التسميات

الجمعة، 20 يناير 2017

الدينامية المجالية للدار البيضاء ...


الدينامية المجالية للدار البيضاء



  تعتبر الدار البيضاء متروبولاً حضرياً كبيراً بالمغرب يحضى باستقطاب وطني كبير يدفع بمجاله نحو التوسع في اتجاهات مختلفة رسمية أو ناتجة عن إرادة الرأسمال الخاص.

  فهذا النص الذي بين أيدينا يطرح مظاهر التوسع الحضري لمدينة الدار البيضاء الذي يسلك اتجاهات تختلف حسب الجهات المحتضنة لهذا التوسع.

1) التوسع الرسمي للمدينة:

  يتجلى هذ التوسع الرسمي في الاتجاه نحو الشمال الشرقي الموروث عن فترة الاستعمار الفرنسي المراد منه خلق محور حضري يربط بين جنوب المحمدية والشمال الشرقي للدار البيضاء في الإطار العام الرامي إلى تكوين محور صناعي كبير بمحاذاة المحيط ينطلق من الدار البيضاء نحو القنيطرة.

  إذا كان هذا التوجه الرسمي قد أملته الريادة الاقتصادية للدار البيضاء خاصة في ميدان الصناعة إلا أنه في بادئ الأمر كان عبارة عن مبادرة للرأسمال الخاص المرتبط بالتصنيع. ومع تزايد الأحياء الهامشية المحيطة بالمجال الصناعي لعين السبع وبروز الصناعة كأولوية إستراتيجية للدار البيضاء أصبح من اللازم مسايرة هذا التوجه من طرف الدولة بعد أن كان الاتجاه في الطريق التجاري لمديونة هو الاتجاه الرسمي للمدينة أيام كانت ترتكز على التجارة كنشاط اقتصادي أساسي.

أ‌- طبيعة التوسع: 

  إن دور الصناعة في التوسع نحو الشمال الشرقي يتجلى في وجود الحي الصناعي الممتد على طول الساحل الاطلنتي انطلاقاً من النواة الأولى في الصخور السوداء ليتوسع بعد ذلك في اتجاه عين السبع. و بجواره تمتد مجموعة من التجمعات السكنية العمالية في عين السبع وسيدي البر نوصي.

ب‌- الحصيلة و الآفاق :

  لم يحضى التوسع نحو الشمال الشرقي باهتمام الخواص رغم ما وفرته الدولة من تجهيزات وامتيازات. بل ثم التوجه نحو محاور أخرى معاكسة للتصاميم الحضرية وقد تعددت أسباب هذا النزوح للرأسمال الخاص فمنها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي فالدولة رغم جعلها هدا الاتجاه رسمياً إلا أنها ساهمت بطريقة أو بأخرى في عدم إتمام هذا المخطط وهنا أيضاً يدخل تضارب المصالح السياسية والاقتصادية التي جعلت التوسع يتم في اتجاهات أخرى رغم ما يشوبها من نقص في التجهيزات.
 
  و مؤخراً تم إطلاق مشروع زناتة بتجهيز البقع وعرضها للبيع. و كانت الغاية من وراء هذا المشروع هو إعادة الاعتبار لهدا الاتجاه لإكمال الربط بين الدار البيضاء و المحمدية.

2) التوسع نحو الجنوب :

  إن العزوف عن التوسع نحو الشمال الشرقي الذي تحتضنه الدولة قابله نزوح نحو الجنوب من طرف أصحاب المبادرة الخاصة في إطار بعض الصناعات و الأحياء السكنية للفئات الوسطى انطلاقاً من المركز في اتجاه لساسفة وسيدي معروف.

  و يدخل هذا التوسع في تكوين أحياء سكنية بالهوامش إما لإعادة إسكان قاطنة الأحياء المهددة بالانهيار – المدينة القديمة – كحي النسيم و أحياء سكنية موجهة للفئات الوسطى.

  لم تمنع الطبوغرافية الغير ملائمة لهده المجالات – وجود واد بوسكورة – من إن تدخل ضمن المجالات الأكثر توسعاً في الآونة الأخيرة و رغم ما يشوب هذه المجالات من نقص في التجهيزات فمثلاً سيدي معروف بني على شكل مكعبات الواحدة تلوى الأخرى دون التركيز على ضرورة وجود مساحات خضراء بالشكل الكافي وهذا كله يرجع إلى غياب التصميم الحضري والى بحث للمستثمرين عن الربح مما يخلق مشاكل تتفاقم مع الزمن.

3) محور الفئات الشعبية : 

  يأخذ هذا المحور اتجاهه نحو الشرق انطلاقاً من المركز و بالتحديد من بن جدية ويتفرع إلى فرعين أساسيين فرع يتجه إلى سيدي مومن و فرع آخر يتجه إلى السالمية.

v فرع سيدي مومن :

   يمر عبر لاجيروند ومجموعة من الأحياء الشعبية أهمها عين برجة الحي المحمدي المسيرة بورنزيل وسيدي مومن. كما شهدت هوامش هذا المحور دينامية كبيرة في الآونة الأخيرة في إطار تشييد أحياء للسكن الاقتصادي و الاجتماعي كحي الأناسي و حي النهضة و مشروعي حي الأمان و رياض البرنوصي.

v فرع السالمية :

  يمر هذا الاتجاه بعدة أحياء شعبية أهمها حي الاحباس الذي بناه ليوطي على الشكل الإسلامي ليكون بمثابة حي تاريخي للدار البيضاء على غرار باقي المدن المغربية العتيقة. و درب السلطان بوشنتوف درب الفقراء القريعة هذه الأحياء تعرف اكتضاضاً كبيراً من السكان نظراً للرواج التجاري الكبير الذي يعرفه درب السلطان مما يوفر فرصاً للشغل و إن كانت غير قارة كما تعرف هذه الأحياء وضعية عمرانية متدهورة حيث تكثر بها الدور الآيلة للسقوط أو التي سقطت أصلاً وما يزيد الطين بلة هو الاستغلال المفرط للسطوح حيث تغطى بالقصدير ويتم كرائها وهذا ما يزيد الضغط على سكن يعتبر أصلاً غير لائق.

   كما يمتد هذا المحور على بين المدن و عين الشق و سيدي عثمان و ما يجدر الإشارة إليه هو أن رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة للقضاء على سكن الصفيح إلا أنه ما يزال ينتشر في بعض مناطق سيدي عثمان. وينتهي هذا المحور بقرية الجماعة و السالمية.

  و ضمن هذا المحور أيضاً يتفرع فرع آخر ينطلق من درب الكبير مروراً بحي الفرح والسلامة في اتجاه حي مولاي رشيد.

4) محور الفئات الميسورة: 

  يتجلى في سكن الفيلات الذي يتخذ اتجاهين أساسيين : 

v الاتجاه نحو الجنوب الشرقي :

  ينطلق هذا الاتجاه من المركز و يمر عبر مرس السلطان و المستشفيات و ليتسع أكثر في الواحة و بولو و الكريمات لينتهي بكاليفورنيا.

  و ما يلاحظ في هذا المحور هو تحول بعض الأحياء القريبة من المركز– مرس السلطان و المستشفيات – إلى التوسع العمودي و ذلك يرجع إلى الضرورة الملحة في تكثيف استغلال المجال في منطقة لم تعد تتوفر على مجالات شاغرة للتوسع الأفقي و أيضاً ارتفاع قيمة هذه الأحياء.

v الاتجاه نحو الجنوب الغربي :

  كان سكن الفيلات في بادئ الأمر سكن مخصص للأوربيين منذ بداية القرن العشرين و الذي توسع فيما بعد في اتجاه الجنوب الغربي انطلاقاً من ليزوتانيا عبر غوتيي راسين و برغون وأنفاً في اتجاه عين الدياب.

  و ما يلاحظ على سكن الفيلات هو استغلاله للمجال بشكل مفرط حيث تضيع مساحات كبيرة في الحدائق و المسابح و أمور أخرى ترفيهية عكس سكن العمارات و السكن الشعبي وهذا يظهر انطلاقاً من النظرة العامة للأحياء حيث تكون أحياء الفيلات مشتت المساكن و يطغى عليها طابع الإخضرار و أحياء العمارات تبدو متلاصقة تغيب فيها الفراغات. كما يتبين لنا هذا انطلاقاً من الكثافات السكانية حيث ترتفع في الأحياء الشعبية بينما تنخفض في أحياء الفيلات. 

خلاصة:

   إن المدار الحضري للدار البيضاء عرف منذ بداية القرن العشرين توسعاً على شكل نصف دائري يتمحور حول المركز الذي لا يمكن فصل توسعه عن توسع الهوامش التي جاءت كتكملة لتوسعه. ولعل ما يوضح لنا ذلك هو تخطيط الطرق التي جاءت على شكل نصف دائري تحوم حول المركز وعلى شكل إشعاعات في اتجاهات الهوامش. 

  وقد عرفت الدار البيضاء تقسيماً عمرانياً و اقتصادياً متبايناً تجلى في تخصص الشمال الشرقي في الصناعة و الأحياء الشعبية المغذية للمصانع و تخصص الجنوب الغربي و الجنوب الشرق في سكن الفئات الميسورة و سكن الفئات الوسطى و بعض الصناعات و الخدمات. و تنتشر أحياء الفئات الشعبية في الشرق.

  دون الإغفال عن تواجد تداخل بين مختلف الفئات الاجتماعية في معظم الأحياء وهذا ما زكاه التقسيم الإداري للمجال الحضري في إطار تذويب الفوارق الاجتماعية.

  إن المد والجزر بين تدخل الدولة بشكل مباشر في المشاريع السكنية و إفساح المجال أمام المبادرة الخاصة لم يمنع من إضفاء نوع من التكامل بين الدولة و الرأسمال الخاص فالدولة و إن كانت لا تشكل فاعلاً مباشراً في بعض الأحيان إلا أنها تقوم بدور التاطير والهيكلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا