التسميات

الاثنين، 14 أغسطس 2017

أنماط المساكن الريفية - أسس الجغرافيا العامة - جودة حسنين جودة ...


أنماط المساكن الريفية

السكن الريفي المشتت أو القرى المبعثرة
  يقصد بمفهوم العمران أو الاستيطان أو الاستقرار الريفي، أن ترتبط مجموعة من الناس تشتغل بالزراعة، بمواضع معلومة، يبنون في كنفها مساكن دائمة، ويستخدمون في بنائها ما يتوفر بتلك المواضع من مواضع، ويصممون أشكالها بالهيئة التي تتناسب مع ظروف البيئة وأحوال مناخها، ويستوي في ذلك مختلف التسميات التي تطلق عليها وتدل على مجرد الحجم، ومنها الربع، والوسية، والأبعدية، والضيعة، والمحلة، والعزية، والكفر والنجع، والقرية ، ويمكن تقسيم مراكز العمران الريفي الى نمطين رئيسيين هما: النمط المبعثر أو المشتت المتباعد المنعزل، والنمط المندمج أو المجمع المتلاصق، وبين النمطين توجد أنماط وسطى بين الاندماج والتناثر، أو الأكثر تقارباً أو تباعداً.

  السكن الريفي المشتت أو القرى المبعثرة:
   ويكثر هذا النوع من السكن الريفي المشتت في الحالات التالية:
1- حينما تعتمد الزراعة على المطر، وليس على مجرى مائي أو حيث تتوفر المياه للري، وحينئذ تتناثر القرى وتتباعد، وقد تصطف متباعدة أيضاً على امتداد طريق، أو على طول طرق متقاطعة حيث يسهل تسويق محاصيل تلك القرى.
2- تتشتت القرى وتتباعد أيضاً في البلاد ذات التضاريس المتنوعة، فهنا نجد القرى مبعثرة فوق منحدرات الجبال، وعند أسافلها المعرضة لأشعة الشمس وحيث تتوفر المياه المتدفقة من العيون والينابيع، ومثال ذلك كثير من دول أوروبا كسويسرا والنمسا، وفي محيطنا العربي في لبنان، واليمن، والمغرب العربي.
3- من الدول ذات السهول الواسعة والمزارع الكبيرة، ومثلها العزب التي كانت شائعة في مصر قبل ثورة يوليو 1952، وتطبيق قوانين توزيع الملكية، وكذلك في السهول الواسعة بوسط أمريكا الشمالية، وبكندا، وفي سهول الارجنتين ومري ودارلنج في أستراليا، وفي مثل هذه المزارع الواسعة التي يمتلكها أفراد نجد القرى أو العزب متباعدة، كل مالك يبني لنفسه مسكناً فخماً، تحيط به مساكن للعمال والفلاحين، وتضم العزبة حظائر للماشية، ومخازن للغلال، ومستودعات للآلات، ويسود نمط المسكن المنفرد في وسط مزرعة متوسطة المساحة في بعض سهول شمال أوروبا والولايات المتحدة، ويرتبط توزيع مراكز الاستقرار الريفي المبعثر المتباعد ويساعد عليه إستتباب الأمن، والشعور بالأمان، فلا يخشى أصحاب المزارع الواسعة من السكنى وسط مزارعهم منعزلين.
4- ويساعد على تبعثر مراكز الاستقرار الريفي انخفاض خصوبة التربة وضعف إنتاجيتها، وكثرة وجود المستنقعات، والأراضي التي تكسوها الغابات الطبيعية الكثيفة، وكذلك قلة موارد المياه، وتباعد مناطق توافرها، وبالتالي لا تكفي المحاصيل لإعاشة أعداد كبيرة من السكان.
5- في المناطق التي ما تزال بها لحرفة الرعي أهمية، تكثر المساكن المنفردة المتباعدة، وتشيع هذه الظاهرة في المناطق التي تسود فيها الهجرة الداخلية الفصلية التي سبقت الإشارة اليها في مرتفعات الألب السويسرية وفي جبال النرويج وأوديتها.

السكن الريفي المجمع- القرى المندمجة

  يشيع هذا النمط من القرى المندمجة في أراضي الحضارات القديمة، التي تتميز بممارسة الزراعة الكثيفة، مثل مصر والعراق والهند والصين واليابان، فالقرية المندمجة تعد مظهراً للتعاون بين مجموعات من البشر يربطهم الخطر المشترك من فيضانات الأنهار، والفائدة المشتركة من الاستفادة بمياهها، وكانت المساكن تبنى فوق ربوات أو أكمات عالية تعلو مستوى الفيضان، وتتجاور المساكن وتتلاصق وتندمج ببعضها، وتخترقها حواري وأزقة ضيقة بقدر ما تسمح به المساحات الأرضية العالية، وتجاور القرية زمامها من الأراضي الزراعية لسهولة الانتقال إليها لفلاحتها والعناية بها، ولا شك أن أمثال هذه القرى كانت النويات التي نمت وتطورت وتحولت الى مدن كبيرة.
   وتنمو القرى على امتداد طريق أو ترعة ملاحية، وفي هذه الحالة تأخذ شكلاً مستطيلاً، أما القرى التي تنشأ بعيداً عن الترع، ولا ترتبط بطريقة، فإنها تنمو حول مركز، وتتطور حواليه في هيئة دائرية، وتتداخل بينها الحواري والأزقة التي تبدأ من الداخل وتنتهي الى طريق دائري يلف حول القرية يسمى (دائر الناحية) وهو الطريق الأوسع، وإذا ما تكاثرت المساكن خارج ذلك الطريق نشأ طريق آخر مماثل، وقد دعت الحاجة الى الأمن الى نشأة هذا النمط المندمج، حيث يمكن للقاطنين بها التجمع والتعاون لدرء الأخطار المحدقة بالقرية.
  وللقرى وظائف أخرى عدا وظيفتها الرئيسية وهي فلاحة الأرض، فهناك القرى العسكرية كمستعمرات الصهاينة في فلسطين، وقرى الأسواق التي يقصدها المزارعون من العزب والدساكر المجاورة لممارسة البيع والشراء، وهي عادة أسواق أسبوعية محددة بيوم أو يومين أحدهما يوم السوق الرئيسي، والآخر يوم سوق ثانوي.
   ولكل من السكن الريفي المبعثر والمندمج مزايا وعيوب.. فمن مزايا السكن المتناثر أو المشتت، أنه يقع في وسط الحقل مما يعمل على خفض تكاليف الانتاج، ذلك لأن جميع منشآت المزرعة من حظائر ومخازن توجد في موضع متوسط، فتقل تكاليف النقل، ويوفر على العاملين بالمزرعة الوقت والجهد المبذول للوصول الى مختلف أجزاء الحقل، كما يسهل إشراف صاحب المزرعة على مزرعته، أضف الى ذلك الهدوء والسكينة مما يدفع الكثيرين الى اقتناء مزارع واسعة نسبياً ليقضي بها أوقات الراحة والاستجمام، ولكن يعيب هذا السكن المبعثر العزلة، والبعد عن مراكز الاستقرار الكبيرة، فقد يجد المزارع صعوبة في الوصول اليها لأغراض تعليم أطفال الأسرة ورعايتهم صحياً واجتماعياً، ومع هذا فإن ما يقلل عيوب العزلة والانفراد تقدم طرق ووسائل المواصلات والاتصالات.
   وتنحصر مزايا القرى المندمجة في شيوع العلاقات الاجتماعية، وصلة الجوار، والتعاون بين سكان القرى في الأفراح والأتراح، وإمكانية توفير وسائل المعيشة، والوحدات الطبية الريفية، ومدارس التعليم العام، والجمعيات التعاونية الزراعية، كما يساعد الاندماج وكثرة المساكن والسكان الى انخفاض تكاليف إنشاء المرافق والخدمات الاجتماعية والتعليمية والطبية لأن التكاليف تتوزع على جميع دور القرية، وفي ذلك تتميز القرى المندمجة عن السكن المنعزل إضافة الى عنصر الأمن والأمان.
شكل المسكن ومادة بنائه
    في وقتنا الحاضر يتدرج شكل المسكن ومادته من النمط البدائي الى النمط الحضري العصري، وهنا تلعب العوامل الجغرافية دوراً مؤثراً، تتمثل في أنواع الصخور ومدى صلاحيتها للبناء، وأشكال السطح، والمناخ السائد بعناصره المختلفة التي أهمها في هذا المجال الحرارة والرياح وكميات المطر وتوزيعها على مدار السنة، ثم ما يغطي الأرض من حشائش أو أشحار تصلح أخشابها للبناء.
   ففي قرى الواحات في المناطق الجافة تسود أنماط متباينة تبعا لاختلاف الحضارات والثقافات البشرية، لكن يشيع في أغلبها ظاهرات معينة، أهمها أن مادة البناء غالباً ما تكون من الطين المخلوط بالتبن أو القش (فتات أعود القمح) أو الطين المحروق، وقد يسود استخدام كتل الأملاح من السبخات لبناء المسكن، كما كان الحال في بعض الواحات بليبيا مثل واحة مرادة الواقعة على بعد نحو 120 كم جنوب خليج سيرت، أو من الأحجار الجيرية أو الرملية في حالة توفرها، وهنا يبنى المنزل بسقوف مسطحة، يلجأ إليها السكان للنوم في ليالي الصيف الشديد الحرارة، وتبدو مآذن المساجد عالية بارزة في واحات صحارى أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأستراليا.
  أما في أقاليم الغابات الاستوائية والمدارية المطيرة فإن المساكن تكون متواضعة، ومصنوعة من مواد بيئية، فالأقزام في غابات حوض نهر الكنغو (زائير) وفي غابة إيتوري Ituri عند الحافة الغربية للأخدود الغربي فيما بين بحيرتي إدوارد وألبيرت، يبنون أكواخهم من مواد تتألف من أغصان وأوراق الأشجار والطين، وتقوم النسوة ببناء المسكن، وهو من واجباتهن، عن طريق تثبيت أطراف الأغصان الغليظة في الأرض، ثم يجمعن أطراف الأغصان العليا، ويربطنها ليكون شكل الكوخ مخروطيا، مما يسمح بإنزلاق مياه الأمطار، فلا تتراكم على السطح، ويقمن بتغطية هيكل المخروط بالطين والحشائش والأوراق، ويبني الكوخ بحيث يتسع لجميع أفراد الأسرة، وذلك لأن الأسرة في الغابة الكثيفة هي وحدة المجتمع، وليست القبيلة ولا العشيرة.
   ويختلف الحال نسبياً في الأراضي المدارية الرطبة الفصلية المطر، ذلك أن الجفاف النسبي يحل في شهري الشتاء الشمالي (يناير وفبراير)، وفيما يتم تنظيف الأرض من الأشجار والحشائش، وتمهيدها للزراعة البدائية، وخير مثال لذلك شعب الفانج Fang الذي يعيش فوق مساحة كبيرة من جمهورية جابون المشرفة على المحيط الأطلسي في غرب افريقيا، وتخترقها دائرة الاستواء، وينتمي شعب الفانج الى شعوب (البانتو) الغربيين، ويعيش هذا الشعب في قرى صغيرة متناثرة، فوق أراضي مرتفعة نسبياً، تكون قريبة من المجاري المائية أو البحيرات التي يستخدمونها كوسائل للنقل، وللحصول على موارد المياه والأسماك، ونظام بناء مسكن القرية بسيط، فلا يتعدى صفين من الأكواخ المستطيلة الشكل والمتلاصقة، ويفصلها شارع رئيسي واحد، وتقام أبراج للحراسة من الخشب في نهايتي هذا الشارع، وتبنى المساكن من الأخشاب المتوفرة، وبعضها من الأخشاب التي تطلى بالطين.
   أما القرى في مناطق الزراعة المستقرة، حيث تزداد كثافة السكان، وتتوفر الأيدي العاملة للقيام بعمليات الزراعة الشاقة، التي تبدأ بإزالة الحشائش والأعشاب، وعزق الأرض وحرثها وإروائها، وبذر البذور المختلفة لإنتاج محاصيل تكفي سد احتياجاتهم من الغذاء كالأرز والكاسافا والخضر والفاكهة، وطبيعي أن صغر مساحة الأرض بالنسبة لأعداد السكان المتزايدة، تدفع الى الاستقرار والعمل على إنتاج أكبر غلة ممكنة للفدان، كما هو الحال في جزر إندونيسيا وجنوب شرق آسيا وجنوبها، وفي كثير من بلدان أفريقيا المدارية كنيجيريا، وهنا نجد القرى المندمجة الكبيرة الحجم، حيث تبنى المساكن متجاورة متلاصقة، والحواري ضيقة لا تتسع لأكثر من حركة حيوانات الحمل، وتبنى المنازل من طابق واحد أو من طابقين وتميل أسقفها العليا نحو الخارج في الجهات المطيرة، وتتألف مادة البناء من الأحجار، أو من الآجر، وفي الجهات الأقل مطراً من الطوب اللبن.
   وفي قرى مصر الحالية حيث الزراعة المستقرة منذ نحو سبعة آلاف سنة، نجد خليطاً من السكن الريفي القديم الذي يماثل ما كان عليه الريف المصري في مختلف عصور مصر الفرعونية، وعبر مختلف مراحل التاريخ المصري فيما بعد العهد الفرعوني حتى وقتنا الحاضر، ومن السكن الحضري الذي نراه في عاصمة مصر وحواضر أقاليمها، وما يزال كثير من قرى مصر يعتمد في بناء المساكن والمساجد وساحات المناسبات (الدوار) على الطوب اللبن المصنوع من طين النيل مخلوطاً بالتبن (قش أعواد القمح)، وفي بيوت الأعيان (العمدة والمشايخ وملاك الأرض) يستخدم الآجر أو الطوب المحروق، سواء مساكن الطوف اللبن والطوب المحروق تتألف من طابق واحد أو من طابقين، ويبنى السقف من سيقان (جذوع) النخل وجريدة (سعف النخل)، وفي بيوت الأعيان من أعمدة الخشب وألواحه، وفوق الأسقف يحتفظ صاحب الدار بالحطب (أعواد الذرة وأعواد القطن) لاستخدامه في الوقود.
  ومنذ عهد غير بعيد تم تزويد عدد كبير من القرى بالكهرباء والمياه النقية، ومن ثم بدأ التحول الى بناء الفيلات من طابقين، بل والعمائر متعددة الطوابق، خاصة في القرى الكبيرة الحجم، التي تضم وحدات صحية، ومدارس للتعليم العام الابتدائي والإعدادي والثانوي، وأصبح استئجار الشقق في تلك العمارات من قبل الموظفين سواء مغتربين وغير مغتربين أمراً عادياً، وهنا دخلت مواد الإسمنت المسلح والآجر في بناء العمائر، مثلها في ذلك مثل عمائر المدن، وما تزال الحواري والأزقة والشوارع الضيقة سمة مميزة للسكن الريفي المصري.
المصدر :  جودة حسنين جودة، أسس الجغرافيا العامة، ص ص 443 - 449  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا