التسميات

الجمعة، 16 فبراير 2018

جمال حمدان - شخصية مصر ...


شخصية مصر


ﺗﺄﻟﻴﻒ : جمال حمدان




موقع إسلام أون لاين :جمال محمود صالح حمدان" أحد أعلام الجغرافيا في القرن العشرين، ولد في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية بمصر في 12 شعبان 1346هـ ،4 فبراير سنة 1928م، ونشأ في أسرة كريمة طيبة تنحدر من قبيلة "بني حمدان" العربية التي نزحت إلى مصر في أثناء الفتح الإسلامي.


   كان والده أزهريا مدرّسًا للغة العربية في مدرسة شبرا التي التحق بها ولده جمال، وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1358هـ ـ 1939م، وقد اهتم الأب بتحفيظ أبنائه السبعة القرآن الكريم، وتجويده وتلاوته على يديه؛ مما كان له أثر بالغ على شخصية جمال حمدان، وعلى امتلاكه نواصي اللغة العربية؛ مما غلّب على كتاباته الأسلوب الأدبي المبدع.
   وبعد الابتدائية التحق جمال حمدان بالمدرسة "التوفيقية الثانوية"، وحصل على شهادة الثقافة عام 1362هـ ـ 1943م، ثم حصل على التوجيهية الثانوية عام 1363هـ ـ 1944م، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وكان طالبا متفوقا ومتميزا خلال مرحلة الدراسة في الجامعة، حيث كان منكبا على البحث والدراسة، متفرغا للعلم والتحصيل.
   وفي عام 1367هـ ـ 1948م تخرج في كليته، وتم تعيينه معيدا بها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة 1368هـ ـ 1949م، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة "ريدنج" عام 1372 هـ ـ 1953م، وكان موضوع رسالته: "سكان وسط الدلتا قديما وحديثا"، ولم تترجم رسالته تلك حتى وفاته.
    وبعد عودته من بعثته انضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم رُقّي أستاذا مساعدا، وأصدر في فترة تواجده بالجامعة كتبه الثلاثة الأولى وهي: "جغرافيا المدن"، و"المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم" (المدينة المثلثة)، و"دراسات عن العالم العربي" وقد حصل بهذه الكتب على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1379هـ ـ 1959م، ولفتت إليه أنظار الحركة الثقافية عامة، وفي الوقت نفسه أكسبته غيرة بعض زملائه وأساتذته داخل الجامعة.
   وفي عام 1383هـ ـ 1963م تقدّم باستقالته من الجامعة؛ احتجاجا على تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ، وتفرغ للبحث والتأليف حتى وفاته، وكانت فترة التفرغ هذه هي البوتقة التي أفرزت التفاعلات العلمية والفكرية والنفسية لجمال حمدان.
علاقة الجغرافيا بالحياة :
   ويعد جمال حمدان ذا أسلوب متميز داخل حركة الثقافة العربية المعاصرة في الفكر الإستراتيجي، يقوم على منهج شامل معلوماتي وتجريبي وتاريخي من ناحية، وعلى مدى مكتشفات علوم: الجغرافيا والتاريخ والسكان والاقتصاد والسياسة والبيئة والتخطيط والاجتماع السكاني والثقافي بشكل خاص من ناحية أخرى.
   ولا يرى جمال حمدان في علم الجغرافيا ذلك العلم الوضعي الذي يقف على حدود الموقع والتضاريس، وإنما هو علم يمزج بين تلك العلوم المختلفة؛ فالجغرافيا هي "تلك التي إذا عرفتها عرفت كل شيء عن نمط الحياة في هذا المكان أو ذاك.. جغرافية الحياة التي إن بدأت من أعلى آفاق الفكر الجغرافي في التاريخ والسياسة فإنها لا تستنكف عن أن تنفذ أو تنزل إلى أدق دقائق حياة الناس العادية في الإقليم".
   وإذا كانت الجغرافيا -كما يقول في تقديمه لكتاب "شخصية مصر" في الاتجاه السائد بين المدارس المعاصرة- هي علم "التباين الأرضي"، أي التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض على مختلف المستويات؛ فمن الطبيعي أن تكون قمة الجغرافيا هي التعرف على "شخصيات الأقاليم"، والشخصية الإقليمية شيء أكبر من مجرد المحصلة الرياضية لخصائص وتوزيعات الإقليم، إنها تتساءل أساسا عما يعطي منطقة تفرّدها وتميزها بين سائر المناطق، كما تريد أن تنفذ إلى روح المكان لتستشف عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكامنة.. ولئن بدا أن هذا يجعل للجغرافيا نهجا فلسفيا متنافرا يتأرجح بين علم وفن وفلسفة؛ فيمكن أن نضيف للتوضيح: علم بمادتها، وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظراتها.. والواقع أن هذا المنهج المثلث يعني ببساطة أنه ينقلنا بالجغرافيا من مرحلة المعرفة إلى مرحلة التفكير، من جغرافية الحقائق المرصوصة إلى جغرافية الأفكار الرفيعة.
   وكانت رؤية جمال حمدان للعلاقة بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان متوازنة، فلا ينحاز إلى طرف على حساب الآخر، ويظهر ذلك واضحا في كتابه المشار إليه آنفا، والذي تبرز فيه نظرته الجغرافية المتوازنة للعلاقة بين الإنسان المصري والطبيعة بصفة عامة والنيل بصفة خاصة، وكيف أفضت هذه العلاقة إلى صياغة الحضارة المصرية على الوجهين: المادي والروحي.
آثاره وإنجازاته :
   لقد كان لعبقرية جمال حمدان ونظرته العميقة الثاقبة فضل السبق لكثير من التحليلات والآراء التي استُغربت وقت إفصاحه عنها، وأكدتها الأيام بعد ذلك؛ فقد أدرك بنظره الثاقب كيف أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك عام 1388هـ ـ 1968م، فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد إحدى وعشرين سنة، عام 1409هـ ـ 1989م، حيث حدث الزلزال الذي هز أركان أوروبا الشرقية، وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتي، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1411هـ ـ 1991م (إستراتيجية الاستعمار والتحرر).

وفي شهر فبراير 1387هـ ـ 1967م أصدر جمال حمدان كتابه "اليهود أنثروبولوجيًا" والذي أثبت فيه أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي.. وهذا ما أكده بعد ذلك "آرثر بونيسلر" مؤلف كتاب "القبيلة الثالثة عشرة" الذي صدر عام 1396هـ ـ 1976م.
وقد ترك جمال حمدان 29 كتابا و79 بحثا ومقالة، يأتي في مقدمتها كتاب "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان"، وكان قد أصدر الصياغة الأولى له سنة 1387هـ 1967م في نحو 300 صفحة من القطع الصغير، ثم تفرغ لإنجاز صياغته النهائية لمدة عشر سنوات، حتى صدر مكتملا في أربعة مجلدات خلال السنوات بين 1401هـ ـ1981م: 1404هـ ـ 1984م.
   وعلى الرغم من إسهامات جمال حمدان الجغرافية، وتمكنه من أدواته؛ فإنه لم يهتم بالتنظير وتجسيد فكره وفلسفته التي يرتكز عليها.
الجوائز والوفاة :
    وقد حظي جمال حمدان بالتكريم داخل مصر وخارجها؛ حيث مُنح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1406هـ ـ 1986م، ومنحته الكويت جائزة التقدم العلمي سنة 1413هـ ـ 1992م، فضلا عن حصوله عام 1379هـ ـ 1959م على جائزة الدول التشجيعية في العلوم الاجتماعية، وكذلك حصل على وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتابه "شخصية مصر" عام 1411هـ ـ 1988م.
   عُرضت عليه كثير من المناصب التي يلهث وراءها كثير من الزعامات، وكان يقابل هذه العروض بالاعتذار، مُؤْثِرًا تفرغه في صومعة البحث العلمي، فعلى سبيل المثال تم ترشيحه عام 1403هـ ـ 1983م لتمثيل مصر في إحدى اللجان الهامة بالأمم المتحدة، ولكنه اعتذر عن ذلك، رغم المحاولات المتكررة لإثنائه عن الاعتذار. كما اعتذر بأدب ورقة عن عضوية مجمع اللغة العربية، وكذلك عن رئاسة جامعة الكويت… وغير ذلك الكثير.
   وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر السبت في 17 إبريل من عام 1413هـ ـ 1993م، انتقل إلى جوار ربه، إثر فاجعة أودت بحياته نتيجة تسرب الغاز من أنبوب البوتاجاز في أثناء قيامه بإعداد كوب من الشاي لنفسه.

-----------------

إن البحث في الشخصية الإقليمية لم يكن من عمل الجغرافيين وحدهم، بل بحث فيه المؤرخون كثيراً ولكن طريق الجغرافيا ربما كان أكثر غنى وتنوعا فى المناهج والطرائق حيث إنه يجمع بين الزمان والمكان ابتداء من الجيولوجيا حتى الأركيولوجيا، ومن الفلك حتى الانثروبولوجيا. ولهذا نجد الشخصية الإقليمية مطلبا أثيرا بين كبار الجغرافيين ابتداء من "لابلاش" حتى "حزين"في دراساته الأصيلة المتعددة عن البيئة والموقع في مصر عبر التاريخ. ولكنا نرى أن فن تناول المادة العلمية لا يكفى وحده للتشخيص الإقليمية، بل لابد من إطار من "فلسفة المكان"، إطار يحدد تلك الشخصية. لهذا فنحن أيضا مع "دبنام" حين يعرف الجغرافيا بأنها "فلسفة المكان" ولا يعنى هذا فلسفة محلقة غامضة، بل فلسفة عملية واقعية قد ترتفع برأسها فوق التاريخ ولكن تظل أقدامها راسخة في الأرض، فلسفة تحلق بقدر ما تحدق. ولئن بدا أن هذا يجعل للجغرافيا منهجا خلاسيا متنافرا يتأرجح ما بين علم وفن وفلسفة، فإننا نبادر فنذكر بأن الجغرافيا نفسها وبطبيعتها علم متنافر غير متجانس في مادته الخام، وليس غريبا أن يكون كذلك في منهجه. ويحسم "ستامب" الموقف بإيجاز حين يقول "ان الجغرافيا فى نفس الوقت علم وفن وفلسفة" والبحث الحالي يحاول أن يرسم صورة عريضة ولكنها دقيقة بقدر الإمكان لشخصية مصر ومصر لا شك موضوع مثالي لمثل هذا البحث نظرا لما تمتاز به من طبيعة جغرافية واضحة الحدود، ولما تملكه من تاريخ ألفى حافل. وليست هذه أول دراسة من نوعها في مصر بطبيعة الحال، وان حاولنا أن تكون وافية دون إطناب. كذلك لا يمكن لمثلها أن تكون نهائية أبدا، ولكنا نأمل أن تلقى من الضوء مثلما تنفث من الحرارة على شخصية من أغنى الشخصيات الإقليمية وأكثرها ثراء وتعددا في الجوانب والأبعاد.


----------------


(شخصية مصر)، لجمال حمدان.. وما يجري الآن!!..


إيلاف - نجم عبد الكريم   : 
   هذه الموسوعة التي اشتملت على عدة أجزاء، قد احتوت على تحليل اجتماعي، سياسي، اقتصادي، شديد التركيز للشخصية المصرية، فمؤلفها الدكتور جمال حمدان – الذي توفي إثر حادث مؤسف عام 1993 – بذل فيها جهداً خارقاً لتغدو خارطة طريق تحددت بموجبها كل ملامح نسيج أطياف الانسان المصري. وعلى ضوء ما يجري من تقاطعات بين المصريين الآن، وفي خضم هذا الحراك الذي دخل عامه الثالث، كان لابد لي من إعادة قراءة موسوعة (شخصية مصر) للوقوف على ملامح ما سوف تنتهي إليه الحالة المصرية الراهنة بموجب استنتاجات المرحوم جمال حمدان في تحليله للشخصية المصرية.   
* * * • لن أقف أمام ما حفلت به الموسوعة من دراسات حول الشخصية الاقليمية، وخريطة الاقتصاد المصري، والصناعة المعدنية والتعدين، والسد العالي، والسياحة، والزراعة.. فما يعنيني هو الصفحات التي تبدأ من (13) وحتى (146)، حيث تحدث جمال حمدان عن الانسان المصري في تطلعاته لاستلهام المستقبل من خلال البعد القومي لمصر. 
     يقول جمال حمدان: ومهما اختلفت التسميات بين الطغيان الفرعوني أو الاقطاعي، وسواءً عُدَّ هذا اقطاعاً عادياً بنمطه المعروف، أو عُدَّ قمته أعتى صورة كما يرى الكثيرون، وأياً كانت النظريات المطروحة، فإن الطغيان والاستبداد الغاشم هو من أسفٍ حقيقة واقعة في مصر، من بدايته اليوم مهما تبدلت أو تعصرت الواجهات والشكليات. وسواءً كانت مصر أم الدنيا أو أم الديكتاتورية – هي النقطة السوداء والشوهاء – في شخصية مصر بلا استثناء، هي منبع كل السلبيات والشوائب المتوغلة في الشخصية المصرية حتى اللحظة، ليس على مستوى المجتمع فحسب بل والفرد أيضاً، لا في الداخل ولكن في الخارج كذلك. 
    ثم يقول: لقد تغيرت مصر الحديثة في جميع جوانب حياتها المادية واللامادية بدرجات متفاوتة، إلا نظام الحكم الاستبدادي المطلق بالتحديد والفرعونية السياسية وحدها، فهي ما تزال تعيش بين (أو فوق؟) ظهرانينا بكل ثقلها وعتوها، وإن تنكرت في صيغة شكلية ملفقة هي الديموقراطية الشرقية، أو بالأحرى (الديموكتاتورية). والمؤكد أن مصر المعاصرة لن تتغير جذرياً ولن تتطور الى دولة عصرية وشعب حر، إلا حين تدفن الفرعونية السياسية مع آخر بقايا الحضارة الفرعونية الميتة. 
    تلك سلسلة متداعية من السمات والخصائص الأساسية البارزة أو الكامنة في شخصية مصر على مستوى الموضع أو من الداخل. غير أن هذه الشخصية لا تقل في خصائصها تبلوراً أو تميزاً وتفرداً على مستوى الموقع أو من الخارج. 
   ويقول جمال حمدان: وهكذا جمعت مصر في آنٍ واحد بين قلب أفريقيا وقلب العالم القديم، وأخذت من المداريات زَبَدَها دون زِبْدها، فظفرت من النيل بجائزته الكبرى دون موقعه الداخلي الصحيق المعوق، واستبدلت به موقع البحر المتوسط المتقدم المتألق، واكتفت من العروض السفلى واستبدلت بحرارتها الحيوية المشرقة دون تطرفها الوائد، ثم استكملتها بمؤثرات عروض الخيل الملطفة المنعشة، فكان صيفاً بلا سحاب وشتاءً بلا صقيع هي أصلاً حياة بلا مطر. وفي جميع الأحوال فإن مصر هي واسطة كتاب الجغرافيا تحولت الى فاتحة كتاب التاريخ. وفي جميع الأحوال أيضاً فإن السبق الحضاري ملمح أساسي بلا نقاش في شخصية مصر. 
    ثم هي – مصر – وإن تكن إفريقية بأرضها ومائها، إلا أنها قوقازية أوروبية بجنسها ودمائها، والمصريون بهذا المعنى أنصاف أو أشباه أوروبين. هي إذاً قطعة من إفريقيا، لكنها بضعة من أوروبا، في إفريقيا وليست منها، ومن أوروبا وليست فيها. غير أنها الى ذلك آسيوية التوجيه والتاريخ والتأثير والمصير، إنها بآسيا وإليها. وفي المحصلة الصافية فإن مصر نصف أوروبية، ثلث آسيوية، سدس إفريقية. وفي داخلها تبدأ أوروبا عند الاسكندرية، وآسيا عند القاهرة، وإفريقيا عند أسوان. وكما أن تعدد هذه الأبعاد يعني تعدد الجوانب وثراء الشخصية لا انفصامها، فإن مصر لا تشعر بينها، بدوار جغرافي – قط – إنما تظل في التحليل الأخير وفي نواتها الدفينة، مصر العربية فقط دون ازدواجية.. كيف، ولماذا؟. فرعونية هي بالجد، ولكنها عربية بالأب. غير أن كلا الأب والجد من أصل مشترك ومن أعلى واحد. فعلاقات القرابة والنسب متبادلة وسابقة للاسلام بل والتاريخ. وما كان الاسلام والتعريب إلا إعادة توكيد وتكثيف وتقريب.. ولهذا فإن التعريب وإن كان أهم وأخطر انقطاع في الاستمرارية المصرية، إلا أنه لا يمثل ازدواجية بل ثنائية. فلا تعرض ولا استقطاب بين المصرية والعربية، إنما هي اللحمة والسُداة في نسيج قومي واحد. ويؤكد جمال حمدان على تمسكه الشديد بعروبة مصر:  والواقع إن مصير العرب مصري حضارياً، كما أن مصير مصر عربياً سياسياً. 
    فالعرب بغير مصر كالجسم بلا رئة، ومصر لا مستقبل عالمي لها خارج العرب. ومصر بالذات محكوم عليها بالعروبة، ولكن أيضاً بتحرير فلسطين، وإلا فبالاعدام. فمصر لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها حتى لو أرادت – كيف؟ - وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين العربية كاملة من البحر الى النهر وهادت وهادنت، خانت وحكمت عليها بالضياع، فقد حكمت أيضاً على نفسها بالاعدام، بالانتحار، وسوف تخسر نفسها ورصيدها الماضي، والمستقبل، والتاريخ، والجغرافيا. 
    لكن مصر، رغم ثلاثية النكبة والكارثة العظمى، لا يمكن أن تركع وتستسلم للعدو تحت أي شعار زائف أو ستار كاذب. ومصر مستحيل أن تكون خائنة لنفسها ولشقيقاتها، وليس فيها مكان لخائن أياً كان موقعه. ورغم كل شيء فإن كل انحراف حدث في مصر – الى زوال – وإن عجز الشعب، يفعلها التاريخ نفسه. غير أن على مصر، كما على العرب، أن ترتفع وترتفع الى مستوى التحدي والمسؤولية: الأولى: بأن تعطي العرب قيادة عبقرية جديرة قادرة، لا قيادة قميئة عاجزة خائرة، والثانية: بأن تعطي مصر كل شحنة وطاقة من القوة المادية والمعنوية تدير بها الصراع. 
    إن مصير مصر ومكانتها في العالم سيحددها مصيرها ومكانتها في العالم العربي، ومصيرها ومكانتها في العالم العربي سيحدده مصير فلسطين. ثم يسترسل جمال حمدان بهذا التحليل القومي المتوهج.. والذي أشرت الى أجزاء منه في مقالتي (كامب ديفيد رأس الحية يا قادة مصر) فيقول:  ولقد خلق البترول العربي نمطاً جديداً، وقد كان ثانوياً مؤقتاً من توازن القوى السياسية داخل العالم العربي، وهذا الاختلال أثار وعرَّى كل كوامن الحساسيات الوطنية بين العرب، حتى ليوشك أن يتحول الى عامل تفريق للعرب بعد أن كانت مأساة فلسطين عامل تجميعهم. وبين هذا وذاك فإن فلسطين نفسها مهددة بخطر الضياع المطلق، ولكن كذلك مصر، فضلاً عن العرب عموماً. فحجم مصر بين العرب مهدد في عصر البترول الخرافي بالتضائل النسبي (لا المطلق): الدخل القومي والموارد والانتاج، والموقع الاستراتيجي، وقناة السويس، والرقعة الزراعية، حتى عدد السكان.. الخ. وليس أمام مصر من فرصة ذهبية لاستعادة كامل وزنها وزعامتها إلا بتحقيق نصر تاريخي مرة واحدة والى الأبد بتحريرها فلسطين كاملة، تماماً كما فعلت مع الصليبيات والمغوليات في العصور الوسطى. 
    ولن تصبح مصر قط دولة حرة، قوية، عزيزة، متقدمة، يسكنها شعب أبي كريم متطور إلا بعد أن تصفي وجود العدو الاسرائيلي من كل فلسطين. فهذا وبه وحده تنتقم لنفسها من كل سلبيات تاريخها وعار حاضرها. الى أن تحقق هذا فستظل دولة مغلوبة مكسورة راكعة في حالة انعدام وزن سياسي تتذبذب بين الانحدار والانزلاق التاريخي، دولة كما يصمها البعض شاخت وأصبحت من مخلفات التاريخ تترنح وتنزاح بالتدريج خارج التاريخ. وذلك – نحن نثق – لن يكون. • ورد ذلك في صفحة (80 – 81 – 82) من كتاب شخصية مصر لجمال حمدان. بالطبع سيشمر دعاة التطبيع!!.. والذين يؤمنون أن اسرائيل وجدت لتبقى!!.. وأن التاريخ لا يعود الى الوراء!!.. وإن اسرائيل ورائها أمريكا وأوروبا!!.. سيشمرون عن سواعدهم: ليقل ذلك من يريد قوله، فما جئت عليه كتبه مفكر مصري في موسوعة تُعد من أفضل الدراسات التي كُتبت عن مصر وعن شخصيتها.  
download gif-gif



أو



جمال حمدان - شخصية مصر - حمله- الجزء الثالث.



أو

شخصية مصر - جمال حمدان الجزء الأول.


جمال حمدان - شخصية مصر الجزء الثاني.


جمال حمدان - شخصية مصر الجزء الثالث.



جمال حمدان - شخصية مصر الجزء الرابع.



أو









أو








أو







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا