إشكالية الطوبونيميا وتوظيفها السياسي في أزمة شمال مالي
عبد الكريم محمد سيسي
مركز مور محمد هوكار للبحث والتوثيق
قراءات أفريقية - مقالات مختارة - 2016-08-17
إنَّ المتابع للأزمة في شمال مالي وخاصة الأخيرة ، على وسائل الإعلام يندهش للطفرة الإعلامية المصاحبة لها، والإلحاح الشديد على إطلاق تسمية (أزواد) على عموم أقاليم شمال مالي رغم عدم اعتراف أغلب السكان بهذه التسمية، وكذلك الباحثون الجادّون والمؤرِّخون المدقِّقون من غيرهم، وإن كان معتادا لدى بعض حركات التمرد وبخاصَّة الانفصاليَّة منها، في حين تختلف مع مَن عداها عن عامة سكَّان المنطقة التي يُراد انفصالُها في تسمية المنطقة بهذا الاسم.
وبذلك قد خالفت تلك الحركات نظيراتها في أجزاء كثيرة من العالم؛ فمثلا حركة التمرُّد في جنوب السودان لم تكن تختلف مع السكان في إطلاق جنوب السودان على الجزء المراد انفصاله، والكزامانس في السنغال ما عندهم جدل على إطلاق كزامانس على منطقتهم، وكذالك بيافرا بنيجيريا، والصحراء الغربيَّة( بلوساريو)....إلخ.
وهذا خلاف ما نشاهده في حالة شمال مالي في أيامنا من انفصال تامٍّ بين أغلب سكّان المنطقة وهذه الحركات الانفصاليَّة؛ حيث يرى أبناء هذه المنطقة محاولات حثيثة لتسمية منطقتهم من مجموعات قليلة مسلحة - نظنُّها-مغرورة، وراءها قوى التهافت على موارد الدول الإسلامية ممَّا يثير إشكالية طوبونيمية في الأزمة.
ورغم أنَّ هذه التسمية لا تستند على أيِّ دليل اجتماعي ولا تاريخي ولا لغوي ، ولا على تواطؤ السكان...إلخ إلا أنها مدعومة من قبل أولئك القوى ومن رسَّامي خرائط تفتيت الدول الإسلامية مما يدفع بالباحث إلى التساؤل عن أصل هذه التسمية، وما الأهداف المخفية وراء إلحاح وسائل الإعلام على الترديد المكثَّف لها؟ ومَن الذي يقف وراء الطفرة الإعلامية لها على الإنترنت؟
نظرا لأهمية الدراسات الطبونمية وخاصة التسميات الجغرافية ذات الطابع الاستراتيجي وعلاقتها بالأزمات و تحديد هُويَّات المناطق والأشخاص، أردنا الإسهام بمحاولة التنقيب عن هذه اللفظـة وواقع استعمالها، وحدود إطلاقها في مصادر التاريخ والجغرافيا.
ما الطوبونيما ؟
الطوبونيما (Toponymie) هو العلم الذي يدرس تسمية المناطق ويهتم بدراسة أسماء الأماكن، ويشتمل في مفهومها العام على دراسة التسميات الجغرافية والفلكية كافة، معناها ومبناها، وأصلها وانتشارها في مختلف المناطق، كأسماء الأماكن المأهولة، والدول والبلدان، والمعالم الجغرافية الطبيعية كالجبال والأنهار والصحارى، والمنشآت التي يقيمها البشر كالطرق والمباني والساحات وغيرها، إضافة إلى أسماء الكواكب والنجوم والمذنبات....إلخ(1).
يقع (الطوبونيميا )- بوصفه علما يدرس أسماء الأماكن من حيث صوغها ومعناها، وتطورها وأثرها على المجتمعات والثقافات- يقع في ملتقى كل العلوم:
- العلوم الإنسانيَّة: اللغة، والآداب، والتربية، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والتاريخ، وعلم الآثار والأنثروبولوجيا، والجغرافيا، والتخطيط الحضري، وعلم النفس وغيرها.
- والعلوم الاجتماعيَّة: القانون، والاقتصاد، والإدارة، والسياسة، وغيرها.
- وعلوم الأرض: الجيولوجيا، وعلوم التربة، وعلم المحيطات، وعلوم الغلاف الجوي، والجيوكمياء، والجيوفيزياء، وعلم المعادن، وعلم المناخ، وغيرها.
ما الأصل في تسمية المناطق؟
الأصل في تسمية المناطق هو اصطلاح أهلها وموافقتهم وتواطئهم. وقد يكون الاصطلاح من غير أبناء المنطقة وعندئذ يكون للمنطقة اسمان أحدهما من الداخل والآخر من الخارج، مثل مصر لجمهورية مصر العربية وإجبتÉgypte عند الأوروبيين، وساحل العاج بالعربية ترجمة لـ: Cote d' ivoire، وقد قرَّرت حكومتها من أيَّام رئيسها الأسبق هوفيت بوانيه عدم تسميتها إلاّ باسمها المكتوب بالحرف اللاتيين. واليونانGrecque اسمها باللغة الإنكليزية "غريسGrees".
يلجأ بعض أصحاب المواقع إلى تغيير الاسم لسببٍ ما بطرق ديمقراطية، فجمهورية "بوركينا فاسو Burkina Faso" مثلاً: كان اسمها حتى عام (1984) "فولتا العليا"، الاسم القديم مستمد من نهر الفولتا الذي ينبع فيها، في حين أنَّ اسمها الجديد (بوركينا فاسو Burkina Faso) يعني بلغتها المحلية: "بلاد الرجال الأحرار".
ويستمد الموقع اسمه من صفةٍ معينة تلازمه؛ فجمهورية جنوب إفريقيا اكتسبت اسمها لوقوعها في جنوب القارة الإفريقية. وقد يكون الاسم مشتقَّاً من اسم القوم الذين يقطنون المنطقة. وقد يكتسب المكان اسمه من محيطها، أو من واقع ظروفها السياسية، والجغرافية، والتاريخية، والبيئية والاجتماعية والثقافية؛ لذا نَصَّت القوانين الدولية على حق الشعوب الأصلية في تسمية أماكنهم « للشعــوب الأصلية الحق في إحياء واستخدام وتطوير تاريخها ولغاتها وتقاليدها الشفوية وفلسفاتها ونظمها الكتابية وآدابها ونقلها إلى أجيالها المقبلة، وفي تسمية المجتمعات المحلية والأماكن والأشخاص بأسمائها الخاصة والاحتفاظ بها (2) ».
مفهوم أقاليم شمال جمهورية مالي وإطاره الجغرافي:
أقاليم شمال جمهورية مالي الحالي تقع في المنطقة التي كانت معروفة بالسودان الغربي أو التكرور، وهي بالتحديد ما كان يسميه الرحالة العرب ـكَوْكَو(3)، ويقصدون بهذا اللفظ مملكة سنغاي وتقع شمال وشرق مملكتي غانا ومالي القديمتين. في فترة ازدهار كَوْكَوْ التي عرفت بإمبراطورية صغي شملت أراضي كلتا الإمبراطوريتين السابقتين وأجزاء من شمال نيجيريا الحالي(4). وشملت –أيضا- شمال غانا وبينين وبوركينا فاسو، وجزء من جنوب الجزائر وليبيا.
وفي القرن السادس عشر الميلادي، وقعت المنطقة تحت احتلال مغربي في عهد السلطان أحمد المنصور السعدي مما أدى إلى تفكك الإمبراطورية وتقسيمها إلى كيانات ومدن غير مستقرة ولا آمنة(5).
ولمَّا جاء الاستعمار الفرنسي سمى أراضي مالي الحالي بالسودان الفرنسي وكان التقسيم الإداري للمنطقة على النحو التالي :
- الإقليم الغربي بماكو، يحتوي على الدوائر : بماكو- كيتا -سيقو -جني
- إقليم الساحل، يحتوي على الدوائر: نيورو- غومبو- وسوكولو
- إقليم الشمال والشمال الشرقي، يحتوي على الدوائر: تمبكت- غوندام- غاوو- رأس الماء- بمبا- صومفي.
- إقليم الفولتا والنيجير ويحتوي على الدوائر : سيكاسو- بوبو جولاسو – كوتيالا- كوري- جيبوغو- كونغ- بونا(6)
يلاحظ أنه لم يكن هناك إقليم ولا دائرة باسم (أزواد) وحتى الخرائط المرسومة من قبل الاستعمار لا تشير إليه، فمثلا هذه الخريطة للمنطقة الواقعة شمال تمبكتو المرسومة في الوثائق الاستعمارية بتاريخ 1894م لا تشير إلى أي شيء باسم (أزواد) رغم ورود أسماء مدن ومواقع مثل بوجبيه، وأروان، وتودني(7)
هناك خرائط مرسومة في أواخر فترة الاستعمار تظهر عليها اسم (أزواد) للدلالة على هضاب رملية وااقعة شمال مدينة تمبكت أي بين تمكبتو وأروان(8).
بعد الاستقلال اختار آباء الاستقلال اسم مالي بدلا من السودان الفرنسي تخليدا لذكرى إمبراطورية مالي المشهورة في كتب التاريخ، كما اختاروا لدولة ساحل الذهب اسم غانا، وكان هدفهم تحقيق الوحدة الإفريقية.
ومالي - بلغة المندينغ- اسم فرس النهر(9)، المنتشر في هذه المناطق، أو محرَّف من ماندي Mandé مكان بداية المملكة القديمة، أو اسم لشخصية أسطورية مالي بيرو(مالي الكبير بلغة السونغاي) عند الجرما.
وقد كانت الأقاليم الشماليَّة كلَّها - في أوَّل الأمر- إقليما إداريًّا واحدا هو الإقليم السادس (إقليم غاو)، ثمَّ اختارت الحكومة تسمية الأقاليم الإدارية باسم المدينة التي اختيرت عاصمة للإقليم، بهذا تكون كيدال اسما لمدينة كيدال وللإقليم الإداري الثامن، وغاو اسما لمدينة غاو وللإقليم الإداري السابع، وتمبكتو اسما لمدينة تمبكتو وللإقليم الإداري السادس، وفي كلِّ إقليم مدن ومناطق جغرافية أخرى.
جاء ما تقدَّم في القانون رقم 99-035 الصادر بتاريخ/10 08/1999 المتعلق بتكوين التجمعات الإقليمية، فقسَّم جمهورية مالي إلى 8 أقاليم، و 49دائرة، و 703 بلدية. فأقاليم شمال مالي تمثِّل السادس والسابع والثامن، وهي بالترتيب: تمبكتو وغاوو وكيدال.
خريطة للإقليم السادس تمبكتو
تتبع استعمال كلمة (أزواد) من خلال كتب التاريخ:
إذا تتبعنا استعمال هذه الكلمة في كتب التاريخ والحضارة التي تناولت تاريخ هذه المنطقة لا نكاد نجد لها الصدى التي نالته في الآونة الأخيرة منذ بدأت حركات التمرُّد الانفصاليَّة.
أولا : مصادر أولى لم يرد فيها اسم (أزواد):
- تاريخ اليعقوبي 284هـ: يعُتبر اليعقوبي أول مؤرخ وجغرافي عربي مدَّنا بمعلومات مباشرة عن الطرق الصحراوية، فأشار إلى طريق الذَّهب من سجلماسة إلى مملكة غانة عبر المنطقة الغربية من الصحراء الكبرى. وتناول أيضا الطريق الشرقي من فزان عبر كوار جنوبا إلى حوض بحيرة تشاد. وأشار إلى الأمم الإفريقية وهجرة السودان من شرق أفريقيا وتوزُّعهم في أجزاء أفريقيا. قال اليعقوبي عن مملكة كَوْكَوْ - ( وغَوْغَوْ)، وكانوا يطلقونهما على مدينة غاو وعلى مملكة سنغاي- قال: …»ثم مملكة الكَوْكَوْ، وهي أعظم ممالك السودان، وأجلها قدراً، وأعظمها أمراً، و كل الممالك تعطي لملكها الطاعة، والكَوْكَوْ اسم المدينة، ودون هذا عدة ممالك يعطونه الطاعة، ويقرون له بالرئاسة على أنهم ملوك بلدانهم(10)«. وأشار–أيضا- إلى مملكة غانا ومالي.
رغم التفاصيل الواردة عن أمم البربر وأمم السودان، وعن طرق القوافل كلها، لم يرد في هذا الكتاب الموسوعي شيء اسمه (أزواد). وأغلب المؤرِّخين والجغرافيين العرب والمسلمين بعده هم عالة عليه في كثير جدًّا من معلوماتهم عن أفريقيا حتى إنَّ بعضهم ينقلون –حرفيا- ما ورد عنده.
- العزيزي أوالمسالك والممالك للمهلّبي (المتوفى 380هـ): تناول المهلّبي في كتابه أوصاف الطرق، وخاصة طرق إفريقيا، وذكر مصادر المياه، وعادات الناس وأحوالهم، وزروعهم ومحاصيلهم. وتحدَّث عن كَوْكَوْ حيث قال عنه: » كَوْكَوْ من الإقليم الأول وعرضها عشر درج، وملكهم يظاهر رعيته بالإسلام وأكثرهم يظاهر به... وله مدينة على النيل ( نهر النيجر) من شرقيه اسمها سرناة بها أسواق ومتاجر.. (11)« . نلاحظ أنه لم يتعرض لأزواد التي نريد لغاوو أن تكون جزء منها اليوم .
- المسالك والممالك للبكري 487 هـ: تَعرضَّ البكري بتفصيل دقيق للصحراء المغربية وغرب إفريقيا؛ فتناول الطرق بمراحلها، وأماكن وجود المياه، والمخاطر التي تواجه القوافل، وأورد تفاصيل وافية عن دور المراكز التجارية في النشاط التجاري. ونلاحظ ورود أسماء مناطق ومدن كانت، وأخرى لا تزال موجودة حتى الآن محتفظة بأسمائها مثل كَوْكَوْ وتادمكة قال في حديثه عن كَوْكَوْ » : تجارة أهل بلد كَوْكَوْ بالملح وهو نقدهم، والملح يحمل من بلاد البربر يقال لها توتك من معادن تحت الأرض إلى تادمكّة «.(12).
- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الإدريسي (المتوفى: 560هـ): تحدث الإدريسي عن كوكو وقال: »ومن كوغة إلى مدينة كوكو في الشمال عشرون مرحلة بسير الجمال والطريق على أرض بغامة وأهل بغامة سودان برابر قد أحرقت الشمس جلودهم وغيرت ألوانهم ولسانهم لسان البربر وهم قوم رحالة وشربهم من عيون يحفرونها في تلك الأرض عن علم لهم بها وتجربة في ذلك صحيحة «(13)فتشنا في ثنايا هذا الكتاب الجغرافي المهم والمنفرد في غزارة مباحثه حول البلدان للإدريسي ولم نقف على حديث فيه عن أزواد.
- معجم البلدان لياقوت الحموي(المتوفى: 626هـ): معجم جغرافي لأسماء البلدان والجبال، والأودية والقيعان، والقرى والمحال والأوطان، والبحار والأنهار والغدران، والأصنام والأنداد والأوثان، مرتبة على عدد حروف الهجاء. ورد فيه كوكو ولم يرد فيه اسم قرية ولا واد ولا جبل باسم (أزواد). قال في الباب الأوَّل في صفة الأرض وما فيها من الجبال والبحار وغير ذلك »...وربع غربي لم يطأه أحد ممن على وجه الأرض، وهو متاخم للسودان الذين يتاخمون البربر، مثل كَوْكَوْ وأشباههم«(14)
- الروض المعطار للحِميري أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم (المتوفى: 727 هـ) : قال الحميري عن كوكو » كوكو : مدينة مشهورة الذكر في بلاد السودان كبيرة، على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال فيمر بها، ومنه شرب أهلها ويجري حتى يجوز كوكو بأيام كثيرة، ثم يغوص في الصحراء في رمال ودهاس مثل ما يغوص الفرات الذي في العراق في البطائح، وملك كوكو قائم بنفسه، وله حشم ودخلة كبيرة وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة، وهم يركبون الخيل والجمال، ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم المحيطة بهم، ولباس عامة أهل كوكو الجلود يسترون بها عوراتهم، وتجارهم يلبسون القداوير والأكسية، وعلى رؤوسهم الكرازي، وحليهم الذهب، وخواصهم وجلتهم يلبسون الأزر، وهم يداخلون التجار ويخالطونهم ويبضعونهم بالبضائع على وجه القراض«(15).
نلاحظ هنا أن الحميري قدم وصفا جغرافيا دقيقا لكوكو وعلاقة أهلها مع التجارو لم يورد في كتابه المعجمي المرتب أبجديا لمناطق العالم المعروف آنذاك شيئًا اسمه (أزواد) .كيف خفي عليه وعلى أمثاله أن المنطقة اسمها أزواد !!!
- تحفة النُّظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة (المتوفى: 779هـ) : وصف ابن بطوطة الطريق الصحراوي وصفا دقيقا، وتحدَّث عن قبائل مسوفة ودورهم في التكشيف، وقال: »وتلك الصحراء كثيرة الشياطين، فإن كان التكشيف منفردا لعبت به واستهوته حتى يضلّ عن قصده؛ فيهلك إذ لا طريق يظهر بها ولا أثر، إنما هي رمال تنسفها الريح فترى جبالا من الرمل في مكان ثم تراها قد انتقلت إلى سواه، والدليل هنالك من كثر تردّده...(16)«. لم نعثر لابن بطوطة حديثا عن (أزاواد) وقد زار المنطقة وكتب عنها، بينما نجد له حديثا عن كوكو، وتنبكتو، وإيوالّاتن، وغيرها من المدن والأمم . قال في حديثه عن كَوْكَوْ»...ثم سرت إلى مدينة كَوْكَوْ، وهي مدينة كبيرة على النيل ( نهر النيجر) من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها، فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك، وبها الفقّوص العناني الذي لا نظير له، وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع، وكذلك أهل مالِّي، وأقمت بها نحو شهر وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة، وكان ظريفا مزّاحا فاضلا، وتوفّى به«ا.(17)
- تاريخ ابن خلدون) 732-808هـ): ابن خلدون هو المؤرخ الأكبر للبربر والملثَّمين، ذكر كل شيء عنهم إلا أنه لم يذكر هذه الأراضي الواسعة والممتدة وسط الصحراء التي يراد لها أن تُسمَى –اليوم- بأزواد ولم يذكر أنَّها محضن الطوارق وبعض العرب حسب ما نراه ونسمعه –اليوم- من وسائل الإعلام. قال ابن خلدون عن كَوْكَوْ»...كانت تجاورهم من جانب الشرق أمّة أخرى فيما زعم الناقلون تعرف صُوصُو بصادين مضمومتين أو سينين مهملتين، ثم بعدها أمّة أخرى تُعرف مالي، ثم بعدها أمّة أخرى تعرف كَوْكَوْ ويقال كاغُو(18) ثم بعدها أمّه أخرى تعرف بالتكرور«(19).
يُلاحَظُ في الترتيب الذي ورد عند ابن خلدون عَدَمُ الدَّقَّة في تحديد المواقع، والصحيح فيه من الغرب إلى الشرق: إقليم التكرور، ثمَّ الصُوصُو في شماله الشرقي، ومالي في جنوب الصوصو، وكَوْكَو وكاغو في الشرق. هذا ما يؤيِّده الواقع التاريخي، والواقع الجغرافي الحالي، فتكرور (فوتا تورور حاليا) إقليم في غرب جمهوريَّة مالي يجري فيه نهر السنغال الذي يطلع عليه مالي، وموريتانيا، والسنغال. وإقليم صوصو ومعظم مناطقه في دولة غينيا كوناكري، وفي جنوبه أجزاء كبيرة من الأراضي التي سيطر عليها مملكة مالي، وهي بداخل جمهوريَّة مالي. وفي الشرق (كاغُو) مدينة غاو التي كانت عاصمة إمبراطوريَّة سنغاي.
- صبح الأعشى في صناعة الإنشاء لأحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفى: 821هـ) : » قال القلقشندي عن كوكو –غاوو- : الإقليم الرابع (بلاد كوكو)وهي شرقيّ إقليم مالّي المقدّم ذكره. قال في «الروض المعطار» : وملكها قائم بنفسه، له حشم وقوّاد وأجناد وزيّ كامل؛ وهم يركبون الخيل والجمال، ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم. قال: وبها ينبت عود الحيّة: وهو عود يشبه العاقر قرحا، إلا أنه أسود؛ من خاصّته أنه إذا وضع على جحر الحيّة خرجت إليه بسرعة، ومن أمسكه بيده أخذ من الحيّات ما شاء من غير جزع يدركه أو يقع في نفسه. ثم قال: والصحيح عند أهل المغرب الأقصى أن هذا العود إذا أمسكه ممسك بيده أو علّقه في عنقه لم تقربه حية البتّة. وقاعدته (مدينة كوكو) بفتح الكاف وسكون الواو وفتح الكاف الثانية وسكون الواو بعدها «(20). .لم يذكر صاحب صبح الأعشى ولا الروض المعطار الذي ينقل عنه أحيانا لفظة أزواد.
- مناهل الصفا للفشتالي المتوفي 1031ه : قلم البلاط الملكي ومؤرخ الدولة في عهد السعديين أورد في كتابه تفاصيل الأحداث التي جرت خلال الغزو المغربي وذكر الأماكن التي وقعت تحت سيطرة السعديين من تخوم بلاد النوبة إلى أقصى المغرب مرورا ببلاد برنو وكاغو لاد آل سكية ولم يتعرض قط لذكر مكان اسمه أزواد.
- نيل الابتهاج لأحمد بابا (963هـ1036هـ/ 1556-1626م): أحد أبرز علماء المنطقة ومؤرخيها، وقد ترجم لمجموعة من علماء السودان من بينهم التمبكتي، والونغري، والأنصمني، والبلبالي، والتكروري ...إلخ. إلا أنه لم يترجم ولو لعالم واحد من (أزاود)، فهل السبب هو أنَّه لا يعرف أن اسم بلده (أزواد) رغم كونه صنهاجيَّ الأصل، وساكنًا لمدينة تمبكت البهية، ومؤرِّخا كبيرا طارت شهرتُه وكتبه في الآفاق. و قد ذكر محنة أسرته خلال الغزو المغربي و لم يخط قلمه هذا الاسم، وهو القائل في الحنين إلى بلده عند ما كان في منفاه بمراكش قصيدته المشهورة التي مطلعها:
أيا قاصدا " كاغو " فَعُجَّ نحو بلدتـي وزمزم لهم باسمي وبلغ أحبتي
- تاريخ السودان لعبد الرحمن السعدي، توفي عام 1066هـ/1656م: من أهمِّ كتب تاريخ المنطقة، كتبه أحد أبناء المنطقة، وتناول فيه أخبار الملوك وأيامهم... ولم يتعرض قط لهذا الاسم ولا يوجد حروفه في الكتاب بهذا الترتيب إلا على معنى الزاد الذي يحمله المسافر.
- تاريخ الفتاش لمحمود كعت بن المختار القنبلي، توفي بعد عام 1075هـ/1664م: يُعدُّ كتاب تاريخ الفتاش من أهم مصادر التاريخ في المنطقة، وهي عبارة عن موسوعة تاريخية للمنطقة كتبها أحد أبنائها. مع ما حواه هذا الكتاب من معلومات مفصَّلة عن الأماكن والشعوب القاطنة في المنطقة لا يعثر المتصفح بين دفتيه على كلمة (أزاود)(21).
- نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي تأليف محمد الصغير بن الحاج بن عبد الله الوفراني النجار المراكشي المتوفى سنة 1151هـ/1738م: عقد الافراني فصولا في كتابه لذكر استيلاء المنصور على بلاد توات وتيكرارين وأعمالهما وعلى بلاد السودان وذكر تاريخ آل سكية ملوك السودان بكاغوا وأوليتهم وقال أن ما تحت طاعتهم من السودان مسيرة ستة أشهر وذكر تينبكت والرسالة التي أرسلها المنصور إلى القاضي يطلب منه حث الناس على الطاعة ولزوم الجماعة. مع هذه التفاصيل عن الأحداث التي جرت بين جودر وأسكيا اسحاق في مدن كاغوا وكوكية وتينبكت لم يذكر الإفراني شيأ اسمه أزواد في المناطق التي وقعت تحت سيطرة السعديين.
- إنفاق الميسور محمد بلو بن عثمان بن فودي1236هـ: تحدث صاحبه عن بلاد التكرور من بلد فور إلى بلد فوت وما وراءها، وما والاها وفصَّل القول في ممالك الهوسا وما جاورها من البلدان وأخبار الملوك والعلماء. نجد له حديثا عن منطقة أهير حيث قال عننه: » ويلي هذا البلد من جهة الشمال بلدة أهير، وهي بلاد واسعة، وقيعان ممتدة يعمرها التوارك، وبقايا صنهاجة، وبقايا السودان (22)«لم نعثر له حديثا عن منطقة باسم (أزواد).
- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لشهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري الدرعي الجعفري السلاوي المتوفى: 1315هـ: ورد في هذا الكتاب أخبار غزو جيوش الْمَنْصُور للسودان و دولة آل سكية من أهل مملكة كوكو- وَيُقَال كاغو- وذكر نكبة الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بَابا السوداني وعشيرته من آل آقيت وَالسَّبَب فِي ذَلِك. و محاجاته للسلطان المغربي في غزو بلاده : »...أَي حَاجَة لَك فِي نهب متاعي وتضييع كتبي وتصفيدي من تنبكتو إِلَى هُنَا حَتَّى سَقَطت عَن ظهر الْجمل واندقت ساقي فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور أردنَا أَن تَجْتَمِع الْكَلِمَة وَأَنْتُم فِي بِلَادكُمْ من أعيانها فَإِن أذعنتم أذعن غَيْركُمْ فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس فَهَلا جمعت الْكَلِمَة بترك تلمسان فَإِنَّهُم أقرب إِلَيْك منا فَقَالَ الْمَنْصُور قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم فامتثلنا الحَدِيث فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ذَاك زمَان وَبعده قَالَ ابْن عَبَّاس لَا تتركوا التّرْك وَإِن تركوكم فَسكت الْمَنْصُور وانفض الْمجْلس.
رغم كون هذا الكتاب أجمع كتاب في تاريخ المغرب الأقصى والدولة السعدية - وجدير به أن يسمي الاستقصا لأنه استقصى في أخبار دول المغرب- لو ألقى فيه الباحث النظر لم يسعفه الحظ بالعثور على ذكر شيء اسمه (أزواد).
- إزالة الريب والشك والتفريط في ذكر المؤلفين من أهل التكرور والصحراء وأهل شنقيط لأحمد بلعراف التكني 1375 هـ : يحتوي هذا الكتاب على مقدمة تتضمن معلومات جيدة عن مدينة تمبكتو، وتحديد موقعها، ومن أسسها، والمدن والقرى المحيطة بها، وأوضاعها الإجتماعية والإقتصادية. ويحتوي النسخة المحققة من الدكتور الهادي المبروك الدالي على تراجم لمن له تأليف من علماء التكرور والصحراء وأهل شنقيط. رغم كون المؤلف لا يبعد عنا إلا بعقود معدودة لم نعثر له حديثا عن شيء اسمه (أزواد) مع ورود أسماء أماكن كثيرة مثل تمبكت، غندام، ديري، نيفنكي، غاو، السوق، بَمْبَ، بُرِمْ....إلأخ.
ثانيا :مصادر ورد فيها اسم (أزواد):
هناك مصادر حديثة ورد فيها اسم (أزواد) للدلالة على منطقة محصورة بين مدينة تمبكتو وقرية أروان مثل كتاب تذكرة النسيان لمؤلف مجهول، والترجمان في تاريخ الصحراء والسودان وبلد تنبكت وشنقيط وأروان في جميع البلدان لمحمد محمود الأرواني(المتوفى: 1973مـ). وليس من بين هذه الكتب كتابا يعد حتى مدينة تمبكت في أزواد فضلا عن غيره من مدن أقاليم شمال مالي.
- تذكرة النسيان : ورد في كتاب تذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان مرة واحدة للدلالة على اسم مكان بجهة أروان في حديثه عن القاضي الوافي حيث قال : »وفي يوم السبت العشرين منه، أعني صفر الخير سنة تسع والأربعين ومائة بعد ألف، خرج القاضي الوافي وسيد عبد الوهاب من تنبكت إلى الطائفة الأخرى من العرب من قبيلة المحفوظي والعمراني والعيشي والنحاري، وهو في الصحراء من جهة أروان في (أزواد)، وقد نزلوا في موضع يقال له صدرة العظام، وهو موضع معروف من طريق أروانً(23) .
يفهم من هذا السياق أن أزاواد ليس علما على مدينة تمبكت فضلا عن باقي مدن شمال مالي لأن العبارة خرج من...إلى... يفيد أن المكان الذي خرجوا منه تمبكت ليس جزءا من المكان الذي ذهبوا إليه أزواد. كما تؤكد هذه العبارة ما أثبته كثير من الباحثين أن البقعة التي تسمى (أزواد) ليست محضن الطوارق كما تردده حركات التمرُّد الانفصاليَّة ووسائل إعلام الغرب لطمس الحقائق، وإنَّما هي جزء من موطن العرب البرابيش المعروفين بتجارة الملح بين تمبكت وتودني(24).
- الترجمان في تاريخ الصحراء والسودان لمحمد محمود الأرواني (المتوفى: 1973م) : يوجد في كلام محمد محمود الأرواني ما يدل على أن أروان التي ذكر تاريخها ومعنى اسمها ليست واقعة في المنطقة المسمى أزواد، حيث نجده يورد أزاود معطوفا على أراون بالواو مما يقتضي أن أحدهما ليس طبقا للأخر ولا جزؤه. وهذا هو المشهور في غالب الكلام ماعدا وجوه بلاغية محدودة إذ ليس من المعقول، وخاصة في مجال الوصف، عطف مكانين أحدهما جزء للآخر كأن نقول الأرض وآسيا أو نقول ليبيا وبنغازي أو السعودية والرياض.
ووثائق أخرى:
قد اطلعنا من خلال بحوثنا على وثائق أخرى مخطوطة حديثة العهد بمعهد أحمد بابا حديثة العهد بمعهد أحمد بابا لم تحقق بعد تستخدم هذه الكلمة ولكن للدلالة فقط على منطقة محصورة بين تمبكتو وأروان، والحديث في هذه المخطوطات بعضها يتعلق بقبائل البرابيش والركيبات وحروبهم وأهل أروان، وبعضها يتعلق بشؤون الآبار الموجودة في تلك البقعة، ولا يتوسَّع إلى غيرهم من المناطق الأخرى لإقليم تمبكتو(25)، فضلا عن بقيَّة أقاليم شمال مالي!!! ومعلوم أن دائرة تمبكتو واحدة فقط من خمس دوائر لإقليم تنبكتو الإداري، الإقليم السادس من جمهورية مالي، وتلك الدوائر هي: نيافنكي غندام، ديري، تمبكتو، أراروس. و بقعة أزواد تابعة لدائرة تمبكتو.
تتبُّع دلالة هذه الكلمة في اللغات المستعملة في مناطق شمل مالي:
التماشق: هناك من يرى أن كلمة (أزواد) أصلها من لغة التماشق وتعني المراتعpâturage . وهذا يردُّه ما أثبته علم الجيولوجيا أن الصحراء الإفريقية الكبرى تكوَّنت في أزمنة ما قبل التاريخ وكان سكَّانها الأوائل من السودان، بينما يقول مؤرخ منطقة أروان الشيخ محمد الأرواني إنَّ هجرة الطوارق إلى هذه المنطقة كانت في حدود القرن الرابع الهجري(26). ويردُّه -أيضا- أنَّ المنطقة كانت منطقة عبور للقوافل بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء وليست صالحة لرعي شيء من الحيوانات ما عدا الإبل، وكانت مواطن السكن فيها -قديما وحديثا- محدودة جدًّا، ويغلب عليها أن تكون حول الآبار ومحطَّات القوافل. وقيل أنها تعني بلغة التماشق « Dénudé » أي التعرية أو اسم لشجرة الأثل عديم الأوراق( Tamarix aphylla (27.
الصنغاي : يرى أصحاب هذا الرأي أن الكلمة أصلها من كلمتين من السنغاي هما:
"أَزَوَاAZAWA ": القصعقة، وتطلق –أيضا- على المائدة، والملحق "دُو DO " : تعني المكان، أو الملحق ‘’ دِ ’’تعني أداة تعريف في لهجة تمبكتو. وتستعمل الكلمة نفسها للدلالة على القصعة المنحوت من الخشب في لغة تماشق. ويؤيد هذا الرأي كون اللغة السائدة في هذه المناطق سابقا من ولاتة وتبلبلت إلى تمبكتو هي لغة السنغاي كما ذكرالحسن الوزان(28). ولا تزال هذه اللغة هي لغة التفاهم المشتركة بين أبناء المنطقة من طوارق وعرب وسنغاي ويتكلم بها سكان واحات تبلبت في ولاية بشار بالجزائر، وحُبارِي في جنول ليبيا.
و يحتمل أيضا أن يكون أصله ،،،ذود،، أضيف إليه أدة التعريف العربية ويعني اللأنعام بلغة سونغاي ، ويقال كذالك في لغة الفلاة ويكثر إضافة ٱل للكلمات في لهجة تمبكتو لمخالطهم للعرب.
العربية المحلية- الحسانية-: المعاطيش من الصحراء(29) أي ما يقابل -أفلا- عند كَلَنْتَصر، وأَتْرم(30) عند الصنغاي . ويتأيد هذا بما ذكره حسن الوزان في تقسيم الفلوات الواقعة بين نوميديا وأرض السودان، وذكر أن هناك أماكن تحمل أسماء خاصة حسنة أو قبيحة بحسب حال البلاد، مثل الأزواد المسمَّاة هكذا لمحلها وجفافها(31). وفي وصفه للطريق بين فاس وتمبكتو ذكر قصة القبرين اللذين شاهدهما نُقِشَ عليهما كتابة تقول بأن رجلين دُفِنَا هاهنا، كان أحدهما تاجرا غنيا مرَّ بهذه الصحراء فاشتدَّ عطشه، واشترى من الآخر وهو الدليل قدحا من الماء بعشرة آلاف مثقال، لكنَّهما ماتا من العطش(32) .
وهناك كلمة شبيهة بهذه الكلمة مستعملة للدلالة على مسيرة القوافل بين مدينة تمبكتو ومعادن تودني " أزلاي" وأخرى ،،أزواك،، تطلق على فصيلة خاصة من الأبقار في النيجر.
الصحيح أن العبرة في الأسماء مسمياتها، وهذا الاسم شائع الإطلاق على بقعة صحراوية قاحلة بين مدينة تمبكتو وقرية أروان، ولو أردنا أن نجد معنى أو مناسبة لأي اسم، لوجدنا له معنى يتفق في سائر لغات العالم.
المحتوى الجيوستراتجي للكلمة: إنَّ ما نشاهده الآن عبر وسائل الإعلام وغيرها من محاولة تغيير اسم الجزء الصحراوي والساحلي كلها من أراضي جمهورية مالي انتهاك لحقوق الإنسان، واعتداء على الشعوب الأصلية لهذه الأماكن الذين لا يسمون منطقتهم (أزواد) ولا يقبلون به، ولا يعرفون هذه التسمية أصلا؛ إذ إنَّ الكثير من سكان أقاليم شمال مالي لم يسبق لهم أن سمعوا بهذه الكلمة إلا في حوالي التسعينيات، وذلك من خلال أسماء حركات مسلحة أنشأها مجموعة مرتزقة من الطوارق عادوا من ليبيا إلى مالي، ووراءهم بعض الباحثين الغربيين الذين عاشوا بينهم بصفة سُيَّاح. التسمية في الحقيقة ليست إلا افتراء من المجموعات المسلحة، وليست معترفة بها حتى لدى غالبيَّة الطوارق فضلا عن بقية سكان المنطقة. اعتادت الطوارق الذين يعيشون في مالي تسمية القبائل بأماكن سكناها مثل:
كَلْ أفلاً : أهل الصحراء. كَلْ أَرِيبندا: أهل وراء النهر، ولفظ "أََرِيبندا" بمعنى وراء النهر في لغة السونغاي. وكَلْ أوظا (هَوْسا) : أهل جنوب نهر النيجر بالسونغاي. وكَلْ أترم: أهل أترم.
وكَلْ السوق: أهل مدينة السوق القديمة في جهة كيدال. وكَلْ أدًغْ :أهل الجبال بلغة تماشق، وكلْ انتصَر: أهل انتصَر، وكلْ قذّاف: أهل قذَاف....إلخ. ولم يسمع منهم كَلْ أزواد.
إنَّ الإلحاح الشديد على هذه التسمية واستخدام أسلوب الترديد المكثف للكذب عبر وسائل الإعلام الحديثة وبخاصة الغربية وما جرى وراءها من بعض وسائل الإعلام العربيَّة ليكشف عن البعد الاقتصادي والجيوستراتيجي للأزمة بعد اكتشاف حوض تاوديني Bassin de Taoudéni بمالي وما يحتويه من ثروات معدنية (بترول ويورانيوم)، حيث بدأت القوى العظمى الغربية تتسارع من أجل تأمين مواردها الاستراتيجية وبسط نفوذها عن طريق نشر الفتن وإعادة تقسيم الدول الإفريقية. وبخاصَّة فرنسا التي كان لها مطامع للسيطرة على شمال مالي وبالتحديد تاسيلت منذ خمسينيَّات القرن العشرين الميلادي.
إعادة تقسيم الدول الإفريقية المستقلة على أسس شعوبية وعرقية تؤدي إلى عواقب وخيمة على سائر المنطقة؛ لأن الطوارق والأمازيغ القبائل في الجزائر والمغرب يتطلعون إلى إنشاء دولة قومية لهم، وكذالك السود في موريتانيا، والهوسا في النيجر، والفلاة في كثير من بلاد غرب أفريقيا كغينيا، والسونغاي في مالي والنيجر وبنين وغانا وبوركينافاسو، والماندينغ والجولا في مالي وغينيا وساحل العاج، وبوركينا، والقبائل العربيَّة في مالي والنيجر وتشاد.... إلخ.
ومن المعلوم أن تاريخ منطقة الساحل تختلف عن تاريخ أوروبا التي نشأت فيها دول قومية وعرقية، في هذه المناطق وحَّد الإسلام القبائل في بوتقة واحدة، وكل الإمبراطوريات التي نشأت وازدهرت إنما كانت مؤسسة على الإسلام أو تحوَّلتْ إلى دول إسلاميَّة، ولم يكن يعيش فيها شعب واحد بل شعوب مختلفة انتشرت قبائلها في دول المنطقة.
وحتى لو فرضنا إنشاء دولة قومية للطوارق في شمال مالي فالسونغاي الذين يُشكِّلون أغلب سكان أقليمي غاوو وتمبكتو، سيفكرون في إنشاء دولة قومية لهم، وكذلك بقيَّة الأقليَّات القوميَّة كالفلاتة والعرب...إلخ. وليس في هذه الطوائف مَن يقبل بسيطرة الطوارق على المنطقة، بل إنَّ المنافسة الشديدة بين قبائل الطوارق أنفسهم تجعل كثيرا منهم لا يقبل أن يسيطر عليهم الإيفوغاس والمهاجرون من ليبيا وهم الذين يمثِّلون غالبيَّة حركات التمرُّد الانفصاليَّة.
ولا يفكر في إنشاء دويلات قوميَّة في المنطقة إلا من يريد دمارها، والقضاء على شعوبها. وليس مالي الدولة الوحيدة التي يعيش فيها إثنيَّات أو عرقيات مختلفة، وما يحصل في جنوب الجزائر بين الأمازيغ والعرب أكبر دليل. ولعل هذا ما فهمه الوطنيون والعقلاء من الطوارق والعرب فأنشئوا حركات مضادَّة للحركات التي تطالب بتقسيم الدولة.
الخاتمة: يتضح بعد هذا الفحص في مصادر التاريخ المعتبرة أن تسمية أقاليم شمال مالي بأزواد ليس لها مستنَد تاريخي، ولا اجتماعي، ولا لغوي . فلم نجد ذكرا للكلمة في المصادر القديمة حتى القرن التاسع عشر الميلادي ( أو حتى خمسينيَّات القرن العشرين الميلادي) مما يدل على أن الموقع المسمى (أزاواد) لم يكن له ذكر ولا أهمية في المنطقة، كما أنَّ المصادر المتأخرة التي ذكرتها لا تطلقها على عموم منطقة شمال مالي بل على بقعة محدودة بين مدينة تمبكتو ومدينة أروان.
وأمَّا عن ترديدها اليوم على وسائل الغرب وعملائهم من المجموعات المسلحة ربما هي محاولة إحياء مشروع إنشاء دولة البربر في الصحراء باسم المنطقة المشتركة لأقاليم الصحراء Organisation commune des Régions Sahariennes(OCRS) في المناطق الغنية بالمعادن من الجزائر وشمال مالي والنيجر والشمال الغربي من تشاد وضمها تحت دولة واحدة لصالح فرنسا، أو مخطط برنارد لويس لتفتيت العالم الاسلامى باستعمال الطوارق لعبة مثل الأكراد من أجل السيطرة على موارد الصحراء الكبرى (33). ودرءًا لما قد يترتب على هذه التسمية في المستقبل من تجاوزات علمية، وجغرافية، وتوثيقية، واجتماعية، وسياسيَّة...إلخ. نوصي كل طالب للحق بعدم التقليد الأعمى لما يبثه وسائل إعلام الغرب ووسائل الإعلام الأخرى التي سارت سيرتها، وما يبثه الأيدي الخفية على الإنترنت ومن يدور في فلكهم من تعميم التسمية أزواد على عموم أقاليم شمال مالي ، كما ندعو الباحثين، ولاسيما العاملين في مجال الإعلام والصحافة والتعليم والنشر، إلى التحري قبل إطلاق أية تسمية والرجوع إلى أهل الاختصاص من علماء، ومؤرخين، وجغرافيين، وجيولوجيين، وغيرهم، واستشارتهم. فيما يتعلق بأبناء المنطقة الذين عندهم كفاءة في البحث والتأليف، نوصيهم بتزويد الرأي العام وخاصة في العالم العربي والإسلامي بالمعلومات الصحيحة.
وتفاديا للوقوع في أخطاء وتجاوزات في حدود إطلاق التسميات الجغرافية ينبغي أن تعتني الحكومة بالدراسات الطبونمية والمسح الطبوغرافي والمبادرة بتحديد البقعة المسمى أزواد والقرى التى تعترف بهذه التسمية في دائرة تمبكتو.
الإحالات والهوامش:
(1) الموسوعة العربية.
(2) -انظر المادة 13 إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية
(3) - انظر المهلبي... المسالك والممالك الحسن بن أحمد المهلبي العزيزي ص55
(4) -انظر تاريخ السودان للسعدي.. ص59
(5) - إمبراطورية سنغاي د.طرخان/98-99
(6) -بعض هذه الدوائر تقع الآن في جمهورية كوت ديفوار أو بوركينا فاسو
(7) Monographie du cercle de Tombouctou et région /Rouger Archives Nationale du Mali 1D-69
(8) E. Bernus, « Azawad », in 8 | Aurès – Azrou, Aix-en-Provence, Edisud (« Volumes », no 8) , 1990 (En ligne), mis en ligne le 20 avril 2011, consulté le 21 mai 2015. URL : http://encyclopedieberbere.revues.org/197
(9) - انظر ذكر الخيل التي تكون بالنّيل تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ح 4
(10) - اليعقوبي - تاريخ اليعقوبي - بيروت - ١٩٦٠ م - ص (٣ ١٩)
(11) - المسالك والممالك للحسن بن أحمد المهلبي العزيزي ص55
(12) -المسالك والممالك أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي- دار الغرب الإسلامي- : 1992 م- ج2 ص886
(13) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ص27
(14) - معجم البلدان شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي دار صادر، بيروت ط2، 1995 م
(15) الروض المعطار للحِميري ص 502- مؤسسة ناصر للثقافة بيروت ط 2
(16) - تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ج4 ص271
- يطلق لفظ (كاغو) غالبا على مدينة غاو، وقد ورد عند أحمد بابا في أبياته التي أرسلها مع المسافرين إلى المنطقة وهو في الأسر بمدينة مراكش.
(19) ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر ص 495
(20) صبح الأعشى في صناعة الإنشاء لأحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ح 5-ص274
- لعلَّ أفضل دراسة وتحقيق لهذا الكتاب ما صدر عن معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلاميَّة عام 2014م.
(21) نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي ص97
(22) إنفاق الميسور في تأريخ بلاد اتكرورلمحمد بلو بن عثمان بن فودي ص10
(23) تذكرة النسيان/ مؤلف مجهول
(24) Désordre, pouvoirs et recompositions territoriales au Sahara/Emmanuel GREGOIRE, André BOURGEOT in 142 — Géopolitique du Sahara (troisième trimestre 2011
(25) - مثل تاريخ أزواد في أخبار البرابيش وحروبهم وذكر بعض أكابرهم ودخول النصارى في تنبكتو/ مجهول المؤلف ، و وثيقة في أسماء آبار أزواد/ مجهول المؤلف
(26) -الترجمان في تاريخ الصحراء والسودان وبلد تنبكت وشنقيط وأروان في جميع البلدان لمحمد محمود الأرواني.
(27) - PARIS E.-J., « Notes sur les puits de l’Azaouad (Soudan) ». Notes Africaines, n° 53, janvier 1952, p. 24-29,2 fig., Dakar.
(28) - انظر وصف إفريقيا للحسن بن محمد الوزان ص 550
(29) -الذهبي ولد سيد محمد وزير المصالحة الوطنية في حكومة مالي حاليا وزعيم سابق لحركات التمرد في شمال مالي. في مقابلة له على تلفزة جمهورية مالي
(30) - تاريخ الفتاش لمحمود كعت ص180 - منشورات معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلاميةـ تمبكت
(31) انظر وصف إفريقيا للحسن بن محمد الوزان - دار المغرب الإسلامي ط2 1983م- ص37
(32) - انظر وصف إفريقيا للحسن الوزاني ص76
(33) وتجد أدلَّة قويَّة على هذا في مقالات أبي بكر الأنصاري في موقع " الحوار المتمدن:http://www.ahewar.org/m.asp?i=1411
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق