوم).
        وهناك أربعة محاور إضافية تخدم الممرّات الشرقية والغربية داخل مصر الوسطى والعليا وتربط سيوة مع رأس غارب والفرافرة /الداخلة مع سفاجا (عن طريق أسيوط) والخارجة مع سفاجا (عن طريق الأقصر /قنا) والعوينات مع برنيس (عن طريق أسوان).
        محور النقل متعدّد الوسائط:
              يحتل محور النقل متعدّد الوسائط المرتبة الأولى في عنصر المكوّنات، وهو قطاع جديد للخدمات اللوجستية ذات القيمة المضافة ضمن المشروعات الموضّحة في الشكل رقم (11). وتبلغ تكلفته حوالي 16 مليار جنيه (10.7 مليار للسكك الحديدية و2 مليار للنقل النهري و2.2 مليار للموانئ، وغيرها من الأعمال المرتبطة به).
        الشكل 11: تصنيف مشروعات محور النقل متعدّد الوسائط
          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).
        محور البحر المتوسط:
        يبين الشكل رقم (12) مجموعة الطرق السريعة لإنشاء شبكة محور البحر المتوسط. وتقدّر تكاليف الطرق عالية المستوى بحوالي 15 مليار جنيه. وسيتطلب إنشاء شبكة الطرق الثانوية والفرعية 11.4 مليار جنيه إضافية.
        ويقوم المحور بعددٍ من الوظائف الداخلية، منها توفير الخدمات للمناطق العمرانية الجديدة المخطط لها والإسهام في التخفيف من حِدّة الازدحام الحالي في منطقة الدلتا. ويشمل المحور إنشاء الروابط الرئيسية لطريق القاهرة الدائري الخارجي. وسوف تشكل الروابط الدولية للمحور أساساً قوياً لتحقيق تطلعات مصر الدولية والإقليمية. تتكون شبكة الطرق الأساسية من عِدّة طرق سريعة مما يتيح إمكانية كبيرة لمشاركة القطاع الخاص. ويبيّن الشكل رقم (13) محاور النقل الخاصة حتى عام 2027.
        الشكل 12: تصنيف مشروعات محور البحر المتوسط
                          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).
        الشكل 13: محاور النقل الخاصة بالدراسة لعام 2027
          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA). 
          2 – 4 – 4 تحديد المشروعات الأساسية وأولوياتها
          قامت الدراسة بالتوصل إلى المشروعات والبرامج المقترحة عن طريق تحليل متعدد المعايير (MCA) باستخدام منهجية مستندة إلى قواعد حسابية وتحديد درجة الأهمية، وتتضمّن أيضاً آراء لا يتم استخدامها في طرق التقويم التقليدية (الحسابية).
          المشروعات ذات الأولوية القصوى:
          يعتمد التحليل متعدّد المعايير على استخدام عناصر المكوّنات الصلبة والبرمجيات والعنصر البشري مجتمعة لضمان أن تكون أولوية التنفيذ متفقة مع أهداف الحكومة لتحديث قطاع النقل المصري وليس مقصوراً فقط على إنشاء بنية تحتية جديدة (إضافية). ويوضّح التقويم وجود حاجة لاتخاذ مبادرات فعلية للأولويات على ثلاثة مستويات، من خلال قائمة للأولويات القصوى تتكوّن من عشر مبادرات تتوزّع كالتالي:
          • تطوير البنية التحتية
            1. مركز مدينة السادس من أكتوبر للوجيستيات القيمة المضافة.
            1. خط سكة حديدية بمدينة السادس من أكتوبر.
            2. خط سكة حديدية من ميناء السخنة إلى حلوان.
            3. ازدواج الخط الاحتياطي بين القاهرة والإسكندرية الجديدة.
            4. تحسين مرافق محطات خدمات الشحن (محطتين).
            5. تحديث طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي السريع (8 حارات).
            6. مراكز اللوجيستيات بما في ذلك تحسين مرافق محطات خدمات الشحن.
          • تطوير البرمجيّات
            1. تطوير مركز النقل المصري.
          • تطوير العنصر البشري
            1. تمديد خطة التحوّل الخاصة بهيئة سكك حديد مصر.
            2. تمديد برنامج NICHE/RIRT الخاص بالنقل النهري.
          ويُلاحظ أن تسلسل تنفيذ المشروعات العشرة الأولى ثم التي تليها في الترتيب يُعد نهجاً أكثر منطقية.
          وفيما يلي المشروعات حسب ترتيبها من 11 إلى 20:
          11- الترتيب على التقنيّات الحديثة في مجال صيانة الطرق.
          12- مرافق نقل الركاب متعدّد الوسائط.
          13- تحسين موانئ النقل النهري في صعيد مصر.
          14- طريق القاهرة – الإسماعيلية- بورسعيد السريع.
          15- ميناء يربط نهر النيل بمحور النقل متعدّد الوسائط.
          16- ازدواج طريق المنصورة- دمياط.
          17- طريق القاهرة / السويس السريع.
          ويحظى المشروعان التاليان بنفس درجة الأهمية:
          18- مبادرة السلامة على الطرق (الهندسة والتعليم والتنفيذ).
          19- التدريب على الأنظمة الحديثة لإدارة حركة المرور.
          20- تحسين مرافق محطات نقل البضائع.
          من أجل ضمان تناسق المشروعات الهامة وتنفيذها في الوقت المناسب على المدى القصير والمتوسط، فإن المشروعات العشر التالية حتى المرتبة الثلاثين هي كما يلي:
            21- إنشاء مسار كفر الزيات الاحتياطي بطريق القاهرة / الإسكندرية الزراعي باتجاه الإسكندرية.
          22- إعادة تأهيل خط قنا – سفاجا.
          23- مبادرة سلامة السكك الحديدية.
          24- تطوير الإدارة والتشغيل لمحطة متعدّدة الأغراض في ميناء الدخيلة.
          25- طريق غرب القاهرة- الإسكندرية السريع.
          26- طريق القاهرة – أسيوط الصحراوي الغربي السريع.
            27- سكة حديد عالية السرعة القاهرة – الإسكندرية (250 كم/ الساعة تقنيا- السرعة التجارية 200- 230 كم/الساعة).
          28- تطوير كتيبات تصميم الطرق وطاقتها الاستيعابية وأجهزة التحكم المروري على الطرق.
          29- مسار الإسكندرية الاحتياطي.
          30- يحظى المشروعان التاليان بنفس درجة الأهمية:
          1. طريق السويس- رأس النقب السريع.
          2. إدخال أحدث أنظمة التحكم بالسكك الحديدية.
          2 – 4 – 5 مراحل التنفيذ
          تم تقسيم المخطط الرئيسي للنقل الخاص بالدراسة على ثلاث مراحل متعاقبة كل منها خمس سنوات، وهي مرحلة المدى القصير (من الآن حتى 2017)، ومرحلة المدى المتوسط (من 2018 حتى 2022) ومرحلة المدى الطويل (من 2023 حتى 2027). ويتطلب المخطط الرئيسي المُقترح نحو 320 مليار جنيه كإجمالي نفقات خلال هذه الفترة الزمنية كلها.
          ويساهم القطاع العام بحوالي 41% من هذه النفقات مع تحمّل القطاع الخاص بقية النفقات المحتملة.
          وتوضح الجداول الثلاثة التالية (7، 8، 9) والشكلان (14، 15) المشروعات والبرامج المحدّدة في كل مرحلة من مراحل الخطط الخمسية الثلاث.
          الجدول 7: المرحلة الأولية- مرحلة المدى القصير للتخطيط ( من الآن حتى 2017)
          القطاععنصر المكوّناتبرامج تشغيلالعنصر البشري
          طرقسكك حديديةالنقل النهريالموانئخدمات لوجيستية
          Uhl(5) مشروعات
          8.8 مليار جنيه
          (10) مشروعات
          22.3 مليار جنيه
          (2) مشروع
          2 مليار جنيه
          -(3) مشروعات
          4.5 مليار جنيه
          (5) مشروعات
          10.2 مليار جنيه
          (4) مشروعات
          1.2 مليار جنيه
          خاص(8) مشروعات 18.6 مليار جنيه--(2) مشروع
          2.2 مليار جنيه
          ---
          الإجماليعام (49 مليار جنيه)، خاص (20.8 مليار جنيه)
          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).
          الجدول 8: المرحلة الأولية- مرحلة المدى المتوسط للتخطيط ( من 2018 حتى 2022)
          القطاععنصر المكوّناتبرامج تشغيلالعنصر البشري
          طرقسكك حديديةالنقل النهريموانئخدمات لوجيستية
          عام(20) مشروعاً
          26.4 مليار جنيه
          (9) مشروعات
          10.2 مليار جنيه
          (2) م شروع
          0.9 مليار جنيه
          -(2) مشروع
          0.9 مليار جنيه
          (1) مشروع
          0.3 مليار جنيه
          خاص(6) مشروعات
          17.9 مليار جنيه
          (1) مشروع
          19.9 مليار جنيه6
          (2) مشروع
          3.0 مليار جنيه
          (2) مشروع
          3.0 مليار جنيه
          ---
          الإجماليعام (38.7 مليار جنيه)، خاص (40.8 مليار جنيه)
          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).
          الجدول 9: المرحلة الأولية- مرحلة المدى الطويل للتخطيط ( من 2023 حتى 2027)
          القطاععنصر المكوّناتبرامج تشغيلالعنصر البشري
          طرقسكك حديديةالنقل النهريموانئخدمات لوجيستية
          عام(12) مشروعات
          19 مليار جنيه
          (7) مشروعات
          24 مليار جنيه
          (2) مشروع
          1.1 مليار جنيه
          مشروع واحد
          1 مليار جنيه
          ---
          خاص-مشروع واحد
          125.6 مليار جنيه
          ---
          الإجماليعام (45.1 مليار جنيه)، خاص (125.6 مليار جنيه)
          المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA).
          الشكل 14: مواقع المراحل الأولية- مرحلة المدى القصير للتخطيط ( من الآن حتى 2017)
            المصدر: الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA). تفاصيل المشروع متضمّنة في الفصول 6، 7 و8 للدراسة الأصلية والملاحق الخاصة بهذا الملخص. 
            الشكل 15: مواقع المراحل الأولية- مرحلة المدى المتوسط للتخطيط ( من 2018 حتى 2022)
            المصدر: فريق عمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA). تفاصيل المشروع متضمّنة في الفصول 6، 7 و8 للدراسة الأصلية والملاحق الخاصة بهذا الملخص.



             
            الباب
              الخامس
            السياسات العامة وأدوار شركاء التنمية7
            مقدمة
            يضطلع القطاع الخاص بدور أساسى فى التنمية وتنفيذ أهداف الخطة، ومع ذلك فإن الدولة لا بد أن يكون لها دور مهيمن على كل جوانب النشاط الاقتصادى وقيادة التنمية وصياغة وتنفيذ السياسات الداعمة للنمو. ولا بد فى المرحلة الجديدة القادمة من مراجعة دور الدولة فى الجوانب المختلفة. ويمثل الجهاز الإدارى الأداة البيروقراطية الأساسية التى تنفذ بها الدولة مهامها. ومن ثم، فإن متطلبات إصلاح الجهاز الإدارى وزيادة كفاءته تشكل أحد المحاور المؤسسية الضرورية. وفى هذا السياق، فإن هناك مجالات محدّدة لتنفيذ الإصلاح الإدارى على كافة المستويات.
            إن دور الدولة يجب ترجمته أيضاً فى السياسات النقدية والمالية التى تشكل سياسات مساندة ضرورية لتنفيذ أهداف الخطة. فالسياسات النقدية والمالية يجب أن تتسق فيما بينها وتعالج القضايا المحورية العالقة التى تعوق الأداء الاقتصادى، وتوفر المناخ الملائم لتحقيق الانطلاق نحو التنمية.
            ومن بين الآليات الهامة فى المرحلة القادمة لتحقيق الأهداف الخاصة بالبنية الأساسية والمرافق اللازمة للنهوض بكافة الأنشطة وتوفير الخدمات اللازمة لكافة المواطنين، آلية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وهناك العديد من الإجراءات التى يجب اتخاذها لضمان نجاح برنامج الشراكة وتفادى المشكلات والمعوّقات التى عرقلت التجربة فى بعض الدول.
            ومع أهمية دور الدولة والقطاع الخاص المحلى، فإن الاستثمار الأجنبى المباشر يمثل أحد الروافد الأساسية التى لا غنى عنها للمشاركة فى تمويل التنمية لتحقيق الأهداف المطلوبة. ويتطلب جذب الاستثمار الأجنبى المباشر اتخاذ عديدٍ من الإجراءات والسياسات وأيضاً الضوابط التى تحكم أداء هذا النشاط.
            محتويات هذا الباب 
            دور الدولة فى الخطة العشرية
            الاتجاهات الأساسية للسياسة المالية والنقدية

            السياسة المالية

            السياسة النقدية

            بعض القضايا المحورية

            السياسات العامة لتطوير الجهاز الإدارى
            القطاع الخاص كمحرك للتنمية

            خلق بيئة مواتية للأعمال

            إدارة المناطق الصناعية

            تعزيز وتنمية الصادرات المصرية

            تنمية نموذج الأعمال الدولي

            تحديث المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم

            الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص

            أهداف وآليات تطبيق برنامج الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص

            الشراكة فى تمويل مشروعات البنية الأساسية

            الشراكة فى إدارة الشركات المملوكة للدولة

            الشراكة فى المشروعات القومية الكبرى

            الشراكة فى مجال العلوم والتكنولوجيا

            الاستثمار الأجنبي المباشر

            أهداف وآليات الخطة بالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر

            تعزيز فعالية التعاون الإنمائي الدولى

            الأشكال المتاحة للتعاون الإنمائي الدولى

            متطلبات تعظيم كفاءة استخدام الموارد المالية التى يتيحها التعاون الإنمائى
            دور الدولة فى الخطة العشرية
            تتطلب عملية التنمية فى هذه المرحلة أن تقود الدولة عملية التنمية. ولا يعنى ذلك أن تستبعد القطاع الخاص أو السوق أو أية أطراف أخرى يمكن أن يكون لها دور فى التنمية، وإنما تتولى الدولة مسئولية إدارة عملية التنمية والتنسيق بين كافة الأدوار والمتابعة الحقيقية للأداء وفقاً لرؤية وأهداف واضحة ومرنة يتوافق عليها المجتمع.  
            الشكل 16: نموذج للتعاون المشترك بين شركاء التنمية فى مجال الصناعة
            وهناك جهد كبير مطلوب فى المرحلة القادمة فى مجالات متعددة، وذلك لصياغة آليات وسياسات تقوم بها الدولة انطلاقاً من عموميات استراتيجية التنمية المستدامة التى يتم التوافق حولها، ومن هذه المجالات ما يلى:
            1. هناك توافق كبير على ضرورة أن تقوم الدولة بتصحيح اختلالات السوق وضبط الرقابة على الأسواق وتنظيمها، واتخاذ الإجراءات اللازمة، سواء كانت سياسات أو تشريعات أو إنشاء مؤسسات جديدة أو تطوير وتفعيل مؤسسات قائمة.
            2. إن الأزمة العالمية الأخيرة والمراجعات التى تحدث حالياً لفكر التنمية، وخاصة فيما يتعلق بدور الدولة، توصى باتباع المنهج البراجماتى، حيث يترك لكل دولة أن تضع ما يناسبها من سياسات دون التقيّد بسياسات وتوجهات نمطية تفرضها عليها المؤسسات الدولية كما كان ومازال يحدث. ويتطلب المنهج البراجماتى القيام بتحديد أدوار للدولة والقطاع الخاص بشكل متفاوت فى القطاعات والمجالات المختلفة بما يناسب ظروف كل قطاع.
            3. الدولة التنموية يمكن أن تستخدم السياسة الصناعية. وفى واقع الأمر، فإنه مطلوب فى مصر نمط من التنمية تقوده الصناعة، لأن القطاع الصناعي هو الأكثر قدرة على القيام بدور قاطرة التنمية. والمطلوب إحداث تغيير هيكلى فى الصناعة فى صالح صناعات متوسطة وعالية التكنولوجيا فى سياق مزيج مناسب مع الصناعات كثيفة العمالة التى تنتج سلعاً استهلاكية لازمة للفئات المتوسطة والفقيرة. هذا التغيير الهيكلى لا يمكن أن يتحقق دون تدخل واعٍ من الدولة وباستخدام الأساليب والأدوات الممكنة والمتاحة لها.
            4. من التحديات الهامة الأخرى التى ستواجه الدولة فى التوجّه التنموى الجديد مشكلة تمويل التنمية. إن الدولة فى وضعها الحالى تُعاني محدودية الموارد. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه سيكون عليها فى الفترة القادمة اتباع إجراءات وسياسات لتصحيح الخلل فى توزيع الدخل، وذلك مثل رفع الحد الأدنى للأجر، وتصحيح اختلال الأجور، وتوفير الخدمات، وإعادة هيكلة الدعم وغيره. وفى ذات الوقت، فإنه من المتوقع عدم اقبال المستثمر المحلى والأجنبى على الاستثمار فى ظل الوضع الحالى الذى لم يستقر بعد وحالة عدم اليقين. لذلك، فإنه من المتوقع أن يتباطأ معدل نمو الاستثمار المحلى والأجنبى حتى تستقر الأوضاع السياسية، ويلقى ذلك أعباءً على الدولة فى محاولتها لتحقيق معدلات نمو مرتفعة وزيادة مواردها بما يمكنها من الوفاء بأوجه الإنفاق المطلوبة.
            5. إن الفساد والمشكلات التى اقترنت بالخصخصة فى الفترة السابقة تقتضى تقويم البرنامج والتروي فيه فى المرحلة القادمة، وبصفة خاصة فى مجالات البنوك وشركات التأمين. ويجب على الدولة أيضاً أن تحدّد كيفية التعامل مع ما تبقى من القطاع العام، وكيفية تطويره، ومعالجة مشكلاته، وتهيئته للانتاج بكفاءة وتحقيق قيمة مضافة، وتعظيم الاستفادة من الأصول الموجودة. ويتطلب ذلك رفع القيود التى تُكبّله، وإدارته بكفاءة، وفصل الاعتبارات الاجتماعية، مع تحقيقها بآلياتها المناسبة وليس على حساب كفاءة أداء الوحدات الاقتصادية العامة.
            6. إن الخلل فى توزيع الدخل والثروة كان من أهم الدوافع للمطالبة بدور أكبر للدولة فى الحياة الاقتصادية، حيث أن اقتصاد السوق والقطاع الخاص ليس من وظيفته أو أهدافه اعتبارات العدالة الاجتماعية. ومن أهم وسائل وسياسات تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية توفير فرص عمل دائمة لائقة بأجرٍ مجزٍ وعادل يراعى العدالة والكفاءة. وفى هذا السياق، يجب على الحكومة وضع سياسات صناعية وزراعية متكاملة فيما بينها، وزيادة الطلب على اليد العاملة من خلال تعزيز الإنتاج المحلى وزيادة الطلب على السلع والخدمات المحلية. وفى سياق دور الدولة فى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، فإن عليها اتباع سياسة اجتماعية تتسم بالفعالية، حيث لا يمكن فصل هذه السياسة عن الجهود المبذولة لتحقيق التغيير الهيكلى والنمو الذى يعزز فرص العمل، إذ تتيح دمج أعدادٍ أكبر من الناس فى برامج التأمين الاجتماعى التى تعيد توزيع الثروات عبر الطبقات والفئات والأجيال، كما أن التغيير الهيكلى والنمو الذى يُعزّز فرص العمل يسهل توفير الخدمات الاجتماعية للجميع.
            7. يجب أن تتحسب الدولة للمخاطر بشكل جيّد، ليس فقط المخاطر الداخلية وإنما أيضاً الخارجية، وهى من المتوقع أن تكون أكثر تكراراً فى المستقبل. إن العالم أصبح أكثر خطورة، ويمكن أن تتراوح المخاطر بين الكوارث الطبيعية وتفشي الأوبئة، والحروب والنزاعات، وأزمات النفط والغذاء والمياه، والأزمات الاقتصادية الإقليمية والعالمية. ولذا، يجب أن يكون للدولة دور أساسى فى تحسين نظم للحماية الاجتماعية بقدر كبير من الكفاءة والفعالية بتكلفة معقولة لمواجهة المخاطر.
            8. يجب أن يكون للدولة دور فى الحفاظ على منظومة راقية للقيم فى المجتمع. ولا يعنى ذلك أن تقوم الدولة بالوعظ المباشر للأفراد وإنما أن يكون لدى الدولة إرادة المحافظة على القيم ومتابعتها ورصد ما يطرأ عليها من مشكلات والسعى لمواجهتها، بالاستعانة بالمتخصّصين من ذوى الخبرة فى علوم الاجتماع والتربية والتعليم وغيره، وتصميم وتنفيذ برامج لإرساء القيم الراقية ومنعها من التدهور. إن ما طرأ على المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة من تدهور فى كثير من القيم التى تؤثر على تماسك المجتمع وأمنه وكل جوانب الحياة، أصبح يشكل أزمة تستدعى تدخل الدولة بكل الأساليب الممكنة.
            9. إن إصلاح منظومة القيم فى المجتمع يتطلب أيضاً أن يقوم الإعلام بوضع ضوابط ذاتية لأدائه لأن أثره فى المجتمع بالغ الخطورة. وفى هذا السياق، فإن التحدى القائم هو كيفية تحقيق التوازن بين هذه الضوابط وبين السقوف المرتفعة للحريّة التى يطالب بها الكثيرون.
            الاتجاهات الأساسية للسياسة المالية والنقدية

            السياسة المالية

            يُعد ضبط أوضاع المالية العامة فى مصر فى المرحلة المقبلة ضرورياً لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرجوة. فإهدار الموارد الحكومية بصورة كبيرة فى الفترات السابقة، نتيجة ضعف توجيه الدعم إلى مستحقيه وتنامى سلوك السعى وراء تحقيق المكاسب الريعية، أدى إلى إعاقة جهود الإصلاح المختلفة، ومن ثم إلى ارتفاع حجم عجز الموازنة العامة للدولة وكذلك نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى.
            لذا، فإن الالتزام بتدابير ضبط أوضاع المالية العامة يُعد ضرورياً لتحقيق نمو اقتصادى يقوده القطاع الخاص، ذلك أن تنامى العجز المالى، والذى يتم تمويله غالباً من خلال الاقتراض الداخلى، يزيد من تكلفة الائتمان ويقلل الموارد المتاحة للقطاع الخاص نظراً لتجنّب البنوك حينئذ مخاطر الإقراض للقطاع الخاص. وجدير بالذكر أن ضبط أوضاع المالية العامة يستلزم تحديد أولويات الإنفاق الحكومى و تعبئة المزيد من الإيرادات العامة.
            فيما يتعلق بجانب النفقات، فإنه يجب أن تقوم الحكومة بترشيد الإنفاق الترفى، وكذلك تطبيق مجموعة من الإصلاحات المؤسسية والإدارية للكيانات الحكومية، وذلك بغية توفير الموارد اللازمة. والقضاء على بعض أوجه عدم العدالة، المتمثلة فى توزيع الأجور، والتى ساهمت بدور كبير فى تراجع بل وتدهور المؤشرات المالية الخاصة بالعديد من الكيانات العامة، كما يتعيّن أن تشمل الإصلاحات – فى المدى المتوسط- نظام دعم أسعار الغذاء والوقود، نظراً لما ينطوى عليه النظام الحالى من درجة كبيرة من الإهدار فى الموارد الحكومية. 
            أما بالنسبة لجانب الإيرادات، فهناك حاجة لتعبئة مزيدٍ من الإيرادات من خلال توسيع الوعاء الضريبى وزيادة درجة الامتثال لأداء الضريبة، بالإضافة إلى مكافحة كلٍ من الفساد والتهرّب الضريبى. وفى الأجل القصير، يمكن توفير مزيدٍ من الإيرادات الإضافية من خلال مراجعة عقود التصدير القائمة، وخاصة تلك المتعلقة بالغاز الطبيعى، والتى يمكن أن توفر مليارات الدولارات من الإيرادات إذا تم تعديلها.
            وكذلك هناك حاجة لإيجاد صيغة معدّلة وعادلة للضريبة العقارية، وحسم الجدل الدائر حول أفضلية الضريبة الموحّدة والتصاعدية، والتوصّل لأفضلهما بالنسبة لوضع الاقتصاد المصرى. هذا إلى جانب ضرورة ربط كل من الحوافز الضريبية ودعم الإنتاج بالأهداف والأولويات الاقتصادية المتعلقة بالنمو الاقتصادى والتشغيل والتصدير.

            السياسة النقدية

            يجب أن تتسم السياسة النقدية فى مصر- فى المرحلة القادمة - برؤية أكثر شمولية، مع إعطاء أولوية أكبر للوصول بالناتج عند مستوى يتناسب مع الاستغلال الأنسب للموارد، فضلاً عن الحد من التضخم. ويتعيّن أن تضطلع السياسة النقدية بالدور الرئيسى فى التثبيت الاقتصادى. وتجدر الإشارة إلى أن أولويات السياسة النقدية فى مصر حالياً تركز على تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على هذا الاستقرار.
            وفى المرحلة القادمة، يجب أن يستمر البنك المركزى المصرى فى محاولة السيطرة على الضغوط التضخمية، ومحاولة احتواء تلك الضغوط، وذلك بهدف الحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات، ومن ثم دعم النمو الاقتصادى وتثبيت الأوضاع الاقتصادية للحد من حالة عدم اليقين، هذا بالإضافة إلى ضرورة معالجة أوجه القصور التى تُحِد من فعالية الوساطة المالية، وذلك من أجل تعزيز آلية عمل السياسة النقدية، وزيادة الائتمان الموجّه للقطاع الخاص، وخاصة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك إلى جانب ضرورة أن تسعى سياسة سعر الصرف إلى تحقيق التوازن بين تشجيع الصادرات من جهة واحتواء الضغوط التضخمية من جهة أخرى، بهدف المحافظة على القدرة التنافسية وزيادة الطلب الخارجى.
            وتجدر الإشارة فى ذلك المجال إلى أن التغيّرات المستمرة فى الأسعار النسبية دائماً ما تمثل تحدياً كبيراً أمام إدارة السياسة النقدية. ويقتضى الأمر اتخاذ إجراءات مناسبة لامتصاص الصدمة. وتتطلب الصدمات الدائمة تغييراً فى توجّه السياسة النقدية، بحيث يؤخذ تأثير تلك الصدمة فى الاعتبار، مع تحديد أفق واقعى لاستهداف التضخم. كما يستلزم الأمر أن تهدف السياسات الهيكلية إلى معالجة أوجه الجمود القائمة، وذلك من خلال معالجة التشوّهات الهيكلية التى تؤثر على التوزيع وهوامش التوزيع، بالإضافة إلى تفعيل أنظمة المراقبة وقواعد السوق لضمان وجود أسواق أكثر تنافسية. أما الصدمات العابرة أو المؤقتة، فيمكن استيعابها من خلال استخدام الأدوات غير التقليدية للسياسات، مثل قواعد تنظيم التصدير والاستيراد، وكذا توفير احتياطى سيولة مؤقت. إن تفعيل الأدوات غير التقليدية من شأنه إزالة التشوّهات الهيكلية وزيادة فعالية أدوات السياسة النقدية التقليدية.
            وخلاصة القول، أن استهداف التضخم والمحافظة على استقرار النمو مع ضمان اتساق سعر الصرف مع الأساسيات الاقتصادية يُعد هدفاً رئيسياً يجب ألا تحيد عنه السياسة النقدية لتحقيق المواءمة بين الاستقرار الخارجى والأولويات الداخلية للسياسة النقدية، وذلك فى ضوء تطوّرات الاقتصاد ومتطلبات الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.

            بعض القضايا المحورية

            ضعف نسبة الإنفاق الاستثمارى إلى إجمالى الإنفاق العام

            يمثل الإنفاق الاستثمارى فى مصر نسبة صغيرة من إجمالى الإنفاق الحكومى. ومن ثم، فإن هناك حاجة ملحة لزيادة نسبة ذلك الإنفاق. فالاستثمار العام، إذا ما كان موجّهاً بالقدر الملائم نحو تحقيق النمو، يمكن أن يكون له آثار إيجابية على القطاع الخاص، وليس بالضرورة مزاحمته. ذلك أن دفع الطلب الكلى عن طريق الاستثمار العام يمكن أن يحقق ميزة ليس فقط فيما يتعلق بالمساعدة فى تعافى الاقتصاد وخروجه من حالة الركود التى يعانى منها حالياً، وإنما أيضاً فيما يتعلق بالتخفيف من القيود على النمو طويل الأجل المتعلقة بجانب العرض. ومع ذلك لا يمكن افتراض حتمية حدوث ذلك الأثر الإيجابى بشكل تلقائى، لكن الأمر يستوجب تحديد أحجام ونسب الإنفاق العام الرأسمالى فى إطار إستراتيجية متكاملة لدعم النمو المواتى للفقراء.
            ورغم الآثار الإيجابية المتوقعة لزيادة الاستثمار العام، فإن هناك مخاطر زيادة العجز المالى للموازنة العامة فى ظل زيادة الإنفاق العام، وهو الأمر الذى يؤدى إلى ارتفاع معدل التضخم وتدهور سعر الصرف وكذلك ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، كما تجدر الإشارة إلى مشكلة أخرى، وهى أن مصر لا تولد المدخرات الكافية لتمويل حجم الاستثمار المطلوب، ومن ثم فالاستثمارات المصرية تعتمد بدرجة كبيرة على الموارد الخارجية، وهو الأمر الذى يستلزم ضرورة إتباع إدارة رشيدة لكل من السياسة المالية والنقدية، وذلك بهدف تجنّب الاقتصاد المصرى من آثار تلك الموارد الخارجية. وجدير بالذكر أيضاً أن الاستثمار العام يمكن أن يكون أداة فعالة لإعادة توجيه الموارد لصالح المناطق الريفية الفقيرة، والتى أُهملت لفترات طويلة.

            ضعف إيرادات الموازنة العامة

            تعانى الموازنة العامة المصرية من ضعف نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلى الإجمالي، ومن الضرورى السعى لتنمية الإيرادات العامة، مع عدم المساس بالفقراء ومحدودى الدخل. وجدير بالذكر هنا أن نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلى الإجمالي فى البلدان النامية تبلغ حوالى نصف تلك النسبة التى تحققها البلدان الصناعية (أى نسبة 18% فى مقابل 38%). أما فى مصر، فالنسبة أقل بكثير من ذلك المتوسط المسجّل فى البلدان النامية، حيث تبلغ حوالى 15%.
            وينبغى سد الفجوات ومعالجة أوجه القصور المختلفة التى يعانى منها نظام الضريبة على الدخل فى مصر، وبحيث يتحمّل الأغنياء فى النهاية نصيبهم العادل من الأعباء الضريبية، كما أن هناك حاجة أيضاً لإعادة النظر فى فكرة فرض ضرائب على الثروة فى مصر، وهى الفكرة التى تم تجاهلها فى بعض الأحيان ومعارضتها فى أحيانٍ أخرى كثيرة. هذا فضلاً عن ضرورة تطبيق ضريبة تصاعدية على الأراضى والأطيان.
            ويُلاحظ أيضاً أن الضرائب على الملكية فى الحضر فى مصر تُعد حصيلتها بالغة التدنّى، هذا مع العلم بأنه لو تم فقط تحفيز الأفراد على تسجيل ملكيتهم  للمساكن – مثلما حدث فى اندونيسيا - فإن ذلك من شأنه أن يساعد بدرجة كبيرة على رفع تلك الحصيلة.

            قضية تحويل الضريبة العامة على المبيعات إلى ضريبة على القيمة المضافة

            إن تجربة التحوّل نحو تطبيق ضريبة على القيمة المضافة فى مختلف الدول على مستوى العالم قد أثبتت نجاحها نظراً لما ترتب عليها من مجموعة آثار إيجابية تمثلــت فى زيادة الإيرادات الضريبيــة، وتحقيق درجــة أعلى من المرونــة، بالإضافة إلى تقليل درجة التشوّهات الاقتصادية الناتجة عن تطبيق الضريبة.
            وبالمقارنة بالأشكال الأخرى للضرائب على الاستهلاك، تتمتع الضريبة على القيمة المضافة بمجموعة مختلفة من المزايا تتمثل فى كونها أكثر حياداً نظراً لتفاديها أى ازدواج فى العبء نتيجة لطبيعة الخصم الذى تتميّز به هذه الضريبة عن غيرها، بالإضافة إلى أنها أكثر شمولاً لأنها عادة ما تُطبق على كافة مراحل إنتاج وتوزيع السلع والخدمات، ومن ثم فهى تولد أيضاً مزيداً من الإيرادات.
            وجدير بالذكر أنه فى مصر تتشابه الضريبة العامة على المبيعات المطبقة حالياً مع الضريبة على القيمة المضافة فيما يتعلق بأخذها بمبدأ الخصم، ولكنها تختلف معها من حيث جزئية وعاء الضريبة وانتقائية الخدمات، وعدم خصم ضريبة المبيعات المسدّدة على المدخلات بالنسبة للخدمات والسلع الرأسمالية والسلع الخاضعة لرسوم الإنتاج أو الاستهلاك. وبالتالى، فإن التطوير المقترح على الضريبة العامة على المبيعات يقصد به أن تكون أكثر تماشياً مع المبادىء التى تقوم عليها الضريبة على القيمة المضافة. وبصفة عامة، توجد مجموعة من التوصيّات التى لابد من أخذها فى الاعتبار عند إجراء ذلك التطوير. وتتلخص أهم تلك التوصيات فيما يلى:
            • ضرورة توسيع القاعدة الضريبية الخاصة بالضريبة على القيمة المضافة
            • ضرورة تحديد حد التسجيل بطريقة ملائمة تراعى استبعاد صغار الممولين
            • ضرورة تعميم خصم الضريبة
            • ترشيد الفئات وتعزيز كفاءة الادارة
            • ضرورة تعميم الضريبة على الخدمات
            • ضرورة مراجعة رسوم الاستهلاك والإنتاج (المكوس) عند تطبيق الضريبة على القيمة المضافة
            وتجدر الإشارة فى هذا المجال إلى أنه عند تطبيق التطوير المقترح على نظام الضريبة العامة على المبيعات يجب أن يؤخذ فى الحسبان أثر مثل هذا التطوير على توزيع العبء الضريبى، ومن ثم، على قضية العدالة الضريبية كأحد الأهداف الرئيسية لأى نظام ضريبى. فهناك من يرى أن الضريبة على القيمة المضافة قد تكون فى غير صالح ذوى الدخول المحدودة، وذلك بسبب فرض الضريبة على الاستهلاك بدلاً من فرضها على الدخل، إلا أن هذا القول مردود عليه بأن الدخل لا يُعد أكثر المعايير تعبيراً عن القدرة على الدفع. فالإنفاق والاستهلاك، واللذان يمثلان المنفعة التى يحصل عليها المستهلك من السلع والخدمات، يمكن استخدامهما للتعبير عن مدى قدرة الفرد على الدفع أو المساهمة فى الأعباء العامة بدرجة أكبر.
            ويمكن تعويض الآثار التوزيعية السلبية الناتجة عن التطبيق عن طريق إعفاء السلع والخدمات الأساسية من تلك الضريبة، إلى جانب تعميم تلك الضريبة على الخدمات بحيث تشمل تلك الخدمات التى يستفيد منها بدرجة أكبر الأغنياء وذوى الدخول المرتفعة.

            إعادة النظر فى سياسة الائتمان للجهاز المصرفى

            على الرغم من أن سياسات التحرير المالى قد تم إتباعها فى مصر بصفة أساسية بهدف تخفيض معدلات الفائدة الحقيقية، إلا أن الواقع العملى أثبت أن ذلك التحرير قد أدى إلى ارتفاع تلك المعدلات، وتوسيع الفارق بين أسعار الفائدة الدائنة والمدينة، مما أعاق عملية تعبئة الموارد القابلة للإقراض وكذا إمكانية التوسّع فى منح الائتمان للاستثمارات الخاصة. وعلى الرغم من ضآلة الهامش بين أسعار الفائدة إلا أنها تعتبر مؤشراً ودليلاً على إخفاق سياسات التحرير المالى  فى مصر.
            أما المؤشر الثانى الذى يدل على إخفاق تلك السياسات، فيتمثل فى عدم المساواة فى الحصول على الائتمان، ذلك أن الجهاز المصرفى الخاص يعانى من مشكلة تركز الائتمان، وبصفة أساسية فى المحافظات الكبرى أو المناطق الحضرية، مع إهمال المناطق الريفية. فالبنوك لا تقبل على التوسّع فى منح الائتمان فى المناطق الريفية نظراً لما تتصف به تلك المناطق من حالة ركود نسبى، مفضلة بذلك التوسّع فى منح الائتمان للمناطق الحضرية. وفى ظل ذلك التراجع عن منح الائتمان للمناطق الريفية والمتزامن مع وجود فروق كبيرة بين أسعار الفائدة الدائنة والمدينة، تجمّعت الفوائض لدى البنوك، ومن ثم تحمّل الاقتصاد تكلفة ذلك فى صورة فرص ضائعة كان من شأنها تحسين معدلات النمو الاقتصادى فى مصر لو أحسن استغلال موارد تلك البنوك.
            خلاصة القول أن هناك حاجة ملحة لتدخل الدولة لتوجيه الائتمان نحو القطاعات الإجتماعية والتى تفيد بالدرجة الأكبر فى تنمية الريف وتقليل الفقر. فلابد من توافر مجموعة من التشريعات التى تجبر البنوك التجارية على التنويع فى منح الائتمان، والتوسّع فى الأنشطة وصولاً للمناطق الريفية.

            استهداف التضخم من خلال السياسة النقدية

            اعتمدت الإستراتيجية الاقتصادية فى مصر فى الفترات السابقة إلى حد كبير على إيرادات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج مما ترتب عليه أن أصبحت السياسة النقدية تابعة لضرورات الحفاظ على استقرار سعر الصرف ومحاربة التضخم. ومن ثم، فقد أعطت الحكومات السابقة أولوية كبيرة لاحتواء التضخم. وعلى الرغم من أنه لا يمكن فى الفترة القادمة أن نشجع بدرجة كبيرة التخفيف من درجة ذلك الاستهداف للتضخم خوفاً من تقويض الاستقرار الاقتصادى، إلا أنه لابد من الاعتراف بضرورة أن يصاحب النمو الاقتصادى قدر من التضخم، وهو الأمر الذى يساعد على تصحيح الأسعار النسبية مما يساعد على إعادة تخصيص الموارد من القطاعات الأقل ربحية إلى تلك الأعلى ربحية.
            وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن السياسة النقدية لو كانت انكماشية أو تقييدية بدرجة شديدة، فمن الممكن فى تلك الحالة أن تلغى الأثر التوسّعى، ومن ثم المحفز، للسياسة المالية على عملية النمو. خلاصة القول أن الإصرار على الحفاظ على معدلات التضخم منخفضة قبل انطلاق عملية النمو من شأنه أن يعوق تلك العملية.
            السياسات العامة لتطوير الجهاز الإدارى
            إن تفعيل دور الدولة فى التنمية يتطلب وضع برنامج قوى لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة، لأنه الأداة التى يفترض أن تستخدمها الحكومة فى تنفيذ مهامها. وهذا الجهاز المتضخم، الذى يضم أكثر من خمسة مليون موظف، مكبّل بلوائح وقوانين، وقد تؤدى محاولات إصلاحه إلى مقاومة من جانب المستفيدين من الوضع الحالى واعتراضات وضغوط سياسية تزيد من صعوبة المهمة. ويمثل ذلك أحد التحديات الهامة التى ستواجه الدولة فى الفترة القادمة. وقد أدى انتشار ظاهرة الوساطة فى التعيين وعدم الالتزام بمعايير الكفاءة فى الاختيار إلى تدنى كفاءة العاملين، كما أدى انخفاض معدل الأجور وعدم العدالة الصارخة فى هيكل الأجور إلى لجوء كثير من العاملين إلى التربّح من الرشاوى وغيرها فى مقابل إنجاز الخدمات للمواطنين، أو من المناقصات وغيرها مما هو معروف من مظاهر الفساد.
            وفى سياق إصلاح وتطوير الجهاز الإدارى، يجب أن تتبنّى الحكومة مجموعة من السياسات على ثلاثة مستويات: مستوى الدولة، ومستوى الوحدات الإدارية ومستوى الوظيفة (الموارد البشرية). ويمكن تلخيص أهم المبادئ التى تحكم هذه السياسات على النحو الآتى:

            أولا: على مستوى إدارة الدولة

            1. إعادة تعريف دور الحكومة. وفى هذا السياق يجب التركيز على المهام الآتية:
            • الفصل في المهام بين واضع السياسة والإستراتيجية (الحكومة المركزية) والمنفذ (المحليّات).
            • التركيز على الدور الرقابى والتنظيمى للحكومة وفتح المجال لمشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى التنفيذ.
              وتشير التجارب الناجحة للدول الأخرى أن يقتصر دور الحكومات المركزية على مهمتين أساسيتين، هما:
              • التخطيط الاستراتيجى ووضع السياسات العامة (بالمشاركة مع البرلمان والمجتمع المدنى).
              • القيام بدور رقابى تنظيمى (Regulatory) قوى لا غنى عنه حتى تحت أعتى نظم اقتصاديات السوق المفتوح – بل على العكس فى مثل هذه الأنظمة يكون هذا الدور أكثر أهمية.
            1. اتخاذ الحوكمة الرشيدة أساساً لنظام العمل بالجهاز الإدارى
            للحوكمة الرشيدة مجموعة من القواعد التى يجب اتباعها. ولتأكيد تحقق هذه القواعد يجب توفير مجموعة من الضمانات كالتالى [جدول رقم (10)] 
            الجدول 10: قواعد وضمانات الحوكمة الرشيدة للعمل بالحهاز الإداري
            القواعدالضماناتالقواعدالضمانات
            رؤيةمهمةمشاركةحكم الأغلبية
            كفاءةفعاليةمساءلةمحاسبة
            شفافيةحق فى المعلومةحكم القانونعدالة التشريع
            قدرة على التنبؤاستقرار
            1. تفعيل مشاركة وتعظيم دور المجتمع المدنى فى تقديم الخدمات والمشاركة فى الإدارة والرقابة
            المجتمع المدنى شريك أساسى في إعداد الخطط التنموية ومتابعتها، بل أن مد جسر الثقة معه من المتيقن أن يعجل بتنفيذ الخطة، حيث يمكن تشبيك المشروعات المنفذة بما يقلل من عبء التمويل.
            1. التوجّه نحو اللامركزية وتفعيل دور المحليّات
            ويستدعى ذلك بناء كوادر قادرة على العمل فى إطار الفكر التنموى؛ تطوير البنية المعلوماتية للتنمية المحلية؛ دعم المنظومة باستقلال إدارى ومالى.
            1. التركيز على المهام المحورية وشراء الخدمات المساعدة وفصل الوحدات الإنتاجية
            تقوم الحكومة المصرية حالياً بتقديم كل الخدمات المساعدة. وتقوم كل جهة بتعيين من يقومون بهذه الخدمات دون وجود دليل إرشادى ودون تشارك في الموارد. ومن المقترح أن تعهد الحكومة بمثل هذه الخدمات إلى شركات متخصّصة. ومن المفيد أن يتم ذلك من خلال هيئة حكومية متخصّصة للاستفادة من العمالة الفعلية الموجودة. وإحدى مميزات مثل هذا المقترح هو انضباط أبواب الموازنة حيث لا يظهر الباب الثانى (مصروفات التشغيل كجزء من الباب الأول حيث تظهر مرتبات كل العاملين في هذه الخدمات بالباب الأول).
            1. توفير خدمات ميسرة موائمة لاجتذاب الاقتصاد غير الرسمى للمساهمة فى الاقتصاد الرسمى
            تشير الدراسات الميدانية إلى أن الاقتصاد غير الرسمى قد يصل الى أكثر من 30% من الاقتصاد المصرى، ومن ثم لا يجب الاستهانة بما يمكن تحقيقه في حالة الاعتناء به وتنميته من حيث فرص العمل والموارد. وهناك بعض العوامل التى تعوق اجتذاب الاقتصاد غير الرسمى، منها:
            • عدم ثقة العاملين به فى الحكومة وعدم الرغبة في التعامل معها حتى لو أعلنت الحكومة عن مبادرات إعفاء من الضرائب وسداد تأمينات العاملين بالنيابة عنهم.
            • حتى لو دبّرت الحكومة التمويل اللازم للمبادرات الجاذبة، فإنه سيصعب التخلى عن أبسط المواصفات القياسية للصحة والدفاع المدنى وغيرها من أجل تسجيل عديدٍ من هذه المنشآت بما يتطلب معه برنامجاً طويل الأجل باهظ التكلفة لتوفيق أوضاع هذه المنشآت.

            ثانياً: على مستوى الوحدات الإدارية

            1. تقليص عدد الوحدات الإدارية
            ويكون ذلك بدمج المهام المتقاربة والمتناسقة وإلغاء التعدد والتضارب فى المهام بين الجهات واعتماد التخصّص فى تحديد تبعية المهام، وذلك دون الإضرار بحقوق العاملين فى هذه الجهات.
            1. التحوّل إلى العمل بنظام الهياكل الديناميكية
            لابد أن تتحرّك الحكومة للعمل بنظام المشاريع والبرامج وفرق العمل بدلاً من الهياكل الاستاتيكية الجامدة، والسماح بتعدّد الهياكل بحسب النشاط، لأن ذلك يسمح بمتابعة أكثر دقة من خلال مؤشرات واضحة لمتابعة تقدّم تنفيذ المشروعات والعائد منها.
            1. إدخال نظم الإدارة الحديثة وآليات مواكبة التغير
            ويكون ذلك بخلق مناخ مهني محترف في تقنيّات الإدارة في الجهاز الحكومي.
            1. اعتماد آليات مطوّرة لإدارة المال العام
            يجب العمل على نشر نظم إدارة الموارد (حسابات عامة – مخازن – مشتريات - ...) بهدف تقليل الاعتماد على المستندات الورقية وسرعة تبادل البيانات والمدفوعات بين الجهات؛ ووضع نظام مطوّر لمتابعة المشروعات.
            1. خلق نماذج استثمارية جديدة للتعاقد على وإدارة وتشغيل المشروعات
            إن الشراكة مع القطاع الخاص فى إطار رقابى وتعاقدى واضح تفتح الباب أمام تنفيذ الخطة الاستثمارية بخطوات أسرع. (هناك أمثلة نجاح لذلك مثل مشروع بطاقة الأسرة).
            1. تبسيط دورات العمل لرفع كفاءة تنفيذ المعاملات
            يجب المضى قُدُماً فى تنفيذ برنامج طموح لقياس عدد الخطوات اللازمة لكل معاملة والزمن اللازم لتنفيذها ومقارنة ذلك بالمعدلات العالمية، وذلك لرفع مؤشر مصر في التنافسية العالمية للبيئة الجاذبة للاستثمار.
            1. إتاحة الخدمات من قنوات جديدة
            يجب استهداف ضمان توصيل الخدمة لمن يطلبها فى مكان تواجده بالشكل والأسلوب الذى يناسبه وبالسرعة وفى التوقيت السليم. ومن أمثلة ذلك، الانترنت والتليفون الثابت والمحمول ومراكز تقديم الخدمة وغيرها. ويوجد مردود استثمارى عالى لمثل هذا النوع من الخدمات يتمثل في توفير ساعات العمل المهدرة في الانتقالات والوقود المستخدم والعادم ... إلخ، خلاف المردود السياسى الواضح لرضاء المواطن والمستثمر الذى يحصل على الخدمة بسهولة ويسر.
            1. مزيد من آليات تحقيق النزاهة
            • الفصل بين طالب الخدمة (المواطن – المستثمر) ومقدّم الخدمة (الموظف) بما يغلق باب المدفوعات غير المبرّرة (الرشوة)، ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة استخدام  القنوات غير التقليدية، مثل بوّابة الحكومة المصرية على الإنترنت.
            • تفعيل موقع المشتريات الحكومية وموقع التوظف الحكومى على الإنترنت.
            • مزيد من آليات نشر الموازنة والمشاركة فى إعدادها.
            1. نشر نظم إدارة علاقات المواطنين
            يجب أن تسمح هذه النظم بتلقى الشكاوى والمقترحات من كافة القنوات (تسليم باليد - بريد عادى– بريد إلكترونى – فاكس – تليفون) وتصنيفها والرد عليها، وخلق مسار لمراجعة الشكاوى حتى لا يصبح ذات الموظف هو الخصم والحكم.
            1. مساندة آليات العدالة الناجزة
            تتمتع مصر بقضاء شامخ عادل مستقل له الريادة إقليمياً، ومن ثم، فإن الكلمة الدالة هنا هى "الناجزة" من خلال تطوير وميكنة منظومة التقاضى وتداول الدعاوى.
            1. استكمال وربط قواعد البيانات القومية
            • ربط قاعدة بيانات الرقم القومى بالجهات المختلفة (الصحة– التأمينات والمعاشات - ...).
            • بناء قاعدة بيانات الأسرة المصرية من أجل منظومة أكثر انضباطاً.
            • بناء قواعد البيانات ذات المردود الاقتصادى، مثل قاعدة بيانات المنشآت الاقتصادية والسجل العينى للعقارات المبنية.

            ثالثا: على مستوى الوظيفة

            هناك عدد من المبادئ الأساسية التى يجب مراعاتها فى هذا السياق، منها: 
            1. التحوّل إلى آليات نظم إدارة الموارد البشرية بدلاً من نظم شئون العاملين، وخلق مفهوم الإدارة المستقبلية للموارد البشرية، وتطوير طرق قياس وتقويم الأداء وآليات التحفيز.
            2. التركيز على خلق جيل من القيادات يحقق التغيير المطلوب.
            3. التقسيم القطاعى للوظائف بما يسمح بتعدد آليات التوظف والترقى بما يناسب كل مجموعة.
            4. تطوير المنظومة التشريعية للوظيفة العامة، وذلك لتحقيق مجموعة من المبادئ الهامة، على رأسها:
            • تعديل دور الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ليصبح المنظم والمراقب للوظيفة العامة ومنح مزيدٍ من الصلاحيات واللامركزية للجهات.
            • تطوير طرق شغل الوظائف.
            • إدخال نماذج جديدة للوظائف (العمل بعض الوقت– العمل بالإنتاج).
            • تطوير طرق الالتحاق بالوظيفة، مثل عمل امتحان للوظيفة العامة.
            • تأكيد شفافية وجدارة الالتحاق بالوظيفة من خلال الإعلان عن كافة الوظائف وإجراء مفاضلة بين المتقدّمين.
            • وضع آليات أيسر للدخول والخروج من الوظائف بما يسمح بالاستعانة ببعض الخبرات لفترات محددة.
            • حل بعض المشكلات الحالية، مثل الإجازات وغيرها.
            • تحقيق الرضاء المالى والنفسى للموظف من خلال هيكل جديد للأجور وسلّم جديد للوظائف وخدمات للموظفين.
            • مراجعة نظم المساءلة والمحاسبة لتحقيق الانضباط بالجهاز الإدارى للدولة.
            القطاع الخاص كمحرّك للتنمية
            يُعد القطاع الخاص هو المحرّك الأساسى لعملية التنمية، وهذه هى الرسالة الأساسية التى تسعى هذه الخطة إلى تأكيدها. لقد لعب القطاع الخاص دوراً محورياً خلال السنوات الماضية للنهوض بقطاع الصناعة؛ ويجب علينا بعد الثورة أن نعيد تأكيد هذا الدور ومدى أهميته.
            وفى إطار سعى الاقتصاد المصرى إلى الانخراط فى الاقتصاد العالمى، يتعيّن العمل على تأهيل أنفسنا لمواجهة المنافسة القوية مع كبرى الشركات العالمية؛ فاقتصاد السوق يفرض علينا احترام قواعد المنافسة.
            وتتطلب منافسة المنتجات والخدمات التى تنتجها الشركات العالمية، رفع معدلات الإنتاجية للصناعة المصرية من جهة والنهوض بجودة المُنتج المصرى من جهة أخرى. وفى واقع الأمر، فإن القطاع الخاص المصرى ما زال غير مؤهّل بشكلٍ كافٍ للدخول فى مثل هذه المنافسة، وهو الأمر الذى يستلزم دعم القطاع الخاص، وذلك باتباع عددٍ من السياسات والإجراءات التى من شأنها حفز القطاع الخاص. ويأتى فى مقدّمة تلك الإجراءات إحياء دور الشركات المملوكة للدولة، والنهوض بالمشروعات القومية العملاقة؛ حيث من المتوقع أن تعمل تلك السياسات على خلق آثار إيجابية واسعة الانتشار، هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يتيحه نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص من آفاق ومجالات عمل جديدة للقطاع الخاص. وأخيراً وليس آخراً، يجب تأكيد ضرورة أن تستهدف السياسة الصناعية خلق هيكل صناعى تنافسى فى مصر يأخذ في الاعتبار الدور الفعّال الذي يمكن أن تلعبه المنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم في دعم الاقتصاد المصري.
            وتجدر الإشارة إلى ضرورة خلق اقتصاد سوق قائم على الرشادة؛ حيث أثبتت التجربة الدولية أن الرأسمالية النمطية قد أسفرت عن أزمات مالية عاتية على مستوى مختلف دول العالم. ولذا، يجب العمل بمنتهى الحرص لبناء نظام اجتماعى قوى، وهيكل صناعى سليم، على النحو الذى يساهم فى دعم ومساندة طموحات ومتطلبات أبناء الشعب المصرى.

            خلق بيئة مواتية للأعمال

            يُعد القطاع الخاص في مصر فعّالاً في مجموعة واسعة من الأنشطة التي تمتد من الزراعة ووصولاً إلى البنية التحتية والتعليم، بالإضافة إلى الصناعة والخدمات. وتلعب جمعيّات القطاع الخاص في مصر الآن دوراً أكبر في حماية مصالح أعضائها ودعم برامج الإصلاح الحكومية ودفعها إلى الأمام. فهذه الجمعيات الآن أفضل تنظيمياً وتلعب دوراً فعالاً كذلك في الضغط على الحكومة. وتعرض الحكومة مشروعات قوانين عديدة على الجمعيات التجارية قبل عرضها على البرلمان، كما تتفاعل جمعيات رجال الأعمال بشكل متكرّر مع الوزارات والهيئات الحكومية لعرض وجهة نظر القطاع الخاص حول بيئة الأعمال. ويكمن دور الحكومة الأساسى تجاه القطاع الخاص في تنمية بيئة مواتية لرجال الأعمال [شكل (17)، جدول (11)]. 
              الشكل 17: مؤشر تسهيل ممارسة الأعمال التجارية (1=لوائح مواتية أكثر للأعمال التجارية)
            المصدرقاعدة بيانات ممارسة الأعمال التجارية، البنك الدولي، مؤسسة التمويل الدولية (IFC).
            الجدول 11: مؤشر تسهيل ممارسة الأعمال التجارية في 2011 و2012 للدول العربية
            المؤشرمصر 2012مصر 2011الأردن 2012لبنان 2012المملكة العربية السعودية 2012سوريا 2012تركيا 2012الإمارات العربية المتحدة 2012أفضل أداء على المستوى العالمي 2012
            بدء مشروع تجاري211895109101296142نيوزيلندا (1)
            استخراج تراخيص البناء15415593161413315512المناطق الإدارية الخاصة بهونج كونج، الصين (1)
            الحصول على الكهرباء10199364718837210أيسلندا (1)
            تسجيل العقارات9394101105182446نيوزيلندا (3)
            الحصول على الائتمان7875150778481747878المملكة المتحدة (1)
            حماية المستثمرين7974122971711165122نيوزيلندا (1)
            دفع الضرائب145139213010111797كندا (8)
            التجارة عبر الحدود6464589318122805سنغافورة (1)
            تنفيذ العقود14714413012013817551134لوكسمبورج (1)
            حل التعثر13713610412573102120151اليابان (1)
            المصدرقاعدة بيانات ممارسة الأعمال التجارية، البنك الدولي، مؤسسة التمويل الدولية (IFC).
            وفي هذا الصدد، يُمكن تحسين بيئة الأعمال بشكل كبير من خلال عِدّة سياسات تهدف إلى:
            • إصلاح القوانين ونظام اللوائح التنظيمية من خلال سن قوانين جديدة تحل محل القديمة لتجنّب الالتباس الناتج عن تعقيدها. وينبغي أن يكون الهدف الجوهري هو زيادة شفافية وفاعلية الإطار التنظيمي المصري لتعزيز القدرة التنافسية المصرية. ومن الجدير بالذكر جهود الحكومة الممثلة في وضع برنامج المبادرة المصرية لإصلاح مناخ الأعمال (إرادة) الذي بدأ في عام 2007 بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومشاركة 12 من الوزارات المصرية بهدف تبسيط البيئة التنظيمية في مصر. وتسعى أنشطة "إرادة" إلى حصر، وتصنيف، ومراجعة ودراسة التأثير التنظيمي لمجموعة اللوائح الحكومية الحالية. ويشمل ذلك القرارات، والقوانين، والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، بالإضافة إلى اللوائح الإدارية والتنفيذية.
            • تبسيط إجراءات الدخول إلى السوق؛ أي تيسير إجراءات التراخيص والسجلات التجارية. وقد أطلقت الحكومة المصرية، ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة مبادرة "الشباك الواحد". وتكمن فكرتها في جمع المسئولين من جميع الهيئات الحكومية ذات الصلة في مكان واحد لتقديم "كافة الخدمات المتعلقة بالاستثمار" بما في ذلك منح الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة لبدء وتشغيل الأعمال.
            • تبسيط النظام القضائي، وإنفاذ القانون، وإطار الإفلاس؛ حيث لا يقتصر الإصلاح القانوني على كيفية صياغة القوانين فحسب، ولكن الأهم من ذلك، هو كيفية تنفيذها لتزويد الشركات المتعثرة بوسائل منظمة للخروج من أزمتها من خلال عملية التصفية، وللمساعدة في إعادة توزيع الأصول لاستخدامها بشكل أفضل عن طريق إعادة تأهيلها، ولضمان إصدار قرارات ملائمة لمشاكل الشركات المفلسة أو المتعثرة مالياً والتصرف الفعال اجتماعياً في أصول هذه الشركات.
            • القضاء على البيروقراطية التي تؤثر سلباً على الاستثمار والنمو الاقتصادي، عن طريق إعادة هيكلة النظام الإداري بالدولة من خلال إعادة تدريب كوادر الوحدات الإدارية وخفض عددها، والإسراع بإصدار قانون الوظائف المدنية، وتبسيط الإجراءات الحكومية وتسهيل علاقات المواطنين مع النظام الإداري، وتعزيز الفاعلية من خلال نظام "الشباك الواحد"، ومكافحة الفساد الإداري، وتقليل التكاليف والمعوّقات أمام الشركات الصغيرة حديثة التأسيس وتشغيلها، ودعم اللامركزية في الإدارة المحلية، وتوفير بيئة سياسية مواتية للإصلاح الإداري.
            • إعادة تنظيم الضرائب ونظم التعريفة الجمركية؛ بحيث تكون الأولوية القصوى لتعديل القوانين الضريبية بهدف الاقتراب من الممارسات الدولية التي بدورها ستزيد من القدرة التنافسية للدولة وقدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي. ويساعد النظام الضريبي - الذي يسهل الامتثال له ويضم معدلات ضريبية متوسطة ويدار بشكل عادل وفعّال ويحترم الالتزامات الضريبية - على تسهيل تنمية القطاع الخاص. 
            • إدخال التحسينات اللازمة على البنية التحتية للأعمال في مجالات الصناعة، والسياحة، والزراعة، والبناء.
            • تطوير السوق المالية وسوق رأس المال لدعم مؤسسات القطاع الخاص. ويُعد الاستكمال السريع لبرنامج إصلاح القطاع المالي وإعادة هيكلة المؤسسات المالية المملوكة للدولة أمراً ضرورياً لتعزيز فرص الحصول على الخدمات المالية. وسيسفر تشجيع المنافسة في القطاع المالي عن خفض الهوامش وتكاليف الوساطة المالية؛ وبالتالي خفض تكاليف رأس المال للمقترضين وارتفاع معدلات العائد على الاستثمار بالنسبة للمقرضين، وهو ما يؤدي إلى تعزيز النمو.
            • تحسين هيكل الحوافز لتحسين القدرة التنافسية للدولة؛ فمن المهم تشجيع وتوسيع الإصلاحات الهامة التي تنفذها الحكومة لتحسين القدرة التنافسية لمصر وبيئة الأعمال من خلال استهداف تنمية الموارد البشرية تحديداً والتفاعل بين الأعمال التجارية والحكومة لدعم القدرة التنافسية وروح المبادرة، وتشجيع عمليات البحث والتطوير، مع التوسّع في الاتفاقيات التجارية لفتح أسواق جديدة.

            إدارة المناطق الصناعية

            تهدف الاستراتيجية الحالية للحكومة المصرية لتحقيق التنمية الصناعية الى الاستمرار في متابعة سياسات التنوّع الاقتصادي في الاستثمار وإقامة علاقات وثيقة مع القطاع الخاص، وذلك عن طريق وضع لوائح وتشريعات مرنة وإبراز المزايا التنافسية التي تتمتع بها مصر، والتي تتمثل في إتاحة فرص متميّزة للمستثمرين وتحقيق الاستفادة القصوى في جميع مجالات الصناعة من خلال خفض تكاليف الإنتاج وتوفير برامج التسويق الأكثر تميّزاً في العالم والتوسّع في فتح أسواق جديدة وتبوء مكانة استراتيجية عالمياً. وبذلك تكون مصر في سبيلها لدخول عهد جديد للتعاون بين الحكومة و القطاع الخاص (محلياً وإقليمياً ودولياً).
            ويعتمد تركيز الحكومة على إعادة بناء برنامجها لتطوير المناطق الصناعية القائمة. ووضع برنامج لجيل جديد من التجمّعات الصناعية بمشاركة القطاع الخاص المحلى والعالمي والعمل على خلق بيئة العمل اللازمة لمنح حقوق تطوير وإدارة وتشغيل الأراضي - على المدى الطويل - لكيانات القطاع الخاص بموجب اتفاقات الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص. ويتضمّن البرنامج ما يلى:-
            • الحريّة الكاملة في تثمين مباني المصانع حال إنشائها مع وضع حد أعلى لسعر بيع / إيجار الأرض التي يقوم المطوّر بترفيقها.
            • إيجاد بيئة العمل المناسبة للشريك الذي يمثل القطاع الخاص و المستفيدين من المناطق الصناعية على أساس تبسيط الإجراءات في مرحلتي القيد و التشغيل.
            • تفعيل نظام "الشباك الواحد" لتلبية احتياجات كافة المستثمرين.
            • الدعم التسويقي لزيادة فرص الاستثمار وفتح أسواق جديدة.
            • عدم فرض قيود على الأسهم الأجنبية.
            • تقديم حزمة من الحوافز الاستثمارية .
            وتُعد فكرة "المطوّر الصناعي" إحدى الأفكار التي تبنّتها الدولة، وهي قائمة علي تخصيص مناطق بأكملها وإعطائها لشركات متخصّصة تقوم بتأسيس بنيتها الأساسية حتى تصبح صالحة للاستخدام في قطاع الصناعة لتنمية المناطق الصناعية لتحسين مناخ الاستثمار وجذب مزيدٍ من الاستثمارات الصناعية بما يسهم في زيادة فرص العمل وإضافة خبرات جديدة مكتسبة من خلال الشركات العالمية في الاستثمار الصناعي فى إطار برنامج الجيل الجديد للمطوّرين الذى يهتم بالتنمية الصناعية من خلال أربعة محاور تشمل توفير أراضى للصناعة، وتوفير مناخ العمل، وتوفير عمالة مدرّبة على مستوى عالٍ، وزيادة معدلات الاستثمار. ويعتمد المشروع على عنصرين أساسيين، وهما المطوّر والمشغِّل.
            وتتيح الحكومة المصرية للقطاع الخاص الفرصة لتنمية مواقع الأراضي التي لم يسبق تطويرها من قبل والتي سوف تقوم الحكومة بتزويدها بالمرافق مع توفير البنية التحتية على حدود المواقع الخارجية. وسوف يقوم نظام تخصيص الأراضي للمطوّرين على نظام التنافسية في العروض المقدّمة لاستغلال الأرض الحكومية المتاحة. وتلقى هذه العملية دعماً متواصلاً في جميع مراحلها من جانب الهيئة العامة للتنمية الصناعية باعتبارها الجهة الحكومية التي تقوم بدور المنسق.

            تعزيز وتنمية الصادرات المصرية

            ينبغي أن تركز الحكومة المصرية على مستقبل صادراتها وعلى مزاياها النسبية والتنافسية لتحقيق هذا الهدف المتمثل في تعزيز وتطوير الصادرات المصرية من خلال إزالة العقبات التي تحوّل دون ازدهارها بشفافية وموضوعية، كما يجب الاستعانة بنظم بنّاءة لدعم القدرة التنافسية للمنتجات المصرية من خلال التخلص من المعوّقات التي تواجه الصادرات، كما ينبغي على الحكومة أيضاً توفير خدمات للشركات التي ترغب في بدء التسويق الدولي أو عمليات التصدير الخاصة بها، وللشركات التي تتوسّع في مناطق جديدة أو التي تقدّم منتجات أو خدمات جديدة لقطاع الأعمال الدولي. وبالنسبة لهذه الشركات، فمن الحكمة عمل تحليل للقدرة التنافسية وفهم طبيعة السوق التي تحاول المنافسة فيه. وبمساعدة الحكومة، ستتمكّن الشركات من تنمية فهم أعمق لطبيعة الصناعة التي تعمل بها والعملاء الذين تخدمهم هذه الشركات. كما ينبغي على الشركات أيضاً الحصول على التوقعات المالية لإمكانيات العمل التجاري على وجه العموم بالنسبة لما يقدّموه من أفكار أو منتجات أو خدمات جديدة تساعدهم في الوصول إلى توقعات واقعية. وينبغي أن تهدف تنمية الصادرات وعملية الدعم إلى خفض التكاليف وتقليل المخاطر، وتقديم الدعم الفني من خلال تنفيذ الاستراتيجيات والخطط الجديدة المعنيّة بتنمية الصادرات، بالإضافة إلى الخدمات التي تعول على الاتفاقيات التجارية في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الأسواق النامية في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.
            ويمكن تلخيص الأهداف المحدّدة الكامنة وراء تشجيع التصدير على الوجه التالى:
            • تنمية وعي واسع النطاق بفرص التصدير وتشجيع الاهتمام بالتصدير في مجتمع الأعمال.
            • مساعدة الشركات في التخطيط والإعداد للمشاركة في أسواق الصادرات.
            • مساعدة الشركات في اكتساب الخبرات اللازمة ومعرفة كيفية دخول أسواق الصادرات وتنميتها بنجاح.
            • دعم نشاط السوق الأجنبي بشكل ملموس من خلال تقديم مساعدة تنظيمية وبرامج تقاسم التكاليف.
            • إضافة قيمة ذات مغزى إلى المنتجات المصدّرة، بالإضافة إلى معالجة القيمة المضافة.
            • الدبلوماسية الاقتصادية (التعاون الدولي والاستخدام الاستراتيجي للموارد الطبيعية).
            • تنمية أسواق التصدير.
            • معايير النظام التجاري في السوق العالمية.
            • النظام المالي الرامي إلى  تسهيل عملية التصدير.
            • تعزيز المهمة التجارية لقناة السويس لخلق فرص عمل جديدة.

            تنمية نموذج الأعمال الدولي

            عندما تشارك مصر في اقتصاد السوق، فإن عليها أن تتنافس مع البلدان الأخرى. والقاعدة في اقتصاد السوق هي المنافسة العادلة. ويتعين على جميع المشاركين في اقتصاد السوق احترام هذه القاعدة. ولخوض المنافسة مع البلدان الأخرى، يجب على مصر تعزيز صناعتها من حيث الأسعار، والجودة، والعلامات التجارية. كما يجب على مصر أن تعزّز من إنتاجيتها وأن تساهم في الابتكار التكنولوجي وتعزيز النظام الاجتماعي، مما يمنحها الفرصة في التنافس مع البلدان الأخرى في عصر اقتصاد السوق العالمي الحر.
            إن جوهر اقتصاد السوق يحركه السوق نفسه، وهو ما يعني أن السوق هو الذي يُحرّك جانب العرض. ويتعيّن على مصر تعزيز جودة منتجاتها وتقديم أسعار تنافسية. ومع ذلك، إذا لم تنجح مصر في تنمية السوق، ستذهب كل الجهود هباءً منثوراً. ويجب علينا أن نُحلّل أوضاع السوق بعناية، فبدون معرفة احتياجات العملاء، يستحيل تنمية السوق، فلكل سوق متطلبات وأولويات مختلفة.
            نحتاج أن نعرف موقعنا اليوم. فمصر جزء من العالم العربي، وتقع مصر أيضاً في الجزء الشمالي من قارة إفريقيا، وعلى ضفاف البحر المتوسط. وبهذا الموقع الجغرافي الفريد الذي تحتله مصر، يتعين عليها الاستفادة منه في تنمية السوق [شكل (18)].
              الشكل 18: الموقع الإقليمى لمصر وإمكانياته التجارية


            تحديث المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم

            تستطيع المنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم القيام بدور أكثر إيجابية في توليد الدخل والعمالة والصادرات والمساعدة على تطوير منتجات جديدة. فقد كانت المنشآت الرسمية وغير الرسمية متناهية الصِغَر والصغيرة ومتوسطة الحجم في جميع القطاعات غير الزراعية للاقتصاد المصري مصدراً رئيسياً للعمل في القطاع الخاص منذ 1980. وهناك اختلافات بين هذه المنشآت وفقاً لحجمها وموقعها، وملكيتها، ووضعها الرسمي ونشاطها الاقتصادي، إلا أنها مجتمعة، توفر الكثير من فرص العمل وتساهم بحصّة كبيرة من إجمالي القيمة المضافة، وتقدّم لشريحة واسعة من الفقراء والسكان من ذوي الدخل المنخفض السلع والخدمات بأسعار ميسّرة.
            ومن السمات الرئيسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة قدرتها على الانتشار على نطاق واسع عبر أنشطتها في مجال الخدمات والتجارة أو الصناعة، وعلى توفير أعدادٍ كبيرة من فرص العمل بتكلفة منخفضة، كما تمثل الشركات الصغيرة أداة مفيدة لتوجيه المدخرات الصغيرة إلى استثمارات حيث تعتمد المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم على مدخراتها ومواردها الخاصة بها لتمويل مشاريعها. وتحفّز المنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم الملكية الخاصة ومهارات تنظيم المشاريع، بل إنها أيضاً مرنة ويمكن أن تتكيّف بسرعة مع تغيّر الطلب في السوق وظروف العرض. ويجب على الحكومة استكشاف وسائل لتمويل وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة،  وبالتحديد، ينبغي أن يكون الهدف هو تحديد المعوّقات التي تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الحصول على التمويل الكافي، وتحديد آليات فعّالة للتصدي لها.
            وينطوي الإصلاح الشامل على نهج متكامل لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التحوّل من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، مما يعزز فرصتها في النمو، وفي الحصول على التمويل، وتوفير الاستقرار الوظيفي للعاملين بها. وذلك من خلال مواجهة كافة التحديات القائمة، مثل: تشتت المسؤولية والمساءلة عن تنمية الموارد البشرية بين مجموعة واسعة من الوزارات والهيئات، وعدم الاعتداد ببرامج التدريب التقني والمهني ومدى استجابتها لاحتياجات سوق العمل، وعدم مواكبة المعدات في مراكز التدريب للتكنولوجيا الحديثة المطبقة في كثير من المصانع، وعدم الاستخدام الكافي لطاقة المرافق التدريبية. ويمكن تحقيق ذلك الإصلاح الشامل من خلال:
            • تبسيط القواعد المنظمة لإنشاء وتشغيل المشاريع التجارية الصغيرة: من أجل دعم وتعزيز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد، والمطلوب إيجاد سياسة وطنية متماسكة تعالج احتياجاتهما. وينبغي توفير هذه السياسة ضمن بيئة تعزز بشكل إيجابي الإطار المؤسسي والتنظيمي، ويجب أن يقوم على المعرفة المشتركة والوعي لدى ذلك القطاع.
            • تقديم خدمات الدعم ذات الجودة: يمكن أن تساعد الجامعات الإقليمية ومراكز البحوث على تطوير القدرات التقنية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في مجتمعاتها. ولمساعدة المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التأهّل لتلقي التمويل من مؤسسات التمويل الدولية والمحلية، ينبغي مساعدتها على الحصول على تصنيف من وكالة دولية مستقلة. وهناك شرطان رئيسيان في هذا الصدد، وهما شفافية البيانات المالية من خلال تطبيق المعايير الدولية للإبلاغ عن القروض الصغيرة، وتوافر المراجعة الخارجية من قِبَل محاسب معتمد دولياً.
            • ويتطلب هذا إنشاء هيئة وطنية لضمان جودة التدريب الصناعي واعتماد جهة مسؤولة عن وضع المعايير واعتماد البرامج التدريبية وتدريب المدربين، وتخصيص مزيدٍ من الموارد المالية لتحديث المناهج الدراسية، وإنتاج مواد التدريب، ورفع الكفاءة وتحفيز المدربين، وتطوير الأطر القانونية والمالية والتنظيمية اللازمة لمؤسسات التدريب من أجل ضمان الاستقلالية والشفافية والمساءلة والقدرة على المنافسة.
            • التنظيم، والتسويق واستشارات الأعمال: توفير معلومات أفضل عن السوق، وتوفير قواعد البيانات التي تحتوي على بيانات عن السوق ومعلومات مُحدّثة بانتظام عن الموردين الرئيسيين المحليين والدوليين للمنتجات، وضمان تحقيق نتائج إيجابية لبرامج خدمة رجال الأعمال. وينبغي اللجوء إلى قواعد البيانات لتحديد القطاعات الاقتصادية الواعدة وتوجيه برامج الدعم نحو هذه القطاعات. ويمكن قياس إمكانات القطاعات المختلفة وفقاً لمعايير محدّدة، مثل إمكانات نمو العمالة عالية المهارة، والقدرة على التصدير، ونجاح الصناعات المغذية، وتطوير الحرف اليدوية التقليدية والجديدة لوظائف الخدمات أو التصنيع.
            • دعم الشركات العائلية غير الرسمية، وضع قواعد مبسطة لسوق العقارات، والتسجيل والترخيص، مع خفض الضرائب، وتحسين إدارة الضرائب، وإعادة النظر في نظام الضمان الاجتماعي.
            وفى النهاية، يمكن القول بأن نجاح الحكومة في سعيها لتعزيز دور القطاع الخاص يعتمد على إزالة عدة عقبات بما في ذلك البيروقراطية، والمشاكل القضائية، وتسهيل الحصول على التمويل لصالح الشركات الصغيرة والبالغة الصغر وتطوير شراكة بين القطاعين العام والخاص. وتحتاج الحكومة المصرية إلى التركيز على تيسير وتنمية القطاع الخاص بشكل كبير من خلال تبسيط اللوائح والقوانين التجارية، وتعزيز المنشآت، وتطوير تجمّعات صناعية، وتشجيع الصادرات، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وخلق خدمات رائدة لتطوير قطاع الأعمال.
            الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص

            أهداف وآليات تطبيق برنامج الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص

            يتمثل الهدف الأساسى من الشراكة بين الحكومة و القطاع الخاص فى دمج قدرات كلٍ منهما من أجل الحصول على مكاسب مشتركة للطرفين.

            المكاسب المتوقعة للحكومة

            • تحسين الخدمات المقدّمة وذلك بالسماح لكل من الطرفين أن يقدم أفضل ما عنده، حيث تتفرّغ الدولة لمهمتها الأساسية فى وضع السياسة وخدمة المواطنين، ويتولى القطاع الخاص المهام غير المحورية والمتمثلة فى تشغيل وصيانة المنشآت.
            • تحسين كفاءة النفقات، وذلك بالاستفادة من خبرات القطاع الخاص ومرونته وقدرته على الابتكار. ويمكن استخدام الوفر المتحقق فى النفقات فى تمويل مشروعات أخرى.
            • زيادة الاستثمار فى المرافق العامة حيث يتم التغلب على الفجوة القائمة بين المتطلبات المتزايدة من المرافق العامة وبين قصور الموارد التمويلية من ميزانية الدولة نتيجة تزايد العجز والدين العام.
            • تخفيض مخاطر القطاع العام وذلك بتحويل هذه المخاطر إلى القطاع الخاص الذى يمكنه إدارتها بشكل أفضل. وتتمثل المخاطر التى يفترض أن يتعرّض لها المشروع فى مخاطر مادية أثناء البناء، ومخاطر ترتبط بتغير الطلب عن التوقعات المسبقة.
            • السرعة فى الانتهاء من المشروع اعتماداً على مرونة القطاع الخاص وقدرته على تعبئة الموارد.
            • تحسين درجة تأكد الميزانية والتغلب على مشاكل تجاوز النفقات المقرّرة.
            • استغلال أفضل للأصول ذلك أن الشريك الخاص يكون له مصلحة فى الاستغلال الكامل للأصول والاستفادة القصوى من الفرص التجارية لتحقيق أكبر عائد ممكن، ويؤدى ذلك إلى مستويات أفضل للخدمة وإتاحة أكبر وتخفيض للنفقات.

            المكاسب المتوقعة للقطاع الخاص

            • إقامة أعمال على درجة عالية من اليقين من خلال التعاقد طويل الأجل مع الحكومة، حيث يضمن القطاع الخاص الحصول على مقابل الخدمة من الحكومة أو من المستهلك طوال فترة العقد
            • فرصة لتوسيع أعمالهم اعتماداً على سابقة التعاقد مع الحكومة على تنفيذ مشروعات معينة، إلا أنه رغم مزايا الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص فهى ليست ضماناً فى حد ذاتها للحصول على النتائج المرجوة، وإنما يتطلب الأمر أُطراً مؤسسية وتشريعية وسياسية مناسبة لضمان نجاحه، كما يتطلب أيضاً مشروعات مُعدّة بشكل جيّد، وكذلك مساندة الخبراء فى مجالات طرح المناقصات والتعاقد.
            وقد قامت الحكومة المصرية فى عام 2006 بوضع سياسة جديدة طويلة الأجل لتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص بهدف التوسّع والزيادة فى الاستثمارات الخاصة بالبنية التحتية. وقامت الحكومة بتفعيل هذه سياسة من خلال تأسيس الوحدة المركزية للشراكة مع القطاع الخاص بوزارة المالية.
            ودور هذه الوحدة المركزية هو تمثيل الحكومة فى التفاوض مع القطاع الخاص حول مشروعات الشراكة المقترحة، والقيام بدور فى مساندة وتوفير سبل الدعم لتلك المشروعات من خبرات ومساعدات فنية ووضع الأطر القومية اللازمة لتنفيذ المشروعات ووضع أنماط ونماذج العقود وتوفير المعونة والاستشارات للوزارات المعنيّة بطرح مشروعات البنية التحتية، والترويج لمبادرة الشراكة إلى المستثمرين والمستفيدين داخل الحكومة والقطاع الخاص. وتلتزم مصر بالمعايير الدولية المطبقة فى الدول المختلفة والخاصة بمشروعات الشراكة بمراحلها وجوانبها المختلفة.
            ويعتمد الإطار التنفيذى لتطبيق برامج الشراكة مع القطاع الخاص على عقد إتاحة يقوم بمقتضاه القطاع الخاص بتقديم خدمات عامة طوال مدة العقد، على أن تقوم الجهة الإدارية (الحكومة) أو متلقى الخدمة (المستهلكين) أو كلاهما معاً بسداد مقابل هذه الخدمات. وتحتفظ الحكومة بالسيطرة الاستراتيجية على تلك الخدمات وتؤول ملكيتها إلى الدولة فى نهاية مدة التعاقد، وتوزع مخاطر المشروع على الطرف الأقدر على إدارة وتحمل هذه المخاطر.
            وقد قامت الوحدة المركزية للشراكة مع القطاع الخاص بوضع مشروع قانون لتنظيم مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة، وقد وافق البرلمان على القانون فى مايو 2010، وبدأ تنفيذه فى يوليو 2010. 
            وتتمثل المشروعات الحالية فى برنامج الشراكة فى: مشروع إنشاء 287 مدرسة، ومشروع مستشفيات جامعة الاسكندرية، ومحطة معالجة الصرف الصحى فى القاهرة الجديدة، وبعض مشروعات الطرق مثل شبرا – بنها ومحور روض الفرج.
            أما المشروعات المطروحة للبرنامج بواسطة وزارة الاستثمار، فتتمثل فى 48 مشروعاً فى المجالات التالية: الطرق، محور الصعيد البحر الأحمر، وصلات جديدة للسكك الحديدية، موانئ، منطقة شمال غرب خليج السويس، محطات مياه الشرب، محطات الصرف الصحى، مراكز حضارية وتجارية متكاملة، تنمية سياحية، تنمية الصناعات التكنولوجية، مدن طبية.

            المشكلات التى يمكن أن تواجه تطبيق برنامج الشراكة

            يُلاحظ أن نتائج تجارب الدول فى تطبيق هذا النظام للشراكة اختلفت فى درجة نجاحها. ويجب أن تعمل الخطة العشرية الحالية على رصد وتقييم المشكلات التى ظهرت فى التطبيق فى تجارب هذه الدول حتى تعمل على تجنّبها، ذلك أن مشروعات البنية الأساسية تكلفتها عالية، وبالتالى فإن الفشل أو القصور فى تنفيذها بكفاءة يمكن أن يكلف الدولة هدراً هائلاً فى الموارد قد يهدّد تنفيذ أهداف الخطة فى مضاعفة الدخل خلال عشر سنوات.
            ومن أهم المشكلات التى ظهرت فى تجارب بعض الدول أن التقييمات المختلفة لمشروعات الشراكة مع القطاع الخاص تهمل الآثار التراكمية طويلة الأجل على موازنة الدولة نتيجة الالتزامات المكلفة التى تتحمّلها الدولة لمدّة تصل إلى ثلاثين عاماً أو أكثر. إن مشروعات الشراكة يمكن أن ينشأ عنها مشكلات على مستوى المشروع وأيضاً آثاراً تراكمية على موازنة الدولة. ويرجع ذلك إلى ارتفاع التكلفة التى تتحمّلها الدولة فى المشروعات وفقاً لهذا النظام نتيجة الأسباب التالية:
            • أن هذه المشروعات تتضمن بنوداً كثيرة ترفع التكلفة، وذلك نتيجة كثرة وتعقد الجوانب الإجرائية وما تتضمّنه من تكلفة المكاتب الاستشارية والمكاتب القانونية.
            • أن مشروعات الشراكة تتضمّن أنصبة فى رأس المال (أسهم)، بالإضافة إلى قروض بنكية لتمويل الشركة الخاصة التى يتعيّن إنشاؤها لغرض المشروع، بما يمثل زيادة فى التكلفة عن الاقتراض الحكومى.
            • المستثمر الخاص يتوقع الحصول على ربح، وهو ما لا يتواجد فى الهيئات الحكومية، وفى أحيان كثيرة يكون معدل العائد فى عقود الشراكة أكبر منه فى عقود التوريد الحكومية.
            • هناك أطراف فى الدولة لهم مصالح مباشرة فى هذه المشروعات، مثل المكاتب الاستشارية والمكاتب القانونية وحتى الأجهزة الرقابية فى كثير من الأحيان. وهذه الأطراف قد تروج لتنفيذ مشروعات أكثر مما هو مطلوب مما يُحمّل الدولة تكلفة مرتفعة دون مبرر.
            • المنافسة يفترض أنها الآلية الأساسية التى تُحفّز القطاع الخاص على تخفيض النفقات، إلا أن هذه المنافسة ضعيفة أو معدومة فى معظم مشروعات البنية التحتية ذات الطبيعة الاحتكارية، وأن سعى القطاع الخاص لتخفيض النفقة قد يكون على حساب جودة الخدمة التى تقدّم للجمهور مما يجعل هذا النظام غير مناسب فى بعض المجالات، مثل الرعاية الصحية والتعليم وخدمات المياه.

            آليات تحسين كفاءة أداء برنامج الشراكة

            فى هذا السياق، هناك بعض الإجراءات التى يمكن اتخاذها لتفادى المشكلات السابقة، وتأكيد فرص نجاح المشروعات التى يتم إقامتها بنظام الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص:
            • أهمية التأكد من تنافسية الطرح والمناقصات.
            • ضبط منهجية وحيادية وعلانية حسابات المقارن الحكومى (المقارنة بين تكلفة عقد الشراكة وعقد التوريد الحكومى التقليدى)، وتجنّب استخدام العناصر شديدة المرونة، مثل تحويل المخاطر، وذلك لخضوعها للتقدير الشخصى، وبالتالى إمكانية التلاعب.
            • ضرورة وضع سقف يمثل حد أقصى لعددٍ المشروعات التى يُسمح بها لكل هيئة عامة حتى لا يزيد العدد ويُشكّل أعباءً على الحكومة.
            • الإفصاح عن التكلفة المالية للمشروعات السابقة قبل بدء مشروعات جديدة.
            • الإفصاح عن التدفق السنوى لمدفوعات الحكومة إلى مشروعات الشراكة فى الحسابات الحكومية وتوضيح فى ميزانية أى عام يتم دفع الأقساط (الالتزامات) السنوية.
            • لا يجب اللجوء للقطاع الخاص فى تشغيل بعض الخدمات العامة كالمستشفيات والمدارس والإمداد بالمياه وذلك بسبب صعوبة قياس الأداء وخطورة انخفاض مستوى الخدمة جراء السعى لتخفيض النفقة.
            • عند اتخاذ قرار بشأن مشروعات للشراكة يجب أن تكون هناك بدائل أخرى متاحة ولا تقوم الحكومة ومؤسسات التمويل الدولية والمكاتب الاستشارية بفرض رؤيتهم بأن مشروعات الشراكة هى البديل الوحيد المتاح.
            • تقويم المشروعات المطروحة يجب أن يتاح للعامة.
            • الشفافية عن طريق نشر مسودات العقود ووثائق الطرح والمناقصات متضمّنة التفاصيل المالية رغم اعتبارها أسراراً تجارية فى العقود.
            • وقف إجراءات الطرح فى حالة تقدّم مستثمر وحيد وإعادة تصميم المشروع.
            • وضع سقف للتغير فى التكلفة المسموح بها عند مرحلة التفاوض مع المستثمر الذى ظفر بالمشروع بعد الترسية.
            • يجب أن تتضمّن العقود حصول الهيئة العامة على 50% على الأقل من أية مكاسب فى حالة إعادة التمويل.
            • يجب أن ينص العقد على السماح للهيئة العامة بإنهاء العقد فى حالة ظروف طارئة غير متوقعة تهدد المصلحة العامة.
            • يجب أن تتوافق العقود مع الاشتراطات البيئية ومعايير العمل التى توافق عليها اتحادات العمال.
            • تقويم المشروعات تحت التنفيذ يجب أن يتم وينشر فى مراحل تنفيذ المشروع وأثناء تشغيله.
            • يتمثل دور مؤسسات التمويل الدولية فى ضرورة مراعاة أن يحقق المشروع قيمة للنقود التى تنفقها ميزانية الدولة ويتحمّلها دافع الضرائب، وأن توافق هذه المؤسسات على إقراض القطاع العام بشروط جيّدة وعدم الاقتصار على تمويل مشروعات الشراكة. ويجب أن تقوم هذه المؤسسات بمراعاة الاستدامة طويلة الأجل للدين الحكومى والتزامات الخزانة العامة تجاه المشروعات المقترحة، وألا يساهم  تمويل هذه المشروعات فى ظهور عقبات أساسية فى الإنفاق العام خلال العقود القائمة. وفى هذا السياق، فإن هناك أهمية حتمية لمزيدٍ من الشفافية حول الدين العام والنفقات الحقيقية لمشروعات الشراكة، كما يجب توفر ضمانات للتأكد من عدم المبالغة فى الالتزامات الحكومية وضمان اختيار محايد بين أنماط التمويل المختلفة وتجنّب إقرار مكاسب غير مستحقة للقطاع الخاص على حساب المصلحة العامة.
            • أهمية بناء القدرات للموظفين العاملين فى كافة مراحل الإعداد للمشروع والمناقصات والترسية والتقويم وغيره. ومن الضرورى أيضاً تنمية قدرات العاملين فى التوريدات الحكومية بنفس القدر والأهمية.
            • الرقابة المجتمعية يجب أن تبدأ من مرحلة الاختيار والإعداد وليس بعد توقيع العقود، ويجب توفير المعلومات اللازمة وإشراك أكبر عدد من المؤسسات فى الحوار والرقابة.
            • ضرورة وضع ضوابط على مشاركة رأس المال الأجنبى فى أية مجالات للبنية التحتية والتى تشكل احتكارات بطبيعتها ولفترة زمنية طويلة، حيث يُلاحظ أن خبرة دول شرق وجنوب آسيا تشير إلى خطورة تواجد رأس المال الأجنبى فى مثل هذه الاحتكارات وفى مناطق معيّنة ذات حساسية مما قد يؤدى إلى احتمالات آثار سلبية على المستوى السياسى والاجتماعى. وتزداد أهمية هذه الضوابط فى الظروف السياسية الحالية التى تمر بها مصر بعد ثورة 25 يناير وتداعياتها.
            • وضع الآليات التى تضمن تحقيق المحاسبية بمكافأة الأداء الجيّد ومعاقبة الأداء السىء، ويجب أن تكون من خلال مشاركة كل أطراف المجتمع: الدولة، المحليّات، المستهلكين، المجتمع المدنى، المستثمرين، موردى الخدمة والمراقبين (أو المنظمين).

            الشراكة فى إدارة الشركات المملوكة للدولة

            هناك شركات عديدة مملوكة للدولة فى مصر، ولكلٍ منها خلفية من القرارات الحكومية والتطوّر الصناعي، وقد حاولت الحكومة المصرية من خلال برنامج الخصخصة، بيع هذه الشركات بموجب القانون رقم 203 لعام 1991 لتقليل عبء دعم هذه الشركات من قبل الحكومة لتحسين القدرة التنافسية.  
            وقد أثبت النموذج القائم على بيع شركات قطاع الأعمال العام الخاسرة إلى مستثمرين أجانب بأسعار منخفضة للغاية فشله من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. ونظراً لما تملكه الشركات العامة فى مصر من أراضى وأصول مادية وبشرية، فإن النموذج المستهدف يعتمد على إحياء شركات قطاع الأعمال العام من خلال إعادة هيكلتها بدلاً من بيعها، وذلك فى إطار من الإصلاح المؤسسى والتوافق الوطنى من خلال إعادة هيكلة نظم العمل، والاستثمار، والدعاية، والتسعير، وتقويم الأداء، بالإضافة إلى تنويع مجالات العمل بالاستفادة من الأراضى والأصول التى تملكها هذه الشركات، بما يدر عائداً إضافياً عليها يساهم فى حل مشاكلها المالية ومديونياتها. وذلك من خلال:
            • الشراكة بين القطاعين العام والخاص الوطنى، بحيث تظل الملكية للحكومة، ويقوم القطاع الخاص الوطنى بالإدارة والتشغيل من خلال نظام للمشاركة فى الأرباح. 
            • فى حالة عدم قدرة القطاع الخاص الوطنى على إدارة وتشغيل شركات قطاع الأعمال العام الخاسرة، فإن البديل يتمثل فى الشراكة مع الشركات الأجنبية، بما يخلق علاقة تبادل مشترك فى مجالات التكنولوجيا، وشبكات الأعمال، وتدريب الموارد البشرية، والدعم التمويلى.

            الشراكة فى المشروعات القومية الكبرى

            وتتمثل المشروعات القومية الضخمة في مصر [شكل (19)]:
            • مشروعات التنمية بجنوب مصر (توشكى، والعوينات، ودرب الأربعين).
            • مشروعات التنمية بواحة الصحراء الغربية.
            • مشروعات التنمية بوادي النيل.
            • مشروعات التنمية بمنطقة قناة السويس.
            • مشروعات التنمية بشمال مصر.
            • مشروعات التنمية بشمال سيناء.
            ولكل مشروع وطني أغراض متعدّدة، ولذلك فليس من السهل تطبيق التحليل الاقتصادي للمشروع. ومع ذلك، فمن الضروري تقويم مُدخلات ومُخرجات المشروع. ويجب علينا دراسة احتمالية تطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المشروعات الضخمة، بحيث يقوم القطاع العام بالاستثمار في تحسين البنية التحتية لهذه المشروعات الضخمة، وتُتاح الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في تشغيل المشروع.
            الشكل 19: خريطة المشروعات القومية الكبرى

            تقويم المشروعات

            لتعبئة الناس في منطقة تنموية جديدة، فهناك حاجة لإنشاء مناطق سكنية، وخدمات عامة، ومنطقة تجارية، ومنطقة صناعية، وهي التسهيلات اللازمة للناس والصناعة. وسعياً إلى استكمال جانب "الطلب" في الاستثمار، نحتاج لمشاركة القطاع الخاص. ويمكن للحكومة الاستثمار في تحسين البنية التحتية، ثم يقوم القطاع الخاص بالاستثمار في بيئة الأعمال وتشغيلها، ويُعد التعاون بين القطاعين العام والخاص أمراً مهماً أثناء تصميم المشروع وعلى مدار تطويره [شكل (20)].
            الشكل 20: تصميم أعمال التنمية فى المشروعات القومية

            إدارة المشروع الوطني الضخم في ضوء خبرة القطاع الخاص.

            بداية، يجب تطبيق نموذج تعريف المشروع على المشروعات الوطنية الضخمة، بحيث يشتمل كافة المشروعات الضخمة على التعريفات التسع الآتية:
            • اسم المشروع.
            • خلفية المشروع، ونطاقه، وموضوعه.
            • مالك المشروع ومديره (المسئولية والتعريف).
            • تشكيل فريق المشروع (تعيين الموارد البشرية).
            • التحليل المالي للمشروع (التكلفة مقابل النتيجة).
            • الجدول الزمني للمشروع (النقاط الرئيسية، والمهام بالتفصيل).
            • هيكل التقارير (الاتصالات في إطار المشروع).
            • تحديد وضع المشروع وعلاقته بالمنظومة.
            • تعريف نواتج المشروع (التقرير، والبناء، إلخ).
            ومن المهم أن يكون للقطاع الخاص دور في مرحلة تخطيط المشروع.
            وسعياً للاستفادة الكاملة من قدرات القطاع الخاص في دعم المشروع، فمن الضروري أن يتشارك كل من القطاعين الخاص والعام في نطاق المشروع وأهدافه. والمشاركة تعني اقتسام المخاطر والعائدات من المشروع، ولذلك ينبغي على القطاع العام إدراك آلية الاستثمار في القطاع الخاص.

            الشراكة فى مجال العلوم والتكنولوجيا

            فى إطار المنافسة العالمية الضارية، أصحبت تطبيقات العلوم والتكنولوجيا الحديثة هى العامل الأهم للحفاظ على مستوى عالى من التنافسية، ونظراً للضعف النسبى للقطاع الخاص فى مصر وإمكانياته المحدودة فى تمويل عمليات البحث والتطوير، والتى تتطلب استثمارات هائلة، فإن هناك حاجة ملحة لربط الجامعات مراكز البحث العلمى المنتشرة فى مصر بالصناعة، بحيث تقوم تلك المراكز بتطوير التطبيقات التكنولوجية الحديثة وتطويعها للعمليات الصناعية مما يساهم فى خفض التكلفة ورفع جودة السلع والخدمات.



             الإطار
            4مشروع توشكى





            وسعيا للاستفادة الكاملة من قدرات القطاع الخاص في دعم المشروع، فمن الضروري أن يتشارك كل من القطاعين الخاص والعام في نطاق المشروع وأهدافه. والمشاركة تعني اقتسام المخاطر والعائدات من المشروع، ولذلك ينبغي على القطاع العام إدراك آلية الاستثمار في القطاع الخاص.
            التنمية الصناعية من خلال التجارة الدولية والسياسة الصناعية 

            إستراتيجية إدارة المناطق الصناعية في مصر  

            تهدف الاستراتيجية الحالية للحكومة المصرية لتحقيق التنمية الصناعية الى الاستمرار في متابعة سياسات التنوع الاقتصادي في الاستثمار واقامة علاقات وثيقة مع القطاع الخاص، وذلك عن طريق وضع لوائح وتشريعات مرنة وإبراز المزايا التنافسية التي تتمتع بها مصر، والتي تتمثل في إتاحة فرص متميزة للمستثمرين وتحقيق الاستفادة القصوى في جميع مجالات الصناعة من خلال خفض تكاليف الانتاج وتوفير برامج التسويق الأكثر تميزاً في العالم والتوسّع في فتح أسواق جديدة و تبوء مكانة استراتيجية عالمياً. وبذلك تكون مصر في سبيلها لدخول عهد جديد للتعاون بين الحكومة و القطاع الخاص (محليا و اقليميا و دوليا). 
            ويعتمد تركيز الحكومة على اعادة بناء برنامجها لتطوير المناطق الصناعية القائمة. ووضع برنامج لجيل جديد من التجمعات الصناعية بمشاركة القطاع الخاص المحلى والعالمي والعمل على خلق بيئة العمل اللازمة لمنح حقوق تطوير و ادارة وتشغيل الأراضي - على المدى الطويل - لكيانات القطاع الخاص بموجب اتفاقات الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ويتضمن البرنامج ما يلى:-
            • الحرية الكاملة في تثمين مباني المصانع حال إنشائها مع وضع حد أعلى لسعر بيع / إيجار الأرض التي يقوم المطور بترفيقها.
            • ايجاد بيئة العمل المناسبة للشريك الذي يمثل القطاع الخاص و المستفيدين من المناطق الصناعية على أساس تبسيط الاجراءات في مرحلتي القيد و التشغيل.
            • تفعيل نظام "الشباك الواحد" لتلبية احتياجات كافة المستثمرين
            • الدعم التسويقي لزيادة فرص الاستثمار و فتح أسواق جديدة
            • عدم فرض قيود على الأسهم الأجنبية
            • تقديم حزمة من الحوافز الاستثمارية

            وتعد فكرة " المطور الصناعي " إحدى الأفكار التي تبنتها الدولة وهي قائمة علي تخصيص مناطق بأكملها وإعطائها لشركات متخصصة تقوم بتأسيس بنيتها الأساسية حتى تصبح صالحة للاستخدام في قطاع الصناعة لتنمية المناطق الصناعية لتحسين مناخ الاستثمار وجذب مزيد من الاستثمارات الصناعية بما يسهم في زيادة فرص العمل و اضافة خبرات جديدة مكتسبة من خلال الشركات العالمية في الاستثمار الصناعي



            وفى إطار التوجّه العالمى نحو التكتلات الإقليمية ونظراً للتكاليف الضخمة التى تتطلبها عمليات البحث والتطوير، فهناك إمكانية للتعاون العربى فى هذا المجال فى إطار من الشراكة بين الحكومات العربية والمستثمرين العرب، فالتحدى الأساسى أمام الدول العربية هو تعظيم الأستفادة من الموارد المحدودة واستخدامها بكفاءة، لذا فإن إمكانيات التعاون المشترك متعدّدة فى مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية فى مجالات المياه، والطاقة، والأمن الغذائى، وتنمية الأعمال، وشبكات التأمين الاجتماعى، والحسابات القومية....

            المركز العربي للعلوم والتكنولوجيا

            تتمتع مصر بميزة في مجال العلوم والتكنولوجيا بين البلدان العربية. فإذا حاولنا الاستفادة من هذه العلوم والتكنولوجيا في مصر فقط، ستكون الفرصة صغيرة، بينما إذا قمنا بتوسيع نطاق عملنا من خلال تطبيق العلم والتكنولوجيا في المجتمع العربي، يمكننا أن نجد إمكانات أكبر. ومن ثم، فإن المركز العربي للعلوم والتكنولوجيا قائم على فكرة تحدي القضايا المشتركة في المجتمع العربي، مثل المياه والطاقة والغذاء، وغيرها. ويُعد المركز المكان المناسب لتحدي هذه المشاكل المشتركة في البلدان العربية سوياً [شكل (21)].

            مركز حاضنات الأعمال العربية

            لمصر قدرة عظيمة على قيادة الدول العربية، وقد يكون لمصر القدرة على لعب دور حاضنات الأعمال للكيانات التجارية العربية. ويمكننا تطوير مركز حاضنات الأعمال لصالح الشركات الخاصة بمصر فقط. ومع ذلك، وسعياً إلى إنشاء سوق عالمية، فإنه من الضروري أن تتعاون الدول العربية سوياً. ويُعد مركز حاضنات الأعمال العربية مفهوم جديد يهدف إلى إنشاء سوق أجنبية تعتمد على التعاون بين الدول العربية، وذلك من أجل حفز الاقتصاد المصري وتعزيز اقتصاد البلدان العربية الأخرى أيضاً [شكل (22)].  
            الشكل 21: نموذج للتعاون العربى المشترك فى مجال العلوم والتكنولوجيا
            الشكل 22: نموذج للتعاون العربى المشترك فى مجال حضانات الأعمال
            الاستثمار الأجنبي المباشر
            شهد صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر زيادة كبيرة خلال الفترة (2000/ 2001 – 2006/ 2007)، فقد ارتفع ليبلغ 11 مليار دولار عام 2006/ 2007 مقابل 0.5 مليار دولار  خلال العام المالي 2000/ 2001 .
            ويرجع الارتفاع الملحوظ في صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلي اتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية الشاملة عام 2004، إلا أنه مع توتر المناخ الاستثماري بسبب الأزمة المالية العالمية انخفضت تلك الاستثمارات لتصل إلى 8.1 مليار دولار عام 2008-2009 بعد أن كانت بلغت ذروتها في العام السابق وتجاوزت سقف الـ 13 مليار دولار وفي اتجاه تصاعدي متواصل. وخلال العام المالي 2009/2010 سجل الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر صافي تدفق للداخل بلغ نحو 6.8 مليار دولار، كما شهد صافي الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعاً حاداً خلال عام 10/ 2011 بسبب أحداث ثورة 25 يناير، حيث تقلص إلي نحو 2.2 مليار دولار.
            وبالنسبة للتوزيع القطاعي لصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد استحوذ قطاع البترول علي النصيب الأكبر من صافي التدفقات الاستثمارية لتصل نسبته إلي حوالى 65.1% من صافي تدفقات الاستثمارات. ويُعد الاستثمار الأجنبي المباشر أحد الطرق الفعالة لتحفيز الاقتصاد المصري. ومع ذلك، لا يُعد المال مورد الأعمال الوحيد، فالتكنولوجيا والمعرفة من موارد الأعمال المهمة أيضاً. وعندما تعقد مصر شراكة تجارية مع مستثمر أجنبي، ينبغي أن ندرس الفرص المالية والتكنولوجية. ولدينا الفرصة لتكوين شراكة وفقاً للنماذج أ، ب، ج الموضحة أدناه [شكل (23)].
            الشكل 23: التحالف التقنى مع كبرى الشركات العالمية
            ويحمل كل نموذج فكرة تعزيز فرص العمل، ونقل التكنولوجيا بمصر. وليس من السهل تنفيذ هذه النماذج، فيجب على مصر تقديم عرض للمستثمر الأجنبي والتفاوض معه على شروط معقولة من أجل تحقيق الازدهار المشترك، فالشراكة ليست لعبة من طرف واحد. ويجب أن توفر مصر للمستثمر الأجنبي خدمات الشباك الواحد بغرض تنفيذ هذه النماذج بنجاح.

            أهداف وآليات الخطة بالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر

            تستهدف خطة مضاعفة الدخل القومى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من 2.2 مليار دولار عام 2010/ 2011 إلى 25.2 مليار دولار فى السنة الأخيرة (2021/2022) من الخطة العشرية، وكذلك محاولة توجيه تلك الاستثمارات في مشروعات جديدة وليس فقط في أنشطة الدمج والاستحواذ والخصخصة.
            وتتركز معظم الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاعات الطاقة والمياه والبيئة وأيضاً فى التجارة والصناعة وكذلك في مجالات التعليم وتكنولوجيا المعلومات والتنمية المتكاملة والزراعة والسياحة والصحة والمرافق والنقل، وذلك إضافة إلى المشاركة فى خطط التنمية في الأقاليم.
            أما عن مجموعة الإجراءات اللازمة من أجل جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فتتمثل فيما يلى:
            1. يعتبر العمل علي دعم الاستقرار السياسي مطلباً مهماً لترسيخ مناخ آمن للاستثمارات، فالمؤثرات السياسية تلعب دوراً مهماً في رسم المناخ الاقتصادي بشكل عام والاستثماري بشكل خاص.
            2. دعم الاستقرار الاقتصادي الكلي من خلال تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي، وكذلك خفض تقلبات سعر الصرف ورفع سعر الفائدة الحقيقي واستعادة الأموال المهرّبة من الخارج مع السيطرة علي كلٍ من معدلات التضخم وعجز الموازنة.
            3. القيام  بمجموعة من الإصلاحات لتحقيق صلابة القطاع المالي والمصرفي وأداء بورصة الأوراق المالية للتخفيف من حِدّة التسرّبات التي تشهدها رؤوس الأموال في مصر؛ وتحسين الميزانالتجاري والجاري بصادراته ووارداته السلعية والخدمية وميزان المدفوعات وبنود حركة رؤوس الأموال، وزيادة مستويات الاحتياطيات الدولية ومعدل تغطيتها للمدفوعات الشهرية عن الوارداتوالمديونية الخارجية ونسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي، وأعباءها من أقساط وفوائد مستحقة.
            4. تكامل السياسات الصناعية والنقدية والمالية والتجارية والتشغيلية مع مبدأ تشجيع الاستثمار وتعزيز البيئة الاستثمارية.
            5. إقامة مناطق للتجارة الحرة، سواء في إطار اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوربي أو اتفاقيات مناطق التجارة الحرة الثنائية ومتعدّدة الأطراف ( منطقة التجارة العربية الحرّة الكبري)، حيث من المفترض أن يترتب علي هذه الاتفاقيات اتساع حجم السوق، ومن ثم زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلي مصر. ولابد بالتالي من إجراء إصلاحات في هيكل التعريفة الجمركية وتقليص الحواجز غير الجمركية (رسوم الخدمات والفحص،...).
            6. توقيع اتفاقيات للتكامل الإقليمي حيث أن هناك أهمية كبري لجذب رؤوس الأموال العربية للاستثمار في مصر. وتؤكد البيانات علي أهمية زيادة حركة الاستثمارات البينية، كما يمكن أن يساهم التكامل الإقليمي في جذب بعضٍ من الأموال العربية المستثمرة حالياً خارج المنطقة العربية.
            7. الترويج لفرص الاستثمار وتحسين صورة مصر في الخارج كموقع للاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك من خلال صياغة برنامج للترويج للمشروعات المستهدف الاستثمار فيها. ويتطلب ذلك تكثيف جهود التعاون مع المنظمات الدولية التي لها دور في عمليات الترويج، مثل الوكالة الدولية لضمان الاستثمار التابعة للبنك الدولي، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار، وكذلك جهاز الخدمات الاستشارية للاستثمار الأجنبي المباشر التابع لمؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي. ومن المفيد أيضاً التعاون مع وكالات ترويج الاستثمار العالمية ( WAIPA ) التي تستهدفتشجيع التعاون بين الجهات المعنيّة بالاستثمار في العالم لتطوير أنظمة تبادل المعلومات والبيانات بين الوكالات، وتبادل الخبرات حول تجارب الدول لجذب الاستثمارات، والمساعدة باقتراح سياسات تشجيع الاستثمار المناسبة على الأعضاء لطرحها على صانعي السياسات في هذه الدول، والمساعدة في التدريب، ورفع قدرات الوكالات التي تتمتّع بعضويّتها.
            8. العمل علي إصلاح النظام الضريبي في مصر، حيث أنّه بالرغّم من أنّ الإعفاءات الضريبية تُخفّض من عبء السعر الفعال للضريبة، إلا أنّها لا توفّر لمصر موقعاً تنافسياً في جذب الاستثمارات مقارنة بدول أخري، كما أنها لا تساعد علي جذب مشروعات جديدة. وبالتالي، فإنّه من الضروري ترشيد استخدام الإعفاءات الضريبية وربطها بالأولويّات الاقتصادية، مع التركيز علي الصناعة باعتبارها نشاطاً ديناميكياً هاماً لتطوير القطاعات الأخرى.
              ويُقترح في هذا الإطار ما يلى:
            • دراسة ترشيد الحوافز الضريبية الاستثمارية المقامة في المدن الصناعية الجديدة (السادات، العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر)، والاحتفاظ بالحوافز الضريبية في المناطق المحرومة والنائية مثل (سيناء، الصعيد، البحر الأحمر)، مع مراجعة قائمة المناطق المستفيدة من الإعفاءات كل ثلاث سنوات.
            • دراسة استعادة الإعفاء الضريبي علي إعادة استثمار فوائض وأرباح الشركات العاملة في السوق.
            • تقديم حوافز مالية غير ضريبية والتي قد يكون لها فاعلية أكبر في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والمتمثّلة في :
            • منح علاوات للاستثمار تمثّل نسبة من نفقات المشروع شاملة رأس المال العامل. ويمكن تقديمها في شكل منح نقدية تبدأ من 5% من رأس المال المستثمر وبشرط ألا يقل إجمالي الاستثمارات الثابتة عن 50 مليون جنيه  وبشرط ألا يقل الحد الأدني من الصادرات عن 50% من الإنتاج.
            • توفير قروض ميسّرة من 30% حتى 50% من إجمالي الاستثمارات المخصّصة للبحث والتطوير. 
            • تقديم مساعدات مالية مباشرة للشركات التي تهدف إلي توليد عددٍ من الوظائف المتفق عليها خلال السنوات الثلاث الأولي من التشغيل.
            • مراعاة تيسير الإجراءات الإدارية وتحسين نظم الاتصال، فوجود بيئة إدارية غير متطورة لإنشاء الاستثمار يعني طول الفترة الزمنية اللازمة لتأسيس المشروعات بسبب تخلف الجهاز الإداري. 
            1. عقد برامج تدريبية للعمالة وذلك بهدف الارتقاء بمستوي كفاءة العمالة، خاصة في المجالات التي تشهد تطوراً تكنولوجياً سريعاً، الأمر الذي يساهم في تشجيع المستثمرين الأجانب علي زيادة الاستثمارات، وبخاصة إذا تزامن ارتفاع مهارات العمالة وانخفاض تكلفة التشغيل.
            1. إنشاء وتعزيز مناطق التصنيع للتصدير أو ما تعرف بالمناطق الحرة، والتي تتسم بمزيدٍ من المزايا الجمركية والضريبية لتشجيع الاستثمارات، وكذلك التوسّع في إنشاء مناطق صناعية تمثل نقطة الالتقاء فيما بين الاستثمارات.
            2. تطوير البنية الأساسية وإنشاء شبكة متطوّرة من السكك الحديدية والطرق البريّة، ولا تقتصر إدارة وتطوير هذه الشبكة علي الحكومة أو القطاع العام فقط ، بل تمتد إلي القطاع الخاص.
            وفى النهاية، فإنه لتعظيم الاستفادة من الاستثمار الأجنبى المباشر، سيكون من المفيد أن تضع الدولة بعض الضوابط، مثل اشتراط أن يكون الاستثمار فى شكل مشروعات مشتركة مع مستثمر محلى لضمان انتقال التكنولوجيا، وأن يكون هناك حداً أدنى للمكوّن المحلى لضمان تحقيق قدرٍ من الترابط والتشابك يدفع بالانتاج فى المشروعات المحلية التى تنتج مكوّنات لازمة لهذه المشروعات. وفى نفس الوقت، وضع شروط وضوابط لهذه المشروعات المحلية فيما يتعلّق بالالتزام بالوقت والمواصفات المطلوبة والجودة. ويمكن أيضاً وضع بعض الشروط لضمان إعادة استثمار جزءٍ من الفائض داخل الاقتصاد. هذه الشروط قد يعتبرها البعض قيوداً تؤدى إلى عزوف الاسثمار الأجنبى، لكن فى واقع الأمر أن هناك دولاً آسيوية طبّقت هذه الشروط فى التسعينيات من القرن الماضي ومع ذلك اجتذبت تدفقات كبيرة من الاستثمار الأجنبى المباشر، وذلك لأن السياسات الاقتصادية الأخرى خلقت بيئة جيّدة تسمح بتحقيق معدلات مقبولة للربح فى ظل الشروط الموضوعة.
            تعزيز فعالية التعاون الإنمائي الدولى
            إنّ تحقيق الأهداف الطموحة للخطّة يقتضى الاستفادة القصوى من كل مصادر التمويل الممكنة، المحلية منها والخارجية. ولعل من أهم المصادر الخارجية تلك التى يتيحها التعاون الدولى من منحٍ ومعونات وقروضٍ ميسّرة. وهذه المصادر يتعين إدارتها بشكل جيّد من أجل تنميتها واستخدامها بكفاءة فى المجالات المختلفة وفقاً لأولويات خطّة التنمية.


            الإطار5قفزة الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا
            نجحت تركيا في جذب استثمارات أجنبية مباشرة تقدّر بنحو 94 مليار دولار خلال 8 سنوات (2003-2010)، في حين أن ما حققته من استثمارات أجنبية مباشرة  خلال الثمانين عامًا السابقة لهذه الفترة لم يتجاوز 15 مليار دولار.

                     المصدر: UNCTAD and CBRT 
            • حوافز استثمارية جاذبة ودعم لأنشطة البحث والتطوير.
            • معاملة متكافئة يضمنها القانون  للمستثمرين المحليين والأجانب.
            • يحتاج المستثمر إلى 6 أيام فقط لإنشاء شركة جديدة في تركيا، بينما متوسط الوقت المستغرق لإنشاء شركة في الدول الأعضاء في منظمة (OECD) يبلغ نحو 14 يومًا.

الأشكال المتاحة للتعاون الإنمائي الدولى

ويأخذ التعاون الدولى أشكالاً مختلفة، منها التعاقدات التقليدية بين الحكومات، ومنها المعونات التى يتم إتاحتها من خلال المجتمع المدنى والقطاع الخاص والشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وكذلك التعاون غير الحكومى بين دول الجنوب – الجنوب وهو ما يعرف بتبادل الموارد والتكنولوجيا والمعلومات بين الدول النامية.
ويشير المفهوم الأوسع لتنمية التعاون أيضاً إلى تعزيز تماسك السياسات الدولية من أجل تحسين الوصول إلى الأسواق العالمية، وإزالة التمييز التجاري، وتيسير تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا لأغراض التنمية، وتعزيز التكامل الإقليمي ومواجهة تحديات الهجرة. فهذا الشكل من أشكال  التعاون الإنمائي يعمل على تكملة مصادر أخرى  خاصة بموارد الدولة الخارجية، كما هو مبين في ميزان مدفوعاتها، بما في ذلك القروض غير الميسرة، وعائدات التجارة،  وتحويلات العمال  والمغتربين.
ويؤكد هذا المخطط التمهيدي أهمية اتباع نهج استراتيجي أكثر تكاملاً في التعامل مع التعاون الإنمائي من حيث الأهداف والأولويات واستراتيجيات التنفيذ، كما يدعو إلى إجراء مشاورات أقوى وأكثر شمولية بين جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في تخطيط  وتنفيذ ورصد ومتابعة نتائج التعاون الإنمائي.
ولقد شاركت مصر فى عديدٍ من المؤتمرات والفعاليات، آخرها في بوسان عام (2011). وقد ناقشت هذه المنتديات سبل ووسائل تعزيز وتقوية فعاليات المعونات المقدّمة للدول الفقيرة. وبشكل عام، فقد خرجت هذه الاجتماعات بمجموعة من المبادئ  والشروط التي تهدف إلى تحسين فعاليات المعونات الدولية من خلال دعوة  كل من "البلدان الشريكة" و(البلدان النامية)، وكذلك "شركائهم من الدول الخارجية"، وذلك من أجل إتخاذ إجراءات محدّدة لتحقيق هذا الهدف.

متطلبات تعظيم كفاءة استخدام الموارد المالية التى يتيحها التعاون الإنمائى

خرجت فعاليات مؤتمر "بوسان" بعددٍ من التوصيّات حول متطلبات تعظيم كفاءة استخدام الموارد المالية التى يمكن أن يتيحها التعاون الإنمائى بأشكاله المختلفة. وهذه المتطلبات يتعيّن على مصر تفعيلها، ومنها ما يلى:
  • تحديد أهداف طموحة وواقعية للتنمية الشاملة، وذلك بشكل واضح لكلٍ من الأجل القصير والأجل الطويل، وأيضاً توضيح الالتزام السياسى للحكومة بتحقيق هذه الأهداف.
  • الإعلان بوضوح عن خطة تعاون إنمائي شاملة تتفق مع خطة وأولويات التنمية، وتحديد الاستراتيجيات اللازمة للحصول على أكبر قدر من المساهمات من مختلف أشكال التعاون، وذلك لدعم أهداف التنمية المستدامة.
  • استكمال الجهود الحالية فى وزارة التعاون الدولى لإعداد استراتيجيات محدّدة وموجّهة بالنتائج، مع إتاحتها للرأى العام لضمان مشاركة كل مجموعات المصالح.
  • تقوية دور وزارة التعاون الدولى فى التنسيق والمتابعة، وذلك باعتبار الوزارة هى مركز التنسيق الرئيسى لمراجعة طلبات الوزارات والجهات للحصول على معونات تنموية، واتخاذ القرار بشأن تخصيص هذه المعونات وشروط الحصول عليها. ويتطلب ذلك تقوية وحدات التعاون الدولى فى الوزارات المختلفة.
  • تقوية آليات المساءلة المتبادلة بين كلٍ من الأطراف المحلية وشركائهم الخارجيين، ومناقشة كافة المشكلات التى تواجه تنفيذ المشروعات التى يتم تمويلها بالمعونات الخارجية وكيفية حل هذه المشكلات.
  • تقوية دور مصر الريادى فى التنسيق بين المساهمات المختلفة للشركاء الخارجيين مقدّمي التعاون الإنمائي الثنائي، وكذلك مؤسسات التنمية متعدّدة الأطراف والصناديق العالمية... إلخ، وذلك لتجنّب الازدواجية والانقسام، وأيضا لتقليل ما يعرف بـ "تكاليف المعاملات". ويتطلب ذلك تطوير نهج أكثر تكاملاً في التعاون مع شركائنا في الخارج لاستكمال المفاوضات الثنائية ولتعزيز الجهود الجماعية.
  • تطوير نظام قوى للتقييم والمتابعة فى الوزارات المحورية، وذلك باستخدام منهج للإدارة بالنتائج يركز على "النتائج/العائد/الأثر" أكثر من مجرد تسجيل المُدخلات والمُخرجات (مثل المساهمات النقدية، عدد المدارس والعيادات المبنيّة الخ..).
  • إنشاء نظام أكثر كفاءة لإدارة المعلومات الخاصة بالمعونات، بحيث يكون متاحاً بشكل ميسّر لكل الأطراف، مع وجود تسهيلات تفاعلية لتشجيع عملية تحديث البيانات بشكل مستمر، وتسهيل عملية تبادل المعلومات.
  • تفعيل المساءلة على الصعيد المحلى عن طريق تدعيم الدور الرقابى للبرلمان وقدراته فيما يتعلق بمناقشة خطط التعاون الدولى ومتابعة التقدم فى التنفيذ.
  • تقوية القدرات البشرية والمؤسسية لوزارة التعاون الدولى لتمكين العاملين فيها من تحسين قدراتهم على التفاوض والتعامل مع المشكلات التى تظهر أثناء التعامل.
  • صياغة استراتيجية قومية للتخارج من المعونات فى خلال مدى زمنى معقول وبعد التشاور مع الشركاء الخارجيين، ذلك أنه مع تحوّل المجتمع الدولى إلى تخفيض المعونات، ومن ثم توجيهها إلى الدول الأكثر فقراً على حساب الدول متوسطة الدخل، فإنه يتعيّن على هذه الأخيرة أن تُعد نفسها للاستغناء عن المعونات أو التحوّل إلى مساعدة تنموية لمشروعات محدّدة وبدون شروط سياسية.
  • تقوية التعاون فى إطار الجنوب – جنوب، خاصة مع بعض دول أمريكا اللاتينية والدول الآسيوية، حيث أن التعاون مع هذه الدول يُعد أقل شروطاً وأكثر كفاءة من التعاون التقليدى بين الشمال والجنوب.
  • تقوية دور المجتمع المدنى كشريك فى التنمية وليس كمنافس للحكومة، وهناك مجالات كثيرة لتفعيل مساهمات المنظمات غير الحكومية، مع تأكيد ضرورة مراجعة التشريعات الخاصة بهذه المنظمات ومعايير العمل بشفافية مع المساءلة الكاملة.
  • تفعيل آليات الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص باعتبارها منهجاً فعالاً لتصميم وتنفيذ المشروعات التنموية الضخمة، خاصة التى تحتاج إلى تمويل كبير ومهارات إدارية متخصّصة.
  • تدعيم بناء القدرات على كافّة مستويات الدولة باعتباره من أهم المجالات التى يمكن أن يساهم فيها التعاون الدولى وله آثار إيجابية واضحة فى تحقيق التنمية المستدامة.
  • تقوية نظم الدولة فى مجالات الإدارة المالية والتوريد والمجالات الأخرى المرتبطة بالتعاون الدولى، ذلك أن عزوف الشركاء الخارجيين عن استخدام النظم المصرية لعدم كفاءتها يضطر مصر إلى استخدام نظم أجنبية مما يرفع تكلفة هذه المعاملات.
  • إيلاء أولوية متقدّمة لاحترام حقوق الإنسان، حيث أصبح ذلك عنصراً هاماً بعد الثورة، وأيضاً مطلباً لمعظم الشركاء الخارجيين عند اتخاذ القرار بتقديم المعونة.
  • استخدام المعونات أساساً كعامل محفّز، وبذل قدر أكبر من الجهد لتعبئة الموارد المحليّة للتمويل من خلال مراجعة قوانين الضرائب وكفاءة تخصيص الموارد المالية ومكافحة الفساد.
  • الإعلان بوضوح تام عما تم التوصّل إليه وترجمته إلى خطط عمل لسياسات متماسكة للتعامل مع التلوّث ومع جميع الآثار السلبيّة الناتجة عن تغيّر المناخ، والتي تهدّد استدامة نتائج التنمية. وقد أشار مؤتمر "بوسان" بجديّة إلى ضرورة تفعيل هذه التحديّات التي تتّطلب اتخاذ إجراءاتٍ وطنية تدعمها تدابير وإجراءات التعاون الدولي. وفي هذا الصدد، فإنه على الشركاء من الدول الخارجية أن يركّزوا على المساعدات التي يقدّمونها لمناصرة الفقراء، وعلى الأراضي وإدارة الموارد، و إدارة المياه، و غيرها.
خاتمة

وبعد،
فقد كان هذا جهداً جاداً ومخلصاً لبعث الأمل فى تنمية شاملة حقيقية ذات أهدافٍ محدّدة تلمس الوسائل الكفيلة بالتحرك نحو تحقيق هذه الأهداف ومتابعتها وتقييمها تباعاً، وهى جميعها ممكنة التحقيق شرط توفّر الإرادة السياسية والتفاف المجتمع المصرى حولها.
لقد حاولت وزارة التخطيط بإعداد هذا الإطار الاستراتيجى أن تبعث برسالة مُحتواها أن التخطيط بصورته التأشيرية المجتمعية والواضحة الأهداف، هو الآلية المناسبة التى يجب أن تضطّلع بها الدولة ممثّلة فى الحكومة والأجهزة التنفيذية المختلفة من أجل تحقيق التنمية وتوجيهها فى الاتجاه الصحيح الذى يحقق مصلحة المواطن المصرى ويرتفع بمستوى معيشته.
ولابد أيضاً فى الختام إبراز ما تلاحظ أثناء إعداد هذا الإطار الاستراتيجى لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من الحاجة إلى تقوية القنوات التى تصل بين أجهزة التخطيط والقطاع الخاص، ومن هنا تجئ أهمية المقترح الخاص بإنشاءمجلس للتخطيط على النحو المقترح يتكون من المفكرين والخبراء وممثلى الوزارات والهيئات وقيادات القطاع الخاص ومجتمع الأعمال، ليكون مجلساً دائماً لقيادة عملية التخطيط للتنمية على أن تتولّى الأجهزة التنفيذية فى وزارة التخطيط والوزارات الأخرى المعنيّة تقديم الدعم للمجلس والاضطلاع بالمهام الفنيّة الكفيلة بخروج خطّة التنمية معبّرة عن طموح الدولة نحو الرقى والتقدّم.
والله من وراء القصد شهيد .. 
قائمة المراجع
1. من أوراق مؤتمر إصلاح التخطيط فى مصر-معهد التخطيط القومى27-28 مارس2012.
  • ابراهيم العيسوي، التخطيط ودور الدولة من منظور التنمية الشاملة.
  • ابو زيد راجح، نحو سياسة جديدة لإدارة الأراضى فى مصر.
  • ابو زيد راجح، تقسيم مصر إلى أقاليم تنموية.
  • ابو زيد راجح، حل مشكلة الإسكان.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء،ورقة بحثية حول دور ومهام الجهاز المركوى للتعبئة العامة والإحصاء.
  • احمد حلمى، يحيى احمد، نحو تعزيز نظام المتابعة والتقييم لخطط التنمية فى مصر.
  • إصلاح منظومة التعليم.
  • أهداف الخطة و إطارها التنظيمي.
  • الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، أهمية التخطيط الإقليمي والأقاليم التخطيطية والتحديات التي تواجهها من الناحية العمرانية.
  • خضر عبد العظيم أبو قوره، البنية المجتمعية وخطط التنمية فى عالم متغيّر.
  • زينات طباله، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء و العملية التخطيطية.
  • سعد حافظ ، رؤية لتطوير التخطيط القومى الشامل فى مصر بعد ثورة 25 يناير.
  • سيد عبد المقصود وعلا الحكيم، تقسيم مصر إلى أقاليم للتنمية فى إطار تضمين التخطيط الاقليمي منظومة التخطيط القومى الشامل.
  • شنجى نارو، اقتراب جديد للتخطيط فى مصر (باللغة الانجليزية).
  • شنجى نارو، اقتراب متكامل للتخطيط لخطة اجتماعية اقتصادية فى مصر (باللغة الانجليزية).
  • على نصار، هبه صالح، محمد فتحى، التخطيط الوطنى فى مطلع القرن الحادى والعشرين.
  • فريد عبدالعال، دور هيئات التخطيط الإقليمي فى إصلاح منظومة التخطيط.
  • فريد عبدالعال، تطوّر منهجية تخصيص استثمارات التنمية الاقليمية (قطاع التنمية المحلية): كمدخل لإصلاح منظومة تخصيص الاستثمارات.
  • محرم الحداد، أحمد سليمان، أسماء مليجي، نحو رسم خريطة العلاقات التشابكية بين مختلف المؤسسات في السياق التخطيطي لتنمية دولة مصر.
  • محسن توفيق، التخطيط التأشيرى: دروس مستفادة من تجارب الآخرين.
  • محسن توفيق، لماذا تفشل السياسات القطاعيه فى مصر, نموذج سياسات التعليم.
  • محسن توفيق، التقييم البيئى الإستراتيجى للخطط والبرامج التنموية – إلزام مفتقد.
  • محمد عبد الشفيع, بعض الأبعاد المؤسسية والتظيمية لعملية التخطيط فى مصر.
2. مركز المعلومات و دعم اتخاذ القرار
  • نسرين اللحام، نحو خلق مناطق تميّز ومدن جديده مستدامة بمصر- رؤية نقدية لتخطيط المدن الجديدة، 2011.
  • محسن توفيق وآخرون، البحث العلمى فى مصر، هل يكفل التقدّم المنشود 2012.
3. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
  • تقارير التنمية البشرية للسنوات من 2005 إلى 2010.
  • تقارير التنمية البشرية لمصر للسنوات 2004 ، 2005 ، 2008 ، 2010.
  • هبه حندوسة، الحوار الوطنى 2011.
  • المنتدى الدولى حول مسارات التحوّل الديمقراطى، يونيو 2011.
  • تحليل الموقف، التحديات التنموية الرئيسية التى تواجه مصر 2010.
  • تحديات التنمية العربية (بالإنجليزية) 2011.
  • تقرير المعرفة العربي 2009 بالمشاركة مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم.
4. المنتدى الاقتصادى العالمى
  • تقرير التنافسية للعالم العربى (بالإنجليزية) 2011 – 2012.
5 – المجالس القومية المتخصّصة
  • المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا.
  • تقرير المجلس عن "البحث العلمى وربطه بمواقع الإنتاج" 2010.
  • محسن توفيق، نحو استراتيجية واقعية للتعليم الفنى فى مصر، ورقة مقدّمة لشعبة التعليم الفنى والتدريب 2010.
  • محسن توفيق، منظومة التعليم العالى فى مصر بين تراكمات الماضى وتحديّات المستقبل، ورقة مقدّمة لشعبة التعليم الجامعى والعالى 2012.
6 – وزارة التربية والتعليم
  • الخطة الاستراتيجية القومية لإصلاح التعليم قبل الجامعى فى مصر07/2008 – 11/2012.
  • استراتيجية التعليم الفنى 11 / 2012 – 16/2017
7. المجلس الوطنى المصرى للتنافسية
  • التقرير السادس 2009.
  • التقرير السابع 2010.
8. معهد التخطيط القومى
  • إسقاطات السكان المستقبلية لإجمالى الجمهورية، ديسمبر 2009.
9 . الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد
  • نحو صياغة جديدة لسياسة التعليم قبل الجامعى فى مصر – دراسة مرجعية – الباب السادس.
    حسين بشير، محسن توفيق، مصطفى عبد القادر، نادية يوسف، محمد عبد اللطيف 2011.
  • وثيقة المستويات المعيارية لسياسة التعليم قبل الجامعى 2011.
10. جامعة عين شمس – معهد الدراسات والبحوث البيئية
  • محسن توفيق، أساليب جديدة للحياة من أجل نوعية أفضل لحياة البشر في مصر، 2012
  • محب الرافعى، نحو استراتيجية لمحو الأمية وتعليم الكبار، المؤتمر السنوى لمركز تعليم الكبار، 2012
  1. أحمد درويش ، دور الدولة فى الخطة العشرية.
  1. الاستراتيجية القومية للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية فى مستهل القرن الحادى والعشرين (97/1998 – 16/2017).
  2. أحمد فرحات، دراسة النقل القومى لمصر – المخطط الرئيسى.
  3. أمل زكريا، استراتيجية التنمية الصناعية فى مصر
  4. أنهار حجازى ، الطاقة فى مصر.
  5. أنهار حجازي، تحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.
  6. خالد أبو اسماعيل، محمد محى الدين، نحو عقد اجتماعى جديد فى مصر (باللغة الانجليزية)
  7. سهير أبو العينين ، قطب سالم، المؤشرات الاقتصادية الكلية المتوقعة فى السنة الأخيرة (2021 – 2022) من الخطة العشرية.
  8. شريف أحمد شريف، دور القطاع الخاص المصرى فى الخطة العشرية (بالأنجليزية) 2012
  9. طلعت عبد الملك، تعزيز فعالية التعاون الإنمائي.
  10. محمد محى الدين ، أسماء عبد النبى ، الاستثمار للحد من الفقر والبطالة فى مصر.
  11. هبة الباز، الإتجاهات الأساسية للسياسة المالية والنقدية المقترحة للخطة العشرية




(*) هبة حندوسه، الحوار الوطني - برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، 2011.
(*) محب الرافعي، دور تعليم الكبار في تحقيق التنمية المستدامة، المؤتمر السنوي لمركز تعليم الكبار بجامعة عين شمس، أبريل 2012.
(*) حسين بشير, محسن توفيق, مصطفي عبد القادر زيادة ,نادية يوسف كمال,محمد عبد اللطيف. نحو صياغة جديدة لسياسة التعليم  قبل الجامعي في مصر "دراسة مرجعية، الباب السادس ", لجنة وضع معايير السياسة التعليمية ,الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد ,25  يناير 2011.
(*) محسن توفيق، نحو استراتيجية واقعية للتعليم الفني في مصر، ورقة مقدمة لشعبة التعليم الفني والتدريب – المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، 2010.
(*) محسن توفيق , منظومة التعليم العالي في مصر بين تراكمات الماضي وتحديات المستقبل، ورقة مقدّمة لشعبة التعليم الجامعي والعالي – المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، 2012.
(*) البحث العلمي وربطه بمواقع الإنتاج – تقرير المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، 2010.
(1) وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، مركز تحديث الصناعة، الورقة الخضراء للسياسة الصناعية فى مصر، 2003، ص 8
2 Toru Homma, Industrial PolicyWorkshop for Public Policy and Planning, Ministry of Planning, Egypt, 17 Oct. 2011.
3 الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، مسح العمالة بالعينة، مارس 2012
4 وبالفعل، فقد شهدت هذه الصناعات دفعة قوية فى السنوات الماضية اعتماداًً على وفرة المواد الخام الطبيعية.

5 معهد التخطيط القومى. "مقتضيات تطوير استراتيجية التنمية فى مصر فى أعقاب الأزمة العالمية وفى ضوء مراجعات فكر التنمية". قضايا التخطيط والتنمية، تحت الطبع.
6 خط السكك الحديدية فائق السرعة (القاهرة / أسوان) بتكلفة 139.5 مليار جنيه، (90% قطاع خاص، 10% مساهمة قطاع الأعمال العام).
7 د. أحمد درويش، أ. أمانى محمد، أ. سلمى بهاء الدين، د. سهير أبو العينين، أ. شريف أحمد، د. شينجي نارو، د. طلعت عبد الملك، د.هبة الباز.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا