أثر تغير الفصول واستعدادات السلامة
لمواجهة مخاطر السيول
في مشاعر الحج المقدسة
م. خالد محمد هلال
رئيس برنامج تطوير البيئة والسلامة والصحة المهنية بشركة ارامكو
د. ليلى صالح محمد زعزوع
أستاذ مشارك بقسم الجغرافيا جامعة الملك عبد العزيز
الكتاب العلمي الخاص بأبحاث الندوة الثامنة لأقسام الجغرافيا في المملكة العربية السعودية - خلال الفترة من 11-13 محرم 1425 الموافق 2-4 مارس عام 2004م - المحـور الثالث - ص ص 407 - 425:
المستخلص
حدد رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المواقيت الزمانية والمكانية لموسم الحج المبارك قبل ما يقارب الأربعة عشر قرنا. ونظرا لارتباط المواقيت الزمانية للحج بالأشهر القمرية وما ينجم عن ذلك من تغير في الفصول حسب وقوعها من فصول العام.
وإن تزامن موسم الحج مع جميع الفصول بلا استثناء من فصل الصيف اللاهب إلى جو الشتاء المكي المعتدل وما يصاحبه من أمطار متفرقة وفجائية غير متوقعة كماً وكيفاً كما شهدنا ذلك من سنوات مضت فيما يسمى بالفيضانات المفاجئة (flash flooding). فإن ذلك يدفعنا لأن نعنى بدراسة إمكانية الاستفادة البيئية من خلال تسليط الضوء على استعدادات السلامة الواجب توافرها في المشاعر لمواجهة المخاطر لإيجاد وعي بيئي في مواسم الحج، تسهم في الاستعداد لمواجهة التأثيرات المناخية في المواسم القادمة.
مقدمة
إن الدراسات التي كتبت عن الشتاء في مكة تؤكد على أنه لا يوجد شتاء حقيقي بمكة المكرمة، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل بعض المحاذير المصاحبة لتزامن موسم الحج مع فصل الشتاء. فالخطر الحقيقي ليس نابعا من انخفاض درجات الحرارة ، بل من أن موسم الشتاء هو موسم الأمطار بمكة المكرمة. ولكون منطقة مكة المكرمة والمشاعر من المناطق الصحراوية فان خطر حدوث السيول الفجائية يبقى خطراً قائماً عند نزول المطر بغض النظر عن قوة المطر. بل انه في بعض الأحيان يظل خطر التعرض للسيول الفجائية قائماً حتى في عدم نزول أمطار بالمشاعر نفسها.
وسبب ذلك أنه في المناطق الصحراوية تنخفض مسامية الأرض وبالتالي تنعدم النفاذية أو تصبح منخفضة جدا، مما يتسبب في أن هطول أمطار بمعدل نصف بوصه يجعل خطر السيول الفجائية قائما. ويتزايد هذا الخطر إذا علمنا انه مع تزايد أعمال إنشاءات الطرق بالمشاعر فإن الكثير من المساحات قد تمت تغطيتها بطبقات من الإسفلت والخرسانة مما يزيد من احتمالات جريان الماء لاماكن بعيدة لم تكن السيول لتصل إليها من قبل.
وهناك العديد من الحقائق التي يجب معرفتها عن الماء بصورة عامه وعن السيول والسيول الفجائية منها بصورة خاصة. فالماء هو من أكثر السوائل توتراً سطحياً، وهو من أقوى المذيبات، ويجمد الماء في درجة من خمس إلى صفر درجة مئوية. وقد تعرضت مكة المكرمة على مر التاريخ إلى سيول فجائية عديدة بلغ تعدادها، كما ذكر الدكتور معراج وبدر الدين في كتابهما عن أحوال الطقس والمناخ، أن هناك (104) سيل حتى تاريخ 1979م.
ومن الملاحظ أنه هناك محاولات عديدة قامت وتقوم بها الجهات المعنية بدرء أخطار السيول ومحاولة تخفيف أو تقليل أثارها، بل أن هناك محاولات لتحويل مسارات السيول، ولكن لم نجد إلى الآن أو لم تكن هناك دراسات للاستفادة بيئياً من السيول الفجائية منها وتلك المصاحبة للأمطار. فلو حدثت سيول فجائية في منطقة المشاعر ستصبح كارثة فالكارثة هي حدث يؤدى إلى ضرر ببيئة الإنسان و قد يفوق مقدرة المجتمع المتأثر به ويحتاج إلى عون للاستجابة له واستعداد قبل ذلك لمواجهة الخطر. ولا ننسى أهمية فالعامل الإنساني يقلل من آثار حدوث الكارثة من خلال التفاعل مع البيئة .
فالكوارث تصنف وفق ثلاثة أنواع أساسية هي :
1. طبيعية :
مثال ذلك : الزلازل - الأمطار الغريرة - الفيضانات والسيول ، الرياح ، والأعاصير، والحرائق .
2.طبيعية من صنع الإنسان :
مثال ذلك: الحرائق، الانزلاقات الأرضية، الجفاف، التصحر ، المجاعات، الأوبئة، والفيضانات.
3. من صنع الإنسان:
مثال ذلك: النفايات، الحوادث الصناعية، الحروب، التلوث البيئي ، الكوارث الاقتصادية.
وقد تبنت الدراسات العلمية كدراسة معراج وبدر الدين ( 2001) التحذير والتوجيه لمواجهة أخطار السيول التي من الممكن أن تتعرض لها مكة المكرمة والمشاعر المقدسة خلال موسم الحج عندما تنتقل إلى فصل الشتاء، ونبهت دراسة إلى أهمية هذا الأمر المتعلق بحرم الله الآمن وشعائره المقدسة والساعين إليه من بلاد بعيدة، وإزالة أي عائق في سبيل إراحة حجاجه وقاطنيه والساعين.
إن أمطار مكة يتسبب اغلبها في مرور المنخفضات الجوية المرتبطة بمنطقة شرق البحر المتوسط وقد بلف معدل الأمطار في مكة حتى عام 1412 هـ 94.9مم وبلغ معامل التغيير في الأمطار بمكة نسبة 73% ويعتبر (جريجوري،1973) أن المعامل الذي يتعدى 35% يعد دليلا على التذبذب العالي وهو ما ينطبق على مكة المكرمة(بدر الدين، 1412) لأن موقع المشاعر ألمقدسه "منطقة منى والمزدلفة وعرفه" في منطقة التقاء سهول تهامة بهضبة الطائف على ارتفاع يصل إلى حوالي ثلاثمائة(300) متر عن سطح البحر عند سفوح جبال الطائف التي ترتفع إلى ما يقارب الألفي (2000) متر عن سطح البحر.
وتقع المشاعر على دائرة عرض 21:26:16 شمالاً وعلى خط طول 39:49:08 شرقاً وعلى مسافة 80 كيلاً من شرق البحر الأحمر، فتضاريس منطقة عرفه والمزدلفة إذا هي عبارة عن سهل صحراوي، ولكن نلحظ أنه على الرغم من وجود المشاعر عند قاع جبال الطائف وشمال وادي نعمان وتعد ملتقى لعدة أوديه ومعبراً للسيول الفجائية التي تمر به فانه لا يوجد غطاء نباتي يذكر بالمنطقة، على العكس من منطقة منى فإن بعضاً من سكان مكة المكرمة يذكر ما يزيد عن عشرين بئراً قديمة بمنطقه منى. وإلى عهد قريب كان هناك عدد من المزارع خلال السنوات الثلاثون سنة ألماضيه رغم من صغر المنطقة النسبي وضيق واديها .
أهداف الدراسة وأهميتها :
إن إمطار منطقة مكة ألمكرمه شرفها الله تبدأ الأمطار في أواخر الخريف وتستمر في الشتاء ًوتمتد للربيع بزيادة في شهر إبريل أما أوائل الخريف وأواخر الربيع فتتسم الأمطار بالضآلة غير أنه لا يشترط أن تكون زيادة الأمطار في عام مرتبطا بأيام مطيرة أكثر (بدر الدين، 1412) إذ أنه في بعض الأحيان تصل كمية الأمطار المتساقطة إلى أكثر من نصف معدل الكمية التي تسقط طوال العام. ولا تكمن الخطورة هنا من الأمطار فقط ولكن لأهمية موسم الحج والحجيج في حدود المشاعر ولتأثير بالسيول الفجائية ((flash flooding)) عنيفا في بعض الأحيان .
· تهدف هذه الدراسة إلى الحث على الاستعداد المبكر لتقليل المخاطر على مؤدي النُسك من الحجاج، فالسيول تكون تحت السيطرة عندما تسلك مسارات محددة ، ولكن تتحول إلى كارثة إذا ما خرجت عن نطاق السيطرة وبخاصة في موسم الحج .
· محاولة الاستفادة من مظاهر الشتاء المعتدل والتحكم النسبي في السيول الفجائية الجارفة من خلال خفض درجات الحرارة اللاهبه عن طريق استزراع أنواع نباتيه معينه تسهم في خفض درجات الحرارة ،إضافة إلى إسهامها في تحسين البيئة في منطقة المشاعر .
· إن اعتماد مواقيت الحج الزمانية على الأشهر القمرية، يعمل على اختلاف مواعيد قدومها بين صيف لأهب، وربيع دفيء وشتاء معتدل. وتبعاً لذلك فان الأجواء المناخية السائدة وقت أداء النسك موضوع هام يوجب علينا دراسته لتأثيره على سلامة مؤدي النسك وبخاصة السيول ومخاطرها .
الـدراسـات السـابقة :
عُنيت الدراسات السابقة المتعلقة بموضوع الدراسة بجغرافية ومناخ مكة ومنطقة المشاعر، وهي دراسات تناولت عناصر المناخ مع إبراز المخاطر الناجمة عن ظاهرة السيول الفجائية على الممتلكات والأرواح من مؤدي الفريضة من الحجاج.
· نجيم، رقية حسين سعد (2000) بينت المؤلفة أن بيئة مكة المكرمة بيئة معقدة فريدة من نوعها وتختلف تمام الاختلاف عن أي بيئة أخرى على وجه الأرض، فهي متباينة في تركيبها الصخري تنتمي إلى الدرع العربي، في النطاق الصحراوي الذي يتسم بالجفاف والحرارة. و قد أوصت الباحثة بالتوسع في تشجير مكة المكرمة بإقامة الحدائق العامة والحدائق المنزلية، وذلك لتخفيف درجة الحرارة وتحسين البيئة عموماً، وأوردت المؤلفة رصداً لأنواع متعددة من الغطاء النباتي الموجود بمنطقة مكة المكرمة، وكذلك التوزيع الجغرافي لهذه النباتات الطبيعية. كما أوصت المؤلفة بإنشاء شبكة رصد مناخية يتم توزيع محطاتها على كافة أرجاء مكة المكرمة
· بدر الدين (1992) وعام (1993) ألقي المؤلف الضوء على السمات العامة لمناخ مكة المكرمة في تحليل مناخي يعد مرتكزاً ومرجعاً للدراسات وثيقة الصلة من حيث العوامل المؤثرة في مناخ المملكة، وعناصر مناخ المملكة، ثم تصنيف مناخ المملكة. معتمدا على إحصاءات دقيقة من محطات رصد الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.
· دراسة مرزا، و بدر الدين (2001) تعد هذه الدراسة الأكثر ارتباطا بموضوع لرصدها لأحوال الطقس والمناخ في فصل الشتاء المكي، والتي شددت فيها على مخاطر الطقس والخطوات التي يجب اتخاذها لتلافي والتقليل من أخطار هذه المحاذير. فقد أوضحت الدراسة أن فصل الشتاء قد استأثر بأعلى نسبة من مجموع السيول وصلت إلى 79% تقريباً ، في حين تضاءلت نسبتها في فصول السنة الأخرى . وأن أودية المملكة تشهد فيضانات عارمة منذ فجر التاريخ ، وفي العقود الماضية أظهرت الأحداث عدد منها أزهقت فيها أرواح الكثيرين ، وخاصة في الأودية التهامية المنحدرة من جبال السراة ، كوادي بيش ، وادي القنفذة ، وادي الليث ، ووادي فاطمة ، ووادي رابغ .
وتحذر الدراسة بأن هناك جهود مشكورة قد أبعدت كثيراً شبح خطر السيول في وادي إبراهيم ، ولكن ما زال الخطر قائماً إذا تذكرنا فجائية الأمطار وكثافتها في المناطق الصحراوية رغم ندرتها ، خاصة وأن تصاميم مشاريع تصريف السيول في الحرم ومنى بنيت على المعدلات السنوية للأمطار إضافة إلى زيادة 50% أو 100% على تلك المعدلات .
· أجريت تجربة في سلطنة عمان "لرسم خريطة لأخطار الفيضانات المفاجئة بالصحاري باستخدام نظم المعلومات الجغرافية ونظم الاستشعار عن بعد".
بين فيها الباحثون Al-Rawas ,et al أن نظم المعلومات الجغرافية (Geographic Information System (GIS تسهم في معالجة وتحليل المشاكل البيئية، مثل السيول والفيضانات المفاجئة في الأودية الجافة والصحاري. فالسيول المفاجئة تحدث عندما تزيد كمية الأمطار عن قدرة تصريف ميل حوض المنطقة، مما يحدث تراكماً في شبكة التصريف، فتزيد من خروج المياه عند فوهة الوادي أو الحوض.
وقد رسمت خريطة للفيضانات في المنطقة حددت فيها عدد من عوامل القياسات لهذه الأودية(morphometric parameters) لحساب احتمالية حدوث سيول فجائية بهذه الأودية. مع قياس الشكل الهندسي لحوض التصريف ومكوناته كمياً. وتم الاستعانة بنموذج رقمي لتحديد ارتفاعات أو تضاريس الوادي(Digital Elevation Model- DEM) وتصوير ثنائي المحور "شكل/وقت" باستخدام قمر صناعي مثل اللاند سات، لتحديد العوامل بشكل ديناميكي آلي:-
· المعدل التراكمي لحركة المياه
· معدل ميل الأرض
· معدل سقوط الأمطار
· الشكل العام للمنطقة
وعلي ذلك يمكننا وبصورة دقيقة تحديد إمكانية حدوث السيول المفاجئة وبشكل مبكر، قد يصل إلى أكثر من ثلاث ساعات، بدلا من استخدام خرائط ورقية عن طبوغرافية المنطقة .
· وأجريت دراسة في جزيرة موريشوس والتي تتعرض لخطر الأعاصير والفيضانات بشكل مستمر. أوصى الباحث فيها بربط ورصد عوامل المناخ وتضاريس التربة و سماكة الغيوم وتتبعها عن طريق الأقمار الصناعية بالاستشعار عن بعد يمكن توقع حجم الفيضانات المتوقعه وبالتالي يمكن اتخاذ التدابير اللازمة للتقليل من أثارها ألمدمره. (Parker, 2003) .
مخاطر السيول في مكة المكرمة :
أشارت السجلات التاريخية المستمدة من كتابات المؤرخين الذين عاصروا كوارث السيول في مكة المكرمة ، حدوث أكثر من 100 سيل حدثت في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة مسببة خسائر في الأرواح والممتلكات ، والجدول يوضح مدى عنف هذه السيول وتواريخها .
تواريخ من أعنف السيول التي شهدتها مكة المكرمة
الرقم
|
التاريخ
الميلادي
|
ملاحظات
|
1
|
4/10/1925
|
هطل
مطر غزير في وادي نعمان استمر خمس ساعات فتسببت السيول في تخريب عين زبيده
|
2
|
7/3/1931
|
أسقطت
السماء ماء كأفواه القرب دام ثلاث ساعات ونصف، فسال وادي إبراهيم بسيل عظيم وصل
ارتفاعه في بعض ألاماكن ثلاثة أمتار، ودخل المسجد الحرام ووصل ارتفاعه متر ونصف
في صحن الكعبة ودمر منازل كثيرة وذهب ضحيته أربعة أشخاص.
|
3
|
20/12/1936
|
هطلت
إمطار غزيرة مصحوبة بكثير من الرعد والبرق، وتدفقت السيول إلى المسجد الحرام من
باب العتيق والزيادة والدريبه ووصل الماء إلى
صحن المطاف.
|
4
|
2/4/1941
|
هطل
مطر غزير استمر من صباح الأربعاء حتى العصر، فدخل السيل المسجد الحرام ووصل إلى
باب ألكعبه، وصار المسجد الحرام كالبحر الزاخر، وتهدمت المنازل القديمة وتخربت
قبور المعلاة، وذهب السيل بالبضائع الموجودة بالدكاكين. وكتب الغزاوي وفؤاد شاكر
قصة السيل شعراً في جريدة صوت الحجاز العدد (567) في 27/3/1360هـ.
|
5
|
26/10/1941
|
من
الضحى إلى بعد المغرب، وامتلاء المسجد الحرام بالمياه حتى قاربت الحجر الأسود،
وأحدثت كثيراً من التلفيات والخراب في الشوارع والدور لكن اقل مما حدث في السيل
السابق.
|
6
|
-/7/1950
|
داهم
السيل المسجد الحرام وبلغ منسوب الماء أكثر من مترين حول الكعبة المشرفة
|
7
|
1/1/1960
|
هطلت
أمطار غزيرة ودخلت المياه إلى المسجد الحرام إلى قرب الحجر الأسود.
|
8
|
18/12/1962
|
أمطار
غزيرة استمرت ثمان ساعات ، وسالت الأودية ودخل السيل المسجد الحرام.
|
9
|
22/1/1969
|
هطلت
أمطار غزيرة فغمر السيل المسجد الحرام بأكمله، وتجاوز ارتفاع الماء إلى حوالي
نصف متر فوق عتبة باب الكعبة، وجرف السيل عدداً كبيراً من السيارات التي تراكمت
في مجرى السيل وأدت إلى انسداده وحجز في المنبر عدد من الأشخاص حتى توقفت
الأمطار وتم إنقاذهم ويعرف هذا السيل عند المكيين(بسيل الربوع) لأنه حدث في يوم الأربعاء.
|
10
|
22/2/1979
|
3
سيول أخرها وكان لها تـثير سلبي على وادي إبراهيم ولم يدخل السيل الحرم
|
المصدر:
مرزا وبدر الدين (2001 )ص 80-91
ويوضح الجدول شرح موجز لأضرار السيول التي حدثت في عبر السنوات المختارة في مكة المكرمة وتأثيرها السلبي على البيئة في المنطقة، وخاصة مع ازدياد العمران بالمنطقة، وازدياد المساحات المعبدة، فإن ذلك يكشف لنا مخاطر السيول التي تسير لمسافات وبسرعة أكبر عما كانت عليه سابقاً.
تظهر الصورة من المرجع ذاته السيول في داخل الحرم المكي
المصدر:
مرزا وبدر الدين (2001 )
ويجدر بنا أن ننوه هنا باهتمام الخلفاء المسلمون ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإنشاء عدد من السدود لتحويل السيول عن المسجد الحرام في أكثر من موقع ،تلا ذلك اهتمام خلفاء المسلمين بسلامة الحجاج في المشاعر المقدسة خلال حكم بني أمية وبني العباس والدولة العثمانية.
ونالت المشاعر المقدسة اهتمام حكومة المملكة العربية السعودية فعملت على بناء عدد من السدود والقنوات لتحويل مجاري السيول عن المشاعر المقدسة ، كما هو الحال في سد العدل ، لتصريف سيول أعالي وادي إبراهيم نحو وادي الزاهر ومشروع تصريف السيول في منطقة الحرم. ثم أنشئ مشروع شبكات تصريف السيول ضمن مشاريع توسعة الحرم المكي الشريف عام 1409هـ حيث تم فيها تنفيذ شبكتين لتحويل السيول التي يمكن أن تحدث في المنطقة المحصورة بين ميدان العدل والحرم الشريف. تتكون كلتا الشبكتين من عبّارات إسمنتية صندوقية الشكل تم تشييدها من خلال حفر خنادق على امتداد الطريق الرئيسي زودت هذه العبارات بقنوات اعتراضية لتجميع مياه السيول داخلها ومن ثم يتم تصريف هذه المياه عبر نفق يؤدي إلى الأجزاء المكتملة من أنفاق تصريف مياه السيول إلى خارج وادي إبراهيم وتم درء مخاطر السيول.
يمكن القول بأن الأمطار في منطقة مكة المكرمة والمشاعر هي أمطار موسمية شتوية تزيد كميتها النسبية في شرق مكة المكرمة - على منطقة المواقيت المكانية - نظراً لوقوعها أسفل منحدرات جبال الطائف. ويمكن كذلك القول بأنه وحسب قراءات محطة الأرصاد التابعة للرئاسة العامة للأرصاد وتحليل الدكتور بدر الدين يوسف احمد في كتابه عن مناخ مكة المكرمة في إحصاءاته عن ما يقارب ربع قرن من الملاحظة، من 1966-1988 "فإن التركيز في هطول أمطار مكة إنما هو في فصل الشتاء الذي كان متوسط الهطول فيه 50مم، وهي كمية تساوي 52% من معدل الهطول السنوي خلال الفترة المذكورة".
واستكمالاً لذلك فإن الدكتور معراج والدكتور بدر الدين في دراستهما عن أحوال الطقس والمناخ يؤيدان ما ذهب إليه الدكتور بدر الدين من موسم الشتاء هو الموسم الأكثر إمطارا بمكة المكرمة والمواقيت عموماً. وفي نفس المصدر يورد المؤلفان جداول تبين معدلات الأمطار حسب الواردة من محطتي الرصد الموجودتان في أم القرى وأم الجود والتابعتان للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة. ويورد المؤلفان في نفس المصدر عن فترات الجفاف ويوضح المصدر أيضا كيف انه هناك فترات جفاف مبطن شتوي في بعض العشريات والتي استخدمها المؤلفان كمنهج للقياس.
ويوضح الجدول التالي معدلات هطول الأمطار، ويتضح منه أن أكبر هطول للأمطار كان في شهور الشتاء، على الأخص في شهور نوفمبر، ديسمبر، ويناير على الترتيب وان كانت الكمية تختلف من سنة إلى أخرى.
الاستعدادات لمواجهة مخاطر السيول:
منطقة المشاعر عبارة عن صحراء يقل فيها الغطاء النباتي بل ينعدم في كثير من أرجائها، ولما كانت درجات الحرارة في هذه المواقيت قد تزيد في فصل الصيف عن الخمسين درجة مئوية . وعليه يمكن الاستفادة من تزامن هطول الأمطار في فصل الشتاء واعتدال الطقس بصورة عامة، وانخفاض درجات الحرارة في تحسين المناخ من خلال التالي:
· إيجاد آلية تسمح بحجز وتدوير مياه السيول.
· إيجاد آلية تسمح بحجز وتدوير مياه السيول يمكن الاستفادة منها في زيادة الغطاء النباتي في المنطقة ، لأنه بتطبيق هذه الوسيلة يمكن تخفيض درجة الحرارة إلى أكثر من 5 درجات مئوية ، ويتناسب هذا الخفض تناسباً طردياً مع كمية الغطاء النباتي.
ولتنفيذ ذلك نقترح عدد من الوسائل منها:
· تحديد ودراسة مسارات السيول وفق دراسات علمية دقيقة.
· دراسة إمكانية الاستعاضة عن بناء السدود بإنشاء قنوات يمكن جعل السيول تسير فيها إلى منطقة تجميع بحيث يمكن الاستفادة منها في عمليات الري لاحقاً.
· إنشاء قاعدة بيانية للغطاء النباتي بالمنطقة تتضمن النباتات المستوطنة، وخصائصها، وأنواعها، و طرق الإكثار منها، و الأماكن التي يمكن زراعتها بها، ونقترح مثل وادي عُرنه، وادي نعمان والأودية المحيطة بالمشاعر .([1])
· الحرص على عدم إدخال أي أنواع جديدة من النباتات إلا بعد دراسة مستفيضة للنوع حماية للبيئة النباتية.
· الإسراع في تنفيذ هذه المشاريع للاستفادة من تزامن مواسم الحج مع مواسم الشتاء.
احتياطيات السلامة البيئية المقترحة لمواجهة المخاطر:
توجب احتياطيات السلامة المقترحة لمواجهة المخاطر التعامل مع السيول من مراحل تتم بشكل متتالي:
مرحلة الاستعداد
مرحلة الإنذار
مرحلة الاستجابة
ونحتاج في جميع المراحل إلي تجهيز للمعلومات التفصيلية ومنها:
· أعداد خرائط تفصيلية لمناطق المشاعر وخاصة المناطق الأشد خطورة.
· معرفة عدد الحجاج بالمناطق والتوزيع النوعي و العمري . وخصائصهم الاجتماعية والاقتصادية.
· الموارد البشرية المتاحة محليا للمجتمع من ( متطوعين ).
· النظام الصحي وموارده ( الكوادر، المؤسسات الصحية، التدريب ) .
· المخاطر الصحية المتوقعة ومناطقها .
إن الاستعدادات توجب لدرء أخطار السيول الفجائية بالتالي :-
· تجهيز خطة عامة لمواجهة السيول والسيول الفجائية منها.
· إجراء مسح جوى لاستطلاع المنطقة الأكثر تضررا وحجم الضرر والاستعانة بها في عمليات فرق الإنقاذ في الأماكن المعزولة والإخلاء الطبي.
· تهيئة العاملين في الحج من المؤسسات والأفراد بطرق الإنذار والمخاطر في حال التعرض لسيول للمساعدة في لتنفيذ التدابير الاحترازية اللازمة.
· أن يكون هناك طريقة لتحذير مؤدي النُسك من هذه السيول إما بواسطة الإذاعة المسموعة والمرئية أو بواسطة صفارات إنذار متعددة النغمات منها ما يدل على قرب حدوث السيل (flood WATCH ) ومنها ما يدل على وقوع الخطر (flood WWARNING ) أو بالوسائل مجتمعه.
· التنسيق مع جمعية الهلال الأحمر لتفعيل خطة شاملة لمواجهة هذه المخاطر، بالإضافة إلى مخاطر الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
· الحرص على إجراءات الصحة العامة لمنع انتشار الأوبئة.
· التركيز على توصيل رسالة مايسمى بثقافة الطوارئ لدى العاملين في المشاعر ولدى مؤدي النُسك.
· أن يكون هناك تدريب مكثف لأفراد الدفاع المدني على كيفية التعامل مع السيول الفجائية.
· استعانة الدفاع المدني بمجموعة من الأفراد ممن يتحدثون لغات مختلفة ليمكنهم من التخاطب مع المجموعات المختلفة كل حسب لغته من الحجاج.
· إلزام مؤسسات الحج بتقديم نشرات توعية تتضمن محاضرات وإجراءات عملية للتوعية بسلامة الحج.
· إحاطة المنشآت بحواجز رملية، والعمل على تصريف المياه المتراكمة لسرعة إعادة الوضع الطبيعي للمناطق المتضررة.
· ويجب أن تعتبر خطط الاستعداد لمخاطر السيول جزء من الخطط العامة لوزارة الصحة والوزارات الأخرى ذات الصلة بالحج وبميزانيات محددة مسبقاً وجاهزة للتنفيذ عند الحاجة.
صورة توضح أضرار السيول عند الحرم المكي الشريف
المصدر:
مرزا وبدر الدين (2001 )
الـتوصـيـات :
· رسم إستراتيجية لإدارة مخاطر السيول من جهات حكومية متعددة ذات الصلة بالحج وإشراك مؤسسات الحجج في ذلك من خلال الاستعداد لسيل متوقع وتنظيم المسبق لعمليات الإخلاء والإيواء.
· رسم خريطة لأخطار الفيضانات المفاجئة في منطقة المشاعر باستخدام نظم المعلومات الجغرافية ونظم الاستشعار عن بعد.
· الاستعداد المبكر بمشاريع تعالج السيول التي قد تجئ بأكثر مما بنيت المشاريع لاستيعابها ونحن في موسم الحج المحدود المساحة والزمان.
· نؤكد على ما أوصت به دراسة مرزا وبدر الدين (2001) بنشر شبكة رصد مناخي قوامها محطات مساندة لمحطتي أم الجود وأم القرى، بخاصة وأن السيول التي تندفع إلى مكة والمشاعر. لأن الأمطار في هاتين المحطتين تجيء من المناطق الأعلى الشرقية في مكة وإلى أبعد من ذلك – من الكر وحواف جبال الحجاز. والرصد الجوي لمنطقة المشاعر طوال العام وعدم الاكتفاء بموسم الحج .
· التماس الفتوى فيما يرتبط بالمبيت بمزدلفة أو أيام منى ليس لمن لهم خيام فقط كما أوصت به دراسة مرزا وبدر الدين بل وتحريكهم من مواضعهم حال توقعات الأمطار العنيفة واقتراب مسبباتها من منخفضات جوية متجهة إليها.
· توعية الحجاج بخطورة الإقامة في بطون الأودية أو التحرك فيها أثناء هطول الأمطار بخاصة وادي عرنة الذي هو الحاجز بين عرفة ومزدلفة وربما كان في عبوره خطر كبير من أثر السيول التي تجيء بلا مطر .
المراجع العربية :
· أحمد، بدر الدين يوسف محمد (1992) مناخ مكة المكرمة، سلسلة بحوث العلوم الاجتماعية، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، مركز بحوث العلوم الاجتماعية، مكة المكرمة.
· ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1993) مناخ المملكة العربية السعودية، رسائل جغرافية، الجمعية الجغرافية الكويتية - قسم الجغرافيا، جامعة الكويت.
· مرزا، معراج نواب، و أحمد، بدر الدين يوسف محمد (1419) أحوال الطقس و المناخ في الشتاء بمكة المكرمة ،مشاريع معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج .مكة المكرمة.
· مرزا، معراج نواب و أحمد، بدر الدين يوسف محمد (2001) أحوال الطقس والمناخ في الشتاء بمكة المكرمة، رسائل جغرافية، الجمعية الجغرافية الكويتية - قسم الجغرافيا، جامعة الكويت .
· نجيم، رقية حسين سعد (2000) البيئة الطبيعية لمكة المكرمة: دراسة في الجغرافية الطبيعية لمنطقة الحرم المكي الشريف، الطبعة الأولى، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي.
المراجع غير العربية :
· Al-Rawas, Ghazi, Koch, Magaly, El-Baz. Farouk (2003) “Using GIS for Flash Flooding Hazard Mapping in Oman” Earth Observation Magazine (EMO), the Magazine for Geographic, Earth, Mapping Information.
· Gregory's (1973) statistical methods and the Geographer, Longmans, London.
· Parker, Dennis(1998) “Making Warning Work” Pointer from the south-west Indian Ocean, Flood Hazard Research Center.
· Rolex Appreciation Award for Scientific Research,(1995) "Improvement of Al-Khafji Environment through the Increase of the Green Area"
(1) أجريت دراسة في منطقة الخفجي عام 1995 بهدف تحسين الأحوال البيئية وتم فيها تقسيم منطقة الخفجي إلى أقسام متعددة متساوية"grid" مساحة كل جزء منها هي 100,000 متر مربع بهدف دراسة الأنواع النباتية المستوطنة فيها لإكثار الصالح منها والدائم الخضرة ، وحتى لايتم إدخال أنواع جديدة من الغطاء النباتي دون معرفة أثاره الجانبية (رولكس ،1995)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق