التسميات

الخميس، 29 ديسمبر 2016

سياسة المدينة ورهان التنمية الحضرية والاجتماعية - المغرب ...


سياسة المدينة ورهان التنمية الحضرية والاجتماعية 


إعداد: عبدالغاني كرومي 

مقدمة: 

  أفضى التطورالسريع الذي عرفته المدن المغربية طيلة القرن العشرين، والمتمثل في النمو الاقتصادي والسكاني وارتفاع وتيرة التمدن[1]، إلى بروز العديد من التحديات والمشكلات لهذه التجمعات البشرية، شملت الأصعدة المجالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فعلى الصعيد المجالي، أدى النمو السكاني الداخلي للمدن وكذا التدفق الهائل لسكان البوادي نحو هذه المدن إلى بروز أنواع جديدة من السكن، كالسكن العشوائي ومدن الصفيح. وهذه المساكن تفتقر إلى جميع الشروط الضرورية لحياة كريمة للساكنة، من طرق وماء وكهرباء وصرف صحي، وكذا من تجهيزات عمومية كالمدارس والمستشفيات والساحات العمومية والمرافق الرياضية وغيرها من المرافق. أما على الصعيد الاقتصادي ، فقد أدى ضعف البنيات التحتية من طرق ومناطق صناعية وغيرها إلى تراجع الاقتصاد المهيكل لفائدة الاقتصاد غير المهيكل، مما أصبح يحتم على القائمين على المدن تطوير رؤى جديدة للتنمية تسمح بانبثاق مشاريع للاقتصاد المحلي، تمكن من استقطاب الاستثمار وإنتاج الثروة. وفي المجال البيئي، تعاني المدن إضافة إلى مشكلة التلوث الناجم عن المصانع والمعامل، عجزا فيما يتعلق بتدبير النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، حيث نجد أن 4,5 مليون طن من النفايات الصلبة ، و500 مليون م3 من مياه الصرف غير معالجة سنويا[2]. وأخيرا فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، أدى التوسع غير المخطط له للمدن إلى ظهور أحزمة فقر تنتشر فيها البطالة والجريمة والأمية والاقتصاد غير المهيكل. وبالتالي أصبحت هذه الأحزمة تعاني الهشاشة والفقر والاقصاء الاجتماعي، مما يهدد بانفجارات اجتماعية. 

  لمواجهة هذه التحديات والمشكلات، بادرت السلطات العمومية إلى تبني سياسات عمومية لفائدة الطبقات الهشة والفقيرة، تهدف إلى محاربة الهشاشة وتطوير الاقتصاد الاجتماعي، وتوفير السكن، وتقديم خدمات الصحة والتعليم والكهربة والماء الشروب وغيرها من الخدمات الاجتماعية. وقد تميزت هذه السياسات في مرحلة أولى باعتماد مقاربات قطاعية إضافة إلى برامج ذات صبغة وطنية كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما تم على صعيد الجماعات الترابية خلق المجموعات الحضرية لتتولى تجميع وتنسيق الجهود المبذولة في تدبير و تنمية المدن، ثم تم تعويضها فيما بعد بنظام وحدة المدينة الذي ساهم في إضفاء صبغة وحدوية على المدن الكبرى المغربية و تمكين أجهزتها التقريرية من تتبع و مراقبة تراب المدن و تتبع المشاريع. 

  غير أن هذه المقاربات، وإن أدت إلى تحقيق بعض النتائج الايجابية، فقد افتقرت إلى التنسيق والتكامل، وبالتالي افتقدت إلى الفعالية والنجاعة الكفيلة بالقضاء على الفقر والتهميش والهشاشة والبطالة وغيرها من الآفات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية والبيئية التي تعاني منها جل المدن المغربية. 

  ولتجاوز الوضعية الراهنة وبغية الانتقال بالمدن إلى مستوى مشاريع حضرية مندمجة تخدم ساكنتها ووافديها، بدأت السلطات العمومية تنحو نحو مرحلة جديدة من السياسات العمومية، تعتمد مقاربة تشاركية بينية، وذلك عبر تبني ابتداء من سنة 2012 سياسة عمومية جديدة تحت مسمى “سياسة المدينة” 

  فما هي إذن سياسة المدينة وماهي أهدافها وغاياتها وأبعادها؟ وماهي آليات تفعيلها وتنزيلها؟ 

1.سياسة المدينة: التعريف والأهداف 

  حسب الأرضية المنبثقة عن الحوار الوطني حول سياسة المدينة[3]، يمكن تعريف هذه الأخيرة على أنها سياسة عمومية بين وزارية مندمجة وتشاورية وتشاركية وتعاقدية، يتم وضعها من طرف الدولة والجماعات الترابية بإشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في إطار يضمن تناسق وانسجام مختلف الرؤى والتدخلات في المدينة مع احترام صلاحيات كل طرف، وذلك من أجل تطوير مدن مستدامة واندماجية ومنتجة ومتضامنة من خلال : 

دعم دور ها كأقطاب للتنمية ومجالات لإنتاج الثروة وخلق فرص الشغل؛
تحسين إطار العيش في المناطق الحضرية التي تعرف عجزا في السكن والتجهيزات ونقصا في الولوج إلى الخدمات؛
إعادة إحياء القطاعات الحضرية التي تفتقد للتنافسية؛ من خلال هذا التعريف، يمكن اعتبار “سياسة المدينة” سياسة استباقية وتأطيرية وتوجيهية للأنسجة الحضرية المختلفة من المركز القروي الصاعد إلى المدينة الكبيرة مرورا بالمدن الصغرى والمتوسطة، تقوم على ركيزتين أساسيتين: 

- انخراط الدولة بثقلها في تخطيط وتدبير المدينة وتحديد ماهيتها وحدودها بغية توفير إطار عيش ملائم للساكنة الحضرية يكفل لها حقها في المدينة.

- اعتماد مقاربة أفقية، في إطار رؤية شمولية مندمجة وتعاقدية تعتمد على مبادئ الحكامة الجيدة والتشاور، يتدخل في صنعها مختلف الفرقاء السياسيين و التقنيين المتواجدين في نسيج حضري معين، من دولة وجماعات ترابية ومجتمع مدني وقطاع خاص، من أجل التوافق حول مشروع حضري يجعل من المدينة فضاء لإنتاج الثروة وتحقيق النمو، وللتضامن الاجتماعي والتوازن بين مختلف الفئات الاجتماعية من خلال العدالة الاجتماعية وبين الأحياء المكونة لهذه المدن عبر الاهتمام بالمرافق والخدمات العمومية والتنقلات الحضرية. 

2. أبعاد وحدود سياسة المدينة 

  إن غاية سياسة المدينة هو تغيير فضاء عيش المواطن والمواطنة من أجل أن يشعر بالرضى، وبالتالي يشعر بالانتماء لهذا الفضاء وهذا من شأنه أن يدفعه إلى النهوض بواجباته هو أيضا اتجاه هذا الفضاء. لذا، فإن أبعاد سياسة المدينة هي شاملة للجوانب المجالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والحضارية، وغيرها من المجالات. 

  كما أن مجالها الترابي يمكن أن يشمل مجالا حضريا بأكمله، من مركز حضري صاعد إلى غاية المدينة الكبيرة، كما يمكن أن يشمل حيا أو بعض الأحياء من هذه الفضاءات الحضرية بغرض ربطه بالنسيج الحضري وتيسير استفادته من جميع الخدمات الموجودة في المدينة. 

3. آليات سياسة المدينة 

  إن نجاح سياسة المدينة يتوقف على القدرة على تفعيل مجموعة من الآليات، سواء منها القانونية أو المؤسساتية أو المالية. 

  ففي المجال القانوني، أضحت الاشكالات التي تعرفها العديد من المدن فيما يتعلق بالقدرة على تعبئة العقار وعلى إنتاج وثائق التعمير واحترامها ومواجهة المضاربات العقارية تفترض إعادة النظر في مجموعة من النصوص القانونية ولاسيما قانون التعمير، وكذا إعادة النظر في السياسة العقارية المتبعة.

   أما في المجال المؤسساتي، فترتبط فعالية سياسة المدينة بالآليات المؤسساتية التي يتعين أن توكل لها مهمة تنزيل وتتبع وتقويم هذه السياسة. فبينما يرى فريق من المختصين ضرورة إحداث مؤسسات خاصة – وكالات أو مندوبيات اومديريات إقليمية أو جهوية…الخ – تتولى تنزيل نهج “سياسة المدينة” على مستوى المدن، يرى فريق آخر أن توكل هذه المهمة للجان تنسيق خاصة بين وزارية. 

  أما في الجانب المالي، فنجاح أو فشل هذه السياسة يرتبط حتما بالقدرة على تعبئة الموارد المالية الضرورية والمستدامة اللازمة لتفعيل برامج ومخططات سياسة المدينة. هذا إلى جانب التوفر على موارد بشرية مؤهلة. 

4. سياسة المدينة في البرنامج الحكومي 

  وفقا للبرنامج الحكومي[4] لسنة 2012، فإن سياسة المدينة تعتبر خيارا استراتيجيا بالنسبة للحكومة، وهي سياسة عمومية إرادية إدماجية وتشاركية تقوم على مقاربة أفقية، تهدف إلى: 

- التقليص من مظاهر العجز والتهميش والإقصاء الاجتماعي، وذلك في المناطق التي تعرف ضغطا اجتماعيا وخصاصا على مستويات متعددة، ورسيما على مستوى ضعف التجهيزات ونقص الولوج إلى الخدمات العمومية ومايعانيه المجال من فقدان الاستقطاب.

- تعزيز أدوار المدن باعتبارها مراكز أساسية لإنتاج الثروة وتحقيق النمو.

- الرفع من مردودية شبكات توزيع الماء والكهرباء والنقل الحضري ودعمها في مجالي إنجاز الاستثمارات والتدبير، وذلك اعتبارا للدور المحوري لهذه المرافق العمومية في تنمية المجالات العمرانية. 

  وحتى يتسنى ضمان نجاعة هذه السياسة، يقترح البرنامج الحكومي إعمال استراتيجية وطنية تعتمد على مبادئ الحكامة الجيدة والتشاور مع كافة الفرقاء، وذلك بغية معالجة الاختلالات القائمة وضمان نمو منسجم ومتناسق للمدن ومصاحبة إحداث المدن الجديدة. 

  وفي مجال التمويل، يقترح البرنامج تحويل صندوق التضامن للسكن إلى صندوق التضامن للسكنى والاندماج الحضري، وتوسيع نطاق تدخله وتنويع موارده. 

  أما في المجال التشريعي، فإن البرنامج يقترح استصدار قانون توجيهي للاندماج الحضري والتماسك الاجتماعي. 

خاتمة: 

   إن تحقيق التنمية المجالية والاقتصادية والاجتماعية بالمدن المغربية رهين بتفعيل مبادئ الحكامة الجيدة في جميع مراحل إعداد وتنزيل وتقويم سياسة المدينة، بدء بدقة أهداف الاسترتيجية الوطنية المعتمدة، ومرورا بتوفير الآليات القانونية والمؤسساتية والمالية اللازمة، وانتهاء بدقة “عقود المدينة” من حيث الأهداف والغايات، وتوزيع الأدوار بين مختلف المتدخلين وترتيب المسؤوليات وتحديد مؤشرات النجاح والفشل. 

  كما أن تبني أنماط تدبير حديثة تضمن انخراط الساكنة ونجاعة العمل المشترك بين مكونات الإدارة من جهة وبين الإدارة وباقي المتدخلين من جماعات ترابية وقطاع خاص ومنظمات مجتمع مدني من جهة أخرى، عوامل إضافية ضرورية لنجاح سياسة المدينة. 

مراجع الدراسة: 

- البرنامج الحكومي، يناير 2012.

- وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، “تشارك وبناء تشاركي من أجل أجرأة مستدامة لسياسة المدينة”، الحوار الوطني سياسة المدينة، أبريل- ماي 2012.

- محمد بهضوض، “سياسة المدينة في المغرب”، المنتديات الجهوية سياسة المدينة، وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، 2012.

- عبدالكريم أشبون، ” حول سياسة المدينة في المغرب”، بيان اليوم 02 مارس 2012. 

____________________

[1] حسب المندوبية السامية للتخطيط، انتقل معدل التمدن بالمغرب من حوالي % 30في بداية الاستقلال إلى 55% سنة 2004 ليصل إلى 60% حسب توقعات سنة 2012. 

[2] وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة 2010 .

[3] وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، “تشارك وبناء تشاركي من أجل أجرأة مستدامة لسياسة المدينة”، الحوار الوطني سياسة المدينة، أبريل- ماي 2012، www.politiquedelaville.ma 

[4] البرنامج الحكومي يناير 2012، الصفحتان 75 و 76.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا