جيولوجيا مصر ونهر النيل 1
د. نزيه سليمان
مصر: هي ذلك الجزء المهم والحساس بين مشرق الأرض ومغربها، تتوسط قارات العالم القديم شامخة بموقعها الفريد والممتاز، تمتد من الجنوب إلى الشمال بانحدار واضح هيئ لنهر النيل ظروف مناسبة للانحدار شمالا حتى مصبه في البحر المتوسط.
و مصر عبارة عن جزء من الكتلة العربية النوبية و التي بدورها تمثل جزءاً من قارة جندوانا الأركية القديمة، وجزء من بحر التثيز الذي يعد البحر المتوسط أخر بقاياه، ويعد بحر التثيز الجزء الموجب في تكوين أطراف مصر الشمالية، فكلما تقدم خطوة ناحية الجنوب (ناحية جندوانا) تراجع خطوتين إلى الوراء تاركا رواسبه لتشكل جزءاً جديد من الأراضي المصرية، وقد كان النمو الجيولوجي للأراضي المصرية نتاجاً للعلاقة بين الأساس الأركى القديم – الثابت أو المستقر نسبياً – والبحر قديم التاريخ الجيولوجي – غير المستقر، إلى جانب ذلك فإنه رغم ما تميزت به الأراضي المصرية من ثبات نسبى طوال تاريخها إلا أنها لم تسلم في كثير من الأحيان من التأثر بالحركات التكتونية، خاصة في هوامشها الشرقية والشمالية، فإلى الشرق يعد صدع البحر الأحمر وتوابعه من الصدوع الممتدة في اتجاهات مختلفة خاصة بسيناء والصحراء الشرقية أوضح أمثلة لعمليات التصدع التي تعرضت لها أرض مصر، كما تعد الطيات القبابية أمثلة للتأثر بعمليات الطي والتي نتجت كرد فعل لحركات أرضية قادمة من الشمال الشرقي خلال عصر الميوسين، ولعلنا نجد فيها ما يتبعثر من بقع لافية فوق أرض مصر دليلاً على حدوث حركات بركنه وتداخلات نارية خلال فترات تاريخية مختلفة .
ولمتابعة تطور مصر الجيولوجي لابد من تتبع هذا التطور خلال العصور الجيولوجية المختلفة كالآتي:
1- تكوينات الزمن الأركي: تظهر الصخور الأركية في مساحة مائة ألف كيلومتر مربع أي ما يقارب 10% من مساحة مصر، وهي الأساس القاعدي الذي ترتكز عليه كل الصخور الرسوبية التي تكونت في العصور الجيولوجية المتكونة في العصور اللاحقة، وتمثل هذه التكوينات الأركية مناطق مصر الأشد وعورة بسبب ما تعرضت له من حركات أرضية شديدة من تصدعات وتداخلات نارية أو تحول إقليمي Regional metamorphism، وتنتشر التكوينات الأركيه في معظم وحدات الجيومورفولوجية في مصر .
الخصائص الجيولوجية للتكوينات الأركيه في مصر:
هي عبارة عن خليط معقد من أنواع مختلفة ومتباينة في الخصائص من صخور نارية أو متحولة غالباً ما تكون من أصل ناري، ومن أهم هذه الصخور الشست و النايس والجرانيت والجرانوديويت، وغيرها مما تعرض خلال التاريخ الجيولوجي لضغوط شديدة واندفاعات وتداخلات نارية والتواءات عنيفة أدت إلى شدة تعقيدها وتضرسها بالصورة التي نجدها عليها الآن (شكل رقم 1).
2- تكوينات الزمن الجيولوجي الأول: لم تكتشف أي تكوينات في مصر ترجع إلى العصور الجيولوجية الأربعة الأوائل من هذا الزمن ويرجع ذلك إلى عدة احتمالات كالآتي:
أ- تكون هذه التكوينات موجودة تحت تكوينات أحدث.
ب- أزيلت هذه التكوينات بفعل عوامل التعرية.
ت- كانت أرض مصر خلال عصور الكمبرى والأردوفيشى والسيلورى أرضا مرتفعة و لم تتعرض لأي طغيان مائي.
أما العصر الخامس من الزمن الأول وهو العصر الفحمي فتوجد في مواضع ثلاثة داخل الصحاري المصرية في مناطق .
1- أم بجمة غربي شبه جزيرة سيناء وتوجد في صورة طبقتين من الصخور الرملية تفصلهما طبقة من الحجر الجيري سمكها جميعاً 320 متراً، العليا سمكها 150 متراً والسفلى سمكها 130 مترا، بينما يبلغ سمك الطبقة الجيرية الوسطى 40 متراً.
2- في وادي عربة والجوانب الشرقية لهضبة الجلالة الشمالية (البحرية) وهى عبارة عن طبقة من الحجر الجيري تحتوى على حفريات لنباتات كربونية وتتخلل طبقات من الحجر الرملي والمارل.
3- في العوينات جنوب غرب الصحراء الغربية حيث وجدت صخور رملية تحتوى على نباتات من العصر الكربوني، مما يعطى احتمال وجود تكوينات العصر الفحمي أو الكربوني مختبئة تحت تكوينات الحجر الرملي الكريتاسي.
والواقع أن الصورة التوزيعية للتكوينات الفحمية تثير الاهتمام وتضع علامة استفهام أمام الباحثين، في عدة احتمالات.
1- أنها تدل على أن البحر الجيولوجي القديم قد وصل إلى الأجزاء الجنوبية من الأراضي المصرية و ربما يكون مغطياً لها تغطية كاملة وأن ما يوجد من رواسب كربونية في الوقت الحاضر ما هي إلا البقية المتبقية بعد تعرض السطح عند انحسار البحر لعمليات التعرية ومرور أكثر من دورة جيولوجية عليه.
2- ربما أيضا تكون رواسب البحر الكربوني مازالت قابعة كما ذكرنا تحت الرواسب تلك العصور اللاحقة.
3- أو ربما كانت صورة الغمر البحري الكربوني عبارة عن غمر هامشي شمالي اقتصر على أطراف مصر الشمالية حتى الجلالة البحرية مع امتداد أحد الخلجان الطولية متغلغلاً في الأراضي المصرية، والتي كانت أصلاً مرتفعة حتى ذلك العصر الموغل في القدم – باتجاه الجنوب الغربي.
وبانتهاء العصر الكربوني لم تتعرض أرض مصر لأية عمليات غمر بحرية طوال العصر البرمى وذلك بسبب استمرار ارتفاع منسوبها حقبة زمنية طويلة شغلت ما تبقى من الزمن الأول وفترة طويلة من الزمن الثاني.
3- تكوينات الزمن الجيولوجي الثاني: كم أشرنا سابقا إلى أن مصر لم تتعرض إلا لحركات غمر هامشي في نهاية الزمن الجيولوجي الأول وبداية الزمن الجيولوجي الثاني، فلم تتعرض مصر في العصرين الأولين من الزمن الجيولوجي الثاني (الترياسى والجوراسى) إلا لحركات غمر هامشي لم تتعدى الحد الشمالي لهضبة الجلالة البحرية، فتظهر تكوينات العصر الترياسي في مناطق محدودة أهمها جبل عرايف الناقة شمال شرق شبه جزيرة سيناء، أما تكوينات العصر الجوراسي فتظهر في مناطق أكثر كثيرا من سابقة مثل جبل المغارة وجبل المنشرح في سيناء، ومساحات صغيرة في الشمال الشرقي من هضبة الجلالة البحرية (خشم الجلالة) والجنوب الشرقي من نفس الهضبة، أما العصر الجيولوجي الثالث من هذا الزمن (الكريتاسي) فيغطي مساحة كبيرة من مصر حيث يظهر منها فوق السطح مساحة 410 ألف كيلومتر مربع وتختفي تحت التكوينات الأحدث مساحة 500 ألف كيلومتر مربع، مما يبرهن على أن تكوينات العصر الكريتاسي تمثل الأساس الذي بنيت عليه ارض مصر (وهذا ما توصل إليه العلم إلى الآن) (شكل 2)
الطبقات المهمة في العصر الكريتاسي.
أ- الخرسان النوبي:
صخور رملية متلاحمة بالأكسيد أو السليكات أو الكالسيت، وطبقاتها السفلى ترجع إلى ما قبل هذا العصر، بينما تكونت طبقاته العليا خلاله، وهي عبارة عن صخور ضعيفة يمكن تفتيتها إلى حبيبات رملية ناعمة أو خشنة متعددة الألوان بسب احتوائها على أكاسيد متعددة، وكثيرا ما تقطعها الجدد والقواطع البركانية بسبب حدوث البراكين في عصور لاحقة، وتتميز الصخور النوبية بمسامية عاليه تساعدها على الاحتفاظ بالمياه الجوفية في باطنها، وساعدها على ذلك امتداد الأساس الأركي الغير مسامي تحتها، وتشغل مساحة الصخور الخراسانية النوبية حوالي 28% من جملة مساحة مصر موزعه في الصحراوان الشرقية والغربية وشبة جزية سيناء.
ب- التكوينات الطباشيرية:
ترجع التكوينات الطباشيرية إلى العصر الكريتاسي الأعلى، وتتكون من طبقات جيرية وطباشيرية وصلصالية، وتتميز بغناها بالحيوانات البحرية الكبيرة، وقد ترسبت هذه التكوينات الطباشيرية في قاع بحر عميق يصل عمقه إلى حوالي 500م وهذا ما يدل عليه سُمك هذه الطبقة، وكان هذا البحر متعمقا داخل الأراضي المصرية حتى ربما انه قد غطى هضبة الجلف الكبير.
- أماكن وجود التكوينات الطباشيرية في مصر.
أ- في الصحراء الغربية:
توجد في شكل نطاق صخري في وسط الصحراء الغربية، بين منخفضي الداخلة والبحرية، وممتد على طول الحافة الشرقية لمنخفض الخارجة، ويظهر في منطقة هضبة أبو طرطور، وعلى طول الحافة الشمالية لمنخفض الداخلة، كما توجد في منخفضي الفرافره والبحرية، وفي منطقة أبورواش.
ب- في الصحراء الشرقية:
توجد في مواضع بشرقي ثنية قنا وفيما بين سفاحة والقصير خاصة في سلسلة "جبل ضوى" إلى الغرب والشمال الغربي من القصير، و في منطقة "جبل عطشان" و"جبل حمادات" جنوبي غرب القصير بنحو10كم.
جـ - في شبة جزيرة سيناء:
توجد في أجزاء من هضبة التيه وسط سيناء.
4- تكوينات الزمن الجيولوجي الثالث:
أ- تكوينات الأيوسين:
تتكون تكوينات العصر الأيوسين في مصر من الحجر الجيري، ويبلغ سمكها 700م مما يدل على عمق بحر الأيوسين في مصر،وتتميز باحتوائها على العديد من الحفريات وبوضعها في شكل طبقات تميل شمالاً باتجاه الانحدار العام لسطح مصر، وارتكازها على طبقات الطباشير الكريتاسي في الجنوب ووجودها تحت طبقات الجر الجيري الميوسينى في الشمال، وفى الغالب يزداد سمكها بالاتجاه نحو الشمال، وقد تظهر أسفلها تكوينات من راقات طين إسنا التي تعود إلى مرحلة ترسيب انتقالية تعرف بالباليوسين، وقد تكونت طبقات الحجر الجيري في مصر خلال عصر الأيوسين في ثلاث مراحل وهي:
أ- صخور الأيوسين الأسفل: وهي صخور متجانسة من الحجر الجيري والمارل وطبقات من الشرت.
ب- صخور الأيوسين الأوسط: وتتكون أيضا من الحجر الجيري والمارال والشرت و تتميز بوجود حفريات قروش الملائكة وهى أقل انتشاراً من صخور الإيوسين الأسفل حيث تختفي إلى الجنوب من خط عرض 30َ 26ْ.
جـ- صخور الأيوسين الأعلى: وهي طبقات من الحجر الجيري بني اللون تعرف بطبقات المقطم العلوي، ويدل لونها وخصائصها الجيولوجية على سرعة تراجع البحر شمالا بسرعة خلال هذا العصر، منحصراً عن اليابس.
وتوجد تكوينات الأيوسين في مصر في مساحة 20% من جملة مساحة مصر(شكل 3)كالتالي:
أ- في الصحراء الغربية:
توجد في مساحة واسعة من دائرة عرض 29 شمالاً وممتدة جنوبنا حتى حدودنا مع دولة السودان الشقيقة، بين وادي النيل شرقاً ومنخفض الخارجة غرباً، وتوجد في الوسط بامتداد ناحية الغرب حتى خط طول 25 شرقاً.
ب- في الصحراء الشرقية:
في هضبة المعاذة بين وادي قنا في الشرق ووادي النيل غرباً وفيما بين ثنية قنا جنوباً ووادي الطميلات في الشمال.
جـ- في شبة جزيرة سيناء:
في مساحات واسعة من هضبة العجمة، يصل سمكها عند الحافة الجنوبية للهضبة 240 متراً، وتعد صخور الإيوسين الأسفل أكثر أنواع الصخور الإيوسينية انتشاراً، وذلك في هضبتي العجمة والتيه، وتظهر كذلك في مناطق القباب الشمالية وفى منطقة أبو زنيمة غرب سيناء وغيرها من المناطق الأخرى بشبه الجزيرة.
وبوجه عام تطل صخور الحجر الجيري الإيوسينى على جانبا وادي النيل من ثنية قنا حتى القاهرة – بحافات مرتفعة تحدد الوادي من الجانبين، و تقطعها بعض الأودية الصحراوية المتجهة نحو النيل خاصة بالصحراء الشرقية، وتبدو كذلك كحوائط تحيط بالمنخفضات الصحراوية وتنحدر نحو قيعانها بانحدارات شديدة فئ أغلب الحالات.
ب- تكوينات الأوليجوسين في مصر:
تشغل تكوينات عصر الأوليجوسين في مصر مساحه صغيرة (حوالي 20.000 كم2) وتظهر في الصحراء الغربية، كما تظهر كبقع متقطعة على طول الطريق الصحراوي بين القاهرة والسويس.
و تنقسم تكوينات الأوليجوسين في مصر إلى صخور رسوبية وصخور طفحية بازلتية لكل منها خصائصها ومناطق توزيعها.
1- الصخور الرسوبية: تظهر فوق السطح في نطاق يمتد من شمال غرب الفيوم حتى واحة "مغرة" في الطرف الشمالي الشرقي من منخفض القطارة، وتتكون من صخور رملية و حجر جيري ومارل وفتتات من الصوان وحصى وحصباء وغيرها من الصخور وتتميز باحتوائها على بقايا حفريات فقارية مثل التماسيح والسلحفاة وفرس النهر، يدل وجودها بهذه الصورة على حدوث عمليات ترسيب فى منطقة سهل دلتاوى للنهر الذي افترض وجوده الألماني بلانكنهورن وأطلق عليه اسم Ur Nil (النيل القديم)، وتتبع تطوره خلال عصر الأوليجوسين وما بعدها حين انتقل إلى مصبه قرب منخفض النطرون، ونظرا لعدم وجود مفتتات أو صخور من أصل نارى أو متحول فمعنى ذلك أن النهر المحتمل لم يكن له منبع بجبال البحر الأحمر حيث إن معظم التكوينات مشتقة من صخور الحجر الرملى النوبي .
2- الصخور الطفحية البازلتية: وهي عبارة عن طفوح بازلتية بمنطقة جبل قطرانى وفى القواطع والطفوح البازلتية المكشوفة إلى الجنوب الغربي من منخفض الواحات البحرية وفى النوبة المصرية، وفى مساحات متفرقة من هضبة الجلف الكبير.
جـ- تكوينات عصر الميوسين في مصر:
تغطي التكوينات الميوسينية حوالي 11% من جملة مساحة مصر (113.000 كم2).
أماكن وجود تكوينات عصر الميوسين: توجد في عدة مناطق في شكل الحجر الجيري الصلب، مثل هضبة مارماريكا، وجبل خشب بالصحراء الغربية، و مناطق متفرقة على طريق القاهرة السويس الصحراوي، وعلى جانبي خليج السويس، و في المنطقة القريبة من وادى حمراوين توجد منطقة من تكوينات الجبس ترجع لعصر الميوسين يبلغ طولها 7.5كم وأعرضها 3.5كم، فى شكل قمم مرتفعة وسط رواسب الشاطئ، ويرجع ارتفاع التلال الجبسية إلى قدرة الجبس على مقاومة عمليات التعرية بدرجة تفوق قدرة الحجر الجيرى على المقاومة، كذلك تظهر تكوينات الجبس في القطاع من الساحل الممتد ما بين القصير ورأس بناس كتلال مخروطية معزولة، و مجموعة المارل والجير المترسبة في مواضع المياه الأسنة، فتظهر قرب وادى غدير جنوب القصير بنحو 40كم.
و بالنسبة لمجموعة الميوسين الأعلى فهي تشبه المجموعة السابقة يمكن تتبعها في أجزاء من الساحل وتتكون من الجر الرملى المحبب عند القاع بسمك 30 متراً تليه إلى أعلى تكوينات من الرمال والحجر الرملى الجيرى تظهر بها حفريات وحصر ودماليك، ومن مناطقها جبل حمرة ووادي عجلى، والمنطقة الساحلية ما بين القصير ووادي عسل، وفي وادى شرم القبلي ووادي وزه ووادي وعرة، وكذلك قرب بئر أبو غصن في الجنوب.
وبشكل عام يمكن إجمال ما حدث في عصر الميوسين كالتالي:
إذا كان بحر تثيز القديم قد طغى فى أوائل وأواسط الميوسين، فإن أواخر الميوسين قد شهدت فيه الأراضي المصرية ارتفاعاً تكتونيا ارتبط بنشاط من التصدع والالتواء خاصة فى الجوانب الشرقية من مصر مما أدى إلى انحسار الخليج الميوسينى وظهور برزخ السويس وانحسار بحر تثيز شمالاً بعد ارتفاع سطح مصر في نهاية هذا العصر وبدأ النيل الوليد يشكل مجراه بصورة أوضح.
د- تكوينات عصر البلايوسين في مصر:
آخر مراحل الغمر البحري في الزمن الثالث، وتكويناته تغطي مساحة صغيرة من مصر حوالي 7.000 كم2 ونتج عن هذا العصر تلك الرواسب التي تظهر على جانبي نهر النيل، وقد تحول وادى النيل خلال هذا العصر إلى خليج ترسبت على جوانبه ترسبات من الدماليك والحصى والرمال مختلفة بتكوينات بحرية فى الشمال، وقد شق نهر النيل مجراه بعد انحساره البحر أواخر البلايوسين وتشكلت مجموعة المدرجات التي تظهر الآن على هوامش السهل الفيضي للنيل في شكل تلال ورقع رسوبية متقطعة.
ومن رواسب هذا العصر أيضا الرواسب الدلتاوية الرملية بمنخفض النطرون وهى ذات أصل نهرى يدل على ذلك ما بها من بقايا لحيوانات فقارية، ومن الصخور البلايوسينية أيضا رواسب منطقة الطوفا بمنخفض القطارة، والرواسب الرقيقة التي تغطى أجزاء من سطح هضبة مارماريكا، وهضبة السلوم، وكذلك الرواسب الحصوية المنتشرة على جانبى الطريق الصحراوي ما بين القاهرة والسويس، وعلى ساحل البحر الأحمر في منطقة السهل الساحلى في الشواطئ المرتفعة والشعاب المرجانية التي تمتد على طول الساحل في مناطق معينة في شكل مدرجات مرتفعة مثل تلك الموجودة جنوب وادى مبارك ووادي شونى.
هـ - تكوينات الزمن الرابع في مصر:
يعد البلايستوسين الزمن الرابع، وهو أقصر الأزمنة الجيولوجية عمرا (حوالي مليون عام)، ورغم ذلك فقد ترك بصمة واضحة في تشكيل سطح مصر، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب وهي:
1- هو أخر العصور الجيولوجية التي مرت على الأرض ولذلك تبرز أهميته لدارسي الجغرافيا.
2- تغطي تكويناته مساحه كبيرة من ارض مصر (حوالي 165.000كم2).
أنواع الرواسب البلايستوسينية:
1- الرواسب القارية: وتنقسم إلى:
أ- رواسب هوائية: تتمثل في الرواسب الرملية وتعد أكثر رواسب هذا الزمن انتشارا، مثل بحر الرمال العظيم.
ب- رواسب مائية: تتمثل في الرواسب البحرية الطينية، تظهر فى بقاع منتشرة فى صحارى مصر خاصة بالهضبة الجنوبية مثلماً الحال قرب بئر طرفاوى وبئر صحراء.
2- الرواسب البحرية: وتتمثل في شكل سبخات ساحلية تتاخم خط الشاطئ البحري وكذلك في رواسب التلال الجيرية البويضية بالساحل الشمالي بالصحراء الغربية، وتظهر كذلك على ساحل البحر الأحمر وساحل خليج السويس.
وجدير بالذكر أن مصر تعرضت لحركات أرضية باطنية ساعدت على تشكيل سطحها، مثل الالتواءت والانكسارات، الناتجة عن الحركات الباطنية للأرض من زلازل وبراكين.
وبذلك يمكن طرح سؤال مهم وهو هل كانت مصر هبة النيل فقط؟؟ كما زعم هيرودوت؟؟؟ أم هبة النيل والمصرين كما زعم البعض؟؟ أم هي هبة للجيولوجيا والجغرافيا قبل ذلك؟؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد أن نعرف كيف نشأ نهر النيل لتضح الصورة التكوينية لمصر أكثر فأكثر.
نهر النيل
مولد نهر:
افترض البعض وجود نهر اسبق لنهر النيل أو جد له في الصحراء الغربية، ولكن هذا الفرض يحتاج إلى أدلة لتثبت صحته، إلى جانب بعد منبعه عن النيل الحالي ب 100 كم وقد ناقش العلماء هذا الفرض واثبتوا عدم صحته جيولوجيا .
ونهر النيل نهر نشأ في عصر الميوسين على الأرجح، أو على اقل تقدير في العصر التالي البليوسين على أقل تقدير، ويدل على ذلك الأتي:
1- عثر على رواسب بليوسينية في قاع وعلى جانبي الوادي ما بين القاهرة والفشن (جنوب محافظة بني سويف) .
2- وجدت بقايا وحفريات بليوسينية مبعثرة بين أسيوط وإسنا، وترجع تلك البقايا إلى مياه نهرية عذبة.
ففي أوائل عصر البليوسين ارتفع منسوب مياه بحر تثيز 180م فوق مستوى البحر فغمرت مياهه واحتلت أرض مصر في المناطق والخطوط المنخفضة، فتكون ذلك الخليج البليوسيني الذي ترسبت على جوانبه وفي قاعه البقايا البليوسينية، وفي أواخر العصر البليوسيني انخفض البحر وارتفع اليابس فانحسر البحر تاركاً رواسبه تغطي وادي النيل مم يبرهن على وجود النهر في هذا العصر أصلا إن لم يكن موجود أصلا من عصر الميوسين.
ويفترض العلماء إن نهر النيل كان موجود في مصر منذ أواخر عصر الميوسين، وكان له عدة فروع اصغر تصرف مياهه في بحر التثيز القديم، قبل تكوين الدلتا، وبنهاية الميوسين حدثت عملية رفع في الهضبة المصرية جعلت الأرض تميل ناحية الشمال مما زاد من عملية التعرية النهرية، مما جعل النهر يحفر مجراه ويعمقه بضعة أمتار، وكان هذا النهر نهر محليا خالصا، منفصلا عن انهار الحبشة تغذيه منابع في جبال البحر الأحمر، ولكن لماذا اتخذ نهر النيل مجراه الحالي؟؟ اتخذ نهر النيل مجراه الحالي لأنه المكان المنخفض بين الصحراوان، وانخفض هذا المكان بسبب حركات التوائية ثم انكسارات حدثت في العصر الميوسيني، وبنفس الطريقة نشأت الدلتا المصرية المرتبطة بالحركات الانكسارية في شبه جزيرة سيناء وخليج السويس.
أما عن اتصال النهر بمنابعه العليا فقد حدث في عصر البليوسين بعد غزو مياه بحر تثيز للأرضي المصرية المنخفضة آن ذاك، واحتلال نصف النهر على اقرب تقدير، وبعملية نحت تراجعي ضمن للنهر اتصاله بمنابعه الجديد في الحبشة.
وبهذا وعلى كل الأحوال فإن النيل لا يدين بمنبعه إلى الحبشة ولا إلى غيرها، ولكن يدين لظروف جيولوجية مصرية خالصة، أنشأت هذا النهر العظيم الذي غذى أرض مصر بالخير الوفير ومنح أهلها القدماء الاستقرار وقامت على ضفافه الحضارة التي يدين لها العالم بأثره، وبذلك يصبح نهر النيل نفسه هبه للجيولوجيا، والجغرافيا الطبيعية لمصر، او بمعنى أخر (مصر هبة الجيولوجيا والجغرافيا ثم النيل والمصريين).
والآن كيف تم بناء الوادي والدلتا؟؟ وهل تختلف تركيبة كل منهما؟؟ وكيف هذا إن وجد؟؟؟ وما هي مركبات كل منهما؟؟
بنـاء الوادي:
إذا كان النيل قد بدأ قديماً في أواخر عصر الميوسين، أو في عصر البليوسين على أقل تقدير، فمتى بنا واديه؟؟ وكيف تكون هذا الوادي؟؟ إن رواسب الخليج البليوسيني الذي غُمر كلياً بعد ارتفاع منسوب مياه بحر التثيز إلى 180م فوق مستوى سطح البحر، في عصر البليوسين، هو الأساس المشترك بين الوادي والدلتا، وهي البطانة الأولى التي تبطن قاع الوادي المصري كله، وتستقر طبقة الرواسب البليوسينية في الوادي مباشرةً على قاعدة أيوسينية، بخلاف الدلتا التي تستقر الرواسب البليوسينية على قاعدة ميوسينية، وللتبع الأستيراتيجرافي للطبقات في الوادي نجدها كالتالي:
أيوسيني – لاميوسيني- بليوسيني- فبلايستوسين.
وتتم عملية البناء أفقيا ناحية الجانبين وربما ناحية الارتفاع قليلا.
مكونات بنية الوادي:
هناك ثلاث تكوينات أساسيه وهي :
رواسب أسفل الدلتا
الطمي القديم
الطمي الحديث
وهذه التكوينات الثلاثة هي المكونة لأرض الدلتا أيضا.
ويعطي (فوتر) تصويرا للطبقات السائدة في مصر من خلال شرائح وتكوينات كالآتي :
الشريحة وسمكها التكوين
من صفر إلى 5م طين صلب يتراوح إلى طين رملي
من 5م إلى 10م طين رملي
من 10م إلى 15م رمل طيني
من 15 إلى 20م رمل غني بالميكا
من 20 م إلى 25م حصباء
من 25م إلى 30م طبقة سفلى من الطين عادة
من 30م إلى 40م رمل خشن وحصباء غليظة
بناء الدلتا:
تستقر الرواسب البليوسينية في الدلتا على قاعدة ميوسينية، وللتبع الأستيراتيجرافي للطبقات في الدلتا نجدها كالتالي:
أيوسين-ميوسين- فبليوسين- فبلايستوسين.
وكان نمو الدلتا يتم في صورة خطوط وألسنه طويلة ومتراصة من الشطوط والرواسب على محاور طولية متشععه داخل الخليج وفي قلبه، ثم أخذت رواسب الفروع تغلق وتملا الفجوات بين هذه الشطوط والألسنة لتشكل على مر العصور الدلتا الحالية، وكان تقدم الدلتا ونموها يتم بصورة كبيرة في الجنوب ويتبطاء شمالا كلما اقتربنا من البحر، وعدما دخل مينا الدلتا محاربا ومنتصرا وموحدا للمكلتين كان منسوب الدلتا اقل من الآن بنحو 5 م ولذلك وجد بها كثير من جزر والمستنقعات.
والآن ما هي التطورات التاريخية التي مرت بالنهر؟؟؟
بعد ظهور الآنسات الأول في مصر، حدثت بعض التغيرات في مجرى نهر النيل، كتحول طبيعي من مرحلة الشباب إلى مرحلة النضج، والتغيرات التي تتعرض لها الأنهار بشكل عام إما تغيرات مستمرة أو دورية أو تغيرات مرحلية وقتية، وقد عرف نهر النيل في فترات التاريخ البشري بعض التغيرات سواء في مجراه، أو مستواه أفقيا أو رأسياً، أو في منسوب مياهه.
وقد بدأ النهر يتحول من مرحلة الشباب إلى مرحلة النضج بتعميق مجراه، ومن الاندفاع الاعتدال والتهذيب، وبصورة إقليمية كانت تغيرات التي طرأت على نهر النيل تزداد كلما انحدرنا مع التيار شمالاً، فالتغيرات في الوادي اقل منها في الدلتا، بل والتغيرات في جنوب الدلتا أقل من شمالها.
والتحولات التي شهدها نهر النيل كانت تحولات عكسية بين الجنوب والشمال، فبينما كان النهر يرفع مستوى قاعه وواديه في الجنوب كان في الشمال باتجاه عكسي يهبط وينحط مستواه.
ويمكن إجمال التغيرات المحلية التي حدثت لنهر النيل في سبع تغيرات رئيسيه هي:
1- ارتفاع مستوى الوادي
منذ اتصال النيل المصري بالنيل الحبشي والغرين يتدفق مع الماء ويترسب في قاع النهر ليرفع مستوى القاع والوادي، ومعدل ارتفاع قاع النهر حوالي 12 سم كل قرن و 1.03 ملليمتر كل عام ، وبذلك تكون الأراضي المصرية قد ذاد سمكها و ارتفاع منسوبها حوالي 5م على مدار التاريخ المصري.
2- انكماش بحيرة الفيوم
بحيرة الفيوم (مي – وير) وهذا هو الاسم الفرعوني للبحيرة بحيرة اختلف في اتساعها وارتفاع منسوبها في عصور ما قبل التاريخ، أما في المرحلة التاريخية في مرحلة انخفاض وهبوط عام في مستوى سطح البحيرة، ويدل على ذلك المدرجات المحيطة بالبحيرة والتي كانت يوما ما شواطئً لها في مراحل انكماشها، والمسألة أساسا تكمن في طمي بحر اليوسف وضيق مجراه والعجز عن تطهير مجراه في بعض الأحيان وزيادة منسوب البخر وقلت المياه القادمة لبحر اليوسف، وبتتبع مقياس البحيرة نجد أن منسوب المياه في ما قبيل التاريخ ما بين +25م و +22م وفي الدولة القديمة كان منسوبها +21م + 20م وفي الدولة الوسطى دخلت البحيرة ضمن مشروع الري المصري واستخدمت لتخزين المياه الزائدة عن طريق بحر اليوسف، وتم التحكم في مستوى البحيرة ولكن لم تشهد البحيرة انخفاض في مستواها مثل ما كان أيام البطالمة حيث وصل مستواها إلى -2م وهذا الحد لم تصل إليه البحيرة على مدى تاريخها القديم، غير هذه المرة بسبب مشروعات الإغريق الزراعية الطموحة، ومن يومها ومستوى البحيرة ما دون الصفر من مستوى البحر ففي القرن الثالث عشر الميلادي وصل مستواها إلى -30م وحاليا حوالي -45م تحت سطح البحر.
3- تغيرات المجرى الرئيسي في الوادي:
تقتصر تغيرات المجرى الرئيسي في العصور التاريخية على عمليتي التعرية والإرساب، فيما بينا الضفتين وتقل كلما اتجهنا جنوباً، ولذلك نجد أهم التغيرات النهرية تقع بداية من ثنية قنا ثم شمالاً إلى نهاية النهر، وتتمثل تغيرات النهر لمجراه في نحت جزء من الضفة وإرسابه في الضفة المقابلة أو نقل جزيرة وبناء جزيرة أخرى، وبذلك تكون العملية من نحت وتعريه ونقل وإرساب متوازية ومتعادلة، إلا إذا كان النقل من جانب إلى أخرى لفترة طويلة وبذلك ينقل النهر مجراه كليا، فتختفي مدن قريبة من الشط المنحوت وتقترب مدن أخرى للنهر من نفس الشط، بينما تبتعد مدن أخرى عن النهر في الشط المقابل بفعل الترسيب، وقد حدث هذا بالفعل على ما يبدوا في صعيد مصر لأكثر من مرة، فالرحالة الإغريق والرومان الذين زاروا مصر أمثال هيرودوت وديدور، يصفون أماكن كثير من المدن على الضفتين ومكان قرب هذه المدن أو بعدها عن النهر مما يسهل عملية التعرف على مرات غير فيها النهر مجراه خلال العصر الكلاسيكي، كما غير نهر النيل مجراه إلى الغرب في العصور الإسلامية انظر (الشكل 2) .
4- تغيرات الفروع في الدلتا:
الدلتا، المكان الأكثر تغيرا عبر التاريخ المصري، تغييرات كثيرة ومعقده استمرت خلال التاريخ المصري القديم، واستمرت في العصور الكلاسيكية والعربية، فروع كثيرة انقرضت واندثرت وما تبقى منها سوى فرعي رشيد ودمياط، وللتبع هذا التطور في العصور الكلاسيكية بإيجاز، نذكر ثلاث مصادر مهمة في هذا الصدد واحده منها فقط للجغرافي، وهذه المصادر هي المؤرخ هيرودوت (القرن 5 ق.م)- المؤرخ استرابون(القرن 1ق.م) - الجغرافي بطليموس (القرن 2ق.م).
ثمة اتفاق ولو بسيط بين الثلاثة مصادر، ولكن يمكن تفاضي الاختلاف بشيء من تقريب المسميات، فقد ذكر هيرودوت 7 فروع للنيل في الدلتا، (شكل4) كما ذكر سترابو أيضا سبع فروع مع اختلاف بسيط في المسميات والموقع، أما بطليموس فهو الجغرافي الوحيد بين الثلاثة، والوحيد الذي وجدت خريطته الأصلية التي رسمها بخط يده، ولكنه ذكر تسع فروع للنيل في الدلتا وفرعا يقسم الدلتا عرضيا ويوصل بين الفروع التسع، وقد يكون هذا فرع صناعي حفر في مصر أثناء العصر الفرعوني للتسهيل عملية الري وتوصيل المياه الكل أراضي الدلتا، والتخلص من مياه الفيضان الزائدة بالاستفادة منها، وبمقارنة أسماء الفروع التي ذكراها بطليموس بما ذكره هيرودوت وسترابو نجد بعض الاتفاق، ولكي نوجز الأمر ونعرض المصادر الثلاثة ونقارنها نعتمد على الجدول التالي لمعرفة المصادر بصورة أفضل ثم مجموعة الخرائط التابعة للجدول للتوضيح :
هيرودوت - مصبه سترابو بطليموس المسمى الحالي
البيلوزي (الفرما) البيلوزي البوبسطي الشرقاوية- أبو الآخضر- فاقوس
السايسي (الجميل) التانيسي التانيسي مويس وحادوس جزئيا
المنديزي (رأس البر) المنديزي المصب المنديزي والفرع البوصيري البحر الصغير جزئيا
البوكولي (صناعي) الفاتميتي المصب الفاتنيتي
والفرع الاتريبي فرع دمياط جزئيا
السبنيتي(بوغاز البرلس) السبنيتي السبنيتي بحر شبين
البولبيتي (صناعي) البولبيتي تالي فرع رشيد جزئيا
الكانوبي (أبوقير) الكانوبي أجاثو ديمون
المصب الهرقلي بحر دياب والمحمودية
- البوتي عرضي من البيلوزي حتى الكانوبي (الهرقلي)
إذا أمعنا النظر في الجدول يتبين أن الأسماء التي ذكرها البعض على أنها فروع قد تكون مصبات لفرع أصلا من الفروع المذكورة في كافة المصادر، ولكن الشيء الغريب في الجدول ما ذكره هيرودوت عن فرعي رشيد ودمياط من أنهما صناعيين، أي قام البشر بشقهما، هل من المعقول أن ترث الفروع الصناعية هذه الشبكة الطبيعية العملاقة؟؟؟.
ومن الخرائط القادمة يتبن أن الفرع البلوزي كان يخترق البحيرات المرة ليصب في البحر الأحمر عند خليج السويس، فهل كان النيل منذ البداية نهراً متوسطا وأحمريا في نفس الوقت؟؟ .
أما في العصر العربي: فتظهر صورة الدلتا أيضا بشيء من التعقيد والاختلاف، ولكن يمكن إيجاز الصورة بعيد عن الاختلاف في أشياء مهمة، تفيد البحث أكثر فأكثر، ففي العصر العربي زار مصر مجموعه من الجغرافيين العرب، ورسموا خرائطهما التوضيحية للدلتا وذكروا عدد فروعها التي لم تتجاوز ثلاث فروع في العصر العربي تصد منهما فرعي دمياط ورشيد وبدأ الفرع الثالث في التلاشي، ومن هؤلاء الجغرافيين ابن عبد الحكم (ق9م) ابن سرابيون (ق10م) الإدريسي (ق12م)، ويمكن إجمال أراء هؤلاء الجغرافيين في الآتي:
أ- عدد الفروع لم يتعدى 3 فقط، وإن خالف ابن عبد الحكم ذلك وذكر أربع فروع.
ب- احتل فرعي رشيد ودمياط الصدارة في الشبكة المختزلة ولكنهما لم يظهرا للوجود بصورتهما الحالية إلا في القرن 10م.
ت- الفروع القديمة اختفت أو اختنقت وأصبحت تخرج من الفرعين (رشيد ودمياط) وتعود لتصب فيهما مره أخر مشكلةً مجموعه من الجزر على طول الفرعين، مثل بحر شبين.
5- هبوط ساحل وشمال الدلتا:
تعرض الساحل الشمالي للدلتا خلال العصور التاريخية للهبوط، وضياع بعض أجزائه تحت الماء، والعملية العليمة لا شك فيه فالأدلة والوثائق تثبتها إثباتاً دامغاً، لا مجال للشك فيه، وإن اختلف العلماء في أسبابها وتفسيرها، والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا الصدد كثيرة خاصة بعد ارتباط هذه الظاهرة بظاهرتين أخرتين هما نشأة البحيرات الساحلية، ونشأة البراري، بشكل يصعب معه تحديد أي الظواهر الثلاثة اسبق، ومن هذه الأسئلة متى هبط الساحل، وهل هبط اليابس أم ارتفع الماء، وما هي الأسباب هل هي طبيعية أم بشرية أم الاثنتان معاً، .....الخ.
وظاهرة الهبوط الساحلي للدلتا أدلتها كثيرة، مثل الآثار البطلمية الغارقة في الإسكندرية بالشاطبي، وآثار كوم الشقافة الغارقة تحت المياه الجوفية بالإسكندرية أيضا، وكذلك غرق جزيرة انتيرودس، التي كانت تتوسط الميناء الشرقي في العصور الكلاسيكية، ثم غمرها البحر وغرقت أسفله، والى المنطقة المجاورة لأبوقير والمصب الكانوبي ثلاث مدن غارقة تحت البحر وهي (هيراكليوم – منوتيس – كانوب) وهذه المدن كانت عامرة بالسكان في العصور الكلاسيكية، وفي وسط وشرق الدلتا بقايا كثيرة تدل على هبوط الساحل كما تعتبر بحيرة المنزلة متحف لبقايا المدن والقرى الغارقة، كما تعتبر البراري نفسها شاهداً أكيد على حدوث هذا الهبوط الساحلي.
ومما يدعم هذا الهبوط تاريخيا ما ذكره المقريزي (ق 14م) من غزو البحر لبحيرة تنس (المنزلة حاليا) وإغراق كثير من المدن الواقعة عليها، وقد اختلف العلماء إلى فريقين قال احدهم بهبوط الأرض، وقال الآخر بارتفاع مياه البحر، ولكن النظرية الأولى اعم انتشار.
6- تكوين بحيرات الدلتا:
اختلف العلماء في وقت ظهور البحيرات، وهل ظهرت بعد هبوط الساحل أم قبله، ولكن برواية المقريزي السابقة يتبين وجود البحيرات قبل هبوط الساحل الشمالي للدلتا، واختلف العلماء أيضا في أصل البحيرات هل هو بحري أم نهري أم الاثنان معا، بحيث تكونت البحيرات من فروع النيل المندثرة ثم اتصلت فيما بعد وقت هبوط الساحل بالبحر، وهذا هو الأقرب للرأي العام للعلماء.
7- نشأة البراري:
الظاهرة الأخيرة، البراري، تذكر النصوص الفرعونية ومن بعدها الرحالة اليونان على أن الدلتا كانت مركز للبرك والبراري والمستنقعات، وهذا شأن أي نهر حديث الإرساب في منطقة مثل مصبات الدلتا، واختلف العلماء في أسباب نشأت البراري، هل هو الغزو البحري (عامل طبيعي) أم إهمال البشر في تطهير وصرف هذه المناطق المنخفضة من الدلتا (عامل بشري)، وقد يكون العاملين معا، وزحفت البراري بعد تكوينها خلال عصور متلاحقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق