سياسات التنمية العمرانية ودورها في تيسير الإسكان
بالمملكة العربية السعودية
فائز بن سعد الشهري- أستاذ مساعد بقسم التخطيط الحضري والإقليمي - كلية العمارة والتخطيط - جامعة الملك فيصل ص ب ٢٣٩٧ الدمام ٣١٤٤١ المملكة العربية السعودية
Journal of Engineering Sciences, Assiut University, Vol. 36, No. 6, pp.1573-1593, November 2008
المستخلص
حققت المملكة إنجاز ات في توفير الإسكان للمواطنين نتيجة للإجراءات التي اتخذت خلال الثلاثة عقود الماضية وفق خطط التنمية الوطنية، إلا انه مع التطور السريع الذي شهدته المملكة في جميع المجالات الصحية والتعليمية والصناعية والتجارية ، وزيادة عدد السكان خاصة في المدن الرئيسة ازدادت الحاجة للإسكان، مما نتج عنه صعوبة الحصول على المسكن لأسباب عدة منها ارتفاع أسعار الأراضي وتكاليف البناء، وصعوبة توفير أراضي المنح المخدومة لتوفير المسكن للعدد المطلوب للسكان. يحلل هذا البحث سياسات التنمية العمرانية ودورها في مواجهة مشكلة الإسكان وفي توفير و تيسير المسكن، يعتمد البحث في جمع المعلومات على أساليب مكتبية تتضمن مراجعة الأدبيات السابقة من مقالات وبحوث وتقارير علمية في مجال الدراسة.
URBAN DEVELOPMENT POLICIES AND ITS ROLE IN HOUSING AFFORDABILITY IN SAUDI ARABIA
Faez Saad Al-Shihri Assistant Professor in the Department of Urban and Regional Planning College of Architecture and Planning King Faisal University faezalshihri@yahoo.com
Due to several measures taken in national development planning during the recent years, the Kingdome of Saudi Arabia (KSA) has had achievements in providing housing for its citizens. Yet, with the noticeable improvements in the public health, education, industry, commerce, and other areas, the KSA has faced a noticeable increase in its population size and overcrowded urban areas and the need for housing grew considerably. Housing affordability has become harder due several factors including the increase in land prices, the rise in construction costs, and the difficulty of finding land grants devoted for housing. This paper analyzes the role of development policies in housing affordability. The paper depends on the review of data derived from secondary sources such as previous research papers, reports and studies dealt with development and housing policies.
KEYWORDS: Urban Development Policies, Housing Affordability Policies, Kingdom of Saudi Arabia.
١- المقدمة
يعتبر تيسير الإسـكان مـن القضـايا التنمويـة التـي توليهـا سياسـات التنميـة الوطنيـة بالمملكـة العربيـة السـعودية اهتمامـاً خاصـاً إذ أن الإسـكان يعـد مـن العناصـر المـؤثرة بقـوة فـي تكـوين المدينـة والتـي يظهـر أثرهـا علـى جميـع المنـاحي العمرانيـة والاجتماعيــة و الاقتصــادية و السياســية . لقــد حققــت المملكــة إنجــازات فــي تــوفير الإســكان للمــواطنين خــلال الثلاثـة عقـود الماضـية وفـق خطـط التنميـة الوطنيـة، إلا الأن زيـادة المطـردة فـي عـدد سـكان المملكـة نتيجـة لارتفـاع ً للتحســن الملمــوس فــي مســتوى معــدل الإنجــاب وانخفــاض معــدل وفيــات المواليــد وارتفــاع متوســط الأعمــار نظــرا خدمات الرعاية الصحية الذي شهدته المملكة أدت إلـى ازديـاد الحاجـة للإسـكان، ومـع ازديـاد الهجـرة مـن القـرى إلـى المدن وتركـز السـكان فـي المـدن الرئيسـة ازدادت صـعوبة الحصـول علـى المسـكن لأسـباب عـدة منهـا ارتفـاع أسـعار الأراضي، وصعوبة توفير أراضي المنح المخدومة لتـوفير المسـكن للعـدد المطلـوب للسـكان و ، ارتفـاع تكـاليف البنـاء، وغيرها.
إن قضية الإسكان بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية وباعتبارها مـن القضـايا التـي تعـد أساس استقرار الإنسان ليسـاهم فـي مراحـل التنميـة بثبـات أصـبحت مـن القضـايا الهامـة علـى مسـتوى الفـرد والمجتمع والعالم .
١-١ أهداف وأهمية الدراسة:
تناولت كثير من الدراسـات قضـايا الإسـكان بالمملكـة وتركـزت علـى مكونـات مثـل الأرض والتمويـل والبنـاء والبنيـــة التحتيـــة و سياســـات المنظمـــة لـــذلك كلـــه . ويحـــاول هـــذا البحـــث حصـــر وتوثيـــق سياســـات التنميـــة و التخطــيط العمرانــي والتعــرف علــى دورهــا فــي تيســير المســكن للمــواطنين بكافــة شــرائحهم و . تنبــع أهميــة البحث من كونه يأتي في وقت تتجه فيه الدولة إلى سن القوانين وإصدار القرارات وتبنى السياسات لتنظيم عملية تنمية الإنسان والمكان و لمواجهة قضايا التنمية ومنها قضية الإسكان حاضراً ومستقبلاً .
١-٢ مشكلة الدراسة :
تعــد قضــية الإســكان مــن القضــايا التنمويــة الهامــة فــي مراحــل التنميــة بأبعادهــا الاقتصــادية والاجتماعيــة والبيئية والأمنية مع زيادة عدد السكان يزداد الطلب على الخدمات ومنها المسكن فقد أشارت نتائج مسـح مصـــلحة الإحصـــاءات العامـــة والمعلومـــات الديموجرافيـــة عـــام ١٤٢٨ هــــ (٢٠٠٧م) إلـــى أن عـــدد ســـكان المملكــة العربيــة الســعودية بلــغ ٢٣٩٨٠٨٣٤ نســمة مقارنــة بــ ـ ٢٢٦٧٨٢٦٢ نســمة فــي تعــداد ١٤٢٥ هـــ (٢٠٠٤م) بمتوسط معدل نمو سنوي ٣.٢% .[١]
وأشـارت الخطـة الخمسـية الثامنـة إلـى أنـه مـن القضـايا والتحـديات ذات العلاقـة بالإسـكان بالمملكـة وجـود ً شريحة من المواطنين لا تمكنهم إمكانـاتهم مـن تـأمين مسـاكن خاصـة بهم بـدءا مـن شـراء الأرض وانتهـاء بتـوفير المبـالغ اللازمـة لبنـاء المسـكن. ويـزداد الأمـر صـعوبة لهـذه الشـريحة نتيجـة اسـتمرار ارتفـاع أسـعار الأراضي وانخفاض مساحة الأراضي السـكنية المـزودة بالخـدمات المتاحـة ضـمن النطـاق العمرانـي للمـدن، إضـافة إلـى انخفـاض حجـم المعـروض مـن المسـاكن الواقعـة فـي متنـاول القـدرات الماليـة للأفـراد. هـذا فـي الوقت الذي يستمر فيه انخفاض عدد المساكن التي توفرها بعض الجهـات الحكوميـة، بالإضـافة إلـى عـدم مواكبـــة التمويـــل المتـــاح للطلـــب علـــى قـــروض صـــندوق التنميـــة العقاريـــة ، [٢] وفيمـــا يلـــي عـــرض لأهـــم المشكلات التي يعاني منها قطاع الإسكان بالمملكة
٤- الخلاصة
وأهم النتائج والتوصيات :
يعتبــر المســكن مــن العناصــر الأساســية لحيــاة لإنســان ومــن ضــروريات الاســتقرار الاجتمــاعي والأمنــي والاقتصــادي للمجتمــع، وبالفعــل اتضــح مــن العــرض الســابق أن قضــية تــوفير المســكن تعــد مــن القضــايا التنم ويـة التـي توليهـا الخطـط التنمويـة الخمسـية بالمملكـة كـل الاهتمـام، ويتأكـد ذلـك فـي القـرارات الصـادرة ذات العلاقة بالنواحي والسياسات العمرانيـة والتخطيطيـة ومنهـا سياسـات التخطـيط العمرانـي والتـي تعـد مـن السياسات الموجهة لعلاج القضايا التنموية ومنها تيسير الحصول على المسكن، ونلاحـظ ممـا عـرض فـي هذا البحث أن هنـاك اهتمامـاً واضـحاً علـى المسـتوى الـوطني فـي الخطـط الخمسـية المختلفـة منـذ منتصـف السـبعينيات الميلاديـة وآخرهـا الخطـة الثامنـة (٢٠٠٥-٢٠٠٩) التـي تضـمنت حصـرا للعـدد المطلـوب مـن المســاكن فــي زمــن الخطــة والمســاحات المطلوبــة والتكلفــة المتوقعــة لــذلك، كمــا تضــمنت بعــض الأهــداف المتعلقة بعملية التنمية الإسكانية .
تلعــب سياســات التنميــة دوراً هامــاً فــي تحقيــق التنميــة المتوازنــة التــي أشــارت إليهــا خطــة التنميــة الوطنيــة فــي والإقليميـة بالمملكـة ومـن ذلـك سياسـات التخطـيط العمرانـي بمسـتوياته الوطنيـة والإقليميـة والمحليـة كونهـا مخططات ناتجة من دراسات اقتصادية واجتماعية وبيئية للمنـاطق ومـدنها وقراهـا وتوضـح مـوارد المنـاطق ومقوماتها وحاجاتها وميزاتها النسبية واستغلالها الاستغلال الأمثل، ويحدد مـدن وقـرى المنطقـة والتجمعـات الســـكانية وحجـــم المـــدن و وضـــيعتها وعلاقـــتهم بـــبعض، وأنـــواع اســـتعمالات الأراضـــي وتوزيعهـــا ونســــبها ومعدلاتها من إسكان وصناعة وتجارة وترفيه وطرق.
إضـافة إلـى ذلـك كـان هنـاك قـرارات هامـة عديـدة خـلال العقـود الثلاثـة الأخيـرة والتـي توجـت بصـدور قـرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئـة العامـة للإسـكان التـي تعنـي بتـوفير السـكن لشـرائح المجتمـع المختلفـة واضـعة فـي اعتبارهـا اخـتلاف مسـتوى الـدخل ، تلـك القـرارات ستسـاهم فـي حـل مشـكلة الإسـكان وتفعيـل دور عمليـة التنمية العمرانية الشاملة بالمملكة والتي من مكوناته ا تخطيط أراضي للاستخدام السكني
وفي ظل وجود الجهـات المعنيـة بالتنميـة العمرانيـة والإسـكانية علـى المسـتوى الـوطني والمحلـي فقـد وجهـت الإســتراتيجية العمرانيــة الوطنيــة لتحديــد بعــض المــدن كمراكــز للنمــو (إقليميــة ومحليــة) تــم تحديــدها وفقــاً لمعايير تؤدي إلى تنسيق الجهود التنموية القطاعية لتحقيق أهداف التنمية العمرانية المتوازنة والمستدامة . إضافة إلى ذلك فإن وجود المخططات الإقليمية والمحلية التفصيلية للمدن وأدلة التخطيط الإرشادية لعمـل تلك المخططات يساعد على تحديد استخدامات الأراضي الصحيحة المخصصة للخدمات المختلفـة ومنهـا الإسكان مما يساهم في سهولة توفير الأرض وسرعة تنفيذ المشاريع الإسكانية ويعالج القضايا التخطيطيـة المختلفـة كتمركـز التنميـة فـي المـدن الر ئيسـة والتلـوث وعـدم وجـود أراضـي كافيـة لتمـنح للمـواطنين بغـرض إقامة مشاريع الإسكان لجميع فئات المجتمع .
أن التخطــيط العمرانــي بمســتوياته المختلفــة الوطنيــة والإقليميــة والمحليــة يعــد مــن الآليــات الهامــة لتحقيــق التنمية المستدامة كونها ترسم وفق المزايا النسبية للمدن بالأقـاليم التـي تجـذب الاسـتثمارات المختلفـة ومنهـا المسـكن. وتسـاهم سياسـات التخطـيط العمرانـي فـي إنجـاح مشـاركة القطاعـات المختلفـة فـي التنميـة للمـدن والأقـاليم علـى جميــع المسـتويات الوطنيـة والإقليميــة والمحليـة بأبعادهـا المختلفــة الاقتصـادية والاجتماعيــة والبيئية بإشراكهم في مراحل التخطيط.
وكل ذلك مدعوم بالأدلة التخطيطية الصادرة من وزارة الشؤون البلديـة والقرويـة والتـي جميعهـا تسـاهم فـي مزيـد مـن التثقيـف بسياسـات التنميـة والتخطـيط لمزيـد مـن المشـاركة فـي اتخـاذ القـرار التخطيطـي التنمويـة والدعم والتنسيق الشامل وحشد الموارد للاستفادة من الإمكانات و الموارد المتاحة لانجـاز المشـاريع التنمويـة ومواجهة القضايا الوطنية ومنها قضية المسكن.
ونخلـص ممــا ســبق إلــى أن المملكــة العربيــة الســعودية لا يعوزهــا سياســات وقــرارات منظمــة لعمليــة تنميــة الإسـكان وتيسـير المسـكن لمسـتحقيه مـن المـواطنين بكافـة شـرائحهم، ولكـن المطلـوب فـي الفتـرة المقبلـة هـو تحديــد الأطــر والآليــات التفصــيلية لتنفيــذ تلــك السياســات علــى أرض الواقــع فتتحقــق المبــادئ والمعــايير المنشـودة للتنميــة الإســكانية وتلبــي الاحتياجـات الحاليــة والمســتقبلية مــن الإسـكان بــالكم والنوعيــة القياســية المطلوبة. ويمكننا طرح عـدد مـن التوصـيات التـي ستسـاهم فـي تحقيـق الأهـداف المنشـودة لقطـاع الإسـكان بالمملكة :
- إيجـاد قاعـدة معلومـات شـاملة توضـح الجهـات المعنيـة بالإسـكان بالمملكـة العربيـة السـعودية ومـا تـم انجازه وما يتطلب في المستقبل والتثقيف بذلك.
- قياس وتقييم ما تم انجازه من عمل في قضية الإسكان وفق ما أشارت إليه الخطط الخمسـية التنمويـة بالمملكة العربية السعودية من سياسات وبرامج.
- التثقيـف بعمليـة التخطـيط للتنميـة العمرانيـ ة ومسـتوياته أبعادو ا اهـ كآليـة هامـة لتحقيـق أهـداف التنميــة الوطنية ومنها توفير المسكن للمواطن .
- عدم إغفال مبادئ ومعايير التنمية العمرانيـة و الإسـكانية الشـاملة فـي مراحـل التخطـيط لتـوفير المسـكن كون المسكن جزء من مكونات المكان المراد تخطيطها .
- عدم التعامل عند تخطيط المسـكن علـى أنـه جـزء منفصـل عـن العناصـر والمكونـات الأخـرى بالمدينـة حيث أنه جزء يؤثر ويتأثر بالخدمات والعناصر الأخرى الخدمية والإنتاجية .
- توجيـه المشـاريع الإسـكانية إلـى المـدن الصـغيرة و المتوسـطة، كآليـة لإنجـاح سياسـات التنميـة والوطنيـة المتوازنـة وتزيـدها بالخـدمات الشـاملة لتخفيـف الضـغط علـى المـدن الرئيسـة و إعطـاء المسـتثمرين مـن القطاع الخاص التسهيلات للمشاركة في ذلك .
- مراجعة سياسات التخطيط للتنمية العمرانية بشكل دوري ومنها سياسات استعمالات الأ راضي السكنية وتطويرها حسب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية للسكان .
- الاسـتعانة بالأ دلـة التخطيطيـة الصـادرة مـن وزارة الشـؤون البلديـة والقرويـة ومنهـا دليـل تخطـيط مراكـز الأحياء والمجاورات السكنية وغيره .
- وضع خطة شاملة لتعاون جميع القطاعات مع الهيئة العامة للإسكان لإنجاح مهامها.
- تشــجيع مشــاركة المــواطن والمؤسســات الخاصــة بطــرح الآراء والأفكــار مــن خــلال الحــوار المســتمر ٕ بجميع القضايا التنموية ومنها قضية الإسكان وحثهم على لعب دور أكثر فعالية و إيجابيـة فـي تحقيـق الأهداف المنشودة.
- تفعيـل دور الجمعيـات المهنيـة ذات العلاقـة بعمليـة التنميـة الإسـكانية مثـل مجـالات العمـارة و التخطـيط العمرانـي ٕ والتنمية العقارية وإدارة المشروعات الإسكانية والإنشاء والإدارة وغيرهم.
- تشجيع الجامعات لعمل المزيد من الأبحاث ذات العلاقة بمجال الإسكان.
- تفعيل القرارات الصادرة والخاصة بعمل إستراتيجية بعيدة المدى لعلاج قضايا الإسكان، وعمـل قاعـدة معلومــات متكاملــة توضــح جهــود القطاعــات المختلفــة فــي مجــال الإســكان ورصــد مــا تــم منحــه مــن أراضي و التي يمكن منحها داخل وخارج النطاق العمراني.
- الاهتمـام بتـوفير أراضـي سـكنية داخـل النطـاق العمرانـي للمـدن الكبيـرة، مـع تطـوير المنـاطق المجـاورة لها، والعمل على مراجعة استعمالات الأراضي ووظائفها بصورة دورية من أجل توفير مساحات أكبر للأغـراض السـكنية، وتشـجيع التوجـه نحـو التوسـع العمرانـي الرأسـي، وترشـيد المسـاحات المخصصـة للأغراض التجارية.
- دراسة سبل تخفيض تكلفة تنمية مشـروعات الإ ن اسـك علـى المراحـل المختلفـة لعمليـة التنميـة بـدءاً مـن تخطيط المدينة ثم الحي و التصميم المباني والوحدات السكنية ثم مراحل التشييد والتشغيل والصيانة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق