تدبير مياه السقي بسهل سوس الأعلى
الحالة، حصيلة التدخل، الرهانات
جريدة سوس 24 الإلكترونية - الأربعاء 7 مايو 2014 - من إنجاز: د. محمد الجغاوي - طالب باحث بسلك الدكتوراه وحدة التكوين و البحث :”الموارد و التهيئة المجالية و التنمية المحلية”، كلية الآداب سايس فاس :
المحتوى:
- تقديم
- الإطار الطبيعي والبشري لسهل سوس
- الموارد المائية بحوض سوس
- تطور الإعداد الهيدروفلاحي بسهل سوس
- سياسة الدولة لتدبير الموارد المائية
- حصيلة تنمية الموارد المائية
- خاتمة
ملخص:
يعالج هذا المقال إشكالية تدبير مياه السقي الذي عرفته القطاعات المسقية بسهل سوس الأعلى، باعتباره أهم أشكال الإعداد الهيدروفلاحي بالمنطقة. وسيتم التركيز فيه على خصوصيات الموارد المائية بحوض سوس وكذا حصيلة مختلف التدخلات التي هدفت إلى ترشيد إستغلال هذه الموارد المائية لاسيما في ظل توسع المجال الزراعي المسقي والإستنزاف الخطير الذي باتت تعاني منه باعتباره أهم إكراه يحول دون تحقيق تنمية مستديمة بهذا السهل الهش.
الكلمات المحورية:
حوض سوس، الإعداد الهيدروفلاحي، سهل سوس الأعلى، السقي، الاستنزاف، الموارد المائية،
- تقديم
بالرغم من وجود منطقة سوس داخل النطاقات شبه الجافة، إلا أنها تتميز بعدة خصائص طبيعية تجعل منها وسطا ينفرد بمؤهلات فلاحية قل نظيرها بالأوساط الواقعة في نفس خطوط العرض. وما يميز هذه المنطقة كذلك هو ارتباطها الكبير بالخارج مما جعل جل مكونات اقتصادها منفتحة على الأسواق الخارجية (فلاحة تصديرية) هذا الانفتاح جعلها في تبعية دائمة لتقلبات العالم الخارجي، بحيث أن ارتفاع الطلب على المنتوجات الفلاحية في الأسواق جعلها تحاول تزويد هذه الأسواق بأكبر حجم من الإنتاج الفلاحي حتى ولو كان ذلك على حساب اختلال التوازن البيئي المحلي. ولعل تكثيف الممارسة الفلاحية بسوس لدليل على هذه العلاقة القائمة بين المجال والمحيط الخارجي.
إن التكثيف الفلاحي سيكون له انعكاس كبير على المؤهلات الفلاحية المتوفرة، ونقصد بالأساس الموارد المائية التي ظلت المحرك الأساس للاقتصاد الفلاحي السوسي كما شكل الماء الفلاحي بحوض سوس أول عنصر متأثر بالاستغلال الفلاحي المكثف. ولما كان الماء محور هيكلة المجال وتحديد الخصائص المجالية لأي مجتمع ( الهجرة أو الاستقرار) فقد شكل عنصرا هاما للدراسة والتحليل الجغرافيين خاصة إن تعلق الأمر بمجال هش كسهل سوس، حيث تغلب على موارده المائية الخصائص التالية:
- واردات مطرية ضعيفة و متذبذبة، تتميز بالتباين المجالي والزمني.
- موارد مائية سطحية ضعيفة وموسمية تتركز بالمجال الجبلي من حوض سوس.
- خزان مائي جوفي مهم ( يقدر بحوالي 8 مليار متر مكعب قابلة للاستغلال الاقتصادي من أصل 40 مليار متر مكعب)، متعرض باستمرار لتدهور كبير نتيجة الضغط والاستغلال المفرط الممارس عليه من جهة، ولضعف تجدد موارده المائية نظرا لقلة الأمطار من جهة أخرى.
بينما اتسمت الممارسات الفلاحية بمنطقة سوس بتوسع مستمر للمساحات الزراعية المسقية، التي صاحبها تزايد الحاجيات المائية الفلاحية وارتفاع حجم الماء الفلاحي المستهلك سنويا، مما أدى الى ملاحقة الماء الفلاحي عن طريق توسيع عملية الضخ وتكثيفها في كل أجزاء السهل نظرا لممارسة زراعات عصرية. وأمام هذه الوضعية غير المتوازنة بين تزايد المساحات الزراعية ومحدودية الموارد المائية، شكل الماء موضوع بحت واهتمام بحوض سوس، لكونه يحدد أفق النشاط الفلاحي بالمنطقة. ومن هنا فإننا نحاول في هذا البحث الوقوف على خصائص الموارد المائية بسهل سوس وعلاقة هذه الموارد بالتوسع الفلاحي بالمنطقة أو بالأحرى بعملية السقي باعتباره أساس النشاط الفلاحي
- الإطار الطبيعي والبشري لسهل سوس :
ليس الغرض هنا جرد كل الخصائص الطبيعية والبشرية التي يمتاز بها سهل سوس ووصفها، وإنما غرضنا هو تشخيص وتقييم بعض المعطيات الطبيعية والبشرية المرتبطة بهيكلة وتحديد نوع الممارسات الفلاحية بالمنطقة والتي تتحكم فيها مثل المعطيات المناخية والتضاريسية، الكثافة السكانية ونوع التوزيع الجغرافي للساكنة فوق المجال السوسي:
1.2_ الموقع والتضاريس:
يقع حوض سوس بين خطي عرض 30 و 31 درجة شمالا وخطي طول 7.5 و 10 درجة غربا، تشرف عليه جبال الأطلس الكبير الغربي من الشمال وجبال الأطلس الصغير من الجنوب. وبين هاتين السلسلتين الجبليتين يقع مجال سهلي منفتح بشكل متسع على المحيط الأطلنتي يسمى بسهل سوس، وهو آخر السهول الأطلنتية المغربية جنوبا. وفي هذا السياق يمكن التمييز داخل سهل سوس بين الوحدات التالية:
- سهل سوس الأعلى: ويمتد من خانق أولوز شرقا إلى تارودانت غربا، ويشكل مجالا ضيقا بحيث لا يتجاوز عرضه عند اكلي بضعة كيلومترات قبل أن يتسع تدريجيا في اتجاه الشرق، في حين يزداد اتساعا في اتجاه الغرب عند اتصاله بسهل سوس الأوسط. ولعل أهم ما يميز هذا الجزء من سهل سوس هو وجود مخاريط انصباب كبيرة تدفع بمجرى واد سوس في اتجاه الجنوب إلى أن يكاد يلامس قدم جبال الأطلس الصغير لولا انحصاره عند التلال المذكورة.
- سهل سوس الأوسط: يمتد غرب مدينة تارودانت شرقا إلى واد ايسن غربا، و يعرف هذا الجزء من السهل توسعا واضحا نتيجة تراجع سفوح الأطلس الكبير شمالا وحافة الأطلس الصغير في الجنوب، ويجري واد سوس هنا بين مخروطين كبيرين ناتجين أساسا عن وجود أودية ايسن وأصادص.
- سهل سوس الأسفل: يمتد من غرب أولاد تايمة إلى مصب واد سوس بالمحيط الأطلنتي، وفي هذا الجزء الغربي يتخذ السهل شكل مثلث تمثل قاعدته خط طول أمسكرود (بالأطلس الكبير الغربي)- امي مقورن (بالأطلس الصغير) وقمته مصب واد سوس. ويتعرض هذا الجزء أكثر من سابقيه لضغط بشري متزايد واستغلال زراعي كبير ناتج عن الكثافة السكانية وانفجار الظاهرة الحضرية (الشكل التالي).
الشكل 1:توطين المنطقة
وبفعل تدهور الفرشة المائية وتراجع منسوبها في سهل سوس الأوسط نتيجة الإستغلال الفلاحي العصري والمكثف، بل واستنزافها نهائيا في بعض المناطق (قطاع الكردان) فقد ظهرة هجرة فلاحية كبيرة من هذه الأوساط نحو سهل سوس الأعلى باعتباره جزء لم يتعرض للإستنزاف بعد وهنا ستظهر ممارسات زراعية أخرى أكثر تحديثا واستعمالا للماء (الحوامض، البطيخ الأحمر، الموز، البقليات)، لذلك اتخذنا سهل سوس الأعلى نموذجا للدراسة باعتباره الجزء الذي لازالت فرشته المائية تجود على النشاط الفلاحي (نسبيا).
2.2_ المناخ:
إن موقع سوس يجعله منطقة انتقالية بين الشمال الرطب نسبيا (حوالي 600 ملم في السنة) والجنوب الجاف الذي تقل فيه التساقطات المطرية عن 100 ملم سنويا. وهذه الوضعية تجعل سهل سوس ذو مناخ شبه جاف ( 170 – 250 ملم سنويا) إلا أن هذا الوضع تستثنى منه بعض الجهات داخل الحوض خاصة المجالات الموجودة عند قدم الأطلس الكبير الغربي حيث ترتفع التساقطات إلى أن تصل أحيانا 600 ملم سنويا كما تقل درجات الحرارة بهذه المناطق، وهو ما يساعد على قيام نشاط فلاحي والتخطيط لإعدادات هيدروفلاحية بالمنطقة.
- ضعف التساقطات وعدم انتظامها:
بالإضافة إلى قلة التساقطات المطرية فإنها تتميز بسوء انتظامها على المستوى السنوي والبيسنوي، إذ يصل معدل التساقطات بالسهل عموما ما يقارب 200 ملم/السنة. وهي بالطبع كمية هزيلة مقارنة مع الحاجيات الكبيرة للنباتات والمزروعات من الماء ناهيك عن الماء الشروب الذي تزايد طلبه بفعل تنامي المدن وتزايدها،. ويلاحظ أن التساقطات تقل كلما اتجهنا شرقا وسط السهل، فإذا كانت سافلة السهل تحظى برطوبة أكبر وتستقبل أمطارا أهم (ما بين 240 إلى 300 ملم ) فان هذه الكمية تقل عند محطة تارودانت حيث لم تتعدى في الفترة ما بين 1990 و 2000 حوالي 210 ملم/ السنة. إلا أن حجم التساقطات يرتفع في عالية السهل إذ سجل بمحطة أولوز في الفترة ما بين 1990 و 2000 ما يناهز345 ملم/ السنة، لكونها منطقة جبلية مرتفعة، ولعل ما يزيد الأمور صعوبة بالنسبة للحياة الريفية هو عدم انتظام هذه التساقطات. وقد ارتفعت هذه الكمية حاليا الى 370 ملم/سنويا.
كمية التساقطات المطرية بالأحواض الصغيرة التابعة لحوض سوس2010.
الحوض | المتوسط السنوي للتساقطات المطرية ب: ملم |
سوس | 280 |
ماسة | 265 |
تمراغت | 390 |
تامري | 370 |
المصدر: وكالة الحوض المائي ل س م د/أكادير 2010
الشكل 2: التساقطات المطرية بسهل سوس خلال سنتي 2008 و2009
المصدر: وكالة الحوض المائي ل س م د/أكادير 2010.
إن هذه الخاصيات المناخية التي تتميز بضعف التساقطات وعدم انتظامها وتوالي سنوات الجفاف يجعل الضغط يتضاعف على الموارد المائية الجوفية ويعمق حالة عدم التوازن بين الحاجيات والموارد. كما يؤثر هذا الشح المطر على الحالة الهيدرولوجية للسدود باعتبارها المغذي الأول للقطاعات المسقية العصرية والتقليدية سواء بشكل مباشر عن طريق السقي بمياهها، أو بشكل غير مباشر بتغذية الفرشة المائية الباطنية لسهل سوس.فنظام الجريان المائي يتأثر هو الأخر بشكل مباشر بنظام الواردات المائية مما ينعكس سلبا على حجم الحقينة المائية للسدود.
- متوسط الحرارة بسهل سوس:
مصدر المعطيات: و.ح.م.س.م.د/أكادير .
” ان هذه الحرارة القصوى بسهل سوس لا تؤثر بنفس الاهمية على المنتوجات الفلاحية، فارتفاع الحرارة خلال الأسابيع الأخيرة من شهري غشت وشتنبر تساعدان على نضج مبكر للحوامض، وبفضل هذه الحرارة ستصبح سوس مجالا متميزا بانتاج أنواع كثيرة من الحوامض ذات الجودة العالية بالمغرب، والتي أصبحت أصبحت تصدر نحو الاسواق الدولية، وهذا ما يفسر اقبال منتجي سوس بشكل خاص على ممارسة هذا النوع من المغروسات” (رومان عبد اللطيف.1995).
3.2_ تزايد سكاني مهم وتوافد بشري كبير ساعدا على قيام نشاط زراعي:
إن ما ميز العنصر البشري في عالية سوس عن غيرها من المجالات الفلاحية الزيادة الهائلة في عدد سكانها خاصة بعد انطلاقة مشروع الإصلاح الزراعي الذي تم خلق بموجبه دوائر مسقية عصرية تابعة للدولة. ومقارنة بمجالات الحوامض (جماعات الكفيفات، أولاد تايمة، الكردان، الخنافيف والكدية) التي كانت تتراوح نسبة النمو السكاني بها ما بين 2% و3 % ما بين 1994 و2004 عرف النمو السكاني بالأراضي المحتضنة لمشروع عالية سهل سوس معدلات عالية وصلت إلى 3.5% فعلى سبيل المثال جماعة سيدي دحمان التي كانت معظم دواويرها تابعة لجماعة افريجة خلال إحصاء 1982، أصبحت حاليا من بين الجماعات الأكثر كثافة وتزايدا للساكنة بعالية سهل سوس لكونها تحتضن أربع تعاونيات للإصلاح الزراعي. إن الزيادة السكانية الهائلة التي عرفتها أرياف عالية سهل سوس لا ترجع الى الزيادة الطبيعية فقط وإنما كذلك إلى ظاهرة التوافد التي تعرفها هذه الأرياف. وهكذا فإن 40% من تلك الزيادة السكانية التي سجلت بين 1971 و 1982 (أي فترة انطلاق مشروع عالية سهل سوس) بالجزء الغربي والجنوبي لسهل سوس كانت بفعل التوافد وحده ( فضل الله الجامعي، 1990).
- موارد مائية محدودة بحوض سوس:
إذا علمنا أن سهل سوس يتواجد في منطقة شبه جافة (منطقة انتقالية بين الشمال الرطب والجنوب الهش)، فإننا سنعي سبب محدودية موارده المائية. كما أن نوع الممارسات الزراعية السائدة بسوس هي نتاج لمدى الإستفادة من هذه الموارد المائية، إذ يمكن القول بأن توزيعها يتم بشكل “نخبوي” يكون المستفيد الكبير منه هو الملاك الكبير وذوو السلطة والنفوذ، وبالتالي فإن محدودية مياه السقي بسهل سوس ليس خاضعا للإكراه الطبيعي فقط بل يزيد من نذرته سوء الإسغلال والتوزيع، وهنا سنقف على تشخيص وضعية الموارد المائية بحوض سوس:
1.3 المياه السطحية وخصائصها:
يستقبل سهل سوس واردات مائية مهمة بفضل تضاريس الأطلس الكبير وبدرجة أقل من الأطلس الصغير، اذ تعمل هذه السلاسل الجبلية على تزويد المسيلات، ولو بصفة غير منتظمة (عدم انتطام سنوي وبيسنوي)
- حوض التصريف الرئيسي: واد سوس
يحتضن سهل سوس واد أساسي يعد المجرى المركزي للشبكة الهيدروغرافية بالمنطقة وهو واد سوس، ذو طول 130 كلم تقريبا، اذ يستقطب جل الأودية المنحدرة من الاطار الجبلي والهضبي المجاور. وعلى مدار السنة يتميز صبيب حوض سوس عند مختلف قطاعاته بتعارض صارخ بين مرحلة رطبة ذات صبيب مرتفع، تقابلها مرحلة جافة تجعل مجرى واد سوس يتوقف عن الجريان على امتداد مسافة طويلة. وتتوافق المرحلة الرطبة مع الفترة المطيرة داخل الحوض الممتدة بين شهري نونبر وأبريل، أي فترة تغطي نهاية فصل الخريف وكل الشتاء وبداية الربيع. خلال هذه الفترة يحقق صبيب واد سوس أعلى مستوياته، ويسجل ذروتين الأولى على مستوى شهر يناير، والثانية خلال شهر نونبر. أما المرحلة الجافة فانها تشكل نهاية وبداية الموسم الهيدرولوجي، وبذلك تمتد من شهر ماي الى شهر أكتوبر حيث تتوافق الفثرة الجافة مع غياب التساقطات المطرية.
- روافد الأطلس الكبير الغربي:
- توزيع صبيب روافد الأطلس الكبير
روافد من الأطلس الكبير | متوسط الصبيب ( م م 3/ السنة) |
واد ايسن | 80 |
واد الواعر | 20 |
واد النخيل | 10 |
واد ابني امحمد | 12 |
واد تالكجونت | 11.8 |
واد تاركة | 9.9 |
واد بوسريول | 4.2 |
واد لمداد | 20.3 |
واد واوكدي | 4.6 |
واد أكير | 2.7 |
واد ادوز | 3.5 |
واد المسكي | 5.4 |
المرجع: بوشلخة محمد،2007.
- روافد الأطلس الصغير:
توزيع صبيب روافد الأطلس الصغير
روافد الأطلس الصغير | متوسط الصبيب ب ( م.م 3/ السنة) |
واد اوركا | 18.4 |
واد أصادص | 6.4 |
واد أرغن | 7.1 |
واد تنكرفا | 2.4 |
واد تينوا | 2.7 |
واد تيوت | 1.2 |
واد بنهمو | 1.1 |
واد ماوت | 1 |
المرجع: بوشلخة محمد،2007.
نستنتج من خلال هذا العرض للشبكة المائية السطحية انها متباينة الأهمية: بين غزارة نسبية لصبيب الروافد المنحدرة من الأطلس الكبير الغربي وقلة صبيب الروافد الاتية من الأطلس الصغير، وهو ما سيجعل كل الإعدادات الهيدروفلاحية التي سيستقبلها سهل سوس تتركز في السفح الجنوبي للأطلس الكبير الغربي باعتباره الجزء ،الغني نوعا ما، داخل السهل بخصوص الموارد المائية.
- المياه الجوفية بسهل سوس:
تعتبر مياه الفرشات الباطنية الركيزة الأساسية للاقتصاد الفلاحي للمنطقة برمتها خاصة بالقطاعات العصرية، اذ تساهم الفرشات المائية لسوس ماسة بحوالي 85 % من مجموع المياه المستعملة فلاحيا (بوشلخة م.2007). وعلى المستوى الهيدروجيولوجي نميز بين وحدتين أساسيتين فرشة سهل اشتوكة- ماسة وفرشة سهل سوس.
فرشة سهل سوس والخصاص المتزايد:
” تشكل فرشة سوس المائية لسانا منحصرا بين الأطلسين الكبير والصغير، ويعرف سطحها انحدارا عاما من الشرق نحو الغرب بنسبة 0.4% مع تحولات في الاتجاه وتغيرات في أهمية الميل”( المحداد حسن، 2003).
ويبلغ مجموع احتياط هذه الفرشة الممتدة على مساحة 4150 كلم مربع حوالي 40 مليار متر مكعب، منها 8 مليار متر مكعب قابلة للاستغلال الاقتصادي. وتلعب هذه الفرشة دورا رياديا في التنمية الفلاحية والاجتماعية . لكن التكثيف الزراعي الذي دشنه الاستعمار والذي سيتطور مع فجر الاستقلال، سيضاعف الطلب على مياه فرشة مائية من الصعب تجدد مواردها. وبالتالي ستدخل هذه الأخيرة مرحلة تميزت بهبوط مستمر لمستواها المائي، اتخذ في بعض الأماكن أبعادا خطيرة، نظرا لكثرة الطلب على مياهها وخاصة بمجالات انتشار الحوامض كمنطقة “الكردان”، حيث سجلت مصالح مديرية هندسة المياه هبوطا لمستوى مياه الفرشة وصل الى 40- متر ما بين 1968 و1998، لكن الوضع تفاقم أكثر بعد هذه السنة مما يجعل التعمق المتزايد للأبار يقفز الى أزيد من 160 متر، بل وصل في السنوات القليلة الأخيرة الى حوالي 240 متر، وهو وضع له انعكاساته الواضحة ليس على تكلفة الانتاج فحسب، بل وأيضا على الأوضاع الاجتماعية للفئات التي لم تعد قادرة على ملاحقة تلك المياه ناهيك عن اختلال التوازنات البيئية بالمنطقة، مما اضطر بالعديد من المنتجين الى التوجه نحو عالية سهل سوس التي قل فيها هذا التراجع لمستوى المياه الباطنية والتي ستعرف هي الأخرى ضغطا فلاحيا لاحقا.
ويقدر حجم العجز المائي الذي تعاني منه الفرشة المائية الباطنية حاليا بسهل سوس حوالي 230 مليون متر مكعب ( و.ح.م.س.م.د/ أكادير 2011).
ويتوزع هذا الخصاص بشكل متفاوت داخل سهل سوس تبعا لحجم الضغوط التي تتعرض لها مياه الفرشة. فقياسات مستواها من طرف (م.ج.ه.م.) سنة 1977 توضح أن تراجعها تركز أساسا بالمجالات التي تعرف تكثيفا متزايدا للزراعات التسويقية والمضاربة وعلى رأسها الحوامض، حيث تجاوز هذا التراجع 10 أمتار بمنطقة الكردان مجال التركز الكبير لوسائل الضخ العصري. وقد أصبح هذا التراجع يطال عالية سهل سوس كذلك وبالضبط بالقرب من أولاد برحيل حيث تنتشر زراعات ذات حاجيات مائية كبيرة ( الحوامض، البطيخ…).هذا التراجع ستزداد حدته بفعل توالي سنوات الجفاف التي عرفتها المنطقة الى حدود 2007. كما ساهم انتشار الضخ الخصوصي غير المراقب بمجالات انتشار الحوامض في هذا التراجع لمستوى المياه الجوفية وهكذا سيزداد تراجع الفرشة بمنطقة الكردان ليصل الى 20 متر سنة 1985، وسيصل الى 10 أمتار بأولاد برحيل و أما منطقة انتشار قطاعات الاصلاح الزراعي بعالية سهل سوس فقد وصل فيها هذا التراجع الى 20 متر.
إن النسبة الكبيرة من المياه الجوفية موجهة لأغراض زراعية، اذ تساهم الفرشة الجوفية بحوالي 85% من مجموع المياه المستعملة فلاحيا، الا أن هذه النسبة سترتفع خلال نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالتة الى 95% مقابل 5% فقط للماء الشروب والماء الصناعي. “أما مستوى المياه الجوفية فقد استمر في الهبوط ليسجل سنة 2007 حوالي 70 متر بكل من أولاد تايمة و سبت الكردان والوليجة، في حين وصل ما بين 25 الى 35 متر بأولاد بوربيعة ومابين 10 الى 30 متر قرب مجرى واد سوس” (و.ح.م.س.م.د. 2011). واذا كانت الفرشة المائية قد عرفت انتعاشا في عموم سهل سوس في الفترة الأخيرة، منذ 2008 نظرا للتساقطات المطرية المهمة فانها لازالت تعاني من عجز مائي نتيجة تزايد الحاجيات المائية.
الشكل04: تطور ضخ مياه الفرشة المائية الباطنية بسهل سوس مابين 1950 و 2000.
المصدر: و.ح.م.س.م.د/أكادير.
إن هذا السهل وبحكم الاكراهات الطبيعية والبشرية التي يتعرض لها ( تقلبات مناخية، ضغوطات بشرية، حاجيات مائية متزايدة…) فانه يعتبر وسطا هشا خاضع لمجموعة من الضغوطات التي أدت الى اختلالات في نظمه البيئية.
وتزداد الامور تعقيدا اذا ما استحضرنا ما تستقبله هذه الأوساط من تزايد سكاني متنامي: كثافة بشرية مهمة، توافد هجري، نمو حضري سريع… وما تطرحه من تحديات مختلفة. فماهي تدخلات الانسان لتطويع هذه الموارد الطبيعية المتاحة؟ وماهي اهم المراحل التي مر منها الاعداد المائي باعتباره أساس النشاط الزراعي السوسي؟.
- تطور الإعداد الهيدروفلاحي بسهل سوس الأعلى:
- ملامح الإعداد المائي القديم بعالية سوس:
تعتبر الساقية التقنية الأكثر شيوعا في استغلال المياه السطحية. وقد شكل واد سوس على وجه الخصوص منطلق شبكة كثيفة من السواقي إضافة إلى تلك التي تقوم بتصريف المياه التي توفرها المصادر الأخرى كالعيون والانبثاقات المختلفة. وإلى اليوم لا تزال بعض السواقي بعالية سوس تؤدي دورا أساسيا في الحياة الفلاحية للساكنة الريفية. ويشهد امتدادها المجالي وأهمية الأراضي التي تسقيها على عمق العمل الجماعي وعلى مقاومتها للتحولات العميقة التي تعرفها الممارسة الفلاحية، وتتوزع السواقي بعالية سوس بين منطقتين أساسيتين هما: سواقي أولوز وسواقي “ايكلي”. وتستفيد معظم هذه السواقي من تقنية “أكوك” التي تنشئها الساكنة المحلية لتعبئة المياه السطحية وهي عبارة عن سدود أو حواجز مائية صغيرة وتقليدية لتحويل المياه. وستعرف بعض هذه المنشات عدة تغيرات بعد تدخل الدولة وتأمين تزويدها بالماء.
ويلخص الجدول التالي توزيع هذه السواقي وخصائصها:
خصائص أهم السواقي بعالية سهل سوس.
الساقية | الجماعة | طولها ب: كيلومتر | متوسط منسوب مياهها ب: سنتيمتر | صبيبها: ل/ث | المساحة المسقية ب: هكتار |
تميلت | أولوز | 05 | 74 | 87 | 300 |
تفرزازت | أولوز | – | – | – | 250 |
تابومهاوت | أولوز | 18 | 50 | 1540 | 360 |
زاوية ازيض | ايكلي | 04 | 26 | – | 870 |
الساقية الجديدة | ايكلي | 10 | – | – | 3446 |
تغفيرت | ايكلي | 03 | 32 | – | 1500 |
المصدر: بوشلخة محمد، 2007. بتصرف
ومن خلال البحث الميداني المنجز عن هذه السواقي اتضح أن جلها يعتمد على تحويل مياه واد سوس خاصة في فترات الفيض عندما يتم إطلاق مياه سد أولوز، لذلك فان جريانها أصبح موسميا ( فترات إطلاق السد) لكن أصبحت تحول كميات مائية ضعيفة.
ولتغطية النقص الحاصل في المياه السطحية المعبأة تلجأ الساكنة المحلية إلى حفر الآبار لاستغلال المياه الباطنية باستغلال أساليب تقليدية.
- عهد الحماية و بداية الضغط على المياه الجوفية:
بالإضافة إلى تقنية الآبار القديمة المعتمدة على الطاقة البشرية أو الحيوانية في رفع المياه الباطنية والتي لم يكن عمقها يتعدى 20 متر إلا ناذرا، عمدت سلطات الحماية إلى تدشين أساليب جديدة في سهل سوس لجلب ونقل مياه السقي. فقد شكلت تقنية الضخ الآلي المعتمد على محركات ميكانيكية الوسيلة المفضلة للفلاحين الفرنسيين لرفع المياه نظرا لسرعة هذه التقنية والحجم المهم من الماء الذي تضخه في ظرف وجيز. ولم تقتصر محركات الضخ على ضيعات المعمرين فحسب بل شملت آنذاك بعض الضيعات الفلاحية المغربية وبعض القطاعات التقليدية الأصلية.
ولم تقتصر تعبئة المياه الجوفية من لدن سلطات الحماية على تقنية الضخ الآلي، بل دشنت كذلك تقنية حديثة لنقل المياه الجوفية – تقوم مقام الخطارات التقليدية – وهي المصارف الجوفية العصرية وأهمها “مصرف افريجة الجوفي” الذي يمتد على طول 4.2 كلم، والذي ينقل مياه العيون نحو الضيعات العصرية الأجنبية.
- عمليات الإعداد الهيدروفلاحي بعد الاستقلال:
شكلت هذه المرحلة بداية للإعداد المائي بسوس حيث بدأ مباشرة بعد استقلال المغرب بعقد من الزمن، التخطيط لاستغلال موجه ومعقلن للموارد المائية بالسهل لاسيما وأن الفرشة المائية أصبحت تعرف عجزا متزايدا بفعل ازدياد الطلب على الماء الفلاحي وتوسيع الرقعة الزراعية وعموما فقد تميزت هذه المرحلة بتسطير مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى تدبير الموارد المائية:
– العصرنة التدريجية للقطاعات السقوية التقليدية.
– إنجاز مجموعة من السدود والتخطيط لسدود جديدة في أفق 2000 لتغطية الفرشة الجوفية.
– وضع التصميم التوجيهي المندمج لإعداد مياه حوض سوس وحوض ماسة والذي يتمحور هدفه الرئيس حول وضع برنامج متكامل لتعبئة واستعمال المياه بشكل يضمن تنمية متجانسة داخل كل مناطق الحوضين والعمل على التخفيف من ضغط الفرشة المائية لسوس والمعالجة الفعالة للعجز الذي تعرفه.
وعموما يتبين أن السياسة المائية التي اتبعت خلال فترة الاستقلال جعلت حوض سوس يستقبل تجهيزات مائية متنوعة الحجم بتدخل من الدولة والقطاع الخاص، وهو الأمر الذي جعل هذا الحوض أحد أكثر الأحواض النهرية المغربية التي تعرف تنوعا من حيث مشاهده المائية.
وقد اتخذ الإعداد الهيدروفلا حي بسهل سوس الأعلى عدة أشكال مختلفة منها:
- القطاعات المسقية التقليدية: تهيئة مائية من طرف الخواص:
إن هذا النوع من المجال الفلاحي لم يخضع لأي تدخل عميق من لدن الدولة:”ويغطي هذا المجال حوالي 32000 هكتار ويستقطب حوالي 130 مليون متر مكعب من السقي. 42 %من هذه المساحة تمتد حول مجرى واد سوس بحكم توفيره للأتربة الجيدة والموارد المائية الكافية في شكل انبثاق أو جريان سطحي دائم، 24 %عند قدم الجبل حول مخارج الأودية والعيون و34% المتبقية تستقر على طول الأودية الجبلية داخل الأطلسين الكبير والصغير”( المحداد ح .2003).
وأهم التقنيات المستعملة في السقي ونقل المياه هناك الآبار لاستغلال المياه الجوفية ثم العيون، ولنقل المياه السطحية تستعمل الساقية التي تنقل المياه انطلاقا من سد تحويلي تقليدي يعرف ب “أكوك” وتخضع الساقية لتنظيم جماعي ، وغالبا ما تكون مردوديتها ضعيفة إذ أن مرورها من تربات ذات نفاذية عالية ينقص من صبيبها المائي.
وحسب معطيات المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بسوس ماسة فان القطاع المسقي التقليدي يتميز بنظام عقاري بسيط ، يسود فيه الملك الخاص بنسب جد عالية . ولا تحتل داخله أنواع الملكية الأخرى، أي أراضي الجموع وأراضي الأحباس والأراضي المخزنية إلا مجالا ضيقا جدا بل إن هذه الأصناف الأخرى لا تظهر داخل كل المحيطات السقوية التقليدية. وما يلاحظ على القطاعات السقوية التقليدية بسهل سوس كونها توجد عند مجال طبوغرافي يسمح لها بالاستفادة من مياه الفيضانات حالة حدوثها، مما يفسر أن الساكنة كانت تحاول التأقلم مع الظروف الطبيعية والإمكانيات المتاحة للقيام بالنشاط الزراعي.
وقد عرفت عالية سهل سوس كذلك وع اخر من القطاعات التقليدية عرفت تدخلا للدولة فيها وسميت بالقطاعات المسقية المعادة التأهيل، إعتمدت على استغلا ل مياه سد أولوز وأمي الخنك لكن بشكل أكبر إعتمدت على ضخ المياه الجوفية عبر حفر الأبار وتجهيز محطات الضخ. وقد سلمت الدولة هذه التجهيزات للفلاحين بعد أن تم تنظيمهم في إطار جمعيات مستعملي المياه للأغراض الزراعة كما ظهرت عدة قوانين لتيسيير تسيير جيد لهذه القطاعات، ويمكن أن نميز بين ثلاثة من هذه الأخيرة في عالية سهل سوس هي:
* قطاعات ما قبل 1974: وهي تلك التي عرفت تدخلا منذ عهد الحماية وتمثل 8.2 % من مساحة المناطق المعادة التأهيل.
* قطاع تلامت: يوجد في عالية سوس وجاء سياق تأهيله بعد النتائج المتواضعة لمركب سد أولوز الموجه لتغذية الفرشة المائية لذا تقرر بناء مجموعة من السدود على روافد الأطلس الكبير والصغير من بينها سد “امي الخنك” الذي ينظم 12 مليون متر مكعب من مياه واد تلكجونت سنويا، وقد تبين فيما بعد أنه بمقدور هذا السد أن يزود محيط تلامت بمياه السقي.
* مشروع “عالية سهل سوس”: شكل هذا المشروع أحد التدخلات الرئيسة التي برمجت ضمن المخطط التوجيهي لإعداد الماء الفلاحي بسهل سوس، إذ بالإضافة إلى خلق هذا المجال السقوي العصري، تقرر إعادة تأهيل بعض القطاعات المجاورة له والتي كانت ستعاني من منافسة شديدة على مستوى المياه من قبل هذا المشروع لذا تم تأهيل محيط اكلي، أيت واعراب (الذي سيصبح فيما بعد قطاعا مسقيا عصريا قائما بذاته) ومحيط أولاد مسعود.
نستنتج أن الإعداد المائي الذي انطلق بعد استقلال البلاد تركز في بداية الأمر على إعادة تأهيل القطاعات التي كانت منذ عهد الحماية، إلا انه يسجل أن هذا التأهيل لم يشمل جميع هذه القطاعات.
أدركت الدولة بأنه لتفادي المشاكل التي تطرحها فرشة سوس والمتمثلة في العجز المتزايد أمام ازدياد الطلب الزراعي على الماء كان لا بد من وضع سياسة تروم تعبئة الموارد المائية السطحية، وبذلك ستدخل المنطقة مرحلة جديدة تميزت بالتركيز على تشييد مجموعة من السدود المتوسطة والكبرى لاسيما وأن التصميم المندمج لإعداد مياه حوضي سوس ماسة قد سطر من بين أهدافه الاستمرار في تعبئة الموارد المائية السطحية لتغطية المناطق الزراعية الجديدة بحاجياتها المائية(مشروع عالية سوس نموذج على توسيع الرقعة الزراعية داخل سهل سوس).
- الإعداد الموجه وانضمام سوس إلى صف قطاعات السقي الكبير:
سطر هذا التدخل مجموعة من المشاريع التي أنجزت حاليا وهي:
o خلق قطاعان سقويان من قبل الدولة، وهما “محيط ايسن” على مساحة 13000 هكتار(بسوس الأوسط) و”محيط عالية سوس” على مساحة 6123 هكتار. القطاع الأول سيعتمد في السقي على المياه السطحية التي ستصله من سد عبد المومن، ويعود السبب في هذا الاختيار إلى كون هذا المحيط يوجد بسافلة السهل والتي رأينا أنها تعرضت لاستنزاف مبكر. وأما المحيط الثاني فسيعتمد لسقيه على ضخ المياه الجوفية وهو ما سيدشن بداية الضغط الكثيف على فرشة عالية سوس.
o توسيع المساحة المسقية من قبل الخواص بعد الحصول على الترخيص باستغلال المياه الجوفية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا القطاع قد عرف توسعا كبيرا جدا كما رأينا سابقا، فكانت لهذا التوسع تأثيرات سلبية على المياه الجوفية لكونه مجهز بمحركات ضخ ذات صبيب مرتفع. ورغم الترخيص الذي نص عليه المخطط بالنسبة لاستغلال المياه الجوفية من قبل الخواص فان هذا لم يمنع من هذا التوسع لكون جل المحركات بالضيعات الكبرى توفر مياه السقي بطرق غير مشروعة.
o العصرنة التدريجية للقطاعات التقليدية عن طريق إدخال الضخ الآلي، وهو ما استفادت منه بعض القطاعات التي سميت فيما بعد بالقطاعات المعادة التأهيل.
o زيادة عمق الآبار بسبب تراجع الفرشة المائية للحفاظ على استمرارية الضخ بالقطاعات العصرية.
o برمجة انجاز سد أولوز على واد سوس بعالية السهل الذي تم إنجازه سنة 1991 لتغذية الفرشة المائية بهذا الجزء من السهل عن طريق طلقات منتظمة لمياهه بعد انجاز مجموعة من العتبات الإسمنتية بشكل مستعرض لمجرى واد سوس بغية حصر المياه المطلوقة وتسهيل تسربها نحو الأسفل.
من بين الملاحظات التي يمكن أن نسجلها فيما يخص هذه الإعدادات الموجهة نحو الموارد المائية بسهل سوس كونها استهدفت بالخصوص المجالات الواقعة في السهل، واستثنت المناطق الجبلية وأقدام الجبال، خاصة منها عند قدم الأطلس الصغير حيث نذرة الموارد المائية وهو ما يهدد الفلاحة المعاشية للساكنة المحلية.
كون هذا المخطط حقيقة كرس الضغط المتزايد على المياه الجوفية فهو لم يقدم حلولا لمشكل ندرة مياه السقي أمام التوسع المتزيد للمساحات المزروعة بل راهن على استغلال هذه المياه التي لن تستطيع تغطية الحاجيات المائية على المدى البعيد لاسيما أن المنطقة تعرف تساقطات مطرية متباينة حسب السنوات مما يجعل تجدد مياه الفرشة الجوفية أمرا صعبا.
- سياسة الدولة لتدبير الموارد المائية:
تهدف هذه السياسة إلى تقنين استعمال مياه السقي خاصة نظرا لكون الأغراض الفلاحية هي المستهلك الأول للمياه بالمنطقة ( حوالي 95% من المياه موجهة نحو أغراض زراعية). وهي عبارة عن مجموعة من الإجراءات والاتفاقيات التي تهدف إلى الاقتصاد في مياه السقي عن طريق متابعة ومراقبة مختلف الاستعمالات من لدن الضيعات الفلاحية وتقنينها خاصة بقطاعات الري الكبير والمتوسط، سواء لدا الخواص أو بالمحيطات السقوية العمومية. أما فيما يخص المتدخلين لتطبيق هذه السياسة فيمكن حصرهم في مؤسستين أساسيتين هما:
وكالة الحوض المائي لجهة سوس ماسة درعة.
المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة.
- التصميم التوجيهي المندمج لإعداد مياه حوض سوس ماسة:
هو بمثابة إستراتيجية ذات بعد متوسط وبعيد المدى لتنمية الموارد المائية بالحوض رفق الأهداف المسطرة في قانون الماء 12 – 95 على المستوى الوطني. أما المنجزات التي جاء بها هذا المخطط والتي تم الشروع في انجازها منذ أواسط التسعينيات والى حدود ألان فإنها ركزت بشكل كبير على تعبئة الموارد المائية السطحية والتحكم فيها عبر إنشاء مجموعة من السدود والحواجز المائية.
و أما الخطوط العريضة التي جاء بها فهي كالأتي:
o الاستمرار في تعبئة المياه السطحية عن طريق انجاز مجموعة من السدود التلية الصغرى والمتوسطة للتخفيف من حدة الضغط على المياه الجوفية.
o حماية التجهيزات المائية القائمة من مختلف المخاطر البيئية والصناعية كالتصحر والتلوث.
o استعمال واسع للوسائل المقتصدة على مياه السقي.
o تشجيع استعمال المياه العادمة والمالحة بعد معالجتها وتصفيتها.
o خلق توازن بين مختلف أجزاء الحوض عن طريق تحقيق تنمية مائية متوازنة.
o وضع بنود قانونية ومالية لحماية الموارد المائية داخل مجال نفوذ المخطط.
o حماية الموروث المائي والفلاحي عن طريق تنمية مستدامة ( أودية، مجالات رطبة، واحات، بحيرات، عيون…).
- تثمين مياه السقي عن طريق تقنية الري الموضعي (التنقيط):
يقصد بتثمين مياه السقي تحقيق اقتصاد في الماء عن طريق إتباع أساليب وتقنيات تمكن من الحصول على اكبر مرد ودية ممكنة بأقل حاجيات مائية ممكنة، مثل استعمال أسلوب الري بالتنقيط، ممارسة أنواع زراعية ذات حاجيات مائية منخفضة، التدبير التشاركي للموارد المائية عن طريق تأسيس جمعيات مستعملي المياه لأغراض زراعية…
وقد قامت المؤسسات المائية والفلاحية بمجموعة من التدابير بمجال عالية سهل سوس للاقتصاد في مياه السقي، غير أن هذه التدخلات تستهدف مختلف القطاعات الزراعية سواء منها الخاصة أو التابعة لأراضي الإصلاح الزراعي، وبالتالي فان المعطيات التي سنورد هنا تبين بشكل عام الإجراءات المتخذة في مختلف القطاعات المذكورة.
o التركيز على زيادة مساحة المغروسات ذات الهامش الربحي الكبير والتي لا تتطلب حاجيات مائية كبيرة.
o إدخال تقنيات فلاحية تزيد في الإنتاجية كالتسميد مع بالري الموضعي.
o الاستثمار في مشاريع السقي الجماعي بالطرق العصرية.
ويندرج الإطار العام الذي ظهر فيه توسع في استعمال الري الموضعي بسهل سوس ضمن البرنامج المتعلق بتجهيز 30 ألف هكتار بأنظمة الري بالتنقيط في أفق 2012
المصدر: م.ج.س.ف/ تارودانت 2011.
- التنقيب عن المياه الجوفية:
إن سياسة التنقيب عن المياه الجوفية تترجم إلى الزيادة في عدد الأتقاب والآبار بالضيعات الفلاحية، و قد عرفت هذه العمليات توسعا كبيرا في الآونة الأخيرة من طرف المؤسسات المائية العمومية، خاصة بعد تحسن الحالة الهيدرولوجية بالمنطقة في السنوات الأخيرة.
غير أن هذه السياسة لا يمكن أن توفر الحاجيات المائية الفلاحية على مدى بعيد، نظرا لكون المنطقة تعرف تباينا في المعطيات المناخية ( التساقطات المطرية) والتي تؤثر مباشرة على الحالة الهيدرولوجية للفرشة المائية، وبالتالي فسنجد الدولة تحاول التعويض عن النقص الحاصل في المياه الباطنية باللجوء إلى الزيادة في تعبئة المياه السطحية عن طريق بناء سدود جديدة والزيادة في حجم الحقينات المائية للسدود القديمة.
- نهج سياسة الترخيص لحفر الآبار:
يتضح أن سهل سوس يعرف تزايدا كبيرا في استغلال المياه الجوفية، ولعل تطبيق هذا المرسوم المتعلق بمسطرة الحصول عـلى الترخيص من أجل استغلال هذه المياه لدليل على قوة هذا الاستغلال. ويهدف هذا الإجراء إلى التحكم في توسع المساحات الزراعية بالمنطقة.
- التغذية الاصطناعية للتخفيف من العجز:
وقد انطلقت هذه الفكرة مع بناء سد أولوز الذي شيد أساسا لهذا الغرض سنة 1992،والذي يخزن مياهه لفترة وجيزة بحيث يعرف طلقات مائية في بداية كل موسم هيدرولوجي لمساعدة تسريب المياه نحو الفرشات الجوفية وتطعيمها.
ومن جهة أخرى فان هذه العملية تقوم إلى جانب بناء السد، على تشييد مجموعة من الحواجز على طول مجرى واد سوس بداية من السد وصولا بالمصب ويتوفر مجرى واد سوس على تسعة حواجز لتخفيف سرعة سيلان مياه الواد وتحسين عملية تسرب المياه إلى الفرشة، خصوصا في منطقة سوس الأوسط التي عرفت استنزافا مبكرا للمياه.
- حصيلة تنمية الموارد المائية:
إن مختلف التدابير والسياسات المتخذة للحفاظ والاستعمال المستدام للموارد المائية بسهل سوس تظل غير كافية إذا ما قارناها بالطلب المتزايد على مياه السقي، ولكون هذه الإجراءات رغم تنوعها وتعددها تظل أمورا نظرية أو غير قابلة للأجرأة نظرا لمجموعة من الأسباب التي تبقى سياسية، فمراقبة عمليات الحفر التي تتخذها وكالة الحوض المائي كمسطرة جزرية لتقنين استعمال الملك المائي العمومي ظلت تستهدف قطاعات الري الصغيرة والمحيطات التقليدية التي تعاني من نقص في الإمكانيات المادية. أما الضيعات الفلاحية الكبرى والتي توجد في ملكية المنتجين الكبار، فإنها تظل بمعزل عن هذه المراقبة وان كانت فهي شكلية فقط، نظرا لعدة أسباب غامضة. لكن ما يسجل عليها كونها ليست بمبررات مقنعة، وبعبارة أخرى فان هذه الضيعات نجدها تمتلك امتيازات وأعراف تحميها من التعرض لأي زجر أو متابعة رغم تسجيل مخالفات في تطبيق الإجراءات القانونية لاستعمال الملك المائي. و بالتالي فلابد لهذه التدابيرمن أن تتحلى بقدر من الموضوعية والمصداقية في تطبيق أي مسطرة قانونية. إضافة إلى انه لا يمكن الحديث عن تنمية للموارد المائية في ظل توزيع غير متكافئ للماء بين مختلف الفئات الفلاحية، فقد ظل الماء مصدر صراع و إقصاء اجتماعي بين فلاحي سهل سوس. وعموما تظهر أهمية هذا التركز في الماء وما أفرزته من اتساع في الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين مكونات المجتمع الريفي بحوض سوس.فإذا استطاع المنتجون الكبار تجنيد إمكانياتهم لمواكبة التغيرات الطارئة على الموارد المائية بسهل سوس فان الفلاحين الصغار لازالوا تحت وطأة العجز عن تمكين ضيعاتهم من الحاجيات المائية اللازمة.
إن أي تدابير متخذة لتنمية الموارد المائية لابد أن تراعي أمور عدة حتى يتحقق تطبيقها ويعم مردودها، ومن بينها:
o تعميم تطبيق المساطر القانونية والتدخلات المؤسساتية في مختلف قطاعات السقي سواء منها العمومية والخاصة وفي المحيطات ذات الري الكبير والدوائر السقوية المتوسطة والصغيرة.
o التحكم الفعلي في توسع المساحات المزروعة وانجاز دراسات لدراسة وقع مشاريع التنمية الفلاحية على الموارد الطبيعية ولاسيما المائية منها لكونها لا تتسع لان تغطي كل الحاجيات المائية.
o محاربة تبذير مياه السقي ليس فقط بتعميم السقي الموضعي، بل بالصيانة والمراقبة المستمرة للتجهيزات المائية وشبكات النقل بمختلف القطاعات المسقية، واختيار المعدات المقتصدة في الماء.
o فتح باب المبادرة وتوسيع دائرة أخذ القرار وتدبير الموارد المائية لتشمل مستعملي المياه للأغراض الزراعية، وضرورة إشراكهم في كل الإجراءات التي تهم تحسين الأداء المائي بالمنطقة.
o توسيع صلاحيات جمعيات مستعملي المياه، وعدم تلخيص دورها في تطبيق الأنظمة التي تضعها مختلف السلطات الفلاحية والمائية، مع تمكينها من مختلف المساعدات المادية والتقنية لتجاوز مشاكلها وتحسين أدائها.
o إعادة النظر في أهداف مجموعة من السدود المشيدة بعالية سهل سوس خاصة، لتوجيهها نحو سقي المساحات الزراعية عوض توجيه مياهها لمجالات معينة مثل سد سيدي عبد الله الذي لن تستفيد أي مساحات زراعية عمومية من مياهه بقدر ما ستوجه لسقي ضيعات في ملكية أقلية تتمتع بنفوذ وسلطة تجعلها تحتكر دور هذا السد، أو بعبارة أخرى ضرورة مراعاة مبدأ العدالة في الاستفادة من أي مشروع سقوي، وتعميمه على مختلف القطاعات والحيازات الممكنة كيفما كان حجمها، ولعل هذا المبدأ هو الكفيل بإنجاح مجموعة من المشاريع السقوية التي استهدفا تامين الحاجيات المائية لبعض المجالات الفلاحية ( مشروع إنقاذ حوامض منطقة الكردان بسوس الأوسط).
o دراسة انجاز سدود جديدة توجه لسقي المساحات الزراعية المستحدثة خاصة أحواض سوس العليا التي كلفت حاجيات مائية كبيرة من الفرشة المائية، وعلما بأن الحوض أصبح يعرف واردات مائية مهمة في الآونة الأخيرة تشجع على أنجاز هذه المنشات المائية التي سيحقق تشييدها كذالك تخفيف الضغط والاستغلال المفرط الذي باتت تعرفه الفرشة المائية الجوفية.
o الاستمرار في اقتصاد ماء السقي وتثمينه عن طريق تعميم تقنيات الري المقتصدة في عمليات السقي ويهم الأمر هنا تعميم الري بالتنقيط مع تقديم الدولة لكل المساعدات المادية الممكنة لقطاعات السقي الصغير التي تعرف عجزا عن تطبيق هذه التقنيات نظرا لضعف إمكانياتها المادية من جهة ولارتفاع تكلفة التجهيز بهذه المعدات من جهة أخرى ولعل هذا الإجراء كفيل لوحده لتطبيق مشروع تعميم الري بأسلوب التنقيط الذي رفعته الدولة في الآونة الأخيرة والذي يهدف إلى تحويل أساليب الري بأساليب الجذب والرش إلى الري الموضعي في حوالي 30000 هكتار في غضون 2012.
خلاصـــة:
من خلال دراستنا لأهم المراحل التي مر منها الإعداد الهيدروفلاحي وخاصة التدبير المائي للموارد المائية، وبعد وقوفنا على أهم السياسات المتخذة لتحقيق استغلال مائي معقلن وأمثل بسهل سوس يتضح أن الدولة اتخذت مجموعة من التدابير والإجراءات لضمان استمرار عطاء هذه الموارد التي أصبحت تتسم بالندرة نظرا لتزايد الحاجيات المائية والمساحات المسقية. وقد قامت مختلف السياسات المتخذة على عنصرين أساسيين هما:
- تعبئة المياه الجوفية: إن المتتبع لعملية الضخ بسهل سوس سيلاحظ بأن هذا الأخير عرف تطورا كبيرا في حجم المياه الجوفية المستغلة في ظرف زمني وجيز. ففي ظرف نصف قرن منذ تدشين سلطات الحماية لعمليات الضخ والى حدود بداية التسعينيات من القرن الماضي كانت الفرشة المائية الجوفية قد استنزفت بشكل كبير وأصبحت تعاني من عجز مائي يقدر بحوالي 230م.م3. وهذا دليل على قوة النشاط الفلاحي بهذه المنطقة التي أصبحت أولى المناطق إنتاجا للأنواع الزراعية على المستوى الوطني.
- تعبئة الموارد المائية السطحية: بدأت هذه العملية عبر انجاز مجموعة من السدود الكبيرة والمتوسطة بحوض سوس، بالإضافة إلى انجاز السدود التلية الصغيرة. وقد عرف الحوض انطلاقة لهده التعبئة بشكل كبير مع بداية التسعينات، وقد نهجت الدولة هذا الخيار بعد أن أصبحت المياه الجوفية تعرف عجزا كبيرا في موازنتها المائية نظرا لكون المشاريع الفلاحية المنجزة بهذا المجال قا اعتمدت على الفرشة المائية بشكل أساسي منذ انطلاقتها وذلك عبر تكثيف الضخ الآلي للمياه الباطنية.
غير أن هذه التدابير المتخذة وان كانت قد حققت نتائج لا بأس بها فإنها تحتاج إلى آليات للتنفيذ والمراقبة لضمان نجاحها، وذلك عبر أخذ مجموعة من الأمور بعين الاعتبار قبل انجاز أي مشروع فلاحي منها:
o القيام بدراسات وقع مشاريع التنمية الفلاحية على العناصر البيئية ولاسيما على الموارد المائية لكون سهل سوس يتميز بالهشاشة الكبيرة في مختلف مكوناته الطبيعية، والأخذ بعين الاعتبار نتائج هذه الدراسات أثناء وضع أي مشروع تنموي.
o تمكين الفلاحين الصغار من مختلف المساعدات: المادية والتقنية والتوجيهية الممكنة قبل تطبيق أي إجراءات قانونية، لضمان توزيع عادل للماء الفلاحي الذي ظل أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمنطقة، بين مختلف المحيطات الفلاحية.
o دراسة انجاز مشاريع سقوية كبرى لتزويد سهل سوس بالمياه اللازمة لمساحته المزروعة، ويتعلق الأمر هنا بمشروع التضامن المائي بين الأحواض الهيدرولوجية، حيث يتم نقل المياه عبر قنوات جوفية من أحواض الفائض المائي نحو الأحواض التي تعرف عجزا مائيا. ولعل هذا الإجراء أنجع وسيلة لتجاوز الأزمات المائية التي أصبحت تعرفها السهول المغربية الجنوبية لاسيما إذا كانت تحتضن مشاريع زراعية مسقية كبيرة مثل سهل سوس.
وتجدر الإشارة إلى أن سهل الحوز المجاور لسهل سوس من جهة الشمال مثال على الأحواض المائية التي تتوفر على موارد مائية مهمة قابلة للنقل نحو سهل هش كسهل سوس والدائرة السقوية العصرية بورزازات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والبيبليوغرافيا:
1) محمد بوشلخة 2007:”أرياف سوس ماسة التحولات الحديثة والديناميات السوسيومجالية”. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر اكادير. المطبعة والوراقة الوطنية مراكش/ط01.
2) الحسن المحداد 2003:”الماء والإنسان بحوض سوس إسهام في دراسة نظام مائي مغربي”.مطبعة المعارف الجديدة/ط01.
3) محمد الجغاوي 2011: “الماء والتنمية الفلاحية بعالية سهل سوس حال قطاع المحازم (تارودانت)” بحث لنيل شهادة الماستر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس.
4) عبد الحفيظ براير 2000: “التدبير المائي والتهيئة بحوض سوس، توجهاته، مجالاته، مع دراسة نموذج قطاع الكردان الفلاحي”. بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس.
5) العياشي كركر 2007: “الماء والتحولات السوسيومجالية بسوس الأوسط نموذج قطاع الكردان”. بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق