اتجاهات التوسع العمراني للإقليم الحضري بنغازي
عوض الفیتوري - أسماء سلیمان
الخلاصة:
شهدت مدن العالم – منذ أواخر القرن العشرين – نمواً حضرياً كبيراً تمثل في زيادة أعداد سكانها واتساع مساحاتها العمرانية، فتعددت فيها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية حتى أصبحت من سماتها وإن اختلفت في درجة حدتها من مدينة إلى أخرى، فالمشكلات الناجمة عن نمو مدن الدول المتقدمة تختلف في مظاهرها وحدتها عما هو الحال في مدن الدول النامية ولاسيما النفطية منها، التي يمكن وصف نموها بطفرات حضرية حدثت بشكل سريع ووقت قصير ما أدى إلى عجز المخططات عن الوفاء باحتياجات المدينة وأصبح نموها في كثير من الأحيان عشوائيا .
وليبيا، باعتبارها دولة نفطية منذ بداية ستينيات القرن العشرين، فقد أدت عائدات النفط وما ترتب عليها من برامج تنموية محدودة إلى ارتفاع سريع للدخل القومي وتوفرت فرص عمل كثيرة في شتى المجالات، وبالتالي استقطبت مدنها أعداداً كبيرة من المهاجرين من الأرياف ومن الدول المجاورة مما جعلها تنمو بشكلٍ سريعٍ ومفاجئٍ وتزداد الرقعة العمرانية فيها وتتوسع لمساحات كبيرة جداً؛ فقد " زادت مساحات الأراضي الحضرية من حوالي 10000 هكتار في عام 1966 إلى حوالي 40000 هكتار عام 1980 ويقدر أنها زادت إلى أكثر من 100000 هكتار في عام 2010 ".
وظهرت أحياء الصفيح على أطراف المدن الكبيرة، وبدت الحاجة إلى وضع مخططات لضبط هذا النمو؛ مما دفع الحكومة إلى البدء بعمليات تخطيط المدن بتكليف شركات أجنبية متخصصة لإعداد مجموعة من المخططات العامة والشاملة وإعداد برامج زمنية لتنفيذها . غير أن هذه المخططات وفي غياب التخطيط الإقليمي قد فشلت توقعاتها بشأن إمكانيات النمو لبعض المدن مما نتج عنه توسعها وامتدادها الحضري خارج حدود مخططاتها واختلال توازن هيكل النظام الحضري للمدن، فمنذ تسعينيات القرن العشرين، ازداد ثقل مدينتي طرابلس وبنغازي وأصبحتا قطبي نمو كبيرين يس يطران على الشمال الغربي والشمال الشرقي للبلاد، ورغم إتباع ليبيا لسياسات تنموية وسكانية تسعى لتحقيق عدالة التوزيع والتوازن بين الأقاليم؛ إلا أن نمو هذين القطبين أصبح من الصعب جداً السيطرة عليه والحد منه في ظل النمو السكاني المتزايد والتغيرات الاجتماعية والا قتصادية والتي من أبرزها : الانفتاح على الخارج نحو الدول العربية والإفريقي ة بل ودول العالم كافة، ووصول مياه النهر الصناعي، والانفتاح الاقتصادي بتبسيط التعريفة الجمركية وتخفيف القيود على التجارة الخارجية، وفتح باب الاستثمارات للقطاع الخاص.
وقد اتجهت في الآونة الأخيرة الكثير من الدراسات نحو البحث في موضوعات استقطاب المدن الكبرى، وتحقيق التوازن لهيكل النظام الحضري للمدن الليبية، ودور تنمية المدن المتوسطة والصغيرة في ذلك، وتأتي هذه الدراسة لتتكامل مع الدراسات المطروحة وذلك ببحث اتجاهات التوسع العمراني لحاضرة بنغازي القطب الثاني في ليبيا وكبرى مدن الإقليم الشرقي، حيث إن استمرار نموها العمراني واتساعها سيؤدي إلى تضخمها والتهامها للأرياف المجاورة لها والبيئة المحيطة بها بما تحتويه من موارد طبيعية محدودة.
قسمت الدراسة إلى خمسة فصول يسبقها الإطار النظري المتمثل في تحديد مشكلة الدراسة، وأهميتها وأهدافها، والمنهجية المتبعة، والتساؤلات التي تقوم عليها ، إضافة إلى تحديد منطقة الدراسة، وأهم الدراسات السابقة التي تناولت موضوعات ذات علاقة بالمشكلة،ويحتوي الفصل الأول تعريفاً للتوسع العمراني وأسبابه والعوامل المؤثرة عليه سلباً وإيجاباً، بالإضافة إلى أساليب توسع المدن، وبعض النظريات، والتعرف على مشاكل المدن الكبيرة والأساليب المتبعة لتحجيمها كالمدن التابعة والمدن الجديدة والتوسع الذكي، وأمثلة لحل مشكلة التوسع العمراني في القاهرة وبغداد باعتبارها من أكبر العواصم العربية حجماً و اتساعاً.
وفي الفصل الثاني نشأة مدينة بنغازي ومعالمها الجغرافية ونموها وتوسعاتها عبر الفترات التاريخية التي مرت بها (في فترة ما قبل التخطيط)، فيما خصص الفصل الثالث لدراسة المخططات العمرانية التي وجهت نمو المدينة، وهي :المخطط الايطالي ومخططي الجيلين الأول وال ثاني، والتعرف على كيفية توجيه هذه المخططات للنمو العمراني للمدينة، أما الفصل الرابع ففيه دراسة تحليلية للأوضاع القائمة لإقليم بنغازي الفرعي وذلك من حيث الخصائص الطبيعية والخصائص البشرية بهدف تحديد مقومات ومعوقات التوسع العمراني وإمكانيات الإقليم في إقامة مدن تابعة أو جديدة للحد من المشكلة موضوع الدراسة، يلي ذلك الفصل الخامس وفيه دراسة تحليلية للوضع الراهن لحاضرة بنغازي من حيث أهميتها وشكل ومساحة العمران واستعمالات الأرض وما قدمته مخططات الجيل الثالث، وتختم الدراسة بالنتائج والتوصيات.
حمله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق