ورشة دارفور : ورقة التداعيات الاقتصادية للحرب – عبد الحليم عيسى
بسم الله الرحمن الرحي
التداعيـات الاقتصادية للحـرب في دارفور
إعداد : عبد الحليــم عيسي تيمان (MBA)
(حريات) November 8, 2013
مقدمة :
في الوقت الذي تعتبر فيه دولة السودان من أغنى دول أفريقيا والوطن العربي بالموارد الطبيعية والتنوع الجغرافي والبيئي والإنساني , فانها تعيش منذ عقود مأسأه كبرى تتمثل في الحروب والنزاعــات الداخليـة حتى أصبحت أغنى دول المنطقة أفقرها . وأكثرها فقراً ومرضاً وأعلاها نسبا في التشرد والنزوح . وفــي دارفور هناك مشكلة محلية لها تاريخ بدأ منذ عقود على خلفية الجفاف الذي ضرب الاقليم وتسبب ذلــك في نشؤء صراع بين المزارعين والمتنقلين البدو الرحل على هذه الأرض . وسبق ذلك في أفريقيا قيام ثورات في مناطق مختلفة ضد المركز تطالب بالمشاركة في العمل السياسي وفي نصيب من الثروة , وفي السودان هذه الثورات بدأت في جنوب السودان ومن ثم إنطلقت إلى الشرق ومن ثم إلـى دارفور.
ومن الحقائق التاريخيــة الهامة ذات الأثر علي موضوع هذه الورقــة هي أن إقليم دارفور قد اُلحــق بالسودان بعد عقدين من استقرار الوضع في يد الإستعمار الإنجليزي – المصري أو ما عرف بالحكم الثنائي , وبــهذا يمكننا القول بــانه لم تكــن هنالك فرصــة متاحة لتنمية الموارد الطبيعية في أقاليــم دارفور من قبل الحــــكم المركزي كما حدث في الإقليم الأوسط والشمالي وهذا الوضع لم يتغير كثيراً بعد الإستقـــلال حيـث فشلت الحكومات الوطنية المتعاقبة في تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصـــــادي مما قاد إلى تكوين شعور بالغـبن والتهميش نتج عنه رفع السلاح في وجه الدولة من قبل مجموعــــات من أبناء أقاليــــم دارفور عام 2002م وأنزلق السودان في حرب جديدة كانت لها كلفة عالية على المستــوي الاقتصادي والبشري. تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على نتائج هذه الحرب على المستوى الاقتصادي والبشري .
أولاً: كلفة الحرب في دارفور :-
كانت لحرب دارفور كلفة عالية على المستوى الإقتصادي والبشري وسنحاول إبراز التقديرات الخاصة بانفاق حكومة السودان علي الحرب في دارفور في هذة الفترة .
أ- حجم الإنفاق الدفـــاعي :-
لقد وجهت الحكومة أعلى نسبة من ميزانيتها إلي المجهود الحربي في سنوات الحرب في دارفور التي ما زالت جارية كما يوضح الجدول أدناه في تكلفة الحرب .
جدول (1)النفقات العسكرية والصادرات (مقدرة بملايين الدولارات)
1 نسبة صادرات النفط لاجمالي الصادرات 2 صادرات السلع الغير النفطية 3 إجمالي الصادرات 4 صادرات النفط
5 تقدير النفقات العسكرية في درافور 6 النفقات العسكرية 7 السنة
1 2 3 4 5 6 7
7.7 550 596 46 – 206 1997
7.7 720 780 60 – 296 1998
15.3 1.531 1.807 276 – 1.068 1999
76.5 399 1.699 1.300 – 1.390 2000
80.6 329 1.699 1.370 – 873 2001
77.5 438 1949 1.511 – 1.011 2002
78.4 548 2.542 1.994 0.00 773 2003
32.5 2.552 3.778 1.226 1.352.71 2.198 2004
79.7 1.067 5.254 4.186 951.71 1.797 2005
89.2 613 5.700 5.087 1.267.71 2.113 2006
94.6 481 8.900 8.419 1.830.71 2.676 2007
94.9 594 11.700 11.106 2.382.71 3.228 2008
93.3 564 8.400 7.836 2.302.71 4.148 2009
– – – – 10.088.29 – الاجمالي
المصدر البنك الدولي (2011)
بدأ الصراع في دارفورفي 2003 بيما بدأت الدولة في تحرُكها العسكري في 2004, ويمكن ملاحظة ذلك من مضاعفة إجمالي النفقات العسكرية بمقدار ثلاثة اضعاف بين عامي 2003و2004.
وعلى نحو ما يوضح جدول (1) فإن الإنفاق العسكري في السودان كان آخذاً في الارتفاع , فقبل بدايـــة النزاع في دارفور في 2003 كانت الدولة توجه 845 مليون دولار كمعدل سنوي لتغطية النفقات العسكــرية. ومنذ ذلك التاريخ , بلغ معدل الإنفاق العسكري أكثر من الضعف. وكانت الزيادة في الإنفاق العســــكري خلال السنوات الست التالية (2004-2009) تقدر بنحو 10مليار دولار (بمعدل 1.7 مليار دولار سنويا), وقد وجهت بشكل مباشر للمجهود الحربي في دارفور.
ويزودنا جدول (1) بدليل دامغ على أن دارفور التهمت الحصة الأكبر من الإنفاق العسكري ,فبعد عـــام 2003, حين انطلقت شرارة النزاع, كانت مشكلة جنوب السودان في هدوء نسبي تحت مراقبة الأُمم المتحدة ,وكانت الأنشطة العسكرية في ذلك الإقليم قد توفقت تقريباً .
وخلال نفس الفترة , وقعت الحكومة السودانية اتفاقيات سلام مع دول الجوار, بما فيها إثيوبيا وإريتريا , كما أن المعارضة الشمالية المعروفة باسم (التجمُع الوطني الدُيمقراطي ),عادت إلي طاولة الحوار فــي كنف تسوية سياسية كانت مصر هي الوسيط فيها وبالمثل ,فإن النزاع الذي أشتعل في شرق السودان تم إنهاؤه عبر إتفاقية سلام وقعت في عام 2006.
ب- الخسائر في الجانب البشري :-
تبعا لتقرير التنمية الدولي الصادر عن البنك الدُولي عام (2011) فإن من يعيشون في دولة هشة متأثرين بالنزاعات المسلحة عادة ما يكونون أكثر عرضة لمعانــاة الفقر والحرمان والعجز عن الإلتحــاق بالتعليــم المدرسي أو الحصول على الرعاية الأساسية .
ومثل هذة التحديات ذات تأثير طويل الأمد علي الكسب المعيشي اليومي , ومن ثم تترك آثارها علي التنمية الإقتصادية . وقد أظهرت الدراســات السابقة أن أحد أشكــال كلفة الحرب غير المباشرة تتجسد فــي إنخفاض الإنتاجية نتيجة هروب رؤوس الأموال وهلاك البشر . وفي السطور التالية سنعرض عدد السكان النازحين داخلياً , والسكان المتأثرين بالحرب ,فضلاً عن تقدير عدد القرى التي أُحرقت وإجمالي عدد القتلى , ثم تقدير الكُلفة الإنتاجية للحرب .
يوضح جدول(2) أنة حتى عام 2009 فان النزاع في دارفور قد أثر بالضرر على نحو 1.5 مليون نسمة في شمال دارفور , و 1.9 مليون في جنوب دارفور ,و 1.2 مليون في غرب دارفور . وقـــد تســــــببت الحرب في نزوح 0.5 مليون نسمة من شمال دارفور,و 1.4مليون من جنوب دارفور, 1.2 مليــــون من غرب دارفور .
وتتمثل الكلفة المباشرة للنزاع المسلح في دارفور في فقدان المكاسب المعيشية اليومية للنازحيــــــن داخلياً . ونستخدم هنا معدلات الفترة من 2005الي 2009 لحساب المكاسب المفقودة علي مستوى الأُسرة .كما سنقوم علاوة على ماسبق بحساب المكاسب المالية المفقودة نتيجة هلاك الأفراد .
جدول (2) عدد النازحين داخليا والسكان المتضررين بسبب النزاع في دارفور
(للفترة من 2005 إلي 2009)
القتل والتدمير غرب دارفور جنوب دارفور شمال دارفور السنة
عدد القرى المدمرة عدد القتلى عدد النازحين عدد المتضررين عدد النازحين عدد المتضررين عدد النازحين عدد المتضررين
2.767 64162 662.0 854.388 603.719 824.346 393.75 725.736 2005
384 10.859 776.348 1.276.087 722.922 1.413.099 475.257 1.307.025 2006
89 5.468 779.226 1.263.956 862.385 1.546.173 461.399 1.355.594 2007
701 20.788 766.363 1.293.394 1.410.704 1.913.518 508.499 1.516.680 2008
-141 -671 746.912 1.283.124 1.410.704 1.913.518 508.499 1.518.064 2009
المصدر : مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية OCHA
وعلى نحو ما يشير جدول (3) فان السكان المتضررين قد فقدوا مصادر رزقهم ويعيشون كلية علي الإعانات الغذائية . وقد بدأت الخسارة السنوية لمصادر الكسب الحياتي أو فقدان سبل الإنتاجية نحو 100 مليون دولار في عام 2003 وذلك مع بداية إشتعال النزاع . ومع توسع النزاع وإمتداد رقعته نحو مناطق أخرى في دارفور إرتفع مقدار الخسارة في الإنتاجية لنحو 1.8 بليون دولار في 2009 . وبلغ مجمــــوع الخسارة الإنتاجية الكلية للفترة الممتدة من 2003 وحتى 2009 نحو 7 مليار دولار .
جدول (3) الفاقد في الانتاجية مقدرا بثابت سعر الدولار لعام 2005
الفاقد في الدخل عدد الاسر عدد السكان المتضررين نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي السنة
101.984.722 68.333 410.000 1.492 2003
409.978.661 266.667 1.600.000 1.537 2004
694.949.908 434.078 2.604.470 1.601 2005
1.219.399.990 699.369 4.196.211 1.744 2006
1.366.920.073 727.621 4.365.723 1.879 2007
1.633.230.390 820.599 4.923.592 1.990 2008
1.796.325.043 819.118 4.914.706 2.193 2009
7.222.788.786 – – – الاجمالي
المصدر : مؤشرات التنمية الدولية ,البنك الدولي عام2011
أظهرت دراسات سابقة أن عدد القرى المدمرة في دارفور قد بلغ 3,408 , منها 1,173 في شمال دارفور, ومنها 1,100 في جنوب دارفور , و1,135 في غرب دارفور . ويشير تقرير منظمة العـــفو الدولية (2004) الي أن 44% من القرى في دارفور قد أحرقت. ومع تمدد رقعة النزاع , يتعرض المزيد من القرى للحرق , وإن كان بمعدل أقل , وذلك لانه لا يتبقى سوى قليل من القرى التي لم يطلها التدمير .
هناك جدال معتبر بين مختلف الباحثين بشان عدد الضحايا في نزاع دارفور , مصادر مختلفة اهمها دراسة (2006) coebergh ,(2005)reeves,(2005) guha- Sapir et al . ومركز بحوث علم أوبئة الكوارث Cred ، ووزارة الخارجية الاميركية ,ودراسة Hagan .
وإضافة إلى ما سبق , فان المكتب الأميركي للحوسبة الحكومية ((GAO أصدر في عام 2007 تقريراً يقيم فيه عدد من الخبراء مكامن قوة وضعف كل تقرير بناء على أهداف التقرير ومدى شموليته . وعلي الرغم من أن الخبراء أعطوا أعلى درجة ثقة لتقديرات مركز بحوث علم اوبئة الكوارث (CRED), فاننا لسنا متاكدين من المدى الذي يمكن فيه إعتبار التحيز المهني عاملاً في هذا الإختبار , خاصة أن معظم الخــبراء الذـين تم الإحتكام إليهم كانوا ينحدرون من مؤسسات طبية . وبذلك يظل موضوع العدد الحقيقي للقتلي موضوع جدال مستمر .
ج- أضرار البيئة الأساسية :-
1- اطلق المهتمون في المنظمات الدولية والإقليمية بالتعاون مع حكومة السودان برنامج اللاجئين لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية , والمياه , والغذاء والحماية والأمن, وسيادة حكم القانون , وإعادة تأهيل البنية الاساسية , وذلك لتخفيف معاناة السكان واستعادة المناطق المتضررة لحياتها الطبيعية .
2- ومن المعروف أن الحكومة السودانية ترفض أحيانا السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول للمناطق المتضررة لاسباب سياسية ,وفي بعض المناطق يحول الجيش والمتنظيمات الحكومية شبه العسكرية دون الوصول الي تلك المناطق , ومن ثم فان القيمة التقديرية للأضرار التي أُلحقت بالبنية الأساسية هي بكل تاكيد تقديرات حسابية أقل بكثير من حجمها الفعلي .
3- ولم تبدأ الأُمم المتحدة وحلفاؤها جمع بيانات عن السكان المتضررين سوى في عام 2004 , ومن ثم لم تكن هنالك بيانات يعتمد عليها لسنوات 2003و 2004 وتمثل بيانات السنوات المفقودة لتلك الفترة التي كانت فيها الحكومة منخرطة في التكتيكات العسكرية بهدف إلحاق الهزيمة بحركات التمرد .
جدول (4) الامم المتحدة وشركاؤها , مخطط عمل الدعم المالي
مقدار النفقات منسوبة لكل فرد (بالدولار) اجمالي نفقات اعادة التاهيل (بالدولار) حجم المساعدات التاهيلية والتنموية (بالدولار) حجم مساعدات الاعانات المبكرة (بالدولار) عدد السكان المتضررين السنة
– – – – – 2003
260 678.240.563 0 678.240.563 2.604.470 2004
260 678.240.563 0 678.240.563 2.604.470 2005
191 801.019.366 2.160.902 798.858.438 4.196.211 2006
127 55.054.447 0 555.054.447 4.365.723 2007
145 713.428.813 189.325 713.239.488 4.923.592 2008
145 713.428.813 189.325 713.239.488 4.914.706 2009
175 4.139.412.535 2.539.552 4.136.872.987 – الاجمالي
المصدر : الامم المتحدة وشركاؤها , مخطط عمل الدعم المالي للسودان , ومكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية
ثانياً : أثر الحرب علي قطاع الزراعة والثروة الحيوانية
تتركز قاعدة الإنتاج الإقتصادي في دارفوربصورة رئيسية على الزراعة المطرية التقليدية والثروة الحيوانية وتمثل الزراعة والرعي 85% من نشاط السكان .
وبشكل عام تكمن مساهمة دارفور الرئيسية في الإقتصاد الوطني في ثروتها الحيوانيـــة ولقد مثلت الـــثروة الحيوانية خلال الفترة 1985-1986 نحو 50% من ميزان المدفُوعات الجدول(5) , و20% من مجمل الناتج القومي . ولقد كان نصيب منطقة دارفور من تجارة الثروة الحيوانية القومية 30% وتضم المنطقــة 25% من إجمالي حجم الثروة الحيوانية وكل هذه الأرقام قبل إنفصال الجنوب .
جدول (5)قيمة صادرات القطن ونصيب الثروة الحيوانية من دخل الصادرات
1981/82-1985/86(بملايين الدولارات)
الثروة الحيوانية% اجمالي التصدير عائدات القطن عائدات الثروة الحيوانية السنة
23 432.0 99.4 99.7 82-1981
22 581.1 174.6 128.8 83-82
19 722.2 333.3 133.2 84-83
33 595.4 245.0 197.3 85-84
50 497.4 136.0 237.5 86-85
المصدر : البنك الدولي (تقرير الدولة) : السودان 1992
وتميزت ولايات دارفور بإنتاجها للدخن والمنتجات الزراعية الأخرى من الحبوب والفواكة والخضروات .وبصورة عامة كان الإكتفاء الذاتي من الغذاء المنتج محلياً أمر يميز ولايات دارفور .حتى إن الفائض كان يرسل الي المراكز وخارج السودان .
أما الأزمة التي تبعت نزوح المجتمعات المحلية وإقامتها في معسكرات النزوح فكانت أزمة إنحراف عن الإنتاج ثم إنهيار الأنظمة الإقتصادية ولقد كــانت أهم ما يميز الإقتصــاد التقليدي في دارفور الصـــلات الإقتصادية بين المــزارعين والرعــاه . إلا أن هذه الصــلات تفككت تماما بعد الحــرب وتحولت تـــلك المجتمعات إلي مجتمعات تعتمد ثقافة المساعدات بكل أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية من ناحـية أخرى فان أي سؤال عن النتائج الإقتصادية والإجتماعية الحقيقية المترتبة علي التحويلات السائدة لمجتمعات منتجة إلي مجتمعات نازحة يظل بدون جواب شامل .
ومما ترتب علي الحرب إرتفاع أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية . حينما إندلعت الحرب كان ســعر كيلو اللحم ستة جنيهات وحاليا بلغ أربعين جنيها وأصبحت دارفورثاني اكثر ولاية إستهلاكاً للدقيق بـــــعد الخرطوم . والآن دارفور تستجلب الفواكه والبصل من العاصمة .
تشير الدراسة إلى واقع محزن للإقتصاد فبعد أن كانت مناطق مثل كبكابية في شمال دارفور من أكثر المناطق إنتاجا للفول المصري في السودان ، صــار السودان بعد حــرب دارفـــور يستورد الفول المصــري والفــول السوداني من جمهورية تشــــاد إضافة إلى ذلك بدأ السودان في إستيراد الفول المصري من أثيوبيا وبريطانيا في السنين الأخيرة.
ولحرب دارفور أثر واضح علي صادرات السودان وعلي فاتورة إستيراد الغذاء وتؤكـــد الأرقام إنخفاض عائد صادرات الثروة الحيوانية بنسبــة 27%في عام 2012م .كذلك أكدت وزارة الماليــة إنخفاض صادرات السودان خلال الشهور الثلاثة الاولى من عام 2012م بنسبة 83% مقارنة بنفس الفترة من عام 2011م .
فبينما كانت قيمة إستيراد السودان من الغذاء في حدود 72 مليون دولار مع نهايــة الحكم الديمقراطي نجد أن نسبة إستيرادنا من الغــــذاء إرتفعت الي 420 مليون دولار في عام 2002م ثم الي 2 مليار و365 مليون دولار في عام 2010م .
كانت هناك في دارفور أكبر أسواق للماشية في السودان والمنطقه (خوربرنقا – سرف عمرة – نيالا – الفاشر – الطينه – مليط ) والتي كانت تمد المركز ما تحتاجه من اللحوم والماشية ويصدر الباقي ، أما الآن قد دخل المنتجون المعسكرات بعد أن تخلصوا من ما يملكون من أنعام بسبب الحرب والنهب والجزء الأعظم من هذه الثورة نزح بها أصحابها إلي دولة تشاد المجاورة وبعضها إلي أفريقيا الوسطى وكنتيجة لذلك صارت أسواق (أبشى – بلتين) في تشاد هي أكبر الأسواق في المنطقة . والآن هناك تجار سودانيون يقصدون هذه الأسواق لتأمين مشترياتهم من الإبل المصدرة إلي جمهورية مصر من خلال الســــــودان . وأصبحت دولة تشاد في أقل من 10سنوات واحدة من كبار الدول المصدرة للأنعام في أفريقيا وصارت الصومال منافسة للسودان في صادرات خراف الهدي إلي السعودية .
إن تحول مجموعة كبيرة من السكان المنتجين وبقائهم بأعداد كبيرة في المعسكرات مع الإعتماد على الإعانات يفقد الأجيال الجديدة الثقافة المرتبطة بالأراضي والزراعة والرعي , ويتوقف نقل تلك الخبــرات إليها , وهذا يستوجب تأهلاً جديداً لمجالات عمل وإعاشة تناسب الوضع الجديد . وتكون التكلفة الإقتصادية على الدولة والأفراد في هذه الحالة كبيرة جداً .
وقد كشف بحث قام به (علي أحمد داؤود) و(عمر إبراهيم أحمد حامد) من قسم التنسيق الميداني للإنتاج الحيواني التابع لمنظمة (FAO) أثر الحرب المباشر علي أعداد الثروة الحيوانية في ولاية غرب دارفور وهو أيضا يعطي صورة تقريبية عن الأثر المماثل للحرب علي أعداد الثروة الحيوانية في بقية ولايات دارفور .
يوضح الجدول (6) أن أعداد الثروة الحيوانية قبل الحرب في هذه الولاية كانت في مجموعها حوالي مليون ونصف المليون من الأنواع المختلفة [ 766 , 348 , 357 , 45 ] الفاً من [ الأبقار , الضان , الأغنام , والإبل ] علي التوالي ، بينما يوضح الجدول (7) أن العدد الحالي يقدر بحوالي اقل من مليون للأنواع المختلفة [656, 134 , 129 ,28] الفاً من [ الابقار , الضان , الأغنام , والإبل ] علي التوالي .
أعداد الثروة الحيوانية الحالي (بولاية غرب دارفور)
Asian J.Agric.Rec.,(1): 46_51,2012
الجملة جمـــال اغنــــــام ضان ابقــار الوحدة الادارية
440272 2984 125483 116048 195757 ابـــــاتا
214120 18700 66500 67500 107220 أزوم
214120 18700 51070 52250 92100 بندس
131990 6520 24550 28820 72100 دليج
184300 1000 37680 30420 115200 قارسيلا
142704 3624 14700 20800 103580 تريج
99783 8733 17870 15780 57400 اُم جير
59370 17 19284 17183 22886 زالنجي
1517769 45588 357137 348801 766243 الجملة
الجملة جمـــال اغنــــــام ضان ابقــار الوحدة الادارية
212820 1420 9000 10600 191800 ابـــــاتا
50425 2500 8375 10750 28800 أزوم
160685 9000 38375 34360 78950 بندس
105125 5020 16580 21575 61950 دليج
146080 700 27430 20800 97150 قارسيلا
178050 6600 17250 22980 131220 تريج
79715 3585 12430 13300 50400 اُم جير
15970 0 0 0 15970 زالنجي
948870 28825 129440 134365 656240 الجملة
جدول (7)
ثالثاً : أثر الحرب علي قطاع التجارة :-
لقد كانت دارفــور منذ فترة من الزمان معبراً تجارياً إلي أفريقيا غرباً وإلي ليبيا ومصـر شمالاً وإلي السعودية ودول الخليج شرقاً ولقد تميزت دارفور بمنتجاتها الزراعية مثل (الصمغ العربي , حب البطيخ , العسل , الكركدي , الخ ) والحيوانية وخاصة ( الإبل , الضأن , البقر ) والبستانية مثل ( البرتقال , والليمون , الخ ) هذا بالإضافة إلي المنتجات الأخري .
هذا التنوع في المنتجات قاد إلي نشوء أسواق محلية غالباً ما قامت علي ملتقي طرق أو أسواق دائرية بين القري وتسمي محلياً ( أم دورور ) , في هذه الأسواق يعرض الزُراع الفائض من منتجاتهم الزراعية بينما يعرض الرعاة ما يريدون بيعه من مواشي , وبذلك ساعدت التجــارة المحلية علي تبادل السلع وتشجيع الإنتـاج وتقوية الصلات بين فئــات المنتجين , وهذه الصــلات ساهمت في الإستقرار الاجتماعي والاقتصادي .
أما اليوم , فنجد أن ممارسات النهب المسلح والصراع القبلي وأخيراً كارثة الحرب كانت لهم أعمق الأثر في نسف هذه الأسواق وهذا النسيج الإجتماعي التجاري الذي تطور عبر قرون من الزمان .
تتضح أهمية دارفور التجارية للسودان عندما نتناول محور العلاقة مع المركز في عملية التبادل التجاري , فقد شكلت العاصمة القومية سوقاً مناسبا ً لتسويق الفائض من المنتجات الزراعية والحيوانية الـواردة من دارفور وتأتي في مـقدمة هذه المنتجات ( الحيوانات الحيــة , الحبـوب , التُمباك ) وعادة ما يتم توزيع هذه المنتجات إلي باقي أنحاء السودان , وفي ذات الوقت شكلت أقاليم دارفور سوقاً خصباً للصناعات الخفيفة ومعبراً لصادرات المركز من صناعات ومنتجات أخري ألي دول تشاد وأفريقيا الوسطي وباقي دول غرب أفريقيا , ومما ساعد علي نمو التجارة مع هذه الدول هو الحدود المفتوحة والتداخل القبلي , فقد ساهمت هذه العوامل في إنسياب السلع إلي هذه الدول وتأتي في مقدمة الصادرات منتجات الصناعــــــات الخفيفة مثل (صابون الغسيل , صابون البدرة , الشعيرية , المعكرونة , المشروبات الغازية , والعصائر وحجارة الطاحونة , الخ ) . وأدت هذه العلاقة الي إزدهار الصناعات الخفيفة وتطورت بشكل سريع في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ثم ما لبثت أن تراجعت في التسعينيات عندما بدأت ظاهرة النهب المسلح في الظهور والإنتشار ثم تراجعت أكثر عندما إنفجرت الصراعات القبلية المسلحة ، واخيراً أصاب تفجر الحرب في دارفور العلاقات التجارية بالشلل التام .
جدير بالذكر أن التجار التشـــاديين كانوا يحملون العمــلات الصعبة نقداً عند قدومهم إلي العاصمة لشراء البضائع وبذلك شكلت التجــــارة مع أفريقيا عبر دارفور واحدة من مصادر النقد الأجنبي , ومن إيجابيات التجارة مع أفريقيا أيضاً أن كثير من السلع التي يستوردها السودان بالعملة الصعبة يعاد تصديرها عبر دارفور إلي أفريقيا حتي أن جزءاً من هذه الســـلع لديها وكلاء في تشاد ودول أخري نذكر منها سلعة ( الشاي والوابورات الزراعية وغيرها ) .
إن من أكبر نتائج الحرب في دارفور هو توقف إنسياب السلع إلي أفريقيا وقد أدي هذا بدوره إلي ركود في الصناعات السودانية بل الأكثر من ذلك أن نسبة المصانع التي توقفت عن الإنتاج منذ إندلاع الحرب قد تصل إلي 20% بحسب رأي بعض أصحاب الصناعات الذين يؤكدون أن حرب دارفور تأتي في مقدمة الأسباب التي قادت إلى توقف مصانعهم عن الإنتاج.
وتشير بعض التقديرات الغير رسمية إلي أن إجمالي صادرات البلح لولايات دارفور والدول المجاورة في عام 1998م كانت في حدود (1200طن) في السنة وكان سعر جوال البلح زنة (70كيلو) في تلك السنة مثبتاً بسعر الدولار قد تجاوز الـ(200) دولار , ويؤُكد المنتجون في الشمالية أن الفترة التي كان ينعم فيها دارفور بالإستقرار إزادات فيها المساحات المزروعة من النخيل , وعلي النقيض من ذلك فقد أدى تقلص المحطات الجمركية إلي إنخفاض في سعر البلح حيث هبط سعرالجوال زنة (70كيلو) مثبتاً بسعر الدولار لما يساوي فقط (50)دولار في عام 2007م .كما توقف التوسع في زراعة النخيل في الشمالية .
ويصعب تماماً الحصول علي أرقام رسمية مؤكدة عن نسبة الخسارة في التبادل التجاري بين المركز ودارفور والدول المجاورة , ولكن تؤكد كثير من الإحصائيات بانها تقدر بمئات الملايين من الدولارات وبذلك أهدت الحكومة فرصة لبعض الدول مثل نيجيريا والكميرون لتلبي الطلب في تلك الأسواق .
جدول يوضح المحطات الجمركية بولايات دارفور
الحالة الراهنة أهم الواردات اهم الصادرات تاريخ الافتتاح الولاية اسم المحطة
تعمـــــل البن,الزنجبيل,العطور,الكريمات, بضائع…… الدقيق,السكر,الملح,صابون الغسيل,الادوات المنزلية,زيوت الطعام, البلح . 1954 غرب دارفور جمارك الجنينة
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية العطور,الكريمات,الأحذية الملح,زيت الطعام,الدقيق,البلح 1994
غرب دارفور جمارك كلبس
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية البن , الاخشــــاب ملح الطعام,صابون الغسيل,البلح ,البصل البسكويت,الاواني المنزلية . 1996 غرب دارفور جمارك ام دخن
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية الاحذية البلاستيكية,العطور , الكريمـات البلح ,البسكويت,البصــــل 1992
غرب دارفور جمارك خور برنقا
– الاقمشة,العطور,الادوات الكهربائيــة اللحوم المذبوحة,الحيوانات الحية – جنوب دارفور مطار نيالا
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية البن , الاخشـــاب البلح,زيوت الطعام,صابون الغســل – جنوب دارفور اُم دافوق
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية الاقمشة,الصلصة,الالبان الجافة,الارز الضان,المانجو,الجلود,الابل – شمال دارفور كتم
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية الاقمشة,الاحذية,زيـــت الزيتون,الالبان الجافة الضان,الابل,الجلود,التمباك,الويكة 1972 شمال دارفور مليـــط
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الأمنية الارز,الصلصة,اللبــــن الضان,الابل,الجلود,البسكويت,الزيوت – شمال دارفور الطينة
متوقفة عن العمل بسبب الاحوال الامنية الارز , المنتجات البلاستيكية الابــل, الضـان , الجلود – شمال دارفور كرنوي
– الاقمشة , العطور , الاجهزة الكهربائيـــــــــــة اللحوم المذبوحة , المانجــــو – شمال دارفور جمارك مطار الفاشر
ساهمت هذه المحطات الجمركية في تحقيق الربط السنوي للجمارك السودانية علي مدي سنين عديدة أما الأن وبسبب الحرب هنالك محطة جمركية حدودية واحدة فقط لا زالت تعمل وتوقفت ثماني محطة جمركية عن العمل وتم قفلها وسحب موظفيها تماماً بسبب الأحوال الأمنية ((الحرب)) .
خاتمة بالتوصيات :
وبات واضحاً الآن أن مشكل السودان الإقتصادي أصبح هو مشكل بقاء أكثر منه مشكل نماء , والآن من الأفضل أن تتوجه الحكومة لإنهاء الحروب وتعبئة الموارد , وأن توفر أجواء من الديمقراطيـــــة السياسية حتى تستطيع الدولة أن توفر الأنفس والأموال والثمرات من أجل توفير الطاقات والموارد التـي تصرف على الحرب . ومن السياسات المطلوبة أيضا إعتماد الديمقراطية التنموية كنهج في صنع القـرار الإقتصادي لتحقيق المساهمة الفاعلة للمنتفعين بالتنمية والإستهداء بالخبرة التقليدية المتوارثة .
ضرورة وضع سياسة واعية في خطة واضحة تتم خلالها تسويات سياسية للنزاعات وتوفير الأمن للسكان في دارفور لتحقيق العودة الطوعية للنازحين من معسكرات اللجوء وأولئك الذيــن نزحوا إلي أماكن أخرى في السودان خاصة العاصمة القومية , ويجب أن تشمل أهداف هذه الخطة دعــــم الإنتاج الزراعي والحيواني .
ضرورة التفكير في وسائط نقل إقتصادية للماشية إلى الخرطوم من أجل التصدير , لأن المواشي تسلك طرقاً طويلة تستغرق مابين 80-90 يوماً وتقدر نسبة النفوق ب 1%للضأن و 4%للأبقار و5% للإبل من جملة كل قطيع . إضافة إلى ذلك يصل نسبة الفاقد في الوزن حوالي 20% لكل فئة من الأنواع المذكورة.
تعتبر الأرض الركن الأساسي الذي تقوم عليه العملية الإقتصادية لذلك يجب إيلاء أمر الأرض عناية خاصة تفادياً للمشكلات التي تطرأ بين المزارعين والرعاة حتى تتوفر البيئة اللازمة للعملية الإنتاجية .
لقد ظلت مسألة الزراعة في دارفور شأناً خاصاً بالمزارع لسنوات خلت , فهو الذي يبنى التوقعات وبذلك يختار نوع المحصول والمساحة التي يجب أن يزرعها . وفي المجال الرعوي يسافر الرعــــــاة لمسافات طويلة يصعب معها تقديم الخدمات للحيوان والإنسان . لذلك لأبد للفكر التنموي القادم أن يضــع تطوير أساليب الزراعة من أولوياته القصوى وذلك بإدخال أدوات فعالة وبذور محسنة وأســــاليب تجديد خصوبة الأرض وكافة خدمات الإرشاد الزراعي الضرورية من أجل تنويع وزيادة الإنتاج وتحسين المنتج والإستفادة من منح الإرشاد الزراعي العالمية مثل المنح التي تقدمها (FCC). كما يجب أن تدعم هذه الخطط التنموية إستقرار الرحل بتربية الحيوانات في مزارع بدلاً عن السفر الطويل الذي ينهك الحيوان ويصعب معه تقديم الخدمات وتنفيذ برامج تنموية .
إن الإهتمام بالتنمية يعني توجيه المجتمع إلي ثقافات مرتبطة بالإنتاج وعلاقاته , وتأتي في قائمة الأولويات تشييد الطرق وتطوير السكة حديد , وإعادة تأهيل مشروعات التنمية السابقة وقيام مشروعات تنموية جديدة تستوعب الطاقات وتوجه المجتمع للتعاون المثمر . ولعل من أهم عناصر إعادة بناء الإقتصاد في دارفور هو إعادة نظام التجارة الداخلي وذلك من خلال إحياء المراكز التجارية التي يتوافد عليها أفــراد القرى والأسواق الدائرية ” أُم دورور ” كذلك يجب إقامة مناطق تجارية حرة في الحدود لتنشيط التجارة مع دول الجوار وكذلك الإهتمام بالطرق التجارية مثل درب الأربعين وطريق الفاشر الكفره بليبيا وطريق نيالا بانغي والطريق القاري من الجنينة إلى تشاد ونيجيريا . ويجب أن تقوم الخُطط علي تقديم وتوسيع خدمات التعليم والصحة والإعلام وتشجيع الأنشطة الداعمة لتطوير العلأقات الإجتماعية وقيم التعاضد والتعاون من رياضة وثقافة وفنون لتوفير الإستقرار الإجتماعي الذي بدوره يقود إلي التنمية الإقتصادية وعلى المستوى الأدائي يجب تركيز الإستثمار في صيانة البنية القاعدية ومراقبة أداء المؤسسات العامة علي أساس تجاري وكذلك خفض النفقات غير المبوبة وضبط الإنفاق الرسمي , كما يجب خفض الضرائب والرسوم على السلع والخدمات ذات الصلة بالناتج المحلي في دارفور.
تعتبر هذه التحديات والتغلب عليها كفيل بنقل إقتصادنا من مربع الفشل إلي مربع النجاح ويسهم ذلك في تنمية إقتصاد دارفور ضمن الإقتصاد الكلي للقطر.
Timan2002@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق