التسميات

السبت، 31 ديسمبر 2016

التغير المناخي ومستقبل المغرب ...


التغير المناخي ومستقبل المغرب!

نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 24 - 12 - 2010

  التغير المناخي كمعطى طبيعي الذي يعني التغيير في المنظومة المناخية، إن وطنياً أو دولياً، بات أمراً واقعاً يفرض ذاته على الجميع بحكم العديد من الظواهر الطبيعية الجديدة أو الحالات المناخية الاستثنائية (أمطار طوفانية، عواصف وغيرها) التي أخذت تضرب هذا البلد أو ذاك مثل المغرب مثلاً، وتعمل على إعادة تشكيل الأنظمة المناخية في بلدان أخرى (بلدان أوربية وأسيوية،والعديد من بلدان الشرق الأوسط) التي عرفت تساقطات ثلجية وعواصف لم تشهدها من قبل. 

الأمطار «الاستثنائية» الأخيرة التي عرفها المغرب قد تكون مؤشرا على ما ينتظر بلادنا من تقلبات مناخية ومن تداعيات ناجمة عن ذلك، بيد أن تفحص خلاصات العديد من الدراسات العلمية الخاصة بالتغير المناخي وآثاره على كوكبنا من بينها أحدث الدراسات التي عرضت في ملتقى علمي بروما ودراسات المجموعة الدولية حول المناخ (التي تحتضن في إطارها ما لايقل عن ألفي خبير وعالم في علوم المناخ والطبيعة والاقتصاد...) وكذا المجموعة البيحكومية حول المناخ، والدراسة الاستشرافية للمندوبية السامية للتخطيط حول الفلاحة في أفق 2030، وأشغال المناظرات الوطنية حول الماء.

    هذه الدراسات والأعمال جميعها تبرز بأن هناك توقعات علمية منذ سنوات قريبة خلت، تؤكد وتحذر من وقوع كوارث طبيعية قد تتخذ مظاهر مختلفة في المغرب ،منها أساساً الزيادة في ارتفاع درجة حرارة الدورة المناخية الوطنية المعتادة وهو ما يعني بالضرورة حدوث تقلبات مناخية على مختلف المستويات قد تكون لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد الوطني في الأفق المتوسط أو البعيد إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذا التحدي الكبير الذي أصبح يؤرق الأسرة الدولية برمتها.

  في الملف التالي محاولة لمقاربة تحدي التغير المناخي بالمغرب مع تحدي ربح المستقبل وخاصة في شقه الاقتصادي والاجتماعي.

المزروعات البديلة أحد رهانات مواجهة تحديانقلاب المنظومة المناخية

 ما شهده المغرب يومي الاثنين والثلاثاء 29 و 30 نونبر الماضي من فيضانات في نقاط مختلفة من المملكة، جراء التساقطات التي وصفت ب «الاستثنائية» يؤشر بشكل واضح على أننا أمام متغير يفرض تحديه علينا حالياً، ومن المفترض أن يتقوى هذا التحدي في الأمد المتوسط او البعيد اذا لم يتم التفكير وبشكل مستعجل في صيغ مواجهة درء الكوارث قد تكون أسوأ من كارثة الاثنين والثلاثاء التي كان من نتائجها إزهاق أرواح قرابة 40 مواطنا، واصابة الآلاف من المساكن والمقاولات بأضرار مختلفة، وتدمير العديد من منشآت «البنية التحتية» التي فجرت الأمطار الأخيرة سؤالاً كبيراً حول طبيعة هذه البنية التي تحولت في العديد من مظاهرها الى مضخات لإغراق السكان و الوحدات الصناعية في مياه الصرف الصحي.

  وفي هذا الإطار نشير إلى أن من بين أحدث الدراسات التي عرضت في ملتقى علمي بروما حسب ما اكد لنا مصدر من جمعية الطاقة والتنمية الذي حضر أشغال الملتقى،يفيد بأن تغيراً مناخياً ملحوظا سيعرفه العالم في افق ال 50 سنة القادمة بسبب ارتفاع درجة الحرارة الذي قد يتراوح بين درجتين وثلاث درجات، مبرزاً في هذا الصدد بأن المغرب سيتأثر بمعية مختلف بلدان المعمور بهذه التغيرات.

  وأضاف المصدر أن من بين السيناريوهات المحتملة لآثار التغير المناخي على المغرب في افق العقود القادمة، وقوع نوع من «الانقلاب» في المنظومة المناخية الحالية التي ترتكز مثلا على ارتفاع وتيرة التساقطات من الشمال إلى الجنوب،و ارتفاع وتيرة الحرارة من الجنوب والجنوب الشرقي نحو الشمال والشمال الغربي. وذكر مصدر في هذا الاتجاه بأن هناك مناطق ستصبح صالحة أو يمكن استغلالها في تربية المواشي لمواءمة طبيعة مناخها الجديد مع زراعة الأعلاف وما يرتبط بذلك مثل المنطقة الشرقية. وأفاد بأن التغير المناخي يعني، فلاحيا وفي العديد من الحالات تعذر إن لم نقل استحالة انتاج ذات المزروعات في هذه المنطقة او تلك وهو ما يتطلب بالضرورة التفكير في المزروعات البديلة التي قد تستبدل بمزروعات أخرى انتهى زمنها بفعل التغير المناخي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن بريطانيا وعيا منها بعواقب التغير المناخي، وسعيا منها نحو استثمار هذا التغير، ايجابياً من الآن، قامت وفي سابقة هي الاولى في العالم تقريبا ببداية استغلال العديد من اراضيها الفلاحية في زراعة أشجار الزيتون (وهي الزراعة التي لم تكن موجودة في انجلترا بالنظر لطبيعة المناخ الذي لم يكن يتلاءم مع هذا النوع من الزراعة) والنتيجة هي أن هذه الزراعة التي تشكل إحدى آليات مواجهة التحدي المناخي أثمرت زيوتاً وزيتوناً وباتت تشكل تجربة اقتصادية وعلمية يمكن الاهتداء اليها في وضع أية استراتيجية استشرافية للمستقبل في بعدها المرتبط بالتغير المناخي أو في بعدها المتعلق بالتنمية في مناحيها المختلفة.

   من الدراسات الوطنية الهامة في هذا المضمار والتي تستدعي ايلاءها ما يكفي من الاهتمام من طرف السلطات الحكومية المعنية الدراسة الاستشرافية للمندوبية السامية للتخطيط حول الفلاحة في افق 2030 فقد أشارت في إحدى خلاصاتها إلى أن الحرارة في المغرب قد ترتفع في أفق العقود الثلاثة القادمة بدرجة أو ما ينيف عن ذلك وهو ما يعني ازدياداً في مواسم الجفاف، و ارتفاعاً في حدة التقلبات المناخية التي قد تتخذ شكل أمطار طوفانية، وعواصف وظواهر طبيعية غير مسبوقة، وتقلماً في سيولة المياه السطحية منها والجوفية.

  الدراسة التي اعتمدت فيها انتهت إليه من خلاصات على العديد من الدراسات منها دراسة حول استراتيجية التنمية الفلاحية والقروية بالمغرب في أفق 2020 فضلاً عن الدراسة الخاصة التي قامت بها المندوبية. الدراسة إذن حذرت في مجملها، من إمكانية ظهور أزمة غذائية حادة في السنوات القادمة، إذا لم يتم تبني استراتيجية فلاحية محكمة تأخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل منها أساساً عامل التغير المناخي الذي أصبحت مظاهره جلية خلال العقد المنصرم على الإقل.

  المعطى المناخي الذي تبرز الدراسات والوقائع المقارنة أنه أصبح واقعاً ملحاً إن راهناً أو مستقبلاً، يطرح إشكالاً مركزياً يتعلق ليس فقط بما الذي أعددناه في الجانب المتمثل بالقطاع الفلاحي، بل بمختلف مجالات الحياة،. فما الذي أعددناه أو ما الذي فكرنا فيه على الأقل في مجال البنية التحتية الملائمة للتحولات المناخية وللضغط السكاني والبشري المتزايد؟ وما الذي أعددناه في المجال الصحي؟ وما الذي أعددناه بشكل عام لتجنيب الأرض والبشر من العواقب «الخطيرة» للتغير المناخي..؟

  يلاحظ من خلال تفحص البوابة الالكترونية للوزارة المكلفة بالبيئة والمياه أن هناك اهتماماً بموضوع التغير المناخي، حيث نجد صفحة أو «ملفاً» يحمل عنوان «التغير المناخي بالمغرب» و«أثر التغير المناخي»، لكن الظاهر، أن هذه البوابة ومن خلالها الوزارة المعنية، تركز في العديد من محتويات ماله صلة بالتغير المناخي ببلادنا على الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب منها اتفاقية «كيوطو» الدولية الخاصة بالحد من الغازات المتسببة في ثقب الاوزون وفي ارتفاع درجات الحرارة، وفي إحداث نوع من الانقلاب المناخي في مناطق مختلفة من المغرب، واتفاقيات دولية أخرى، فضلاً عن استعراض لبعض المشاريع والقوانين المرتبطة في العديد منها «بفرض» تدبير مغاير لمختلف المجالات المنتجة للتلوث الضار بالطبيعة والإنسان.. الدراسات الاستشرافية التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط إن في المجال الفلاحي، أو الطاقي أو في مجالات استراتيجية أخرى تتعلق بالسكان أو التنمية الشاملة والمستدامة، وتعتبر من الدراسات العلمية البالغة الأهمية التي تأخذ في الاعتبار، والنظر، والاستشراف، البعد المناخي كمعطى له راهنية كبرى.

  وتشكل الدراسة الاستشرافية حول الفلاحة في أفق 2030 أحد أهم الدلائل على أن هناك اهتماماً رسمياً جاداً بالتغيرات المناخية وأثرها المفترض على المجال الفلاحي، وعلى مختلف مجالات الحياة، وهو الاهتمام الذي توج نظرياً بوضع سيناريوهات النهوض بقطاع الفلاحة أو غيره تأخذ في اعتبارها الجانب المناخي الذي بات محددا أساسياً خلال وضع أو بلورة أي مشروع أو استراتيجية تنموية مفترضة، ومن النقاط التي تميز هذا النوع من الدراسات العلمية الوطنية، برأي العديد من المراقبين نزاهتها العلمية، وهذا ما يمكن استشفاؤه من القراءة السطحية لبعض الاسقاطات العلمية والسيناريوهات، فخلال أخذ هذه السيناريوهات،حذرت دراسة المندوبية من مغبة السقوط في أزمة غذائية بالمغرب في السنوات القادمة، إذا تم تحرير العديد من مجالات الفلاحة، ولم يتم الاهتمام بالفلاحة المعيشية (زراعة القمح، وغيره من المواد المرتبطة بالمواد الغذائية الاساسية)، ولم يتم الأخذ في الاعتبار بالشكل المطلوب بعنصر التغير المناخي الذي تجمع مختلف الهيئات الدولية المختصة («مجموعة الخبراء البيحكومية حول المناخ»، و«المجموعة الدولية حول دراسة التغير المناخي» على فعله القوي في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد، إن على المستوى البشري، أو الاقتصادي او الطبيعي.

  ملاحظة المندوبية السامية للتخطيط المستقاة من مؤشرات وافتراضات علمية مختلفة، تفضي بنا الى طرح سؤال أساسي؟ هل كارثة الاثنين والثلاثاء 29 و30 نونبر 2010 التي كشفت ليس عن غياب استراتيجية تنموية ،إن محلية أو وطنية ، تأخذ بعين الاعتبار كل الاحتمالات والتحديات الممكنة أو غير المتوقعة، بل عدم وجود بنية تحتية تواجه فقط أمطار وصفت بالاستثنائية، والحال أنها لا تعني شيئاً في دول تتوفر على بنية تحتية متينة وليست مغشوشة في العديد من مظاهرها، وتواكب، إضافة إلى ذلك، التطورات الديمغرافية والاقتصادية وما إلى ذلك، فهل كارثة الفيضانات الأخيرة التي تسببت في خسائر بشرية واقتصادية قدرت بعشرات ملايين الدراهم، يمكن أن تكون درساً وعبرة على الأقل بالنسبة للمسؤولين المحليين في المجالس المنتخبة أو غيرها من أجل الانكباب بالجدية المطلوبة حول البحث في ما من شأنه الحيلولة دون وقوع كارثة شبيهة بما وقع، أو أكثرها سوءاً؟.

  لقد التأمت العديد من دورات المجالس المنتخبة بشكل استثنائي لمناقشة اسباب الكارثة وما الذي يجب القيام به لتفادي تداعيات مناخية قد تكون أكثر خطورة، لكن في غياب «التجانس» السياسي داخل العديد من المجالس ، وهيمنة الهاجس المصلحي الخاص للعديد من المنتخبين أو المستشارين في مختلف مستوياتهم (وهو ما أكدت عليه العديد من الدراسات العلمية منها دراسة حول «تدبير المدينة» صدرت ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط) يجعل من عملية إصدار قرار ذي بعد استراتيجي أو النظر والتفكير في مخطط تنموي حقيقي يأخذ في الحسبان مختلف الاحتمالات والسيناريوهات، أمراً مؤجلاً إلى حين.

   ومن بين الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الإطار مجلس مدينة الدار البيضاء، فقد سبق أن حضرنا العديد من الدورات، ولاحظنا خلال تتبعنا لكل هذه الدورات هيمنة «الهاجس اليومي» في التدبير، وغياب البعد الاستراتيجي في تدبير المدينة يرتكز على مختلف المعطيات الموجودة على الأرض، ويستحضر مختلف الاحتمالات الممكنة التي قد تكون لدينامية مفترضة لها انعكاسات على الساكنة أو المدينة بشكل عام في بعدها الاشعاعي، وهذا ما يمكن استخلاصه من مختلف نقاط جداول أعمال الدورات، والنقاشات التي تتخلل وقائع اشغال الدورات.

  ومن النقاط التي تفسر بصيغة أو أخرى على أننا نخضع لتدبير محلي يرتكز على مقولة: «غاديا في سفينة الله»، هو أنه سبق أن حضرنا ندوة حول مرض السل بمدينة الدار البيضاء وهي الندوة التي حضرها وزير الصحة وقتئذ، بيد الله، ومسؤول بالمجلس، وتبين من خلال المداخلات، وبخاصة مداخلة المسؤول بالمجلس أن الاهتمام بالشكل المطلوب بمثل هذه الملفات -التي قد تشكل كارثة بالمدينة أفظع من كارثة الفيضانات- لا يشكل «أولوية» ضمن أجندات المجلس، لكن بالرغم من هذا وذاك، هل يمكن للفيضانات الأخيرة التي تنذر بتغير مناخي كبير وشيك أن تشكل عبرة في تدبير الملفات ذات الصبغة الإستراتيجية في المدن والقرى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا