بسم الله الرحمن الرحيم
الخصائص الاجتماعية للأحداث الجانحة في الأردن
د. حسين فرحان رمزون
جامعة الزيتونة الأردنية
د. فيصل غرايبة
جامعة البحرين
ملخص
سعت هذه الدراسة للتعرف إلى الخصائص الاجتماعية للأحداث الجانحة في الأردن، وقد شمل ذلك العمر والمستوى الدراسي ومنطقة السكن ومدى تكرار الجنوح ونوع الجنحة وعمر الوالدين ومستوى تعليمهم وحجم الأسرة والدخل الشهري ومهنة الأب وترتيب الحدث بين إخوته وعلاقات الحدث مع أصدقائه و ثرهم فيه وعلاقته لوالدين. وقد شملت الدراسة الأحداث المحكومين الموجودين في مركز محمد بن القاسم الثقفي في منطقة البارحة في إربد والبالغ عددهم ٦٤ حدثاً عند إجراء الدراسة، تم توجيه استبانة لهم شملت أسئلة محددة للعناصر المنوي بحثها.
أظهرت نتائج البحث أن غالبية افراد العينة هم من فئة المراهقين ١٤ -١٦سنة، ممن هم في المرحلة الإعدادية، جاءوا من المدن الثلاث الرئيسة (عمان، إربد، الزرقاء)، ارتكبوا الجنوح لأول مرة، خاصة السرقة، أما من حيث الوالدين، فغالبية أفراد العينة جاءوا من أسر أعمار الأبوين فيها تزيد عن ٥٠سنة، أميون أو ذوو تعليم ابتدائي فقط، يعملون كعمال مهنيين ودخلهم الشهري أقل من ١٥٠ دينار وحجم الأسرة يزيد عن ٧ أفراد، حيث كان ترتيب الحدث إما الوسط أو الأخير في أسرهم، أما من حيث العلاقات الاجتماعية فقد دلت النتائج على أن غالبية أفراد العينة يتمتعون بعلاقات صداقة قوية مع أفراد من نفس الفئة العمرية، و بالتالي فإن حوالي نصف أفراد العينة كان سبب جنوحهم الأصدقاء. أما العلاقة مع الأبوين فكانت عند الغالبية جيدة، خاصة مع الأم.
Abstract
The aim of this research is to analyze the social characteristics and traits of juvenile delinquents in Jordan. These characteristics include: age, school level, area of residence, frequency of criminal acts, type of crime, ages of parents, education, job, income, family size, age distribution, and the relationship of the juvenile with friends and with parents.
A questionnaire was designed and distributed to those juveniles confined at Mohammed Bin Al-Qasem Al-Thaqafi center for Juvenile rehabilitation in Barha near city of Irbid, where the total number of juveniles amounted to 64 at the time this study was conducted.
Results indicated that the majority of them were adolescents (16 - 14), going to preparatory schools, living in the three largest cities (Amman, Irbid, and Zarqa), and most of them had committed crimesrobbery, in particular- for the first time. Their parents were mainly old (above 50), with elementary school levels, working as laborers, drivers, or crafts people, with monthly incomes not amounting to 150 J.D, and parenting families that numbered above 7 individuals, where the juvenile was the youngest or somewhere in between.
Results also indicated that members of the sample studied enjoyed reasonably good relation with friends and parents alike, especially with mother. Half of the juveniles, however, reported that the motivation behind the crimes they had committed was their friends.
Finally, two thirds of these juveniles preferred training in some profession or other to going back to school again.
مناقشة النتائج
سعت هذه الدراسة إلى التعرف على الخصائص الاجتماعية والتعليمية للأحداث
الجانحين ممن ثبتت إدانتهم والحكم عليهم لإقامة في مراكز إصلاح الأحداث . فمن حيث العمر يبين الجدول رقم(١) أن ٦١ %من أفراد العينة هم من الفئات العمرية ١٦ -١٧سنة، والباقي٣٩ % هم من الفئات
العمرية ١٤ - ١٥سنة . وهذا يتماشى مع ما توصل إليه ( ١٩٧٠ ClorizoMcCoy & ) من أن جنوح الأحداث يكون أكثر شيوعا بين
المراهقين من الفئات العمرية ١٧سنة ويكون أقل شيوعا بين الفئات العمرية ١٥سنة. ففي المراهقة
المتأخرة (١٧سنة) يميل الحدث إلى حب الإثارة والتمرد على الأعراف والقوانين وكراهية أي سلطة.فإذا ما
صاحب ذلك عوامل أخرى مثل أصدقاء السوء والفقر والإحباط، يكون الحدث أكثر عرضة للجنوح، وفي هذه
الحالة يشعر الحدث أنه أصبح أكثر رجولة واستقلالا عن الأسرة والآخرين، ومن ثم من السهل إثارته من
قبل الآخرين.
يرتبط بالعمر المستوى
الدراسي، حيث يبين الجدول رقم (٢) أن حوالي نصف أفراد العينة هم من مستوى الصف السابع إلى
التاسع (أي المرحلة الإعدادية)، يليهم ٢٦ % من مستوى الصف الرابع إلى السادس، والباقي
تتنازعه الصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية وكذلك الصفوف الثلاثة الثانوية الأخيرة، وهذا يعني نية أن الفئة
العمرية ١٦-١٧(سابع- تاسع) هم الأكثر عرضة للجنوح، خاصة وانه في هذه المرحلة يدخل الطالب في
المراحل الجدية من التعليم وصعوبة المناهج الدراسية لبعض الأحداث اللذين يعانون من نقص الذكاء أو
صعوبة التعلم أو ضعف التركيز (الجميلي ٢٠٠٢)، و بالتالي يجب التركيز على ملء أوقات الحدث في هذا
العمر لنشاطات المنهجية واللامنهجية للابتعاد به عن النشاطات التي من شأنها أن تزيد عرضه الحدث
للجنوح.
أما بالنسبة
للتوزيع الجغرافي فإن الجدول رقم (٣) يبين أن حوالي ٣٣ % من حالات الجنوح هي بين الأحداث من منطقة
العاصمة عمان، يلي ذلك ١٩ %من مدينة الزرقاء، يليهم ١٢ % من مدينة إربد، والباقي يتوزع على
مدن جرش والشونة الشمالية والبقعة و قي مناطق المملكة. أي أن حوالي ثلثي حالات جنوح الأحداث هي في
أكبر ثلاث مدن في المملكة نظرا لتركز معظم السكان فيها لإضافة إلى حقيقة أن المدن الصغيرة
والريف هم عادة أكثر تمسكا لقيم والتقاليد والترابط الأسري، بعكس المدن الكبرى حيث يتجلى فيها التفكك الاجتماعي بمختلف أشكاله بسبب الثراء، ووسائل الإعلام المختلفة والتكوين الاجتماعي للسكان
التي تدفع جميعها إلى زيادة عرضة الحدث للجنوح (نجم ١٩٨٤).
وللتأكيد على الجنوح كجزء
من شخصية الحدث، تم سؤال أفراد العينة في الجدول رقم (٤) فتبين أن ٧٨ % من أفراد العينة هم
جانحين لأول مرة مقابل ٢٢ % هم جانحين لأكثر من مرة. وهذا مؤشر إيجابي إلى حد معين من حيث
تدني نسبة الأحداث الجانحين المكررين واللذين أصبح الجنوح جزءا من شخصيتهم ومن ثم أصبحوا
يشكلون عبئا على المجتمع. فالحدث الذي يجنح مرة واحدة قد يندم ويتوب، وقد ينجح مركز إصلاح
الأحداث في تعديل سلوكه وإعادته إلى المجتمع كفرد صالح. لكن الحدث المكرر قد يصبح الجنوح جزءاً من
عقليته وتفكيره بحيث يكون علاجه فوق قدرات مركز الإصلاح أو المجتمع. إذن الجزء الأول
من الأحداث تنطبق عليهم النظرية الاجتماعية، وهي أن ظروف اجتماعية معينة دفعت هؤلاء الأحداث
للجنوح (الجميلي،٢٠٠٢)، والجزء الثاني، أي المكررين، تنطبق عليهم النظرية النفسية، وهي أن الجنوح
عند بعض الأحداث مرجعه أعراض نفسية يعاني منها الحدث نفسه مثل العزلة وتقلب المزاج ورفض الآخرين
والغيرة وسوء الظن لناس (كامل، ١٩٨٣.(
يرتبط بخطورة شخصية الحدث خطورة الجريمة التي ارتكبها، حيث يبين الجدول رقم
(٥) أن حوالي (٦٥ %) من أفراد العينة ارتكبوا جريمة السرقة، يلي ذلك ١٧ % ارتكبوا
جريمة هتك العرض يليهم ٦
%ارتكبوا
جريمة الإيذاء والضرر للآخرين، والباقي يتوزعون على جرائم متنوعة مثل السكر و حمل السلاح و القتل وغير ذلك،
وهذا يتماشى مع ما توصلت إليه أبحاث مماثلة في مصر وغيرها (شتا ٢٠٠٢ .(أن انتشار جريمة السرقة بين
الأحداث ذه النسبة الكبيرة إنما يفسره (ولا يبرره) الفقر والعوز بين الأحداث وأسرهم.
فالحرمان والفقر قد يدفعان الحدث إلى السرقة لقضاء حاجاته ورغباته بسبب تعذر الحصول عيها لطرق
المشروعة نظرا لتفكيره المحدود وجهله بعواقب أفعاله والغيرة من الآخرين، وهذا يؤكد ما توصلت إليه
عدة دراسات أجريت في الأردن من أن جريمة السرقة كانت ولازالت هي الأكثر شيوعا لدى الأحداث
الجانحين (نجم١٩٨٤.(
أما عامل ضعف الضبط الأسري فيبينه الجدول رقم (٦) حيث أن ٣٥ %من أفراد
العينة يبلغ عمر الأب٥١ -٦٠سنة، يلي ذلك ٣٠ %يبلغ عمر الأب ما بين ٤١-١٠سنة، ثم ١٥ % يبلغ
عمر
الأب٦١ سنة أو
أكثر، وحوالي ١٣ % الأب متوفى أصلا، والباقي ٧ % يبلغ عمر الأب ما بين٣١ - ٤٠سنة، وهذا يتماشى
تماما مع نتائج توصلت إليه عدة أبحاث مماثلة من أن سلطة الأبوين تضعف مع تقدم السن (العيسوي ١٩٨٤) . أن
حوالي نصف أفراد العينة يزيد فيها عمر الأب عن خمسين سنة، وهذا سن يميل فيه الأب إلى السكينة
والعجز ومن ثم إلى قلة الوازع الذاتي عنده لمتابعة تربية الأبناء وعموم الأبناء كما يجب، هذا
إلى جانب الضعف الجسدي أو المرض أحيانا . كما أن هذا السن يعني إمكانية أن يكون الحدث هو
الابن الأصغر (آخر العنقود)، أي مدللاً إلى درجة عدم كبح جماحه عند الخطأ أو ارتكاب السلوكيات
السلبية والتي من شأنها أن تتطور إلى سلوكيات جانحة، كما جاء في نتائج دراسة (العيسوي ١٩٨٤) . فإذا
ما أضفنا حقيقة أن ١٣ % من أفراد العينة كان الأب متوفى، فهذا يعني أن ثلثي أفراد العينة
يعانون من غياب سلطة الأب في مجتمع أبوي محافظ مثل المجتمع الأردني حيث يلعب الأب دور العمود
الفقري في بناء الأسرة وتربية الأبناء ومنعهم من ارتكاب السلوكيات السلبية داخل البيت وخارجه. لكن
هناك ٣٧ % من أفراد العينة يقل عمر الأب فيها عن٥٠ سنة، لذلك قد يعود سبب الجنوح هنا إلى ر
فاق السوء أو هجرة الأب إلى الخارج أو الطلاق أو التفكك الأسري أو غير ذلك.
يرتبط بعمر الأب عمر الأم حيث يبين الجدول رقم (٧) أن
حوالي ٤٥ % من أفراد العينة يزيد عمر الأم فيها عن ٥٠ سنة، لإضافة إلى ٤ % من أفراد العينة الأم متوفاة. هنا
أيضا تكون الأم قد تقدمت لسن وفقدت الاهتمام أو غير قادرة على ضبط أبنائها كما لو أنها كانت
شابة وقوية. يقابل ذلك ٥١ % من أفراد العينة يقل عمر الأم فيها عن٥٠ سنة، و بالتالي قد يعود سبب
الجنوح لدى الابن إلى عوامل مثل الدلال المفرط للطفل، أو بلوغ سن اليأس لدى الأم، أو بسبب اغتراب الأب للعمل في الخارج أو غير ذلك، وهذا يعزز النتائج التي توصلت لها أبحاث مماثلة (صافي،
١٩٩٨) .
أما عن أهمية المستوى التعليمي للأب فإن الجدول رقم(٨) يبين أن ٦٣ % من أفراد
العينة مستوى تعليم الأب فيها كان دون التوجيهي، إلى جانب ٢٠ % من أفراد العينة الأب
أمي، والباقي ١٧ %الأب يحمل شهادة الثانوية العامة أو جامعي. فإذا أضفنا إلى ذلك المستوى
التعليمي للأم في الجدول رقم (٩) والذي يبين أن ٥٥ % من أفراد العينة المستوى التعليمي للأم
أقل من توجيهي، إلى جانب ٣٥ %من الأمهات أميات أصلا، والباقي ١٨ % فقط تحمل الأم شهادة الثانوية
العامة أو أكثر، فان هذه الأرقام تؤكد تدني المستوى التعليمي للأبوين بين الأحداث
الجانحين وحقيقة أن ارتفاع مستوى التعليم هذا يقلل من فرص جنوح الأحداث من خلال وعي الوالدين بسبل
التربية الحديثة وتوفير سبل الرعاية الحديثة للأبناء صحيا وعقليا وأكاديميا. فالأم المتعلمة لا شك أنها بمثابة مدرسة للأبناء تعمل على نشر الوعي بين أبنائها. أن فاقد الشيء لا يعطيه. وهذا يتماشى تماما مع ما توصلت إليه البحوث في مجال جنوح الأحداث ( Bihler١٩٨٦ (.
أما لنسبة لمهنة الأب وعلاقتها بجنوح الحدث فإن الجدول رقم (١٠) يبين أن
حوالي ٤٣% من أفراد
العينة مهنة الأب فيها عامل أو مهني، إلى جانب ٢٠ % يعلمون سائقين. وهنا تتجلى أهمية طول ساعات العمل وغياب الأب
عن رقابة وضبط سلوكيات أبنائه. أضف لذلك أن هذه المهن متواضعة الدخل الشهري ولا تتطلب مستوأ
رفيعأ من التعليم وهذا بدوره ينعكس سلبا على عملية مهن متنوعة مثل التجارة ٩ %و الزراعة ٤
%والعاطلين عن العمل ١١ % ومهن أخرى متنوعة ٢% التنشئة الاجتماعية للأبناء كما جاء
في بحث ( Clarizio١٩٧٠ .(أما قي العينة فيتوزع الآباء
على
لكن المفارقة
التي تستحق الوقوف عندها هي أن ٢٠ % من الآباء هم موظفون، أي يتمتعون بمستوى تعليمي مناسب وبدخل شهري
مستقر، رغم أنه ليس كبيراً، وساعات عمل ليست طويلة نسبيا مثل العمال والمهنيين. يفسر ذلك ما توصل
إليه (صافي ١٩٩٨) من أن أغلبية الأحداث الجانحين يأتون عادة من أسر مستقرة وعادية، وليس من أسر
معدمة وفقيرة. أي أنه ليس لضروري أن تكون أسرة الحدث الجانح تعاني من الفقر والتفكك
الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وهذا يناقض ما جاء به (شتا ٢٠٠٢ ( من معظم حالات جنوح الأحداث تأتي من الأسر
الفقيرة. أن قضية جنوح الأحداث لا تقتصر على شريحة اجتماعية معينة دون أخرى، وإنما
تطول كل الشرائح والطبقات وان اختلفت النسب فيما بينها، ولا يجوز إلصاقها بشريحة اجتماعية دون أخرى.
يرتبط بمهنة الأب مهنة
الأم،حيث يبين الجدول رقم (١١) أن الغالبية العظمى من أفراد العينة٨٧ % الأم تعمل ربة البيت، أي أنها متفرغة تماما لرعاية بيتها وأبنائها ولا يفترض أن تكون نسبة الجنوح مرتفعة ذه الشكل. قد يفسر
ذلك ليس عمل الأم وإنما المستوى التعليمي المتدني عندها كما تم الإشارة إليه في جدول رقم(٧) ، يلي
ذلك٦%من أفراد العينة تعمل الأم فيها موظفة، وحوالي ٤ % تعمل الأم لزراعة، والباقي ١٢ % يعملن الأمهات
في مهن أخرى متنوعة. مما سبق لا يبدو أن عمل الأم خارج المنزل يؤدي إلى تهيئة الظروف المناسبة
لجنوح الأحداث كما يعتقد البعض (صافي ١٩٩٨) وإنما هناك أسباب أخرى مثل المستوى التعليمي للام
وعدد أبنائها وأعمارهم ومدى مساعدة الأب لها في رعاية الأبناء وغير ذلك. أضف لذلك ما يبينه
الجدول رقم (١١) من تدني نسبة جنوح الأحداث بين الأمهات الريفيات العاملات في الزراعة. وقد
يكون ذلك بسبب البيئة المحافظة هناك ومراقبة سلوكيات الحدث من قبل الأهل والأقارب وليس
الوالدين فقط كما هو في المدينة. وهذا منطقي ومعقول ويتماشى كثيراً مع الأبحاث الاجتماعية في
العالم كله من أن الانحلال والجريمة ظواهر اجتماعية ترتبط لمدينة أكثر من الريف )شتا ٢٠٠٢).
أما لنسبة للمعدل الشهري
للدخل، فالجدول رقم (١٢) يبين أن حوالي ٦٤ % من أفراد العينة يبلغ معدل الدخل الشهري للأسرة ما
بين١٠٠ -٢٠٠ دينار، وهذا هو المعدل العام لدخل الأسرة الشهري في الأردن إذا افترضنا أن الأب
وحده يعمل. أما من يقل دخله الشهري عن ١٠٠ دينار فلم تتعدى نسبتهم ١٧ ،% ومن يزيد عن٢٠٠
دينار لم تتعدى نسبتهم ١٩ %، وهذا يعني ببساطة أن تدني دخل الأسرة أو زيادته لا يساعد في
تفسير أسباب الجنوح بين الأحداث كما جاء في (نغوي١٩٩٨) ، فقد أثبتت دراسات الحالة التي يجريها الأخصائيين
الاجتماعيين في مراكز إصلاح الأحداث أن الحدث لا يسرق أو يرتكب الجرم أو الجنحة لكي
كل ويعيش، وإنما لأسباب أخرى مثل رفاق السوء وعوامل أخرى (صافي ١٩٩٨) . ولو كان تدني الدخل
سببا في جنوح الأحداث لكان من المفروض أن تزداد النسبة مع تدني التدخل وتنعدم مع زيادة
الدخل بعكس ما يبينه الجدول رقم (١٢) . أما أ ن ٤٦ % من أفراد العينة يبلغ الدخل الشهري للأسرة
ما بين ١٠٠-١٥٠دينار، فهذا هو المعدل العام للدخل في الأردن في ظل ما يمر به الآن من ظروف
اقتصادية صعبة. إذن لا يمكن تفسير جنوح الأحداث من خلال الدخل الشهري للأسرة فقط.
أما من حيث حجم الأسرة فإن
الجدول رقم (١٣) يبين أن ٤٤ % من أفراد العينة يبلغ حجم الأسرة اقل من (٦) أشخاص، يليهم ٥٦
% يبلغ حجم الأسرة ٧ أفراد أو أكثر. هذا يعتبر دليل واضح وقوي من أن الأسر الأكبر حجماً أكثر
احتمالية لأن تعاني من جنوح الأحداث بين أبنائها، يفسر ذلك قوانين في علم الاجتماع تنص على أنه
كلما زاد حجم الجماعة كلما ضعفت فيها العلاقات الاجتماعية المباشرة وكذلك الضبط الاجتماعي
لسلوكيات الأفراد فيها. أن كبر حجم الأسرة يعني ببساطة قلة نصيب الطفل فيها من حيث رعاية
واهتمام الأبوين وكذلك المصروف و التدريس. إذن نحن نقف أمام حقيقة واضحة من أن الزيادة في حجم
الأسرة لها علاقة مباشرة في ميل الحدث للجنوح كما جاء في بحوث مماثلة أجريت ذا الصدد ( Skolonik١٩٨٠.( إن كبر حجم الأسرة من شأنه
أن يؤدي إلى قلة الدفء والشعور الوجداني في العلاقة ما بين الحدث والأبوين وحلول العلاقة
الرسمية بدلا من ذلك، مما الأحداث. يشعر الحدث لاغتراب وحلول نموذج أصدقاء السوء محل نموذج الأبوين كقدوة
تحتذى لدى بعض لكن أحيا حجم الأسرة وحده لا يكفي لتفسير الجنوح الذي ارتكبه الحدث، لذلك تم
السؤال عن ترتيب الحدث بين إخوانه وأخواته، والجدول رقم (١٤) يبين ٤٦ % من أفراد
العينة في ترتيب الوسط، وحوالي ٤١ % في ترتيب الأخير، مقابل ١٣ % في ترتيب الأول. هذا يناقض ما
جاء به (العيسوي ١٩٨٤) من أن ترتيب الحدث في الأسرة يلعب دوراً هاماً في تفسير سلوكياته، خاصة الأحداث الأصغر سنا في الأسرة
(آخر العنقود) وأنهم الأكثر ميلا لارتكاب
سلوكيات غير قانونية بسبب الدلال المفرط.
إن هذه الأرقام في الجدول رقم (١٤) تبين أن الطفل الأول أو الوحيد عادة يحظى
برعاية وإشراف مباشر من الوالدين مقارنة لأطفال الوسط حيث تقل الرعاية والإشراف
المباشر من الوالدين، أو هضم حقوقه لأجل الأخوان الأصغر سنا، خاصة إذا كانت الأسرة كبيرة الحجم.
يرتبط بذلك أن ٤١ % من أفراد العينة هم في ترتيب الأخير بين إخوانهم، وهذا يعني زيادة الدلال من
الوالدين أو ضعف رعايتهم له لسبب أو لآخر .
أما عن معدل عدد الأصدقاء للحدث، فإن الجدول رقم (١٥) يبين أن ٥٥ % من أفراد
العينة لديهم صديق أو صديقان كمعدل عام، يلي ذلك ٢٧ % لهم ثلاثة أو أربعة أصدقاء.
وهذا يعني أن ٨٢ % من أفراد العينة لا يزيد عدد الأصدقاء عن أربعة، وهذا ضمن الحد المعقول لأي
شخص عادي.
وعليه يمكن
القول أن أفراد العينة يتمتعون بعلاقات صداقة عادية وجيدة مع المحيط الاجتماعي من حولهم، بعيداً عن العزلة
والانطواء لأسباب نفسية أو شخصية (ما عدا نسبة ٤ % فقط) وبعيدا عن الشللية وتكتلات المراهقين
(ما عدا نسبة٤% فقط).إذن نحن نتكلم عن أحداث يتمتعون بشخصية اجتماعية إلى حد ما من حيث الارتباط
لأصدقاء وبناء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. وهذا يناقض ما جاءت به (الجميلي ٢٠٠٢) من
معا ة الأحداث الجانحين من العزلة الاجتماعية والعلاقات المحدودة والسيئة مع الزملاء. يثبت صحة
ذلك الأرقام في الجدول رقم (١٦) و الذي يبن أن ٧٤ % من أفراد العينة يتمتعون بوجود أصدقاء من
نفس العمر، مقابل ١٧ % لهم أصدقاء اكبر سناَ، و ٩% لهم أصدقاء اصغر سناَ. إذن ثلاث أرباع
العينة لهم صداقات عادية ومن نفس المستوى العمري وبعيداَ عن الترهيب. أما شدة أو قوة هذه الصداقة
فيوضحها الجدول رقم (١٧) حيث ٧٠ % من أفراد العينة يلتقون أصدقائهم بصورة يومية، وحوالي
٢٦ % بصورة أسبوعية, و٤ % ليس لهم أي أصدقاء. هذا يثبت مرة أخرى أن القضية هنا ليست قضية عزلة
أو انطوائية يعاني منها الحدث, وإنما قد تكون نوعية وجودة هذه العلاقات الاجتماعية والصداقات.
وهذا ما تبينه الأرقام في الجدول رقم(١٨) حيث أن ٥٢ % من أفراد العينة اقروا بتأثير أصدقائهم
عليهم عند ارتكاب الجنحة، أي أنهم ببساطة أصدقاء سوء. إذن مرة أخرى الموضوع هنا ليس عزلة وضعف في
العلاقات الاجتماعية وإنما هي أصدقاء السوء اللذين يلعبون دور القدوة ويروجون للأحداث لارتكاب
السلوكيات السلبية. إذن الصداقة والأصدقاء تعدان أحد المؤثرات الرئيسية للجنوح بين الأحداث وليست لضرورة سببا في الانحراف، وهذا ما توصلت إليه أبحاث أخرى مماثلة (نجم وعبد الرحمن١٩٨٣) .
أن الأصدقاء يلعبون عادة دوراً كبيراً في صياغة الثقافة الفرعية التي يكتسبها
الحدث من محيطه الاجتماعي أو من الطبقة الاجتماعية التي يعيش فيها (١٩٨٠ (Skolnickوهذه حقيقة ليست بجديدة، لأنه من المعروف أن
كل قرين لمقارن يقتدي.
العلاقات الاجتماعية لا تقتصر على الأصدقاء فقط بل تشمل لتأكيد العلاقة مع
الوالدين، حيث يبين الجدول رقم (١٩) أن ٥٩ %من أفراد العينة يتمتعون بعلاقة جيدة مع
الأب في حين أن ٢٨% علاقاتهم مع الأب سيئة والباقي ١٣ % الأب متوفى أصلا. هذه العلاقة لا يمكن
تفسيرها بعيداً عن العلاقة مع الأم في الجدول رقم (٢٠) حيث يتبين أن ٨٢ % من أفراد العينة
كانوا يتمتعون بعلاقة جيدة مع الأم مقابل١١%علاقاتهم مع الأم كانت سيئة والباقي ٧ % الأم متوفاة
أصلاً. إذن غالبية الأحداث الجانحين علاقاتهم مع الأبوين جيدة بالرغم أنها مع الأم عموما أفضل
منها مع الأب. إذن العلاقات مع الأبوين لا تفسر كثيراً سبب جنوح الحدث. وهذا ما توصلت إليه
دراسات أخرى في نفس المجال من أن ٧٨ % الأحداث الجانحين في الأردن يأتون من أسر عادية وطبيعية أي
غير مفككة، حيث تكون فيها العلاقات الأسرية بين الأبوين من جهة وبين الأبوين والأبناء من جهة أخرى هي علاقات عادية (صافي١٩٩٦) . إذن العلاقات الأسرية لا تساعد في تفسير سبب جنوح الحدث.
أما لنسبة إلى نظرة الحدث للمستقبل، فإن الجدول رقم (٢٠) يبين أن ٦٥ %من
أفراد العينة يرغبون بتعلم مهنة معينة تمكنهم من الكسب والعمل، مقابل٣٥ % يرغبون بمواصلة
تعليمهم الأكاديمي بعد ترك مركز الإصلاح. إذن الأحداث الجانحين أكثر ميولا للتعليم المهني
والذي توفره مراكز إصلاح الأحداث ومؤسسات التدريب المهني مجا . فقد أثبتت الدراسات والبحوث أن
الأحداث يعانون أكثر من غيرهم من حيث العجز ن التعبير أو الانتظام في الدراسة وصعوبة التعلم
والاستيعاب (كامل ١٩٨٣ .(إذن الميل واضح نحو تعلم مهنة معينة، وهذا يعتمد عادة على التدريب والخبرة
بعكس الدراسة والتي تعتمد الفهم والاستيعاب (Clarizio & McCoy١٩٧٠ .(وعليه يمكن القول بضرورة تفعيل برامج التدريب المهني في مراكز
إصلاح الأحداث دف ملء الفراغ في حياة الحدث، وبنفس الوقت إكسابه مهنة يعتاش منها وتستقر
حياته فيها. لكن هذا التدريب المهني يجب ألا يعني غياب التعليم الأكاديمي والذي ما زال ٣٥ %من
أفراد العينة يتطلعون إلى ضرورة إكمال مسيرتهم بعد قضاء فترة العقوبة في المركز والتي لا بد وأنها ستقوي مدارك الحدث حول النواحي الإيجابية للتعليم أو في التعليم التدريب المهني (نغوي ١٩٩٨) .
الخلاصة
أن معرفة الخصائص الاجتماعية التي تحيط بالأحداث الجناح تساعد ولاشك في فهم
ومعالجة هذه المشكلة الاجتماعية والتي تطول شريحة الشباب دون سن الرشد. وقد جاءت هذه
الدراسة كخطوة في هذا الاتجاه. لقد جاءت نتائج هذه الدراسة على شكل محورين رئيسيين:
الأول:
نتائج تتماشى مع الأبحاث السابقة ويشمل ذلك أن غالبية الأحداث الجناح جاءوا من المدن
الرئيسية والكبرى في المملكة, ومن أسر كبيرة الحجم نسبيا, وذات دخل شهري منخفض، الأبوين فيها كبار في السن
وأميين أو بمستوى تعليم يقل عن الإعدادية، إلى جانب أن الأب يعمل كسائق أو عامل أو مهني،
وإن غالبية الأحداث الجناح ارتكبوا جريمة السرقة.
المحور الثاني يشمل نتائج تختلف مع
كثير من المعتقدات السائدة أو مع أبحاث أخرى تمت في الغرب ويشمل ذلك أن غالبية الأحداث هم من فئة المراهقين
(١٤ -١٧
( سنة (وليسوا
من صغار السن، أقل من عشر سنوات)، ارتكبوا الجريمة لأول مرة (وليسوا مكررين)، وإن ترتيب الحدث بين إخوته هو
الوسط أو الأخير (وليس الأول)، ويتمتع بعلاقات اجتماعية وصداقات قوية (وليس معزول أو
منبوذ)، وأصدقاؤه من نفس العمر (وليسوا أكبر منه سنا) وإن هؤلاء الأصدقاء هم سبب ارتكاب الجريمة (وليس
الطلاق أو التفكك الأسري ) بل أن غالبية أفراد العينة جاءوا من أسر عادية وتتمتع بوجود الأب والأم
معاً، إلى جانب العلاقات القوية مابين الحدث ووالديه، (مع أفضلية أكثر في العلاقة مع الأم)،
ورغبة معظمهم الانخراط في برامج التعليم المهني (وليس مواصلة التعليم).
للقراءة والتحميل اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق