التسميات

الأربعاء، 4 يناير 2017

سياسة المدن الجديدة بالمغرب ...


سياسة المدن الجديدة بالمغرب


 الفهرس

مقدمـــة

المبحث الأول: ماهية المدن الجديدة ودوافع ظهورها بالمغرب

المطلب الأول: ماهية المدن الجديدة

الفرع الأول: مفهوم وأنواع المدن الجديدة

الفرع الثاني :وظائف المدن الجديدة

المطلب الثاني : مشكلة الإسكان و إنعكاس النمو الحضري على المدينة المغربية

الفرع الأول: الإسكان مشكلة حضرية

الفرع الثاني :إنعكاس النمو الحضري على المدن المغربية

المبحث الثاني : إستراتيجية المدن الجديدة

المطلب الأول : إستراتيجية تخطيط و تنمية المدن الجديدة

الفرع الأول : استراتيجية التخطيط المدن الجديدة

الفرع الثاني : استراتيجية تنمية المدن الجديدة

المطلب الثاني : المدن الجديدة في المغرب

الفرع الأول : التجربة المغربية في مجال المدن الجديدة

الفرع الثاني: نمادج المدن الجديدة بالمغرب

الخاتمـــــــــــة

لائحة المراجع

  أصبحت المدن تعاني من مشكلة الإسكان والناتجة أساسا عن الكثافة السكانية المرتفعة فيها إلى جانب سوء التخطيط للأراضي المخصصة للبناء وإنتشار البناء بطريقة عشوائية وغير منظمة، مما أدى إلى ظهور مناطق حضرية متخلفة تشوه المدينة وتؤدي إلى إنتشار مجموع من الأضرار الإجتماعية والصحية والإيكولوجية.

  بادرت مجموعة من الدول بوضع الكثير من الحلول لمشكلات التحضر الزائد في المدن الكبرى من بين تلك الحلول إنشاء مدن جديدة تمتص التكدس السكاني في المدن الكبرى وذلك بإقامة مناطق سكنية متكاملة الخدمات والمرافق في إطارتخطيط عمراني مبني على أسس علمية وحديثة.

  فظاهرة المدن الجديدة ليست بحديثة العهد ولكن عرفتها بعض الدول المتقدمة منذ زمن بعيد مع اختلاف الأهداف والشروط التي صاحبت إنشاءها فأول ظهور لها حتى القرن 19 عشر في إنجلتراوذلك بعد اقتراح “إبيرز هاورد”إنشاء مدن الحدائق ثم إنتشرت الفكرة بعد ذلك لتصل إلى فرنسا، فكانت التجربة الفرنسية نمودجا يحتدى به من قبل العديد من الدول سواء المتقدمة منها أو المتخلفة لما حققته من أهداف تنموية سواء على المستوى الإقتصادي والإجتماعي وإلى جانب التجربة الفرنسية نجد التجربة المصرية كتجربة رائدة في الدول النامية والتي استهدفت نقل التعمير إلى الصحراء لإعادة توزيع السكان والانشطة وتنظيم مجال البلاد.

  أما المغرب فقد تبنى سياسة المدن الجديدة كحل لمجموعة من العوامل والأسباب التي ساهمت في دفع الدولة إلى التوجه نحو نهج رؤية جديدة لتدبير المجال الحضري، إن تفاقم مشكلة الإسكان بالمغرب رهين بوجود فراغ قانوني ومؤسساتي ينظم هذا المجال حيث يعد المغرب من الدول الأوائل التي أقرت إطارا قانونيا في مجال التعمير في بداية القرن الحالي وذلك من خلال مخطط التهيئة الذي بدأ العمل به بصدور ظهير 16 أبريل 1914، تعاقبت بعد ذلك مجموعة من المخططات إبتداءا من المخطط الخماسي 1968-1972 إلى المخطط الخماسي 2000-2004 ورغم تعدد المخططات فإنها لم تحقق النتائج المرجوة لهذا عمل المشرع على إصدار قانون جديد لتنظيم مجال الإسكان والتعمير وذلك من خلال قانون 12-90 الذي حاول المشرع من خلاله الأخذ بعين الإعتبار التطورالذي عرفته حركة التمدن و المشاكل الناتجة عن تطبيق قوانين التعمير ليحل بذلك محل ظهير 30 يوليوز 1952.

  ولتطوير قطاع الإسكان وحل مجموعة من المشاكل التي تعرفها جل المدن الكبرى عمدت الحكومة المغربية لتخطيط إنشاء 15 مدينة جديدة في أفق عام 2020 لامتصاص النمو السكاني الكبير المرتقب في الوسط الحضري وحيث أن نسبة السكان الحضريين في المغرب والبالغة حاليا 55 في المئة حسب نتائج الإحصاء عام 2004 والمحتمل وصولها إلى 70 في المئة في أفق عام 2020 ستتطلب مسايرة النمو الديموغرافي والتطوير المرتقب لحاجيات السكن، إعداد وتجهيز نحو 4500 هكتار من الأراضي كل عام حتى سنة 2020، وهو ما يعادل إنشاء مدينة جديدة

  و المدن الجديدة التي تم إنشاءها إعتمد فيها على دراسات تهدف إلى وضع أسس هندسية وأساليب تدبير المدن المستقبلية وفي هذا السياق يشكل مشروع بناء مدينتي الجديدتين – تامنصورت – قرب مراكش وتامسنا- قرب الرباط تجربة نمودجية مكنت من وضع المفاهيم المعمارية والإقتصادية والإجتماعية لمخطط المدن الجديدة بالمغرب وتم كذلك إنشاء مدينة الشرافات قرب مدينة طنجة والخيايطة قرب الدار البيضاء.

يحيلنا الموضوع إلى طرح الإشكالية التالية:

  إلى أي مدى إستطاعت المدن الجديدة الحد من مشكلة الضغط السكاني في المدن الكبرى؟

من خلال الإشكالية الرئيسية تتفرع مجموعة من التساؤلات:

- ماهي خصائص البناء العمراني والإجتماعي في المدينة الجديدة وهل له أثر على عملية تكيف السكان داخلها؟

- ماهي وضعية السكن والتجهيزات الجماعية في المدينة الجديدة؟ وهل تساهم في عملية جذب السكان لها؟

سيتم تناول هذا الموضوع من خلال التصميم التالي:

المبحث الأول: مشكلة الإسكان و ظاهرة المدن الجديدة

المبحث الثاني : إستراتيجية المدن الجديدة

المبحث الأول: مشكلة الإسكان و ظاهرة المدن الجديدة

المطلب الأول : مشكلة الإسكان و إنعكاس النمو الحضري على المدينة المغربية

   يعتبر السكن من الأهمية بمكان في حياة الإنسان،فهو الملجأ الذي يخلد فيه للراحة و ينعم فيه بالأمان و الإستقرار، ويعد عنصرا من عناصر التنمية الإقتصادية و الإجتماعية ، و يعتبر معيار الحصول على مسكن لائق مؤشرا على درجة النمو الشامل للدولة.[1]

  فقد ينظر لمشكلة الإسكان على أنها عبارة عن حالة أو موقف تسيطر عليه ظاهرة ندرة المسكن المتاح و الملائم للأفراد الذين يشعرون بحاجة إليه…و من ثم تصبح المشكلة بمثابة   نتيجة لازمة عن نقص الإنشاءات السكنية الجديدة أو نتيجة للتوقف كلية عن عمليات البناء بسبب ارتفاع تكاليف العمالة و مواد البناء اللازمة، و قد ينظر إليها على أنها تجسيد واقعي لارتفاع القيمة الإيجارية للمساكن ، على النحو الذي يفوق قدرة الأفراد ذوي الدخل المنخفض

الفرع الأول: الإسكان مشكلة حضرية

   يمكن تعريف الإسكان بشكل عام على انه دراسة للوحدات السكنية التي يعيش فيها الناس, وهو دراسة لسوق إنتاج الإسكان وأيضاً دراسة لرغبات ومتطلبات الناس الخاصة بمساكنهم, والمشاكل التي يتعرض لها الناس للحصول على مسكن ملائم وأيضاً تأثير الإسكان على الناس نفسياً وإجتماعياً وثقافياً.[2]

يكشف التحليل المعمق لمشكلة الإسكان عن حقيقة كونها مشكلة حضرية ، أي متعلقة بحياة المدينة في المقام الأول، كما يكشف و يوضح التشخيص الواعي للمشكلة أن سببها الأساسي يكمن في ازدحام السكان و تمركزهم في المدن ، وهذا أساسا راجع إلى عمليات انتقال أهل الريف و البادية إلى المدن أو ما يعرف بظاهرة التحضر، هذه الأخيرة التي ترتب عنها العديد من الآثار و المشاكل التي تؤثر سلبا على الفرد و الأسرة، اجتماعيا اقتصاديا.

 فمن الملاحظ في هذه السنوات الأخيرة زيادة نسبة سكان الحضر على سكان الريف وذلك في العديد من مناطق و منه فإن مشكلة الإسكان الحضري تتجسد في زيادة معدلات التزاحم على الأرض و ارتفاع المباني، وتضاعف المساكن وارتفاع الإيجارات وغير ذلك من المظاهر الحضرية والمشاكل الإجتماعية و الإقتصادية و البيئية التي ترتبط أساسا بعاملين و هما زيادة نسبة لتحضر في المدن و كذا النمو الديمغرافي الذي يعتبر من العوامل الأساسية لتي تؤدي إلى فقدان التوازن و ظهور الأزمات التي يعيشها المجتمع المعاصر.

  لكن و بالرغم من التقدم الذي يعيشه العالم إلا أن عملية الإسكان مازالت متخلفة عن التقدم الصناعي ،و لا شك أن المشاكل السكنية في القرية ليست خطيرة ، حيث تزيد مشاكل الإسكان في المدن خاصة الصناعية ومنه فسنعرض أهم و أبرز العقبات التي تواجه الإسكان في دول العالم الثالث:

- الدخل المنخفض وارتفاع تكلفة السكن.
- الإمكانات المحدودة للدولة.
- سعر الأرض و التحكم بالمضاربة به.
- النقص في التمويل و انعدام الإدخار وصناعة البناء.
- التخلف في الهندسة المعمارية واستخدام المواد .
- انعدام التخطيط[3]

الفرع الثاني :إنعكاس النمو الحضري على المدن المغربية 

إنتشار مدن الصفيح:

   عرف المغرب مجيءالإستعمار نموا حضريا خاصة بالمناطق الساحلية و ذلك راجع إلى نزوح السكان من البوادي و القرى نحو هذه المناطق لتمركز مختلف الأنشطة الإقتصادية و الصناعية و التجارية بها ، لقد وجد المغرب نفسه بعد حصوله على الإستقلال تحت و طأة ارث سياسة الإستعمار في مجال التعمير و الإسكان، فبلغت نسبة النمو الحضري أكبر المعدلات ،حيث استمر نزوح الوافدين على المناطق الحضرية رغم الإختيارات الإقتصادية و البرامج التنموية التي نهجتها الدولة بعد الإستقلال[4]، و نظرا لضعف فرص الشغل بهذه المدن و تنامي عدد العاطلين و تدهور المستوى المعيشي للسكان ، لم تعد المدن قادرة على إيواء هذا العدد المتزايد من السكان، مما ترتب عنه تكدس الطبقات الفقيرة بأحياء الصفيح في ضواحي جل التجمعات الحضرية، و قد أضحت هذه الظاهرة واقعا ملموسا يفرض نفسه على السلطات العمومية التي تحاول معالجته بشتى الوسائل و الحلول كالإدماج وإعادة الهيكلة و توزيع البقع الأرضية بأثمنة رمزية و التدخل بالقوة في بعض الأحيان عن طريق تجريف البراريك و الدور التي بنيت بطريقة عشوائية كما حصل في منطقة سيدي الطيب بنواحي القنيطرة.
ظهور السكن العشوائي:

   يمكن تعريف السكن العشوائى على أنه ” نمو مجتمعات وإنشاء مباني ومناطق لا تتماشى مع النسيج العمراني للمجتمعات التي تنمو بداخلها أو حولها ومتعارضة مع الاتجاهات الطبيعية للنمو والامتداد وهى مخالفة للقوانين المنظمة للعمران”[5]. حيث يعتبر السكن العشوائي من الممارسات الغير القانونية التي تعرقل التخطيط الحضري و توسيع المدن بشكل منسجم، وقد لعبت مجموعة من العوامل دورا رئيسيا في ظهور هذا النوع من السكن بالمغرب ، وعلى رأسها ارتفاع التمدن الناتجة عن الهجرة من البوادي و القرى المغربية من جهة، و الذي يترتب عنه ارتفاع الطلب في مجال السكن ، و قلة الأراضي المجهزة للبناء، وكذا ارتفاع قيمة العقار بنسب المضاربات العقارية و أمام تدني الوضعية الإقتصادية لغالبية الفئات الإجتماعية بالمناطق الحضرية، أصبح اللجوء إلى السكن الغير اللائق حلا جوهريا لتخطي أزمة السكن و أصبح بذلك السكن الغير اللائق يناهز 20.000 وحدة سنوية حسب إحصائيات كتابة الدولة في الإسكان[6].

المطلب الثاني: ماهية المدن الجديدة ووظائفها

  إن فكرة المدن الجديدة بدأت منذ آلاف السنين فهي لا تعتبر فكرة جديدة أو حديثة المنشأ بل نشأت إستجابة لعدة مشاكل في المدينة القديمة، إن العوامل أو الأساليب التي تدفع العديد من الدول المتقدمة بصفة عامة والدول النامية بصفة خاصة لإنشاء مدن جديدة تكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد.

  فالمدن الجديدة عموما تظهر نتيجة لأسباب إجتماعية وإقتصادية من أجل سد الحاجات البشرية، هذا بالإضافة إلى أن أسباب سياسية تتصل بصفة خاصة باستراتيجية الدولة لإعادة توطين السكان بطريقة تتفق وحدودها السياسية ولعلها من أهم العوامل الإجتماعية التي ارتبطت بنشأة تلك المدن، تلك المتصة بالمشكلة السكانية من حيث التوزيع والكثافة والنمو، وما يتصل بها من أسباب ترتبط بتحسين ظروف المعيشة لكافة أعضاء المجتمع.

الفرع الأول: مفهوم وأنواع المدن الجديدة

1– مفهوم المدن

  إختلف العلماء والباحثين في الإتفاق على مفهوم موحد للمدن الجديدة فكل واحد يحددها حسب طبيعة الوسط الذي توجد فيه، وتختلف المدن الجديدة وفق الأسباب التي دعت إلى نشوئها. حيث تعتبر من السياسات التي تنهجها العديد من الدول لحل مشاكلها العمرانية وبالذات بالنسبة للمراكز الحضرية الكبرى بها.

  ومن هنا نجد أنه لابد من التعرف على ما يقصد بالمدن الجديدة التي نحن بصدد دراستها لذلك لابد من الوقوف على معناها ومفهومها، إستنادا إلى المدن التي تم إنشاؤها في الدول المتقدمة مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك التي أنشأت في بعض دول العالم الثالث.

  فقد اقترح (إبنزاز هوارد) بناء مدن جديدة بأكملها وضمن هذه الاقتراحات في الكتاب الذي أصدره عام 1828 عنوانه – مكان الحدائق غدا- ولم تكن هذه الفكرة التي حملها لنا تمثل نمطا من أنماط الضواحي القريبة من المدن القديمة، بقدر ما كانت مجتمعات جديدة مستقلة، تتمتع بالإكتفاء الذاتي حيث يبلغ تعداد وسكانها ما يقل عن 30 ألف نسمة ويتمتعون بوجود فرص عمل ملائمة والإقامة الدائمة بالمدينة، هذا إلى جانب الخدمات الترويحية للسكان[7]

  وقد قام “هوارد” بتنفيذ فكرته المتصلة بمدينة الحدائق عام 1907 وأخرى عام 1920 بعد ذلك بدأت الحكومة حملة نشطة لإنشاء تجمعات حضرية جديدة عام 1946 حتى بلغ عددها 28 مدينة جديدة عام1971، وهذا حتى يتم استقبال الفائض المتواجد في المدن الكبرى وخاصة مدينة لندن.

ومن هذا المنطلق ظهرت العديد من المدن الجديدة عبر العالم، وقد عرفها العديد من الباحثين والعلماء واختلفت التعاريف باختلاف المكان والزمان ونذكر بعضها:

  يرى صلاح بسيوفي أن المدن الجديدة هي ذلك المجتمع المحلي المستحدث الذي يتم إنشاؤه بناءا على أسس تخطيطية شاملة ومتكاملة بكلجوانبهالاقتصادية والتنظيمية ويلي ذلك نقل العناصر البشرية المختارة بشروط معينة، وذلك بهدف تحقيق وضع اجتماعي واقتصادي متطور عن الوضع السابق في المدن التقليدية ويكون الهدف منه تنمية وتطوير الموارد البشرية والإقتصادية ورفع المستوى الإجتماعي[8].

  وقد عرفها جول دولوفربي الذي يعتبر الأب الروحي للمدن الجديدة في فرنسا كما يلي ( إن المدن الجديدة عبارة عن مدن مستقبلية تحض بتقدم تكنولوجي عالي في جميع الميادين اقتصادية، سياسية، عمرانية….وتسمح بتوجيه التنمية في إطار الوظائف الإقتصادية والإسكانية[9].

  فيما يعرف البعض المدينة الجديدة على أنها نوع من تنظيم المجال في نقطة إلتقاء بمراكز حضرية جديدة والمحور المتميز للتمدن الذي يكون العنصر الديناميكي والإداري لنظام حضري جد معقد، إنها نقطة إرساء سياسة هادفة لتغيير مندرج لواقع الكثافة المرتفعة التي تعرفها المدن السابقة على إنشائها[10].

  لقد ورد في قانون 07.30 المادة 183 من المدونة التعمير 2008 تعريف للمدينة الجديدة حيث ورد (يراد بالمدن الجديدة المراكز الحضرية الجديدة المتعددة الوظائف والمتوازنة بالنظر إلى إمكانيات التشغيل والسكن والتجهيزات التي تعتزم توفيرها والمنتجة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية).

  وبعد كل هذه التعريفات التي أوردنا من خلالها توضيح معنى المدن الجديدة هذه الأخيرة التي انتشرت في معظم مناطق العالم، سنحاول إعطاء تعريفا شاملا وهو كالآتي (المدن الجديدة هي تلك المدن التي أنشأت بناءا على قرارات حكومية بطريقة موجهة، الهدف منها إستيعاب الزيادة السكانية وخلق فرص عمل جديدة، بالإضافة إلى تخفيف الضغط السكاني على المدن الكبرى وذلك من أجل دفع عجلة التنمية الإجتماعية والإقتصادية).

2- أنواع المدن الجديدة :

  إن عملية إنشاء المدن الجديدة يأتي في إطار سياسة قصيرة و متوسطة الأجل وأخرى طويلة الأجل ، فهناك منها ما يكون على شكل مدن تابعة قريبة من مراكز المدن الكبرى للاستفادة منها اقتصاديا و خدماتيا واجتماعيا أما النوع الثاني فنقصد به مدن مستقلة بذاتها ، و فيما يلي نعرض الأنواع الأساسية للمدن الجديدة :

أ- المدن الجديدة المستقلة:

  المدن في هذا النوع ذات كيان مستقل اقتصاديا، لا تعتمد على مجتمع موجود لكن لديها مقومات استمرار، حيث أنها تخطط وتنمى للوصول لأهداف مختلفة بجانب الإسكان الذي يعد جانبا في غاية الأهمية.

  فإقامة المجتمعات و المدن الجديدة المستقلة يهدف إلى إنشاء أقطاب للنمو الإقتصادي لها كيانات اقتصادية مستقلة ، مما يؤهلها لتجميع الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية ، لأن وجود تنمية في مناطق متقدمة يؤدي إلى تنمية المناطق المتخلفة القريبة منها من خلال آثار الإنتشار و التي تشكل بدورها أقطاب نمو عملية التنمية الإقتصادية و الإجتماعية. ومن الآثار التي تترتب على إقامة المجتمعات والمدن الجديدة المستقلة ، حدوث هجرة للعمالة من المناطق المتقدمة لتزويد هذه المناطق الأخيرة بالعمالة الفنية من الشباب ، و الهجرة إلى المدن الجديدة تؤدي إلى خلخلة في الكثافة السكانية نتيجة خلق فرص جديدة للعمل.[11]

   و عليه فالمدن المستقلة تعد مدنا ذات استيعاب كبير وتنشأ على قواعد و مقومات اقتصادية خاصة بها ، و لا تعتمد على المدينة الأم و تقام في مواقع تبعد على المدينة القائمة بمسافة كبيرة كافية لتحقيق الإستقلال المادي والإداري .

ب- المدينة التوأم:

    وهي تقام قرب المدينة الأم وتمثل توسعا عمرانيا في الأراضي الصحراوية، له قاعدته الإقتصادية ولكن على اتصال وثيق بالمدينة الأم في عدة مستويات من الخدمات والمرافق[12]

ج- المدن الجديدة التابعة:

  هذه المدن الجديدة عبارة عن مجتمع يعتمد اقتصاديا على مجتمع قائم بالفعل وإذا كانت فرص العمل خارج المدينة فإنها تصبح كسكن ليلي للسكان و بذلك فهي عبارة عن مراكز سكنية فقط لأنها تتغذى من المدن الكبرى ، و بالتالي فهي ليست بحاجة إلى نقل بعض الوظائف الحكومية إليها ، فضلا إلى ذلك فإن تكاليف النمو في هذه المدن تعتبرمعقولة ، مقارنة بالمدن المستقلة ، و منه فإن إنشاء المدن الجديدة التابعة يهدف أساسا إلى كسر حدة كثافة السكان العالية في المدن الكبرى لكنها تبقى تابعة لها من حيث الخدمات والمرافق و فرص العمل….إلخ. يوجد في هذا النوع خمسة أنماط من المدن الجديدة :

-1 مدينة تابعة، 2- مدينة مترو، 3- تقسيم أراضي، – 4 تنمية وحدات مخططة،- 5 مدينة جديدة داخل مدينة. [13]

  فالمدينة الجديدة التابعة تقام حول المدينة الأم، لامتصاص الكثافة السكانية المتزايدة على المدى القصير حيث تعنى المدينة التابعة بتخفيف العبئ عن المرافق و خلق فرص عمل ومقومات اقتصادية و لكنها دوما على اتصال وثيق بالمدينة الأم.

  ومما سبق يمكننا ذكر بعض العوامل التي تساعد في نجاح تجربة المدن الجديدة من أهمها:

- ضرورة تواجد سياسة عمرانية وبالتحديد سياسة للتنمية الحضرية على المستوى القومي و الإقليمي و هذا يساعد على نجاح فكرة المدن الجديدة وبذلك التوصل إلى أهدافها لحل المشاكل التي تواجه المدن الكبرى.

- تكامل الحكومة مع القطاع الخاص ، فيكون التعامل و التنسيق بينهما، لأن الحكومة ليس لها القدرة على تحمل كل الأدوار و المسؤوليات ، فيجب أن يكون هناك تعاونو تضافر مع القطاع الخاص، فيتحمل هو بدوره دوره في التنمية.

- الدقة في تحديد موقع المدينة لأنه هو الذي يحدد ما إذا كانت مستقلة أو تابعة ، دون أن ننسى توفي ر المرافق و الخدمات ، هذا العامل الضروري لاحتياجات السكان بالمدن الجديدة و يعد عامل جذب للسكان و بذلك عامل جذب لتنمية المدينة ، مع توفر المناطق المفتوحة و المساحات الخضراء.[14]

   و يبقى عامل ضروري و أساسي يعمل و بصفة مباشرة على نجاح تجربة المدن الجديدة و هو وجود “هيئة المجتمعات الجديدة” التي تعتبر الجهة الرئيسية التي تقوم على إدارة المدن الجديدة عن طريق أجهزة تنمية المدن الجديدة ، و يتمثل رأي الهيئة في رؤساء أجهزة التنمية ، و أعضاء المكتب الفني لوزير الإسكان و المرافق و المجتمعات الجديدة كممثلي لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. [15]

الفرع الثاني :وظائف المدن الجديدة

  يشهد العالم منذ بداية السبعينات تحولات اقتصادية و سياسية و فكرية هامة ،حيث أصبح أكثر تدخلا في علاقاته الإقتصادية ، فبرزت اتجاهات عالمية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية و العمرانية ، و نظرا لأن سياسة المدن الجديدة تستهدف في المقام الأول جذب الأنشطة الإقتصادية المتمركزة في المراكز الحضرية الكبرى ، و توفير المزيد من فرص العمل فإن هذه السياسة تعتبر اتجاها هاما لتنظيم التنمية الإقتصادية و الإجتماعية والطبيعية ، و منه فمن الصعب أن تقتصر المدينة الجديدة على وظيفة معينة ، فهي و عن أنشئت للقيام بوظيفة معينة فإنها على المدى البعيد ستتنوع أنشطتها و تتوسع أهدافها. و مما سبق فإننا نستطيع صياغة بعض الإقتراحات للوظيفة الأساسية للمدن الجديدة نذكر منها :

- تخفيف الضغط السكاني على المدن الكبرى نتيجة لخلق مناطق جذب جديدة.

- توفير فرص العمل للسكان .

- تحقيق أغراض اجتماعية واقتصادية من توفير الإسكان الجيد والمشاركة في التقليل من حدة الأزمة العقارية و كذلك تحقيق قدرا من التوازن للحركة السكانية في البلاد و تجسيد نوع من العدالة بين المدن و المناطق الجانبية في البلد الواحد.

- زيادة معدلات التنمية وتوفير المرافق والخدمات للسكان.

   و منه، فإننا نستطيع ذكر الأبعاد التي تبين لنا طبيعة نشأة ونمو المدن الجديدة وهي كالتالي:
- بعد ديمغرافي عمراني يهدف إلى إعادة توزيع السكان والتقليل من تركيزهم في المراكز الحضرية الرئيسية.

- بعد اقتصادي إنتاجي، يهدف إلى استغلال الموارد البيئية المتاحة –إن وجدت واستغلالها اقتصاديا، كما يهدف أيضا إلى إعادة توزيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة على خريطة الدولة بدلا من تكدسها في المدن الكبرى .

- بعد اجتماعي يهدف إلى إشباع الحاجات السياسية للأعداد المتزايدة من السكان الذين يتركون مواطنهم الأصلية أملا في حياة أفصل. [16]

  إن من أهم الوظائف التي جاءت لأجلها المدن الجديدة تتمثل في إعادة توزيع السكان على السطح السياسي و الجغرافي للدولة ، و ذلك للحد من الإزدحام الشديد في المدن الكبرى الذي يخلق أزمة حادة في الإسكان، هذه الخيرة التي تثير الكثيرة من المشكلات الإجتماعية واقتصادية والثقافية لأفراد المجتمع، و في ضوء ما سبق فإن أهداف إنشاء المدن الجديدة تنقسم إلى: [17]

أولا : أهداف كجزء من سياسة حضرية شاملة تستهدف خلخلة السكان في الأقاليم ذات الكثافة العالية و إنشاء مراكز حضرية جديدة تجتذب موجات الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر .

ثانيا : أهداف اقتصادية ترمي إلى إضافة طاقة إنتاجية للمجتمع و ذلك بإقامة مدن صناعية جديدة تجتذب الصناعات الكبيرة و المتوسطة و الصغيرة بدلا من تمركزها في المدن الكبرى و بذلك توفير أساسا اقتصاديا .

ثالثا : أهداف اجتماعية ترمي إلى إشباع الحاجات الأساسية لأعداد متزايدة من السكان يتركون مواطنهم الأصلية أملا في حياة أفضل ، يجدون في فرص العمل المتاحة ما يحقق لهم حراكا اجتماعيا يمكنهم من الحصول على الخدمات المختلفة لهم و لأسرهم ، مما يشجع العاملين على الإقامة و الإستقرار في المدن الجديدة .

  فالمدن الجديدة تعتبر إحدى الحلول التي تبنتها الدول المتقدمة والنامية أيضا للتقليل من التركيز السكاني و كذا استغلال المناطق الصحراوية والنائية المتوفرة فيها.

  فتؤدي هذه المدن الجديدة إلى انتشار السكان في مساحات جديدة في الدول و ذلك عن طريق : 

- خلق تيارات هجرة من المدن الكبرى المزدحمة بالسكان إلى هذه التجمعات الجديدة.

- تحويل تيارات الهجرة القادمة من الريف إلى المدن القائمة في اتجاه المدن الجديدة و ذلك يترتب عليه :

- خفض الكثافة السكانية في المناطق المزدحمة مما يؤدي إلى زيادة كفاءة تشغيل المرافق و الخدمات لعدد اقل من السكان .

- رفع الكثافة في المناطق الخفيفة مما يساعد على زيادة القدرة على استغلال مواردها.

المبحث الثاني : إستراتيجية المدن الجديدة

المطلب الأول : إستراتيجية تخطيط و تنمية المدن الجديدة

   إن المدينة متغيرة الشكل والحجم والوظيفة، لذا فهي تستمر في النمو والتطور بمرور الزمن ولغرض توفير حاجة الإنسان من سكن ونقل وترفيه وخدمات، لا بد من توفير أرض مناسبة لتوسع المدينة عليها ، وقد يسمح موقع بعض المدن بالتوسع في اتجاهات عدة برية وحتى بحرية، حتى تصل إلى مساحة يتم إيقاف توسعها والعمل على إيجاد بدائل خارج حدود المدينة، حيث يتم استخدام نظام المدن الجديدة تابعة كانت أو مستقلة، أنشأت هذه المدن للإستجابة إلى مشاكل المدن الكبرى، و سنعرض فيما يلي استراتيجيات تخطيط هذه المدن وتنميتها وهل روعي فيها تجاوز المشاكل والنقائص الموجودة في المدن القديمة أو الكبرى .

الفرع الأول : استراتيجية التخطيط المدن الجديدة

عمد المخططون و أصحاب القرار في العديد من الدول إلى محاولة تفادي الأخطاء والمشكلات الموجودة في المدن الكبرى و ذلك بوضع خريطة جديدة للمدن ، فيها قفزة هائلة من الفكر الذي يشتمل على:

- إن الحي السكني يجب أن يكون في أفضل الأماكن داخل المدينة من حيث الموقع و المناخ، وصول أشعة الشمس إليه و قربه من المساحات الخضراء.

- عند تخطيط المساكن يجب أن ينال كل مسكن و لو قسط بسيط من أشعة الشمس.

- أن تكون المناطق الصناعية معزولة عن المناطق السكنية بمساحات خضراء كافية.

- يجب ربط منطقة وسط المدينة والأنشطة العامة بالأحياء السكنية بشبكة من الطرق و المواصلات تفي باحتياجات حركة نقل الأفراد اليومية.

- الإهتمام بالمناطق الخضراء داخل المدينة و محاولة زيادة رقعتها لتشكل أيضا في تكوين مناطق عزلة بين محاور الطرق الرئيسية ذات أحجام مرور عالية والمناطق السكنية المحيطة بها.

- إن التلوث بأنواعه المختلفة (تلوث الهواء، الماء، التلوث بالنفايات والفضلات والضوضاء…) يلخص مختلف التهديدات البيئية التي يتعرض لها الأفراد وتكون خطر على حياتهم ومنه فيجب إحداث تخطيط تراعا فيه عملية التقليص أو الحد من هذه الظاهرة.[18] 1ومنه فيجب مراعاة العمارة لعنصر المناخ و النظر إليه كأحد العوامل المهمة التي تؤثر في عملية التخطيط العمراني ، جزء من مخطط أكبر لعمارة تراعي البيئة التي تحتضنها بظروفها وخصائصها و طبيعة موردها، وتندرج فيها بطريقة تتكامل معها وتثريها وتحفظها، وتحقق لسكانها أكبر قدر من الراحة و الظروف الصحية الملائمة ومن هنا تظهر أهمية تحقيق السكن الملائم للأفراد في هذه المدن الجديدة مع مراعاة أهمية توافر عاملي الشمس و الهواء اللذان يوفران تحسين الصحة ، ويتم ذلك بعملية اتباع استراتيجيات تخطيط مناسبة و ناجعة لإنشاء مناطق سكنية مناسبة للإقامة والعمل والترفيه في هذه المدن الجديدة.

  ولهذا عمد المخططون في العديد من الدول إلى محاولة تفادي الأخطاء والمشكلات في المدن الكبرى خاصة في مجال التخطيط الحضري و ذلك عند إنشاء “مدن جديدة” حيث تكون عملية التخطيط فيها تهدف إلى:

- تحقيق التوازن بين عدد السكان في المدينة الجديدة وبين حجمها ومساحتها الجغرافية.

- تحسين العلاقة بين المساكن والشوارع والمناطق الصناعية والخدمات العامة بحيث لا يطغى قسم منها على الآخر، ولا يحرم من أحدها، حتى من الحياء وإيجاد نوع من الإنسجام بينها.

- إنشاء المساحات الخضراء والفضاءات الترفيهية في الأحياء السكنية لتكون متنفساً للسكان و مكانا لقضاء أوقات الفراغ.

- محاولة التقليص أو الحد من ظاهرة التلوث التي أصبحت تهدد الحياة البشرية والبيئية وذلك بالقيام بعملية فصل المناطق السكنية عن المناطق الصناعية واتخاذ وسائل حديثة في ذلك مع عملية التوعية البيئية للسكان التي تبين لهم مدى خطورة التلوث بأنواعه على الإنسان و الحيوان و النبات. 

الفرع الثاني : استراتيجية تنمية المدن الجديدة

  كما ذكرنا سابقا ، فإن عملية إنشاء المدن الجديدة تأتي كبديل أو كحل لتخفيف الضغط السكاني على المدن القائمة ، بهدف زيادة الدخل القومي و توفير فرص العمل مع إنشاء صناعات في مناطق عديدة للإستفادة من الناتج الإقتصادي لها.

  ومما لا شك فيه أن أي استراتيجية توضع لتنمية هذه المدن فإنها سوف تضع في اعتبارها مختلف المقومات والمعايير الإقتصادية والإجتماعية التي تهدف إلى التنسيق بين عناصر التنمية المختلفة للإستغلال الأمثل لمواردها.

  و لقد اعتمدت عدت استراتيجيات للتنمية هذه المدن تتداخل معا في منظومة واحدة شأنها في ذلك شأن أي عمليات تنموية نذكر منها[19]:

1- استراتيجية التنمية الصناعية:

  إن إستراتيجية التنمية الصناعية لا تنفصل كلية عن الاستراتيجيات الأخرى بل هي مساندة بدور فعال في عملية التنمية، حيث تساعد على التمتع بإمكانيات و مقومات الإنتاج الزراعي و التعديني بالمنطقة ، و يمكن تحديد استراتيجية التنمية الصناعية كالآتي:

- إقامة صناعات غير ملوثة للبيئة.

- تحقيق إنتاج صناعي يغطي احتياجات الدولة و تصدير جزء آخر للدولة.

- إقامة صناعات قليلة الإستهلاك للمياه و ذات تقنيات عالية.

- توسيع مساهمة القطاع الخاص في تنمية قطاع الصناعة.

2- استراتيجية التنمية العمرانية:

  تهدف الإستراتيجية المقترحة إلى الإنطلاق من المعمور الحالي إلى المناطق ذات الإمكانيات الصالحة للتعمير، بحيث يكون هناك ظهير عمراني قائم يدعم الإنطلاق على عمليات التعمير المقترحة المختلفة ، حيث تتمثل استراتيجية التنمية العمرانية في:

- تجنب إقامة التجمعات العمرانية في المناطق الصالحة لعملية الاستزراع أو المحتوية على موارد تعدينية، و ذلك للحفاظ على الثروات الموجودة.

- تجنب إقامة التجمعات العمرانية في الكثبان الرملية و مجاري السيول.

- تجنب إقامة التجمعات العمرانية في مناطق المحميات.

- مراعاة تصميم المباني بما يتساير مع المناخ القاسي من الحرارة والرطوبة وذلك بحسن اختيار مواد البناء المتاحة والفكر التصميمي المناسب للبيئة.

3- استراتيجية الجذب السكاني:

  إن عملية الجذب السكاني تشكل محورا أساسيا لعملية التنمية، فبدون السكان لا تكون هناك تنمية ، و تتمثل استراتيجية الجذب السكاني في:

- الإغراءات المادية من خلال فرص العمل و العائد المجزي الذي يغنيهم عن التفكير في البحث عن البديل .

- إغراءات التوطين بتوفير مساكن ملائمة للشباب حديثي الزواج وراغبيه وخصوصا لمن يفتقدون على المسكن المناسب في موطنهم القديم.

- توفير وسائل الأمن والأمان والتعليم والصحة والترفيه للسكان الجدد.

   ومنه فإن عملية وضع استراتيجية لتخطيط وتنمية المدن الجديدة يلعب دورا هاما في عملية التنمية وجذب السكان لها، ومنه الوصول إلى تحقيق الأهداف التي أنشئت لأجلها المدن الجديدة وبذلك الوصول إلى زيادة الدخل القومي ومنه دفع عجلة التنمية في الدولة، هذا ما يساعدها على التغلب على مشاكلها بالتوصل إلى حلول أو بدائل يحقق لها ذلك.

المطلب الثاني : المدن الجديدة في المغرب

الفرع الأول :التجربة المغربية في مجال المدن الجديدة

    ظهرت البوادر الأولى لإنشاء المدن الجديدة بالمغرب منذ فترة الحماية، حيث أقدمت سلطات الحماية على بناء عشرات الأحياء الأوربية إلى جانب المدن العتيقة المغربية و ذلك لتأكيد ترسيخ الثقافة الأوربية للمستعمر و تهييء الظروف لتحقيق مساعيه الإقتصادية و السياسية على وجه الخصوص فظهرت بذلك عدة مدن من أبرزها مدينة القنيطرة و التي تم تأسيسها من قبل اليوطي و ظلت تحمل إسمه إلى حين حصول المغرب على الإستقلال، و كانت بمثابة مجموعة ثكنات عسكرية تنطلق منها عمليات التهدئة بمختلف مناطق المغرب، إضافة إلى دورها الإستراتيجي كصلة وصل بين مختلف المنطق المغربية، و كان من أهم المخططين لهذا النوع من المدن المهندس هنري بروست و ذلك على أساس قاعدتي الفعالية و الجمالية.[20]و قد استمرت سياسة بناء المدن إلى مرحلة الإستقلال،ودلك نتيجة لزحف الهائل للسكان البوادي نحو المدن الكبرى بحثا عن العمل .ولقد استقروا في ظواحي المدن مشكلين تجمعات سكانية من مدن الصفيح مما نتج عن ذلك بروز مجموعة من الظواهر الإجتماعية و الإقتصادية التي عمت مجموعة من المدن. فتوجهت بذلك الدولة المغربية نحو نهج العديد من الدول و من بينها مصر التي كانت أول دولة عربية حاولت محاربة مشكلة أزمة السكن و السكن العشوائي بإنشاء مجموعة من المدن الجديدة . رغبة للتحكم في التوسع الحضري و كذا لضمان التوازن على مستوى توزيع التراب الوطني للمملكة ، فكان الخطاب الملكي السامي ل9 يوليوز1981 اللبنة الأولى لإنشاء المدن الجديدة بالمملكة ، حيث شدد على ضرورة بناء مدن جديدة على مساحة 30 إلى 40 كلم بطاقة استعابية تتراوح بين 40إلى 50 ألف نسمة. و تفعيلا للخطاب الملكي فقد شرعت الهيئات المكلفة بالإسكان بتخطيط و بناء العديد من المشاريع و قد اتخدت هذه المشاريع شكل مناطق عمرانية جديدة لاترتقي لصفة المدينة الجديدة، حيث أن الهدف منها هو تحقيق التحكم في التنمية الحضرية و محاربة السكن الغير الائق من جهة. و من بين هاته المناطق ( المنطقة العمرانية لولاد زعير بمساحة 86 هكتار-المنطقة العمرانية سيدي عبد الله بمساحة 220هكتار).و تبقى مسيرة البحث عن حلول لمشكل الإسكان لحين صدور مدونة التعمير سنة 2008 والتي أدرجة في محتوياتها عن المدن الجديدة بالمغرب، فلقد كانت نتيجة للمبادرة ملكية بتدشين مدينة جديدة و ذلك بتاريخ 13مارس 2007 وهي مدينة تامسنا كمدينة مندمجة مخطط لها بأن تستقبل في أفق 2020 ما يقارب 250000 نسمة على مساحة 840 هكتار كنواة أولى لوعائها العقاري.

الفرع الثاني: نمادج المدن الجديدة بالمغرب

  أخذ المغرب على عاتقه إحداث 15 مدينة جديدة، في أفق سنة 2020، موزعة على التراب الوطني قصد الحد من النمو الديمغرافي المتوقع في المجال الحضري، وباعتبارها بديلا عن التوسع غير المتناسب للمدن الكبرى.

   وتروم هذه الفضاءات الحضرية الجديدة، المزودة بالعديد من التجهيزات الحضرية والمساحات الخضراء ومحطات معالجة المياه العادمة ونسيج اقتصادي هام، استيعاب النمو العمراني الذي يتم بطريقة غير متحكم فيها بالشكل المطلوب، وبالخصوص، على مستوى التجمعات السكنية التي تعرف نموا ديمغرافيا مرتفعا كالدارالبيضاء ،الرباط ،مراكش و طنجة. وعلاوة على الساكنة التي ستحتضنها في غضون بضع سنوات، ستمكن هذه المراكز من إعادة توازن حقيقي لتهيئة التراب، وضبط السوق العقاري، وذلك بتقديم سكن وفضاءات للأنشطة بأثمنة معقولة وفي إطار حضري مناسب، وظروف جيدة للخدمة والتجهيز، وبيئة سليمة. وفي إطار الرؤية ذاتها، تم الشروع في تشييد مدينتين جديدتين هما “تامنصورت” على أبواب مراكش، الثمرة الأولى لهذه السياسة، و”تامسنا” في ضواحي غرب الرباط ، واللتان وصلت الأشغال بهما إلى مرحلة متقدمة جدا. كما يجري حاليا إنجاز دراسات الجدوى المتعلقة بتشييد مدن جديدة مماثلة، هي “الخيايطة” على بعد 8 كلم جنوب الدار البيضاء على مساحة تقدر بألف و300 هكتار من اجل احتضان 300 ألف نسمة، و”شرافات” التي تقع على بعد 18 كيلومترات جنوب شرق طنجة.

أ- مدينة تامسنا:

   تقع مدينة «تامسنا» الجديدة على بعد 12 كيلومترا جنوب الرباط، وتبعد بنحو 8 كيلومترات عن مدينة تمارة وبنحو 7 كيلومترات عن الطريق البرية الرابطة بين الدار البيضاء والرباط. على مساحة 1000 هكتار من أملاك الدولة، ويشمل نطاقها الحضري الذي يغطيه قانون التهيئة الخاص بها مساحة 4000 هكتار. وتشرف على إنشاء المدينة مجموعة «العمران» التابعة لوزارة السكنى، التي تمركز تدخلات الدولة في مجال السكن على الصعيد الوطني، وتهدف المدينة إلى استيعاب النمو الحضري لمدينة الرباط وضواحيها. إن العجز الحالي المتراكم في مجال السكن بالمنطقة يقدر بنحو 30 ألف وحدة سكنية، وتعرف المنطقة نموا في الطلب على السكن بنحو تسعة الاف وحدة سكنية في السنة، ويقدر إجمالي الحاجيات المرتقبة في أفق 2020 بنحو 165 ألف وحدة سكنية، ستوفر منها مدينة تامسنا نحو 50 ألف وحدة سكنية، أي نسبة 30% من الحاجيات المتوقعة في أفق 2020. ويفسر هذا الطلب المرتفع الإقبال الكبير الذي يعرفه المشروع.

   وتتجه الرباط مند سنوات إلى تفريغ نموها الديموغرافي في الضواحي وفي المدن المحيطة بها نظرا للحدود التي تفرضها عليها طبيعتها كعاصمة للمغرب. فخلال الفترة ما بين الإحصاء العام للسكان عام 1994 وآخر إحصاء عام للسكان في سنة 2004 عرفت مدينة الرباط نموا بنسبة 0.1% فقط فيما نمت مدينة تمارة المجاورة بنسبة 5.3%. فمدينة الرباط بإعتبارها عاصمة سياسية وإدارية للمغرب تمارس جاذبية كبيرة واستقطابا كبيرا للسكان بحثا عن وظائف وعن ظروف عيش أفضل. غير أن انعدام الوعاء العقاري من جهة، ومحدودية المدينة داخل حزامها الأخضر من جهة، والبحر ووادي أبي رقراق من جهة أخرى جعل الضغط العمراني يتحول إلى المراكز الحضرية المجاورة. وغالبا ما يتم هذا التوسع الحضري بطرق غير قانونية وعشوائية، إذ ان 40% من سكان مدينة تمارة يعيشون في أحياء من القصدير.

ب- مدينة تامنصورت:

  تقع المدينة الجديدة “تامنصورت” في جماعة حربيل على بعد 7 كلم عن مراكش على مساحة 1200 هكتار لفائدة 300 ألف نسمة،و الهدف من إنشاء مدينة تامنصورت تخفيف الضغط الديمغرافي على مدينة مراكش و استقطاب حضري للمناطق المجاورة للمدينة الحمراء بخلق قطب حضري واقتصادي يمكن من انشاء مدينة متكاملة ومنسجمة. و تبلغ التكلفة الإجمالية لإنشاء المدينة بحوالي 24.5 مليار درهم تضم المدينة مجموعة من العروض المختلفة للسكن حيث تحتوي على قطب للسكن و الخدمات و الذي يقدم عروضا تصل إلى 58000 سكن من بينها 15000 سكن لإعادة إسكان أسر السكن الغير اللائق، ولإنجاز تجهيزات القرب خصصت له مساحة 160 هكتار كما خصصت للمناطق الخضراء مساحة تقدر ب200 هكتار و تحتوي المدينة على مناطق مخصصة للانشطة الاقتصادية والحرفية و دلك سعيا لإنعاش و تنمية المدينة من الناحية الإقتصادية .

ج- مدينة الشرافات:

  تعتبر المدينة الجديدة الشرافات بولاية طنجة تطوان أول حاضرة في المغرب ستتوفر على “ميثاق الهندسة المعمارية”،لضبط التعمير والهندسة والجمالية العامة للبنايات.
الميثاق المعماري للمدينة الجديدة سيكون ذا طابع معماري أندلسي مغربي مع احترام علو 4 طوابق كأقصى حد،وتغطية الأسقف بقرميد أزرق،وتوحيد لون الواجهات،ما سيجعل المدينة الجديدة منسجمة مع الطابع المعماري التقليدي لمدن شمال المملكة.وتقع مدينة الشرافات على بعد حوالي 18 كلم جنوب شرق طنجة وستمتد مدينة الشرافات على مساحة 769 هكتارا،وستوفر بعد نهاية الأشغال 30 ألف وحدة سكنية،وستكون قادرة على استقبال 160 ألف نسمة،بينما تتطلب أشغال التهيئة والبنيات التحتية 3ر2 مليار درهم.

   ويدخل تشييد مدينة الشرافات في إطار استراتيجية الدولة لاستباق الحاجة إلى السكن بشمال المغرب نظرا لوجود مجموعة من المشاريع المهيكلة التي ستستقطب عشرات الآلاف من مناصب الشغل.ففي محيط الشرافات،يقوم الفاعل الفرنسي في صناعة السيارات “رونو” بتشييد مصنع على مساحة 309 هكتارا،كما سيتم فتح منطقة حرة على مساحة 300هكتارا بالقرب من المدينة.

د - مدينة الخيايطة:

  يندرج مشروع المدينة الجديدة “الساحل لخيايطة” ضمن توجهات المخطط الوطني لإعداد التراب ومخطط التنظيم الوظيفي والتهيئة كما أنه يزكي الخاصية الصناعية لإقليم برشيد ويساهم في تنمية التجمع الحضري للدار البيضاء الكبرى و من مجموعة الأهداف التي يرمي إليها الحد من إنتشار العشوائي للسكن داخل المجال الترابي للجماعات المجاورة و دعم التنمية الحضارية بنواحي الدار البيضاء كما يهدف إلى تقوية التوجه الصناعي لإقليم برشيد والمدينة الجديدة “الساحل لخيايطة” التي ستمتد في الناحية الجنوبية بمحاذاة الطريق الثانوية 3011 في اتجاه مدينة برشيد . تناهز المساحة للوعاء العقاري للمشروع حوالي 1300 هكتار، منها تتكون من عدد من القطع التابعة للأملاك المخزنية. وتتطلب تعبئة العقار وتدبيره مجهودا كبيرا ومتواصلا بهدف تلبية الحاجيات المستقبلية للمدينة الجديدة .

إن الأثر الاقتصادي للقطب الحضاري الساحل الخيايطة يتمثل في :

– وجود مؤشرات دالة على أن المنطقة تسجل حركية إقتصادية جد مهمة.

– إنجاز هذا المشروع سيمكن الجهة الشاوية ورديغة من استثمارات هامة .

– المشاريع المنجزة ستمكن من الرفع من الناتج الداخلي الخام الجهوي من 4 الى 6 نقط خلال 15 سنة القادمة.

– القطب الحضري الجديد سيمكن من خلق حوالي 61.000 منصب شغل جديد.

– المنطقة الجديدة ستمكن من خلق سوق محلي لأكثر من 280.000 نسمة

الخاتمـة

   تسلك الدولة في السنوات الأخيرة مسلكا جديدا في إطار مجال الإسكان و النهوض بالسكن الإجتماعي على وجه الخصوص و تحقيق التنمية على مستوى الحواضر و المدن المغربية . و تعد سياسة المدن الجديدة سياسة طموحة تهدف إلى تنمية الضاحية من جهة،و الإستجابة لحاجيات السكان و القضاء على المدن الصفيحية والسكن الغير الائق من جهة أخرى و ذلك لتوفرها على تجهيزات و خدمات متنوعة إضافة إلى إنفتاحها على مختلف الشرائح الإجتماعية.

   فالمدينة الجديدة يجب أن تستوفي للجميع متطلبات ساكنيها من مرافق عمومية ، و مدارس،مستشفيات،مناطق صناعية و أن لايقتصر المفهوم لمجرد مدن للنوم.

لائحة المراجع:

مراجع بالعربية:

- الهادي مقداد”السياسة العقارية في ميدان التعميرو السكن”،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.

- د.عبد الله حداد،قطاع الإسكان بالمغرب ص111

- مصطفى عمر حمادة، السكان وتنمية المجتمعات الجديدة، دار المعرفة الجامعية للإسكندرية 1998.

- عبد الرحمان البكريوي”التعمير بين المركزية و اللامركزية “،مطبعة النجاح الجديدة،1993صفحة2

مراجع بالفرنسية

/une ville nouvelle lomment ca fonctionne .H. geographiaue, cr2teiel, htm.par lanotte lair .P.03

Les villes nouvelles en france ; merlen p. Faus.P.V, 1991,page82.

مواقع الإلكترونية




[1] د.عبد الله حداد،قطاع الإسكان بالمغرب ص111

[2] http://www.eng2all.net

[3] ترجمة ولید الزامل.كتاب المدینة و مشاكل الإسكان.لشارلز أبرامز
www.al zamil.org :

الهادي مقداد”السياسة العقارية في ميدان التعميرو السكن”،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء[4]

[5] ar.wikipedia.org/wiki/منطقة_عشوائية

[6] تقرير عن السكن الحضري سنة 2001 لكتابة الدولة في الإسكان.

مصطفى عمر حمادة، السكان وتنمية المجتمعات الجديدة، دار المعرفة الجامعية للإسكندرية 1998، ص43.[7]

مصطفى عمر حمادة، مرجع سابق ص45.[8]

[9] F/une ville nouvelle lomment ca fonctionne .H. geographiaue, cr2teiel, htm.par lanotte lair .P.03

[10] Les villes nouvelles en france ; merlen p. Faus.P.V, 1991,page82.

[12]– منتدى مھندس كوم- د. رمزي زكي – مشكلة التضخم في مصر

[13]– . دالیا حسین الدردیري : ، ص 55

[14] :File//G priorité au développement des ville nouvelles.htm 12.06.2008 – 12h.30.

[15] دالیا حسین الدردیري : مرجع سابق ض 132

[16] مصطفى عمر حمادة : مرجع سابق ص ص 174

[18]د. محمود عبد الباقي إبراھیم –إدارة مشروعات المجتمعات الجدیدة –المنتدى الخلیجي الأول لتطویر المشروعات :

مجمع عمران نت – استراتیجیات و آلیات تنمیة المدن الجدیدة –سید عباس علي ، مؤتمر الأزھر الھندسي الدولي التاسع[19]

[20] عبد الرحمان البكريوي”التعمير بين المركزية و اللامركزية “،مطبعة النجاح الجديدة،1993صفحة2

المصدر : مجلة المعرفة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا