العلاقة بين الجريمة والنمو الاقتصادي
في
الجمهورية العربية السورية
إعداد الـطـالـب:
فيصل دندل
إشراف
الدكتور: عماد الدين مصبح
العام الدراسي 2010/2009
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إنه من يأت ربه مجرماَ فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى﴾
صدق الله العظيم طه74
الدول المستقرة كثيرة الرزق بما استحكم لهم من الملك وتوسع من النعيم واللذات واختصوا به دون غيرهم من أموال الجباية فيكثر عندهم ارتباط الخيول واستجادة الأسلحة وتعظم فيهم الأبهة الملكية ويفيض العطاء بينهم من ملوكهم اختياراً واضطراراً فيرهبون بذلك كله عدوهم
ابن خلدون
الإهــداء
إلى كل حرٍ يضع عقله من وراء عقيدته...
ويطلق عقله من أسرِ إرادته...
يفكر ليختار الذي يريد...
ولا يريد ليفرض على عقله كيف يفكر.
الإهــداء
إلى من زرع فينا حب العلم وكان ولا يزال يوصينا عليكم بالعلم…إلى من كان له من اسمه نصيب فكان حسن الأخلاق والخلق ......إلى .......
جدي حسن أطال الله في عمره
إلى من رباني فأحسن تربيتي ...فرباني على الأمانة وأوصاني بحب العمل والإخلاص والتفاني في خدمة الوطن ...إلى من استمد قوتي من سمعته العطرة . والدي حفظه الله
إلى من جنتي تحت قدميها ...إلى أغلى كواكب الدنيا إلى منارة الحب في كل أيام السنة إلى بهجة الفصول الأربعة .... إلى من جمعت كل مافي القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة .......
إلى التعزية في الحزن والرجاء في اليأس والقوة في الضعف.. ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران والدتي حفظها الله
إلى النجوم المضيئة من حولي تنير لي الطريق وتسدد خطاي من العثرة
أخواتي وإخوتي
إلى الأزهار المتفتحة والبلابل التي تغرد أعذب الألحان في أجواء العائلة....إلى أمل المستقبل (يمان ، نور ، عماد ، فائز ، سامر ، لانة ، بانة ، عبد الكريم ، سنا )
إلى جوقة الأصدقاء...إلى واحتي الغناء...إلى لفيف مد لي جسوراً وشق لي طرقاً من الأمل أمحو بها مفاهيم المستحيل إلى توائم الروح وأصدقاء الفكر.....أنا أسف أيها الأعزاء......
فكل وريقات رسالتي المتواضعة هذه لاتسع لذكر أسمائكم العطرة ....أنا فعلاً أسف
ففي القلب لكم موضع ....... أصدقائي وزملائي
ولن أنسى من لولا إيفادها لي لما استطعت أن أقوم بمتابعة تحصيلي والخروج بهذه الرسالة
إلى العين الساهرة على حماية امن الوطن والمواطن
العاملين في وزارة الداخلية وإلى ضباط وأفراد قوى الأمن الداخلي
الـمـقـدمـــــــــــــــــــــــــة
لاشك أن التغير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي من سمات المجتمعات البشرية ولكن التغيير الذي شهدته هذه المجتمعات في العقود الأخيرة فاق حدود التصور والخيال بالمقارنة مع ماعاشته الإنسانية في العصور الماضية.
وإذا كان ينتج عن التغيير الاجتماعي والاقتصادي عدد من الظواهر السلبية مثل ارتفاع الجريمة بأنواعها وما تحدثه من خلل في نظام القيم والسلوك .
نرى بالمقابل أن النمو الاقتصادي ورفع معدلاته يعتبر هدف أسمى للسياسات الاقتصادية نقدية ومالية حيث تهدف السياسات الاقتصادية لتحقيق معدلات عالية للنمو الاقتصادي، وعلى الرغم من الآثار الايجابية لعملية النمو الاقتصادي إلا أن لها العديد من الآثار الجانبية التي تغري بارتكاب الجريمة ،كما أن ثمار النمو لايمكن أن ننعم بها في مجتمع غير امن تهدده الجريمة إذ أن الجريمة تقضم نسبة كبيرة من الدخل الوطني للمجتمع ينفق في مكافحتها وضبطها والتحكم بها مما يحرم جوانب هامة في المجتمع من الاستفادة من ثمار النمو والوصول إلى التنمية بكافة أشكالها.
مشكلة البحث: تعد عملية تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية مطلبا أساسيا لكل المجتمعات، كما أن الأمن مطلب إنساني سعت وما تزال تسعى إليه المجتمعات وبذلت وتبذل في سبيل الوصول إليه الكثير من الجهود ولكن على الرغم من تلك الجهود المبذولة فإن الإحصائيات تشير إلى تزايد نسبة الإجرام واتخاذه صور وأشكال مختلفة.
إن هذا التنامي في معدلات الجريمة وراءه بكل تأكيد العديد من العوامل والأسباب التي قد يكون من ضمنها تسارع النمو السكاني والبطالة وارتفاع أو انخفاض معدل النمو الاقتصادي فالعديد من الدراسات ربطت بين الجريمة وغيرها من الظواهر الاقتصادية.
ويمكن طرح مشكلة البحث من خلال ما تفترضه نظرية النمو الاقتصادي من وجود عناصر إنتاج قوية وبنية اجتماعية متماسكة لتحقيق النتائج المأمولة في عالم تنافسي .
فما لم تكن البنية الاجتماعية للمجتمع والفرد محمية فإن الإنتاجية الاقتصادية ستكون في حدها الأدنى ، كما أن التفكير بالأمن الاجتماعي ليس مجرد جانب إنساني وحقوقي بل اقتصادي بحت.
أهمية البحث: تنطلق أهمية هذه الدراسة من كونها تعالج موضوعا حيويا على صلة وثيقة بأمن المجتمع في حاضره ومستقبله ألا وهو موضوع الجريمة ورصد العلاقة بينها وبين النمو الاقتصادي، كما أن الوقوف على عوامل الجريمة عملية مهمة في التخطيط لمكافحتها من خلال وضعها في الأولوية في البرامج والخطط المستقبلية.وتبرز أهمية البحث من خلال تسليط الضوء على الجريمة ففي ظل ارتفاع معدلاتها تهتز مصداقية المجتمع في تأمين بيئة مناسبة لنشاطاته وخاصة الاقتصادية منها حيث يصبح من الصعوبة بمكان توطين رأس المال المحلي ليسهم في عملية النمو والاستقرار وبما أن العنصر البشري هو أهم مقومات النمو الاقتصادي وبنفس الوقت هو محور الجريمة والمستهدف منها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالتالي تأتي أهمية البحث من خلال لفت الانتباه من أن النمو ومن بعده التنمية تبدأ بالناس وبتكوين قدراتهم وأن الخصوصيات الحضارية والتقاليد الخاصة بكل حضارة تعتبر دفعاً لعملية التنمية التي لا يمكن الوصول إليها دون تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية ومالم تكن نقطة الانطلاق من التركيز على العنصر البشري وحمايته وتحصينه من الجريمة وويلاتها.
منهجية البحث: فيما يتعلق بالمنهجية العلمية المتبعة في هذا البحث، فقد اعُتمد على المنهجية الوصفية التي تبدو واضحة من خلال إظهار تعاريف الجريمة والنمو الاقتصادي والعوامل التي تقف وراء الجريمة والنمو الاقتصادي وكذلك من خلال رصد أثر الجريمة ، كما تم الاعتماد على المنهج الإحصائي من خلال جمع البيانات وتحليلها في العلاقة بين الجريمة والنمو الاقتصادي.
فروض البحث:
ينطلق البحث من فرضية رئيسية وهي عدم وجود أثر للعامل الاقتصادي على الجريمة سواء من حيث أسباب الجريمة أو آثارها ويتفرع عنها الفرضيات التالية
1- لا أثر لمؤشرات النمو الاقتصادي على الجريمة.
2- ليس هناك ارتباط بين معدل الإعالة كأحد مؤشرات الفقر والجريمة.
3 – لا توجد علاقة بين ارتفاع أو انخفاض معدل النمو الاقتصادي والجريمة.
تقسيم البحث: تم تقسيم البحث إلى أربعة فصول فقد تناول الفصل الأول دراسة نظرية حول الجريمة وتعريفها وعواملها والأثر الاقتصادي للجريمة,أما الفصل الثاني فقد تم التعرف فيه على ماهية النمو الاقتصادي والعوامل المتحكمة فيه, و الفصل الثالث كان دراسة تحليلية ووصفية لواقع النمو الاقتصادي والجريمة في سورية,الفصل الرابع تم فيه الدراسة التجريبية للعلاقة بين الجريمة والنمو الاقتصادي؛ وفي الختام تم التوصل إلى نتائج ومقترحات البحث.
الدراسات السابقة:
قام(Schuller 1986) بدراسة العلاقة بين البطالة والجريمة في السويد ، باستخدام منهجين من التحليل: أولهما يتمثل في استخدام منهج بيانات السلاسل الزمنية للفترة 1988 – 1966. وثانيهما يتمثل في استخدام بيانات المقــاطع العرضية Cross – Section Data لمتوسط عامي 1975 و 1976 . بالنسبة لنتائج منهج التحليل الأول ، أشارت الدراسة إلي وجود أثر موجب للبطالة على الجريمة. أما بالنسبة لنتائج منهج التحليل الثاني ، فقد أشارات الدراسة إلي عدم معنويتها (Edmark, 2003: 3).
كما قام (Aallen 1996) بدراسة العلاقة بين البطالة وجرائم الاعتداء على الممتلكات في الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة تطبيق أساليب السلاسل الزمنية مستخدماً بيانات لمتغيرات كلية تغطي الفترة 1992 – 1959. وخلصت هذه الدراسة إلي وجود نتائج مختلطة لأثر البطالة على جرائم الاعتداء على الممتلكات ، حيث أشارت النتائج إلي الآتي: (1) وجود أثر موجب (سالب) للبطالة الحالية على كل من جرائم السطو المسلح وجرائم السلب والنهب (جرام سرقة السيارات). (2) وجود أثر سالب للبطالة في العام السابق على متغيرات جرائم الاعتداء على الممتلكات.
واستهدفت دراسة (Papps and Winkelmann 1999) اختبار العلاقة السببية بين البطالة والجريمة في هولندا ، بواسطة تطبيق نماذج الآثار الثابتة والعشوائية ، باستخدام بيانات السلاسل الزمنية المقطعية الإقليمية خلا ل الفترة من عام 1984 حتى عام 1996. وخلصت هذه الدراسة إلي وجود أثر ضئيل للبطالة على إجمالي الجرائم ، وبعض أنواع جرائم الاعتداء على الممتلكات.
واستخدمت دراسة (Raphael and Winter-Ebmer 2001) نوعين رئيسين من الجرائم: أولهما جرائم الاعتداء على الممتلكات (السرقة ، النشل ، سرقة السيارات) ، وثانيهما جرائم الاعتداء على النفس (القتل ، الاغتصاب ، السطو المسلح ، الإيذاء الجسدي) لدراسة العلاقة بين كل نوع من هذين النوعين والبطالة في الولايات المتحدة الأمريكية ، باستخدام بيانات سلاسل زمنية مقطعية. وتتمثل أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة في أن هناك علاقة طردية بين البطالة وجرائم الاعتداء على الممتلكات، بمعنى أن زيادة معدلات البطالة سوف تؤدي إلي زيادة معدلات هذه الجرائم في المجتمع الأمريكي.
واختصت دراسة (Lee 2003) باختيار العلاقة السببية بين البطالة وبعض أنواع جرائم الاعتداء على الممتلكات ، وجرائم العنف لثلاثة دول هي كوريا الجنوبية ، واستراليا ، واليابان ، بواسطة تطبيق كل من اختبارات التكامل المشترك متعدد المتغيرات المقترحة من جانب Johansen (1988) ، واختبار سببية Granger (1969) ، مستخدماً بيانات سنوية تغطي الفترة من عام 1972 حتى عام 2001. وأشارت نتائج هذه الدراسة بصفة عامة إلي وجود علاقة سببية موجبة طويلة الأجل تتجه من البطالة لدي الرجال إلي الجرائم محل الدراسة.
غير أن دراسة (Edmark 2003) تناولت قياس آثار البطالة على معدلات جرائم الاعتداء على الممتلكات ، بواسطة تطبيق نماذج الآثار الثابتة ، مستخدماً بيانات سلاسل زمنية مقطعية لأقاليم السويد خلال الفترة 1999 – 1988. وتدعم نتائج هذه الدراسة بقوة وجود أثر موجب ومعنوي للبطالة على كل من جرائم السطو المسلح ، وجرائم سرقة السيارات ، وجرائم سرقة الدراجات.
الفصل الأول
دراسة نظرية حول الجريمة وآثارها الاقتصادية
المبحث الأول : مفهوم الجريمة
الحديث عن الجريمة والإجرام عموماً كالحديث عن الأوبئة الفتاكة والزلازل والأعاصير والفيضانات، لأنها كلها أحداث مدمرة تلحق الأضرار بالبشر وتنشر فيهم المآسي والويلات.
والإجرام كذلك طاعون متغلغل في خلايا المجتمع الإنساني ينشر الهلع واليتم والضياع في ضحاياه الكثيرين.
وتعتبر الجريمة ذات أبعاد مختلفة فهي ظاهرة اجتماعية ولها أبعاد اقتصادية وأخرى اجتماعية مما يزيد من تعقيدها ويفرض اعتماد وسائل تحليل متعددة لفهم طبيعتها وآثارها ومن ثم تحديد آليات التأثير عليها،وقد اهتم أكثر علماء الاجتماع بتعريف الجريمة لوضع معيار للأفعال التي تكون السلوك الإجرامي يمكنهم من خلاله تمييز هذا السلوك عن غيره من أنماط السلوك الإنساني الأخرى.
المطلب الأول: التعريف القانوني للجريمة
تعريف الجريمة: نادراً ما تنص التشريعات الجزائية على تعريف عام للجريمة، فهي مهمة متروكة في الغالب، للفقه،ولا يوجد في قانون العقوبات تعريف للجريمة وكل ما فعله الشارع أنه ذكر أركان الجرم الثلاثة، التي إذا توفرت في فعل ، أصبح جريمة معاقبة.
والسبب في ابتعاد أكثر القوانين عن تعريف الجريمة ، هو أن التعريف يثير المذاهب الفلسفية التي درست الجريمة وأسبابها،وليس التخلص من إثارتها،بمناسبة تعريف الجريمة،بالأمر اليسير.
وهذا ما يدعونا إلى القول بأن سكوت قانوننا كان موفقاً لأنه بقي وفياً لمبدأ الحياد أمام النظريات الفلسفية ، ثم لان الفائدة قليلة ، إذا لم نقل مفقودة من إقحام تعريف للجريمة في صلب قانون العقوبات.
علما أن بعض قوانين العقوبات عرفت الجريمة ومنها القانون الاسباني والبرتغالي([1])
ويمكننا تعريف الجريمة، بأنها «سلوك يحرمه القانون، ويرد عليه بعقوبة جزائية أو بتدبير احترازي».
وواضح من هذا التعريف، أن السلوك الإجرامي، يتميز عن غيره، من أنواع السلوك المنحرف الأخرى، بصفتين متلازمتين: تجريم القانون له، ومجازاة مرتكبة بعقوبة جزائية.
أولاً : التجريم القانوني:
ويقصد به، أن الفعل لا يعد الجريمة، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك([2]). فالمشرع هو الذي يضع قواعد السلوك، فيأمر الأفراد بالامتناع عن القيام ببعض الأفعال، أو بإتيان بعضها.
ثانياً : العقوبة الجزائية :
لا يعد الفعل جريمة، بالمعنى القانوني، بمجرد تجريم الشارع لإتيانه أو لتركه، بل لا بدّ من ارتباط التجريم بمؤيد جزائي، وإلا انصرف المعنى إلى مجرد الخيار، وانقلبت القاعدة القانونية إلى مجرد قاعدة أخلاقية، توجه سلوك الأفراد بالنصح والإرشاد([3]). وهذه ليست مهمة القانون، وإنما هي مهمة الأخلاق.
ويقصد بالمؤيد الجزائي، الذي يتلازم مع القاعدة القانونية الجزائية، العقوبة الجزائية، دون غيرها من العقوبات الأخرى .
المطلب الثاني تقسيمات الإجرام :
يقسم الإجرام إلى ثلاثة أنواع:
الإجرام القانوني : وهو الجرائم التي فصل فيها القضاء الجزائي بصورة مبرمة وأدان مرتكبيها .
الإجرام الظاهري : وهو الجرائم التي تصل إلى علم أجهزة الشرطة .
الإجرام الحقيقي : وهو مايقع في البلاد من إجرام بجميع أنواعه.
المطلب الثالث أركان الجريمة:
لكي يصبح فعل من الأفعال جريمة يعاقب مرتكبها ،يجب أن تتوافر فيه معاً ثلاثة أركان، هي الركن المادي ، والركن المعنوي ، والركن القانوني ، فإذا فقد واحد منها ، نجا المتهم من كل عقاب لان فعله لا يعود جريمة(حومد،1963: 177) .
الركن المادي: وهو الفعل الخارجي الذي ينم عن الجريمة ويشكل كيانها في الحياة الخارجية.
والقاعدة أن الركن المادي يتحقق بفعل يترك أثر مادي ،أي إذا كان ايجابي ، كالقتل والسرقة .وكما يتحقق في حالة سلبية هي الامتناع عن فعل شيء أمر القانون بفعله( واغلب جرائم الامتناع تكاد تكون جرائم موظفين)
الركن المعنوي : أي إرادة الفعل وإرادة النتيجة ، لايتصف فعل أحدث ضرراً اجتماعياً بكونه جريمة، إلا إذا أراده فاعله وأراد أن يخالف به القانون.
الركن القانوني : كل فعل لم يذكره القانون بصراحة لايمكن أن يعتبر جرماً فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون(حومد،1963: 248) .
المطلب الرابع تصنيف الجرائم:
يوجد عدة تصنيفات للجرائم ، تختلف باختلاف عنصر الجريمة المتخذ أساساً للتصنيف ومنها التصنيف التالي :
1- الجرائم الفورية والجرائم المستمرة .
2- الجرائم البسيطة وجرائم العادة .
3- الجرائم المشهودة والجرائم غير المشهودة .
4- الجرائم السياسية والجرائم العادية .
5- الجرائم المادية والجرائم الشكلية .
وتصنف الجرائم، بالمفهوم القانوني، إلى عدة أنواع، ولكل نوع صفاته وتسميته الخاصة به :
1- تصنيف الجرائم حسب درجة خطورتها وتصنف إلى جنايات وجنح ومخالفات
2- تصنيف الجرائم استناداً لركنها المعنوي .
وتصنف إلى:
الجرائم العمدية : وهي الجرائم التي يقدم الجاني على ارتكابها، وهو عالم بطبيعة الفعل، وبالنتيجة الفعل، وبالنتيجة التي ستنجم عنه، ففي القتل .
الجرائم غير عمدية : هي الجرائم التي ينعدم فيها العمد، ويقدم الفاعل فيها على تنفيذ فعله، وهو عالم بطبيعته، ولكنه غير عالم بطبيعة النتيجة التي سيؤدي إليها .
3- تصنيف الجرائم بالنظر إلى الحق الذي يحميه القانون :
تذهب أغلب قوانين العقوبات إلى تقسيم الجرائم لفئات تتضمن كل فئة منها، نوعاً من الحقوق محل الحماية القانونية . وأهم هذه الفئات : الجرائم الواقعة على أمن الدولة، كالخيانة، والتجسس، واغتصاب السلطة، وإثارة الفتنة، والإرهاب . والجرائم الواقعة على السلامة العامة، كحمل الأسلحة والذخائر وحيازتها دون إجازة، والجرائم الواقعة على الثقة العامة، كالرشوة، والاختلاس، والجرائم المخلة بالأخلاق والآداب، وكالاغتصاب .
المطلب الخامس التعريف الاجتماعي للجريمة :
يتفق علماء الاجتماع، وعدد من علماء القانون، على أن الجريمة «ظاهرة اجتماعية»، وأن التجريم بالتالي، حكم قيمي تصدره الجماعة، على بعض تصرفات أفرادها، سواء أعاقب القانون على هذه التصرفات أم لا، وأنه لا بد في عملية التفريق بين السلوك السوي والسلوك الإجرامي، من الاستناد إلى معيار اجتماعي لا إلى معيار قانوني(السراج،1980: 45).
وعلى هذا الأساس اختلفت مدارس علم الاجتماع وكذلك علماؤه في تعريف الجريمة، وقد أدى هذا الاختلاف إلى ظهور عدد من التعاريف ذات الاتجاه الاجتماعي،
ومن أشهرها تعريف (سالن) Sallin حيث يقول: الجريمة هي انتهاك للمعايير الاجتماعية، وتأتي شهرة هذا التعريف من كونه جمع كثيرا من الاعتبارات الاجتماعية في عبارة قصيرة، فالعادات والتقاليد والأعراف والقانون كلها معايير اجتماعية, ومن أهم الانتقادات الموجهة إلى هذا التعريف ان المعايير الاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر، ولعل ذلك هو ما دفع العالم (Rafael Garofalo )إلى تصنيف الجرائم إلى جرائم طبيعية وجرائم مصطنعة، الأمر الذي أظهر تعريف (Sallin) وكأنه تعريف يخص مجتمعا واحدا، فقد قسم جاروفالو الجريمة إلى نوعين:
جريمة طبيعية وجريمة مصطنعة.
فالجريمة الطبيعية هي ذلك الفعل الذي لا يختلف شعور الناس تجاهه بأنه جريمة مهما اختلفت المجتمعات والأزمنة، كالاعتداء المادي أو المعنوي على الأفراد، والاعتداء على الأموال والممتلكات، أما الجريمة المصطنعة فهي الأفعالالمنتهكة لمكونات ثقافية مصطنعة، أو ما يسمى بالعواطف غير الثابتة كالديانات والعادات والتقاليد, ولعل نظرية \"جاروفالو\" هذه من أكثر النظريات انسجاما مع الواقع الثقافي المعاصر، ذلك أنه لا يمكن بحكم هذا الواقع، أن يتم الحصول على تعريف اجتماعي واحد يكون مقبولا تماما في كل المجتمعات، أو على الأقل عند كل علماء الاجتماع،( والجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة وما هو عدل في نظرها. أو هي انتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه، أو هي انتهاك وخرق للقواعد والمعايير الأخلاقية للجماعة،وهذا التعريف تبناه الأخصائيون الانثروبولوجيون في تعريفهم للجريمة في المجتمعات البدائية التي لا يوجد بها قانون مكتوب (مذكور،1975: 30)
وعلى هذه فإن عناصر أو أركان الجريمة من هذا المنظور هي:
• قيمة تقدرها و تؤمن بها جماعة من الناس.
• صراع ثقافي يوجد في فئة أخرى من تلك الجماعة لدرجة أن أفرادها لا يقدرون هذه القيمة و لا يحترمونها و بالتالي يصبحون مصدر قلق و خطر على الجماعة الأولى.
• موقف عدواني نحو الضغط مطبقاً من جانب هؤلاء الذين يقدرون تلك القيمة ويحترمونها تجاه هؤلاء الذين يتغاضون عنها و لا يقدرونها.
المبحث الثاني : عوامل الجريمة
تمهيد :
الإحاطة بكافة العوامل المؤدية إلى الإجرام ليس بالأمر اليسير، وذلك لاختلاف طبائع البشر عن بعضهم البعض، وتكوينهم العضوي والعقلي والنفسي، وتباين الظروف المحيطة بهم وتأثيراتها عليهم، وخضوع المجتمع لتطورات مستمرة من شأنها أن تعدّل في المفاهيم والقيم السائدة فيه .
واستناداً إلى هذا الواقع فقد تشعبَّت الدراسات والأبحاث والاستنتاجات حول الظاهرة الإجرامية، فمن الباحثين من أرجعها إلى عوامل بيولوجية صرفة، وبنيهم من ردّها إلى عوامل بيئية، وقد عمد البعض إلى الجمع بينهما وإعطاء الأولوية لهذه أو تلك، أو إقامة التوازن لجهة تأثيرهما المتبادل عليها .
ورغم تعدّد الاتجاهات فإن الرأي يكاد يجمع على أن السلوك الإجرامي هو نتيجة تفاعل عوامل عديدة قد يشكل بعضها سبباً رئيساًَ ومباشراً له، أو سبباً ثانوياً وغير مباشر لتحقيقه، وهذا يتطلب دراسة وافية لشخصية الإنسان والظروف المحيطة به من أجل التوصّل إلى معرفة الدوافع الكامنة وراء ذلك السلوك الخطر.
والعوامل الكامنة وراء السلوك الإجرامي يمكن إدراجها في مجموعتين، مجموعة العوامل الداخلية وتتصل بذات الشخص أو تكوينه العضوي والنفسي، ومجموع العوامل الخارجية وتتعلق بالبيئة التي يعيش في ظلها، وسنلقي الضوء على أبرزها وفق التقسيم الآتي :
المطلب الأول : العوامل الداخلية
تمهيد :
العوامل الداخلية هي تلك التي تتعلق بذات الشخص وتكوينه العضوي والعقلي والنفسي وتؤثر في توجيه سلوكه، لذلك فهي تعتمد إلى حد بعيد على دراسة تلك الشخصية من كافة جوانبها بالوسائل العلمي حتى يتّبين مدى العلاقة بينها وين سلوكه الإجرامي .
وقد سجّل علماء الإجرام خطوات لا بأس بها في هذا الاتجاه، وذلك من خلال الأبحاث التي قاموا بها على هذا الصعيد، واعتبّرت بمثابة الانطلاقة الأساسية للبحث العلمي في هذا النطاق، والذي مازال يحتاج إلى جهود أكبر نظراً لم يعتري تحليل شخصية الإنسان من صعوبة للتعرّف على خفاياها التي تخضع لمقاييس غير ثابتة قد تختلف من فرد إلى آخر أو بالنسبة للفرد نفسه باختلاف مراحل عمره ونضجه الفكري والاجتماعي .
ومن الطبيعي أن لا نستطيع الإلمام بدراسة كافة العوامل الداخلية بتفصيلاتها وجزئياتها لتفسير الظاهرة الإجرامية، ولكن بإمكاننا أن نتطرق إلى أبرزها وهي الوراثة، والتكوين العضوي والعقلي والنفسي .
أولاً :الوراثة:
مفهوم الوراثة: وتعني انتقال خصائص الأصل إلى الفرع عن طريق التناسل سواء أكانت جسمية أو نفسية.
وقد حاول أنصار الوراثة كعامل من عوامل الإجرام أن يؤيدوا وجهة نظرهم من خلال :
1- تحليل ذرية أحد المجرمين.
2- دراسة أسر بعض المجرمين.
3- دراسة التوائم. (جعفر،2000: 47 وما بعدها).
إلا أن العلماء يهملون نظرية الوراثة في الإجرام بصورة تامة ،وذلك كون مفهوم الوراثة وفق الأطر العلمية التي حددها العلماء لا ينسجم مع مفهوم السلوك الإجرامي والجريمة حيث تبقى الجريمة خاضعة لتحديد النصوص القانونية والتي يمكن أن تختلف باختلاف الزمان والمكان وكذلك باختلاف الأوضاع من اقتصادية واجتماعية وتشريعية سائدة .
ثانياً : الأمراض العقلية والنفسية :
منشأ الأمراض النفسية والعقلية مازال موضع جدل كبير بين العلماء فمنهم من يرجعها إلى عوامل الوراثة، ومنهم من يرجعها إلى عوامل البيئة الاجتماعية، ومنهم من يجعل وجودها يرتبط بعوامل وراثية وأخرى اجتماعي تعمل على دفعها إلى الظهور، وبنظر مدرسة التحليل النفسي فإن الطفولة المبكّرة هي المنبع الأساسي في نشوء غالبية الأمراض النفسية والعقلية، ويفسّرون ذلك بما يعرف بعقدة (أوديب) التي لم يوفّق الطفل في تصفيتها بشكل سليم .
وفي الواقع فإنَّ مرحلة الطفولة المبكَّرة تلعب دوراً أساسياً في تكوين شخصية الفرد خاصة بالنسبة لتلك التأثيرات الناتجة عن مجتمع الأسرة ومجتمع المدرسة ومجتمع البيئة المهنية والأصدقاء والتي قد تتضافر على تنمية الاضطرابات النفسية والعقلية لديه وتدعم بشكل أو بآخر الاتجاهات المنحرفة في سلوكه وتصرفاته كتعبير عن الصراع الكامن في نفسه .
وميّز البعض بين الأمراض العصابية (Neuroses)، والأمراض السيكوسوماتية (Psychosomatic) والأمراض العقلية أو الذهان (Psychoses)، أما الأمراض العصابية فهي تصيب الفرد في صورة أعراض جسمية ونفسية بحيث يدرك مرضه ويتألم ويسعى نحو التماس العلاج، ومن أظهر هذه الأمراض عصاب الهستيريا (Hysteria) والوسواس (Obsession)، والقلق، والمخاوف (Phobias)، والصدمات (Traumatic neuroses). أما الأمراض السيكوسوماتية فهي تنشأ نتيجة كبت شديد لانفعالات نفسية مختلفة تؤدي إلى قيام صراع داخلي لا شعوري يقود إلى نشوء اضطرابات مختلفة تظهر من حين لآخر بشكل أمراض جسمية مزمنة كضغط الدم أو مرض الربو أو الذبحة الصدرية ، أما الأمراض الذهانية العقلية فهي تؤدي إلى اختلال شديد في القوى العقلية ممّا يستتبع معه عدم تحقيق التوافق الاجتماعي المطلوب، وقد تكون ذات منشأ عضوي كمرض ذهان الشيخوخة، والذهان الكحولي، وقد تكون نتيجة أمراض وظيفية كمرض الفصام العقلي (Schizophrenia) . والذهان الدوري ويعرف بذهان المرح أو الاكتئاب (Manic – depression).
1 – الذهان :
الذهان Psychoses اضطراب يصيب شخصية الإنسان، الذي يفقد إدراكه للواقع ليعيش في عالم من الأوهام، وتقوده هلاوسه إلى تصور أمور على غير حقيقتها.
2 – الشخصية السيكوباتية :
حالة مرضية شاذة يعتريها سلوك غير مقبول اجتماعياً، ومن أبرز مظاهرها الأنانية المفرطة، التركيز حول الذات، وعدم المبالاة بالمجتمع وقيمه، وانعدام الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الآخرين، والإخفاق في تحقيق التكيّف الاجتماعي، وعدم الاستقرار العاطفي، والتهوّر الشديد(راجح،1964 :10 ـــ11) .
3 – الشخصية الكحولية .
4 – الإدمان على المخدرات والجريمة .
ثالثاً : التحليل النفسي للسلوك الإجرامي :
تقوم مدرسة التحليل النفسي على تفسير الظاهرة الإجرامية باعتبارها نتيجة صراعات لاشعورية عاطفية يتعرّض لها الفرد خلال مرحلة طفولته المبكرة، وتنطلق عند معظم العلماء من الفرضيات التي وضعها سيجمند فرويد حول الذات غير العاقلة التي تتضمن الغرائز الأولية بالولادة والتي لا تستطيع الآنا أو الآنا العليا ترويضها أو كبتها أو السيطرة عليها، فتظهر في أنماط سلوكية غير مقبولة في المجتمع، معبّرة عن دوافع غريزية مباشرة أحياناً أو عن رغبات مكبوتة وممنوعة أحياناً أخرى .
ورغم ذلك فإن التحليل النفسي قد تطوّرت مفاهيمه التي قام عليها في الأساس، وتركزَّت الأبحاث في ميدان تحليل السلوك الإجرامي على الجانب النفسي الذي رأى منه البعض العامل المهم المؤثر والكامن وراء ذلك السلوك، فمن خلال بعض الدراسات في مجال انحراف الأحداث تبيّن أن جميع الأحداث موضع الدراسة كانت تنقصهم القدرة على كبت دوافعهم الغريزية، وأن بعضهم كان يعاني من حرمان شديد من العطف في حياته، وبناء على تحليلات متقاربة فقد رأى البعض الآخر بأن السلوك الإجرامي ينشأ نتيجة اضطرابات ترجع إلى طاقات غريزية مكبوتة أو إلى التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وبذلك أعطوا دور البيئة أهمية خاصة، بينما تركزَّت الأبحاث في السابق على إظهاره كدور يساهم في تفجير ذلك السلوك، ولا يصل إلى حد العمل على تكوينه(جعفر،2000: 68).
رابعاً : التكوين الفيزيولوجي والجريمة :
يتناول علم الفيزيولوجيا وظائف الأعضاء والأنسجة والأجهزة المختلفة التي يتكون منها الجسم البشري، ومدى دور هذه الوظائف وتأثيرها في توجيه السلوك الإنساني، ويتخذ هذا العلم مظاهر متعدّدة، فقد يتصل بما يصيب المخّ من تلف أو اضطراب وظيفي، أو يتصل ببعض العاهات والأمراض التي تؤثر على ذلك السلوك بشكل أو بآخر، أو يتعلق به طبيعة خاصة في النمو والتكوين عند الإنسان من شأنه أنه يساهم في تحديد معدلات الإجرام ونوعه، كمراحل السن، أو الجنس، أو العرق، وتعتبر هذه الموضوعات الأكثر بروزاً التي استرعت انتباه العلماء وأضافوا بذلك إلى حقل علم الإجرام علم الفيزيولوجيا الجنائية الذي ميّزه بهذا النوع من التحليل العلمي الدقيق لظاهرة الجريمة والذي نبين أهم معالمه في الفقرات الآتية:
1- الغدد الصماء: بين بعض العلماء أهمية دور الغدد الصماء التي تصيب إفرازاتها في الدم مباشرة في مختلف عمليات الهدم والبناء والنمو العقلي والجسدي وتطور الخصائص الجنسية الثانوية ، ومظاهر السلوك الانفعالي.
ولم تكن الدراسات المحدودة التي تناولت مسألة العلاقة بين إفرازات الغدد الصماء والجريمة حاسمة في نتائجها، كما أنها لم تكن واضحة لجهة تحديد طبيعة هذه الافرازات ومدى مساهمتها في توجيه السلوك الإنساني نحو الجريمة، وهذا مايدفعنا إلى عدم الأخذ بها بصورة مطلقة وعدم التسليم بحكمها وتعميمه على كافة حالات الظاهرة الإجرامية.
2- الأمراض والعاهات الجسمية:
ترجع أصول هذا الاتجاه في البحث إلى العالم الايطالي لومبروزو وأنصار مدرسته الذين رأوا أن هناك علاقة بين بعض الأمراض والعاهات الجسمية وبين الجريمة.
وقد يكون من المنطقي ألا ننكر على هذا الاتجاه أهميته في تفسير بعض الظواهر الإجرامية ، ولكن من غير الممكن أن نسلم بنتائجه بصورة مطلقة ،لأنه ليس كل من يشكو من أمراض وعاهات جسمية يسير في طريق الإجرام ، كما أن هناك من الأشخاص يرتكبون جرائم رغم تكوينهم الجسماني المتناسق والطبيعي.
3- السن : لكل مرحلة من مراحل عمر الإنسان خصائص معينة تؤثر في تكوين الإنسان العقلي والنفسي وبالتالي في توجيه سلوكه في المجتمع.
وإذا كانت مراحل العمر تحدد كمية الإجرام فإنها تحدد أيضا نوعيته (نلاحظ شيوع جرائم السرقة في مرحلة المراهقة ، وجرائم القتل والعنف والجنس بعدها ، وجرائم السب والقذف في سن الشيخوخة).
4- الجنس :
تتفق معظم آراء الباحثين على أن نسبة إجرام الذكور تفوق بشكل واضح نسبة إجرام الإناث في مختلف المجتمعات، إلا فيما تختص المرأة به من تكوين بيولوجي يجعلها تتفوق في ارتكاب جرائم معينة كالبغاء وقتل المولود (مجذوب،1976: 35).
المطلب الثاني : العوامل الخارجية أو عوامل البيئة :
يقصد بالعوامل الخارجية أو عوامل البيئة التّي تحيط بالفرد ويمكن أن تؤثر في سلوكه، وهي قد تكون عّامة كالأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد تكون خاصّة كالأسرة التي يعيش في ظلها أو الأصدقاء الذين يرافقهم، وقد تتعلق بظواهر لها صفة الاستقرار النسبي، أو تنشأ نتيجة ظروف طارئة تضع بعض العقبات والصعوبات في طريقه، وتختلف تأثيراتها على الأفراد باختلاف تكوينهم العقلي والنفسي وتنشئتهم الاجتماعية التي تحكمها قيم وعادات متعّددة الاتجاهات، لذلك فغنه من الصعوبة بمكان تحديد مدى فاعلية كل عامل بمفرده في تكوين السلوك الإنساني، ومن الأجدى القول بتضافر هذه العوامل بدرجات متفاوتة في توجيهه نحو الانحراف .
وإذا كان بالإمكان تحليل عناصر الظاهرة الإجرامية والأسباب الكامنة وراءها من الناحية النظرية، فإنه من غير المتيسّر تماماً الإحاطة بكافة جوانبها من الناحية العملية،وهذا من شأنه أن يجعلنا نتناول دراسة أبرز العوامل الخارجية التي احتلت أهميّة خاصة عند العلماء الإجرام وهي الأسرة، والمدرسة، والبيئة الفاسدة والصحبة السيئة، وببغض العوامل الاقتصادية والثقافة والاجتماعية العامة.
أولاً : البيئة الأسرية :
هناك اعتقاد سائد بان الأسرة المنفصمة العرى بالطلاق أو الهجرة أو الوفاة تكون عاملا اساسياً في انحراف من يتعرض لعوامل مساعدة على ذلك بسبب:
1- التصدع المعنوي للأسرة .
2- جهل الوالدين بأساليب التربية السليمة .
3- الوضع الاقتصادي للأسرة .
4- مكان بيئة الأسرة كعامل أساسي في توجيه السلوك .
ثانياً : البيئة المدرسية :
تمثل المدرسة المجتمع الخارجي الأول الذي يصادف فيه الإنسان سلطة غير سلطة الوالدين وأفراداً غير أفراد أسرته، فهو لأوّل مرةّ يقضي ساعات طويلة بعيداً عن عائلته، ويتعين عليه تبعاً لذلك أن ينظم علاقاته مع أشخاص لا تربطه بهم العواطف الطبيعية، يوعد ذلك تدريباً له على الحياة في المجتمع الكبير(جعفر،1993: 81).
وفي ذلك المجتمع الجديد تتجاذبه مختلف الميول والاتجاهات، وفي هذا الجو تنمو شخصيته وتتحدد اتجاهاتها بالنسبة للمستقبل، فإما أن يلاحظ عليها السلوك المنضبط، أو أن يلاحظ عليها السلوك السيء والفوضى والفشل، فمجتمع المدرسة هو حقل التجربة الأول الذي يجد الحدث نفسه فيه مجرداً من الاطمئنان العاطفي الذي اعتاد عليه داخل أحضان الأسرة، فهو يضم أفراداً لا يشاركونه حياته في المرحلة السابقة، وتواجهه قيود ومسؤوليات جديدة لا عهد له بها من قبل، ولذلك يستلزم الأمر العمل على تكيفه في هذه البيئة الجديدة، فإذا تلّقى الرعاية المطلوبة من المربيّن والأخصائيين الاجتماعيين فإنه سيجّنب مخاطر الوقوع في الخطأ، وإذا انتقت تلك الرعاية أو قصرّت في توجيه فغنه في ظل ضغوط سلبية سيجد نفسه بين رفاق السوء الفاشلين الذي سيؤثرون عليه ويدفعونه في الطريق المنحرف .
وفي مجتمع المدرسة تقاس قدرة الإنسان أو عدم قدرته على التكيف مع مجتمع يسوده النظام والقواعد الملزمة، ويحدّد ذكائه، وموازنته للمواقف والأوضاع السلوكية المستجدة، وبذلك يتّعين أن يخضع لرقابة وتوجيه دائمين، وأن يتحقق له الشعور بالاطمئنان والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، وتقبله للمواقف الصعبة من خلال تنمية العلاقات مع غيره من أفراد الجماعة، فدور المدرسة لم يعد يقتصر على تلقين المناهج التعليمية، بل تقوم أيضاً بدور تهذيبي وتوجهي عام يرمي إلى تزويد الإنسان بالقيم الأخلاقية والإنسانية الفاضلة وبالثقافة الاجتماعية التي تعينه على اختيار النهج الصحيح في الحياة (جعفر،1993: 81).
1- الفشل في الدراسة .
2- الصحبة السيئة .
3- النظام غير المناسب .
4- تكوين العصابات .
ثالثاً : عدم التنظيم الاجتماعي والسياسي :
يتناول عدم التنظيم الاجتماعي كل مظاهر سوء التوافق والانسجام والتكيف في المجتمعات الإنسانية ومفاهيمها الثقافية المختلفة، وبذلك يشتّد الصراع وعدم الاستقرار بين الأفراد وتسود الفردية بينهم، ويتحكم الجشع في نفوسهم ممّ قد يؤدي إلى الإخلال بالقيم السائدة ومخالفة القوانين بصورة سافرة(جعفر،1993: 98).
والفرد في الجماعات الأولية وفي المجتمعات الريفية البسيطة يخضع لقواعد قليلة، ويقيم علاقات محددة، ويتأثر مباشرة برابطة الأسرة والقرابة والجيرة، فتصبح تصرفاته انعكاساً لهذا الواقع وغير منعزلة عن عادات هذه الجماعات وتقاليدها ولكن مثل هذا التصور يكاد يختفي في ظل تّطور المجتمع البشري وتشّعب مجالاته في عصرنا الحديث بحيث بات الإنسان فريسة لتحكم ضغوط مادية ومعنوية تدفعه إلى التنافس مع الآخرين في سبيل إثبات ذاته وإشباع رغباته التي قد تصطدم مع المعايير الاجتماعية العامة فلا يراعي حكمها ويتجاوز ذلك إلى تحقيق أهدافه الخاصة .
ويرى بعض العلماء أن موضوع سوء التنظيم الاجتماعي الذي طبع مجتمعنا المعاصر تكمن خلفه الرغبة الجامحة لجمع المال بأية وسيلة وعلى مستوى جميع الطبقات في المجتمع، وإيمان الفئات المحرومة بعدم جدوى وعدالة القوانين في تحقيق مصالحها في الحياة، ومن ثم عدم الاعتداد بها طالما أنها تعجز عن رفع ذلك الحرمان عنها، وما من مرحلة يستطيع الشخص أن يجتازها بدون صعوبة ابتداء بالحداثة وانتهاء بالشيخوخة، فهو عرضة لاختبارات وتجارب متكّررة، فإذا لم تتهيأ له الظروف الملائمة لتجاوزها والتكيّف مع البيئة، فإن ذلك يعني انحرافه إلى طرق غير مشروعة تنبذها الجماعة .
ومسألة الصراع والتنافس الذي من شأنه أن يؤدّي إلى سوء التنظيم الاجتماعي هو ذلك الذي يتخّذ صورة إعاقة مصالح الآخرين ومواجهتها بوسائل غير مشروعة، ويظهر بأشكال متعدّدة كالصراع على النفوذ المادّي أو الاجتماعي أو السياسي وغيره، وبغير هذا المفهوم فإن المنافسة المشروعة من طبيعة البشر وتعتبر عامل تطوّر وبناء في حياة المجتمعات .
1- الهجرة إلى المدن .
2- تنازع الثقافات .
3- ضعف وقصور النظام السياسي .
رابعاً : وسائل الإعلام (الصحافة والأجهزة المرئية) :
1- الصحافة .
2- الأجهزّة المرئية (السينما والتلفزيون) .
خامساً : الأوضاع الاقتصادية :
ميّز الباحثون بين نوعية الإجرام في المجتمع الزراعي وبين نوعيته في المجتمع الصناعي، ولاحظوا أن الأول يغلب عليه طابع الجرائم التي تتسّم بالعنف، كالقتل والضرب والإتلاف والسرقة بالإكراه، بينما الثاني يغلب عليه طابع الجرائم التي تتسم بالخبْث والاحتيال، كجرائم إساءة الأمانة والتزوير والرشوة والتهريب والسرقة كما لاحظوا من ناحية أخرى أن التحّول إلى المجتمعات الصناعية أدى إلى ارتفاع في نسبة الإجرام، وهذا ما دّلت عليه الإحصاءات في بعض الدول الأوروبية التي شهدت مثل هذا التحول، فارتفعت معدّلات الجرائم التي تستهدف الكسب إلى ثلاثة أضعاف، .
والتطور الاقتصادي لا يصيب مستوى المعيشة وحده بل يصيب أيضاً طبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع حيث تزداد تشبعاً وتعقيداً، تبعاً لاتساع نطاقه، وازدياد عدد السكان باطراد في العالم، وانتشار المؤسسّات الاقتصادية المختلفة، وإذا كان بالإمكان القول بأن حياة المجتمعات الزراعية أقلّ صخباً وحركة واضطراباً من حياة المجتمعات الصناعية بوجه عام ممّا يؤثر على تحديد حجم ونوع الإجرام، فإن ذلك يجب ألاّ يغفل بروز وسائل الاتصالات والتنقلات السريعة في العصر الحديث مما يقلل من أهمية هذه الفوارق .
ومهما يكن من أمر التحّول الاقتصادي يصطحب بتغيّرات يمكن أن تؤّثر بصورة فعّالة على ظاهرة الإجرام، وذلك من خلال جموع الرغبة نحو الربح الكثير الذي يترك بصماته على حجم السكان، والنزوح من الريف إلى المدينة حيث تتركز عادة الأعمال الصناعية، وتنشأ الصراع الحاد بين العّمال وأصحاب العمل، وتشّعب التجارة بحيث تصبح مرهونة إلى حد بعيد بالأحداث الأولية، وشيوع حالة المنافسة غير المشروعة، والتقدم التكنولوجي الذي أدى إلى حلول الآلة محلّ العنصر البشري وما ترّتب عليه من وجود فئات كبيرة من العاطلين عن العمل في معظم البلدان قد تضطر إلى اللجوء إلى مسالك غير قانونية لكسب معيشتها (الدوري،1973: 54).
1- التقلبات الاقتصادية وأثرها على الإجرام :
تعبر التقلبات الاقتصادية عن عدم ثبات الوضع الاقتصادي وسرعة تبدله، كارتفاع وانخفاض الأسعار ، وتقلب قيمة النقد والدخول الفردية ، حيث يؤثر بطريقة غير مباشرة على نهج الإنسان وأسلوب معيشته.
2- الفقر والجريمة :
الفقر ظاهرة معقدة ذات أبعاد متعددة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وتاريخية، ويختلف هذا المفهوم باختلاف المجتمعات والثقافات، وحتى الأزمنة لذا يصعب إعطاء تعريف موحد له. إن المتفق على مفهوم الفقر أنه\" حالة من الحرمان المادي التي تتجلى أهم مظاهرها في انخفاض استهلاك الغداء، كما ونوعا وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي، والوضع السكني، والحرمان من تملك السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى و فقدان الاحتياطي والضمان لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات\". و\"الفقر مجموعة من الظروف والأوضاع الحياتية التي تعيشها فئات اجتماعية وليس سمات تخص الفقراء دون غيرهم، وهي أوضاع تتسم بالحرمان على الصعيد المادي و الاجتماعي والبيئي، وقد تشمل أشكال الحرمان أفرادا أو عائلات فضلا عن مناطق جغرافية أو فئات اجتماعية\". من الظواهر الاجتماعية التي لها صلة قوية بالمستويات الاقتصادية المتدنية والتي تلعب بدورها دوراً كبيراً في دفع الفرد إلى ممارسة الجريمة هي ظاهرة الفقر وغالباً ما يصنف علماء الاقتصاد الفقر على أنه مدخل اقتصادي أساسي في تفسير الجريمة وصلة الفقر بالجريمة ليست صلة حديثة فمنذ فترة طويلة أكد الفلاسفة والمصلحون الاجتماعيون على أن الفقر يلعب دوراً مهماً في دفع الفرد إلى ممارسة الجريمة وقديماً أيضا قال \"سقراط\" (أن الفقر هو أبو الثورة وأبو الجريمة) وحديثاً قال \"كلارك\" أن جرائم الفقراء وجرائم الناس المسلوبي القوة غالباً ما تكون بسبب السخط والكره اتجاه الأغنياء وان الفقراء قد يحملون حملاً على ممارسة الجريمة من اجل توفير الغنى والثروة وهذا يعني أن ظروف الفقر اللإنسانية كما يقول كلارك هي التي تخلق من بين الفقراء من يتجه إلى ممارسة الجريمة.
3- البطالة والجريمة :
تشير البطالة في وجه من وجوهها إلى ضعف النظام الاقتصادي وسوء تنظيمه وتخلفه وعدم عدالته، فهي تهيئ للإنسان فرص الانحراف والانسياق في تياره المدمر نتيجة للأثر السيئ المترتب عليها، سواء لناحية الفراغ الذي ينشأ عنه واستغلاله في طريقة سيئة ، أو لناحية حرمان الإنسان من وسيلة مشروعة تحقق رغباته فينعكس سلباً على تصرفاته، فالمهنة تعتبر مصدر أمان واستقرار للإنسان، وتتيح له القيام بدوره في المجتمع ، وهي ناحية أخرى تحرره من سلطة الآخرين(جعفر،1993: 111).
المبحث الثالث
الأثر الاقتصادي للجريمة
إن التعرف على الأثر الاقتصادي للجريمة مهم جداً لأنه يعطينا فكرة واضحة عن الفوائد التي تعود على المجتمع من منع الجريمة.
فإن تقييم الأثر الاقتصادي للنشاط الإجرامي يعتبر خطوة مهمة عند إعداد الميزانية وتقديم سياسة عامة ذات أثر فعال في محاربة الجريمة.
المطلب الأول: تكلفة الجريمة
لا شك أن الآثار التي تقع على المجتمع تختلف من جريمة إلى جريمة، فمن الناحية الاقتصادية نجد أن بعض الجرائم أخطر من غيرها لأن أثرها الاقتصادي على المجتمع ورفاهية أعضاء المجتمع يختلف اختلافاً كبيراً(هلاوي،1998:ص28ومابعدها)، وحتى نقف على تكلفة الجريمة يمكن تقسيم الجرائم إلى الأنواع الآتية:
أ ـ الجرائم ضد الأشخاص:
إن تكلفة مثل هذه الجرائم تتكون من النفقات الطبية الناتجة عن ارتكاب هذه الجريمة كما أن المجتمع استعمل بعض الموارد الطبيعية المحدودة (العمل، الآلات، رأس المال) للعناية بالمجني عليه أو ضحية الجريمة والمجتمع لم يكن في حاجة إلى استخدام هذه الموارد المحدودة لو لم ترتكب الجريمة كما أن التكلفة تكون أكبر إذا ترتب على ارتكاب الجريمة عجز المجني عليه، أو وفاته وتختلف التكلفة بحسب عمره وطبيعة عمله أضف إلى ذلك الآثار النفسية التي يعانيها ضحايا هذه الجرائم وعائلاتهم ومجتمعهم.
ب ـ الجرائم ضد الممتلكات:
وتؤثر هذه الجرائم على المجتمع بطريقة أخرى، فمثلاً الحريق العمد ارتكاب هذه الجريمة يؤدي إلى إلحاق الضرر أو إبادة ممتلكات إبادة تامة، وهذا يمثل خسارة صافية للمجتمع فهي أصول حقيقية فقدت بدون رجعة.
وقد يقول البعض بأن بعض الجرائم ضد الممتلكات لا يحدث فيها تلف أو تدمير إنما تنتقل الملكية من شخص إلى آخر وهذه الحالة يعبر عنها الاقتصاديون بالنقل اللاإرادي للملكية، إلا أن قيمة هذه السلع والخدمات التي لا ينتجها هؤلاء اللصوص لانشغالهم بارتكاب الجرائم تعتبر من وجهة نظر الاقتصاديين نفقة يتحملها المجتمع تسمى نفقة الفرص الضائعة قيمة هذه النفقة هي القيمة الحقيقية للسلع والخدمات التي كان من الممكن إنتاجها بمعرفة المجرمين لو لم يرتكبوا هذه الجرائم.
ج ـ الجرائم بلا ضحايا:
تؤدي هذه الجرائم إلى خسارة صافية للمجتمع تقدر بقيمة الموارد الاقتصادية التي استعملت كنتيجة غير مباشرة للنشاط الإجرامي، (كجرائم الدعارة، وجرائم المخدرات) حيث تتمثل كلفة هذه الجرائم بمصاريف العلاج في حال الإصابة بأمراض خبيثة كما أن المدمن لا يستطيع العمل وإذا عمل فلن يكون منتجاً.
أضف إلى تكلفة هذه الأنواع السابقة التكاليف التالية:
1- نفقة تطبيق القانون (شرطة ـ محاكم ـ سجون...) والأموال التي تدفع بدون وجه حق (الفساد).
2- قيمة المواد المستعملة في ارتكاب الجريمة مثل الآلات والمعدات والأسلحة ومطابع تزوير العملة.. الخ، وتختلف هذه النفقات من جريمة إلى أخرى.
3- قيمة الوقت يعتبر نوعاً آخر من النفقات، وهي عبارة عن قيمة الوقت الذي قضاه المجرم في تصميم وارتكاب الجريمة فهذا الوقت يعتبر نفقة لابد من أخذها في الحسبان.
المطلب الثاني :تأثير الجريمة على خطط التنمية:
من أخطر آثار الجريمة، إفساد كل سياسة اقتصادية نقدية كانت أم مالية(شوربجي،1994:ص89 ومابعدها).
أ ـ تأثير الجريمة على خطط التنمية الاقتصادية:
تحتاج خطط التنمية لدفعة تمويلية كبيرة تساهم في تحريك أسس الاقتصاد وتهيئته للنمو، والأصل في التنمية اعتمادها على مصادر التمويل الذاتية ولكن ما تواجهه العديد من البلدان ومنها البلدان العربية النقص الحاد في تمويل مشروعات التنمية مما يدفعها إلى اللجوء للتمويل الخارجي.
ويبدو أثر الجريمة الكبير على الموارد المالية للبلد مما يؤثر على إمكاناتها المادية المتاحة، فالنتيجة الاقتصادية لكي تنطلق تحتاج إلى استقرار في القوانين وسيطرة للأمن والجريمة تضرب هذا الاستقرار من خلال ازدياد جرائم الاعتداء على الأموال والممتلكات لذلك تلعب جرائم التهرب الضريبي دوراً كبيراً في زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة وذلك لفقد الدولة مواردها السيادية الممثلة بما تفرضه من ضرائب، وتؤثر جرائم العدوان على المال العام واستغلال النفوذ والفساد وجرائم الرشوة من خلال حرف الأموال العامة عن هدفها المتمثل بتشييد المرافق العامة وبالتالي انعدام ثقة المواطن في الدولة.
وبما أن المال من مقومات الوجود الاجتماعي فإن حصل اعتداء على هذا المال فإنه يؤثر على سير نظام الحياة الاجتماعية مما يترتب عليه اعتداءات وعدم استقرار أمني وبانعدام الاستقرار الأمني لا يتسنى للخطط التنموية تحقيق أهدافها.
ب ـ تأثير الجريمة على خطط التنمية الاجتماعية:
ترتبط التنمية الاجتماعية بالتنمية الاقتصادية عند إعداد الخطة التي تسعى إلى تحسين مستوى التغذية والصحة والتعليم وتوفير الخدمات الضرورية للفرد، بما يؤثر في زيادة كفاءته الإنتاجية، كما تهدف التنمية الاجتماعية إلى تحقيق التوازن بين طبقات المجتمع المختلفة والتوزيع العادل لثمار وحصاد التنمية ويظهر أثر الجريمة من خلال:
1- تأثير الجريمة على الكفاءة الإنتاجية للموارد البشرية.
2- تأثير الجريمة على الاستقرار الاجتماعي.
وذلك من خلال هاجس الخوف الذي تحدثه الجريمة لدى المواطنين، فالجريمة تهدد الاستقرار النفسي لدى الأشخاص وتعرض كيانهم المادي والمعنوي للخطر وينعكس هذا القلق على سلوك الأفراد وتعاملهم مع الآخرين.وتتفشى مظاهر الخلل والانحراف وازدياد الفوارق الطبقية وكل هذه الآثار الهدامة تؤدي إلى تعطيل حركة النمو الاقتصادي.
الفصل الثاني
النمو الاقتصادي والعوامل المتحكمة فيه
المبحث الأول : ماهية النمو الاقتصادي
يعتبر النمو الاقتصادي في أي بلاد ذو أهمية بالغة في الارتفاع بمستوى الناتج (الدخل) وبالتالي رفع المستويات المعيشية للجماعات الفقيرة في دولة ما فهذا النمو هو نعمة كبرى للبلد الذي يعتبره هدفا أساسيا للسياسة ومنه فالنمو الاقتصادي يعتبر أيضا أحد أهم مواضيع العصر التي لابد من الوقوف عليها.
المطلب الأول : تعريف النمو الاقتصادي :
يعرف النمو الاقتصادي بأنه الزيادات المستمرة في الدخل الحقيقي وذلك في الأجل الطويل وتعتبر الزيادات المضطرة في الدخل نموا اقتصاديا .
كذلك يعرف النمو الاقتصادي بأنه معدل التغير في "متوسط الناتج للفرد" (نصيب الفرد من الناتج القومي في المتوسط) ، وهو الوسيلة لتحقيق مختلف الأغراض(لود،1989: 20)
أيضا يعرف بأنه يشير إلى الزيادة المستمرة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر الزمن .
يعني النمو بالنسبة لمستوى الاقتصاد الوطني : أنه حركة تصاعدية لبعض المقادير اٌقتصادية الناتج الوطني الخام تندرج في الزمان، وهذه الحركة تؤثر بصفة أساسية على ظروف الإنتاج مثل : زيادة الاستثمار وإدراج الرقي التقني واشتراط يد عاملة مؤهلة .
من خلال هذه التعاريف المختلفة نلاحظ أن هناك اختلاف جوهري بين مفهوم النمو ومفهوم التنمية لأن التنمية الاقتصادية مفهومها أكثر اتساعاً و شمولاً من مفهوم النمو الاقتصادي.
لأن التنمية الاقتصادية تشير إلى تلك العملية التي يترتب عليها إحداث تغيير هيكلي وجذري في معظم هياكل الاقتصاد الوطني على خلاف النمو الذي يركز فقط على التغير في حجم السلع و الخدمات التي يحصل عليها الفرد متمثلة في زيادة متوسط دخله .
المطلب الثاني : عناصر النمو الاقتصادي :
تتمثل في ثلاثة عناصر أساسية هي: (لود،1989: 37)
تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني ويقاس متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني عن طريق )الدخل الوطني ,عدد السكان( ويتطلب حدوث زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني أن يكون معدل الزيادة في الدخل الوطني أكبر من معدل الزيادات في عدد السكان.
فإذا كانت النسبة تساوي 1 فهذا يعني أنه على الرغم من زيادة الدخل الوطني إلا أن نصيب الفرد منه يضل ثابت بسبب زيادة عدد السكان بنفس النسبة .
وإذا كانت النسبة أقل من 1 فهذا يعني أن متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني ينخفض رغم زيادة الدخل الوطني وذلك لأن معدل النمو في عدد السكان يزيد عن معدل النمو في الدخل الوطني .
*العنصر الثاني : تحقيق زيادة حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي أي تحقيق زيادة حقيقية في مقدرة الأفراد على شراء السلع و الخدمات المختلفة .
لذلك فإن تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي يتطلب أن يكون معدل الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني أكبر من معدل الزيادة في المستوى العام للأسعار "التضخم" ويعني ذلك أن حدوث الزيادة زيادة حقيقية في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني يتطلب أن يكون ، فإذا كانت هذه النسبة 1 فهذا يعني أن نصيب الفرد من الدخل الحقيقي "قدرته على الشراء" تظل ثابتة على الرغم من زيادة دخله النقدي بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار بنفس النسبة.
وإذا كانت هذه النسبة 1 فهذا يعني أن القوة الشرائية لمتوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني انخفضت على الرغم من زيادته بسبب ارتفاع المستوى العام بنسبة أكبر ويمكن قياس معدل النمو الاقتصادي في دول ما عن طريق المعادلة الآتية :
معدل النمو الاقتصادي = معدل الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الوطني – معدل الزيادة في مستوى العام للأسعار "معدل التضخم"
* العنصر الثالث : تحقيق زيادة مستمرة و مستقرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي و الزيادة المستقرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي تتطلب أن تكون هذه الزيادة ناتجة عن زيادة حقيقية في مستوى النشاط الاقتصادي، أي أنها لا تحدث بسبب ظروف طارئة قد تكون بسبب حصول الدولة على إعانة من الخارج لفترة معينة أو بسبب ارتفاع مفاجئ في أسعار السلع التي تقوم بتصديرها الخارج بسبب ظروف طارئة لا تلبث أن تزول كما حدث في حالة ارتفاع أسعار النفط عام 1973، حيث أدت إلى زيادة كبيرة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيق في الدول المصدرة للنفط لم تلبث أن اختفى مع انخفاض أسعار النفط مرة أخرى في الثمانينات فهذا النمو يعتبر نمو عابر لا يلبث أن يزول.
و من ناحية أخرى فهذه الزيادة لا بد وأن تكون مستقرة بمعنى أن لا تتعرض للتقلب الشديد في معدلها من فترة زمنية لأخرى.
المطلب الثالث : خصائص النمو الاقتصادي:
- النمو الاقتصادي لا يهتم بتوزيع عوائده, أي لا يهتم بمن يستفيد من ثمار النمو الاقتصادي.
- النمو الاقتصادي يحدث تلقائيا ولذلك لا يحتاج إلى تدخل من جانب الدولة.
- التنمية الاقتصادية أوسع و أكثر شمولا من النمو الاقتصادي.
- النمو الاقتصادي ذو طبيعة تراكمية، فلو أن دولة ما, تنمو بمعدل أسرع من غيرها، فإن الفجوة بين المستويات في كل منهما تتسع باطراد.
- يؤدي النمو الإقتصادي إلى رفع المستويات المعيشية على المدى الطويل، و يتناول كذلك سياسات إعادة توزيع الدخل بين أفراد المجتمع بصورة أكثر يسرا و سهولة.
- النمو الإقتصادي يؤدي إلى خلق الكثير من فرص الاستثمار(هيرش،1982: 14) يلعب النمو الإقتصادي دورا ذا أهمية خاصة في الأمن الوطني .
المطلب الرابع : إستراتيجيات النمو الإقتصادي :
* الفرع الأول ـ النمو المتوازن (BLANCED. GROWTH):
نقطة التركيز الأساسية لفكرة النمو المتوازن لبدأ عملية التنمية وخروج الاقتصاد الوطني من الحلقة المفرغة هو القضاء على مشكل ضيق السوق، وانخفاض الإنتاجية في الدول المتخلفة و ما يترتب عليه من انخفاض الدخل يؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية، وبالتالي ضيق نطاق السوق، ومن ثم انخفاض الحافز على الاستثمار(عصفور،1979: 179).
يرى "Nurkse" أن السبيل الوحيد للخروج من مشكلة ضيق البنوك تتمثل في برنامج استثماري تتوجه فيه الاستثمارات إلى جهة واسعة وعريضة من المشروعات الصناعية وغير الصناعية المتكاملة من حيث خدماتها لاحتياجات الطلب الاستهلاكي النهائي، إلا أن نجاح مثل هذا النمط يتطلب إنشاء كل مشروعات في نفس الوقت.
إن إستراتيجية النمو المتوازن تقوم على مفهوم الوفورات الخارجية "ECONMIES.EXTERNES" عن طريق خلق طلب عن ناتج الصناعات ينضر الكثيرون غلى الدفعة القوية و لنمو المتوازن بوصفهما وجهين لعملة واحدة، كما يعتبر البعض الأخر أن النمو المتوازن هو الشكل التنفيذي لفكرة الدفعة القوية، ويمكن تلخيص نظرية النمو المتوازن فيما يلي :
- دفعة قوية متمثلة في حد أدنى من الاستثمارات .
- توجيه هذه الاستثمارات إلى جهة عريضة من المشروعات الاستثمارية في عديد من الأنشطة.
- أن تكون هذه المشروعات متكاملة من حيث خدمتها لاحتياجات الطلب الاستهلاكي النهائي .
*الفرع الثاني ـ النمو غير المتوازن : تعتبر كسياسة بديلة للنمو المتوازن لهذه النظرية مفكروها و مؤيدوها، مثل:
"F.PERROUX" و "فرانسو سيرو" و "دوبير نيس" و "D.DEBERNIS" و "روستو " "W.W.ROSTOW".
ويمكن حصر المعطيات الاقتصادية التي تنطلق تحليلات هذه النظرية في ثلاثة عناصر كبيرة هي :
1- وجود موارد طبيعية موزعة توزيعا غير متكافئ بين المناطق، ويرى "Satorrsky" أن ذلك يدفع البلدي الذي يملك شروطا أفضل في وفرة مورد طبيعي ما إلى تركيز إنتاجية حوله، فيتخصص في هذا الإنتاج الذي يعتمد عليه في قيادة التنمية و هي سياسة نمو غير متوازنة نجد جذورها التاريخية في نظرية التفضيلات المقارنة لـ "ريكاردو" عن التخصص التجاري بين الدول، حيث تحصي أكبر الفوائد، في المبادلات التجارية، يستلزم من كل بلد أن يتخصص في إنتاج تكون فيه تكاليفه النسبية أقل.
2- ندرة رأس المال و الخبرات الفنية في البلدان المتخلفة لا تساعدها على تطبيق سياسة النمو المتوازن، لأنها تقتضي حجما كبيرا من الاستثمارات يستحيل على مثل هذه المجتمعات الفقيرة ذات الدخل الحقيق المنخفض و الادخار الضعيف، توفير شروطها، و إذا وزعت إمكانياتها المادية و الفنية المحدودة في عدة نقاط استثمارية وستكون قطرة في البحر تتلاشى دون إحداث الأثر المنتظر منها في النمو المتوازن، ولهذا يكون من مصلحة التنمية تجميع هذه الإمكانيات وتركيز استثمارها في مشاريع محدودة، تعطى فيها للنمو الإقتصادي عند البداية دفعة قوية، وهي سياسة نمو غير متوازن.
3- وجود قطاعات نشطة و قطاعات خاملة في الاقتصاد الوطني يتطلب في التنمية التركيز بالاستثمار على القطاعات الأكثر حيوية و التي تتمتع بمعدل توسع سريع، وهذا الدور الذي نعلقه عليها كفيل بأن يؤثر مباشرة على التنمية في المجتمع و يجر وراءه القطاعات الخاملة في نفس الاتجاهات، ويرى "رستو" أن درجة حيوية هذه القطاعات ليست ثابتة في كل مراحل النمو، وتختلف من مرحلة لأخرى، لأن احتياجات النمو خاضعة بدورهالتطور ولهذا يمكن في نظرنا تصور القطاع القائم(العمادي،1980: 65).
المبحث الثاني : الأسس النظرية للنمو الاقتصادي
تعتبر دراسة تاريخ ونظريات النمو الاقتصادي من الدراسات الهامة في علم التنمية,ذلك لأنها تمكننا من الحصول على صورة أوضح لعملية التطور,وفهم أعمق لأسبابها ومكوناتها,وتحديد أدق للعلاقات والقوانين التي تتحكم بها,وسنعمد في هذا المبحث إلى إعطاء فكرة موجزة وصفية عن مساهمة بعض الاقتصاديين في نظريات النمو الاقتصادي.
المطلب الأول : النظريات القديمة للنمو الاقتصادي :
إن دراسة النظريات القديمة لها أهمية كبرى وهذا من الناحيتين العلمية و التاريخية, من الناحية العلمية المقارنة بين نظريات الماضي و الحاضر تجعلنا ننصرف على مدى تطور المجتمعات منذ القدم، أما من الناحية التاريخية فتجعلنا هذه الدراسة لا نقع في أخطاء الماضي بل نتفادى كل ما هو معرقل، ونعمل بكل ما هو مفيد لعملية التنمية(هيرش،1982: 28)
ـ التجاريين و التنمية : يعد التجاريون من الأوائل الذين وضعوا نظرية اقتصادية حول التنمية الاقتصادية بشكل أوضح، مع أن هذا الفكر كان يهتم بالجانب السياسي للدولة أكثر من اهتمامه بالجانب الاقتصادي، ونجد كتاباتهم توسعة في الكلام عن التنمية و رخاء الدولة، ويرى بعض المفكرين أن أراء التجاريين في المجال الاقتصادي لم تكن أراء قيمة جدا بحيث يمكن أن تضعها في مقام النظريات، إذ كانت حسب رأيهم أفكار غير متكاملة، إبتداءاً من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن السابع عشر و أهم أفكارهم هو أن تزيد الثروة في البلد دون أن يهتموا بكيفية توزيعها أو ما يصيب الفرد منها.
ـ التجاريون و النشاطات الاقتصادية : إن الصناعة و التجارة هما، أساس التنمية الاقتصادية عند التجاريين، بل يعتبران العمودان الأساسيان في التنمية الاقتصادية، وحتى يتم تطوير هذين القطاعين المهمين عندهم، فإن الدولة بدأت تخفض من الضرائب على رجال الأعمال و الصناع، بل شرعت الدولة في مساعدتهم بمعونات مادية بخفض الأسعار حتى يستطيع المنافسة في السوق العالمية، أي أن الدولة بدأت تعمل على خلق مناخ جيد و ملائم لتطوير الصناعة و التجارة.
وكان التجاريون يرون عكس ذلك بالنسبة للزراعة، لأنها قطاع ثانوي ويعتمد في تطوره على الصناعة و التجارة.
ـ التنمية عند الفيزيوقراط (الطبيعيون) : تبلورت أفكار المدرسة الطبيعية عند المفكر الفرنسي المعروف "فرنسواكيني" فقامت هذه المدرسة بنشر أفكار اقتصادية خاصة بالتنمية لكنها كانت أفكارا عامة و غير متخصصة.
إن القطاع الفلاحي هو النشاط الأساسي الذي يدفع التطور الاقتصادي إلى الأمام، وهو المحرك للقطاعات الأخرى الغير الزراعية، بل أن نمو هذه القطاعات الأخيرة مرهون بنمو القطاع الفلاحي، حيث أن "كيني" قسم المجتمع إلى ثلاثة طبقات وهي: طبقة الملاك (ملاك الأراضي)، طبقة المنتجين و هي طبقة المزارعين المباشرين، و الطبقة العامة وهي طبقة الصناع، لأن الزراعة هي وحدها التي تزيد من الثروة، أما القطاع الصناعي فإنه يعمل على تحويل المواد الأولية إلى مواد مصنعة أو نهائية.
إن التنمية الاقتصادية تعتمد على القطاع الفلاحي كقطاع أساسي لأحداث التطور، أما القطاعات الأخرى فإنها ثانوية .
ـ التنمية الاقتصادية عند المفكرين الكلاسيك: إن المفكرين الكلاسيك هم بداية جديدة لمبادئ وأسس الاقتصاد السياسي ومع ذلك فإن نظريتهم كانت عامة، رغم إشارتهم إلى ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية.
وكانت الرأسمالية الحرة هي أهم أساس بنيت عليه فكرة التنمية عند الكلاسيك، خاصة على يد "آدم سميت" كما أعتمد الكلاسيك على مبدأ العمل، الذي في رأيهم يزيد في الإنتاج وبالتالي في التطور و التنمية.
يرى المفكرون الكلاسيك أن شروط التنمية ثلاثة :
- الربح الكافي في المجتمع.
- وفرة المواد الأولية.
- وفرة مواد العيش للعمال و المنتجين(لود،1989: 37 ).
نرى الآن أهم المفكرين الكلاسيك وآرائهم في التنمية وهم "آدم سميت، ريكاردو، توماس ، روبرت مالتوس".
- التنمية عند "آدم سميت": يبين "سميت" أهم العوامل التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي وهي حسب رأيه كالتالي:
- تجميع رأس المال.
- رفع إنتاجية العمل.
- النمو السكاني.
- حرية التجارة الدولية.
يعطي "آدم سميت" إلى القطاع الفلاحي عناية كبيرة ويوجب في ذلك استخدام التقدم التقني من عتاد وآلات حديثة ..الخ، ويتفطن "سميت" إلى البطالة التي تحدث في الريف عند إدخال التقنيات الحديثة على القطاع الفلاحي.
إن أهمية القطاع الفلاحي تكمن في كونه يؤمن الضروريات للعيش ولذلك يجب العمل على تطويره أولا، ثم تطوير القطاع الصناعي الذي يؤمن الحاجات الأقل ضرورة .
يمكن أن تخلص ما قاله "سميت" في النقاط التالية :
- إن الحرية الفردية هي أساس التنمية الاقتصادية.
- الحكومة لا تتدخل إلا في القيام بالخدمات العامة (الأمن، القضاء).
- إن زيادة رأس المال الدورة الإنتاجية أمر مهم، بل ضروري لإحداث التنمية.
- التنمية عند "ريكاردو": يرى "ريكاردو" أن القطاع الفلاحي أهم النشاطات الاقتصادية، لأنه يعتبر هذا القطاع بمثابة الدعامة، إذ يوفر كوارد العيش للسكان فالأرض هي أساس أي نمو اقتصادي.
قسم ريكاردو المجتمع إلى ثلاث طبقات الرأسماليون، العمال و الإقطاعيون، فحسب "ريكاردو" الرأسماليين يلعبون الدور الرئيسي و الأساسي في الاقتصاد الوطني وفي النمو الاقتصادي بصفة عامة .
أما العمال فإنهم مهمون، لكنهم أقل أهمية من الرأسماليين، لأن أعمالهم مرتبطة بوجود الرأسمالي فهذا الأخير هو الذي يوفر الآلات و العتاد... وكل ما يحتاجون إليه للقيام بعملية الإنتاج أما الإقطاع وهو مالك الأرض فإنه مهم جدا وخاصة في المجال الزراعي، لأنه يقدم الأرض وهو العنصر الأساسي للعمل الفلاحي.
المطلب الثاني : النظريات الحديثة للنمو الاقتصادي :
إن نظريات التنمية القديمة التي تناولها في حقيقة الأمر أفكار اقتصادية عامة لا أكثر، فلم نتطرق إلى موضوع التنمية و النمو من التخصص، إلا أنها في حقيقة الأمر تعتبر نظريات التنمية و النمو الحديثة، القاعدةالأساسية للنظريات الحديثة، بل يمكن اعتبار هذه الأخيرة امتداد للأفكار الكلاسيكية أو الماركسية وظهر اقتصاد التنمية من جديد بعد الحرب العالمية الثانية(العمادي،1985: 71) من بين النظريات الحديثة الأكثر شهرة في العالم نجد:
* نظرية المراحل "لروستو" : لقد لخص "روستو" نظرية المراحل في كتابة "مراحل النمو الاقتصادي"، الذي ظهر عام 1956 كما أن "رستو" يستخدم المنهج التاريخي هو كذلك في تحليله لنظرية النمو، فكما كان الحال عند"ماركس" هو الآخر يرى أن المجتمعات تتطور من مرحلة إلى مرحلة أخرى.
ويرى كذلك أن آخر مرحلة من مراحل النمو هي بناء الرأسمالية فيبين بذلك انتماءه إلى المجتمع الرأسمالي.
يقول "روستو" أن المجتمع يتطور عبر خمسة مراحل هي :
- التجمع التقليدي.
- التهيىء للانطلاق.
- الانطلاق.
- الاندفاع نحو الاكتمال.
- الاستهلاك الواسع.
- مرحلة المجتمع التقليدي : "روستو" يرى فيها أن المجتمع يكون تقليديا ويتميز هذا المجتمع بمميزات أساسية هي :
- هو مجتمع تقليدي يعيق استخدام التكنولوجيا، وبالتالي لا يساعد على تطور الإنتاج، كما أن 85% من أفراد المجتمع يعملون في القطاع الفلاحي أو في إنتاج المواد الغذائية.
- الدخل الوطني يصرف معظمه في أشياء غير إنتاجية.
- إن السلطة السياسية تكون أيدي ملاك الأرض، ومركزية يدعمها الجيش.
إن أهم ميزة للمجتمع التقليدي هي ضعف مردودية الأرض للهكتار الواحد، لأن المجتمع التقليدي لا يملك من إمكانيات التي تسمح له برفع الإنتاجية للفرد الواحد، فهو لا يقدر على استخدام العلم و التكنولوجيا الحديثة.
- مرحلة التهيئة للانطلاق: تميزت هذه المرحلة بالمميزات التالية :
- إنهاء المرحلة الانتقالية للانطلاق، حيث تحدث فيها تغيرات جذرية في القطاعات الغير الصناعية.
- تطور النقل بسبب ارتفاع مستوى التجارة.
- تطور المجتمع الذي يقبل إدخال التكنولوجيا الجديدة.
- تغلغل التقدم الاقتصادي من الخارج، عن طريق نقل التكنولوجيا.
إن أهم ما يمكن ملاحظته في هذه المرحلة هو بداية استخدام التقدم التقني بصورة موسعة و في كل المجالات، وهذا يعمل على زيادة الاستثمار ، خاصة في النقل و الموارد الأولية .
ـ الانطلاق : تتميز هذه المرحلة بقصرها نسبيا بالمقارنة مع المراحل الأخرى
يرتفع فيها الإنتاج الحقيقي للفرد، وتحدث تغيرات كبيرة في التقنيات المستخدمة و التي تعتبر أهم الخصائص لهذه المرحلة.
تعتبر هذه المرحلة بمرحلة الثورة الصناعية يرى روستو أن هذه المرحلة ينتقل معدل الاستثمار من 5% إلى 10% من الدخل الوطني ، وكان موجودا في كندا قبل 1890 و الأرجنتين قبل 1914 حيث كان الاستثمار يفوق 5 % من الدخل الوطني.
الاندفاع نحو الاكتمال : تعتبر هذه المرحلة أطول نسبيا، وحجم الاستثمارات يقدر ما بين 10% و 20% من الدخل الوطني بحيث تفوق كمية الإنتاج الزيادة السكانية .
- يزداد تطبيق التكنولوجيا الحديثة، وتتسع رقعة القطاعات القيادية في الاقتصاد، ويصبح مستوى الاقتصاد ذا مستوى عالمي.
- تتطور التجارة الخارجية فتزداد الموارد المصدرة، كما تتطور المشتريات ويصبح البلد في غنى عن المواد التي كان يستوردها.
تتغير بنية العمال، فتدخل طبقة العمال الماهرين.
الاستهلاك الواسع : في هذه المرحلة يرتفع الدخل الحقيقي للفرد بحيث يصبح عدد كبير من الأفراد المجتمعي يتمتعون بكثير من الحاجات الضرورية (الأكل، اللباس، السكن).
فيتغلب عدد السكان المتمدنين على عدد الريفيين، ويتغلب كذلك عدد العمال الإداريين على عدد العمال الآخرين.
ويصبح التقدم التقني ليس هدف، لأنه يصبح أمرا سهلا و الوصل إليه أو بلوغه أمر بسيط .
النموذج المزدوج " Lewis" 1954: يعتبر هذا النموذج التنموي بمثابة النموذج الأكثر واقعية للعالم المختلف، لأن التنمية تعتمد على العدد الهائل من العمال المتواجدين في دول العالم الثالث بصفة عامة (حسب هذا النموذج).
يسمى هذا النموذج بالنموذج المزدوج لأن "لويس" يرى بأن مجتمعات الدول المتخلفة تتكون من قطاعين، قطاع تقليدي وقطاع رأس المال.
- قطاع تقليدي يعتمد في الأساس على الفلاحة الغذائية بالإضافة إلى وظائف أخرى حرة (تجارة صغيرة، أعمال موسمية).
- أما القطاع الرأسمالي هو قطاع متطور يقوم به الرأسماليون ويستخدمون تقنيات حديثة، ويستثمرون في القطاع الصناعي بصفة عامة .
* نموذج "هارود & دومر": يعتبر هذا النموذج بالنسبة للنمو أحد أشهر نماذج الكنزين الجدد، هذا النموذج الذي يعتبر التوفير ورأس المال عملية النمو الاقتصادي
"هارود دومار" شرحا فكرتهما هذه باستخدام المعادلة التالية :
g نسبة النمو .....
S نسبة الادخار ....
C المعامل الحدي لرأس المال
وهكذا فإن معدل النمو يكون أكثر ارتفاعا عندما تكون نسبة الادخار أعلى ما يكون، لكن في حالة عدم قدرة البلد توفير معدلات مرتفعة من الادخار الداخلي، فإنها تلجأ إلى الادخار الخارجي حتى تتمكن من تحقيق مستوى معين من النمو فتلجأ الدول المتخلفة ضعيفة الادخار إلى القروض من الخارج.
إن نموذج "هارود & دومر" يمكن في حقيقة الأمر تطبيقه في الدول المصنعة لأن الدول المتخلفة بالإضافة إلى نقص الادخار وتراكم رأس المال، فإنها لا تملك الإجراء المناسب لاستخدام التقنيات الحديثة، إذ تصطدم هذهالأخيرة في كثير من الأحيان بعدم إمكانية استغلالها من طرف العمال غير المكونين، بل إن الأوضاع السياسية و الاجتماعية في كثير من الدول المتخلفة غير مواتية لإدخال التقنيات الحديثة.
لكن اعتبار عنصر رأس المال الوحيد و الرئيسي لتحقيق التنمية تجعلها تخطئ، إذ في الحقيقة قد يلعب هذا العنصر دورا هاما، لكنه غير كافي لتحقيق التنمية و النمو، وتبقى العناصر الأخرى (من أوضاع اجتماعية وسياسية) تلعب الدور الأهم و الرئيسي لتحقيق التنمية .
المطلب الثالث : النظريات المعاصرة:
* الاقتصاد الجزئي الجديد للتنمية : لقد تشكل الاقتصاد الجزئي الجديد للتنمية عن طريق التكفل بثلاثة مواضيع أساسية هي الدراسة المقارنة لسلوك الأعوان الاقتصاديين في الدول النامية مع مفهوم ترشيد الاقتصاد الجزئي النموذجي وبروز الاقتصاد المؤسساتي الجديد للتنمية وأخيرا الأعمال حول الفقر.
- ويكون أحد أهداف الاقتصاد الجزئي في رفض الإدعاء الذي مفاده أن سلوك الأعوان الاقتصاديين في البلدان النامية غير عقلاني.
- وتجدر الإشارة أيضا إلى أن، هذا الإدعاء يقوم على أن الملاحظة في البلدان النامية للسلوكيات اللانمطية خاصة في الظاهر، مقارنة بدروس نظرية الاقتصاد الجزئي النموذجي كمنحنيات العروض التنازلية وفقا للأسعار ورفض اعتماد الإبداعات الاقتصادية المربحة أو التحويلات الهامة للمداخيل بين الأفراد دون تعاملات الاقتصادية خفية، يمكن أن تؤدي إلى التشكيك في مثل هذا المنطق.
وينفي الاقتصاد الجزئي للتنمية نفيا قاطعا هذا الإدعاء عن طريق التكفل بنقائص الأسواق و المحيط المؤسساتي التي تميز البلدان النامية.
يقوم البرهان الناجم عن ذلك أولا على حاجة أن مفهوم السوق المرتبط بالبلدان المتطورة لا ينطبق كليا على الواقع الاقتصادي و الاجتماعي للبلدان النامية، ولو حدث ذلك فإنها تتميز إما بعدم وجود هذه السوق أو تلك وإما بعدم اكتمال أو خلل في الأسواق عند وجودها.
كانت نقطة انطلاق التفكير حول هذا الموضوع دراسة سلوك الاقتصاد لأسر الفلاحين وذلك لكون أغلبية سكان البلدان النامية يعيشون في عالم الريف.
إن الخلاصة التي يمكن استنتاجها لوصف سلوكيات الأسر الريفية وصفا دقيقا، وهي الوصول إلى فهم وتمثيل لعيوب الأسواق.
وبصفة عامة يمكن أن تمارس نقائص السوق تأثيرا حاسما على اختيار نشاط الأعوان الاقتصاديين واعتماد الإبداعات التكنولوجية أو سلوك النزوح.
وتم التكفل بهذه الاعتبارات في ما يمكن أن يسمى بالاقتصاد المؤسساتي الجديد للتنمية .
* الاقتصاد الكلي للتنمية و النظرية الجديدة للنمو:
تمثل نشأة الاقتصاد الكلي للتنمية – بعد الاقتصاد الجزئي للتنمية-الجانب الآخر الهام المسمى بتجديد اقتصاد التنمية.
ينبغي التذكير أنه في بداية تكوينه كان اقتصاد التنمية يستند قليلا أو لا يستند بالمرة إلى مبدأ النظرية الاقتصادية النموذجية التي كانت أكثر تكيفا مع البلدان المتطورة، مفضلا التركيز على تمييز الاقتصاديات النامية بإعداد علم اليقين وعلم تصنيف التخلف واقتراح برامج ومناهج تخطيط للخروج منه.
ففي الثمانيات فقط المسماة "العشرية المفقودة للتنمية" بعد أزمة مديونية البلدان النامية، نجم عن مخططات التعديل الهيكلي التي طبقت عليها و الانتقاد الذي أثارته مقاربة جديدة للاقتصاد الكلي للتنمية.
وتكلفت هذه المقاربة إذن بالتفكير حول ضرورة جعل التعديل الهيكلي يتلاءم مع النمو وسياسة الإصلاحات.
بالموازنة مع ذلك وخلال تلك العشرية و في إطار أوسع من إطار البلدان النامية عرفت إشكالية النمو اهتماما متجددا نجم عنه ما يعرف بالنظريات الجديدة للنمو.
بالفعل فإن الشيء الجديد في هذه النظريات يقوم على الكيفية الجديدة التي يتم من خلالها اعتبار أصل ودور الرقي التقني وتدخل الدول في شرح النمو.
ينبغي التأكيد أن النظرية السائدة - حتى ذلك الوقت - كانت تعتبر أنه إذ وجد نمو مستقر على المدى الطويل فإن وتيرته لا تقارن إلا بتطور السكان و التكنولوجيا وليس بالسلوكيات الاقتصادية، و إذا كانت تساعد على استعراض انتظام وتأثر النمو الاقتصادي خلال الثلاثين سنة المزدهرة فالأمر لم يعد كذلك منذ منتصف السبعينات مع تباطؤ الإنتاج بصفة عامة ومستدامة وكذلك بصفة متغيرة بين البلدان، وعليه فإن تطور الإنتاجية مرهون بالاختيارات الاقتصادية ومن ثم يمكن تغيير هذا التطور.
ولم يعد الرقي التقني متغيرا خارجيا بل متغيرا اقتصاديا يحيل إلى سلوكيات وإلى مقادير اقتصادية كلية .
المبحث الثالث : العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي ومعوقاته
يُفَسّر النمو الاقتصادي على أنّه النمو في قدرة النظام الاقتصادي على تلبية رغبات الاستهلاك الفردية والجماعية,أما كيفية تلبية هذه الرغبات فقد تكون مشكلة تقنية خطيرة – تتطلب المحافظة على المنافسة وإصرارها على تأمين السلع الخاصة,وتتطلب أيضاً,وبطريقة إختبارية,إيجاد وسيلة ملائمة للقيام أولاً بتسجيل رغبة الأفراد في المنافع الجماعية وتمويلها.
المطلب الأول : العوامل المؤثرة في النمو الاقتصادي:
1- كمية رأس المال المادي :
إن المزيد من الأدوات المعاونة في عمليات الإنتاج تميل إلى أن تؤدي إلى المزيد و المزيد من الناتج من السلع و الخدمات وعلى ذلك أصبح الناتج للفرد، من تراكم الرأسمال ملحوظا، إلى الحد الذي أعتبر في وقت ما، أن رأس المال المادي هو المصدر الوحيد للنمو.
وعموما فطالما تتوافر لأي مجتمع فرص الاستثمار التي لم تكن مطروحة من قبل، فإنه من الممكن لهذا المجتمع أن يحقق زيادة في طاقته الإنتاجية بزيادة رصيده من رأس المال الحقيقي.
وإذا وضعنا في اعتبارنا "نظرية الإنتاجية الحدية"، فإن التراكم الرأسمالي – إذا كان له أن يصبح المصدر الوحيد للنمو- لا بد أن يكشف، عاجلا أم أجلا، عن تناقص العائد من رأس المال تبعا لتناقص إنتاجيته الحدية مع كل زيادة في الكمية المستخدمة منه في عملية الإنتاج، وهذا يدعو بدوره إلى التنبؤ بالتحرك تنازليا في جدول الإنتاجية الحدية، ومع ذلك فالدلالة العملية لا تؤدي هذا التنبؤ على طول الخط، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أثر رأس المال المادي في نمو الاقتصاد للولايات المتحدة في غضون القرن الحالي، وذلك أنع رغم الكميات الضخمة من رأس المال الجدي المستخدم في تلك المرحلة من تطور الاقتصاد الأمريكي، فإن نسبة الناتج لرأس المال قد ظلت ثابتة ولم تتدهور، وبالمثل فلم يكن ثمة اتجاه تنازلي في معدل العائد رأس المال، مما يوحي بحقيقة بالغة الأهمية، وهي أن فرص الاستثمار قد توسعت بنفس السرعة توسع الاستثمار في السلع الرأسمالية
2- الابتكار :
إن المعرفة الجدية و الابتكارات الجدية يمكن أيضا أن تساهم وبدرجة ملحوظة في نمو الدخل القومي ورؤية ذلك تتضح، ولو افترضنا أن الجزء من موارد المجتمع الموجهة لإنتاج السلع الرأسمالية يكفي بالكاد لإحلال رأس المال عندما يتعرض للتقادم، و بالتالي فإن الدخل القومي سوف ينمو بسبب تقدم المعرفة الفنية، لا بسبب تراكم المزيد من رأس المال ، وهنا فإن هذا النوع من الزيادة في الدخل يمكن أن يتأتى إما من خلال تقدم المعرفة الفنية داخل المجتمع وإما من خلال استقدام هذه المعرفة الفنية من الخارج(عصفور،1980: 120)
إن الدول الأقل تقدما يمكن أن تقوم بإحلال رأس المال القديم برأس المال الجديد وهذا ما يطلق عليه بالأساليب الفنية في الإنتاج التي كانت من قبل متبعة في الخارج، و لتي لم يتسن لهذه الدول أن تفيد منها بعد في تنمية اقتصادياتها، أم الدول الأكثر تقدما فإنه يتعين عليها أداء مهمة أصعب بكثير على ما يبدو، إذ ينبغي عليه تطوير الأساليب الفنية الجديدة عن طريق المضي في إجراء البحوث بغية ابتكار أسليب أخرى أكثر تطورا.
ومع ذلك فالدليل القائم حاليا حول ما يسمى "بالفجوة التكنولوجية" إنما يوحي بأن هناك مجالا للابتكار يتجاوز مجرد نقل الإنجازات الأجنبية في حقل التكنولوجيا.
ويتراءى لبعض الكتاب المعاصرين أن دول أوربا الغربية مختلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية في مسائل التكنولوجيا، و السبب في ذلك –على ما يبدو لهم – هو عدم قدرة هذه الدول على استغلال ما هو معروف من ابتكارات جديدة بصورة فعالة .
3- نوعية رأس المال البشري :
يعتبر عنصر العمل كأحد عناصر الإنتاج على أنه نسق واحد كأحد مداخلات العملية الإنتاجية، و العمل يختلف من نوع إلى أخر – من الميكانيكي الماهر إلى العالم أو إلى الحفار- وذلك نظرا لأن ما ينتجه أي منهم في وحدة زمن (ساعة مثلا) يضفي عليه المجتمع قيمة تختلف عن قيم ما ينتجه الآخرون.
فمن الملاحظ أن نوعية العمل ترتبط إيجابيا ببعض الأمور الهامة ومنها التحسينات في صحة السكان وطول أعمارهم، وهذه الأمور ، بطبيعة الحال، مرغوبة كأهداف في حد ذاتها، ولكن لها نتائج تنعكس على مستوى الإنتاج والإنتاجية.(مصبح،2000: 7)
من ناحية ثانية من النواحي المتعلقة بنوعية رأس المال البشري وهي التعليم و التدريب الفني بمختلف مستوياته، من مجرد تعليم كيفية تشغيل الآلة إلى تعليم كيف يمكن أن يكون المرء عالما، ومما لا شك فيه أن التعليم و التدريب أمر مطلوب للارتقاء بنوعية العمل، وذلك من أجل ابتكار وتشغيل وإدارة وإصلاح الآلات الضخمة المعقدة التركيب في غمرة التطوير التكنولوجي الكبير في غضون المائة سنة الأخيرة، كما أن كل الدراسات الجادة تشير إلى أن التعليم المتقدم أو التدريب الفني يعمل على زيادة الناتج الكلي بنفس القدر من الموارد المتاحة، وزيادة متوسط ناتج (دخل) الفرد تبعا لذلك .
بصفة عامة كلما طالت فترة تعليم الفرد ، فإنه يصبح أكثر قدرة على التكيف مع التحديات الجديدة و المتغيرة(دووب،1980: 7).
وقد ذكر شولتز أن مفتاح النمو الاقتصادي يعتمد على نوعية السكان والتي تكون الوحدة الاقتصادية ، وراس المال البشري يختلف عن نوعين من راس المال وهي راس المال الطبيعي وراس المال الآلي.
المطلب الثاني:معوقات النمو الاقتصادي:
هناك العديد من المعوقات نذكر منها على سبيل المثال :
1ـ التعليم : لا جدال أن التعليم يرفع من كفاءة عنصر العمل بمختلف أنواعه إلى حد كبير، وكلما دخلت أسليب حديثة لسير العمل في مختلف ميادين الإنتاج، بات من الضروري الارتفاع بالمستويات التعليمية و التدريبية لقوة العمل، إن شخصا يستطيع القراءة و الكتابة و الحساب لا بد أن يكون أكثر كفاءة بكثير في أعمال عديدة من شخص أمي لا يقرأ و لا يكتب ولا يحسب، كما أن مدير متدربا على الطرق الحديثة في إمساك الحساباتوإدارة الأفراد و الرقبة على موجودات منشأته وسير العمل فيه، هو أكثر فاعلية بكثير - في صدد الحصول على أكبر قدر من المخرجات السلعية من مداخلات معينة- من مدير يجهل هذه الأساليب الحديثة في إدارة الأعمال.
من الواضح أن كثير من الدول الآخذة في النمو، قد خصصت نسبة كبيرة من الموارد التعليمية لقلة قليلة من الأفراد لينالوا في النهاية قسطا وافرا من التعليم و التدريب، وذلك عن طريق بعثات تعليمية إلى الخارج لفترات يتلقون فيها الدراسة المتقدمة في مختلف مجالات تخصصاتهم العملية (دووب،1980: 20)
وأي كان الأمر، فإن معظم الدراسات الجدية عن أوضاع الدول المتخلفة تحث على زيادة وليس نقص الاتفاقات على التعليم، لأن النقص في التعليم بأنواعه المختلفة يشكل عائقا خطيرا للنمو.
2ـ الصحة : لا جدال أن زيادة كبيرة في الإنتاجية يمكن أن يتحقق بارتفاع بالمستويات الصحية للأيدي العاملة، بالجهد المبذول من جانب الأفراد العاملين يكون أكثر فاعلية، عندما يكون مستواهم الصحي مرتفع منه عندما يكون هذا المستوى متدنيا، بيد أن معرفتنا بالأثر الكمي للتغيرات في المستوى الصحي لقوة العمل أقل مما نود أن نعرفه، كما أنه علينا الارتفاع بالمستوى الصحي للمواطنين في أي مجتمع متخلف.
ثمة حقيقة بالغة الأهمية في هذا الصدد، وهي أن المكاسب ليست دائما نعمة لا تشوبها أية شائبة، ذلك أنها تعمل في نفس الوقت على خفض معدلات الوفيات، و بالتالي فإنها تسهم في النمو السريع للسكان، وفي المدى القصير فإن هذه المكاسب الضخمة، المصحوبة بانخفاض معدلات الوفيات، تجعل النمو الاقتصادي أكثر صعوبة.
3ـ الموارد الطبيعية: يمكن القول أن الموارد الطبيعية ذات أهمية خاصة لعملية النمو، ذلك أن أية دولة تتوافر لديها إمدادات كبيرة من الموارد القابلة للنمو بسهولة، سوف يكون النمو أسهل عليها من دولة أخرى لا يوجد لديها إلا موارد قليلة أقل قابلية في التوصل إليها و الاستفادة منها في عملية النمو.
وأي كان الأمر، فإن تنمية ما هو متاح من الموارد الطبيعية هي وسيلة هامة لدعم النمو، بل ومن المشاهد عمليا أن إمدادات أي بلد من الأرض و الموارد الطبيعية غالبا ما تكون قابلة للتوسع بسهولة في استخدامهاالفعال، إن لم يكن في كميتها الكلية ، غير أن المشاهد عمليا أيضا في بعض الحالات، أن الأرض المخصصة لمنتجات زراعية وفقا لنظام غير سليم للتركيب المحصولي، و الأرض المتروكة دون استغلال بسبب النقص في وسائل الري هي أمثلة معروفة جيدا عن معوقات النمو .
4ـ التكنولوجيا : إذا أخذنا بعين الاعتبار الجانب التكنولوجي في عملية التنمية على الأقل، فلا بد أن النمو يكون أسرع بالنسبة لدولة متخلفة فقيرة منه بالنسبة لدولة متقدمة غنية، وما ذلك إلا لأنه يمكن إدخال أحدث الأساليب الفنية في الإنتاج و التوزيع في الدول الفقيرة لتسهم بذلك في عملية النمو إسهاما كبيرا.
وهنا فإن الدول المتخلفة الفقيرة لا تحتاج لإنفاق مبالغ ضخمة في مجال البحوث العلمية و التقدم التكنولوجي، حيث يمكن لها أن تستخدم ما سبق ابتكاره من أسليب فنية حديثة ومتطورة في الدول الأكثر تقدما، إن مثل هذا الوضع ذو دلالة هامة من زاوية إمكانيات تحقيق التنمية الاقتصادية السريعة في العالم النامي،لأن الدول الأكثر تقدما لا يمكن أن تدخل على نشاطها الإنتاجي أي أسلوب فني جديد إلا عندما يكون قد تم فحصه واختباره وتطويره و التيقن من صلاحيته للتطبيق العلمي وفاعليته في تقدم الإنتاج، وهو ما ينطوي على إنفاق مبالغ طائلة في أغلب الأحيان لا يمكن أن توفرها الموارد المحدودة لأي دولة فقيرة متطلعة إلى النمو.
كذلك تتطلب عملية تطوير التكنولوجيا مراكز ومعاهد للقيام بالبحوث العالمية للدولة المستوردة للتكنولوجيا، أيضا تحتاج إلى أعداد كافية من الباحثين في مختلف التخصصات، على مستوى عالي من الكفاءة المهنية و التدريب المهني، وعلى دراية تامة لكل تطور في تكنولوجيا الإنتاج، حتى تكون لديها القدرة الإبداعية في عملية التطوير و الخيال الخصب في النظرة المستقبلية لمتطلبات التنمية(العمادي،1985: 3) غير أن هذه المقومات الأساسية للتقدم التكنولوجي في العالم النامي قد تكون مفتقدة في بعض دول هذا العالم، وبالتالي تصبح التكنولوجيا عائق للنمو.
الفصل الثالث
تطور مؤشرات النمو الاقتصادي والجريمة
دراسة وصفية تحليلية
المبحث الأول مؤشرات النمو الاقتصادي
المطلب الأول: البطالـة :
تعتبر مشكلة البطالة من أهم المشكلات التي تعاني منها العديد من الدول ويقصد بالبطالة بصفة عامة أن بعض الموارد الاقتصادية المتاحة في المجتمع غير مستغلة الاستغلال الكامل أو الأمثل .
وإذا ركزنا على البطالة في سوق العمل بصفة خاصة فإن البطالة تعنى أن هناك جانب من أفراد المجتمع الراغبين والقادرين على العمل ويبحثون عن فرصة عمل ولا يجدونها .
وهي ذات أبعاد مختلفة ، فهي ظاهرة اقتصادية تبين وجود خلل في النشاط الاقتصادي كما تعتبر في نفس الوقت ظاهرة اجتماعية لما لها من آثار اجتماعية على تركيبة المجتمع والتوقعات المستقبلية تشير إلى منحنى تصاعدي في معدلات البطالة وذلك رغم المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تحققها الدول كارتفاع معدلات النمو وزيادة معدل الاستثمارات والشكل رقم ( 1 ) يوضح خط البطالة في سورية .
ومن خلال استعراض واقع البطالة في سورية وحسب المسوحات التي قام بها المكتب المركزي للإحصاء كانت نسبة العاطلين عن العمل من فئة 15-24 عاماً تقارب 3,72 % من مجموع العاطلين .
أما إذا تم الربط بين البطالة والتعليم فنرى أن البطالة تمس وبشكل مميز المتعلمين حيث تشكل نسبة الأميّون والمتعلمون الذين أنهوا المرحلة الابتدائية نحو 3,61 % من قوة العمل في حين يشكل حملة الشهادة الإعدادية والمدارس المهنية 2,14 % من قوة العمل والباقي 5,24 % من قوة العمل هم خريجي المدارس الثانوية والمعاهد والجامعات فنسبة البطالة بين الأميين 8,57 % من إجمالي العاطلين عن العمل في حين ترتفع نسبة العاطلين عن العمل من حملة الشهادة الإعدادية من فوق إلى 8,42 % وهي نسبة أعلى من حصتهم في قوة العمل ، ومما سبق نرى أن البطالة تتركز بنسب عالية في فئة الشباب التي تعتبر الفئة المنتجة كما أن هناك ارتباط بين البطالة ومستوى التعليم حيث ترتفع نسبة البطالة لدى المتعلمين كما أن هناك ارتباط بين ظاهرة البطالة وعمالة الأطفال من خلال انعكاس بطالة البالغين في الأسرة على عمل الأطفال .
ويعود السبب الرئيسي لكل ذلك إلى غياب النمو ودوره السلبي في سوق العمل إذا لم تتولد فرص عمل كافية لاستيعاب الداخلين الجدد إلى صفوف الأيدي العاملة ومن خلال القيام بإسقاط للنمو السكاني ووفق لبحث منشور على موقع هيئة التخطيط فقد بلغ وسطي معل النمو السكاني (3,36%فياالفترة1990-1995) و(2,7%للفترة1996-2000) و(2,45%للفترة2001-2003) وبلغت الزيادة في عدد السكان في سن العمل للفترة 1990-1995 في المتوسط 286 ألف ومعدل المشاركة 58%تمثل حوالي 166 ألف طالب للعمل بنفس الوقت الذي كان فيه الاقتصاد السوري قادر على توفير 198الف فرصة عمل،وبالتالي خلق 32 ألف فرصة عمل تمتص جزءاً من البطالة المتراكمة، وعلى النقيض من ذلك فقد بلغت الزيادة في عدد السكان في سن العمل في الفترة1999-2003في المتوسط 375الف وبمعدل مشاركة 57%أي 214الف طالب للعمل ،وفر الاقتصاد السوري 162الف فرصة عمل وبالتالي ازداد عدد العاطلين عن العمل بمعدل 52الف عاطل سنوياً خلال هذه الفترة.
المطلب الثاني: التضخم : يهدد التضخم عمليات النمو والتنمية الاقتصادية ومستويات الاستقرار السياسي والاجتماعي وإضعاف ثقة الأفراد في العملة الوطنية وسوء تخصيص الموارد الاقتصادية وارتفاع تكاليف الإنتاج وانكماش أسواق التصدير وانخفاض حصيلة الدول من العملات الأجنبية والاتجاه نحو المضاربات في الأسواق مما يعمق من مشكلة الاختلال الهيكلي بصفة عامة ومن الاختلال في التوازن الاجتماعي وبين الفئات والطبقات المختلفة بصفة خاصة ، ويرجع كل هذا إلى عدم كفاية وكفاءة السياسات الاقتصادية .
والتضخم: هو الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، ويمكن أن نعرف التضخم بأنه نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة لأن كثير من الاقتصاديين يعتبرون ارتفاع المستوى العام للأسعار مظهراً من مظاهر التضخم ( ناصف -2007-248 ) ومن خلال استعراض الشكل رقم ( 2 ) نرى أن التضخم كان حاداً في فترة الثمانينات ثم عاد إلى الانخفاض أواخر الثمانينات ثم أصبح سالباً بالعام 1999م ثم عاد إلى الارتفاع.
ويشير الدكتور عماد الدين مصبح في بحثه التضخم في سورية بين 1970-2004 إلى ان التضخم قد كان مرتفعاً معظم هذه الفترة ، ففي حين كان 10 % أواسط السبعينات تراجع إلى 5 % أواخرها ليعود للارتفاع بحدة بعد عام 1982م فوصل حتى 50-60 % أواخر الثمانينات ليعود إلى 15 % أواسط التسعينات وليتحول إلى سالب عام 1999م ( 5,6 - % ) بسبب سياسة انكماشية حادة طبقت على مدة15 عام بين 1986م و2000م وكان لها أثر سيء على النمو الاقتصادي ويمكن تفسير انحسار التضخم باعتباره نتيجة لسياسة نقدية مقيدة .
المطلب الثالث: الناتج المحلي الإجمالي وتطور معدلات النمو الاقتصادي :
من خلال إلقاء نظرة عامة على مسارات النمو الاقتصادي وتطورها خلال سنوات ( 1970-2008 ) نجد أن معدل النمو الاقتصادي بلغ خلال الفترة ( 1970-1975 ) حوالي 13 % ، وهو أعلى معدل وصل إليه خلال فترة الدراسة ، لكنه انخفض إلى 4,0 % خلال الفترة ( 1996-1990 مسجلاً بذلك أدنى معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الدراسة ، ثم عاد وارتفع إلى 8 % في الفترة ( 1991-1995 ) ليبدأ بالتراجع ثانيةً حيث وصل إلى 4 % للفترة ( 1996-2000 ) و5 % للفترة ( 2006-2008 ) مسجلاً بذلك انخفاضاً بمقدار 8 نقاط مئوية عما كان عليه في الفترة ( 1971-1975 ) ( انظر الجدول رقم 1 ) .
الجدول رقم (1) يوضح معدلات النمو بحسب الخطط الخمسية
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي
|
الخطط الخمسية
|
13,3%
|
1971 _ 1975
|
7,2%
|
1976 – 1980
|
2,9%
|
1981 - 1985
|
0,37%
|
1986- 1990
|
8,2%
|
1991 – 1995
|
3,8%
|
1996 – 2000
|
5,1%
|
2001 – 2005
|
5,0%
|
2006 – 2008
|
وبالتالي عايش الاقتصاد السوري مرحلتي نمو اقتصادي سريع حقق فيهما أعلى معدل له في تاريخه الحديث ، وهما المرحلة الأولى ( 1970-1980 ) والمرحلة الثانية ( 1990-1996 ) وقد ارتبط النمو الاقتصادي السريع الأول بعملية التعبئة التنموية التوسعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الشاملة التي استندت إلى مركزية القطاع العام ، والاعتماد على التمويل الخارجي ( معونات ، قروض ) في حين ارتبطت المرحلة الثانية بإدارة الخروج التدريجي من الأزمة البنيوية الثقيلة التي وصل إليها الاقتصاد السوري خصوصاً ، والتي ابتدأت أواسط الثمانينات من القرن العشرين ، تميزت مرحلة ( 1980-1986 ) بتراجع وتيرة عملية التعبئة التنموية الاقتصادية التوسعية ووصولها إلى أق مسدود بسبب تناقص مواردها التمويلية لصالح تكثيف وتيرة التعبئة السياسية والاجتماعية التي تسارعت طرداً مع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية السياسية على سورية ، التي أثرت مباشرةً في انحسار المساعدات العربية ، ليترافق هذا الانحسار مع أثر انخفاض أسعار النفط على تحويلات العمالة السورية وانخفاض عوائد العبور والترانزيت ( تقرير سورية 2025: 122 ) ، خلال الفترة ( 2000-2008 ) تراجع مستوى النمو في سورية إلى 7,3 % من ناحية أخرى ، يبين معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بأن هناك اختلافات متفاوتة بين تغيرات معدل النمو ، ونتبين ذلك من خلال الانحراف المعياري لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الدراسة .
كان معدل نمو حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فترة السبعينات بحدود 2,6 % وذلك بسبب المساعدات التي تلقتها سورية من الدول العربية النفطية خلال الفترة ( 1977-1979 ) أثناء الفورة في أسعار النفط عقب حرب تشرين التحريرية من عام 1973.
في حين تراجع الأداء الاقتصادي بحدة في عقد الثمانينات ، حيث بلغ معدل النمو في حصة الفرد من الناتج قريباً من 6,0 % ( نمو سلبي ) وذلك مع انحسار المساعدات العربية والأزمة الأمنية الداخلية ، إضافة إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان والعقوبات التي فرضتها أوروبا على سورية عام 1986م
أما في عقد التسعينات ، مرحلة الانفتاح الاقتصادي الجزئي ، فقد حقق معدل النمو في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تحسناً ملحوظاً إذ بلغ 0,3 % ، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الاكتشافات النفطية المهمة في منطقة دير الزور ، بحيث أصبح الإنتاج النفطي بحدود 600 ألف برميل يومياً ( المصبح ، 2008: 53 ) إلا أنه عاد للتراجع في الفترة ( 2000-2008 ) ووصل إلى 1,2 % ( الشكل رقم 4 ) .
بعد هذا التحليل لابد من الوقوف على عامل مهم وهو إنتاجية عوامل الإنتاج حيث تمثل إنتاجية عوامل الإنتاج المصدر النوعي للنمو الاقتصادي(المصدر الكمي هو الاستثمار المادي وعدد المشتغلين) حيث تعكس الجانب التقني في العملية الإنتاجية بالإضافة إلى رأس المال البشري وفعالية الإدارة أو المؤسسات ، وبالتالي فإن رفع معدلات النمو الاقتصادي بشكل مستدام لا يمكن أن تتم عبر الزيادة التراكمية في مصادر النمو الكمية،وذلك لأن هذه الموارد محدودة من جهة وخاضعة لقانون الغلة المتناقصة من جهة أخرى.
أما النمو المستند إلى الإنتاج المعرفي الذي يتولد من استثمار عال في رأس المال البشري ينعكس على العملية الإنتاجية من خلال عملية التقدم التقني مما يقود إلى خلق قيم مضافة عالية وبالتالي فإن استثمار الدولة في الصحة والتعليم والبحث العلمي يعتبر استثمار حقيقي وليس دعم ،ولا تخضع عوائد الإنتاج المعرفي إلى قانون الغلة المتناقصة بسبب قدراته الإبداعية والخلاقة
فعلى سبيل المثال يعزى أكثر من 70%من النمو الاقتصادي في القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجمل إنتاجية عوامل الإنتاج، وفي سورية تراجعت الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج على المدى الطويل وهذا دليل على تراجع نسبي في المستوى التكنولوجي وفي إنتاجية رأس المال البشري،هذا النمط من النمو الاقتصادي لن يسمح بارتفاع دخل الفرد على المدى الطويل ويبين الجدول رقم(2) نسبة مساهمة عوامل الإنتاج في النمو.
الجدول رقم (2) يوضح نسبة مساهمة عوامل الإنتاج في النمو
الفترة
|
معدل النمو
|
مساهمة العمل
|
مساهمة رأس المال
|
مجمل إنتاجية عوامل الإنتاج
|
1990-1996
|
8,5
|
2،2
|
5,9
|
0,3
|
1997-2003
|
4,2
|
0,6
|
4
|
-2,2
|
1990-2003
|
5,3
|
1,2
|
4,9
|
-0,7
|
يلاحظ من الجدول أن الاعتماد الرئيسي للاستثمار في سورية هو الاستثمار الكمي إذ نلاحظ تراجع مساهمة المشتغلين في النمو الاقتصادي نتيجة تراجع معدلات التشغيل ، لكن الظاهرة الأخطر هي تراجع مساهمة مجمل إنتاجية عوامل الإنتاج في النمو الاقتصادي ، وذلك دليل ضعف المكون التقني في الاقتصاد الوطني وضعف مساهمة رأس المال البشري وانخفاض إنتاجيته نتيجة أسباب عديدة أبرزها تراجع المستوى التعليمي للمشتغلين في سورية، فقد بلغ نسبة الحاصلين على الابتدائية فمادون 66% و12%يحملون الإعدادية و7% يحملون الشهادات الجامعية ولا يمكن بهذه التركيبة دخول سباق التنافسية مع دول العالم الذي سبقنا في الاستثمار في التعليم والبحث العلمي.
المبحث الثاني
تطور الجريمة في سورية
تمهيد:
إن الجريمة ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وجدت مع وجود الإنسان وأغلب الظن أنها ستظل موجودة بوجوده، وهي ليست أزلية أبدية فحسب بل إنها كما تؤكد البيانات الصادرة عن المحافل الدولية في نمو مستمر.
الجريمة ظاهرة قديمة وإن كنا لا نملك أية وثيقة تحدد بدء تاريخها ولكنها موجودة على الأقل منذ بدء التاريخ المكتوب للإنسان فقد احتوت أغلب الشرائع القديمة قواعد في التجريم والعقاب ولكن حجم الجريمة لم يكن معروفاً في أية دولة قبل القرن التاسع عشر ففي هذا لقرن قدم علم الإحصاء للمرة الأولى معدلات دقيقة عن الجرائم.
فالجريمة إلى جانب هدرها للأنفس والأموال والحقوق والحريات وإخلالها بأمن المجتمعات واستقرارها صارت باهظة التكاليف وعبئاً ثقيلاً على الاقتصاد القومي تنوء أية دولة في العالم بحمله.
المطلب الأول :الاتجاه العام للجريمة في سورية:
على الرغم من الآثار الإيجابية لعملية النمو الاقتصادي إلا أن لها العديد من الآثار الجانبية، فالنمو الاقتصادي لا يمنع الجريمة بل قد يحد من انتشار صور معينة وقد يصاحبه نشوء صور جديدة كجرائم النصب والاحتيال والاحتكار والتزييف وجرائم الحريق العمد، وجرائم الرشوة وجرائم تهريب الأموال، وكذلك جمع الأموال كما ظهرت أشكال جديدة من الجرائم كسرقة البنوك و من الملاحظ زيادة معدلات الجريمة وكثرة انتشارها وتنوع أنماطها واتجاهاتها واتخاذها أنماطاً جديدة لم تكن معروفة في مجتمعنا من قبل وهذا التطور مرتبط بالتقدم الاجتماعي فمع تقدم العلم والتكنولوجيا برزت أنواع وأنماط من الجرائم تتزامن مع روح العصر كالجرائم الإلكترونية وجرائم غسل الأموال وجرائم البيئة وجرائم الاتجار بالبشر.
المطلب الثاني :حجم الجريمة في سورية:
إن إحصاءات الجريمة تزيد وتنقص وهذا الأمر مرتبط بالكثافة السكانية وتوزيع هذه الكثافة بين الريف والحضر واتجاهات الهجرة منها وإليها ومستويات الدخول.
الجدول رقم (3)عدد الجرائم مع تفصيل لعدد كل نوع منها
السنة
|
قتل وشروع فيه
|
سرقات وشروع فيها
|
رشوة
|
اختلاس
|
تزوير أوراق رسمية
|
تزوير أوراق مالية
|
جنح سرقة
|
عدد الجرائم
|
1985
|
574
|
2226
|
17
|
8
|
69
|
76
|
2495
|
29246
|
1986
|
433
|
2095
|
28
|
5
|
50
|
69
|
2269
|
23727
|
1987
|
456
|
3068
|
51
|
10
|
63
|
67
|
2929
|
26447
|
1988
|
425
|
3035
|
37
|
3
|
89
|
32
|
2794
|
24791
|
1989
|
433
|
3002
|
26
|
11
|
33
|
23
|
2956
|
23918
|
1990
|
394
|
3310
|
28
|
14
|
52
|
34
|
3714
|
44480
|
1991
|
357
|
2978
|
28
|
9
|
28
|
82
|
3197
|
43253
|
1992
|
375
|
2747
|
31
|
6
|
29
|
44
|
3311
|
41662
|
1993
|
346
|
2498
|
19
|
9
|
41
|
19
|
3185
|
46448
|
1994
|
315
|
2515
|
9
|
6
|
28
|
9
|
2803
|
41844
|
1995
|
329
|
2525
|
12
|
15
|
50
|
26
|
2856
|
39658
|
1996
|
333
|
2695
|
27
|
4
|
51
|
36
|
3168
|
44783
|
1997
|
296
|
2631
|
8
|
9
|
60
|
97
|
3484
|
44667
|
1998
|
336
|
2586
|
12
|
15
|
68
|
92
|
2615
|
37308
|
1999
|
330
|
2720
|
7
|
10
|
111
|
173
|
2724
|
38837
|
2000
|
357
|
3237
|
11
|
21
|
138
|
379
|
3536
|
45528
|
2001
|
376
|
3338
|
12
|
10
|
147
|
337
|
4058
|
46019
|
2002
|
368
|
3937
|
17
|
24
|
212
|
319
|
4907
|
49819
|
2003
|
405
|
4654
|
16
|
18
|
166
|
333
|
7695
|
53208
|
2004
|
426
|
4492
|
31
|
15
|
236
|
526
|
7052
|
62972
|
2005
|
430
|
5011
|
27
|
9
|
244
|
514
|
6865
|
77508
|
2006
|
446
|
4799
|
27
|
15
|
235
|
678
|
7695
|
84333
|
2007
|
533
|
5261
|
33
|
14
|
286
|
637
|
7764
|
92121
|
2008
|
529
|
5523
|
31
|
29
|
464
|
572
|
9559
|
97132
|
وبلغ عدد الجرائم الواقعة في أنحاء الجمهورية العربية السورية خلال عام 2008 /97132/ جريمة مقابل /92121/ جريمة عام 2007 أي أنها زادت بمقدار /5011/ جريمة ويعرض الشكل رقم (7) التوزيع الزمني لمعدلات الجرائم المسجلة خلال فترة الدراسة ومنه تتضح حالة النمو المتصاعد لعدد الجرائم المسجلة وهو أقرب إلى التذبذب منه إلى التدرج المنتظم. حيث بلغت قيمة الانحراف المعياري للقيم عن معدلها ( 18117) جريمة.
ونلاحظ تقارب معدل الجريمة خلال سنوات الدراسة وقد مثلت جرائم السرقة النسبة الأكبر من مجموع الجرائم فجرائم الأموال تفوق مثيلاتها من الجرائم ضد الأشخاص والمخدرات بل إنها قد تكون دافع لباقي الجرائم.
المطلب الثالث: سمات الجريمة في سورية:
بعد دراسة حجم واتجاه الجريمة يمكن أن نستخلص السمات التالية من الجريمة في سورية:
1- ارتفاع معدل الجريمة بين الأميين وأصحاب التعليم المتوسط أو من يقرؤون ويكتبون وهذا يؤكد ارتباط السلوك الإجرامي بمستوى التعليم.
2- زيادة معدل الجريمة في المناطق الحضرية عنه في الريف.
3- لا يوجد أي أرقام أو وجود للجريمة المنظمة في سورية.
4- شكلت جرائم العنف والجرائم ضد الممتلكات معدلات كبيرة تهدد كيان النظام الاجتماعي حيث تأتي جرائم السرقة بالمرتبة الأولى.
5- تختلف نوعية الجريمة من منطقة إلى أخرى حيث تتركز جرائم القتل ذات طابع الثأر في الأرياف وجرائم الأموال كالاحتيال والسرقة في المدينة.
6- من يتمعن بالجدول رقم (3) يرى ارتفاع عدد جرائم الرشوة وجرائم الاختلاس وجرائم التزوير بالمقارنة مع غيرها من السنوات وهي جرائم مرتبطة بالفساد والذي يعتبر نمطاُ جديد من أنماط الجريمة.
كما برزت جرائم تتزامن مع روح العصر وبالتالي لابد من التدريب وتأهيل الكوادر التي تكون على دراية بكل ما هو جديد ومواكب للتطور
حيث تعتبر جودة الخدمات الشرطية مؤشر على تنافسية الاقتصاد الوطني بحسب مؤشرات التنافسية.
الفصل الرابع
الدراسة التجريبية للعلاقة بين الجريمة والنمو الاقتصادي
العينة وفترة الدراسة:
فترة الدراسة تتمثل في الفترة من عام 1985 حتى عام 2008م، وعينة كل الدراسة هي أرقام الجريمة في سورية وأرقام بعض المؤشرات التي تعطي صورة عن النمو الاقتصادي في الجمهورية العربية السورية.
تعريف المتغيرات:
أولاً ـ المتغير التابع: وهو عدد الجرائم ويدخل ضمنه الجرائم التالية:
السرقة: وهي أخذ مال الغير المنقول دون رضاه.
الاختلاس: وهو الاستيلاء على الأموال التي تكون تحت تصرف شخص وليس له الحق فيها وإنما تكون تحت يده بحكم العمل (استيلاء الموظف على المال العام الموضوع بحيازته بحكم وظيفته).
الرشوة: وهي ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه وهي ما يدفع لإبطال حق أو إحقاق باطل.
التزوير: تغيير الحقيقة في بيان جوهري في محرر بإحدى الطرق بشكل يحتمل أن يسبب ضرراً مع نية استعمال المحرر فيما زور لأجله.
القتل: هو إزهاق الروح.
ثانياً ـ المتغيرات المستقلة: تم تحديد هذه المتغيرات كونها تعكس نتائج السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي.
1- معدل البطالة: وهو قسمة عدد العاطلين على إجمالي القوة العاملة من الذكور والإناث مع ضرب ناتج القسمة بـ 100.
2- معدل الإعالة: مدى العبء الذي يتحمله الجزء المنتج بين السكان ويعبر عنه بالمعادلة الآتية:
عدد السكان الأقل من 15 سنة والأكثر من 65 سنة
|
× 100
|
السكان في الفئة العمرية (15- 65)
|
3- الناتج المحلي الإجمالي: GDP مجموع السلع النهائية المنتجة في الاقتصاد الوطني خلال سنة.
4- الرقم القياسي لأسعار المستهلك: وسيلة إحصائية لقياس التغيرات في أسعار السلع والخدمات المشتراة من قبل المستهلك بين فترة وأخرى وهو يعتبر مؤشر يعتمد عليه في دراسة مستويات غلاء المعيشة ومستويات التضخم والانهيار الاقتصادي.
5- نسبة سكان الحضر إلى إجمالي السكان: ويتم الحصول على هذا المتغير بقسمة عدد سكان الحضر على عدد السكان مع ضرب ناتج القسمة في 100 وسكان الحضر هم السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية داخل الدولة.
البيانات ومصادرها:
الجدول رقم (4)بيانات الدراسة
السنة
|
الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2000
|
معدل البطالة
|
الرقم القياسي لأسعار المستهلك
|
معدل الإعالة العمرية
|
نسبة سكان المدن
|
عدد الجرائم
|
1984
|
492840
|
0.094752
|
10.4240398
|
1.082785
|
47.66
|
28714
|
1985
|
522978
|
0.089589
|
12.2224922
|
1.080529
|
47.9
|
29246
|
1986
|
497113
|
0.084707
|
16.6303497
|
1.076552
|
48.1
|
23727
|
1987
|
506595
|
0.080091
|
26.5228081
|
1.069736
|
48.3
|
26447
|
1988
|
573802
|
0.075727
|
35.6896772
|
1.058813
|
48.5
|
24791
|
1989
|
522399
|
0.071601
|
39.758021
|
1.043193
|
48.7
|
23918
|
1990
|
562315
|
0.067699
|
47.4698316
|
1.023091
|
48.9
|
44480
|
1991
|
606745
|
0.067641
|
51.7421164
|
0.999391
|
49.14
|
43253
|
1992
|
688475
|
0.067582
|
57.4384962
|
0.973059
|
49.38
|
41662
|
1993
|
724131
|
0.067524
|
65.0336693
|
0.945172
|
49.62
|
46448
|
1994
|
779549
|
0.067465
|
75.0023339
|
0.916526
|
49.86
|
41844
|
1995
|
824373
|
0.072245
|
80.9874885
|
0.887461
|
50.1
|
39658
|
1996
|
860645
|
0.077363
|
87.6688673
|
0.858204
|
50.4
|
44783
|
1997
|
876137
|
0.082843
|
89.3223998
|
0.829234
|
50.7
|
44667
|
1998
|
931660
|
0.088712
|
88.6103523
|
0.801076
|
51
|
37308
|
1999
|
898552
|
0.094997
|
85.3284874
|
0.774193
|
51.3
|
38837
|
2000
|
923198
|
0.103465
|
82.0466225
|
0.748931
|
51.6
|
45528
|
2001
|
971213
|
0.116986
|
84.5080212
|
0.725467
|
51.92
|
46019
|
2002
|
1009630
|
0.121114
|
84.3977337
|
0.703932
|
52.24
|
49819
|
2003
|
1026190
|
0.123448
|
89.2901264
|
0.684429
|
52.56
|
53208
|
2004
|
1085960
|
0.080017
|
93.248484
|
0.667056
|
52.88
|
62972
|
2005
|
1134860
|
0.082
|
100
|
0.651584
|
53.2
|
77508
|
2006
|
1192740
|
0.084
|
110.024111
|
0.638027
|
53.54
|
84333
|
2007
|
1242830
|
0.109
|
114.323533
|
0.626789
|
53.88
|
92121
|
2008
|
1307460
|
0.109
|
132.324145
|
2.452382
|
54.22
|
97132
|
تم الحصول على البيانات المتعلقة بالجريمة من المجموعة الإحصائية وبالنسبة لباقي البيانات تم حسابها بإشراف الدكتور المشرف .
النتائج التجريبية:
- كل ثوابت معادلة التقدير معنوية عند مستوى الدلالة أقل من 1% ما عدا مرونة عدد الجرائم بالنسبة لمعدل البطالة غير معنوية.
- بلغت قيمة معامل التحديد 94.58% وهو ما يشير إلى المقدرة التفسيرية للنموذج.
إن هذا النموذج يفسر 95% تقريباً من التغير في عدد الجرائم في سورية خلال فترة الدراسة.
- وتشير إحصائية (F) إلى معنوية النموذج عند مستوى الدلالة أقل من 1%.
كما تشير إحصائية [دوربن واطسون] إلى أن النموذج لا يعاني من مشكلة الارتباط الذاتي المتسلسل للأخطاء.
- وبالنتيجة من الناحية الإحصائية فإن العلاقة بين عدد الجرائم في سورية خلال فترة الدراسة علاقة حقيقة ومعنوية، كما أن زيادة الرقم القياسي لأسعار المستهلك بمعدل 1% تؤدي إلى تخفيض عدد الجرائم بمعدل 0.77%.
- وجود اثر موجب ومعنوي للتغير في عدد سكان الحضر على عدد الجرائم فزيادة نسبة سكان الحضر إلى إجمالي السكان بمعدل 1% تؤدي إلى زيادة عدد الجرائم بمعدل 56%.
- وجود أثر موجب ومعنوي للتغير في الناتج المحلي الإجمالي على عدد الجرائم فزيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1% تؤدي إلى تخفيض عدد الجرائم بمعدل 2%.
- وجود أثر موجب ومعنوي للتغير في معدل الإعالة على عدد الجرائم فزيادة معدل الإعالة بمعدل 1% يؤدي إلى زيادة عدد الجرائم بمعدل 10%.
- وجود أثر موجب ومعنوي للتغير في معدل البطالة على عدد الجرائم.
- وجود اثر سالب لكنه معنوي للرقم القياسي لأسعار المستهلك على عدد الجرائم.
الجدول رقم (5): الخصائص الإحصائية لبيانات النموذج
الرقم القياسي لأسعار المستهلك(2005=100)
|
معدل البطالة
|
نسبة سكان الحضر إلى إجمالي السكان
|
معدل الإعالة
|
معدل نمو نصيب الفرد من الناتج(2005=100)
|
الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي(2005=100)
|
عدد الجرائم
| |||||||||||
المتوسط
|
72.90
|
0.09
|
50.75
|
0.87
|
0.01
|
844564.60
|
45470
| ||||||||||
القيمة الكبرى
|
132.32
|
0.12
|
54.22
|
1.08
|
0.10
|
1307460.00
|
92121
| ||||||||||
القمية الصغرى
|
12.22
|
0.07
|
47.90
|
0.63
|
-0.12
|
497113.00
|
23727
| ||||||||||
الانحراف المعياري
|
31.09
|
0.02
|
1.97
|
0.16
|
0.05
|
249003.50
|
18117
| ||||||||||
عدد المشاهدات
|
24.00
|
24.00
|
24.00
|
24.00
|
24.00
|
24.00
|
24
| ||||||||||
الجدول رقم (6): نتائج تقدير نموذج الدراسة
المتغير التابع:( LOG CRM)
| |||||||||||||||||
المتغيرات المستقلة
|
Variable
|
Coefficient
|
t-Statistic
|
Prob.
| |||||||||||||
ثابت المعادلة
|
C
|
-237.32
|
-5.27
|
0.000
| |||||||||||||
الرقم القياسي لأسعار المستهلك (2005=100)
|
LOG(CPI)
|
-0.77
|
-5.87
|
0.000
| |||||||||||||
نسبة سكان الحضر إلى إجمالي السكان
|
LOG(URBN)
|
56.62
|
5.12
|
0.000
| |||||||||||||
الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (2005=100)
|
LOG(Y)
|
2.20
|
4.85
|
0.000
| |||||||||||||
معدل الإعالة
|
LOG(X)
|
10.94
|
4.63
|
0.000
| |||||||||||||
معدل البطالة
|
LOG(UR)
|
0.28
|
1.40
|
0.000
| |||||||||||||
R-squared
|
0.945814
| ||||||||||||||||
Adjusted R-squared
|
0.930763
| ||||||||||||||||
F-statistic
|
62.83839
| ||||||||||||||||
Prob(F-statistic)
|
0
| ||||||||||||||||
Durbin-Watson stat
|
2.451126
| ||||||||||||||||
Sample:
|
1985 2008
|
النتائج والتوصيات
النتائج:
استهدفت هذه الدراسة توضيح العلاقة بين الجريمة والنمو الاقتصادي في الجمهورية العربية السورية للفترة 1985-2008 من خلال رصد العلاقة بين عدد الجرائم وعدد من مؤشرات النمو الاقتصادي والتي يعتبر البعض منها من محددات عرض الجريمة كالبطالة على سبيل المثال وتتلخص نتائج الدراسة في الأتي:
- للجريمة أثر اقتصادي من خلال كلفة الجريمة التي تبرز في نفقات تطبيق القانون وحفظ الأمن وكذلك من خلال تأثيرها على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- وجود اثر موجب ومعنوي لمعدل البطالة على الجريمة وهو مايشير إلى أن التدهور في الظروف الاقتصادية للدولة سوف يكون له اثر موجب على هذه الجرائم وهو ما يدعم فرضية اقتصاد الجريمة القائلة بأن زيادة معدلات البطالة سوف تؤدي إلى تحقيق معدلات مرتفعة لجرائم الاعتداء على الممتلكات.
- وجود اثر موجب ومعنوي للتغير في عدد سكان الحضر على عدد الجرائم.
- وجود أثر موجب ومعنوي للتغير في الناتج المحلي الإجمالي على عدد الجرائم.
- وجود أثر موجب ومعنوي للتغير في معدل الإعالة كمؤشر للفقر على عدد الجرائم.
- تبين من خلال الدراسة النظرية وجود ضعف في المكون التقني في الاقتصاد الوطني وضعف مساهمة رأس المال البشري وانخفاض إنتاجيته.
- تصيب البطالة فئة الشباب وبشكل مميز المتعلمين.
- الجريمة في سورية لا تأخذ نمط معين .
- الجريمة ليست ظاهرة اجتماعية فقط بل هي ظاهرة اقتصادية من حيث أسبابها ومن حيث أثرها على الاقتصاد الوطني .
- من خلال الدراسة النظرية نرى وجود عامل مشترك بين الجريمة والنمو الاقتصادي هو العنصر البشري فهو من يقوم بالجريمة وهو من يكافحها كما انه المعول عليه في تحقيق النمو الاقتصادي.
- زيادة معدلات الجريمة وكثرة انتشارها وتنوع أنماطها واتخاذها أنماطاً جديدة لم تكن معروفة في مجتمعنا من قبل.
- اكتسبت الجريمة بعداً جديداً من حيث أدواتها من خلال قيام واستغلال بعض المجرمين خبرتهم في مجال التكنولوجيا الأمر الذي أدى إلى صعوبة تحديد مرتكب الجريمة كما شكل الفساد بعداً جديداً من أبعاد الإجرام .
- هناك تراجع في الآداء الاقتصادي وتزايد الاعتماد على القطاعات الريعية.
- النمو المستهدف في الخطط الخمسية يأخذ شكل متذبذب بسبب الظروف والعوامل الخارجية التي تتحكم بالاقتصاد السوري بدلاً من تطويع هذه الظروف والعوامل أو على الأقل الانطلاق بحسب الإمكانيات والحاجات.
وتوصي الدراسة بمايلي:
- التركيز على الاستثمار في رأس المال البشري من خلال التعليم النوعي والتدريب وإعادة التدريب والاهتمام بالصحة .
- تحسين إدارة الاقتصاد الوطني من خلال حسم خيار الإصلاح ومكافحة الفساد وزيادة الفاعلية الحكومية والانسجام بين الجهات المختلفة المسئولة عن صنع القرار الاقتصادي.
- حسم الأهداف الإستراتيجية العامة ،لان وضوح الرؤية المستقبلية يساعد على رسم السياسات الصحيحة ولا يتم ذلك إلا من خلال المشاركة الحقيقية بين مختلف الشرائح المجتمعية حتى يحس الجميع بدورهم في صناعة القرارات المتعلقة بمصيرهم .
- التوجه نحو اقتصاد المعرفة وعلى مراحل ويدخل الاستثمار في الإنسان المنتج للمعرفة على رأس الأولويات ، والاستثمار المكثف في البحث العلمي والتقانة كمصدر أساسي مستقبلي للنمو الاقتصادي.
- مناخ الاستثمار حاجة رئيسة لاستقطاب الاستثمارات اللازمة لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وللجريمة اثر كبير على هذا المناخ ، فبدون الأمن والأمان يكون هذا المناخ غير ملائم ولا يجذب ويشجع على الاستثمار.
- إعادة توزيع الدخل القومي بشكل عادل لا يكون لحساب طرف على حساب الطرف الآخر فلا يمكن تحقيق نمو مستدام دون ضمان توزيع عادل للدخل القومي بحيث يعكس نتائج التنمية على كافة المساهمين بها لان سوء التوزيع يؤثر سلباً على مستوى معيشة معظم الفئات العاملة وبالتالي على إنتاجيتهم.
- الحفاظ على الطبقة المتوسطة لأنها تعمل على هدم الفجوة بين الأغنياء والفقراء لأن زيادة الفجوة تؤدي إلى انعدام الاستقرار الاجتماعي وقلب ميزان البناء الاجتماعي.
- تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعاملين في مجال مكافحة الجريمة ومنعها.
- إجراء بحوث على نزلاء السجون للوقوف على العوامل والأسباب التي أدت إلى الجريمة للوصول إلى معالجة أسبابها .
- تعزيز ثقة المواطن بالشرطة وأجهزة مكافحة الجريمة .
- إعادة النظر في أنظمة السجون وجعل السجون مراكز للإصلاح ومراكز إنتاج ترفد الاقتصاد الوطني ولا تكون عبء عليه.
- العناية بفئة الشباب بوصفها عماد المستقبل وعنوانه من خلال توفير فرص العمل المناسب وإعداد برامج متكاملة لاستثمار أوقات فراغهم .
- تفعيل دور الرقابة الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل مكافحة الجريمة حتى نصل إلى ما يسمى بمفهوم الشرطة المجتمعية.
- العناية بتطوير الريف وتعزيز المشاريع التنموية من أجل خلق مستوى اقتصادي واجتماعي يوفر استقرار سكان الريف ويحد من هجرتهم إلى المدن وفي الوقت نفسه يشجع على الهجرة المعاكسة التي تخفف من ظاهرة الاكتظاظ السكاني في المدن ومثالها الأبرز انتشار السكن العشوائي الذي يعتبر بؤرة تستقطب الجريمة والمجرمين .
الخاتمة
إذا كانت الكلمة الأخيرة في كل بحث تعبر عما يجول في ذهن الباحث فإن هذه الكلمة في موضوع الجريمة والنمو لا يمكن أن تكون سهلة ولا نهائية، والسبب في ذلك أن منطق هاتين الظاهرتين يثير مشاكل معقدة ذات صلة وثقا بالأوضاع السياسية والاجتماعية في أي بلد ما .
فالجريمة تنخر في البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمختلف بلدان العالم مما يشعر بوطأتها.
كما أن النمو الاقتصادي تغيير كمي يمكن أن يحدث في اتجاهين ،احدهما مرتبط بزيادة إنتاجية العمل والذي عادة لا يؤدي إلى خلق فرص عمل إضافية باعتباره ناتج عن تحسن الأداء الإنتاجي لدى العمال الموجودين أصلاً، والاتجاه الأخر مرتبط بزيادة كمية في عرض العمل أي خلق مناصب عمل إضافية تؤدي إلى تخفيض في نسبة البطالة حسب طبيعة النمو المحقق ،وبالتالي يجب أن يكون النمو المحقق يؤدي إلى خلق مناصب عمل إضافية حتى نستطيع تخفيض نسب البطالة والتي تعتبر احد محددات عرض الجريمة ،علما إن الزيادة الطبيعية في عدد الوافدين الجدد لسوق العمل تشكل ضغط كبير على قدرة الاقتصاد على امتصاص هذه الزيادة.
كما إن النمو من خلال قيامه بتشغيل كافة قطاعات المجتمع يقود بالفرد إلى النشاط ولا يتركه عرضة لأهواء النفس وأمراضها التي تنشأ من الفراغ فالمجتمع في حالة نشاط وعمل دائم.
فلا نمو مع وجود الجريمة وأكبر وأخطر هذه الجرائم هو الفساد الذي يعتبر شكلاً جديداً وبعداً جديداً للإجرام المعاصر.
فالجريمة جرثومة اجتماعية لابد من استئصالها وإلا بدأت في التوالد عاجلاً أم أجلاً وأدت إلى سقم المجتمع وتضعضع صحته وإنه من الممكن الحد من الجرائم باليسير من الدعم والترشيد لمجهودات مكافحة الجريمة وسيكون لهذا مردود إقتصادي واجتماعي كبير .
ومنه يتبين أن الأمن حاجة أساسية للأفراد كما هو ضرورة من ضرورات بناء المجتمع ومرتكز أساسي من مرتكزات تشييد الحضارة فلا امن بلا استقرار ولا حضارة بلا امن،ولا يتحقق الأمن إلا في الحالة التي يكون فيها العقل الفردي والحس الجماعي معاً خاليا من أي شعور يهدد السلامة والاستقرار.
[1]) من التشريعات الجزائية التي عرفت الجريمة قانون العقوبات الاسباني لعام 1870 (مادة 1)، وبرتغالي لعام 1886 (م2)،والمكسيكي لعام 1935 (م7) واليوناني لعام 1950 (م14)، والمجري لعام 1950 (م2و3)، والحبشي لعام 1957 (م23)، والسوفييتي لعام 1960 (م6و7).
[2]) التجريم القانوني ، هو جزء من « قاعدة قانونية الجرائم و العقوبات » التي أخذت بها معظم التشريعات الحديثة، ومنها الكويتي. ولقد تبناها الدستور الكويتي نفسه، في المادة 32، التي جاء فيها: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليه» وأكدت عليها المادة الأولى من قانون الجزاء، عندما نصت على أنه «لا يعد الفعل جريمة، ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله، إلا بناء على نص في القانون».
[3]) القواعد الأخلاقية هي التي تلزم الناس بواجب الإيثار، والاستقامة، والشرف والصدق، والأمانة . وهي غير محددة، ولا مدونة، بل مجرد نواميس تنبع من تكوين المجتمع، وتقاليده ومثله . ويدعى السلوك الذي يخالف هذه القواعد جريمة أخلاقية، كالكذب، والنميمة، والجشع، والأنانية . ولا توجد محاكم أخلاقية تحاكم مرتكبي هذه الجريمة، بل الجماعة هي التي تصدر أحكامها عليهم فيقابلون بالاحتقار، أو الاستنكار، أو الاستهجان، أو الصد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق