التسميات

الأحد، 8 يناير 2017

السكان والبيئة والتنمية : التقرير الموجز - الأمم المتحدة


السكان والبيئة والتنمية : التقرير الموجز

الأمم المتحدة

إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ST/ESA/SER.A/202
شعبة السكان


السكان والبيئة والتنمية

التقرير الموجز

الأمم المتحدة • نيويورك، 2001



ملاحظة

  إن التسميات المستخدمة وعرض المادة الواردة في هذا المنشور لا تعني الإعراب عن أي رأي على الإطلاق من جانب الأمانة العامة للأمم المتحدة فيما يتعلق بالوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو مدينة أو منطقة أو سلطاتها. أو فيما يتعلق بتعيين حدودها.

  وتشير أيضا كلمة “البلد” على النحو المستخدمة فيه في نص هذا المنشور، حسب الاقتضاء، إلى الأقاليم أو المناطق.

  وتستخدم تسميات “البلدان الأكثر تقدما” و “البلدان القليلة النمو” و “أقل البلدان نموا” عن البلدان، أو المناطق لأغراض إحصائية ولا تعبر بالضرورة عن إبداء حكم عن المرحلة التي وصل إليها بلد أو منطقة معينة في عملية التنمية.

ST/ESA/SER.A/202

UNITED NATIONS PUBLICATION

Sales No..........

ISBN...............


Copyright © United Nations 2001

All rights reserved

Printed in United Nations, New York


01-40554

تصدير

   أُعد هذا التقرير استجابة لقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي 1995/55 المؤرخ 28 تموز/يوليه 1995، الذي أقر فيه المجلس اختصاصات لجنة السكان والتنمية وبرنامج عملها المتعدد السنوات المحدد الأولويات ذي المنحى المواضيعي في دورته الثامنة والعشرين(1). واستنادا إلى برنامج العمل المتعدد السنوات الذي يعد بمثابة إطار لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية(2)، سيتم إعداد سلسلة جديدة من التقارير سنويا عن مجموعة خاصة من المواضيع. وقررت اللجنة في مقرريها 1999/1 و 2000/1(3)، أن يكون الموضوع لعام 2000 هو السكان والبيئة والتنمية، الذي هو موضوع هذا التقرير.

  وتحظى الاتجاهات العامة لنمو السكان السريع، والتحسن الاقتصادي ولكن غير المنتظم والتدهور البيئي بقبول جيد. إلا أنه ليس من المعروف جيدا كيف يتفاعل حجم السكان والنمو، والتغيير البيئي والتنمية مع بعضها الآخر. ويستعرض هذا التقرير العلاقات المتبادلة المعروفة، ويحلل آخر المعلومات والمنظورات السياسية المتعلقة بالسكان والبيئة والتنمية. وتتضمن المواضيع التي يبحثها: تطور السكان والبيئة في مؤتمرات الأمم المتحدة الرئيسية؛ الاتجاهات الزمنية في مجال السكان والبيئة والتنمية؛ وآراء الحكومات وسياساتها المتعلقة بالسكان والبيئة والتنمية؛ وحجم السكان والنمو السكاني والبيئة والتنمية؛ والهجرة والتغير السكاني والبيئة الريفية؛ والصحة ومعدلات الوفيات والخصوبة والبيئة؛ والسكان والبيئة والتنمية في المناطق الحضرية. ويلي عرض هذه المواضيع الاستنتاجات التي تم التوصل إليها. ويتناول المرفق الأول مسألة توافر البيانات ونوعيتها؛ ويتناول المرفق الثاني نظريات وأُطر لنمذجة أثر النمو السكاني على البيئة المادية.

  وبناء على طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تقوم شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة. بإعداد تقرير رصد السكان في العالم عن الموضوع الذي تناولته اللجنة في دورتها في تلك السنة. ويرافق التقرير الكامل نسخة موجزة وهي “التقرير الموجز”. ويقدم كل من هذه التقارير إلى اللجنة حيث تجري مناقشتها ثم تنقح توطئة لنشرها. وأن تقرير السكان والبيئة والتنمية: التقرير الموجز هو النسخة المنقحة من التقرير الموجز عن رصد سكان العالم لعام 2001 (E/CN.9/2001/2).

  وقد أعدت هذا التقرير شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة. وتعرب شعبة السكان عن شكرها للبروفيسور ريتشارد بلزبورو من جامعة شمال كارولينا، للبحث الذي قام به في الفصل الخامس عن الهجرة والتغير السكاني والبيئة والتنمية. وتعرب شعبة السكان عن شكرها أيضا لشعبة الإحصاء في الأمم المتحدة لقيامها بإعداد المرفق عن توافر البيانات ونوعيتها.ونظمت شعبة السكان في كانون الثاني/يناير 2000 حلقة دراسية لمدة يوم واحد عن السكان والبيئة والتنمية. ونود أن نشكر المشاركين في الحلقة الدراسية للاقتراحات المفيدة التي قدموها عن المخطط العام وعن المسائل التي يتعين النظر فيها من أجل التقرير وهم: البروفيسور ريتشارد بلزبورو (جامعة شمال كارولينا)، والدكتورة ماريا كونسيبكتيون - كروز (البنك الدولي)، والبروفيسور جول كوهين (جامعة روكفلر)، والبروفيسور تيم دايسون (كلية الاقتصاد في لندن)، والدكتور جيرهارد هيليغ (المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية)، والبروفيسور دافيد لام (جامعة ميشيغان)، والدكتورة كاثرين ماري ماركيويت (Chr. Michelsen Institute) والبروفيسور لويس روزيرو - بكسبي (كوستاريكا).

  لمزيد من المعلومــات، يرجى الاتصال بمكتب السيد Joseph chamie, Director, Population Division, United Nations, New York, 10017, USA.

الحواشي

(1) الوثائق الرسمية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، 1995، ملحق رقم 7 (E/1995/27)، المرفقان الأول والثاني.

(2) تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة، 5-13 أيلول/سبتمبر 1994 (منشورات الأمم المتحدة، رقم المبيع (E.95.XIII.18، الفصل الأول، القرار الأول، المرفق.

(3) الوثائق الرسمية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، 1999، ملحق رقم 5 (E/1999/25)، الفصل الأول، الفرع جيم؛ وانظر المصدر نفسه، 2000، الملحق رقم 5 (E/2000/25)، الفصل الأول، الفرع باء.

المحتويات                                              الصفحة 


iii   تصدير 


vii  ملاحظات تفسيرية                                  

مقدمة                                                      

أولا - الاتجاهات الزمنية في مجال السكان والبيئة والتنمية              21 

ثانيا - آراء الحكومات وسياساتها المتعلقة بالسكان والبيئة والتنمية    27 

ثالثا - حجم السكان والنمو السكاني والبيئة والتنمية                      35 

رابعا - الهجرة والتغير السكاني والبيئة الريفية                            47 

خامسا - الصحة ومعدلات الوفيات والخصوبة، والبيئة                    54 

سادسا - السكان والبيئة والتنمية في المناطق الحضرية                   61 

سابعا - استنتاجات  

المرفقات                                                                       68 

الأول - توافر البيانات ونوعيتها                                             72 

الثاني - نظريات وأطر لنمذجة أثر النمو السكاني على البيئة المادية  

الجداول                                                                         7             

1 - المعالم الأساسية لسكان العالم                                           28 

2 - تطور الشواغل البيئية من الأربعينات حتى الوقت الحاضر           37 

3 - سكان الريف ومعدل النمو الريفي حسب المنطقة الرئيسية أو الإقليم 
الرئيسي 1960-2030 

الأشكال                                                                          

الأول - عدد سكان العالم المقدر والمتوقع حسب معامل الإسقاط للفترة
1950-2050                                                                11

الثاني - الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونمو السكان، 1750-2000  13 

الثالث- نصيب الفـــــرد من الدخــــل في مناطق العالم الرئيسية، 1975-1998 
                                                                                  15 

الرابع - استخدام الطاقة الأولية في مناطق العالم الرئيسية 1972-1995 

                                                                                  16 
                       
الخامس - انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الوقودات الأحفورية ومن إنتاج الأسمنت، 1950-1996 

                                                                                   30 

السادس - تقديرات لقدرة الأرض على استيعاب البشر، مبينة حسب تاريخ التقدير 

                                                                                   41 
                    
السابع - الصلات بين نمو سكان الريف والهجرة والبيئة الريفية 

ملاحظات تفسيرية

تتألف رموز وثائق الأمم المتحدة من حروف وأرقام.

وقد استخدمت رموز مختلفة في الجداول في هذا التقرير، على النحو التالي:

نقطتان (..) وتشيران إلى عدم توفر البيانات أو أنها غير واردة بشكل منفصل.

شرطتان (--) وتشيران إلى أن المقدار صفر أو جدير بالإهمال.

الواصلة (-) وتشير إلى عدم انطباق المادة.

إشارة ناقص (-) قبل رقم تشير إلى ناقص.

الفاصلة (,) تستخدم للإشارة إلى كسر عشري.

يشير استخدام الواصلة (-) بين السنوات مثل 1995-2000 إلى كامل الفترة المعنية، من 1 تموز/يوليه في بداية السنة إلى 1 تموز/يوليه في نهاية السنة.

كلمة دولار تشير إلى دولارات الولايات المتحدة، ما لم يذكر غير ذلك.

لا تضاف التفاصيل والنسب المئوية في الجداول بالضرورة إلى المجاميع بسبب تدوير الأرقام.

تعني كلمة “بليون” ألف مليون.

    وتتألف مجموعة أقل البلدان نموا، على النحو الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1998، من 48 بلدا هي: إثيوبيا، إريتريا، أفغانستان، أنغولا، أوغندا، بنغلاديش، بنن، بوتان، بوركينا فاصو، بوروندي، تشاد، توغو، توفالو، جزر سليمان، جزر القمر، جمهورية أفريقيا الوسطى، جمهورية تنـزانيا المتحدة، جمهورية الكونغو الديمقراطية، جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، جيبوتي، الرأس الأخضر، رواندا، زامبيا، ساموا، سان تومي وبرينسيبي، السودان، سيراليون، الصومال، غامبيا، غينيا، غينيا الاستوائية، غينيا - بيساو، فانواتو، كمبوديا، كيريباتي، ليبريا، ليسوتو، مالي، مدغشقر، ملاوي، ملديف، موريتانيا، موزامبيق، ميانمار، نيبال، النيجر، هايتي، اليمن.

1     01-40554                      

مقدمة

   كان القرن العشرون قرنا غير مسبوق في نواحي النمو السكاني والتنمية الاقتصادية والتغير البيئي. فعلى مدى مائة عام من 1900 إلى 2000 نما سكان العالم من 1.6 بليون نسمة إلى 6.1 بليون نسمة (الأمم المتحدة، 2001 ب). ومع ذلك، وبينما زاد سكان العالم قرابــة 4 مــرات، زاد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبـــة تتراوح بيـــن 20 و 40 مرة (دي لونغ، 1998)، مما سمح للعالم ليس فقط باستيعاب4 أضعاف عدد السكان، وإنما أيضا بعمل ذلك عند مستويات للمعيشة بالغة الارتفاع. غير أن هذا النمو السريع على الصعيدين السكاني والاقتصادي اتخذ أشكالا متباينة في جميع أنحاء العالم، ولم تستفد جميع المناطق من النمو الاقتصادي بشكل متكافئ. ومن ناحية أخرى، تحقق النمو السكاني والتنمية الاقتصادية بشكل تزامن مع زيادة الاستخدام غير المستدام للبيئة المادية لكوكب الأرض.

  وقد سبقت المناقشات المتعلقة بالترابط القائم بين السكان والبيئة والتنمية الاقتصادية بمرحلة طويلة كتابات توماس مالتس في آواخر القرن الثامن عشر. فمنذ أماد طويلة، ورجال الدولة والفلاسفة يعربون عن آراء بشأن قضايا من قبيل العدد الأمثل للسكان، ومساوئ النمو السكاني المفرط (الأمم المتحدة، 1993 أ). وكان الموضوع دائم التكرار هو كيفية تحقيق التوازن بين السكان وتلك الموارد الطبيعية التي تشكل وسائل العيش، أو على نحو أكثر تحديدا، الغذاء والماء. غير أن أصحاب النظريات لم ينظروا جميعا إلى النمو السكاني نظرة سلبية. وعلى وجه التحديد، كانت أفكار المركنتاليين في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ترى جوانب إيجابية في الأعداد الكبيرة والمتنامية للسكان وتميل إلى تفضيل السياسات التي تشجع الزواج وتكوين الأسر الكبيرة. وفي وقتنا الحاضر، يؤكد أعضاء مدرسة جوليان سايمون أيضا على الجوانب الإيجابية للأعداد السكانية الكبيرة والمتنامية (سايمون 1981، 1990، 1996).

  وقد بدأت مداولات وإجراءات الأمم المتحدة في مجال السكان والبيئة والتنمية مع إنشاء المنظمة. وكان هذا الموضوع محور مناقشات مهمة أجريت في الجلسة الأولى للجنة السكان (المسماة حاليا لجنة السكان والتنمية) المعقودة في عام 1947 وظل منذ ذلك الحين موضوعا متكررا في جدول أعمال المنظمة، سواء على الصعيد البرلماني أو التقني. وفي السنوات الأولى للأمم المتحدة عندما كان عدد سكان العالم يزيد قليلا عن ثلث عددهم حاليا، كانت القضايا البيئية المتصلة بالسكان والتنمية أميل إلى أن تصاغ في نواحي تتعلق بالموارد الطبيعية اللازمة لمواصلة النمو السكاني والتنمية الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، كانت القضايا المتعلقة بتوافر الأرض والإنتاج الزراعي هي الأغلب بشكل عام. وكانت البيانات المتعلقة بالاتجاهات الديمغرافية والاجتماعية - الاقتصادية في البلدان النامية شحيحة للغاية في هذا الوقت. وتركزت الدراسات الأولى على حالة البلدان الصناعية وبيان أثر التنمية الاجتماعية – الاقتصادية على الاتجاهات السكانية (أي على معدلات الخصوبة والوفيات والهجرة).

  وشهدت حقبة الستينات زيادة الوعي بمسألة وصول النمو السكاني العالمي إلى مستويات عالية غير مسبوقة، وهي حالة تناولتها كثير من الدراسات والمناقشات باعتبارها مدعاة للقلق الجسيم. فقد وردت في تقرير للأمين العام معنون “مشاكل البيئة البشرية” إفادة مؤداها أن “النمو الانفجاري في أعداد البشر” يأتي في مقدمة الأزمات المنذرة بالسوء على نطاق العالم فيما يتعلق بالعلاقة بين الإنسان والبيئة (الأمم المتحدة، 1969). ومَثَّل هذا التقرير خطوة حاسمة نحو عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية في استكهولم، في حزيران/يونيه 1972، الذي كان أول مؤتمر حكومي دولي على نطاق العالم بشأن حماية البيئة.

  وشكلت مُحصلة هذا المؤتمر – وهي إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية (الأمم المتحدة، 1973 ب، الفصل الأول) وبرنامج عمل البيئة البشرية (المرجع نفسه، الفصل الثاني) – أساس أنشطة منظومة الأمم المتحدة المتعلقة بالقضايا البيئية خلال حقبتي السبعينات والثمانينات. وأكد هذا الإعلان (الفقرة 5) أن “النمو الطبيعي للسكان يوجد مشاكل مستمرة في الحفاظ على البيئة، وأنه يتعين اتخاذ سياسات وتدابير وافية، حسب الاقتضاء، لمواجهة هذه المشاكل”. غير أن الإعلان أشار أيضا إلى أنه “من بين جميع الأشياء في العالم، فإن الإنسان هو الأثمن”، ولاحظ “أن الناس هم الذين يحركون التقدم الاجتماعي ويخلقون الثروة الاجتماعية ويطورون العلم والتكنولوجيا، وأنه من خلال عملهم الشاق تشهد البيئة البشرية تحولات مستمرة” ومضى الإعلان تأكيدا لهذه الملحوظات الإيجابية إلى القول بأنه “بالاقتران مع التقدم الاجتماعي والتنمية في مجال الإنتاج والعلم والتكنولوجيا، فإن قدرة الإنسان على تحسين البيئة تزيد يوما عن يوم”. غير أن مؤتمر استكهولم لم يتخذ موقفا بشأن الآثار العالمية الناجمة عن النمو السكاني، وسلم بأن هناك بعض المناطق التي يؤدي النمو السكاني فيها إلى إحباط الجهود الإنمائية، في حين توجد مناطق أخرى تقل فيها الكثافات السكانية بدرجة كبيرة تحول دون تحقيق الكفاءة الاقتصادية.

  وعُقد أول مؤتمر عالمي حكومي دولي للسكان في بوخارست في عام 1974. واعتمد مؤتمر الأمم المتحدة العالمي للسكان (الأمم المتحدة 1975، الفصل الأول) خطة العمل العالمية للسكان التي وضعت إطارا للمسائل البيئية من ناحيتها المتعلقة بالنصيب الفردي في استخدام الموارد العالمية. وحثت الخطة البلدان المتقدمة النمو على اعتماد سياسات ملائمة في مجال السكان والاستهلاك والاستثمار، آخذة بعين الاعتبار ضرورة تحقيق تقدم أساسي في كفالة الإنصاف الدولي.

  ولم تحتل المسائل البيئية مكانة بارزة تحديدا على جدول الأعمال العام لثاني مؤتمر عالمي معني بالسكان، وهو المؤتمر الدولي المعني بالسكان المعقود في مكسيكو سيتي في عام 1984. غير أن التوصيات التي أصدرها المؤتمر بشأن زيادة تنفيذ خطة العمل العالمية للسكان (الأمم المتحدة، 1984، الفصل الأول، الفرع باء (ثالثا ورابعا)) مضت خطوة أخرى أبعد من نتائج مؤتمر بوخارست بتحديدها القضايا البيئية كبعد في الصلة بين السكان - التنمية على الصعيد العالمي، وحثت جميع البلدان التي شهدت اختلالات في اتجاهات النمو السكاني وفي الاحتياجات من الموارد والاحتياجات البيئية على تنفيذ سياسات لتصحيح هذه الاختلالات. واستخدم المؤتمر لغة أصبحت فيما بعد الركيزة الأساسية لنموذج التنمية في التسعينات، أكد فيها أن وضع أهداف وسياسات سكانية وطنية لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة بيئيا في الأجل الطويل (المرجع نفسه، الفرع باء، الفقرة 8).

  أما مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المنعقد في ريو دي جانيرو بالبرازيل، في عام 1992، فكان معلما بارزا في مسيرة تطور الوعي الدولي بالصلات القائمة بين السكان والبيئة والتنمية استنادا إلى مفهوم التنمية المستدامة التي أحكمت صياغتها قبل عدة سنوات اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية. وقد عرَّفت اللجنة التنمية المستدامة بأنها “التنمية التي تفي باحتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على الوفاء باحتياجاتها” (اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية، 1987، نظرة عامة بعنوان “من كوكب واحد إلى عالم واحد” الفرع طاء، الفقرة 8). وحدد إعلان ريو للبيئة والتنمية (الأمم المتحدة 1993 أ، القرار 1، المرفق الأول) السياسات السكانية باعتبارها عنصرا متكاملا في التنمية المستدامة. ونص المبدأ 8 في إعلان ريو على أنه “من أجل تحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بنوعية الحياة لجميع الشعوب ينبغي أن تعمل الدول على الحد من أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة وإزالتها وتشجيع السياسات الديمغرافية الملائمة”. وغطى الفصل 5 في جدول أعمال القرن 21 (المرجع نفسه، المرفق الثاني) موضوع الديناميات الديمغرافية والاستدامة وذكر “أن نمو السكان والإنتاج في العالم، بالإضافة إلى وجود أنماط استهلاكية غير مستدامة، يضعان عبئا كبيرا على قدرات دعم الحياة في كوكبنا” (الفقرة 5-3).

  وفي المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المعقود في القاهرة في عام 1994، أعيد تناول هذه الموضوعات. وتمثَّل الموضوع المحوري لمؤتمر القاهرة في السعي إلى إيجاد التوازن بين السكان والنمو الاقتصادي المتواصل والتنمية المستدامة. ولاحظ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي اعتمده المؤتمر (الأمم المتحدة، 1995، القرار 1، المرفق) أن “هناك وعيا متزايدا بأن قضايا السكان والفقر وأنماط الإنتاج والاستهلاك والبيئة هي قضايا وثيقة الارتباط لدرجة أنه لا يمكن بحث أي منها على انفراد” (الفقرة 1-5). ونُظر إلى العوامل السكانية في بعض الأحيان باعتبارها مثبطات للتنمية المستدامة: “لأن العوامل الديمغرافية، عندما تقترن بالفقر والافتقار إلى فرصة الوصول إلى الموارد في بعض المجالات، والإفراط في الاستهلاك وأنماط الإنتاج التبديدية في مجالات أخرى، تسبب أو تؤدي إلى تفاقم مشاكل التدهور البيئي ونفاد الموارد، ومن ثم تعرقل التنمية المستدامة” (الفقرة 3-25)؛ كما أن “الضغوط التي تقع على البيئة يمكن أن تكون ناجمة عن نمو السكان السريع وتوزيعهم وهجرتهم ولا سيما في النظم الإيكولوجية السريعة التأثر” (الفقرة 3-26). ويشير برنامج العمل أيضا إلى أن “زيادة بطء النمو السكاني في عدد كبير من البلدان أدى إلى إتاحة مزيد من الوقت للتكيف مع الزيادات السكانية في المستقبل، مما أدى إلى زيادة مقدرة تلك البلدان على التصدي للفقر وحماية وإصلاح البيئة وبناء القاعدة اللازمة للتنمية المستدامة مستقبلا. بل أن عقدا واحدا فحسب تستغرقه عملية التحول إلى استقرار مستويات الخصوبة يمكن أن يترك أثرا إيجابيا كبيرا في نوعية الحياة” (الفقرة 3-14). وسلم المؤتمر “بالمساهمة الحاسمة التي يقدمها التثبيت المبكر لسكان العالم في إنجاز التنمية المستدامة” (الفقرة 1-11).

  وقد عقد مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل الثاني) في اسطنبول، بتركيا خلال الفترة من 3 إلى 14 حزيران/يونيه 1996. وحظيت العلاقات المتبادلة بين السكان والبيئة والتنمية بدراسة واسعة وخاصة فيما يتعلق بمسائل التمدين. وأقر إعلان اسطنبول بشأن المستوطنات البشرية (الأمم المتحدة، 1997 ج، الفصل الأول، القرار 1، المرفق الأول)، بأن كلا من أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة، والتغيرات غير المستدامة التي تطرأ على السكان هي من العوامل التي يلزم معالجتها لتحسين نوعية الحياة في المستوطنات البشرية. وأشير بالتحديد إلى التغيرات الطارئة على البنية والتوزيع، ولا سيما المنحى نحو التمركز الشديد للسكان. وأشار جدول أعمال الموئل، (المصدر نفسه، المرفق الثاني)، التمدين السريع، وتمركز سكان الحضر في المدن الكبرى، وزحف المدن إلى مناطق جغرافية أوسع ونمو المدن الضخمة بسرعة إلى أنها من بين أكثر التحولات أهمية في المستوطنات البشرية. وحدد النمو السكاني والهجرة بأنها من بين العوامل التي تؤثر على العملية. وسيجري استعراض وتقييم شاملين لتنفيذ نتائج الموئل الثاني في دورة استثنائية تعقدها الجمعية العامة في الفترة من 6 إلى 8 حزيران/يونيه 2001.

  وجرى أول استعراض وتقييم شاملين لتنفيذ جدول أعمال القرن 21 في سياق الدورة الاستثنائية للجمعية العامة المعقودة في حزيران/يونيه 1997. كما جرى اعتماد برنامج مواصلة تنفيذ جدول أعمال القرن 21 (قرار الجمعية العامة د إ – 19/2، المرفق). ولاحظ البرنامج أن معدلات النمو السكاني شهدت انخفاضا على مستوى العالم، وأنه جرى إسقاط اتجاهاتها بحيث تؤدي إلى استقرار عدد سكان العالم في منتصف القرن الحادي والعشرين، وأنه لا بد من التسليم بالصلات الحاسمة بين الاتجاهات الديمغرافية وعوامل التنمية المستدامة. وسيجري ثاني استعراض وتقييم لجدول أعمال القرن 21 (استعراض وتقييم السنوات العشر لتنفيذ نتائج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية) في عام 2002.

  وتناولت دورة الجمعية العامة الاستثنائية الحادية والعشرون لاستعراض وتقييم تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الشواغل البيئية (انظر قرار الجمعية العامة د إ – 21/2، المرفق). وأعاد القرار مجددا التشديد على أن “الاستقرار المبكر لعدد سكان العالم يمكن أن يقدم مساهمة حاسمة في تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في التنمية المستدامة” (المرجع نفسه، الفقرة 7).

أولا - الاتجاهات الزمنية في مجال السكان والبيئة والتنمية

السكان

  شهد القرن العشرون زيادة غير عادية في عدد سكان العالم من 1.6 بليون نسمة إلى 6.1 بليون نسمة، وحدثت 80 في المائة من هذه الزيادة منذ عام 1950 (الشكل الأول). وتسبب في حدوث هذه الزيادة السريعة للسكان الانخفاضات الكبيرة في معدلات الوفيات وخاصة في المناطق الأقل نموا التي ارتفع فيها متوسط العمر المتوقع عند الميلاد بما يزيد على 20 عاما خلال النصف الثاني من القرن. ونتيجة لذلك، زاد عدد سكان العالم مرتين ونصف المرة تقريبا منذ عام 1950، وبلغ معدل النمو العالمي ذروته وهي 2.04 في المائة في السنة خلال أواخر الستينات. وفي أواخر الثمانينات كانت الزيادات التي تضاف إلى عدد السكان سنويا وقدرها 86 مليون نسمة هي الأكبر على مدى التاريخ. وقد أضاف العالم البليون الأخير إلى إجمالي سكانه خلال فترة اثنتي عشرة سنة فقط (من 1987 إلى 1999) وهي أقصر فترة في التاريخ لزيادة سكانية قدرها بليون نسمة.
 
   إلا أن نمو سكان العالم انخفض بشكل واضح مع انخفاض معدلات الخصوبة. ففي الفترة بين 1965-1970 و 2000-2005 انخفض معدل الخصوبة في العالم من 4.9 مولود إلى 2.7 مولود لكل امرأة. وتشير التقديرات إلى أن معدل النمو الراهن يبلغ 1.2 في المائة سنويا، وأن صافي عدد الأفراد الذين يضافون سنويا إلى سكان العالم يبلغ 77 مليون نسمة. ورغم الانخفاض الحاصل في معدل الخصوبة ووصولها إلى مستويات معتدلة نسبيا، إلا أن عدد المواليد في ازدياد نتيجة لنمو عدد النساء في سن الإنجاب. وفي الفترة 1965-1970 كان المعدل السنوي المتوســط لعـدد المواليد في أقل المناطق نموا يبلغ 101 مليـــون نسمــــة، أما الآن فيقدر هذا العدد بحوالي 120 مليون نسمة.

   ومن المتوقع أن يستمر عدد سكان العالم في النمو (الجدول 1). واستنادا إلى معامل الخصوبة المتوسط، الذي يفترض وجود خصوبة بمعدل إحلال قدره 2.1 طفلا للمرأة، يتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9 بلايين نسمة في عام 2043 و9.3 بليون نسمة في عام 2050. غير أن حجم السكان على المدى الطويل حساس للحيودات الصغيرة في مستويات الخصوبة. فعلي سبيل المثال، يسفر معامل الخصوبة المنخفضة حيث تقل الخصوبة بمقدار نصف طفل عن معامل معدل الخصوبة المتوسط، عن انخفاض في عدد السكان إلى 3.9 بليون نسمة في عام 2050. وعلى النقيض من ذلك، يؤدي سيناريو للخصوبة المرتفعة يفترض معدل خصوبة يزيد بمقدار نصف طفل عن معامل معدل الخصوبة المتوسط إلى زيادة عدد السكان إلى 10.9 بليون نسمة في عام 2050 (الشكل الأول).

الجدول 1 المعالم الأساسية لسكان العالم

السنة
السكان


بلغ عدد سكان العالم
في 1804
بليون نسمة واحد
في 1927 (بعد 123 سنة)
بليونا نسمة
في 1960 (بعد 33 سنة)
بلايين نسمة
في 1974 (بعد 14 سنة)
بلايين نسمة
في 1987 ( بعد 13 سنة)
بلايين نسمة
في 1999 (بعد 12 سنة)
بلايين نسمة
ويمكن أن يصل عدد سكان العالم إلى
في 2012 (بعد 13 سنة)
بلايين نسمة
في 2026 (بعد 14 سنة)
بلايين نسمة
في 2043 (بعد 17 سنة)
بلايين نسمة

              المصدرالأمم المتحدة (2001 أ)
 الشكل الأول

عدد سكان العالم المقدر والمتوقع حسب معامل الإسقاط للفترة 1950-2050 


                            المصدر:              الأمم المتحدة (2001 ب).        
  ونظرا إلى أن مناطق العالم تختلف في مراحل تحولها من المعدلات العالية إلى المعدلات المنخفضة للوفيات والخصوبة، تختلف أيضا مسارات النمو التي تتبعها، مما ينجم عنه وجود تحولات مهمة في التوزيع الجغرافي للسكان. ففي عام 1950، كان 68 في المائة من سكان العالم يقطنون المناطق الأقل نموا، وفي الوقت الحاضر يقطن 80 في المائة من سكان العالم تلك المناطق. ومن جملــــة الإضافــــة السنوية إلى سكان العالم وعددها 77 مليون نسمة، يعيش 97 في المائة في المناطق الأقل نموا.

   كما أن أثر الهجرة الدولية على النمو السكاني في المناطق الأكثر نموا آخذ أيضا في الزيادة. فصافي عدد المهاجرين الذين امتصتهم اقتصادات السوق الغربية في الفترة بين عامي 1970 و 1995 وعددهم 35 مليون نسمة يمثلون 28 في المائة من مجمل نموها السكاني، في حين أدت خسارة هؤلاء المهاجرين إلى تخفيض النمو السكاني في باقي أنحاء العالم بأقل من 2 في المائة. وعلى النطاق العالمي، ارتفع عدد الأشخاص الذين انتقلوا إلى دولة أخرى إلى أكثر من 125 مليون مهاجر (الأمم المتحدة ، 2001 أ).

   وثمة اتجاه سكاني حيوي آخر ذو صلة يتمثل في عملية التمدين. فبينما كان 30 في المائة من سكان العالم في عام 1950 يعيشون في مناطق حضرية، فإن نسبة هؤلاء زادت إلى 47 في المائة بحلول عام 2000. ويتوقع أن يصبح عدد سكان الحضر مساويا لعدد سكان الريف في عام 2007. ومع تزايد عملية التمدين، أصبحت المدن الضخمة أكثر عددا وزادت أحجامها إلى حدود كبيرة. وبدأ عدد سكان الريف بالتناقص في المناطق الأكثر نموا قبل عام 1950 بفترة طويلة؛ وعلى العكس من ذلك تضاعف عدد سكان الريف في المناطق الأقل نموا فيما بين السنوات 1950 و 2000.

النمو الاقتصادي والفقر

  أدى التوسع الهائل في الإنتاج العالمي من السلع والخدمات بسبب التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية إلى تمكين العالم من استيعاب زيادات أكبر في أعداد السكان وتأمين مستويات أرفع للمعيشة مقارنة بأي وقت مضى في التاريخ. وتتمثَّـل أهم مظاهر النمو الاقتصادي في النصف الثاني من القرن العشرين في سمتين بارزتين هما سرعته غير المسبوقة وتوزيعه غير المتكافئ بين البلدان والمناطق. وبين الأعوام1950 و 2000، زاد الناتج المحلي الإجمالي في العالم بالأسعار الثابتة ثمانية أضعاف (صندوق النقد الدولي، 2000). وخلال الفترة ذاتها، نما عدد سكان العالم من 2.5 بليون نسمة في عام 1950 إلى 6.1 بليون نسمة في عام 2000. ونظرا لخُطـى التقدم السريعة في المجال التكنولوجي، ظل نمو الناتج متقدما بخطَـى كبيرة على نمو السكان (الشكل الثاني) ونجمت عنه أيضا زيادة في النصيب الفردي من الناتج المحلي الإجمالي تُقدر بثلاثة أضعاف.

الشكل الثاني

الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونمو السكان، 1750-2000


المصدر: صندوق النقد الدولي، توقعات الاقتصاد العالمي لعام 2000 (واشنطن العاصمة)، استنادا إلى “تقدير الناتج المحلي الإجمالي العالمي - مليون سنة قبل الميلاد وحتى الوقت الحاضر”، ج. برادفورد دي لونغ (قسم الاقتصاد، جامعة كاليفورنيا في بيركيلي، 1998).

 غير أن المكاسب المتحققة من النمو غير المسبوق في الاقتصاد العالمي توزعت بشكل متفاوت. وتحجب البيانات الإجمالية التباينات الواسعة في الدخول الحاصلة على مدى الوقت (الشكل الثالث). وعلى الرغم من ارتفاع معدل النصيب الفردي من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأكثر ثراء من سكان العالم بمعدل ستة أضعاف على مدى القرن، فإن معدل الزيادة في الدخول بالنسبة للربع الأفقر من سكان العالم نما بأقل من ثلاثة أضعاف (صندوق النقد الدولي، 2000). وانخفضت النسبة المئوية لسكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع (على أقل من دولار واحد من دولارات الولايات المتحدة في اليوم) من حوالي 28 في المائة في عام 1987 إلى 24 في المائة في عام 1998. ومع ذلك، فإن عدد الفقراء المطلق تغير تغيرا طفيفا وبلغ في عام 1998 زهاء 1.2 بليون نسمة (البنك الدولي، 2000). ويعود الفقر إلى طائفة من العوامل من بينها مستوى الدخل وحالة الصحة والتعليم.

الشكل الثالث

نصيب الفرد من الدخل في مناطق العالم الرئيسية، 1975-1998

المصدر: البنك الدولي، مؤشرات التنمية العالمية لعام 2000، قرص مدمج.

ملاحظة: يُعبّر عن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بدولارات دولية باستخدام معدلات تحويل تعادل القوة الشرائية.

(أ) منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي

  وفي السنوات الأخيرة انتقل محور جهود التنمية من التركيز تقليديا على النصيب الفردي من الدخل إلى التركيز على تحسين الصحة والتعليم والمرافق الصحية كسمات لتحقيق التنمية. فمثلا، حقق عدد من البلدان محدود الدخل تحسينا كبيرا في نوعية الحياة وطولها. وعكست هذه التحسينات النجاحات المتحققة في توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والتزويد بالمياه المأمونة والمرافق الصحية. وأدت هذه النجاحات بدورها إلى تخفيض معدل وفيات الرضع والأطفال ومعدلات الأمية، وزيادة العمر المتوقع وعدد الملتحقين بالمدارس.

استهلاك الطاقة وانبعاثاتها

  تنبثق أهمية الطاقة والمواد الأولية من دورها المزدوج في توفير القواعد للنشاط الاقتصادي والرفاه الإنساني من ناحية، في الوقت الذي تمثل فيه من ناحية أخرى قوة دافعة كامنة وراء كثير من الشواغل البيئية مثل التغير المناخي والأمطار الحمضية والتلوث.

  وبما أن استهلاك الطاقة دالة للنمو الاقتصادي ومستوى التنمية، فإن هذا الاستهلاك لا يتوزع في العالم بالتساوي. ورغم تقلص حصة الاقتصادات السوقية المتقدمة النمو، التي تمثل خُمس سكان العالم، من الطاقة، فإن هذه الاقتصادات تستهلك حوالي 60 في المائة من الطاقة الأولية في العالم (انظر الشكل الرابع). ومع ذلك فإنه نتيجة للتنمية والاستبدال السريع لموارد الطاقة التقليدية بالموارد التجارية (خاصة الأحفورية)، في البلدان النامية أصبح يتوفر لهذه البلدان أنماط استهلاك شبيهة بالأنماط السائدة في الاقتصادات السوقية المتقدمة النمو. إلا أن نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في مجمل البلدان النامية لا يزال أدنى بكثير من نصيب الفرد في الاقتصادات السوقية المتقدمة النمو.

الشكل الرابع

استخدام الطاقة الأولية في مناطق العالم الرئيسية 1972-1995

المصدر: الوكالة الدولية للطاقة، موازين الطاقة للبلدان غير الأعضاء في منطقة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي 1996-1997 (باريس، 1999).
(أ) منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

    وأدى استخدام الوقود الأحفوري إلى نمو كبير في الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون وزيادة آثار الاحتباس الحراري، مما أسهم في حدوث الاحترار العالمي. ومنذ سنة 1751.، أطلقت في الغلاف الجوي، كمية من الكربون تزيد عن 265 بليون طن، وانبعث نصف هذه الكمية ابتداء من منتصف السبعينات (مارلند وآخرون، 1999). وتضاعفت الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن إحراق الوقود الأحفوري أربع مرات منذ سنة 1950 (الشكل الخامس). وتوجد أعلى نسبة لنصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أمريكا الشمالية، تليها أوروبا التي يبلغ معدل هذه الانبعاثات فيها نصف المعدل المحدد في أمريكا الشمالية (المرجع نفسه). ويشكل استمرار هذه الاتجاهات خطرا كبيرا في حدوث الاحترار العالمي، بما في ذلك إمكانية ارتفاع منسوب مياه البحر، وإغراق المناطق الساحلية المنخفضة، وانتشار الأمراض عن طريق نواقل الجراثيم وانخفاض المحاصيل الزراعية.

الشكل الخامس

انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الوقودات الأحفورية ومن إنتاج الأسمنت،1950-1996

المصدر: مارلند وغريغ وآخرون، الانبعاثات العالمية والإقليمية والوطنية السنوية من ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري والإنتاج 
الأيدرولي للأسمنت واشتعال الغاز: 1950-1996. الانترنت: http://cdiac.eds.ornl.gov/ftp/ndp030/ndp030.html)).
(أ) بما فيها اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق.
(ب) الانبعاثات الصادرة عن وقود الناقلات والانبعاثات الأخرى التي لا يمكن تحديد بلد الاستخدام الأخير لها.

  ويرتهن حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المستقبل بعديد من العوامل، منها الطلب العالمي على الطاقة، ووتيرة التنمية الاقتصادية، والعمل بالتكنولوجيات المقتصدة للطاقة ودرجة الاستغناء عن استعمال الوقود الأحفوري. وتشير النماذج الموضوعـــة إلى أنه لا يمكن تحقيق استقرار فوري في معدلات تركز ثاني أكسيـــد الكربون في الغلاف الجــوي ما لم يتم تخفيض المستويات الحالية لهذه الانبعاثات بنسبة لا تقل عن50 في المائة، ثم إجراء مزيد من التخفيضات بعد ذلك (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 1999). وبسبب القصور الذاتي في أنظمة المناخ، فإنه حتى وبعد استقرار معدل الانبعاثات، يمكن أن يظل الاحترار العالمي وارتفاع منسوب مياه البحر مستمرا لسنوات عديدة.

الزراعة والغذاء واستخدام الأرض

  لا تزال قضيتا سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي المستمرين في بعض مناطق العالم وتزايد ندرة الموارد الزراعية والموارد البيئية الأخرى واستخدامها على نحو غير مستدام، تطغيان على التقييم العالمي لتوقعات الأغذية والزراعة. فقد تجاوز الإنتاج الزراعي العالمي النمو السكاني، وانخفضت الأسعار الحقيقية للأغذية. ومكنت الثورة الخضراء التي انطلقت في الستينات بعض البلدان النامية من إحداث زيادة هائلة في إنتاجها الغذائي بفضل إدخال التقنيات الزراعية الحديثة. وعلى امتداد الفترة من 1961 إلى 1998، ازداد على المستوى العالمي نصيب الفرد من الغذاء الموجَّه للاستهلاك البشري بنسبة 24 في المائة. ويجري حاليا إنتاج كميات من الغذاء كافية لتغذية سكان العالم بصورة وافية (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 2000 أ). ومع ذلك تشير التقديرات الأخيرة إلى أن ما يقرب من 790 مليون شخص كانوا يعانون سوء التغذية في الفترة من 1995 إلى 1997 بسبب الفقر وعدم الاستقرار السياسي وعدم الكفاءة الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعية، 1999 أ). ورغم انخفاض عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية بحوالي 40 مليون نسمة منذ 1980، فإن بعض البلدان لا يزال يعاني انخفاضا شديدا في توفير الأغذية.

   وخلال الفترة الأخيرة، ظلت وتيرة النمو الزراعي العالمي تتباطأ. ويفسر عديد من المراقبين هذا التباطؤ بانخفاض النمو السكاني وتقلص الطلب الاقتصادي على الغذاء؛ في حين يرى آخرون فيه علامات على وجود قيود قد تهدد في نهاية المطاف الأمن الغذائي العالمي (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 2000 أ؛ معهد الموارد العالمية، 1996؛ معهد الرصد العالمي، 2000). ولئن كان متوقعا أن يلبي الإنتاج الغذائي العالمي طلبات الاستهلاك خلال العقدين القادمين، فإن التوقعات الطويلة الأجل تشير إلى استمرار انعدام الأمن الغذائي واحتمالات استفحاله في عديد من البلدان، وبخاصة في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى (الأمم المتحدة، 1997 أ؛ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 2000 أ). وفي أغلب مراحل التاريخ، كانت زيادة الإنتاج الغذائي تجري بصورة أساسية عن طريق توسيع المناطق المزروعة؛ إلا أنه في العقود القليلة الأخيرة، كان العامل الرئيسي لهذه الزيادة هو زيادة الغلة المحصولية، ومن المتوقع أن يتواصل هذا الاتجاه. وتشمل القيود على توسيع الأراضي المزروعة، ندرة الأراضي الزراعية عالية الجودة، ومزاحمة الاستخدامات البديلة للأراضي، وخطر التدهور البيئي للأراضي الزراعية الحدية والغابات.

  ورغم أن الاستهلاك البشري المباشر للحبوب يشكل الاستخدام الأمثل للإمدادات الغذائية، فإن المزيد من الأراضي في البلدان النامية أصبح يستخدم الآن لزراعة حبوب الأعلاف وعليق المواشي لاستيفاء الميول الغذائية المتزايدة نحو منتجات اللحوم والألبان. وتتطلب التنمية والنمو السكاني حصة متزايدة من الأرض لأغراض تشييد المساكن والصناعات والهياكل الأساسية. ومع ذلك فإن السبب الرئيسي لضياع الأراضي هو تدهورها. ورغم التفاوت الكبير في التقديرات المتعلقة بمستوى الخسارة العالمية في إنتاجية الأراضي، فإن التحات الخطير يلي في كثير من الأحيان توسيع الأراضي الزراعية إلى منحدرات التلال، كما أن ملوحة التربة تعد مشكلة خطيرة في بعض المناطق. ويمكن أيضا أن يؤدي الاحترار العالمي وتغير المناخ طويلا الأجل إلى تهديد الأراضي ذات الجودة العالية في بعض البلدان نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر أو تدهور الأحوال الزراعية والإيكولوجية.

المــاء

  يشكل توفر المياه العذبة بكميات مناسبة ومضمونة ضرورة للصحة والإنتاج الغذائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ورغم أن ثلثا مساحة كوكب الأرض مغطــاة بالمياه، فإنه لا يمكن الاستفادة الآن إلا بنسبة 0.01 في المائة منها لأغراض الاستخدام البشري المباشر (الأمم المتحدة، 1997 ب). وفضلا عن ذلك، فإنه لا يتوافر من هذه المياه العذبة المتجددة اليوم أكثر مما كان متاحا مع فجر الحضارة الإنسانية .وعليه، فإن حجم السكان في بلد ما وسرعة نموهم يساعدان في نشوء حالة الندرة في المياه والتأثير في مدى حدتها. ورغم أن الانخفاض الأخير في معدلات نمو السكان يحسن من التوقعات المستقبلية في مجال توافر المياه، فإن المشاكل المتصلة بندرة المياه ستظل تتضاعف مع تزايد عدد سكان العالم.

  ويستخدم البشر حاليا ما يقرب من نصف المياه العذبة المتاحة. وتتوزع هذه المياه بشكل متفاوت في أرجاء العالم. وقد أصبح ما يقرب من نصف بليون شخص يعانون من ضائقة مائية أو نقص فادح في المياه، في حين يواجه عدد أكبر ضائقة مائية أخف. وبمراعاة الاتجاهات الحالية، فإنه من المحتمل أن يواجه ما يقرب من ثلثي سكان العالم في سنة 2025 ضائقة مائية تتراوح بين المتوسطة والحادة (الأمم المتحدة،1997 ب). ويدخل العديد من البلدان التي تواجه نقصا في المياه في طائفة البلدان ذات الدخل المنخفض التي تشهد نموا سكانيا سريعا، وهي غير قادرة عامة على تنفيذ استثمارات باهظة التكاليف في مجال تكنولوجيات حفظ المياه.

 ويعبر حوالي 300 من أحواض الأنهار الرئيسية، وكثير من مستودعات المياه الجوفية الحدود الوطنية (الأمم المتحدة، 1997 ب). ولذلك، ستستمر الحاجة إلى بذل جهود تعاونية، ولا سيما في المناطق التي تواجه نقصا في المياه، وأيضا في الحالات التي ينتقل فيها التلوث عبر الحدود الوطنية في اتجاه مصاب الأنهار.

  وتشير التقديرات إلى أن أكثر من بليون شخص يفتقرون إلى مياه الشرب الآمنة وأن بليونين ونصف البليون من الأشخاص يفتقرون إلى المرافق الصحية الكافية، وتساهم هذه العوامل في وفاة أكثر من خمسة ملايين شخص أكثر من نصفهم من الأطفال (الأمم المتحدة، 2000 ج).

الغابات والتنوع البيولوجي

  لا يزال عدد الفصائل النباتية والحيوانية التي تسكن الكوكب غير معلوم على وجه الدقة. وقد تم التعرف على مليوني نوع منها على وجه التقريب، لكن التقديرات تشير إلى أن عدد الأنواع التي لم تحدد بعد يتراوح بين عشرة ملايين وثلاثين مليونا (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 1995). وتواجه النظم البيئية بأنواعها ضغوطا في جميع أنحاء العالم. وقد تأثرت بذلك بوجه خاص المناطق الساحلية والأراضي المنخفضة والأراضي الرطبة والمراعي الطبيعية وعديد من أنواع الغابات والأحراج، أو تم القضاء عليها. وتقلصت الغابات بنسبة تقرب من 5 في المائة بين سنتي 1980 و 1995، وفي الوقت نفسه، لم يتقلص معدل إزالة الأحراج إلا ببطء (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 2000 ب). وتتهدد أخطار إضافية الموائل المائية الهشة، بما فيها الشعاب المرجانية وموائل المياه العذبة، التي تواجه مجموعة من الهجمات تتراوح بين إقامة السدود والتعرض للتلوث من المصادر البرية، وتقنيات الصيد الهدامة.

  وعلى امتداد المائة والخمسين سنة الماضية، ساهمت إزالة الأحراج، بنسبة الثلث في تزايد كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وهي الآن تشكل عاملا مهما في فقدان الأنواع الطبيعية والخدمات الحرجة للنظام الإيكولوجي (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، 2000). ومنذ ظهور الزراعة قبل عشرة آلاف سنة جرى، حسب بعض التقديرات، تحويل ما يقرب من نصف غابات الأرض إلى مزارع ومراع وغيرهــــا من الاستخدامات، ولم يبق من هذه الغابات إلا الخُمس بوصفه نظما إيكولوجية طبيعية نسبيا. وفي سنة 1995 احتلت مناطق الغابات، بما فيها المزارع الغابية والغابات الطبيعية، ما يقرب من ربع مساحة اليابسة في العالم. وتتسم الغابات المدارية المطيرة بأهميتها للحياة التي تدعمها من ناحيتي الكم والتنوع. وتغطي هذه الغابات مساحة لا تزيد عن 7 في المائة من اليابسة في العالم، لكنها تنطوي مع ذلك على ما لا يقل عن خمسين في المائة من الفصائل الطبيعية البرية (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 1999 ب).

  ويمتد تأثير الغابات والتنوع البيولوجي ليشمل العالم بأسره ويذهب إلى أبعد من الحدود الوطنية في الفضاء والزمن على حد سواء. ولذلك، فإن التعاون الدولي ضروري من أجل القيام على نحو أفضل بإدراج القضايا البيئية في عمليات اتخاذ القرار على الصعد العالمي والإقليمي والوطني.

ثانيا - آراء الحكومات وسياساتها المتعلقة بالسكان والبيئة والتنمية

  شهد عقد التسعينات تزايد عدد الحكومات التي تولّد لديها قلق شديد بشأن المشاكل البيئية، سواء المشاكل ذات الطابع المحلي أو المشاكل التي تتخطى بطابعها الحدود، وإن كان بوتيرة أقل. وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992، توافقت الآراء على الترابط الوثيق القائم بين السكان والبيئة والتنمية. وأُعيد تأكيد هذا التوافق في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في عام 1994. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التقارير والبيانات التي أصدرتها الحكومات والمنظمات غير الحكومية عن الاستعراض والتقييم الخمسيين الأولين لتنفيذ جدول أعمال القرن 21 وتنفيذ خطة عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية تشكل قاعدة متينة يمكن على أساسها تقييم المدى الذي بلغته مختلف الأطراف ذات المصلحة في تفعيل الترابط فيما بين السكان والبيئة والتنمية.

آراء الحكومات بشأن قضايا البيئة في سياق السياسات السكانية

  وفقا للاستقصاء الثامن الذي تجريه الأمم المتحدة بين الحكومات عن السكان والتنمية (الأمم المتحدة، 2001 أ)، يتبين أن القضية المتعلقة بأثر الاتجاهات السكانية على كميات المياه العذبة وتلوث المياه وتدهور البيئة الحضرية في المناطق الأكثر نموا والمناطق الأقل نموا في العالم، فضلا عن تلوث الهواء في المناطق الأكثر نموا، هي إحدى القضايا التي تثير القلق الشديد لدى الحكومات. وتهتم بعض البلدان بالقضايا البيئية الوطنية، في حين تتناول بلدان أخرى القضايا العالمية. إلا أنه من غير الواضح في أحوال كثيرة ما إذا كانت الردود تعكس الأهمية التي تعطيها الحكومات للقضايا البيئية بحد ذاتها، دون تناول مسألة السكان كعامل مؤثر، أو تعكس الأهمية التي تعطيها للسكان باعتبارهم عاملا يسهم في التغيير البيئي.

   غير أن التباين شاسع بين المناطق الأكثر نموا والمناطق الأقل نموا فيما يتعلق بمدى القلق الذي يساورها بشأن هذه القضايا. ففي المناطق الأكثر نموا، يبدي بلد على الأقل من كل بلدين قلقه العميق للترابط القائم بين السكان وتلوث الهواء وتدهور البيئة الحضرية، ويبدي بلد من كل ثلاثة بلدان قلقه العميق للترابط القائم بين السكان ونوعية موارد المياه وكميتها. وعلى العكس من ذلك، فإن 73 في المائة من الحكومات في المناطق الأقل نموا تربط بين الاتجاهات السكانية وتلوث المياه، و 63 في المائة تربط بين الاتجاهات السكانية وكمية المياه العذبة. وتربط غالبية كبرى من البلدان أيضا، 65 في المائة، بين تزايد السكان وتدهور البيئة الحضرية. ويشير 60 في المائة من البلدان إلى الترابط بين نمو سكان الريف وكثافة عددهم وتدهور الأراضي الزراعية والغابات.

الديناميات السكانية في سياق السياسات البيئية

  منذ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992، اعتمد أكثر من 100 بلد استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة أو خطط عمل وطنية للبيئة. وركّزت هذه العمليات إلى درجة كبيرة على تحديد الأولويات البيئية الوطنية، وابتداع أفضل التدخلات المشتركة بين القطاعين الخاص والعام فيما يتعلق بهذه الأولويات، وكفالة مشاركة الجمهور. وبالرغم من تباطؤ تنفيذ السياسات بالمقارنة مع رسمها، كما تدل على ذلك الغالبية العظمى للتقارير القطرية التي أُعدّت عن الاستعراض والتقييم الخمسيين الأولين لتنفيذ جدول أعمال القرن 21، فإن صكوك السياسات البيئية الوطنية تشكل إطارا فريدا من نوعه يسمح في داخله بتكوين فكرة عن الأهمية المعطاة لقضايا السكان في سياق السياسات البيئية. ولعل المبادرات المحلية لإدارة البيئة هي أفضل وسيلة على الصعيد التنفيذي لمعالجة الترابط بين الديناميات السكانية والبيئة.

  وقلما ترد الإشارة إلى الديناميات السكانية في الاستراتيجيات وخطط العمل البيئية الوطنية التي أعدّتها البلدان في المناطق الأكثر نموا. وعلى العكس من ذلك، فإن أُطر السياسات الوطنية التي وضعتها البلدان في المناطق الأقل نموا تدعو إلى ضرورة منع التدهور البيئي الذي يتسبب فيه الفقر في سياق التزايد السكاني السريع، وإلى تحسين الأحوال البيئية للفقراء. غير أنها لم تتوسع على وجه العموم في هذا الموضوع. وتوفر السياسات والبرامج التي تتناول المستوطنات البشرية وإدارة الأراضي، وبدرجة أقل الزراعة والغابات، مزيدا من المعلومات في هذا السياق. ففي المناطق الأقل نموا، ينجم القلق الذي يساور السلطات الرسمية بشأن الترابط بين الديناميات السكانية والتدهور البيئي بشكل رئيسي عن ارتفاع التركز والنمو السكاني في مناطق جغرافية محددة. كما أن توسع الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى وازدياد الهجرة في مناطق الحدود، على الأخص، مسألتان غالبا ما تُعتبران حاسمتين من منظور السياسات البيئية.

  ويحبّذ النهج المتعلق بالسياسات الذي اتّبعته الغالبية العظمى من البلدان الأخذ ببرامج التنمية الريفية والحضرية المتكاملة التي تتكيّف مع الديناميات السكانية، بدلا من تغييرها. وبخلاف السياسات التي اعتُمدت في السبعينات والثمانينات، فإن المحاولات التي تُبذل لاحتواء النمو الحضري ونقل السكان إلى مدن ثانوية جديدة هي محاولات قليلة جدا. وتتضمن غالبية سياسات إدارة الأراضي وبرامج المستوطنات البشرية عادة تدابير لرفع كفاية البنية الأساسية والخدمات والتحكم في المواقع الإسكانية الجديدة وتكفل على وجه الإجمال الاستخدام السليم للأراضي. وقد صُمّم معظم هذه المشاريع للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن قلَّة التخطيط في الماضي.

  وفي التقارير التي أعدّتها الحكومات عن هذه البرامج، يشير عدد منها إلى أن عدم توافر بيانات كافية ودقيقة ومستكملة في مجالات تتراوح بين المعلومات الديمغرافية الأساسية وتحويل الأراضي وأنماط إقامة البُنى الأساسية هو عائق خطير أمام رسم سياسات أفضل لإدارة الأراضي والمستوطنات البشرية. وفي حين يسمح التحسين المتواصل لنوعية البيانات وتوافرها لعدد متزايد من البلدان بإدراج التقديرات والإسقاطات السكانية في خططه البيئية الوطنية، فإنه من النادر أن تتوافر البيانات والموارد اللازمة لإدماجها على الصعيد الجزئي. ومن المفترض أيضا أن توضح الإحصاءات الديمغرافية التحديات المستقبلية وتبرز حدود وحجم العمل الذي يتعيّن إنجازه، غير أنه يجري النظر إلى العوامل الديمغرافية باعتبارها على وجه العموم عوامل خارجية وليست متغيرات مرتبطة بالسياسات في سياق إدارة الأراضي والمستوطنات البشرية.

  ومع أن حكومات قليلة تحاول مباشرة احتواء الهجرة من الريف إلى الحضر، فإن معظم الحكومات اتخذت تدابير للتخفيف من التحيّز لصالح الحضر والمساواة بين الفرص الإنمائية داخل البلد. وتركّز استراتيجيات التخفيف من وطأة الفقر في مجال الزراعة على إصلاح نُظُم حيازة الأراضي وكفالة الوصول إليها، فضلا عن تنويع الإنتاج الزراعي وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة مع تجنّب التعدي على المناطق الحساسة بيئيا. وتُعتبر نُظُم الملكية، في آن معا، سبب التدهور البيئي الناجم عن الفقر والحل المتوافر لهذه المشكلة. وتزداد النظرة إلى الممارسات المستدامة في مجالات الزراعة ومصائد الأسماك والحراجة على أنها ممارسات حيوية لكفالة وجود و/أو استعادة قاعدة للأنشطة الاقتصادية، وأنها توفر بالتالي الفرص الإنمائية لسكان المناطق الريفية. ويتزايد تصميم وتنفيذ البرامج والسياسات البيئية عن طريق عمليات تقوم على مشاركة المجتمع المدني.ويرى معظم المانحون والحكومات أن الإدارة القائمة على المشاركة عن طريق كفالة إسهام المجتمعات على الصعيد المحلي ضرورية لكفالة الاستدامة وبناء القدرات المحلية. وتزداد أيضا أهمية الاستفادة من المعرفة المحلية والتكنولوجيات التقليدية. ولذلك، يتم تعزيز الممارسات المستدامة في المقام الأول في إطار المبادرات المجتمعية التي تحظى بالمساعدة التقنية والمالية الدولية. وتتراوح الأنشطة بين التوعية وبناء القدرات المحلية في مجال إدارة الموارد الطبيعية ودعم الأنشطة غير الزراعية التي تولّد دخلا إضافيا. وكانت الحكومات المحلية في أمريكا الجنوبية وجنوب شرقي آسيا وجنوب وسط آسيا هي السبّاقة نسبيا في تنفيذ مشاريع إدارة الموارد الطبيعية.

الرأي العام والبيئة

  يدفع تسييس القضايا البيئية الحكومات إلى التعهد بالتزامات تمكّن المجتمع المدني من المشاركة في عمليات رسم السياسات البيئية وتشجيع الشركات على تطوير حس بالمسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقها. وأصبح التوصل إلى فهم أفضل لمواقف الناس وتوقعاتهم إزاء موضوع البيئة جزءا لا يتجزأ من عملية رسم السياسات العامة، وعملية وضع استراتيجيات الأعمال التجارية في الآونة الأخيرة. وما يلفت النظر بشدة في استطلاعات الرأي العام هو عدم الإشارة إلى الديناميات السكانية فيما يتصل بالبيئة، سواء في الاستبيانات المستخدمة أو في الردود العفوية للمستجوبين.

   وتعطي نتائج الاستطلاعات الدولية الحديثة، وعدة استطلاعات وطنية ومحلية، صورة ثابتة للتباين في الطريقة التي تنظر بها البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية إلى القضايا البيئية، مع مراعاة المحددات التي تلازم أي تفسير لاستطلاعات الرأي العام. فأولا وقبل كل شيء، تظهر نتائج الاستطلاعات أن البيئة هي شاغل ملح للمواطنين في المناطق الأكثر تقدما والمناطق الأقل تقدما في العالم، ومعها أيضا قضايا أخرى كالمشقة الناجمة عن البطالة/الحالة الاقتصادية، والعنف، والمشاكل الصحية. ويتبيّن من الاستطلاع المعنون “رصد البيئة” أن نسبة هامة من الناس في جميع البلدان السبعة والعشرين التي أُجري فيها الاستطلاع تساورها على الأقل “نسبة معقولة من القلق” على البيئة (البيئة الدولية، 1999). وفي بلدان الاتحاد الأوروبي، يساور القلق الشديد على البيئة، شخصا من كل اثنين تقريبا من سكان الاتحاد (46 في المائة) (المفوضية الأوروبية، 1999). وعلاوة على ذلك، فإن المقارنة مع نتائج الاستطلاعات السابقة تظهر بوضوح تزايد الشواغل البيئية، خاصة في البلدان النامية. وفي حضر الهند، كانت إجابة 27 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع المعنون “رصد البيئة” متصلة بالبيئة عندما سُئلوا عن أهم المشاكل التي واجهوها في عام 1999، مقارنة مع 6 في المائة في عام 1992. وكانت الشواغل البيئية أقل إلى حد ما من المستوى العالي الذي لوحظ في عام 1992 في كندا والولايات المتحدة الأمريكية دون غيرهما. وبالتالي فإن استطلاعات الرأي العام الأخيرة تدحض الاعتقاد بأن المستهلكين في البلدان الغنية هم فقط الذين يتطلعون إلى معايير بيئية عالية.

  وبما أن الشواغل البيئية بدأت تأخذ طابعا عالميا، فإن هناك اختلافات إقليمية هامة في تقييم الناس للحالة الإجمالية لبيئتهم المحلية والوطنية. ففي جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، يعرب السكان عن رضاهم عن الحالة الراهنة للبيئة وأنه “ليس لديهم أسباب كثيرة تدعو إلى الشكوى” بشأن القضايا البيئية، كالتلوث الجوي ونوعية المياه وتصريف النفايات ومشاكل الضجيج والمرور. غير أنهم قلقون خصوصا من حصول تدهور بيئي شديد في المستقبل. وعلى نقيض ذلك، فإن ما يقارب 80 في المائة من سكان بلدان أوروبا الشرقية، كالاتحاد الروسي وأوكرانيا وبولندا وهنغاريا، يعربون عن استيائهم الشديد من الحالة الراهنة للبيئة في بلدانهم. وفي المناطق الأقل نموا، يُلاحظ المستوى نفسه من الاستياء في العديد من البلدان، كأرمينيا وإكوادور وباكستان وبيرو والجمهورية الدومينيكية وجمهورية كوريا وشيلي وكازاخستان وكولومبيا. أما سنغافورة وماليزيا، فجرى فيهما دون غيرهما التعبير عن الرضى عن حالة البيئة، بنسبة 91 و 75 في المائة على التوالي، وفقا للاستطلاع المعنون “استطلاع غالوب للألفية” (مؤسسة غالوب الدولية، 1999).

  ومن الواضح أن إدراك الجمهور لأهمية البيئة وما يتوقعه من السياسات المتبعة يرتكزان على الشواغل المتصلة بعواقب تلوث الماء والهواء على الصحة. ففي جميع البلدان تقريبا الواقعة في المناطق الأقل نموا التي أجري فيها الاستطلاع، يرى شخص من كل اثنين تقريبا أن التلوث المحلي أثّر على صحته شخصيا وسيؤذي صحة أطفاله. وتؤثر الشواغل المتعلقة بأثر اتجاهات تلوث الماء والهواء والتربة على صحة السكان في المستقبل على الرأي العام وتوجهاته في المناطق الأكثر تقدما. وهناك أيضا ظاهرة إقليمية بارزة ناجمة بوضوح عن آثار كارثة تشيرنوبيل، وهي القلق الشديد الذي عبّر عنه تقريبا شخص واحد من كل اثنين في أوروبا الشرقية بشأن أثر الحوادث المتصلة بالطاقة النووية على الصحة. وما يثير الدهشة إلى حد ما هو أن أقليات عددية كبيرة من الناس تعرب دائما عن طريق الاستطلاعات عن شواغلها المتعلقة بمواضيع غير ملموسة كالتغييرات المناخية. وبالفعل، حاز موضوع تغير المناخ على قدر كبير من اهتمام وسائل الإعلام في الماضي القريب، خاصة في سياق اعتماد وتنفيذ بروتوكول كيوتو (الأمم المتحدة، 1998) لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (الأمم المتحدة، 1992).

   وفي حين يبدو أن عامة الناس ترى أن جهود حماية البيئة على صعيدي القطاع العام والقطاع الخاص غير كافية في معظم الدول، تتطلع أغلبية المواطنين إلى قيام الحكومات ومؤسسات الأعمال بتجديد وتعزيز إجراءاتها بشأن المسألتين اللتين تشكلان محور اهتماماتها، وهما مسألة التلوث، ثم بدرجة أقل مسألة تغير المناخ. ويجري التعبير عن هذه التوقعات بأسلوب يكتنفه نوع من الاستعجال يستشف منه: ضرورة التحرك فورا وإرساء السياسات على أساس الردع. وثمة أوساط عريضة تعتبر أن إنفاذ قوانين وأنظمة بيئية أكثر صرامة، وإلى حد أقل تطبيق مبدأ “الملوث يدفع” تطبيقا صارما، أنجع وسيلتين للتقليل من التلوث الصناعي.

إدماج السياسات السكانية والبيئية

  تم منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992 والمؤتمر الدولي المعني بالسكان والتنمية في عام 1994 بذل جهود كبرى في سبيل صياغة وتنفيذ سياسات جديدة في ميداني السكان والتنمية. بيد أن إدماج الخطط السكانية والإنمائية والبيئية لم يشهد تقدما كبيرا يُذكر. وربمـــــا تكون عدة عوامل قد ساهمت في انعدام هذا التقدم. فعلى سبيل المثال، لا تفضي الترتيبات الإدارية القائمة حاليا إلى وجود تنسيق في السياسات. فلدى معظم البلدان وزارة تعنى بالتخطيط البيئي، إضافة إلى وكالة واحدة على الأقل مسؤولة عن تنسيق السياسات والبرامج السكانية، بيد أن قلة من البلدان أدرجت وحدة السكان ضمن وزارة البيئة. وتعتبر القضايا السكانية في عدد من البلدان مسؤولية وزارة الصحة. ومن ناحية أخرى نرى في العديد من الحالات أن الوزارة المعنية بالمسائل السكانية لا تشارك في الهيئات القطرية المختصة بتنسيق الخطط البيئية ومتابعتها.

ثالثا - حجم السكان والنمو السكاني والبيئة والتنمية

  تعاظمت مع الزمن الشواغل المتعلقة بالسكان والتنمية (انظر الجدول 2). واعتبارا من أواخر الأربعينات وخلال عقد الخمسينات، ركزت الشواغل السكانية بصورة شبه استثنائية على ما كان يُظن أنه أثر سلبي للنمو السكاني على الموارد الطبيعية غير المتجددة والإنتاج الغذائي. ولم يول أي اهتمام عمليا للآثار البيئية الجانبية. وخلال الستينات والسبعينات، اتسع نطاق الاهتمام وغدا يشمل الآثار الجانبية للإنتاج والاستهلاك، من قبيل تلوث الهواء والماء، والتخلص من النفايات، ومبيدات الآفات والنفايات المشعة. وبحلول الثمانينات وبداية التسعينات، أضيف بُعد جديد يشمل التغيرات البيئية العالمية، بما في ذلك ظواهر الاحترار العالمي، ونضوب طبقة الأوزون، والتنوع البيولوجي، وإزالة الغابات، والهجرة والأمراض الجديدة والعائدة.

الجدول 2

تطور الشواغل البيئية من الأربعينات حتى الوقت الحاضر


الموجة
التاريخ
الشاغل العام
مسائل محددة
الوثيقة





الأولى
الأربعينات -الخمسينات
محدودية الموارد الطبيعية
عدم كفاية الإنتاج الغذائي
نضوب الموارد غير المتجددة
تقرير الأمم المتحدة عن السكان والموارد(E/CN.9/55)
الثانية
الستينات السبعينات
الآثار الجانبية للإنتاج والاستهلاك
تلوث الهواء والماء
إلقاء النفايات
التلوث الإشعاعيالكيميائي
إعلان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية
خطة العمل العالمية للسكان المنبثقة عن مؤتمر الأمم المتحدة العالمي المعني بالسكان
الثالثة
الثمانينات -التسعينات
التغير البيئي العالمي
تغير المناخ
المطر الحمضي
نضوب طبقة الأوزون
تقرير أكاديمية الولايات المتحدة الوطنية للعلوم
جدول أعمال القرن 21 الذي اعتمده مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية
توصيات المؤتمر الدولي المعني بالسكان
الرابعة
التسعينات إلى الوقت الحاضر
التغير البيئي العالمي
التنوع البيولوجي
الهندسة الوراثية
إزالة الغابات
إدارة المياه
الهجرة
الأمراض الناشئة والعائدة
العولمة
برنامج عمل المؤتمر الدولي المعني بالسكان والتنمية
القرار دإ-21/2 بشأن الإجراءات الرئيسية لمواصلة تنفيذ برنامج العمل الذي اعتمدته الجمعية العامة في دورتها الاستثنائية الحادية والعشرين



المصدر: مقتبس بتصرف من ف. و. روتان “النمو السكاني والتغير والابتكار في المجال البيئي: أثر النمو المستدام في المجال الزراعي” في المنشور المعنون “السكان واستخدام الأرض في البلدان النامية” ج. ل. جولي و ب. و ب. توري، محرران (واشنطن العاصمة، الأكاديمية الوطنية، 1993).



وقد بُذلت محاولات عديدة لتقدير حجم السكان الذي يمكن أن تحتمله الأرض، أو “طاقة الحمل” البشري، ويستند معظم التقديرات إلى فرضية كون المجموعات السكانية البشرية محدودة بواحد أو أكثر من العوامل المقيدة، وأكثرها شيوعا كمية الغذاء التي يمكن زراعتها. علاوة على ذلك، يقر معظم التقديرات بـ “وجوب توسيع المفاهيم البيئية لطاقة الحمل بحيث تستوعب دور التكنولوجيا في زيادة إنتاجية الطبيعة. كما أقر معظمها بأن معايير الحياة المتغيرة ثقافيا وفرديا، بما في ذلك معايير جودة البيئية، تضع حدودا لحجم السكان تسبق بمراحل الاحتياجات المادية اللازمة لمجرد الكفاف” (كوهن، 1995، الصفحة 232). وتتراوح تقديرات القدرة الاستيعابية للأرض بين أقل من بليون شخص إلى أكثر من 000 1 بليون شخص (الرسم البياني السادس).ولا يقتصر الأمر في هذه التقديرات على وجود نطاق واسع للأرقام، بل إنه أيضا لا يوجد اتجاه لالتقاء هذه الأرقام مع الزمن. وهذا الأمر جدير بالملاحظة، إذ أنه قد يتوقع أن يؤدي تحسن المعارف بالنظم البيولوجية والمادية للأرض إلى ظهور نهج ينحو إلى التوافق في الآراء بشأن قدرة الأرض الاستيعابية. لكنه رغم عدم وجود جدال حول ضرورة وقف النمو السكاني في نهاية المطاف، فإنه لا يوجد توافق في الآراء حول حدود ذلك. وفي الوقت نفسه، يجدر ملاحظة أن سكان العالم دخلوا النطاق الذي يتضمن العديد من التقديرات المتعلقة بالطاقة الاستيعابية. ويتراوح ثلثا التقديرات بين 4 و 16 بليون شخص، وتبلغ القيمة المتوسطة زهاء 10 بلايين شخص، وهذا هو الرقم الذي يتوقع أن يستقر عنده تقريبا حجم سكان العالم وفقا لصورة المتغير المتوسط التي وضعتها شعبة السكان (الأمم المتحدة، 2000 ب).

الشكل السادس

تقديرات لقدرة الأرض على استيعاب البشر، مبينة حسب تاريخ التقدير

  وفي حين أن المشاكل البيئية التي تم التطرق إليها في هذا التقرير تعزى في جانب كبير منها إلى الأنشطة البشرية، فإنها تتفاوت من حيث الدرجة التي بها ترتبط مباشرة بحجم السكان أو النمو السكاني أو التوزيع السكاني. فعلى سبيل المثال، تشكل الزيادات في بعض أنواع التلوث أثرا جانبيا أساسيا لارتفاع إنتاج الفرد واستهلاكه في البلدان ذات الاقتصادات الغنية، التي يتسم النمو السكاني فيها بالبطء عموما. أما بعض أنواع التلوث من قبيل انبعاثات الكلوروفلوروكربون الذي يضر بطبقة الأوزون فهي مرتبطة بتكنولوجيات معينة أكثر بكثير من ارتباطها بالتغير السكاني أو النمو السكاني الإجمالي. وحتى بالنسبة للمشاكل البيئية المتركزة في البلدان ذات النمو السكاني السريع، فإن الزيادة السكانية ليست بالضرورة السبب الأساسي لهذه المشكلة، كما أن وقف النمو السكاني لن يحل المشكلة لوجود “قوى محركة” اجتماعية وتكنولوجية تساهم عادة في حدوث التدهور البيئي.

  ويرتبط العديد من المسائل البيئية التي تشغل معظم الأوساط اليوم بموارد تعتبر إلى حد ما من “الموارد الموجودة على المشاع” و “الموارد الموجودة على المشاع هي الأصول الطبيعية القيّمة التي لا يمكن تحويلها إلى ملكية خاصة أو أنها إذا غدت بهذا الوصف فإن ذلك يجري بشكل غير كامل. ومن الأمثلة على ذلك الغلاف الجوي والمجاري المائية والنظم الإيكولوجية المركبة وتضاريس الطبيعة والطيف الكهرومغناطيسي” (كنيز، 1977). وتتنبأ النظرية الاقتصادية، كما تبرهن الأدلة التجريبية الكثيرة، بأن استغلال هذه الموارد بدون قيود يؤدي إلى الإفراط في استخدامها وإساءة استخدامها وتدني نوعيتها. وفي غياب آليات اجتماعية فعالة تحد من الإفراط في استخدام الموارد الموجودة على المشاع ومن تدني نوعيتها وتعمل على تحسين هذا الاستخدام، فإنه يبدو أن النمو السكاني ينحو نحو مفاقمة هذه المشاكل. ونادرا ما يكون النمو السكاني هو العامل الوحيد المؤثر في ذلك. فقد ترافق النمو السكاني بشكل خاص خلال العقود الأخيرة بتغيرات تكنولوجية واجتماعية هائلة.

  وينظر عموما إلى النمو السكاني على أنه أهم قوة منفردة تتحكم في الزيادات في الطلب الزراعي. ويتسم معظم التقييمات الأخيرة التي خرج بها الخبراء بتفاؤل حذر حيال قدرة الإنتاج الغذائي العالمي على تلبية الطلب في المستقبل المنظور (أي حتى عام 2030 أو عام 2050 على وجه التقريب) (الكسندر، 1999؛ دايسون، 1996؛ ميتشل وانغجو، 1995؛ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 2000 أ).بيد أنه من الأهمية ملاحظة أن هذه التقييمات تستند إلى توقع استمرار معدلات النمو السكاني في الانخفاض. وفي الوقت ذاته، يتوقع أن تستمر معاناة مئات ملايين البشر من انعدام الأمن الغذائي المرتبط بالفقر. ويعزى عدد كبير من الآثار البيئية الجانبية إلى الزراعة، وتشكل هذه الآثار تهديدا خطيرا لاستدامة الإنتاج الغذائي في بعض المناطق. بيد أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة استنتجت أنه “فيما يتعلق بتخفيف الفقر وضمان الأمن الغذائي، يعزى السبب الرئيسي للعجز عن تحقيق إنتاج غذائي سليم ومستدام بيئيا إلى تقاعس البشر ولامبالاتهم لا إلى عوامل طبيعية أو اجتماعية” (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 1996 أ).

  وتشكل الحاجة إلى إطعام أعداد متنامية من السكان ضغطا متزايدا على إمدادات المياه في أجزاء كثيرة من العالم. وعلى الصعيد العالمي، يستهلك الري أكثر من 70 في المائة من المياه العذبة المستمدة من البحيرات والأنهار والمصادر الجوفية (الأمم المتحدة، 1976). وبينما نجد أن المياه تستخدم دائما على نحو غير فعال، فإن الآليات المؤسسية لتنفيذ سياسات فعالة لإدارة المياه تشكل دائما خيارات مُضيعة للوقت ومكلفة وفي بعض الحالات غير صالحة. وبالتالي، فإن الضغط السكاني ليس هو وحده، أو حتى ليس هو بالضرورة، السبب الرئيسي لعدم الاستخدام الفعال للمياه أو التلوث، وإذ كان يفاقم حجم الضرر الإيكولوجي.

  ويعتبر النمو السكاني، من خلال آثاره على التوسع في أراضي الزراعات المحصولية وأنشطة قطع الأخشاب لأغراض الوقود، عامل مهم أيضا في إزالة الغابات في بعض المناطق. كما أن قطع الأشجار تجاريا هو السبب الرئيسي في إزالة الغابات في مناطق أخرى.

  ويعتبر تلوث الهواء والماء الخطر البيئي الرئيسي الذي يواجه البلدان المتقدمة النمو وعددا متزايدا من البلدان النامية. كما أن انبعاثات معدلات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيرها من غازات الدفيئة، مرتبط أيضا بمستويات التنمية العالية. وبوجه عام، يبدو النمو السكاني كقوة مؤثرة أقل أهمية بكثير من مشاكل أخرى مثل النمو الاقتصادي والتكنولوجيا. ومع ذلك فإنه إذا ما تساوت كل الأمور الأخرى، تؤدي الزيادة المستمرة في السكان دورا في زيادة الطلب الاقتصادي الكلي وتؤدي بذلك إلى زيادة حجم الإنتاج المسبب للتلوث.

  وهناك حالة خاصة تتعلق بالسكان عندما يكون الأمر معنيا بالمحافظة على نظام إيكولوجي فريد غني أو ضعيف بيولوجيا. وتتعارض هذه المحافظة تعارضا أصيلا مع المستوطنات البشرية الكثيفة السكان أو مع الاستغلال المفرط لموارد المنطقة المحمية. ويمكن أن يكون النمو السكاني داخل المنطقة المحمية أو بالقرب منها عامل واحد، من بين عوامل أخرى، تجعل هذه المناطق معرضة لخطر التدهور. وثمة حاجة بصفة عامة إلى وجود تنظيم حكومي لإقصاء أو على الأقل تحديد عدد المستوطنين ورعاة الماشية وعمليات قطع الأشجار والاستعمالات الأخرى التي تتعارض مع أغراض المحافظة على النظام الإيكولوجي الطبيعي. ومع ذلك فإننا نجد أن عدد هذه المناطق غير المأهولة بالمرة قليل للغاية. كما أن بعضها يعتبر موطنا للسكان الأصليين، وأحيانا يكون للمجتمعات الزراعية المستقرة بالقرب منها الحق في حصد موارد الغابات. وعادة ما يكون هؤلاء السكان فقراء للغاية ويعتمدون على الموارد المحمية في كسب معيشتهم. وكثير ما تكون حقوق الحصاد بالنسبة للمرأة في هذه المجتمعات هي أساسا المعرضة للخطر. وتدرك الحكومات والمنظمات غير الحكومية المهتمة بحفظ الطبيعة بإطراد الحاجة إلى النظر في احتياجات السكان المحليين عند تنفيذ برامج المحافظة. وقد أمكن تحقيق بعض النجاحات في هذه البرامج، إلا أنها أبعد من أن تكون نجاحات عالمية. وقد وجد كثير من الحكومات صعوبة كبيرة في توفير الحماية الفعالة للمناطق المحددة للحفظ.

  وعند النظر إلى الاستجابات المتعلقة بالمشاكل البيئية، من المهم أن ندرك أن العوامل الاجتماعية المؤسسية يمكن أن يكون لها نفس القدر من الأهمية التي تكتسيها العوامل التقنية إن لم تزد عليها. فالمشكلة العامة المتعلقة بإدارة الموارد النادرة أو الضعيفة محليا ليست مشكلة جديدة. ويمكن الوقوف على العديد من الأمثلة وضعت فيها المجتمعات التقليدية قواعد عامة لإدارة الموارد النادرة. ويجب أن يكون بوسع هذه القواعد عند نجاحها (ويمكن الوقوف أيضا على أمثلة لفشلها)، أن تحل مشكلة الكيفية التي يجري بها المحافظة على الموارد، والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بضمان الوصول العادل إليها فيما بين أفراد المجتمع. فالنمو السكاني ينطوي على إمكانية زعزعة هذه الترتيبات العامة لأن القواعد التي تنطبق بشكل مناسب في مناطق الكثافة السكانية المنخفضة قد تؤدي إلى الإفراط في الاستغلال في مناطق الكثافة السكانية العالية و/أو إلى التلوث. وقد يكون ممكنا تحقيق التكيف الناجح، على سبيل المثال في حالة التحول الذي وصفته استر بوسوروب (1965) من حالة الترحال إلى الزراعة المستقرة. ولكن من المهم ملاحظة أن التغييرات في التوزيع الاجتماعي للموارد غالبا ما تكون مطلوبة كجزء من هذا التكيف. وبالرغم من أن الفائدة الاجتماعية والبيئية لهذا التغيير التنظيمي، قد تكون بوجه عام كبيرة، فإن العملية ستكون على الأرجح مثيرة للنزاع أو صعبة من الناحية السياسية. وفي واقع الأمر، تنطوي أي عملية من هذا القبيل على احتمال أن يكون هناك خاسرون وفائزون على السواء؛ ولذلك فإن تحقيق التحول العادل يمثل تحديا اجتماعيا وسياسيا رئيسيا على كل الصعد من المحلي إلى الوطني وحتى إلى الدولي عندما ننظر في مشاكل لها تأثير عالمي مثل انبعاثات غازات الدفيئة.

  وبإيجاز، فإن النمو السكاني عامل مساهم في أنواع كثيرة من الإجهاد البيئي. كما أن الدور الذي يلعبه حجم السكان المتنامي واضح بصورة خاصة باعتباره القوة الرئيسية التي تدفع الحاجة إلى زيادة إنتاج الغذاء، وتتسبب في الضغوط البيئية على المياه والغابات والتربة والهواء التي تنشأ عن الزراعة. ومع ذلك، وكما استنتج في التسعينات عن طريق دراسة علمية متعمقة، فإن نمو السكان “ليس هو العامل الوحيد الذي يؤثر في معدل تدهور الموارد، وفي كثير من الحالات ليس هو بلا شك العامل الأهم … (فهناك) مجموعة ضخمة من العوائق أمام تحقيق الإنتاج الموسع للغذاء والإدارة الأفضل للموارد، تشمل النظم الضعيفة لحيازة الأراضي، وعدم وجود الاعتمادات الكافية، والأسعار الزراعية ومعدلات الصرف المتحيزة، والسياسات الضريبية المناوئة وخدمات الإرشاد الزراعي الضعيفة والتحكم الحكومي المفرط والحروب الأهلية. إلا أن القليل من هذه المشاكل، إن وجد، يُحل عن طريق النمو السكاني السريع باعتبار أنها الإطار الذي سيفرض عليه هذا النمو” (برستون، 1994، صفحة 9).

  وحتى بالنسبة للمسائل البيئية التي يبدو تغير السكان بالنسبة لها عاملا هامشيا نسبيا مقارنة بالاتجاهات الأخيرة الحاصلة في متوسط استهلاك الفرد أو في التقنيات المسببة للتلوث، فإن أثر المسارات البديلة لنمو السكان سيحظى على المدى البعيد بأهمية أكبر. “فالقوة المحركة المعروفة على نطاق واسع وراء نمو السكان تعمل من ناحيتين. فبينما تقلل من المزايا الظاهرة لتدني الخصوبة على المدى القصير، فإنها قد تزيدها على المدى البعيد. ثم إن كون نمو السكان عملية طويلة يعني أنه أيا كان ما سيحدث اليوم فإنه سيترك آثارا مضاعفة في كل جيل من الأجيال المتعاقبة. وحقيقة، فإن مواليد اليوم هم القوة المحركة للغد. وكلما كان اهتمامنا بالمستقبل على المدى الطويل، كلما اكتسبت السياسات السكانية أهميتها المتزايدة في مجموعة الاستراتيجيات الرامية إلى حالة تعزيز الإنسان” (برستون، 1994).

رابعا - الهجرة والتغير السكاني والبيئة الريفية

   كان للتغير السكاني، وخاصة عن طريق الهجرة، تأثيرا مهما على البيئة الريفية في المناطق الغابية والمناطق الجافة معا. وتتركز معظم المجموعات الجينية في العالم في هذه البيئات الريفية، وبخاصة الغابات المدارية المطرية التي يهددها النمو السكاني وغزو البشر. وبالرغم من مرور قرنين من التحضر السريع، لا يزال معظم سكان العالم يعيشون في المناطق الريفية وسيظل معظم الناس في العالم النامي يسكنون الريف لعقدين آخرين على الأقل. ولذلك، من المهم النظر في الترابط بين النمو السكاني في الريف والهجرة والبيئة الريفية وبخاصة فيما يتعلق بالتغيرات التي مرت بها البلدان النامية منذ عام 1950.

   لقد شهد القرن العشرون انتقالا مكثفا لسكان العالم من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية (الأمم المتحدة، 2000 د). وبالتالي، انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية من 66 في المائة في عام 1960 إلى 53 في المائة في عام 2000. وبما أن عملية التمدين بدأت مبكرا في المناطق الأكثر نموا وفي أمريكا اللاتينية، فإنه بحلول عام 2000 كان ربع سكانها فقط يعيشون في المناطق الريفية مقابل ثلثي السكان في أفريقيا وآسيا. وبالرغم من انخفاض النسبة المئوية للسكان المقيمين في المناطق الريفية، فإن هناك زيادة كبيرة في العدد المطلق للأشخاص المقيمين في هذه المناطق، من بليونين في عام 1960 إلى 3.2 بليون في عام 2000 (الجدول 3). وتركزت هذه الزيادة بأكملها في المناطق الأقل نموا. وحدثت زيادات ضخمة على وجه الخصوص في كل من آسيا، التي ارتفع عدد سكانها الريفيون من 1.3 بليون نسمة في عام1960 إلى 2.3 بليون نسمة في عام 2000، وأفريقيا، التي شهدت زيادة من 225 مليون نسمة إلى 487 مليون نسمة. وخلال السنوات الثلاثين القادمة، لا يُتوقع حدوث نمو فعلي في سكان الريف في العالم، كما أن النمو في المناطق الأقل نموا سيزيد أيضا بأقل من 100 مليون نسمة وسيكون معظم هذه الزيادة في أفريقيا.

   وظل النمو السكاني في الريف على سرعته منذ عام 1960 وبخاصة في أفريقيا وميلانيزيا وميكرونيزيا بنحو 2 في المائة في السنة تقريبا. وبالرغم من النمو البطيء المتوقع في الريف خلال الفترة 2000-2030 بالنسبة لكل المناطق، إلا أن 10 مناطق من 21 منطقة في العالم لا يزال من المتوقع أن يزداد عدد سكانها في الريف، مع زيادات ضخمة في شرق أفريقيا ووسط أفريقيا وغرب أفريقيا وميلانيزيا وميكرونيزيا.ويعاني كثير من البلدان في تلك المناطق من بيئات ريفية متدهورة للغاية وصعوبات في إطعام سكانها (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، 1996، كليفر وشرايبر 1994؛ وهيغنز وآخرون، 1982). ويتوقع أن يكون نمو سكان الريف في جنوب وسط آسيا وغرب آسيا متواضعا، إلا أن الكثافات السكانية في الريف عالية أصلا في بلدان تلك المناطق. وأخيرا، فإن أمريكا الوسطى هي الجزء الوحيد من أمريكا اللاتينية الذي يتوقع فيه حدوث زيادة في سكان الريف.

الجدول 3

سكان الريف ومعدل النمو الريفي حسب المنطقة الرئيسية أو الإقليم الرئيسي 1960-2030


عدد سكان الريف
(بالملايين)

معدل النمو الريفي
(النسبة المئوية المتوسطة السنوية)
المنطقة الرئيسية أو الإقليم الرئيسي
1960
2000
2030
1960-2000
2000-2030






العالم                          
005.2 2
210.0 3
222.6 3
1.18
0.01
              المناطق الأكثر نموا             
353.3
285.0
199.7
-0.54
-1.19
              المناطق الأقل نموا             
651.9 1
925.0 2
022.9 3
1.43
0.11
أفريقيا             
225.4
487.3
640.2
1.93
0.91
              شرق أفريقيا             
76.4
182.4
259.9
2.18
1.18
              وسط أفريقيا             
26.1
61.8
96.1
2.15
1.47
              شمال أفريقيا             
46.8
85.3
88.6
1.50
0.13
الجنوب الأفريقي             
11.4
24.3
22.1
1.89
-0.31
              غرب أفريقيا             
64.6
133.5
173.6
1.81
0.88
آسيا             
348.4 1
330.7 2
271.8 2
1.37
-0.09
              شرق آسيا             
613.0
913.5
776.3
1.00
-0.54
              جنوب وسط آسيا             
507.6
035.3 1
116.7 1
1.78
0.25
              جنوب شرق آسيا             
185.0
325.9
313.4
1.42
-0.13
              غربي آسيا             
42.8
56.1
65.5
0.67
0.52
أوروبا             
54.0 2
184.0
120.4
-0.81
-1.42
              شرق أوروبا             
132.1
88.4
55.9
-1.00
-1.52
              شمال أوروبا             
20.1
15.3
11.1
-0.68
-1.08
              جنوب أوروبا             
59.7
48.4
31.2
-0.52
-1.47
              غرب أوروبا             
42.2
32.0
22.2
-0.69
-1.22
أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي             
110.7
128.3
121.5
0.37
-0.18
              منطقة البحر الكاريبي             
12.2
14.1
13.0
0.37
-0.28
              أمريكا الوسطى             
26.3
44.3
47.5
1.30
0.23
              أمريكا الجنوبية             
72.2
69.9
61.0
-0.08
-0.45
أمريكا الشمالية             
61.4
70.6
58.1
0.35
-0.65
الأوقيانوس             
5.3
9.1
10.5
1.35
0.51
              استراليا/نيوزيلندا             
2.6
3.4
3.2
0.74
-0.20
              ميلانيزيا             
2.4
4.9
6.4
1.86
0.89
              ميكرونيزيا             
0.1
0.3
0.4
1.98
1.06
              بولينزيا                          
0.2
0.4
0.4
1.25
0.57

           
المصدر: شعبة السكان في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمانة العامة للأمم المتحدة “توقعات التمدين في العالم”: تنقيح عام 1999: جداول البيانات والمؤشرات الرئيسية (ESA/P/WP.161)، آذار/مارس 2000.

  ويتركز معظم سكان الريف في العالم في عدد قليل من البلدان، مع وجود 34 بلدا فقط يقطن فيها 85 في المائة من سكان الريف في العالم و 3 بلدان يقطن ريف كل منها أكثر من 100 مليون نسمة (إندونيسيا والصين والهند). وبحلول عام 2030، ستتخطى باكستان وبنغلاديش أيضا تلك العتبة. ومع ذلك، يتوقع أن تحقق البلدان الأقل سكانا مثل أوغندا واليمن أعلى معدلات للنمو السكاني في الريف مستقبلا، أي أكثر من 2 في المائة سنويا. وسيتجاوز النمو الريفي على الأرجح 1.5 في المائة سنويا في إثيوبيا وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومن المحتمل أن تواجه البلدان التي تعاني معدلات مرتفعة في نمو سكان الريف مشاكل التدهور البيئي في المناطق الريفية. ففي العقود الماضية، تضاعفت كثافة سكان الريف في إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا واليمن، وارتفعت إلى أكثر من 70 في المائة في باكستان وبنغلاديش وفييت نام وميانمار ونيجيريا والهند.

  وفي المستقبل، ستظل هناك قوتان على الأقل تدفعان في اتجاهين معاكسين وتؤديان إلى إحداث تغييرات في الأرض الصالحة للزراعة وهما، فقدان الأراضي الزراعية التي يبتلعها توسع المناطق الحضرية، واستيطان أراض حدية أخرى. وتترتب على كلا الحالتين تغييرات في خريطة الكثافة السكانية للبلدان، وهي التغييرات التي كانت تحصل عادة عن طريق الهجرة. فالهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية عنصر رئيسي في زيادة عدد سكان الحضر، وقد ساد موضوعها أدبيات السياسة العامة ومناقشاتها. بيد أن الهجرة من منطقة ريفية إلى منطقة ريفية أخرى تظل أكثر شيوعا في البلدان التي يعيش معظم سكانها في الريف. فمن أصل 13 بلدا تتوافر بشأنها بيانات عن مختلف أنماط تدفقات الهجرة (تشمل مجموعة تضم بعضا من أكبر بلدان العالم من حيث عدد السكان كالبرازيل والهند وباكستان) كانت الهجرة في 11 بلد منها، من منطقة ريفية إلى منطقة ريفية أخرى في الثمانينات، بل وحتى قبل ذلك، أكبر في أغلب الحالات، من الهجرة من منطقة ريفية إلى منطقة حضرية. وينبغي ألا تغيب هذه الحقيقة عن الأذهان كلما نظرنا في دور الهجرة من منطقة ريفية إلى منطقة ريفية أخرى إذ أن الهجرة وسيلة تكشف رد فعل السكان تجاه البيئة الريفية حيث أنهم قد يلجأون إلى الهجرة إلى منطقة ريفية أخرى هربا من بيئتهم الريفية المتدهورة، وعن طريق هذه الهجرة الداخلية يمكن أن يتسبب السكان في وقوع ضغوط على البيئات الريفية الهشة.

  وعند تحليل الآثار المحتمل أن تترتب في البيئة بسبب السكان، يمكن النظر في عدة مقاييس لتدهور البيئة. وينصب التركيز هنا على الأثر الناشئ عن إزالة الغابات باعتباره الأكثر إخضاعا للدراسة لأن إزالتها تصاحبه خسائر كبيرة تشمل التنوع البيولوجي وتجريف التربة والاحترار العالمي. ويمكن القول إن أسباب إزالة الغابات تعود، في عموم العالم، بنسبة 60 في المائة إلى زحف المناطق الزراعية، وبنسبة 20 في المائة إلى عمليات قطع الأشجار، وبنسبة 20 في المائة إلى استخدام الأسر المعيشية للحطب (البنك الدولي، 1991). وفي حين تتراوح أهمية هذه العوامل الثلاثة من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، يظل الدور الذي تلعبه العوامل الديمغرافية دورا هاما، فيما يعتقد، سواء فيما يتعلق بزحف المناطق الزراعية أو استخدام الحطب (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 2000ج).

  ويصعب تحليل الصلات القائمة فيما بين السكان والهجرة والبيئة الريفية لأن ضغط السكان وتدهور البيئة قد يكونان علة للهجرة من المواطن الأصلية وعواقب لها في المناطق المهاجر إليها (انظر الشكل السابع). فمنذ أن ظهر الإنسان الذي يعيش على الصيد والقطف وهو يلجأ للهجرة من مكان استنزاف طرائده إلى مكان آخر، كآلية للتوفيق بين احتياجاته والموارد التي تناسبها. ويمكن وصف العوامل التي تقتلع الإنسان من موطنه بأنها عوامل “طاردة” وهي تشمل الكوارث الطبيعية والتدهور التدريجي للبيئة بسبب أحد الأنشطة التي يزاولها الإنسان كالفيضانات الناشئة عن اجتثاث الأحراج في مناطق مستجمعات المياه، أو تدهور البيئة بسبب الممارسات التي تسيء استخدام الأراضي. وتحد الكوارث الطبيعية المفاجئة، والتدهور التدريجي للبيئة الناجم عن أنشطة الإنسان في المناطق الريفية من إنتاجية الموارد، ويحد ذلك بدوره إيرادات السكان الذين يعيشون عليها، مما يحملهم على الهجرة من موطنهم الأصلي. بيد أنه يكاد لا يوجد دليل ملموس على أثر العوامل البيئية في الهجرة ، إذ لا توجد أي بيانات تميز العوامل البيئية عن غيرها من العوامل الاقتصادية التي قد تسبب الهجرة. ومع ذلك، يظل هناك اهتمام متزايد بالهجرة الناشئة عن العوامل البيئية، ولا سيما من ناحية تأثيرها على أولئك الذين يسمون باللاجئين لأسباب بيئية، أي المهاجرون الذين ترغمهم ظروف بيئية على البحث عن ملجأ مؤقت في بلد آخر (عادة ما يكون بلدا مجاورا)، وتأثيرها على “المشردين” أي أولئك الذين أرغمتهم كوارث طبيعية على الهجرة إلى مكان آخر داخل البلد نفسه. إلا أنه لم يتسن إثبات الدور الصحيح لتلك العوامل في نشوء حركات الهجرة المذكورة لأنها حركات ساهمت في نشوئها أيضا صراعات سياسية أو أهلية أو دينية أو عرقية.

01-40554

  وفي البلدان المتقدمة النمو، يؤدي تدهور البيئة في أغلب الحالات إلى الهجرة من المناطق الريفية. وتتسبب التغييرات البيئية أحيانا في كوارث طبيعية كما تتسبب فيها أحيانا أخرى ممارسات بشرية. ومن أمثلة الحالة الأولى، تأثير تغير المناخ (تدني نسبة هطول الأمطار) في الزراعة ومن ثم تأثيره في نشوء موجة الهجرة من السهول الكبرى في الولايات المتحدة التي شهدتها المنطقة في الثلاثينات في حقبة “العواصف الترابية” (غوتمان وآخرون، 1996). وباستثناء آثار خلفتها حوادث نووية وصناعية، ومقالب النفايات السامة والنفايات الصلبة وحالات خطيرة ناجمة عن تلوث الهواء أو الماء، فإن ممارسات الإنسان هي التي تؤدي غالبا إلى تدهور البيئة الريفية تدهورا يحصل على نحو تدريجي ولكنه يظل خطيرا. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك، نضوب مياه بحر الأورال الداخلي المترامي الأطراف الموجود في آسيا الوسطى إلى النصف بسبب الإفراط في سحب المياه لري حقول القطن مما تسبب في هجرة السكان إلى مناطق أخرى.

   ولما كانت الهجرة الوافدة تزيد الكثافة السكانية في المناطق المهاجر إليها، فإنها قد تؤدي إلى الإضرار بالبيئة. وعلى نحو ما تقوله نظريات مالتوس وبوسوروب وغيرهما، فإن إمكانات إيجاد حيز مكاني في المناطق المهاجر إليها تحكمها الكثافة السكانية في تلك المناطق. والسؤال المهم هنا هو، هل للفقراء دور خاص في الإضرار بالبيئة؟ والحقيقة أن الفقراء عادة ما يعيشون في أراض هامشية “ضعيفة القدرات” مما يقوي احتمالات تدهورها عند استخدامها (باربييه، 1995) كما يرغم الفقراء على الهجرة إلى مناطق هامشية أخرى، حيث تتكرر عملية التدهور مجددا. وبهذه العملية، يساهم المهاجرون الفقراء في إزالة الأحراج، ولكن الأسباب الأصلية تعود إلى عدم حصولهم على أراض في مواطنهم. غير أنه، فيما يتعلق بإجمالي مساحة الأراضي المنتزعة من الغابات، يظل أصحاب الحيازات الزراعية التجارية الكبيرة هم المسؤولون عن الجانب الأعظم من إزالة الأحراج، إذ أنهم ينتزعون مساحات من الغابات لتحويلها إلى مراعي لمجابهة طلبات الاستهلاك العالمي.

  وقد ركزت مجموعة من البحوث المتعلقة بآثار الهجرة على البيئة الريفية في البلدان النامية على المستوطنين المهاجرين ودورهم في تقليص مساحة الغابات المطرية. ويتسبب هؤلاء المستوطنون مباشرة وفي جانب كبير في إزالة الغابات المدارية رغم أن العامل غير الديمغرافي كان في الغالب العامل الضمني الرئيسي الدافع إلى ذلك. فقد خسرت البرازيل، التي يوجد فيها 35 في المائة من مجموع الغابات المطرية بالأرقام المطلقة، أكبر مساحة من الغابات المطرية في العقود الأخيرة بسبب زحف المناطق الزراعية الناشئ عن شق طريقين عابرين (الطريق ب ر – 364 المؤدي إلى روندونيا والطريق السريع العابر للأمازون). وكانت السياسة العامة للبلد قد عمدت إزاء ارتفاع المعدلات السكانية ونمو الأنشطة الصناعية من خلال المبادرات الضريبية وشق الطرق، إلى تشجيع التوسع غربا لاستغلال ثروات الأمازون وقد فتح ذلك متنفسا أمام المزارعين الذين ليس لديهم ما يكفي من الأراضي في المناطق الأخرى (ولا سيما منطقة شمال شرق البلد حيث ساهم الجفاف والنمو السكاني بسبب ارتفاع معدلات الخصوبة في تزايد الضغط السكاني على الأراضي وتفشي الفقر في المناطق الريفية)، مما ساعد في تغذية الهجرة إلى منطقة الأمازون عندما أصبحت الطريق إليها سهلة، إلا أنه كانت هناك عوامل أكثر انتشارا التي حفزت الهجرة إلى المنطقة وهي ارتفاع معدلات التضخم، التي شجعت على المضاربة على الأراضي ومكننة الزراعة والتحول إلى زراعة فول الصويا في الجنوب مما أدى إلى الهجرة الخارجية، بعضها إلى الأمازون وقد ألغيت الحوافز الضريبية في البرازيل منذ عقد من الزمن، وأنشأت البرازيل أيضا عددا من المناطق المحمية الواسعة والمحميات المحلية، التي تحمي العديد من المناطق من إخلاء الأراضي.

   وسجلت أيضا حالات للهجرة إلى أطراف الغابات المطرية أعقبها انتزاع أراض شاسعة من تلك الغابات حدثت في بلدان أخرى من بينها غواتيمالا وبنما وكوستاريكا وإكوادور والمكسيك وإندونيسيا وتايلند ونيبال والفلبين ونيجيريا وجمهورية تنزانيا المتحدة والسودان. ففي غواتيمالا مثلا، أدت الهجرة إلى منطقة بيتان الشمالية إلى تجريد نصف مساحة الغابات من أشجارها في السنوات 1950 إلى 1985، وعلى غرار ما حصل في البرازيل، أدى ارتفاع معدلات نمو السكان في المواطن الأصلية (مرتفعات غواتيمالا) التي تحتد فيها أوجه انعدام التكافؤ في حيازة الأراضي إلى زيادة انتزاع أراض من الغابات عبر السنين وزيادة تقسيم الحيازات بين الورثة من أولاد وأحفاد، كما أدى إلى تفشي الفقر في المناطق الريفية مما شجع، إلى جانب انعدام فرص الحصول على حيازات، على الهجرة من تلك المناطق نحو كل من مدينة غواتيمالا ومنطقة بيتان(بيلزبورو وستب، 1997؛ سادر وآخرون، 1997). وفي جنوب هندوراس، لعبت سياسات الحكومة دورا هاما في إقامة مراع للمواشي ومزارع للقطن وقصب السكر لأغراض زيادة الصادرات، مما أدى إلى استيلاء كبار التجار العقاريين على أراضى السفح الجيدة. وأرغمت هذه التطورات أصحاب الحيازات الصغيرة على الهجرة إلى الأراضي القريبة الواقعة في منحدرات الجبال ليقيموا عليها مزارعهم. وقد تسبب تجريد هذه المنحدرات من غطائها النباتي في انجراف التربة وتعرض أراضي السفح للفيضانات، مما زاد حدة الفقر في المناطق الريفية. أما في إكوادور، فبدأت الهجرة شرقا باتجاه الأمازون وصاحبها إزالة الأحراج الواسع النطاق في بداية السبعينات مع قيام شركات البترول بشق طرق لمد أنابيب النفط. وساعدت هذه الطرق على تدفق أعداد كبيرة من المستوطنين المهاجرين جاء ثلاثة أرباعهم من منطقة المرتفعات الريفية (بيشون، 1997، بيشون وبلسبورو، 1999). وخلصت دراسة عن الأسر المعيشية للمستوطنين المهاجرين شملت فترة زمنية طويلة وأجريت في عامي 1990 و 1999، أن الكثير من حيازات الأراضي في منطقة الأمازون قسمت إلى حيازات أصغر، وأن عدد المستوطنين يتضاعف كل تسع سنوات تقريبا مما سيرفع نسبة مساحة الأراضي المنتزعة من الغابات في الأصل من 46 إلى 57 في المائة (بان وبلسبورو، 2000؛ ميرفي، 2000).

   وثمة نتائج مماثلة في القارات الأخرى. فإندونيسيا ، وهي رابع أكبر بلد من حيث عدد السكان وثالث أكبر بلد من حيث مساحة الغابات الاستوائية، تمثل ثاني أعلى خسائر سنوية في الثروات الحرجية. ويتسبب المستوطنون المهاجرون في جانب من هذه الخسائر (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 1977). وأدى برنامج الهجرة العابرة الذي ترعاه الحكومة بهدف الحد من الكثافة السكانية في جاوه وبالي، وحركة المهاجرين العفوية، إلى ارتفاع الكثافة السكانية في المناطق الحرجية مما تسبب في إزالة الغابات. وفي تايلند، اجتثت الأحراج على نطاق واسع في شمال البلد على أيدي المستوطنين المهاجرين (بناياتو وسونغسوان، 1997)؛ وفي منطقة الهضاب الجنوبية في نيبال استقر المستوطنون بعد حملة ناجحة للقضاء على الملاريا استخدمت فيها مادة الدي دي تي، مما أدى إلى اقتطاع مساحات من الغابات (شرستا، 1990). وفي الفلبين، جرت عملية مماثلة لما جرى في هندوراس حيث لم تنفك أراضي السفح تقع في أيادي أصحاب الحيازات الكبيرة المخصصة للمحاصيل النقدية كقصب السكر وعلف المواشي، بحيث لم يعد بإمكان سكان الريف المتزايدين العثور على أراض جديدة سوى بالانتقال إلى مناطق جبلية أشد انحدارا؛ لكن عندما اجتثت الأحراج لاقتطاع مساحات للزراعة زاد انجراف التربة وزادت الفيضانات (كروز، 1997). وتعزى زيادة تواتر الفيضانات في بنغلاديش في جانب منها إلى اجتثاث الأحراج على نطاق واسع في مناطق مستجمعات المياه في الهند ونيبال.

  وللهجرة من منطقة ريفية إلى منطقة ريفية أخرى دور بارز أيضا في الصلات القائمة بين البيئة والهجرة في أفريقيا. ففي جمهورية تنزانيا المتحدة، نشأ عن انتشار المحاصيل النقدية (ولا سيما البن والقطن) بتشجيع من السياسات الحكومية، هجرة كبيرة انتقل فيها المهاجرون من مناطق ريفية إلى مناطق ريفية أخرى صوب منطقة سهول أوسانغو، فجردوها من غطائها النباتي. وارتفع عدد سكان هذه السهول إلى خمسة أضعاف في الفترة من 1948 إلى 1988، كما تضاعف عدد رؤوس الماشية. بيد أن تدهور البيئة كان يعود في جانب منه إلى انعدام ضمانات حيازة الأرض وانعدام المؤسسات الاجتماعية التي تنظم الحصول على الموارد واستغلالها (شارنلي، 1997). وفي نيجيريا، هاجر أفراد قبيلة الكويفار من مرتفعات جاوس لا بسبب أي ضغط سكاني على منطقتهم وإنما استجابة لفرص متزايدة أصبح السوق يطرحها ، فتركوا سهول بينيو الخصبة وتحولوا من مزارعين، ينتقلون من زراعة مساحة من الغابة تجرد مؤقتا من غطائها النباتي إلى مساحة أخرى، إلى فلاحين دائمين متفرغين لفلاحة مزارع أسرية في مناطق انتزعت من الغابة.

   وتجري إزالة الأحراج أيضا على أيدي السكان عند بحثهم عن الحطب لسد احتياجاتهم من الطاقة، ولا سيما الفقراء وفئات معينة من المهاجرين. وفي أفريقيا وأمريكا الوسطى وآسيا، يتعين على أعداد كبيرة من المشردين واللاجئين البقاء في مخيمات مؤقتة لفترات طويلة. وقد نشأ عن ذلك أن اجتثت أشجار الغابات القريبة من تلك المخيمات لاستخدامها حطبا للوقود واستنزفت المياه السطحية والجوفية (سيساي ومحمد، 1997).

وتبين أيضا أن لزيادة عدد السكان والهجرة صلة باستنزاف الغطاء النباتي في المناطق الجافة ولا سيما في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى. وهكذا، ازداد في العقود الأخيرة كثيرا عدد الرعاة وعدد رؤوس الماشية التي يعيشون عليها مما زاد الهجرة بحثا عن أراض أخرى للمرعى، وزاد التنافس على الأرض مع السكان غير الرحل.

  وفي حين تشير دراسات الحالات الإفرادية إلى أن الهجرة إلى المناطق الهامشية والهشة عادة ما تكون نتيجة لتدهور البيئة، فأن هناك عوامل أخرى تعجل بهذه الهجرة كالإجراءات الحكومية والشركات الوطنية والشركات المتعددة الجنسيات (شركات قطع الأشجار والتعدين) وأنشطة الحيازات الزراعية الكبيرة الرامية إلى سد الطلب الوطني والدولي على الأخشاب ولحم الأبقار وغيرهما من المنتجات الزراعية. وغالبا ما كان شق الطرق أو إقامة الهياكل الأساسية يسهل قدوم المهاجرين.

   وفي نفس الوقت يمكن للهجرة أن تخفف الضغوط على البيئة في المناطق الأصلية للمهاجرين. ففي سهل كاماشو في بوليفيا، نتج عن الهجرة تخفيف الضغط على المراعي وتحسنت حالة البيئة (بريستون، 1998). غير أنه في منطقة جبال الإنديز وفي إحدى الجزر في بحيرة فيكتوريا، نتج عن الهجرة تقلص العمالة مما أصبح يتعذر معه تعهد المصاطب الزراعية وزاد انجراف التربة (كولنز، 1986). أما في البلدان المتقدمة النمو، فقد أغلقت حدود الأراضي الزراعية منذ فترة طويلة. وفي حين يتناقص عدد سكان الريف في جميع هذه البلدان، تظل مساحات الغابات الثانوية على حالها، بل تشهد توسعا. وفي الشطر الثاني من القرن العشرين، استمرت الهجرة من المناطق الريفية على نحو يكاد لا يتغير تتجه إلى الحضر ولم تأخذ صورة هجرة إلى أطراف الغابات كما هو عليه الحال في البلدان الاستوائية النامية.

  ويتيح استعراض الكتابات الحديثة المتوافرة عن النمو السكاني والهجرة والبيئة الريفية أمثلة عديدة تسببت فيها هجرة العمال إلى أطراف المناطق الزراعية في إزالة الغابات المدارية وتيبس التربة في المناطق الجافة. وتبين هذه الأمثلة أيضا الأهمية البالغة للدور الذي تؤديه صناديق الهبات المكرسة للموارد الطبيعية، والمؤسسات، والسياسات المحلية والوطنية، وفي بعض الحالات، الأسواق الدولية والعوامل الثقافية. وبالنظر إلى أن كثيرا من المناطق التي يجري استيطانها تتسم بدرجة فائقة من التنوع البيولوجي، وأن الغابات المدارية تؤدي أيضا دورا حاسم الأهمية فيما يتعلق بأنماط المناخ في العالم ومنع الاحترار العالمي، فمن المهم أن تجري معالجة الأسباب الجذرية للهجرة المفضية إلى إزالة الغابات. ونظرا لأن معظم المهاجرين المعنيين يكونون من الفقراء، فإن تهيئة السبل اللازمة لمحاربة الفقر في الريف مع التشجيع في نفس الوقت على استخدام البيئة الريفية في المواطن الأصلية على نحو أكثر استدامة يمثل واحدا من التحديات الرئيسية القائمة.

خامسا - الصحة ومعدلات الوفيات والخصوبة، والبيئة

  كانت الشواغل الصحية وراء قدر كبير من المناقشات التي جرت مؤخرا بشأن عواقب التدهور البيئي. وتم تصنيف المخاطر البيئية التي تهدد الصحة إلى فئتين هما: “المخاطر العصرية” المقترنة بعدم ارتباط التنمية بضمانات بيئية وصحية كافية؛ و “المخاطر التقليدية” المقترنة على وجه العموم بنقص التنمية (منظمة الصحة العالمية، 1997). وتشمل المخاطر البيئية العصرية تلوث المياه الذي تتسبب فيه المناطق المأهولة، والتلوث الجوي في المناطق الحضرية، وسوء معالجة النفايات الصلبة والخطرة، والمخاطر الكيميائية والإشعاعية، وإزالة الغابات، وغير ذلك من المشاكل المتصلة بالتغير الإيكولوجي وتغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون في المحيط الجوي. كما تم تصنيف الأمراض المعدية الناشئة والأمراض التي عاودت الظهور بوصفها من المخاطر البيئية العصرية (المرجع نفسه) لارتباطها الوثيق بنتائج التنمية الاقتصادية. وتشمل المخاطر الصحية البيئية التقليدية ضعف مكافحة ناقلات الأمراض، وسوء المرافق الصحية، وتلوث الأغذية ومياه الشرب، وتلوث الهواء داخل المباني وخارجها، سواء بسبب الاحتراق، أو الجسيمات، أو سوء التخلص من النفايات، أو الكوارث الطبيعية.

المخاطر البيئية العصرية التي تهدد الصحة

  لا يوجد إثبات على أن الصحة تتأثر بتهديدات بيئية عصرية بعينها إلا من خلال دلائل متفرقة. وفي كثير من الأحيان لا يدعم هذه الدلائل سوى بيانات جمعت من حالات تجريبية لا تمثل بشكل كاف مستويات تعرض السكان الفعليين لهذه التهديدات. إلا أن ثمة دليلا ملموسا على وجود مجموعة من المواد الكيميائية والغازات التي تطلقها العمليات الزراعية أو الصناعية في البيئة يمكن أن تحدث آثارا سيئة على الصحة، سواء كانت موجودة في الهواء أو الماء، أو الغذاء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التعرض للإشعاع المؤين المنبعث من محطات توليد الطاقة النووية أو من المصادر الطبيعية يقترن بعواقب صحية سلبية (كورفالان وكييلستروم، 1995).

  وتتعرض الصحة لتهديد رئيسي سواء في البلدان المتقدمة النمو أو البلدان النامية من جراء تلوث الهواء، وبخاصة التلوث الناجم عن الجسيمات العالقة، الذي تشير التقديرات إلى أنه مسؤول عن 3 ملايين حالة وفاة في أنحاء العالم سنويا (منظمة الصحة العالمية، 1997). وتتألف الجسيمات العالقة من مزيج من الجسيمات الناعمة والخشنة الناتجة عن عمليات الاحتراق والعمليات الآلية. وأخطر هذه المواد على الصحة هي الجسيمات الأدق التي توجد عادة في الدخان الناتج عن محركات الديزل وعن الاحتراق، وفي دخان السجائر وبعض أنواع النشاط الصناعي بسبب قدرتها على التوغل في الجهاز التنفسي (دي سوزا، 1999). وجدير بالذكر أن المصادر الطبيعية من قبيل الدخان الناجم عن إشعال النار داخل المباني، تساهم في البلدان النامية مساهمة كبيرة في وجود الجسيمات العالقة في حين أن التلوث الناجم عن الجسيمات يعزى إلى حد كبير في البلدان المتقدمة النمو إلى الملوثات البيئية العصرية. ويشكل الرصاص أحد المكونات المشتركة للجسيمات العالقة. وثمة دليل قوي يربط بين التعرض للرصاص وانخفاض درجة الذكاء، وإعاقة النمو العقلي، وانخفاض وزن المواليد، واضطرابات الجهاز العصبي (بوكوك وسميث وباغهيرست، 1994؛ ومنظمة الصحة العالمية، 1997). وما زال استنشاق الأبخرة الناجمة عن احتراق البنزين المحتوي على الرصاص يشكل واحدا من المصادر الهامة للتعرض المستمر لمستويات منخفضة من التلوث في البلدان النامية التي ما زالت تستخدم هذا النوع من البنزين.

  ويحمل الماء والغذاء أيضا كثيرا من الملوثات التي توجد في الهواء. ويشكل استخدام الأسمدة والمبيدات في الزراعة مصدرا رئيسيا لتلوث المياه الجوفية والأغذية. وقد وجد أن استهلاك الكادميوم والرصاص والزئبق والمركبات الثنائية الفينيل المتعدد الكلور واستخدام المبيدات من خلال النظام الغذائي يتعدى الحدود المسموح بها يوميا في عدد من البلدان المتقدمة النمو، كما أن استهلاك الرضع والأطفال بصفة خاصة لهذه المواد يتجاوز الحد الأقصى المشار إليه (باهت وموي، 1997). ويشكل احتواء مياه الشرب على الزرنيخ تهديدا مستمرا للصحة في العالم، لأنه قد يتسبب في الإصابة بالأمراض العصبية وأمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان الجلد وسرطان أجهزة الجسم الداخلية، بما فيها الكبد والرئة والكلي والمثانة. وقد أفيد بوجود ارتباط وثيق بين ارتفاع امتصاص النيترات وتكرار الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي (جوبتا وآخرون، 2000).ونظرا إلى أن كثيرا من المواد الكيميائية يخترق جدار المشيمة، فإن تناول الأم الحامل لأغذية ومياه ملوثة يعرض الجنين للمخاطر الصحية.

  ويعتقد أيضا أن الملوثات البيئية العصرية تحدث آثارا سلبية على خصوبة الإنسان وصحته الإنجابية، رغم أن الأدلة على ذلك ما زالت موضعا للجدل. ومن المواد الكيميائية التي يعتقد أنها تؤدي دورا رئيسيا في هذه العلاقة الاستيرويد الطبيعي والهرمونات التركيبية، ومبيدات الآفات العضوية وغير العضوية، والمركبات الثنائية الفينيل المتعدد الكلور والدايوكسين (سوين وآخرون، 1997). فقد وجد على سبيل المثال أن التعرض للمركبات الثنائية الفينيل المتعدد الكلور مسؤول عن سوء صحة الأجنة وصغار الأطفال (سوين، 1991)، وعن الإضرار بالخصوبة، وتأخر النمو الذي لا سبيل إلى علاجه، وعن إحداث تغييرات طفيفة في سلوك المواليد الجدد (غيلبرتسون وآخرون، 2000). كما تم الربط بين العوامل الكيميائية المستخدمة لتحسين عملية التبويض وبعض العواقب السلبية على الصحة الإنجابية مثل الإقلال من احتمال ثبات الحمل، وارتفاع معدلات الإجهاض التلقائي، وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والرحم (تيكر، 1996؛ وفين وآخرون، 1999). وجدير بالملاحظة أنه حتى لو كان للعوامل البيئية تأثير سلبي على الخصوبة، فإنه لا يقوم دليل يذكر على أن المستويات العامة للخصوبة تأثرت من جراء ذلك. ففي بيلاروس وأوكرانيا التي أظهرت فيها الدراسات انخفاضا حادا في الخصوبة في الفترة التي أعقبت مباشرة حادث تشرنوبل النووي، كانت هناك فيما يبدو عوامل أخرى غير إعاقة الخصوبة أدت دورا هاما في هذه المسألة. فعلى وجه الخصوص، كان لهجرة النساء اللواتي في سن الإنجاب، ولا سيما الحوامل منهن، والزيادة التي طرأت في عدد حالات الإجهاض، وتأخير الحمل خوفا من الأعراض الجانبية لمأساة تشرنوبل، دورا هاما في انخفاض معدل الخصوبة (ريباكوفسكي، 1994).

المخاطر البيئية التقليدية التي تهدد الصحة

   نتيجة للتحسينات الرئيسية التي طرأت في المرافق الصحية وإمداد المجتمعات المحلية بالمياه، وفي الإسكان ونوعية الهواء داخل المباني، لم تعد معظم الأمراض المقترنة بالعوامل البيئية التقليدية تمثل أهمية كبيرة في معظم المناطق المتقدمة النمو. ولكن في غالبية المناطق الأقل نموا في العالم، ما زالت الأمراض المرتبطة بسوء المرافق الصحية، وتلوث المياه والأغذية لاختلاطها بالغائط، وتلوث الهواء داخل المباني وخارجها والعدوى الناجمة عن الحشرات أو الحيوانات الناقلة للأمراض ، تتسبب في قدر كبير من حالات الوفاة والاعتلال. وتشير التقديرات إلى أن حالات الوفاة الناجمة عن الأمراض المقترنة بسوء أحوال إمدادات المياه والمرافق الصحية والنظافة الصحية الشخصية والمنزلية كانت تمثل وحدها 5 في المائة من حالات الوفاة عموما، و 9 في المائة من جميع حالات الوفاة في سن مبكرة في عام 1990 (موراي ولوبيز، 1996). وعلى وجه التقريب، تتسبب الأمراض المعدية والطفيلية في حالة وفاة واحدة من كل خمس حالات وفاة في العالم. وأهم الأمراض المفضية إلى الوفاة هي الأمراض الناجمة عن الإسهال، التي تنتقل الإصابة بها مباشرة عن طريق تلوث الأغذية والمياه لاختلاطها بالغائط، ومجموعة الأمراض التي تصيب الأطفال، من قبيل السعال الديكي وشلل الأطفال والخناق والحصبة، والكزاز، التي يسهل انتشارها في ظل ظروف المعيشة المتسمة بالاكتظاظ وانعدام النظافة الصحية.

  وتتسبب الأمراض المقترنة بالعوامل البيئية التقليدية أيضا في إحداث قدر كبير من الإعاقة. فالأمراض المعدية تتسبب في مجموعها في نحو ربع حالات الإعاقة على مستوى العالم، وتتحمل المناطق الأقل نموا العبء الأكبر من هذه الحالات. وعلاوة على ذلك، ورغم انخفاض معدلات الوفاة الناجمة عن أمراض المناطق المدارية من قبيل مرض النوم ومرض شاغاس والبلهارسيا وداء الليشمانيات وداء الخيطيات الليمفاوية وداء العمى النهري، في جميع أنحاء العالم، إلا أنها تؤدي إلى معدلات مرتفعة من الإعاقة، لا سيما في الهند وفي أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى (موراي ولوبيز، 1996).

   وكثيرا ما يكون معدل الوفاة والإعاقة المقترن بالمخاطر البيئية التقليدية التي تهدد الصحة أعلى بكثير من معدل الوفاة والإعاقة المعزو مباشرة إلى الأمراض التي تتسبب فيها هذه المخاطر. فكثير من الأمراض التي تنقلها الأغذية على سبيل المثال يمكن أن يؤدي إلى مضاعفـــات خطيرة ومزمنـــة وأن يؤثر في الجهـــاز الـــدوري والبولي والتنفسي والمناعي. كما تشكل العدوى التي تنقلها الأغذية أحد العوامل الهامة الأساسية في الإصابة بسوء التغذية، والأمراض الروماتيزمية، كما أنها مسؤولة بصورة غير مباشرة عن إصابة الجهاز التنفسي بالسل (باننج وآخرون، 1997؛ وكافرشتاين، 1997). وثمة دليل على أن التعرض إلى مسببات المرض البيولوجية في البيئة يمكن أن يؤثر سلبا على الجهاز المناعي، فقد تم الربط، على سبيل المثال، بين بكتيريا هليكو باكتر بيلوري (هـ. بيلوري)، وهي عدوى تنقلها المياه، والإصابة بقرحات وسرطان الجهاز الهضمي(هوسكنغ وآخرون، 1994؛ وهانسون وآخرون، 1996؛ وبارسونت، 1996). ويعتقد أن تحسين إمدادات المياه والحد من التعرض لهذه البكتيريا قد أحدثا انخفاضا ملحوظا في حالات الوفاة الناجمة عن سرطان الجهاز الهضمي في الولايات المتحدة منذ الثلاثينات (مانتون ستالرد وكوردر، 1999).

الأمراض الجديدة والأمراض التي عاودت الظهور

  أدت العوامل البيئية دورا هاما في ظهور عدد من الأمراض الجديدة في القرن العشرين وأسهمت في زيادة خطورتها. وشملت هذه الأمراض فيروس نقص المناعة البشرية، ومرض الإيبولا وغيره من الأمراض الحيوانية المصدر، والسلالات الأمراضية التي كانت معروفة من قبل ثم اكتسبت مقاومة للأدوية. فقد أدى النمو السكاني السريع وما اقترن به من زيادة التعديات على الموائل البرية والمائية الطبيعية إلى تعزيز نمو وانتشار مسببات المرض التي كانت محصورة من قبل في مناطق معينة. وأهم هذه الأمراض على الإطلاق هو وباء فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، الذي تشير التقديرات إلى مسؤوليته عن وفاة ما يزيد على 18 مليون شخص منذ ظهوره (برنامج الأمم المتحدة المشترك الذي ترعاه عدة جهات والمعني بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، 2000). وينتقل فيروس نقص المناعة البشرية الذي يسبب الإصابة بمتلازمة نقص المناعة المكتسب بصفة أساسية عن طريق الاتصال الجنسي والحقن بالمخدرات، ولكن بمجرد انتقال العدوى إلى الشخص، تزداد سرعة تطور المرض من مجرد الإصابة بالفيروس إلى الإصابة الكاملة بالإيدز إذا اقترنت بشكل من أشكال العدوى الطفيلية (مولر وآخرون، 1999؛ وكوين وميللر، 1998). وتؤثر العوامل البيئية في انتقال عدد من أكثر أنواع العدوى الانتهازية شيوعا.فتعرض حاملي فيروس نقص المناعة البشرية لبيئات غير صحية، وللحيوانات، والدواجن، واللحوم النيئة، والتربة، والفاكهة والخضر الملوثة، يزيد تعرضهم لخطر الإصابة بالتهاب الدماغ الناتج عن المقوسات، وداء النسوجات، وداء البويغات المستخفية، والحمى المضخمة للخلايا، وفيروسات الغدد (مركز مكافحة الأمراض، 1997، و 1999؛ وهيرهولزر، 1992). وما زال مرض السل يشكل العدوى الانتهازية الأساسية التي تصيب مرضى فيروس نقص المناعـــة البشريـــة (الإيـــدز) في البلدان الناميـــة، ولا سيما في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى التي تعد المنطقة الأشد معاناة من هذا المرض. ويتسبب مرض السل في مضاعفات لنصف المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في البلدان النامية (برنامج الأمم المتحدة المشترك الذي ترعاه عدة جهات والمعني بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، 2000)، وقد يكون ذلك انعكاسا للازدحام الذي تعاني منه الأسر المعيشية والمجتمعات على نطاق واسع، ولارتفاع معدلات انتشار السل في هذه السياقات بصفة عامة عنه في سياقات أخرى.

العوامل المقترنة بالاعتلال والوفاة نتيجة للأسباب البيئية

   يبدو أن المخاطر البيئية العصرية والتقليدية التي تهدد الصحة تؤثر أكثر ما تؤثر في الصغار، ولا سيما من تقل أعمارهم عن خمس سنوات. كما أن مخاطر مرحلة المراهقة شديدة أيضا مع بلوغ عدد من أعضاء الجسم طور النضج، بما في ذلك الجهاز التناسلي، والتنفسي، والمناعي، والهيكل العظمي، والجهاز العصبي المركزي، وهي أجهزة معرضة للآثار السامة الناتجة عن المواد الكيميائية البيئية (غولوب، 2000). وقد أظهرت مختلف الدراسات أن حساسية الرضع وصغار الأطفال لآثار الإشعاع تبلغ عشرة أضعاف حساسية الكبار، وأنه لا يوجد مستوى أدنى يخلو من تعرض الغدة الدرقية لإشعاع أقل منه من المخاطرة (برافيرستوك، 1993). وتصل حالات الوفاة الناجمة عن الأمراض التي يسببها سوء حالة المرافق الصحية وازدحام أماكن السكن وتلوث الأغذية والمياه إلى أعلى معدل لها بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وهم أشد من ينوء بعبء هذه الأمراض. وتحدث 70 في المائة من حالات الوفاة الناجمة عن الالتهابات التنفسية الحادة، التي يتصل معظمها بالعوامل البيئية، قبل إتمام الأطفال لعامهم الأول، وتشير التقديرات إلى أن ربع حالات الوفاة في الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات تعزى إلى الإسهال (منظمة الصحة العالمية، 1995).

   وتتعرض أيضا النساء والشابات، نظرا للدور التقليدي الذي يضطلعن به في إعداد الطعام، إلى مخاطرة شديدة بسبب التعرض للجسيمات الناتجة عن الدخان المنبعث من احتراق الفحم، وخشب الوقود، وروث الحيوانات، وغير ذلك من مصادر الوقود (منظمة الصحة العالمية، 1997). ويبدو أيضا أن العوامل المتصلة بأسلوب الحياة، ولا سيما التدخين أو التعرض لدخان التبغ في البيئة، تغير من آثار الملوثات الكيميائية على الصحة. فالتفاعل الوثيق بين النيكوتين والقطران اللذين يجري استنشاقهما أثناء التدخين وبين غيرهما من المواد الكيميائية التي يجري التعرض لها، يحدث فيما يبدو آثارا سلبية بالغة على الصحة (كييلستروم وروزنستوك، 1990).

  وتوفر العوامل المناخية السائدة في المناطق المدارية في العالم ظروفا مثالية لبقاء وتكاثر مسببات المرض. واقترنت الزيادات في استشراء مختلف الأمراض، بما في ذلك حمى الضنك والملاريا وغير ذلك من الأربوفيروسيات التي يحملها البعوض، بالمناخ وسقوط الأمطار (لوفنينسون، 1994؛ وواتس وآخرون، 1989). ورغم أن الدور الذي يؤديه النظام الغذائي يكتسي أهمية رئيسية لا شك فيها، أشارت بعض الاقتراحات إلى احتمال وجود ارتباط بين العوامل البيئية، وربما المناخ، والزيادات التي طرأت في العالم مؤخرا على الإصابة بداء السكـــري الذي يعتمـــد في علاجـــه على الأنسولين (ليزلي وإيليوت، 1994). وثمـــة ما يشير إلى أن الإصابة بهذا المرض تتدرج من الجنوب إلى الشمال، إذ تزداد معدلاتها بازدياد خطوط العرض (رويرز وآخرون، 1988). وتتجلى أيضا الصلة بين البيئة والصحة في العوامل الاقتصادية الاجتماعية. فالتعليم والدخل والمهنة كلها تحدد مدى قدرة الفرد على تحوير التهديدات البيئية التي تضر بصحته أو السيطرة عليها. وتشير التقديرات إلى أن الرمد الحبيبي يؤثر في شكله الالتهابي النشط في نحو 46 مليون شخص في أنحاء العالم، وإن كان تأثيره أشد على من يعيشون في الفقر وفي ظل ظروف تتسم بالازدحام وقلة النظافة الصحية الشخصية والبيئية (ثايلفورس، 1999).

  وقد أحدث ارتفاع معدل الخصوبة والهجرة من الريف إلى الحضر نموا سكانيا حضريا سريعا في كثير من البلدان. وكثيرا ما كان هذا النمو الحضري أسرع من القدرة على توفير المياه المأمونة والمرافق الصحية. وبالإضافة إلى ذلك فإن تزايد حجم السكان في الحضر والنشاط الاقتصادي المقترن بهم يضيف إلى حجم النفايات السائلة والصلبة التي يتم إطلاقها في البيئة. كما تسهل ظروف المعيشة المزدحمة انتشار أمراض مثل السل والحصبة (منظمة الصحة العالمية، 1997).

  وما زال الرخاء والفقر على حد سواء يؤديان دورا هاما في استمرار المخاطر البيئية التي تهدد الصحة. فالرخاء الذي يؤدي من ناحيته إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات الاستهلاكية، سواء من حيث الكمية أو النوعية، يكثف الإنتاج بطرق تفضي إلى التلوث الناجم عن المواد الكيميائية التي تدخل في عملية الإنتاج أو التي تنتج عنها. أما في البلدان النامية، فقد أوجد الفقر المقترن بزيادة النمو السكاني ضغوطا مستمرة على الموارد الطبيعية، ونمو الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية، وزيادة فرص انتقال الأمراض.

سادسا - السكان والبيئة والتنمية في المناطق الحضرية

  سيشكل التمدين واحدا من أهم الاتجاهات الديمغرافية في القرن الحادي والعشرين. وسيتركز النمو السكاني المتوقع خلال الفترة 2000-2030 بأكمله تقريبا في مناطق العالم الحضرية (الأمم المتحدة، 2000 د). وسيكون النمو سريعا بشكل خاص في النطاقات الحضرية لأقل المناطق نموا، بحيث يبلغ معدله 2.3 في المائة سنويا خلال الفترة 2000-2030 وفق فترة تضاعف مدتها 30 سنة. ومع أن المناطق الحضرية ستستوعب عددا متزايدا من سكان العالم، فإن نسبة قاطني التجمعات الحضرية البالغة الكبر لا تزال ضئيلة (في عام 2000، لم يقطن سوى 4.3 في المائة من سكان العالم في مدن ذات عشرة ملايين نسمة أو أكثر). وبالمقابل، تعد نسبة قاطني المدن الصغيرة من بين سكان العالم أعلى بكثير (في عام 2000 قدر أن 28.5 في المائة من سكان العالم يعيشون في مدن يقل سكانها عن المليون نسمة) (الأمم المتحدة،2000 د).

  ويؤثر النمو السكاني في التركز المكاني للسكان والصناعة والتجارة والمركبات واستهلاك الطاقة واستخدام المياه وإفراز النفايات وفي ضغوط بيئية أخرى (بارتون وبيرنشتاين ولايتمان، 1992). وغالبا ما يفترض أن المشاكل البيئية للمدن تتفاقم بفعل عدد السكان وارتفاع معدل تركزهم؛ لكن هذا التركز في حد ذاته يتيح في واقع الأمر عددا من الفرص المحتملة. لأن تركز السكان والأعمال التجارية في المناطق الحضرية يحد بشكل كبير تكاليف تزويد كل بناية على حدة بأنابيب ضخ المياه والمجاري والصرف الصحي والطرق والكهرباء. وعلاوة على ذلك، تؤدي المدن إلى تركز السكان على نحو يحد عادة من نسبة الطلب على الأراضي بالمقارنة بعدد هؤلاء السكان. فبالرغم من أن الامتداد الحضري يأتي على أراض قيمة. فإن المساحة التي تشغلها المدن والبلدات في معظم الدول تقل عن 1 في المائة من المساحة الإجمالية لليابسة في تلك الدول. وفي واقع الأمر، فإن سكان مناطق العالم الحضرية الحاليين الذين يناهز عددهم 3 بلايين نسمة يمكن أن تحتويهم مساحة 000 200 كيلومتر مربع – أي حجم السنغال أو عُمان تقريبا – بمعدلات كثافة مماثلة للكثافة السكانية في أواسط المناطق السكانية في عدد من المدن الأوروبية (هاردوي وميتلين وساتيرثويت، 2000).

العلاقة بين حجم عدد سكان المدينة ومعدل النمو والمشاكل البيئية الحضرية

  تتسم العلاقات بين حجم عدد سكان المدينة، أو تقسيمات حجم المدينة، من جهة والأضرار البيئية من جهة أخرى بتعددها وتعقدها ويعتري فهمها نقص شديد (برودهوم، 1994). فالأثر البيئي لحجم المدينة يعد سلبيا بشكل عام. ويعتقد أنه كلما كانت المدينة أكبر زاد النصيب الفردي من التكاليف أو الأضرار البيئية. غير أن ثمة عددا من الأمور ينبغي الانتباه لها. فحيث أن ما يعتد به في نهاية المطاق ليس هو مقدار التلوث المنفوث بل مقدار هذا التلوث المنفوث منقوصا منه مقدار التلوث المزال، فمن المهم الإشارة إلى أن ثمة مجال لتحقيق وفورات النطاق في الحد من التلوث فيما يتعلق بعدد من الملوثات (مثل النفايات الصلبة والتلوث المائي). كما أن المدن الكبرى تتسم عموما بالاقتصاد في الموارد مقارنة بالمدن الأصغر؛ فهي في العادة أكثر كثافة؛ ومهيأة على نحو أفضل لاستخدام وسائل النقل العمومية كما أنها تضم قدرا أكبر من المجمعات السكنية، وتستهلك بالتالي معدلا فرديا أقل من حيث الأراضي والطاقة. وأخيرا، وبما أن تشتت السكان يرافقه ارتفاع في حركة النقل، فإنه من الممكن على ما يعتقد الحد من الآثار البيئية الناجمة عن النقل (على سبيل المثال، استهلاك الوقود الأحفوري وانبعاثات غازات الدفيئة وتلوث الهواء) بزيادة تركيز السكان في عدد قليل من المدن الكبرى.

  وبما أن نسبة هامة من سكان المناطق الحضرية في أغلب البلدان تعيش في مراكز حضرية صغيرة نسبيا، فإن ثمة نقصا ملحوظا في الوثائق المتعلقة بالمشاكل البيئية بخلاف الآثار المتعلقة بالمدن الأكبر حجما. ويشير القدر المحدود من المعلومات المتوفرة بشأن توفير المياه والتصحاح وخدمات جمع النفايات في المدن الأصغر حجما إلى أن أغلبها يعاني مشاكل بيئية حادة (هاردوي وميتلين وساتيرثيت، 2000). وقد لا ينطوي هذا الأمر على أية مفاجأة على اعتبار أن المدن الأكبر حجما تكون في العادة أكثر ازدهارا وتنال قدرا أكبر من الموارد والاهتمام الحكوميين. وفي معظم المراكز الحضرية الأفريقية الأصغر، على سبيل المثال، تفتقر السلطات المحلية إلى القدرة على ضمان توفير ما يكفي من المياه والتصحاح وخدمات جمع النفايات. وثمة قدر أكبر بكثير من الوثائق المتعلقة بالمشاكل البيئية في المدن الكبرى في آسيا، ويرجع ذلك في جانب منه إلى ندرة البيانات الإحصائية عن جودة السكن وتوفير المياه والتصحاح والصرف الصحي فيما يتعلق بفرادى المراكز الحضرية. غير أن عددا من الدراسات المستقلة يوفر أمثلة عن أوجه النقص الخطيرة في الهيكل الأساسي والخدمات الحضرية في المدن الأصغر حجما في الهند (انظر مثلا غوش وأحمد وميترا، 1994). وثمة أيضا دراسات إفرادية متعلقة بعدد من المدن الأصغر في أمريكا اللاتينية تبين أوجه النقص في توفير المياه والتصحاح والصرف الصحي (انظر فوروندا، 1998؛ وبراودر وغودفري، 1997). وتبين إحدى تلك الدراسات وموضوعها “المدن السريعة النمو” الموجودة بمحاذاة المناطق الزراعية المتاخمة للغابات في البرازيل، أن المشاكل البيئية من المحتمل أن تكون خطيرة بشكل خاص في المدن التي تنمو على نحو شديد السرعة في المناطق المأهولة حديثا لأنه من النادر أن تكون هنالك مؤسسة حكومية بوسعها إدارة النمو السريع وكفالة توفير ما تستلزمه الصحة البيئية (براودر وغودفيري، 1997).

  ومع ذلك فإنه لا يوجد، بشكل عام، رابط قوي مباشر بالضرورة بين معدل النمو الحضري والمشاكل البيئية. فقد شهدت معدلات نمو العديد من أكبر مدن العالم تباطؤا ملموسا خلال العقود القليلة المنصرمة (الأمم المتحدة، 2000 ج). ومع ذلك، شهد العديد من هذه المدن تفاقم مجموعة من المشاكل البيئية الحضرية. وبالمقابل، لا يخلف التغير الحضري السريع بالضرورة مشاكل بيئية خطيرة. فقد كانت مدن من قبيل كوريتيبا وبورتو أليغري البرازيليتين من بين أسرع مدن العالم نموا في العقود الأخيرة؛ ومع ذلك، تقل المشاكل البيئية الخطيرة في كل منهما بكثير عن معظم مدن البلدان النامية التي كان نموها أبطأ بكثير (هاردوي وميتيلين وساترثويت، 2000).

بيئة المدينة

  تتجه العلاقات بين التمدين والتدهور البيئي إلى التعقد الشديد وتشمل تفاعلات مع المحيط الطبيعي والمشيد إلى جانب طائفة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فموقع المدينة من حيث النظام الإيكولوجي الإقليمي، على سبيل المثال، يشكل غالبا أحد المحددات الهامة لخطورة الظروف البيئية وتعقد استراتيجيات التدخل المحتملة. لأن التنوع الواسع في أنواع النظم الإيكولوجية (كالمناطق الساحلية والمناطق القاحلة والمناطق الرطبة والمدارية والمناطق الباردة والمناطق الجبلية) وعدد التركيبات الممكنة بينها يجعل من الصعب صياغة تصنيف بسيط يسري على جميع المشاكل البيئية التي تواجهها كبريات مدن العالم (بارتون وبيرنشتاين ولايتمان، 1992). وفيما يتعلق بالتلوث البيئي على سبيل المثال، يتوقف ضعف المدن الكبرى في مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن انبعاثات المركيات على عدد من الخصائص الطبيعية (منها مثلا الارتفاع واتجاه وسرعة الرياح السائدة؛ وكم ضوء الشمس، والاستقرار المناخي ومعدل التهطال والرطوبة). وتوفر حالة سانتياغو مثالا جيدا على ذلك. فبالرغم من أن الانبعاثات في سانتياغو لا تمثل سوى 10 في المائة من مثيلاتها في ساو باولو، فإن حجم تلوث الهواء وخطورته في سانتياغو مماثلان بفعل جوها وارتفاعها، للحالة في مدينة ساو باولو الأكبر منها حجما بكثير (فيز، 1992).

  وبالرغم من أن نسبة أقل من سكان المناطق الأقل نموا تعيش في المدن (وهو أمر لم يعد صحيحا فيما يتعلق بأمريكا اللاتينية) وأن هذه المناطق تعد نسبيا أقل تطورا من الناحية الصناعة، فإن الإنتاج الصناعي في العديد من البلدان النامية يتزايد غالبا على نحو بالغ السرعة عند غياب النظام الفعال للتخطيط والتنظيم. فكلما ازدادت سرعة نمو الإنتاج الصناعي، ازدادت احتمالات خطورة المشاكل البيئية المتصلة بالتلوث الصناعي لأنها تحتاج إلى وقت من أجل تحديد طبيعتها وسبل التصرف إزاءها وإعداد قاعدة تشريعية للحد من التلوث وتطوير الهيكل المؤسسي اللازم لتطبيقها (هاردوي، وميتلين وساتيرثويت، 2000). غير أن التلوث الصناعي ليس السبب الوحيد لتلوث الهواء والمياه. فالنسب المرتفعة من الأسر المعيشية والأعمال التجارية غير المشمولة بخدمات المجاري والصرف الصحي وجمع النفايات الصلبة تزيد بشكل كبير حدة مشاكل تلوث المياه في المدن في العالم النامي. وبالإضافة إلى ذلك، تؤدي المركبات المزودة بالمحركات التي تتزايد أعدادها غالبا على نحو سريع، والطرق المكتظة، والنسبة المرتفعة من المحركات غير الفعالة والمفتقرة إلى الصيانة إلى ارتفاع كبير في معدلات تلوث الهواء.

الآثار البيئية على الصحة في المناطق الحضرية

  بالمقارنة بالروابط المعقدة القائمة بين البيئة وحجم المدينة ومعدلات النمو الحضري، تعتبر الروابط بين التدهور البيئي والصحة هي الأكثر وضوحا. ومرة أخرى، وكما هو الشأن فيما يتعلق بالمستويات الإجمالية لتلوث الهواء والماء، ثمة كثير من الأدلة الانطباعية وقليل من الدراسات الشاملة التي تعتمد على بيانات قابلة للمقارنة. إن الماء يعد وسيلة مهمة لنقل العديد من الكائنات المجهرية المسببة للأمراض والعديد من المواد السامة العضوية وغير العضوية. ويمكن تصنيف العديد من الأمراض المعدية في البلدان النامية بحسب الدور الذي يلعبه الماء في سلسلة انتقالها كما يلي: الأمراض المتولدة عن المياه (ومنها على سبيل المثال، أمراض الأمعاء والإسهال وحمى التيفويد والالتهاب الكبدي)؛ والأمراض المتصلة بنظافة المياه (ومن أمثلتها التراكوما وداء الشيغلات)؛ والأمراض الناجمة عن ملامسة الماء (ومنها مثلا البلهارسيا)؛ والأمراض المنقولة عبر الماء(ومن أمثلتها الملاريا وداء كلابية الذنب) (بارتون، 1990). وتنتشر العديد من الأمراض الموهنة التي يمكن منعها بسهولة في كبريات مدن العالم ومن بينها الإسهال والزحار والتيفويد والطفيليات المعوية وتسمم الأغذية. وبينما تعد الأمراض التي لها علاقة بالمياه سببا أساسيا في وفيات الرضع والأطفال، فإن الوفاة من جراء تلوث الهواء تحدث عادة في مرحلة متأخرة من العمر. ويمكن أن يعزى عدد قليل نسبيا من الوفيات بشكل مباشر إلى تلوث الهواء. غير أن الملايين يعانون من التهابات الجهاز التنفسي (بالرغم من أن المدى الذي تحد به ملوثات الهواء الكيميائية من مقاومة الناس لالتهابات الجهاز التنفسي الحادة لا يزال غير مفهوم بما فيه الكفاية)، ويموت الكثيرون بمختلف أشكال السرطان الذي يسببه تلوث الهواء أو يؤدي إلى تفاقمه. ويخلف الرصاص، على سبيل المثال، ضررا في النخاع العظمي والكبد والكلى وضررا عصبيا مستديما خاصة لدى الأطفال الصغار. ويمكن أن يسبب أول أكسيد الكربون ضررا في الأعصاب والقلب والشرايين. ويعد تلوث الهواء داخل البنايات خطيرا بشكل خاص في أوساط ذوي الدخل المحدود من سكان المناطق الحضرية الذين يستخدمون حطب الوقود بشكل اعتيادي للطبخ والتدفئة في مساكن تفتقر إلى التهوية. كما أن الأثر الناجم عن تلوث الهواء في أماكن العمل خطير للغاية. فالعمال في مقالع الأحجار ومصانع الأسمنت ومصانع إنتاج المطاط، على سبيل المثال، معرضون للإصابة بأمراض الرئة المستعصية التي قد تكون مميتة مثل السحار السليكوني وتترب الرئة والتضيق الرئوي (هاردوي وساتيرثويت، 1989).

  وغالبا ما يتحمل السكان الأكثر فقرا في كبريات مدن العالم التكاليف البشرية لأكثر آثار التدهور البيئي تسببا في الوهن. ويؤثر التلوث البيئي في العديد من كبريات المدن في الفئات الفقيرة بشكل أكثر خطورة لأن العديد من أفرادها يعيشون في الضواحي الخارجية التي تشيد فيها في الغالب وحدات الإنتاج والمعالجة والتقطير. كما أن الحماية البيئية أضعف عادة في مثل هذه الضواحي.

   وقد شهدت السنوات الأخيرة مجموعة متزايدة من الأدبيات المتعلقة بالروابط بين البيئة الحضرية والفقر والصحة (انظر هارفام ومولينو، 2000). ويتمثل الجانب البارز في العديد من هذه الدراسات في التركيز على الفوارق في الوضع الصحي أو معدلات الوفيات، بين مختلف المجموعات السكانية داخل المدن. وليس من باب المفاجأة أن العديد من الدراسات توصل إلى أن الظروف في أكثر مناطق المدن فقرا أسوأ مما هي عليه في أكثر المناطق رخاء بل تكون دون متوسط الحالة الصحية في المدن. وعلى سبيل المثال، فإن معدلات وفيات الرضع في المناطق الأكثر فقرا تكون غالبا أعلى أربع مرات أو أكثر من مثيلاتها في أكثر المناطق رخاء، وتكون الفوارق أكبر بكثير في أفقر الأحياء مقارنة بأكثر الأحياء رخاء. كما أن الفوارق الشاسعة بين الأحياء الفقيرة والأحياء الغنية مألوفة أيضا فيما يتعلق بالإصابة بالأمراض التي لها علاقة بالبيئة كالسل والتيفويد مثلا (ساتيرثويت، 1993).

المدن والتنمية المستدامة

  تكمن إحدى المشاكل المحورية فيما يتصل بمعالجة الروابط بين التمدين والمسائل البيئية في أن التنمية الاقتصادية تؤدي إلى تفاقم العديد من المشاكل البيئية (كالنفايات الصلبة والتلوث الناجم عن السيارات مثلا) لأن كمية النفايات التي ينتجها الفرد تزداد باضطراد مع ارتفاع معدل الدخل الفردي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن “الآثار الإيكولوجية” على المدن ازدادت اتساعا في العقود الأخيرة مع الارتفاع الحاصل في الدخول والانخفاض الحاصل في تكاليف النقل في العديد من البلدان. فقد لجأ المستهلكون ولجأت الصناعات في المدن إلى الاعتماد المتزايد على القدرة الاستيعابية للمناطق الريفية. مما أدى إلى فصل الأثر البيئي لاحتياجات المدينة من الموارد الطبيعية عن المدينة نفسها، إلى درجة أن سكانها وأعمالها التجارية أصبحت غير واعية بما تتسبب فيه من أثر بيئي (مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، 1996).

  وبشكل عام، فإن البلدان التي يوجد بها أكبر معدل فردي من حيث استنزاف موارد العالم الطبيعية (على سبيل المثال، أعلى مستويات لاستخدام الموارد وإنتاج النفايات وانبعاثات غازات الدفيئة) هي أيضا البلدان التي تعيش أكبر نسبة من سكانها في المناطق الحضرية. وفضلا عن ذلك، فإن أكبر قدر من استخدام الموارد وإنتاج النفايات في العالم يتركز داخل المناطق الحضرية. وللسياسات الحضرية آثار مهمة للغاية فيما يتصل بالمستويات المستقبلية لانبعاثات غازات الدفيئة واستخدام أغلب الموارد في الدولة بالنظر إلى دورها في تصميم وتشييد المباني في المناطق الحضرية وفي الشكل المكاني الذي تتخذه المدن والنظم الحضرية. وتلعب سياسات التمدين التي تشجع اتباع إنشاء المباني ووحدات الإنتاج ذات الفعالية في استخدام الطاقة، والتي تكفل أيضا أشكالا عمرانية لا تعتمد بشكل متزايد على مستويات مرتفعة من استخدام السيارات الخاصة، دورا رئيسيا في الفصل بين ارتفاع مستويات المعيشة وارتفاع معدلات انبعاثات غازات الدفيئة (هاردوي وميتلين وساتيرثويت، 2000). وهكذا، ينبغي أن تضطلع السياسات والخطط والتنظيمات الحضرية بدور مركزي في أي استراتيجية وطنية لتشجيع التنمية المستدامة، كما أن حكومات المدن والبلديات تكون أطرافا فاعلة مهمة في أي استراتيجية يؤمل لها النجاح.

   إن المدن بإمكانها أن توفر لسكانها ظروفا بيئية صحية وآمنة ومشجعة دون أن يفضي ذلك إلى متطلبات غير مستدامة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية. والمدينة الناجحة، بهذا المفهوم، هي المدينة التي تلبي أهدافا متعددة، بما في ذلك توفير بيئات معيشية ومهنية صحية لسكانها، وتوفير الإمداد بالمياه وخدمات التصحاح وجمع النفايات الصلبة؛ توفير الصرف الصحي والطرق المعبدة وممرات المشاة والأشكال الأخرى من الهياكل الأساسية الضرورية للصحة؛ وتكفل وجود علاقة مستدامة من الناحية الإيكولوجية بين متطلبات المستهلكين والأعمال التجارية والموارد ووحدات التخلص من النفايات والنظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها.

سابعا - استنتاجات

  كان القرن العشرون قرنا للتغيير. فقد شهد تطورات لم يسبق لها مثيل في النمو السكاني العالمي، ودرجات لم يسبق لها مثيل في التنمية الاقتصادية العالمية، وتغيير لم يسبق له مثيل في البيئة المادية للكرة الأرضية.

   وقد زاد حجم السكان في العالم من 1.6 بليون نسمة إلى 6.1 بليون نسمة في الفترة من عام 1900 إلى عام 2000 وحدثت نسبة 85 في المائة من النمو السكاني في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية (الأمم المتحدة 2001 ب). وبالرغم من تباطؤ معدلات نمو السكان فإن إسقاطات الأمم المتحدة للسكان تبين أنه من المرجح أن يزيد عدد سكان العالم على 8 بلايين نسمة بحلول عام 2030 (الأمم المتحدة (2000ج) (2000 أ)). وعلى غرار حالة نمو سكان العالم في السابق لا ينتظر أن يكون النمو متساويا في المستقبل: ففي الفترة من 2000 إلى 2030 يتوقع أن يكون هذا المعدل في المناطق المتقدمة النمو زهاء 2 في المائة في حين ستشهد المناطق الأقل نموا معدلا للنمو السكاني تقارب 45 في المائة.

   وكان سكان الريف يمثلون نسبة تصل إلى 86 في المائة تقريبا من سكان العالم في عام 1900 في حين أن نسبة سكان المدن لم تزد على 14 في المائة (متراس، 1973)، ولكن بحلول عام 2000 تقلصت حصة السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية في العالم إلى 53 في المائة في حين ارتفع عدد سكان المناطق الحضرية إلى 47 في المائة (الأمم المتحدة، 2000(د)). وبحلول عام 2030 يتوقع أن يسكن ما يزيد على ثلاثة أخماس سكان العالم في المدن. ومن المتوقع أن يتركز نمو السكان عمليا في الفترة 2000-2030 في المناطق الحضرية في العالم.

   إن التوسع الكبير في الإنتاج العالمي للسلع والخدمات الذي تحقق بسبب التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية أتاح للعالم استيعاب أعداد كبيرة من سكان الحضر، وأوجد مستويات معيشية مرتفعة بدرجة كبيرة لم تعرف من قبل. فعلى سبيل المثال زاد حجم الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العالم ما بين 20 إلى 40 ضعفا (دي لونغ، 1998) في الفترة الممتدة من 1900 إلى 2000 في حين لم يزد حجم السكان في العالم إلا أربعة أضعاف، وزاد حجم سكان الحضر بمعدل 13 ضعفا. وتحققت المكاسب العائدة من نمو الاقتصاد العالمي الذي لم يسبق له مثيل في كل من البلدان المتقدمة النمو والبلدان الأقل نموا على السواء إلا أن هذا النمو لم يتوزع بدرجة متساوية. وكان التقدم الاقتصادي في القرن العشرين أكبر بقدر غير متناسب في المناطق التي كانت أكثر تقدما بالفعل عند بداية القرن.

  ونتيجة لهذا التوسع الاقتصادي حدثت جزئيا تحسينات كبيرة في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية على السواء من حيث نوعية الحياة وطولها. وتعكس هذه الإنجازات التقدم المحرز في توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والمياه المأمونة والإصحاح، وساهمت في خفض معدلات وفيات الرضع والأطفال ومستوى الأمية وساعدت في رفع مستوى توقع الحياة ونسب الانتظام في الدراسة. وبالرغم من تحسن مستويات المعيشة في القرن العشرين على نطاق العالم، تفاوت مستوى هذا التحسن فيما بين البلدان. كما أدى انتشار (الإيدز) والأمراض الجديدة أو الأمراض التي عاودت الظهور في بعض البلدان، إضافة إلى الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في البعض الآخر إلى عكس مسار التقدم السابق المحرز في تحسين مستوى الصحة وتقليل معدلات الوفيات.

  ويحدث هذا النمو السريع وغير المتوازن للسكان والتنمية الاقتصادية في ذات الوقت الذي يحدث فيه تدهور في جوانب البيئة المادية للأرض. فعلى سبيل المثال وطبقا لما ذكره ج. ر. ماكنيل (2000)، فقدت الأرض في القرن العشرين من التربة السطحية ما فقدته على مدى الألف عام السابقة. وكان الاستخدام الإجمالي للطاقة أثناء أعوام القرن العشرين المائة، يساوي عشرة أضعاف استخدامها في الألف سنة السابقة. وزاد إنتاج الغذاء في العالم بمعدل أسرع من زيادة السكان، وبات النصيب الفردي من الغذاء المتوافر حاليا يفوق أي مثيل له في تاريخ العالم. إلا أن زيادة الندرة في الموارد الزراعية والبيئية الأخرى وتلوثها تلقي بظلال كثيفة على المدة التي سيظل معدل إنتاج الغذاء فيها يزيد على معدل نمو السكان. فعلى نطاق العالم يتعرض للانقراض كثير من النظم البيولوجية الفردية الهشة وكثير من أنواع النباتات والحيوانات التي تعيش فيها. وتختفي مساحات من الغابات ولا سيما في المناطق المدارية. ويشكل التلوث الصناعي والمخلفات الضارة للإنتاج الزراعي خطرا على نوعية الماء والهواء. وتقل بالفعل الإمدادات من المياه العذبة في بعض المناطق ويعيش ثلث سكان العالم تقريبا في بلدان تصنف بأنها تعيش ندرة متوسطة إلى حادة في المياه كما أن نمو السكان في المستقبــل لــن يسفـر إلا عـن زيـادة الضغط على هذه الموارد المتجددة، والمحدودة مع ذلك. أما انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى فتتجه أيضا إلى الزيادة.

  وبالرغم من النقاش الجاري في أوساط العلماء بشأن الأعداد والمعدلات الفعلية للتغيير فإن الاتجاهات العامة في مجالات السكان والبيئة والتنمية التي لوحظت في هذا التقرير تبدو واضحة. فمثلما يبين هذا التقرير فإن المدى الذي يؤثر به حجم السكان ونموهم وتوزعهم على التنمية الاقتصادية والاتجاهات البيئية غير متيقن منه. وقد خلصت دراسة بعنوان “رصد سكان العالم، 1999” (الأمم المتحدة، 1999(ب))عند استعراضها للعلاقة بين نمو السكان والتنمية الاقتصادية إلى أن تلك العلاقة معقدة وتختلف باختلاف الزمان والمكان، وأكدت الدور الوسيط الذي تقوم به المؤسسات فيما يتعلق بشكل وحجم الأثر الناجم عن السكان. وقد عكس تقرير عام 1999 توافقا في الآراء يرى أن بطء النمو السكاني يتيح للحكومات والمؤسسات ذات الصلة وقتا من أجل الاستجابة للأوضاع المتغيرة.

  وخلصت دراسة أجراها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (واتسون، 2000) إلى أنه مما لا شك فيه أن الأنشطة البشرية تتسبب في حدوث اضطراب في دورة الكربون في العالم من خلال حرق الوقود الأحفوري وطريقة استخدام الأرض، والتغير المتعلق باستخدام الأراضي والأنشطة الحراجية. واستنتجت دراسة أجرتها جامعة تكساس مؤخرا (كراولي، 2000) أن 75 في المائة من الاحترار العالمي منذ عام1900 يعزى للمؤثرات البشرية “ولا سيما لارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى الحابسة للحرارة التي تنتج من حرق الوقود والغابات”. وهذه المؤثرات البشرية تأتي أساسا من طرق الإنتاج وليس من حجم السكان أو نموهم أو توزعهم. فقد يكون للبشر أثر إيجابي على البيئة أيضا: فمكافحة الإنسان للمهددات البيئية التقليدية المتمثلة في الطاعون والجدري والسل وما شابه ذلك، أدت إلى المكاسب التي تحققت في القرن العشرين في مستوى توقع الحياة والصحة.

  ويشير هذا التقرير إلى أن التغير السكاني والتغير الديموغرافي يتفاعلان مع التغير البيئي ومع التنمية الاقتصادية بطرق متعددة. ومن الواضح منذ البداية أن السكان يؤثرون في البيئة وفي التنمية الاقتصادية ويتأثرون بها. ويتمثل التحدي هنا في التعرف على التفاعلات المعقدة والآثار المترتبة عليها بالنسبة للسكان والبيئة والتنمية. ولا يزال هذا التحدي كبيرا حتى الآن أمام الباحثين وواضعي السياسات على السواء بالرغم من إحراز بعض التقدم فيه. كما أن تحديد التفاعلات فيما بين السكان والبيئة والتنمية الاقتصادية يحتاج إلى المزيد من البيانات الجيدة.

  وفي حين أن جميع المشاكل البيئية التي تمت مناقشتها في هذا التقرير راجعة إلى حد كبير أو بشكل تام للأنشطة البشرية فإنها تتفاوت في درجة علاقتها المباشرة بحجم السكان ونموهم وتوزعهم. فعلى سبيل المثال يكون نمو بعض أنواع التلوث ناتجا فرعيا لزيادة النصيب الفردي في الإنتاج والاستهلاك في الاقتصادات الصناعية أساسا، في الوقت الذي يظل فيه نمو السكان بطيئا بشكل عام. كما أن المشاكل البيئية التي تتركز في بلدان تشهد نموا سريعا نسبيا في السكان لا يعني بالضرورة أن الزيادة في السكان تعتبر السبب الرئيسي في هذه المشاكل أو أن وقف نمو السكان سوف يحلها: إذ أن هناك بعض القوى الاجتماعية والتكنولوجية (الدافعة) الأخرى التي تسهم هي أيضا في التدهور البيئي. وبالرغم من ذلك ومع بقاء الأمور الأخرى متساوية فإن استمرار زيادة السكان يلعب دورا مهما في زيادة الطلب على الاقتصاد الكلي وبالتالي على حجم الإنتاج المسبب للتلوث.

  ويعتبر نمو السكان عادة القوة الوحيدة الأكثر أهمية في زيادة الطلب على الزراعة. وفي حين اتسمت معظم تقييمات الخبراء الأخيرة بالتفاؤل الحذر بشأن قدرة إنتاج الغذاء في العالم على مواكبة الطلب عليه في ربع القرن أو نصف القرن القادمين من المتوقع أن يظل الفقر ملازما لمئات الملايين من السكان بسبب انعدام الأمن الغذائي والفقر المرتبط به. وبالرغم من ذلك استنتجت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة(في تقييم أعدته لمؤتمر القمة العالمي المعني بالأغذية في عام 1996) أنه “فيما يتعلق بتخفيف الفقر وضمان الأمن الغذائي يعزى السبب الرئيسي للعجز عن تحقيق إنتاج غذائي مستدام وسليم بيئيا إلى تقاعس البشر ولا مبالاتهم لا إلى عوامل طبيعية أو اجتماعية” (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 1996(أ)).

  إن الحاجة إلى إطعام الحجم المتزايد من السكان تزيد الإجهاد الواقع على إمدادات المياه في كثير من أنحاء العالم. ويستهلك الري أكثر من 70 في المائة من حجم المياه العذبة المأخوذة من البحيرات والأنهار والمصادر الجوفية على نطاق العالم. وفي الوقت الذي لا يتم فيه استخدام المياه بكفاءة في أغلب الأحيان، فإن الآليات المؤسسية لتنفيذ سياسات فعالة لإدارة المياه غالبا ما تكون مضيعة للوقت وباهظة التكاليف بل في بعض الأحيان تصبح خيارات غير ذات جدوى.

   ويمثل النمو السكاني من خلال آثاره المترتبة في التوسع على حساب أراضي المحاصيل وقطع الأشجار من أجل الحصول على الحطب عاملا مهما يسهم في إزالة الغابات في بعض المناطق، التي غالبا ما تكون في المناطق المدارية والمناطق الغنية بالتنوع البيولوجي. إلا أنه في كثير من الحالات تكون السياسات الحكومية التي تفضل استغلال المناطق الحراجية هي التي تعجل بالاستيطان البشري للمناطق الزراعية وتتسبب في المقابل في الإزالة السريعة للغابات. ويعتبر قطع الأخشاب لأسباب تجارية سببا رئيسيا أيضا في إزالة الغابات في بعض المناطق.

  أما في المناطق الريفية في البلدان المنخفضة الدخل فقد نجم عن النمو السريع للسكان زيادة الضغوط على الأراضي الزراعية مما تسبب في تفتيت الأراضي وانخفاض غلتها. وتمثل هذه العملية السبب الرئيسي لدورة أخرى من دورات الضرر البيئي نظرا لأن السكان الذين لا تتوافر لهم المساحة الملائمة من الأراضي في إحدى المناطق يتجهون إلى مناطق أكثر هشاشة من الناحية البيئية بحثا عن فرص أفضل للمعيشة.وبالرغم من توقع زيادة سكان الريف في البلدان النامية في المستقبل بشكل أبطأ مما كان في السنوات الثلاثين أو الأربعين السابقة فإن العديد من المناطق يشهد بالفعل كثافات سكانية عالية بالمقارنة بالأراضي الزراعية المتاحة. ونتيجة لذلك، يتوقع أن ينجم حتى من مستويات نمو السكان المتدنية في الريف زيادة الضغوط على البيئة الريفية. ومن المرجح أن يتواصل أو يتسارع استمرار تدمير الموارد الطبيعية في تلك المناطق في المستقبل نتيجة لمحاولات استنفاد التوسع في المناطق الزراعية.

  وعند النظر في الاستجابة للمشاكل البيئية من الضروري أن يجري التسليم بتساوي العوامل الاجتماعية المؤسسية مع العوامل التكنولوجية، إن لم تفوقها أهمية. كما أن المشكلة العامة لادارة الموارد المحلية النادرة أو الهشة ليست مشكلة جديدة. ويمكن إيجاد العديد من الأمثلة التي استطاعت فيها المجتمعات التقليدية وضع قواعد مجتمعية لادارة الموارد النادرة. وينطوي نمو السكان على إمكانية زعزعة هذه الترتيبات المجتمعية لأن القواعد التي تنجح بشكل ملائم في مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة قد تؤدي إلى الإفراط في استغلال الموارد أو إلى التلوث في المناطق ذات الكثافة الأعلى. وربما يتيسر التكيف الناجح على سبيل المثال في الانتقال الذي وصفته بوسوروب (1965) عند التحول إلى الزراعة المستقرة، غير أنه من المهم ملاحظة أن التغييرات في التخصيص الاجتماعي للموارد ربما تكون مطلوبة كجزء من هذا التكيف. ومع أن الفائدة الاجتماعية الكلية و الفائدة البيئية المنخفضة من جراء هذا التغير التنظيمي قد تكون عظيمة بالفعل، إلا أنه قد يتبين أن هذه العملية مثيرة للنـزاع أو يصعب تنفيذها من الناحية السياسية.

  وتتسم العلاقات بين التمدين والتدهور البيئي بالتعقيد وتشمل التفاعلات مع البيئة الطبيعية والبيئة التي يصنعها الإنسان وغالبا ما يكون النظام الأيكولوجي الإقليمي (كالمناطق الساحلية والمناطق الجافة والمناطق المدارية الرطبة والمناطق الجبلية) الذي توجد فيه المدينة على سبيل المثال هو العنصر الحاسم في نوعية الأحوال البيئية. ففي حالة التلوث البيئي مثلا، تعتمد سرعة تأثر المدن الكبيرة بالآثار المعاكسة لانبعاثات المركبات على بعض الخصائص الطبيعية المحددة (كالارتفاع والاتجاه وسرعة الرياح السائدة وكمية ضوء الشمس والتهطال والرطوبة وتزويد التنمية الاقتصادية من تفاقم الكثير من المشاكل البيئية الحضرية (النفايات الصلبة والتلوث الذي تتسبب فيه المركبات) لأن كمية النفايات الحضرية، محسوبة على أساس حصة الفرد فيها، تميل أيضا إلى الزيادة المطردة بازدياد الدخل.

  وبمجيء العولمة وظهور التكنولوجيات الجديدة والتكنولوجيات الآخذة في الظهور وأنماط الإنتاج والاستهلاك الجديد، أصبحت العلاقات بين السكان والبيئة والتنمية تشكل قضايا تحظى باهتمام واسع لدى الحكومات والمجتمع الدولي والمواطن العادي. ويمثل نمو وهيكل وتوزيع السكان جوانب مهمة للاجهاد البيئي لأن كل فرد يحتاج إلى المتطلبات الأساسية من الماء والغذاء والكساء والمأوى والطاقة وهو ما يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في النظم الايكولوجية. (الموارد العالمية، برنامج الأمم المتحدة للبيئة و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي، 2000) إلا أن الاجهاد البيئي لا يتمثل فقط في التغير السكاني بل أيضا في الكيفية التي يتبعها السكان في الإنتاج والاستهلاك الآن وفي المستقبل (الموارد العالمية ، برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي، 2000، الأمم المتحدة، 1997(ب)).

  وقد لاحظ الأمين العام في الرسالة التي وجهها إلى المنتدى البيئي الوزاري العالمي (مالمو بالسويد 29 – 31 أيار/مايو 2000) “أن المنجزات التكنولوجية التي يصعب تصورها اليوم ربما تساعد في التصدي لبعض التحديات البيئية التي نواجهها، إلا أنه سيكون من عدم الفطنة الاعتماد عليها والاستمرار في مسلكنا المعتاد وكأن شيئا لم يكن”. (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 2000). ومن الضروري وضع برامج حكومية محلية وإبرام اتفاقات دولية فعالة للحد من الأنشطة الضارة بالبيئة. ونظرا إلى أن الضغوط السكانية تعتبر عوامل مساهمة في هذا الاجهاد البيئي فإن السياسات السكانية والإنمائية ولا سيما السياسات المتعلقة بحجم السكان ونموهم وتوزيعهم تعتبر عناصر ضرورية وحيوية في مجموع الإجراءات اللازمة لكفالة تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة في القرن الحادي والعشرين وما بعده.

المرفق الأول

توافر البيانات ونوعيتها

  يقدم هذا المرفق ملخصا موجزا بمصادر البيانات ونطاقها ونوعيتها فيما يتعلق بالسكان والبيئة. ويركز الملخص على الملامح العامة لهذه البيانات ومشاكلها أكثر مما يركز على مؤشرات بعينها.

   وينبغي في بادئ الأمر ملاحظة أن الأخطاء والثغرات التي تشوب توفر البيانات ليست هي المشاكل الوحيدة الموجودة فيما يتعلق بالربط بين المتغيرات السكانية والبيئية. وإحدى هذه المشاكل تتمثل في احتمال تجميع البيانات الديمغرافية لوحدات جغرافية تختلف عن الوحدات المتعلقة بالمؤشرات البيئية. وتتمثل مشكلة أخرى في أن الفترات الزمنية التي تتاح عنها البيانات المفصلة من الناحية الجغرافية قد تختلف من ناحيتي مؤشرات السكان والمؤشرات البيئية. وأحد الأسباب وراء ذلك تتمثل في أن البيانات المتاحة لدراسة القضايا السكانية والبيئية تُجمع لأغراض أخرى غير تحليل العلاقات المترابطة بين السكان والبيئة.

   والأساس التجريبي لتقدير حجم السكان ونموهم وتوزعهم أفضل بصورة عامة من الأساس الموجود لرصد البيئة. وتتمثل النظم الأولية لجمع البيانات لأغراض توفير المعلومات الديمغرافية والاجتماعية في تعدادات السكان ونظم السجل المدني والدراسات الاستقصائية للعينات. وتتيح هذه المصادر الأسس الأولية لقياس المعالم الديمغرافية مثل حجم السكان ونموهم، وعناصر هذا النمو، ومعدلات المواليد والوفيات والهجرة. ومن المصادر الأخرى ذات الصلة بالإحصاءات الديمغرافية سجلات السكان (في بعض البلدان)، وإحصاءات الهجرة والنزوح وغيرها من البيانات “الإدارية” مثل بيانات الالتحاق بالمدارس وقوائم المؤهلين للتصويت.

   وتجرى تعدادات السكان عادة كل عشر سنوات أو كل خمس عشرة سنة. ومن السمات الأساسية في التعدادات، الإحصاء الفردي لجميع الوحدات، وبيان الصفة الكلية داخل إقليم محدد بشكل جيد، فضلا عن وصفتي التزامن وتواتر الفترات الزمنية. ومن الممكن أن تتيح تعدادات السكان بيانات مفصلة عن مناطق جغرافية صغيرة. وتشكل التعدادات مصدرا هاما للعديد من المؤشرات الكلية الواسعة النطاق اللازمة لقياس ورصد التقدم في مجالات السكان والتنمية، والسياسات العامة والتقسيمات التشريعية.

  وتمثل الدراسات الاستقصائية للعينات وسيلة هامة للحصول على البيانات الديمغرافية، لا سيما فيما يتعلق بمعدلات الخصوبة والوفيات. وتتيح هذه الدراسات بسبب حجمها الأصغر إمكانية دراسة الموضوع المعين بصورة أعمق مما تتيحه تعدادات السكان، وغالبا ما تستخدم موظفي إحصاء مؤهلين ومدربين على نحو أفضل. ونتيجة لذلك، فإن البيانات المنتجة تكون بصورة عامة أدق من بيانات التعدادات. إلا أن الدراسات الاستقصائية للعينات التي تكون بطبيعتها تمثيلية على الصعيد الوطني لا تقدم معلومات عن المناطق الجغرافية الصغيرة، كما أن تقديرات الدراسة الاستقصائية تكون بطبيعة الحال عرضة للخطأ عند تحديد العينات.

  وقد وُضعت مجموعة متنوعة من التقنيات الديمغرافية من أجل تقييم نوعية البيانات واستخراج التقديرات المحسنة (الأمم المتحدة، 1983؛ 1988). وفي كل البلدان تقريبا، تُقيَّم بيانات السكان المتاحة وتُعدل إن اقتضى الحال لعلاج نقصانها أو الأخطاء التي تشوبها. وقد قامت شُعبة السكان التابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة بتقييم وتعديل البيانات والإسقاطات السكانية التي نوقشت في هذا التقرير كجزء من تحضيراتها للتقديرات والإسقاطات السكانية الرسمية للأمم المتحدة.

  وتدعم الاعتراف بأهمية الإحصاءات البيئية في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية (استكهولم، حزيران/يونيه 1972)، الذي لاحظ أن الشواغل البيئية أصبحت بصورة متزايدة موضوعا للسياسات الاجتماعية الاقتصادية الرئيسية على الصعيدين الوطني والدولي على حد سواء. وبعد مرور 20 عاما، تم التوصل إلى توافق في الآراء خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (ريو دي جانيرو، حزيران/يونيه 1992) على ضرورة القيام في استراتيجيات التنمية المستدامة تدمج القضايا البيئية في الخطط والسياسات الإنمائية. ويحتاج إنجاز هذا الدمج إلى دعمه بالنواتج من البيانات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

  وتوجد فوارق كبيرة بين المناطق الجغرافية والبلدان فيما يتعلق بما يلي: (أ) توافر البيانات الأولية ذات الصلة في المجال البيئي؛ (ب) ونوعية جمع البيانات وإمكانية مقارنتها ومدى تواترها؛ (ج) ونوعية نظم المعلومات المترتبة عن ذلك. فكمية البيانات المحلية والإقليمية والعالمية المجمعة في شكل إحصاءات عن البلدان، وبيانات للرصد، وقياسات ميدانية، وعن طريق التصوير بالسواتل وغيرها بيانات هي كمية ضخمة، غير أن الأساس التجريبي لتحويل وإدماج البيانات الأولية إلى معلومات ذات مغزى لا يزال ضعيفا بصورة نسبية. وثمة عدد محدود من التوصيات الدولية الشاملة المتعلقة بالمفاهيم والطرق المستخدمة في مجال الإحصاءات البيئية، ويترتب على ذلك أن نوعية البيانات تتوقف على مدى موثوقية المصادر الأولية وإمكانية مقارنتها.

   وتتيح “توقعات البيئة العالمية لعام 2000” (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 1999)، التي أعدها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تحليلا مفصلا للمشاكل المتعلقة بنوعية البيانات ومدى توافرها. واستنادا إلى هذه الدراسة الاستقصائية، فإن المصاعب الرئيسية التي تهم المواضيع المتصلة بالبيانات هي مصاعب مؤسسية وفنية على حد سواء. ففي معظم البلدان النامية، تعاني البنية التحتية للرصد وجمع البيانات معوقات بسبب القيود المفروضة على الموارد المالية والتقنية والبشرية. وتواجه هذه المصاعب ذاتها المنظمات الإقليمية والدولية. فالبنية التحتية لإدارة البيانات في العديد من البلدان بنية ضعيفة، كما أن عملية الإبلاغ عن البيانات تتسم بالتجزؤ. وفي غياب نظام مركزي لجمع البيانات، تظل البيانات البيئية مبعثرة بين العديد من المنظمات والإدارات القطاعية. وتبلغ وكالات ومنظمات مختلفة عن بياناتها المتعلقة بمناطق جغرافية مختلفة، مما يعيق استخدام هذه المجموعات المصنفة من البيانات وإمكانية المقارنة بينها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. ويحتل غياب المعايير والتعاريف المقبولة دوليا مكان الصدارة بين هذه القيود. ومن بين العوامل الهامة الأخرى عدم كفاية التغطية في شبكات الرصد من حيث الزمان أو المكان؛ واختلاف فترات الإبلاغ.واستخدام طرق مختلفة غير موثقة لسد الثغرات الموجودة في البيانات؛ ووجود مصاعب نظرية وفنية في القياس، واختلافات في طريقة القياس.

   وبالرغم من حالات وجوه الخلل والنواقص العديدة، فإن مجموعات البيانات البيئية الأساسية تتحسن ويتسع نطاقها ويصبح الحصول عليها أكثر يسرا. وقد استحدثت مبادرات رئيسية لتحسين عمليات المراقبة وجمع البيانات البيئية، وتقدير الأثر الاقتصادي لقضايا البيئة، التي تتراوح ما بين رصد طبقة الأوزون بموجب بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون وأنظمة المراقبة العالمية الثلاثة، وقيام المنظمات غير الحكومية برصد الغابات والشعاب المرجانية، ووضع مبادئ توجيهية للمحاسبة الاقتصادية والبيئية المتكاملة (الأمم المتحدة، 1993 ب؛ الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، 2000). كما تبذل جهود من أجل تحسين التنسيق والفعالية من حيث التكلفة، بأمور، من بينها، استراتيجية المراقبة العالمية المتكاملة. ومن بين الجهود الأخرى المبذولة لرصد النظم البيئية العالمية “تقييم الألفية للنظم الإيكولوجية العالمية” (الأمم المتحدة، 2000 د)، وهي عملية أطلقت رسميا أثناء الدورة الخامسة والخمسين للجمعية العامة في أيلول/سبتمبر 2000. وسيجري في إطار تقييم الألفية إجراء تقدير عالمي لحالة خمسة نظم بيئية رئيسية هي: الغابات، والمياه العذبة، والمروج، والمناطق الساحلية، والنظم البيئية - الزراعية.

  ومما لا شك فيه أن الثغرات الموجودة في البيانات وفي سبل الإدراك العلمي تجعل من الصعب الوصول إلى توافق في الآراء بشأن الإجراءات اللازمة لحل المشاكل البيئية. إلا أنه من المسلم به على نطاق واسع أن الإجراءات المتخذة بشأن البيئة قد تكون لازمة حتى ولو كانت البيانات والنظريات غير مكتملة. وفي هذا السياق فإن المبدأ التحوطي، الذي اعتمد عام 1992 في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، يقر بأنه ينبغي ألا يتأخر اتخاذ هذه الإجراءات ريثما تتاح جميع الأدلة العلمية: “فإزاء ما يهدد البيئة من أضرار لا يمكن عكس اتجاهها، ينبغي ألا يطرح النقص في الفهم العلمي عذرا لتأجيل اتخاذ الإجراءات التي لها ما يبررها في حد ذاتها. ويمكن أن يوفر النهج التحوطي أساسا تستند إليه السياسات المتصلة بالنظم المعقدة غير المفهومة بعد فهما كاملا، والتي لا يمكن التنبؤ بعد بآثار اختلالاتها” (جدول أعمال القرن 21، الفقرة 35-3).

المرفق الثاني

نظريات وأطر لنمذجة أثر النمو السكاني على البيئة المادية

  كتب رجال السياسة والفلاسفة منذ القدم على التوازن بين السكان والموارد الطبيعية وأدلوا بدلوهم بشأن مفهوم العدد الأمثل للسكان (الأمم المتحدة، 1973 أ). وكانت هذه الكتابات القديمة إرهاصات لمفاهيم أكثر تكاملا تبلورت فيما بعد وتضمنت بواكير بعض الأفكار التي برزت في الأعمال النظرية المعاصرة.

  وانطوت أعمال فلاسفة الصين القدامى، بمن فيهم كونفوشيوس وأتباعه، على بعض الجوانب المتعلقة بعدد السكان الأمثل على الصعيد المحلي. وقد افترض أن الحكومة تتولى مسؤولية الحفاظ على التوازن المثالي بين الأرض والسكان برعاية عمليات النزوح بين المناطق المكتظة بالسكان والمناطق القليلة السكان. وتنبه أفلاطون وأرسطو لضرورة اكتفاء السكان ذاتيا في الغذاء وحذرا من أن عدم توسيع الأراضي المزروعة بوتيرة تمكن من مواكبة النمو السكاني السريع يؤدي إلى اكتظاظ السكان والفقر. ورغم أن المذاهب المسيحية في القرون الأولى والقرون الوسطى نظرت إلى قضايا السكان من منظور سلوكي وأخلاقي على وجه العموم، فإن بعض الكتاب اعتبر أن النمو المفرط لسكان العالم المعروف وقتها هو سبب الفقر والمعاناة، ورأوا أن الطبيعة قمينة بإعادة التوازن بين السكان والموارد عن طريق انتشار الأوبئة والمجاعات والحروب.

  وينبغي الإشارة إلى أن جميع المنظرين لم ينظروا إلى النمو السكاني نظرة سلبية. فقد عكست الأفكار المركانتيلية في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بوجه خاص الجوانب الإيجابية لكبر عدد السكان ونموهم وآثرت السياسات التي تشجع على الزواج وتكوين الأسر الكبيرة.

  وخلال القرنين الأخيرين، سيطرت النظرة المالتوسية إلى حد بعيد على النقاش الدائر بشأن الصلات بين السكان والتنمية. ويشاطر أنصار هذه النظرة وأعدائها على السواء كفالة التوازن بين الاتجاهات الديمغرافية (النمو السكاني أساسا)، والموارد الطبيعية والنمو الاقتصادي والفقر. وفي حين تركز النقاش في البداية على بريطانيا العظمى في غمرة ثروتها الصناعية، اتسع نطاقه في النصف الثاني من القرن العشرين ليشمل مسألة توافر الأراضي الصالحة للزراعة من أجل إنتاج الأغذية للفقراء، وبواسطتهم، في البلدان النامية التي يتشكل منها معظم الجنس البشري. بيد أن تحديد الصلات بين السكان والبيئة من حيث نصيب الفرد من الموارد المتاحة أدى إلى ظهور نظرتين متعارضتين. فمن جهة، هناك نظرة “حدود النمو” التي تعتبر النمو السكاني ضارا بصورة أساسية بالنظام العالمي (ميدوز وآخرون، 1972؛ ميدوز، ميدوز وروندرز، 1992؛ وبراون غاردنر وهالويل، 1999)؛ ومن جهة أخرى، هناك نظرة تعتبر النمو السكاني حفازا إيجابيا للتقدم التكنولوجي (بوسوروب، 1965، 1976، 1981؛ وسايمون، 1981، 1990، 1996).

  ويوفر مفهوم طاقة الأرض على الحمل إطارا لدراسة الصلة بين السكان والموارد المتجددة. ولتعميق هذا المفهوم، فإن طاقة الحمل تعرف أحيانا بأنها عدد السكان الذين يمكن تحملهم في المستقبل القريب دون إتلاف البيئة المادية والإيكولوجية والثقافية والاجتماعية (كوين، 1995). وهناك نهج أضيق مجالا وأكثر تقنية لطاقة الحمل استخدم في أوائل الثمانينات لإجراء تقييم منهجي لعدد السكان الأقصى الذي يمكن للزراعات الوطنية في البلدان النامية أن توفر لهم الغذاء بصورة مستديمة (هيغينز وآخرون، 1983؛ 1984؛ منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، 1994؛ هيليغ، 1999). واستأثر مفهوم القدرة على الحمل من جديد بالاهتمام في سياق التنمية المستدامة التي تفسر الأمن الغذائي بأنه نتيجة للزيادة الكبيرة والمستدامة في الإنتاج الزراعي ولإدخال تحسينات ملموسة في الاستحقاقات الغذائية للسكان (روتان، 1996).

   ووضع العلماء الطبيعيون والاجتماعيون طائفة من النماذج لدراسة روابط السكان والبيئة، بما فيها بعض نماذج التحلل (أو النماذج المضاعفة) (كومونر، 1991؛ بونغارتس، 1992؛ إرلتش وهولدرن، 1971، 1974؛ إرلتش وارلتش، 1992؛ هارسون، 1992). وتعتبر هذه النماذج مجموع الآثار البيئية نتاجا، لحجم السكان ومستوى اليسار، أو نصيب الفرد من الاستهلاك/الإنتاج، ولمستوى التكنولوجيا الضارة من الناحية البيئية. وركزت التطبيقات التجريبية لهذا النموذج على زيادة استخدام موارد محددة أو انبعاثات لملوثات معينة مقترنة بزيادة عرض سلع أو خدمات معينة. ونتيجة لذلك، جاءت النتائج متفاوتة بشأن دور العوامل الديمغرافية.

  واستخدم منطق النماذج المضاعفة في إطار عملية النمذجة المعقدة لتغير المناخ العالمي. ويبرز حجم السكان ونموهم على منوال واحد ضمن المتغيرات المتعددة المندرجة في التحليل (الفريق الدولي المعني بتغير المناخ، 1990؛ ليغيت وآخرون، 1992؛ بيتشر، وشيك الصدور). واتسمت النماذج العالمية التي وضعها نادي روما بالتركيز على العلاقات غير الخطية التي تستند إلى حلقات ارتجاعية معقدة تربط بين المتغيرات الديمغرافية والاقتصادية والبيئية. غير أن قيمة هذه النماذج محدودة نظرا لنذرة البيانات التجريبية التي يجري في معظم الأحيان إكمالها بفرضيات. وهناك حاليا محاولات للتغلب على هذه المشكلة الكبيرة باستخدام أطر إقليمية وقطرية محددة. فعلى سبيل المثال، قامت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا بتصميم نموذج للسكان والبيئة والتنمية والزراعة يربط بين التغير السكاني والبيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والزراعة لبيان أثر خيارات السياسات المختلفة على الأمن الغذائي في منطقة اللجنة (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، 1999).

  ويسعى قدر كبير من البحوث إلى تعقب التغيرات التي تحدث في النظام الإيكولوجي من جراء النمو الديمغرافي من خلال عوامل التحول الاجتماعي والثقافي والمؤسسي. وقد يكون لهذه التحولات آثار إيجابية أو سلبية على البيئة، وهي مسألة تتوقف على الظروف المؤسسية – ظروف السوق، وحقوق الملكية، وتوزيع الأراضي، والضرائب والإعانات المفروضة على أنواع مختلفة للإنتاج والاستهلاك. وبالتعميم بين المجتمعات والمراحل الإنمائية، فإن التحليلات المؤسسية تؤكد أن النمو السكاني يؤدي إلى نقص سعر اليد العاملة بالمقارنة بالأرض ويفضي بالتالي إلى إعادة تعريف حقوق ملكية الأراضي وإعادة ترتيب علاقات العمل. ونتيجة لذلك، تنشأ مجموعة كاملة من المؤسسات الريفية لخفض تكاليف إبرام العقود وإنفاذها بين الوكلاء الاقتصاديين (ماك نيكول وكين، 1989) حتى لو أدى ذلك إلى المساس بنوعية البيئة. وقد تم صقل مفهوم الابتكارات الناجمة عن الأنشطة السكانية بدمج دور المعلومات غير المكتملة وهياكل السوق المعيبة التي تتميز بها المناطق الريفية في البلدان النامية حيث يؤدي الضغط السكاني وتكاليف الإنتاج (على سبيل المثال، الطابع الموسمي، وعدم انتظام الغلة، والمخاطر المتصلة بأسعار السوق، وعدم انتظام التوقيتات)في آخر المطاف إلى تغير كيفي في المؤسسات الريفية (روزنزويغ، وبنسوانغر، وماكانتاير، 1988).

  وأدت العلاقة بين النمو السكاني السريع وتدهور البيئة، والنمو السكاني والإخلال بحقوق الملكية في العديد من المجتمعات بدلا من تحولها بشكل بناء، إلى التشكيك في الفرضية القائلة بأن التقدم التكنولوجي والابتكارات الزراعية دالة للنمو السكاني. فالتحليل المؤسسي كان أساسيا لشرح الدور السلبي للنمو السكاني السريع في العديد من المناطق خلال النصف الثاني من القرن العشرين حيث أدى إلى تدهور المؤسسات القديمة وحال دون تطور حقوق الملكية الحديثة. كما أدى النمو السكاني في المجتمعات التي تم فيها تحديد حقوق ملكية الأراضي تحديدا جيدا بشكل نسبي، وشهدت ضغطا سكانيا على الأراضي الصالحة للزراعة – كمنطقة جنوب وسط آسيا، ومنطقة أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي – إلى تجزئة الأراضي وبالتالي إلى الإفراط في استغلالها؛ كما تبين أيضا أن النمو السكاني السريع يتسبب في آثار مدمرة تخل بالتوازنات الإيكولوجية الهشة في ظل عدم التحديد المحكم لملكية الأراضي والوفرة النسبية للأراضي مثلما هو الحال في بعض بلدان جنوبي الصحراء الكبرى (كليفر وشرايبر، 1994).

  وتسعى نظرية رد الفعل المتعدد المراحل (دافيس، 1963؛ وبيلسبورو، 1987؛ وبيلسبورو وغوريس، 1994) إلى أن تدمج ردود الفعل الناجمة عن زيادة الضغط السكاني في إطار شامل. وأحد أوجه القصور في هذا النهج يكمن أيضا في مرونته. فردود الفعل الناجمة عن الضغط السكاني المتزايد قد تكون متزامنة ولذلك يتوقف مدى أي من ردود الأفعال الناشئة – من قبيل تدني الخصوبة أو الاستغلال المكثف للأراضي أو التوسع على حسابها – على ردود الفعل الأخرى وبالتالي، على جميع العوامل الاقتصادية والمؤسسية المؤثرة فيها. ولذلك، لا تستطيع النظرية التنبؤ برد الفعل المرجح حدوثه في ظل ظروف معينة.

  وسواء كان النمو السكاني من فعل التكنولوجيا أو فعل الأسواق والمؤسسات الاجتماعية، فإنه ليس إلا عاملا في ثالوث السكان، والبيئة، والتنمية. ويدل انعدام نموذج شامل يغطي جميع جوانب هذا الثالوث على مدى تعقد هذه الصلات وحيويتها وانعدام البيانات اللازمة لصياغة مثل ذلك النموذج واختباره.

المراجع

Bongaarts, J. (1992). Population growth and global warming. Population and Development Review (New York), No. 37, pp. 299-319.

Boserup, Ester (1965). The Conditions of Agricultural Growth: The Economics of Agrarian Change Under Population Pressure. Chicago, Illinois: Aldine.

________ (1976). Environment, population and technology in primitive societies. Population and Development Review (New York), vol. 2, No. 1, pp. 21-36.

________ (1981). Population and Technological Change. Chicago, Illinois: University of Chicago Press.

Braverstock, K. F. (1993). Thyroid cancer in children in Belarus after Chernobyl. World Health Statistics Quarterly (Geneva), vol. 46, No. 3, pp. 204-208.

Browder, John D., and Brian J. Godfrey (1997). Rainforest Cities: Urbanization, Development and Globalization of the Brazilian Amazon. New York: Columbia University Press.

Brown, L. R., G. Gardner and B. Halweil (1999), Beyond Malthus: Nineteen Dimensions of the Population Challenge. Worldwatch Environmental Alert Series. New York and London: Norton.

Bunning, V. K., and others (1997). Chronic health effects of microbial foodborne disease. World Health Statistics Quarterly (Geneva), vol. 50, pp. 51-56.

Centers for Disease Control (1997). Outbreaks of Escherichia coli O157:H7 infection and cryptosporidiosis associated with drinking unpasteurized apple cider: Connecticut and New York, October 1986. Morbidity and Mortality Weekly Report (Atlanta), vol. 46, No. 1, pp. 4-8.

__________ (1999). Recommendations to help patients avoid exposure to opportunistic pathogens. Morbidity and Mortality Weekly Report (Atlanta), vol. 48, No. 10, pp. 61-66.

Charnley, Susan (1997). Environmentally-displaced peoples and the cascade effect: lessons from Tanzania. Human Ecology, vol. 25, No. 4, pp. 593-618.

Cleaver, K. M., and G. Schreiber (1994). Reversing the Spiral: The Population, Agriculture, and Environment Nexus in Sub-Saharan Africa. Washington, D.C.: World Bank.

Cohen, J. (1995). How Many People Can the Earth Support? New York: W. W. Norton.

Cohen M. S., and Miller, A. C. (1998). Sexually transmitted diseases and human immunodeficiency virus infection: cause, effect or both? International Journal of Infectious Diseases (Hamilton, Canada), vol. 3, No. 1, pp. 1‑4.

Collins, Jane (1986). Smallholder settlement of tropical South America: the social causes of ecological destruction. Human Organization, vol. 45, No. 1, pp. 1-10.

Commoner, B. (1991). Rapid population growth and environmental stress. In Consequence of Rapid Population Growth in Developing Countries. Proceedings of the United Nations/Institut national d’études démographiques Expert Group Meeting, 23-26 August 1988, New York. New York: Taylor and Francis, pp. 161-190.

Corvalán, C., and T. Kjellström (1995). Health and environment analysis for decision making. World Health Statistics Quarterly (Geneva), vol. 48, No. 2, pp. 71-77.

Crowley, Tomas J. (2000). Study faults humans for large share of global warming. The New York Times (14 July).

Cruz, Maria Concepción (1997). Effects of population pressure and poverty on biodiversity conservation in the Philippines. In Population, Environment and Development, R. K. Pachauri and Lubina Qureshy, eds. New Delhi, India: Tata Energy Institute, pp. 69-94.

Davis, K. (1963). The theory of change and response in modern demographic history. Population Index, vol. 29, No. 4, pp. 345-366.

DeLong, J. Bradford (1998). Estimating world GDP, one million B.C.-present (http://www.j-bradford-delong.net/TCEH/19…raft/World_GDP/Estimating_World_GDP.html). Accessed on 2 August 2000.

De Souza, R. M. (1999). Household Transportation Use and Urban Air Pollution. A Comparative Analysis of Thailand, Mexico and the United States. Washington, D.C.: Population Reference Bureau.

Dyson, Tim (1996). Population and Food: Global Trends and Future Prospects. London: Routledge.

Ehrlich, P., and A. Ehrlich (1992). Healing the Planet. New York: State Mutual Book.

Ehrlich, P., and J. Holdren (1971). The impact of population growth. Science (Washington, D. C.), vol. 171, pp. 1212-1217.

__________ (1974) Human population and the global environment. American Scientist (Triangle Park, North Carolina), vol. 62, pp. 282-292.

Environics International (1999). The Environmental Monitor. 1999 International Report. Toronto.

European Commission (1999). What do Europeans think about the environment? Luxembourg.

Faiz, Asif (1992). Motor vehicle emissions in developing countries: relative implications for urban air quality. In Environmental Management and Urban Vulnerability, Alcira Kreimer and Mohan Munasinghe, eds., Washington, D.C.: World Bank.

Food and Agriculture Organization of the United Nations (1994). Potential population-supporting capacity of lands: environmental aspects. In Population, Environment and Development. Sales No. E.94.XIII.7, chap. XXVI. New York: United Nations.

__________ (1996a). Food production and environmental impact. Technical background document, No. 11, for the World Food Summit. Rome: FAO.

__________ (1996b). Food requirements and population growth. Technical background document, No. 4, for the World Food Summit. Rome: FAO.

__________ (1997). State of the World’s Forests. Rome: FAO.

__________ (1999a). The State of Food Insecurity in the World. Rome: FAO.

__________ (1999b). The State of the World’s Forests, 1999. Rome: FAO.

__________ (2000a). Agriculture: Towards 2015/2030, Technical Interim Report. Rome: FAO. April (http://www.fao.org/WAICENT/FAOINFO/
ECONOMIC/esd/at2015/toc-e.htm). Accessed on 20 September 2000.

__________ (2000b). Strong indications for slowdown in deforestation. FAO Forestry News (8 August). Rome.

__________ (2000c). Population and the environment: a review of issues and concepts for population programmes. Part III. Population and deforestation. Rome: FAO.

Foronda, Maria Elena (1998). Chimbote’s Local Agenda 21: initiatives to support its development and implementation. Environment and Urbanization, vol. 10, No. 1 (October).

Gallup International Association (1999). International Millennium Survey. London.

Ghosh, A., S. S. Ahmad and Shipra Maitra (1994). Basic Services for Urban Poor: A Study of Baroda, Bhilwara, Sambalpur and Siliguri. Urban Studies Series No. 3. New Delhi, India: Institute of Social Sciences and Concept Publishing Company.

Gilbertson, M., and others (2000). Scientific issues in relation to lake-wide management plans: linking science and policy. Environmental Health Perspectives (Research Triangle Park, North Carolina), vol. 108, No. 5, pp. 108-205.

Golub, M. (2000). Adolescent health and the environment. Environmental Health Perspectives (Research Triangle Park, North Carolina), vol. 108, No. 4, pp. 355-362.

Gupta, S. K., and others (2000). Recurrent acute respiratory tract infections in areas with high nitrate concentrations in drinking water. Environmental Health Perspectives (Research Triangle Park, North Carolina), vol. 108, No. 4, pp. 363-366.

Gutmann, Myron P., and others (1996). Demographic responses to climate change in the US Great Plains, 1930 to 1980. Paper presented at the Annual Meeting of the Population Association of America, New Orleans, Louisiana, 9-11 May. Unpublished.

Hansson, L. E., and others (1996). The risk of stomach cancer in patients with gastric or duodenal ulcer disease. New England Journal of Medicine (Boston, Massachusetts), vol. 335, No. 4, pp. 242-249.

Hardoy, Jorge E., and David E. Satterthwaite (1989). Squatter Citizen. London: Earthscan Publications.

Hardoy, Jorge E., Diana Mitlin and David E. Satterthwaite (2000). Environmental Problems in an Urbanizing World: Local solutions for city problems in Africa, Asia and Latin America. London: Earthscan Publications.

Harpham, Trudy, and Sassy Molyneux (2000). Paper on urban health presented to the National Academy of Sciences Panel on Urban Population Dynamics. South Bank University, London.

Harrison, P. (1992). The Third Revolution: Environment, Population and a Sustainable World. London and New York: I. B. Tauris and Company, Ltd.

Heilig, Gerhard K. (1999). China Food: Can China Feed Itself? Land-use Change Project. CD-ROM. Laxenburg, Austria: International Institute for Applied Systems Analysis.

Hierholzer, J. C. (1992). Adenoviruses in the immunocompromised host. Clinical Microbiology Reviews (Washington, D.C.), vol. 5, No. 3, pp. 262-274.

Higgins, G. M., and others (1982). Potential Population Supporting Capacities of Lands in the Developing World. Technical report of project, FPA/INT/513, Land Resources for Populations of the Future, Food and Agriculture Organization of the United Nations, United Nations Population Fund and International Institute for Applied Systems Analysis. Rome: FAO.

__________ (1983). Potential Population Supporting Capacity of Lands in the Developing World. Rome: Food and Agriculture Organization of the United Nations (FAO).

___________ (1984). People, Land and Food Production: Potentials in the Developing World. Laxenburg, Austria: International Institute for Applied Systems Analysis.

Hosking, S., and others (1994). Duodenal ulcer healing by eradication of helicobacter pylori without antiacid treatment: randomized control trial. Lancet (London and New York), vol. 343, pp. 508-510.

Intergovernmental Panel on Climate Change (2000). Summary for policy makers: land use, land-use change, and forestry. Summary approved at IPCC plenary XVI, Montreal, Canada, 1-8 May.

International Monetary Fund (2000). World Economic Outlook 2000. Washington, D.C.

International Panel on Climate Change (IPCC) (1990). Emission scenarios prepared by the response strategy working group of the Intergovernmental Panel on Climate Change. November 1990. In Report of the Expert Group on Emission Scenarios. Geneva.

Joint United Nations Programme on Human Immunodeficiency Virus/Acquired Immunodeficiency Syndrome (UNAIDS) (2000). Report on the Global HIV/AIDS Epidemic, June 2000. Geneva: UNAIDS.

Käferstein, F. K. (1997). Food safety: a commonly underestimated public health issue. World Health Statistics Quarterly (Geneva), vol. 50, pp. 3-4.

Kjellström, T., and L. Rosenstock (1990). The role of environmental and occupational hazards in the adult health transition. World Health Statistics Quarterly (Geneva), vol. 43, No. 3, pp. 188-196.

Kneese, Allen V. (1977). Economics and the Environment. New York: Penguin Books.

Leggett, J., and others (1992). Emissions scenarios for IPCC: an update. In Climate Change 1992, Supplementary Report to the IPCC Scientific Assessment, J. Houghton, B. Callander and S. Varney, Eds. Cambridge, United Kingdom: Cambridge University Press, pp. 69-95.

Leslie, R. D. and R. B. Elliott (1994). Early environmental events as a cause of IDDM: evidence and implications. Diabetes (Alexandria, Virginia), vol. 43, No. 7, pp. 843-850.

Loevinsohn, M. E. (1994). Climatic warming and increased malaria incidence in Rwanda. Lancet (London and New York), vol. 343, pp. 714-718.

Manton, K., E. Stallard and L. Corder (1999). The limits of longevity and their implications for health and mortality in developed countries. In Health and Mortality, Issues of Global Concern: Proceedings of the Symposium on Health and Mortality, Brussels, 19-22 November 1997. Sales No. E.99.XIII.17, pp. 324-343. New York: United Nations.

Marland, G., and others (1999). Global, regional, and national CO2 emissions. Carbon Dioxide Information Analysis Center, Oak Ridge National Laboratory, United States Department of Energy, Oak Ridge, Tennessee.

Matras, Judah (1973). Population and Societies. Englewood Cliffs, New Jersey: Prentice-Hall, Inc.

McNeill, J. R. (2000). Something Under the Sun: An Environmental History of the Twentieth-century World. New York and London: W. W. Norton and Company.

McNicoll, G., and M. Cain, eds. (1989). Rural Development and Population: Institutions and Policy. Supplement to Population and Development Review, vol. 15 (1989). New York: The Population Council and Oxford University Press.

Meadows, D., and others (1972). The Limits to Growth. New York: Universe Books.

Meadows, D., D. L. Meadows and J. Randers (1992). Beyond the Limits: Confronting Global Collapse, Envisioning a Sustainable Future. Post Mills, Vermont: Chelsea Green Publishing Company.

Mitchell, Donald O., and Merlinda D. Ingco (1995). Global and regional food demand and supply prospects. In Population and Food in the Early Twenty-First Century: Meeting Future Food Demand of Increasing Population, Nurul Islam, ed. Washington, D.C.: International Food Policy Research Institute, pp. 49-60.

Muller, F. M., and others (1999). Current approaches to diagnosis and treatment of fungal infections in children with human immunodeficiency virus. European Journal of Pediatrics (Berlin), vol. 158, No. 3, pp. 187-199.

Murphy, Laura (2000). Agricultural colonization and land use in the Northern Ecuadorian Amazon. Paper presented at the Latin American Studies Association Conference held at Miami, Florida, 16-18 March 2000.

Murray, C. J. L., and A. D. Lopez, eds. (1996). The Global Burden of Disease: A Comprehensive Assessment of Mortality and Disability from Diseases, Injuries, and Risk Factors in 1990 and Projected to 2020. Cambridge, Massachusetts: Harvard School of Public Health, on behalf of World Health Organization and World Bank.

Pan, William, and R. E. Bilsborrow (2000). Change in Ecuadorian farm composition over time? Population pressures, migration and changes in land use. Paper presented at the Annual Meeting of the Population Association of America held at Los Angeles, California, 23-25 March, 2000.

Panayotou, Theodore, and Somthawin Sungsuwan (1994). An econometric analysis of the causes of tropical deforestation: the case of northeast Thailand. In The Causes of Tropical Deforestation, Katrina Brown and David W. Pearce, eds. London: University College of London Press, chap. 13, pp. 192-209.

Parsonnet, J. (1996). Helicobacter pylori in the stomach: a paradox unmasked. New England Journal of Medicine (Boston), vol. 335, No. 4, pp. 278-280.

Pichón, F. (1997). Colonist land allocation decisions, land use and deforestation in the Ecuadorian Amazon frontier. Economic Development and Cultural Change, vol. 45, No. 4, pp. 707-744.

_________, and R. E. Bilsborrow (1999). Land-use systems, deforestation, and demographic factors in the humid tropics: farm-level evidence from Ecuador. In Population and Deforestation in the Humid Tropics, R. E. Bilsborrow and D. Hogan, eds. Liège, Belgium: International Union for the Scientific Study of Population.

Pitcher, H. (forthcoming). An assessment of mitigation options in a sustainable development world. In special issue entitled “Long-term scenarios on socio-economic development and climatic policies”. Environmental Economics and Policy Studies, vol. 4, No. 2.

Pocock, S. J., M. Smith and P. Baghurst (1994). Environmental lead and children’s intelligence: a systematic review of the epidemiological evidence. British Medical Journal (London), vol. 309, pp. 1189-1197.

Postel, Sandra (1996). Forging a sustainable water strategy. In State of the World, 1996, Lester Brown and others, eds. Washington, D.C.: Worldwatch Institute.

Preston, David (1998). Post-peasant capitalist grazers: the 21st century in southern Bolivia. Mountain Research and Development, vol. 18, No. 2, pp. 151-158.

Preston, Samuel (1994). Population and the Environment. Liège, Belgium: International Union for the Scientific Study of Population, Distinguished Lecture Series on Population and Development.

Prud’homme, Remy (1994). On the economic role of cities. Paper prepared for the Conference on Cities and the New Global Economy. Government of Australia and the Organisation for Economic Cooperation and Development. Melbourne, Australia, 20-23 November.

Rewers, M., and others (1988). Trends in the prevalence and incidence of diabetes: insulin dependent diabetes mellitus in childhood. World Health Statistics Quarterly, vol. 41, No. 3/4, pp. 179-189.

Rosenzweig, Mark R., Hans P. Binswanger and John McIntire (1988). From land abundance to land scarcity: the effects of population growth on production relations in agrarian economies. In Population, Food and Rural Development, R. D. Lee and others, eds. Oxford: Clarendon Press, pp. 77-100.

Rowlands, I. H. (1994). North-South politics, environment, development and population: a post-Rio review. In Environment and Population Change, B. Zaba and J. Clarcke, eds. Liège, Belgium: Ordina Editions, for the International Union for the Scientific Study of Population.

Ruttan, V. W. (1996). Population growth, environmental change and technical innovation: implications for sustainable growth in agricultural production. In The Impact of Population Growth on Well-being in Developing Countries, D. A. Ahlburg, A. C. Kelley, and K. O. Mason, eds. Berlin: Springer-Verlag.

Rybakovsky, Leonid (1994). The catastrophe in the Chernobyl atomic power station: demographic aspects. In Population, Environment and Development. Sales No. E.94.XIII.7, chap. XVI. New York: United Nations.

Sader, S. A., and others (1997). Human migration and agricultural expansion: an impending threat to the Maya biosphere reserve. Journal of Forestry, vol. 95, No. 12, pp. 27-32.

Satterthwaite, David (1993). The impact on health of urban environments. Environment and Urbanization, vol. 5, No. 2 (October).

Sessay, Richard, and F. Mohamed (1997). Forced migration, environmental change, and wood fuel issues in the Senegal River Valley. Environmental Conservation, vol. 24, No. 3, pp. 251-260.

Shrestha, Nanda R. (1990). Landlessness and Migration in Nepal. Boulder, Colorado: Westview.

Simon, J. (1981). The Ultimate Resource. Princeton, New Jersey: Princeton University Press.

_________ (1990). Population Matters: People Resources, Environment and Immigration. New Brunswick, New Jersey: Transaction Publishers.

_________ (1996). The Ultimate Resource 2. Princeton, New Jersey: Princeton University Press.

Swain, W. R. (1991). Effects of organochlorine chemicals on the reproductive outcomes of humans who consumed contaminated Great Lakes fish: an epidemiologic consideration. Journal of Toxicology and Environmental Health (New York), vol. 33, No. 4, pp. 587-639.

Swan, S. H., and others (1997). Have sperm densities declined? A reanalysis of global trends data. Environmental Health Perspectives (Research Triangle Park, North Carolina), vol. 105, No. 11, pp. 1228-1232.

Thylefors, B. (1999). Avoidable blindness. Editorial. Bulletin of the World Health Organization, vol. 77, No. 6, p. 453.

Tucker, K. E. (1996). Reproductive toxicity of ovulation induction. Seminars in Reproductive Endocrinology (New York), vol. 14, No. 4, pp. 345-353.

United Nations (1969). Problems of the human environment: report of the Secretary-General. Forty-seventh session of the Economic and Social Council. E/4667.

____________ (1973a). The Determinants and Consequences of Population Trends: New Summary of Findings on Interaction of Demographic, Economic and Social Factors, vol. I, Population Studies, No. 50. Sales No. E.71.XIII.5.

____________ (1973b). Report of the United Nations Conference on the Human Environment, Stockholm, 5-16 June 1972. Sales No. E.73.II.A.14 and Corr.1. and 2.

____________ (1975). Report of the United Nations World Population Conference, 1974, Bucharest, 19-30 August 1974. Sales No. E.75.XIII.3.

____________ (1983). Manual X: Indirect Techniques for Demographic Estimation. Population Studies, No. 81. Sales No. E.83.XIII.2.

____________ (1984). Report of the International Conference on Population, 1984, Mexico City, 6‑14 August 1984. Sales No. E.84.XIII.8 and corrigenda.

____________ (1988). MORTPAK-LITE: The United Nations Software Package for Mortality Measurement. Sales No. E.88.XIII.2.

____________ (1992). Addendum to the report of the Intergovernmental Negotiating Committee for a Framework Convention on Climate Change on the work of the second part of its fifth session, held at New York from 30 April to 9 May 1992. A/AC.237/18 (Part II)/Add.1 and Corr.1, annex I.

____________ (1993a). Report of the United Nations Conference on Environment and Development, Rio de Janeiro, 3-14 June 1992, vol. I, Resolutions Adopted by the Conference. Sales No. E.93.I.8 and corrigendum.

____________ (1993b). Handbook of National Accounting: Integrated Environmental and Economic Accounting. Studies in Methods, No. 61. Sales No. E.93.XVII.12.

_________ (1995). Report of the International Conference on Population and Development, Cairo, 5-13 September 1994. Sales No. E.95.XIII.18.

_________ (1997a). Critical Trends: Global Change and Sustainable Development. Sales No. E.97.II.B.1.

_________ (1997b). Report of the Secretary-General on the comprehensive assessment of the freshwater resources of the world. E/CN.17/1997/9.

_________ (1998). Addendum to the report of the Conference of the Parties to the United Nations Framework Convention on Climate Change on its third session, held at Kyoto from 1 to 11 December 1997. Part two: action taken by the Conference of the Parties at its third session. FCCC/CP/1997/7/Add.1, chap. I, decision 1/CP.3, annex.

_________ (1999a). The world at six billion. ESA/P/WP.154.

_________ (1999b). World population monitoring, 1999: population growth, structure and distribution. Draft. ESA/P/WP.147.

_________ (2000a). Long-Range World Population Projections: Based on the 1998 Revision. Sales No. E.00.XIII.8.

_________ (2000b). Below Replacement Fertility. Population Bulletin of the United Nations, No. 40-41, Special Issue: Below Replacement Fertility. Sales No. E.99.XIII.13.

_________ (2000c). We the peoples: the role of the United Nations in the twenty-first century: report of the Secretary-General. A/54/2000. 27 March 2000.

_________ (2000d). World urbanization prospects: the 1999 revision. Data tables and highlights. Working Paper, No. 161. Population Division of the Department of Economic and Social Affairs, United Nations Secretariat. New York.

_________ (forthcoming). Results of the Eighth United Nations Inquiry among Governments on Population and Development.

_________ and United Nations Environment Programme (2000). Handbook of National Accounting: Integrated Environmental and Economic Accounting: An Operational Manual. Studies in Methods, No. 78. Sales No. 00.XVII.17.

_________, Economic Commission for Africa (ECA) (1999). Training Workshop on PEDA, its Data Requirements and Management. Addis Ababa, Ethiopia (9-18 June 1999).

_________ Centre for Human Settlements (Habitat) (1996). An Urbanizing World. Global Report on Human Settlements 1996. Oxford: Oxford University Press.

_________ United Nations Environment Programme (1995). Global Biodiversity Assessment. Cambridge, United Kingdom: Cambridge University Press.

__________ (1999). Global Environment Outlook 2000. London: Earthscan Publications.

__________ (2000). The environment millennium. Our Planet (Nairobi), vol. 11, No. 2.

Venn, A., and others (1999). Risk of cancer after use of infertility drugs with in-vitro fertilization. Lancet (London and New York), vol. 354, pp. 1586-1590.

Watson, Robert T. (2000). A report on the key findings from the IPCC Special Report on Land-Use, Land-Use Change and Forestry, twelfth session of the Subsidiary Body for Scientific and Technological Advice, Bonn, Germany, 13 January (http://www.ipcc.ch/press/sp-lulucf.htm). Accessed on 8 November 2000.

Watts, D. M., and others (1989). Effect of temperature on the vector efficiency of aedes aegypti for dengue 2 virus. American Journal of Tropical Health and Hygiene (McLean, Virginia), vol. 36, pp. 143-152.

020801 130701 01-40554 (A)

*0140554*




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا