مكة المكرمة عاصمة الثقافة
خلال الفترة المكية من عصر النبوة
ورؤية مستقبلية
إعداد
د
/ عبد الباري محمد الطاهر
أستاذ مشارك التاريخ الإسلامي والحضارة
الإسلامية
كلية دار العلوم بالفيوم جامعة القاهرة
وكيل قسم الاجتماعيات وعضو مركز البحوث
والدراسات التربوية
بكلية المعلمين في أبها
أبحاث الندوة الثامنة لأقسام الجغرافيا في المملكة العربية السعودية 1425 - المحـور الأول الجغرافيا الحضرية لمكة المكرمة
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله ، معلم الناس الخير ، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه ، وبعد :
فقد ارتبطت مكة المكرمة بقلوب الناس منذ
أذن نبي الله إبراهيم u في الناس بالحج، بأمر الله I له : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ
يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
(الحج:27) ، فقصدها الناس تحقيقا لقوله I على لسان نبيه إبراهيم u : (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ
ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا
لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37) ، فأمها
الناس ، وصارت مركزا دينيا وثقافيا تنوعت فيه الثقافات ، وموطنا تجاريا خرجت منه
رحلتا ( الشتاء والصيف ) ، وكانت موئلا للشعر والأدب ، وملاذا آمنا لكل من دخلها .
لقد اصطفى الله I " مكة المكرمة
" فجعل فيها أول رمز للعبادة على وجه البسيطة ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ
لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96) ،
ووقعت على أرضها أحداث تاريخية ذات أثر بالغ في الحياة ، وكان من توفيق الله I اختيارها لتكون منبثق الرسالة الإسلامية
الخاتمة ، ومكانا لعبادة لا تصح إلا فيها ، فعاشت مكة زاخرة منذ البعثة النبوية
بالعطاء الروحي والفكري، وأصبح الوحي الإلهي منشئا ثقافة إسلامية ، ومهذبا لثقافات
قائمة ، وكان لزاما على أرباب القلم ، ودعاة الفكر أن يقفوا وقفة تأمل مع هذا
المكان الطاهر ، ويستلهموا مما جرى عليه من أحداث دروسا للأمة في وقتها الراهن ،
حيث تفرقت السبل بأبنائها ، وغدا بعضهم في حالة من الانهزامية الحضارية ؛ لبعدهم
عن تراثه وحضارته الأصيلة ، وانبهارهم ببريق حضارات ليست على هدى من الله .
مدخل
مكة
المكرمة مركز ثقافي قبل الإسلام
مكة
وتسمياتها
مكة المكرمة مدينة قديمة ، تقع حاليا في
الجانب الغربي للمملكة العربية السعودية ، على بعد 75 كم شرق البحر الأحمر، كما
تقع بجوارها إلى الجنوب الشرقي على بعد 80 كم تقريباً مدينة الطائف .
وقد ورد اسم مكة بلفظ بكة في قوله I : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96) .
و قد أورد ياقوت الحموي في معجمه روايات
عديدة عن ([1])
تسمية مكة المكرمة منها أنها سميت مكة من : مك الثدي أي مصه لقلة مائها. وأنها تمك
الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي شيئا. وأنها تمك من ظلم أي
تقصمه
ومن المرجح أن أول من سكن مكة المكرمة في
القرن التاسع عشر قبل الميلاد هو نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ، قال
تعالي : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37) ، وقد استجاب الله عز وجل دعاء نبيه
إبراهيم u ، فعندما نفد ما كان لدي إسماعيل u ووالدته هاجر من زاد و ماء تفجر ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل u ، ووفدت القبائل إلى مكان
الماء ([2]).
مكانة مكة قبل الإسلام :
برع أهل مكة في التجارة ، ووجدوا في
مكاسبها مأمنهم من الجوع والخوف ، قال I : ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ . إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ
وَالصَّيْفِ . فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ .الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ
جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (سورة قريش ) .فحالفوا القبائل ، وأفادوا من
احترام العرب للكعبة ، وأقاموا أسواقا ينشط فيها الشعر والتجـارة ، ومن هذه
الأسواق : عكاظ ، وذو المجاز ، والمجنة ، وعادت هذه الأسواق على قريش بثراء عريض ،
ومكانة مرموقة فظهرت منهم في مكة طبقة من السراة الذين احتجنوا المال ، وباهوا
بالشرف ، وطبقة من الفقراء الأذلاء المقيمين على حسد ونقمة ( [3] )
وترك
هذا النمط من الحياة وآثاره في اللغة والأدب .
أما اللغة فقد كثرت فيها المفردات
المتصلة بالإبل والخيل والشاء ، لأنها عماد الحياة في الصحراء ، وقد نقل رينان عن
دوهامر " أنه توصل إلى جمع أكثر من 5644 لفظا لشئون الجمل رفيق الأعرابي في
الصحراء ، ومؤنسه في وحشته " . ويمكن أن يحصي الباحث عددا يقارب هذا العدد من
ألفاظ الخيل ، متصل بصفاتها وأعضائها وأعمارها وسيرها وأنسابها .
وأما الأدب فقد حفلت أمثاله وقصصه وشعره
بالمعاني المتعلقة بالخصب والجدب ، والري والجفاف ، والصيد والطرد ، والجواد
والحمل ، حتى أصبحت الناقة تنافس المرأة في مكانتها من قلب الشاعر ، وفي حظها من
تصويره ، وحفلت الأراجيز والمطولات جميعا بمقدار عظيم من الشعر في صفة النوق
والخيل ، وعزف هذا الوصف في سبيل من غريب اللغة لا يفهمه اليوم غير المشتغلين
بالمعجمات ( [4] ).
مظاهر الثقافة في مكة قبل الإسلام :
وقف الجاهليون على جملة من المعارف
تحصلت لهم من التجربة والمعاينة ، فعرفوا أشياء عن النجوم ومواقعها ، وسخروا
معرفتهم لبداية قوافل التجارة .
ومن المعارف التي تشهد لهم بالذكاء ودقة
الملاحظة ما يلي :
·
الفراسة
: ومعناه معرفة أخلاق المرء من خلقه وهيئته .
·
القيافة
: ومعناها معرفة الناس من آثار أقدامهم .
·
الزجر
، والطرق بالحصى : وفحواهما تنفير الطائر بحصاة يرميها الأعرابي ، فإذا اتجه
الطائر إلى اليمين تفاءل الرامي ، وإذا اتجه إلى اليسار تشاءم ( [5]).
·
الكهانة
: وهو من المعارف المنكرة التي يدعي مدعوها معرفة الغيب ، وكانت الكهانة معروفة
عند قريش ، بل كان فيها من يتقنها ، ويدل على ذلك ما رواه جابر بن عبد الله t قال : " اجتمعت قريش للنبي r يوما ، فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر
والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا ... قالوا : ما نعلم غير
عتبة بن ربيعـة..." الحديث ([6])
. ويؤكد معرفة مكة بالكهانة ما ورد في قصة إسلام عمر بن الخطاب t حين سمع الرسول r فقال هو كاهن ، فسمـع الرسول r يتلو : (وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)
(الحاقة:42) ... الحديث ([7])
. وقد أخبر الكهان عن بعثته r
([8]).
·
علم
الأنساب : وهو بمثابة علم التاريخ ، وقد وعت ذاكرة العرب أخبار الآباء والأجداد ،
وشيئا من أخبار الروم والفرس ، غير أن اعتمادهم على الحافظة عرض محفوظهم للنسيان
والخطأ ، ولامتزاج الخبر الصحيح بالأسطورة المختلفة ، وسلمت من هذا الخطأ والتخليط
أنسابهم التي حرصوا أشد الحرص على حفظها والاعتزاز بنقائها ، قال أحمد بن فارس :
" وللعرب حفظ الأنساب ، وما يعلم أحد من الأمم عنى بحفظ النسب عناية العرب
" ( [9] )
. وكان في مكة نسابون يرجع الناس إليهم ، ومن بينهم أبو بكر الصديق t وعمر بن الخطاب t
.
·
الأدب
والفصاحة : اشتهر كثير من أهل مكة بفصاحة اللسان وحسن البيان ، منهم على سبيل
المثال " الوليد بن المغيرة الذي وصف القرآن الكريم حين طلب منه مشركو مكة أن
يقول في الرسول r وما يأتي به قولا فصلا ، فقال : "
والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق
أسفله ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، وإنه ليحطم ما تحته " ([10])
. وقد تحدى القرآن الكريم المشركين في أخص خصائصهم البلاغة بقوله:(أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(يونس:38) .
·
الشعر
: عرفت مكة الشعر ، فكان لغة العصر ، وعرفت المعلقات التي قيل : إن العرب كتبوها
بماء الذهب على القباطي وعلقوها على أستار الكعبة فسميت بالمعلقات. وقيل : بل سميت
بالمعلقات لأن الناس علقوها في أذهانهم أي حفظوها.
·
ومهما
اختلف النقاد والرواة القدماء في تسمية المعلقات أو في كتابنها ، فإنهم متفقون على
أنها القصائد المختارة الجيدة الصحيحة التي نزلت من نفوسهم منزلا رفيعا ، فقد
أعجبوا بها ، وأولوها عنايتهم ؛ لما فيها من جودة وإبداع ونضج ، إضافة إلى أنها
ترسم صورا صادقة لحياة العرب السياسية والاجتماعية ، إذ يتصل بعضها بحوادث كبيرة
في الجاهلية ، كمعلقة زهير ، ومعلقة الحارث ، ومعلقة عمرو بن كلثوم ، ويتصل بعضها
الآخر بظاهرة اجتماعية واضحة في العرب الجاهلية ، وهي حياة اللهو والفخر والكرم
والفروسية ([11]).
ولم يشك في صحتها ، وجاهليتها أحد غير نفر من المعاصرين الذين أسرفوا في الشك،
فأنكروا الشعر الجاهلي جملة ([12]).
·
الثقافة
الدينية في مكة : كان أهل مكة يدينون بالحنيفيــة دين إبراهيم u ، وبمرور الزمن انحرفوا ، ومن صور انحرافهم
ما فعله عمرو بن لحي الخزاعي الذي جاء بالأصنام إلى مكة المكرمة ([13])
، فكانت عبادة الأصنام التي ذكرها القرآن الكريم ، مبينا سفه العرب الذين كانوا
يقدسون هذه الأصنام ، ومحددا أشهر هذه الأصنام ، فقال I: ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ
الْأُخْرَى . أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى . تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ
ضِيزَى. إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا
تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) (لنجم : 19 : 23)
. وقد انقسم العرب في عقيدتهم في هذه
الأصنام إلى قسمين ([14]):
قسم يعبدها تقربا لله I ، وهم الذين قال الله I فيهم : ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر:3) .
وقسم يعتقد في نفعها وضرها ، وهم الذين عجبوا من محمد r فقالوا:( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5).
·
ثم عرفت مكة المسيحية باتصالهم بالروم من
جانب ، وبعلاقتهم مع اليمن والحبشة من جانب آخر . وروى أن جماعة من أهل مكة
اجتمعوا في أحد احتفالات الأصنام وهم : ورقة بن نوفل ، وعثمان بن الحويرث ، وأمية
بن أبي الصلت ، وعبد الله بن جحش ، وزيد بن عمرو ، وقيس بن ساعدة الأيادي وقالوا
والله ما قومنا على شيء لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم ، ما حجر تطوف به لا يبصر
ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ، التمسوا لأنفسكم ديناً غير هذا الدين . فاهتدي ورقة
ابن نوفل([15])،
وعثمان إلى النصرانية ، بينما ألبس الأمر على عبد الله بن جحش فأسلم ثم هاجر إلى
الحبشة وتنصر هناك . بينما عاب زيد بن عمرو على العرب أكلهم الميتة والدم ، وظن
أنه عاد إلى دين إبراهيم ، وكان يناجي ربه : يا رب لو أني أعلم أحب الوجوه إليك
عبدتك به . وسموا أيضاً بالحتفاء أي الذين حتفوا عن الأديان الباطلة ومنهم أيضاً
أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة الأيادي .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما "
أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود
فسأله عن دينهم ، فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني ، فقال : لا تكون على
ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله ، قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل
من غضب الله شيئا ، وأنى أستطيعه؟ فهل تدلني على غيره ؟ قال : ما أعلمه إلا أن
يكون حنيفا . قال زيد : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يكن يهوديا ولا
نصرانيا ، ولا يعبد إلا الله ، .... " الحديث ([16])
.
المبحث الأول
الاصطفاء الإلهي لمكة
المكرمة
أول بيت وضع للناس بمكة :
قدَّر
الله I أن يصطفي من هذه الأرض بقعة يباركها ، تكون
رمزاً لوحدة البشر في أهدافهم وتوجهاتهم ، وأنشأ I في هذه البقعة أول بيت يربط الناس بخالقهم I،
يتلمسون في هذا البيت الخير والبركة والهداية . قال I : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين (سورة آل عمران: آية 96 ) . وبهذا تتضح منذ البداية عالمية المكان
الموضوع للناس، المكان المبارك ، الذي جعله الله I مكان هداية للعالمين ( [17] ) .
وشاء الله I أن تعمّر الملائكة هذا البيت قبل هبوط أبي البشر ، آدم u إلى الأرض ([18] )
، فلما نزل عمَّر البيت كما عمَّروه ، وطاف به مثلما طافوا ( [19])
. واستمر أبناء آدم في عبادتهم لله ، وطوافهم حول الكعبة وتعميرها ([20])،
إلى أن جاء الطوفان في عهد نوح u فاجتاح البيت، ولم تبق إلا قواعده ([21]).
بداية الإعمار بعد الطوفان :
فلما جاء زمن إبراهيم u أعلمه ربه بموضع البيت ، فذهب إليه بأمر من الله I تاركا ولده إسماعيل وزوجته هاجر في جوار هذا
المكان ، وكان هذا العمل بداية جديدة لتعمير هذا المكان المبارك مرة أخرى ، ولذلك
تضرع إبراهيم u إلى ربه قائلا : ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا
ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( سورة إبراهيم : آية 37 ) .
وقد حقق الله I تضرع خليله إبراهيم u ، فأخصب الوادي، واتجهت إليه القلوب تعلقت به وبسـاكنيه ، كما حقق
الله I رجاء أم إسماعيل ألا يضيعها الله ، وقد امتثلت لأمره ، وبقيت مع طفلها في هذا المكان ،
فملأ الله I قلبها طمأنينة ، وأنزل عليها السكينة ،
وتغشتها رحمته جل وعلا ، فظلت موصولة الفؤاد بخالقها ، ساعية بين الصفا والمروة
تأخذ بأسباب الحياة ، لتسقي طفلها ، حتى تفجر الماء عند قدم ولدها ، وجاء من يؤنس
وحشتها ، ويبدد شدة غربتها ، وعمر هذا المكان ، إلى أن جاء خليل الله u ليرفع قواعد البيت ، وتصبح العمارة للقلوب،
مثلما هي عمارة للقوالب . وأعلم الله I خليله u مكان البناء ووطأه له ،وبيّّّن له الأهداف العامة لهذا البيت. قال
I:
وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي
للطائفين والقائمين والركّع السجود (سورة الحج : آية 26).
الكعبة المشرفة مركز الأرض :
قال
ياقوت الحموي : " جاء في الأخبار أن أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة ،
ثم دحا الأرض من تحتها ، فهي سرة الأرض ، ووسط الدنيا ، وأم القرى ، أولها الكعبة
، وبكة حول مكة ، وحول مكة الحرم ، وحول الحرم الدنيا "([22])
.
وقد
كشفت البحوث العلمية الحديثة أن الكعبة المشرفة هي مركز الأرض ([23]) .
مكة المكرمة ملتقى القارات :
وقد تميّزت البقعة المباركة ( مكة المكرمة ) بميزات كثيرة ، منها أنها تقع
في منطقة تعد ملتقى قارات العالم القديمة الثلاثة: آسيا وأفريقيا وأوربا ، وهي
كذلك أيضاً في عالمنا الحديث،لأنها توجد في قارة آسيا التي يفصلها عن أفريقيا فاصل
مائي يسير هو البحر الأحمر،ولا يفصلها عن أوربا سوى البحر المتوسط، فإذا تم
الاتصال بأوربا فقد أمكن الاتصال ببقية أجزاء العالم الحديث([24]) .
رفع القواعد من البيت :
و
أمر الله I نبيه إبراهيم u
ببناء الكعبة ([25])
مع ولده إسماعيل ، عليهما السلام ، وقد سجل القرآن الكريم ذلك بقوله : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا
واجعلنا مسلميْن لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت
التواب الرحيم . ( سورة البقرة : الآيتان 127، 128 ) .
ولعل حكمة الله I التي ألهمها إبراهيم u ، وقد تمثلت في أنه لم يبدأ ببناء البيت فور وصول ولده وزوجته إلى
المكان ، فالبيت يعمر بالطائفين والعاكفين والركع السجود ، ولا يحدث هذا إلا بوجود
جمع من الناس في هذا المكان أولا، حتى يصبح للبناء معنى في قلوبهم .
وبعد الفراغ من رفع قواعد البيت ، أمر
الله I نبيه إبراهيم u بقوله : وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج
عميق ( سورة الحج : آية 27 ) . ووصل النداء إلى
كل من كتب الله له الحج إلى بيته الحرام إلى يوم القيامة .
وازدادت بذلك هيبة هذا المكان ، وحلّت
فيه بركات الله ورحماته وأمنه ، وجاء التصريح بذلك في قوله I
:
فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ( سورة آل عمران : من الآية 97) . وفي قوله I : وإذ جعلنا البيت مثابة
للناس وأمناً
(سورة البقرة
: من الآية 125).
عالمية مكة المكرمة :
ولقد كان الأمر بالأذان للناس بالحج من
دلائل الإعجاز الإلهي في هذا المكان الطاهر ، لأنه أصبح بهذا النداء الإلهي الذي
رفعه لسان إبراهيم u ، فوصل إلى كل من سبق في علم الله أنه سيحج– أصبح هذا المكان
عالمياً قولاً وفعلاً .
وقد أكد القرآن الكريم حقيقة عالمية
المكان حيث قال الحق I : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات
بينات مقام إبراهيم ومَنْ دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلاً. ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين (سورة آل عمران: آية 96،97) .
فكلمتا ( الناس - العالمين) وتكرارهما ،
توضحان بجلاء عالمية المكان، فهو مكان مبارك تهوى إليه أفئدة الناس قبل أجسادهم ،
ويرتبط البشر به ، ففيه العبادة الجامعة التي لا تصح إلا فيه وهي ( الحج )، ذلك
الركن الخامس من أركان الإسلام . وتتجلى صفة العالمية أيضاً في قول الله تبارك وI عن هذا البيت الذي وُضـع في هذا المكان وإذ جعلنا البيت مثابة
للناس وأمناً ( سورة البقرة : من الآية 125 ) .
بين عالمية مكة وعالمية الرسالة الخاتمة :
أطلق نبي الله " إبراهيم " u نداءه إلى الله I راجياً أن يبعث في هذا
المكان العالمي المبارك رسولاً من بين سكانه ، يكون هادياً ومعلماً ، بسبب إحساسه
بمكانة هذا البيت ، تلك المكانة العالمية المرموقة، فقال u – كما جاء في القرآن
الكريم : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (البقرة:129)
وقد
اخترقت دعوة الخليل إبراهيم u حواجز الزمن، فاستمرت عمارة البيت الحرام بعده ، يقوم بها
العماليق،ثم جُرهم،ثم قصي بن كلاب–جد النبي r– ثم قريش ، وهذه العمارة الأخيرة هي التي شارك فيها الرسول r وهو في الخامسة والثلاثين
من عمره ، بحمل الأحجار ، وبالتحكيم بين القبائل في وضع الحجر الأسود في موضعه ([26]) .
وتحقق
رجاء إبراهيم u ، فبعث الله في ذرية ولده إسماعيل محمداً r ليكون
خاتم الأنبياء والمرسلين ، وقد سئل r عن مبدأ أمره ، فقال : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي
عيسى " ([27])
.
وكان
اصطفاء الله I لمحمد r من ولد إسماعيل u ، واختيار هذا الرسول الخاتم ليخرج من أطهر بقعة وأقدسها وأقدمها على
وجه الأرض ، لهو من دلائل الإعجاز لهذا الدين العالمي الذي جاء به محمد r
لتتوافق عالمية الرسول الخاتم مع عالمية الرسالة الخاتمة ، مع عالمية
المكان .
و"
إن انطلاق الرسالة الخاتمة من أطهر بقاع الأرض ، من جوار المسجد الحرام والكعبة
المشرفة لدليل على صفاء هذه الرسالة وطهارتها وعالميتها، ولواحد من دلائل النبوة ،
ومظاهر الاصطفاء الإلهي لهذا المكان ، فالبيئة الطيبة والمنبت الكريم يتناسبان مع
المهمة النبيلة التي اختير لها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r"([28])
إن
"هذه البيئة التي سكنها الإسلام وعمَّرها ، كانت بيئة ممتازة نبت فيها
الإسلام .. ثم انبسط منها على الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي من حدود اليمن إلى
حدود طنجة . هذه البيئة التي ميَّزها الله I عن غيرها تمييزاً عجيباً؛ إذ جعلها في أعدل بلاد الأرض ، ومهبط الروحانيات
، ومنبع الأديان ، ومشرق النور، فما أولانا نحن المسلمين أن نعتز بهذا الوطن الذي اختاره
الله I للفكرة الإسلامية ، ومازالت مكة قلب هذا
الوطن " ([29])
.
المبحث الثاني
الوحي وإنشاء ثقافة
إسلامية أصيلة
معنى الثقافة :
الثقافة تعني في اللغة : الفهم والفطنة
والذكاء والإتقان والضبط للشيء والقيام به ([30]) .
أما في الاصطلاح فهي بإيجاز أن يعرف
المرء شيئا عن كل شيء ، أو أن يلم إلماما يسيرا بأكثر ضروب المعرفة ، أو هي :
" المعرفة المتصلة بالعلوم الإنسانية التي ترقى بالإنسان وتوسع دائرة معارفه
وتميزه بالنظرة الشاملة ، بحيث ينعكس هذا كله على شخصيته وسلوكه ، مما يجعل منه
رجلا واسع الأفق مهذبا ، يحسن التأتي للأمور ، ويجيد التصرف في شؤون حياته ، يعرف
حقوقه ، ويحرص على أداء واجباته " ([31])
.
معنى الوحي :
الوحي في اللغة يدل على مجموعة معان ، تتعلق
بالإعلام في الخفاء . قال الفيروز آبادي: "الوحي: الإشارة والكتابة والمكتوب
والرسالة والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته الى غيرك. والصوت يكون في الناس
وغيرهم كالوحي والوحاة جمع وحي ، وأوحى إليه : بعثه وألهمه " ([32]).
وقد استعملت كلمة الوحي في الشرع لتدل على الإعلام الخفي والسريع الخاص بمن يوجه
إليه بحيث يخفى على غيره.
وقد ورد ذكر لفظة (الوحي) ومشتقاتها في
القرآن في سبعين موضعا، منها أربعة وستون موضعا في القرآن المكي، وستة مواضع منها
في القرآن المدني.
الوحي مصدر جديد للثقافة والمعرفة :
أما كلمة "الوحي" فقد جاءت في
ستة مواضع في القرآن وكلها في العهد المكي. وهذا يبين أهمية الوحي في إظهار ثقافة
جديدة ، واعتبارها أساس ما يدور عليه العهد المكي ، من صراع حول قضايا يتميز بها
هذا الدين الجديد، ويعلنها صريحة. مصححة لأوضاع المجتمع، ابتداء من قضية الاعتقاد،
والاعتقاد _في حد ذاته _ معرفة أو علم. ومن ثم فإن للمعرفة طريقا جديدا غير طريق
الحس والعقل، وغير ما تناقلته الأجيال عن الآباء والأجداد، هذا الطريق هو الوحي
إلى النبيr ([33]).
بداية الوحي والدعوة إلى الثقافة :
لما بلغ محمد r الأربعين من عمره أكرمه الله عز وجل بالوحي ، قال I : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ
يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ ) (الشورى:7) فأمره الله I بتبليغ الرسالة الخاتمة ، وجعله رحمة للعالمين فقال : ( وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) ،
وكانت البداية في غار حراء ([34])حيث
كان محمد r يتعبد ، حيث نزل الوحي بقوله I: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق1: 5). وهذه
بداية واضحة المعالم ، فهي دعوة إلى العلم باستخدام أدواته .
تبليغ الدعوة وأثره :
ثم نزل قوله I : ( يا أيها المدَّثِّر، قم فأنذِر، وربَّك فكبِّر،وثيابَك
فطهِّر، والرُّجْزَ فاهجر، ولا تَمْنُنْ تستكثرْ، ولربِّك فاصبر) [المدثر:
1-7 ] أمره الله بالتبليغ فقام r بما أمره به ربه I
.
وقد حدد الله I لنبيه r طريق الدعوة ، فأمره بقوله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214) ثم نزل قوله عز وجل : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94). صعد على جبل الصفا ونادى على قريش
بعد أن عدد بطونها وأفخاذها ... فدعاهم
‘لى التصديق به وبرسالته ، فعارضه عمه أبو لهب بقوله : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا
جمعتنا. فنزلت الآيات ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ
مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (سورة المسد ) .
وبدأ صراع بين الحق والباطل ووقف أئمة
الكفر والضلال ضد رسول الله r يعادونه ويحاربونه بكل أسلحتهم وكان هذا أول أثر واضح في حياة هذه
الدعوة ، ففي الوقت الذي أقبل عدد من أهل مكة على هذه الدعوة نفر منها آخرون؛ لما
رأوه من تغيير لأفكارهم ومعتقداتهم ، فضلا عن تأثيرها على مكانتهم .
ولقد أثر ذلك في المجتمع المكي حيث ظهرت
ثقافة جديدة تدعو إلى تغيير الواقع . وكانت الآيات المكية التي نزلت آيات قصيرة
تصف في أغلبها النار والجنة وتدعو إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام وقيل إنه فرضت
صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ
وَالْأِبْكَارِ)(غافر: من الآية55). وهذا يعني أن الثقافة الجديدة الناشئة عن
الوحي تحولت إلى سلوك عملي وعبادة لله رب العالمين .
الثقافة الأصيلة التي جاء بها الإسلام :
جاء الإسلام ليجد ثقافة موروثة تمثلت في
الشعر والكهانة والسحر وعلم الأنساب وعبادة الأصنام والعودة إلى الحنيفية أو
المسيحية المحرفة آنذاك ، فضلا عن المفاهيم المرتبطة بالتقليد ومكانة السادة
والعبيد والبعث بعد الموت ومكانة المرأة والعصبية القبلية .... وغير ذلك .
وتمثلت الثقافة الجديدة في تأصيل عقيدة
التوحيد ، والإيمان باليوم الآخر ، وتثبيت الأخلاق النبيلة ، وبيان السلوك الراقي
، والحكم على العادات الموروثة ، ومواجهة المعاندين ، والتحدي اللغوي ، فضلا عن
قصص الأقدمين وما فيها من عبر وعظات ، وغير ذلك من الأمور التي نوجز بعضها فيما
يلي :
الوحي يدعو إلى التوحيد
الخالص :
تميزت المرحلة المكيّة بالدعوة إلى
التوحيد الخالص ، ونبذ عبادة الأصنام ونَفْي الشرك أياً كان نوعه ، وقد توارد
الوحي بآيات كثيرة تدعو إلى ذلك طوال الفترة المكية ( ثلاثة عشرعاما .
لقد اهتم الوحي في الفترة المكية بقضية
توحيد الربوبية ، " ومن مقتضياته أن الإحياء والإماتة والرزق والنفع والضر
وتدبير شؤون الخلق والتشريع من تحليل وتحريم من خصائص رب العالمين ، وقد أفصح
القرآن المكي عن ذلك في مواضع كثيرة، من ذلك : قوله I : ( لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ
آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (الدخان:8) . وقوله I : ( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ
إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (الاسراء:30) . وقوله I : ( وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا
رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ)(الزمر: من الآية 8) . وقولـه I : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ)(لأعراف: من الآية54) . وقوله I : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس:3) " ([35]).
لقد أكد الوحي أن توحيد الله في ألوهيته
قضية الأنبياء جميعا من لدن نوح u ، قال I : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ
فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ
بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(البقرة:213). ولذلك صدع النبي r بقوله : " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا
الله " ([36]).
الدعوة إلى المفهوم الشامل
للعقيدة :
أخرج
الحاكم والبيهقي وأبو نعيم من حديث علي t أن رسول الله r لما خرج في موسم الحج يدعو قبائل العرب إلى الإسلام ، عرض نفسه
على بني شيبان بن ثعلبة ، فدعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأنه عبده ورسوله ، وأن يؤووه وينصروه ليبلغ رسالة ربه ، فقال له المثنى بن حارثة
الشيباني : وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه أخا قريش مما تكره الملوك ، فرد
عليه النبي r بقوله : " وإن دين الله عز وجل لن
ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه "([37]) .
واستمرارا لترسيخ مفهوم التوحيد الشامل
جاء القرآن المكي مقررا توحيد الأسماء والصفات، فعدد كبير من الآيات المكية تختم
بصفات الله I وأسمائه الحسنى ، لتأكيدها وترسيخها في
النفوس كي يعبد الله I بمقتضاها ، مثل ذلك قوله I : ( قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6) وقوله I : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ
وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:18) وقوله : ( فَالِقُ الْإِصْبَاحِ
وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ
الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (الأنعام:96) . ويلاحظ أن سورة الأنعام وهي سورة مكية قد
جمعت بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات قال I : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (الأنعام:114) . وقال : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ
أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا
يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:14). وقال : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) .
وكانت الآيات
المكية تحمل إشارات تدعو إلى التفكر في آيات الله في الكون : والشمس وضحاها (سورة الشمس:الآية1)
، والليل إذا يغشى (سورة الليل:الآية1)، إذا السماء انفطرت (سورة الإنفطار:الآية1)، إذا الشمس كورت (سورة التكوير:الآية1)، والسماء
بنيناها بأيد وإنا لموسعون (سورة الذاريات:الآية47) .
وكان ذلك بمثابة
ربط لهذا الإنسان بالخالق I من جانب ، وبالكون المحيط بهذا
الإنسان من جانب آخر ، وكأنه يقول لهذا الإنسان إن كل ما في الوجود يسبح بحمده ،
فكن ضمن هذه المنظومة الكونية المرتبطة بخالقها الحكيم I
.
لقد رسخ الوحي في مكة بالقرآن الكريم
العقيدة الصحيحة في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم ، فآتت تربية الرسول r ثمارها ، فأصبحوا لا يوالون ولا يعادون إلا
في الله ولا يستغيثون أو يستعينون إلا بالله ، إلى غير ذلك من حقائق ومعاني قررها
القرآن الكريم والسنة النبوية في الفترة المكية ([38])
.
الوحي يدعو إلى تعميق
الإيمان :
" كما عنى القرآن المكي في هذه الفترة
بتعميق الإيمان في النفوس وبيان أبعاده القلبية والقولية والعملية والتركيز على مقتضيات ( لا إله إلا الله ) التي
تعنى بنقل الإنسان من تقاليد وأعراف الجاهلية إلى أصول الإسلام وأحكامه في نواحي
الحياة المختلفة " ([39]).
لقد رسخ الوحي الإيمان في قلوب المسلمين
الأوائل ، ورباهم الرسول r عليه ، فأصبحوا لا يخافون في الله لومة لائم
، وقد سرى توحيد الربوبية في قلوبهم فتحول إلى سلوك عملي واضح([40]).
كما أكد حقيقة البدْء بترسيخ مفهوم
الإيمان الصحابي الجليل جندب بن عبد الله حين قال: " كنا مع النبي r ونحن فتيان حزاورة _ أي أشداء أقوياء –
فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا "
([41]) .
الوحي المكي والإيمان
باليوم الآخر :
" لم يناقش القرآن المكي قضية من
القضايا بالتفصيل مثل عرضه لأمر الإيمان باليوم الآخر"([42]).
فقد " ركز القرآن الكريم على عرض قضايا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر عرضا مفصلا ومجملا ، يتناول الملائكة وأعمالهم وصفاتهم ،
والكتب وما فيها ، والنبيين ودعوتهم وقصصهم ، ومقادير الخلق، وأحوال البرزخ ويوم
القيامة وأحوال المنعمين والمعذبين ، وكيفية البعث وحشر الناس ومحاسبتهم بأسلوب
معجز حتى لكأن الإنسان ينظر إلى يوم القيامة رأي عين : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ . وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ . وَوُفِّيَتْ
كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ . وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ
عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا
بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِين . قِيلَ ادْخُلُوا
أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ . وَسِيقَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا
وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ
فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ .)وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا
وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ
الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ
وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الزمر :68 :75) .
الوحي ومفهوم العبادة :
نزل
الوحي يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وجعل الحكم له I في كل شيء ، قالI: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40) . وقد
أدرك العرب في مكة معنى العبادة من خلال معرفتهم للمعنى اللغوي وهو الخضوع التام
لله رب العالمين ، وكان ورقة بن نوفل يدرك ذلك حين قال:" ليتني أكون حياً إذ
يخرجك قومك فقال رسول الله r: أو مخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا
عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ".
ونص
القرآن الكريم في الفترة المكية على " قاعدة الوجود الكبرى وغــاية الوجود
الإنساني : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
(الذريات:56) وهي الإطار العـام للعقيدة والدائرة الشـاملة للحياة البشرية " ([43])
.
أحكام شرعية في مكة :
كان القرآن الكريم بمكة يعالج مسائل
العقيدة والأخلاق بصفة عامة ، إلا أنه أصدر بعض الأحكام التي شرعت في هذه الفترة
للحاجة الماسة إليها مثل الصلاة ، قال I : ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنعام:72).
ومنها تحريم مالم يذكر اسم الله عليه من الذبائح ، قال I : ( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ
إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام:121) .
الدعوة إلى مكارم الأخلاق :
كما تميزت المرحلة المكية بغرس المثل
العليا في النفوس واستئصال العادات والأخلاق الجاهلية .
ويوضح ذلك جعفر بن أبي طالب t أمام النجاشي الذي استدعى المسلمين ليعرف
أمرهم ، فقال جعفر t متحدثا عنهم : " أيها الملك .. كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد
الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل
منا القوي الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه
وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وأباؤنا
من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ،
وحسن الجـوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل
مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئا ،
وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام _ فعدد عليه أمور الإسلام – فصدقناه ، وآمنا به ،
واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ...." ([44])
.
تغيير قيم الجاهلية :
إن ما شهده العصر الجاهلي في تاريخ
الأمة العربية يرجع بمعظمه إلى النشأة العامة التي درج عليها الإنسان الجاهلي،
والمبادئ الخلقية والاجتماعية التي اعتنقها، وإلى مسار الأحداث التي رافقته في حله
وترحاله، سلمه وحربه، سكينته واضطرابه، حياته أو موته ([45]) فالقيم
التي كانت تسود المجتمع قائمة على شرب الخمور واستمراء الزنى، ولعب الميسر
والإيغال في الربا، والتهافت على مال اليتيم ووأد البنات، واستعباد الناس وتفشي الطبقية،
وحصر الحرية في المجموعة المتنفذة في إدارة دفة القبيلة ذات السيادة المالية
والتجارية، هذه القيم سادت معظم المجتمعات - العربية منها والأعجمية - آنذاك،
فالقبائل الممتدة حتى أطراف الجزيرة شمالاً تؤمن بهذه القيم وتمارسها، وقد قامت
عليها حضارات عريقة أنشأت وجودها على نفس الامتداد القيمي.. فكانت الحروب عندما
تنشب وتحقق القبائل الانتصارات على بعضها، توقع أعلى درجة من البلاء في الجانب
الخاسر؛ تنهب أمواله وتسبي نساءه وتأتي بهن (خادمات) للسيد المنتصر، وهكذا يتحول
السيد في قومه إلى عبد لدى المنتصر.. فكانت لغة السلب والنهب الفردي والجماعي هي
السائدة، واستجلاب الغلمان والنساء (الجواري) أمراً مألوفاً.
هذا السلوك العام السائد في بيئة اختلّ
فيها التوازن الاجتماعي والاقتصادي، أدى إلى التمسك ببعض وسائل العيش واستمرار
بقائها دون التفكير بالتنازل أو التراجع عنها، لذا فنتيجة لذلك أضحى من الصعب
التسليم بنقيضه أو قبول بديله، ما دامت الحروب والتجارة تحقق الأموال والجاه
والمكانة الاجتماعية.. وإن التنازل عنها وإحداث توازن آخر، وإقامة البديل في مجتمع
طغت عليه مكاسب التمايز الطبقي والاستئثار بالمال أو السلطة.. فلابد وأن تكون ردة
الفعل المتوقعة إزاء أي تغيير قوية، وشديدة، ولا يمكن وصف قوتها وشدتها لا سيما أن
من يصنع التغيير هو شخص اتصف بالبساطة والنبل والأمانة في مجتمع ابتعد عن هذه
الصفات، وهو مجتمع مكة الغني بالمال والجاه والثروة، وعرف التجارة والسيادة على
القبائل الأخرى، وامتد نفوذه إلى شمال الجزيرة العربية وجنوبها.. فهل من الممكن
التسليم ببساطة لهذا الرجل الذي طلب قلب الأمور رأساً على عقب.. فبالتأكيد سيوصف
من قبلهم أنه حاسد، باحث عن الثروة والمال والسلطة، ولكنه كان على العكس تماماً.
مواجهة التقليد :
رفضت قريش دعوة الرسول r وذلك كراهة أن يخرجوا من دين آبائهم إلى دين
جديد . ومثال ذلك موقف عمه أبو طالب – وتمتلئ آيات القرآن الكريم بمواقف الكفار
الذين كانوا يتعللون بدين آبائهم وأجدادهم وأنهم على ذلك مقتدون .
لقد كان الوحي يكشف طبيعة الناس في
تعاملهم مع الأصنام ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا
يَعْلَمُونَ) (لقمان:25) .
ضياع مكانة سدنة الكعبة :
نزل الوحي فغير مفهوم السادة من زعماء
القبائل وغيرهم ، فبعد أن كان حكم القبيلة يرجع إليهم يصدرونه بهواهم أو وفق
مصالحهم الشخصية ، جعل القرآن الكريم الحكم المطلق لله رب العالمين ()مَا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40) . وكان مشركو مكة وكبراء القوم فيها يدركون
معنى ترك الأصنام وعبادتها ، وكيف أنهم سوف يفقدون ما يحصلون عليه من ثروة ونفوذ
نظير خدمتهم للأصنام وقيامهم بالاستقسام
بالأزلام عندها . ولنا أن نتصور موقف هؤلاء الذين يخدمون حوالي 360 صنماً
حول الكعبة المشرفة .
تغيير مفهوم الرق :
أعطى الإسلام لكل إنسان حقوقاً وعليه
واجبات ، ولكن قريشا تصورت أن السيد له حق امتلاك العبد بكل جوارحه ومعتقداته .
وأعطى الإسلام للعبد حريته في فهمه وعقيدته وحبه وكرهه – بل إن له حقوقاً جديدة –
فلا يحق لسيده أن يكلفه فوق طاقته وعليه أن يوفر له مأكله وملبسه ومشربه . فاعتقد
سادة قريش أن الإسلام جاء لكي يؤلب هؤلاء العبيد عليهم ، وربطوا بين دخول كثير
منهم في الإسلام وبين هذا المعتقد الخاطئ لديهم عن العبيد فأذاقوهم العذاب .
حقيقة السيادة والنبوة :
لم تفرق قريش بين السيادة والنبوة .
فاعتقدت أن الدين الذي جاء به محمد r سيجعل له السيادة ولآل عبد المطلب عليهم . وهذه مسألة مهمة
بالنسبة لقريش وقد ظهر حرصهم عليها عند وضعهم الحجر الأسود ، وكذلك تقسيمهم
للسقاية والحجابة وغيرها فيما بينهم . حتى إنهم اعترضوا على نزول القرآن عليه r وكانوا يريدون أن ينزل على أحد سادتهم ولكن
هل هم الذين يقسمون رحمة الله عز وجل !! ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا
الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31) ، فقد أكد
القرآن الكريم أن الرسول r ما هو إلا بشر ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً) (الكهف:110)
( فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ
عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي
آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) (المؤمنون:24) .
مفهوم البعث والحساب :
كانت قريش تعتقد أن الحياة تنتهي بالموت
وأنه ليس هناك حساب ، ويؤكد ذلك قصة أبي بن خلف عندما جاء بعظام بالية إلى رسول
الله r وبعد أن هشمها ونفخها نحو الرسول r قال : أتزعم أن الله يبعث هذا ، قال : نعم .
وأنزل الله I قوله ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ
خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي
أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ
مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ( يس :78:
80) .
أخبار الأقدمين :
نزل الوحي يحكي بعض قصص السابقين ، لأخذ
العبرة والعظة من جانب ، ولطمأنة الرسول r بأنه على الحق من جانب آخر ، ولتحديد طريق التعامل مع أعداء الله
من جانب ثالث
فعلى سبيل المثال نزلت سورة البروج
مسلية للرسول r وأصحابه بأن المؤمنين قبلهم
قد أوذوا وأحرقوا بالنار بسبب إيمانهم، ويهدد الكفار ، الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات
بالعذاب، ويبشِّر المؤمنين بالفوز وأن بطش الله شديد، وقد حلّ بمن قبل أولئك الكفار
الذين كذبوا رسول الله r.
ثقافة الوحي تغير قيم الجاهلية :
إن النبي r
استطاع أن يهدم مجتمعاً وثنياً بكامله، وأزال كل قيمه، ومعاني
وجوده في مكة، وعمل خلالها على هداية قوم قرروا منذ البداية ألا يدخلوا الإسلام،
لأنهم كانوا أبعد ما يكونون عن إدراك شيء يسمى رسالة إلهية أو ديانة سماوية، فكانت
خطوط تفكيرهم قبلية ، وكانت الدنيا عندهم هي مراكزهم الاجتماعية ومكاسبهم المالية ([46])
.
إن الإسلام رفع قدر الإنسان إلى مستوى
عالٍ من خلال نهجه، والله يعلم أنه من الممكن أن يرتفع الإنسان إلى مستوى فهم
القرآن الكريم لما بعث الرسول r ولما جعله هدى للناس، ولما أرسل رسوله للناس كافة، فكل إنسان بلغ
مبلغ الوعي والإدراك هو مهيأ نفسياً وذهنياً لمعرفة آيات القرآن والتدبر فيها
واستيعاب معانيها ([47])
، ويؤمن بالقيم التي جاء بها القرآن ونشرها الدين الإسلامي .
وخلاصة القول :
لقد أنشأ الوحي ثقافة جديدة أصيلة ،
ثقافة غيرت مفاهيم الناس ، وحددت نوعا جديدا من العلاقات ، وجعلت سلوكيات جديدة
تحل محل سلوكيات قديمة ، وقدمت صورا من الثبات على الإيمان والصمود على الحق والصبر
على الناس ، وضبط النفس عند المحنة الطويلة ، وصون اللسان والاستعانة بالعقل ([48])
بل أسهمت هذه الثقافة في تكوين علاقات اجتماعية جديدة ، وإنشاء جيل جديد يتحمل
أعباء قيام دولة .
المبحث الثالث
هيمنة الثقافة الإسلامية
على الثقافات التي وجدت في مكة قبل الإسلام
( أ ) أسباب هيمنة الثقافة الإسلامية :
سبق أن
تحدثنا عن الثقافات التي وجدت قبل الإسلام بإيجاز مثل : الشعر والكهانة وعلم
الأنساب ، وغيرها . وعرفنا كيف جاء الوحي فتغيرت المفاهيم ، وبدأت الثقافة
الإسلامية تهيمن على الثقافات القديمة ، ولذلك أسباب عدة ، منها :
( 1 ) البيان القرآني
المعجز طغى على الشعر :
لقد
نزل الوحي على رسول الله r بلغة العرب ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(الشعراء:195) فبهرهم
بإعجازه مع أنه جاء بلغتهم ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ
قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (ابراهيم:4) وتحداهم فقال : ( أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38) وقال : (وَإِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ
مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
(البقرة:23) .
لقد وصف الوليد بن المغيرة القرآن
الكريم بقوله: " والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه
لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى ، وإنه ليحطم ما تحته "([49]) .
وليس هذا فحسب بل كان المشركون يقولون
عنه إنه لسحر وكانوا يمنعون الناس من الاستماع لمحمد r خشية أن يؤثر فيهم قوله ، وقصة إسلام الطفيل بن عمرو تؤكد ذلك ،
حيث أكثر أهل مكة من تحذيره من الاستماع لمحمد r ، وكان الطفيل شاعرا لبيبـا ، حتى قال : والله ما زالوا بي حتى
أجمعت ألا أسمع منه شيئا ، ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني قطنا ، وغدوت إلى المسجد
فإذا رسول الله r قائم يصلي عند الكعبة ، فقمت منه قريبا ،
فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ،قال : فسمعت كلاما حسنا ، فقلت في نفسي: واثكل
أمي !! والله إني لرجل لبيب شاعر ، ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن
أسمع من هذا الرجل ما يقول ، فإن كان الذي يأتي به حسنا ، قبلته ، وإن كان قبيحا
تركته ... ثم سمع القرآن ، فما كان منه إلا أن دخل الإسلام ، وشهد شهادة الحق ([50])
.
( 2 ) حقيقة الإيمان وقوة العقيدة :
إن حقيقة الإيمان التي تحلى بها الرسول r وأصحابه y جعلت الثقافة الجديدة التي جاء بها الوحي تسري في النفوس سريعا ،
وتخالط القلوب ، حتى إن أبا ذر الغفاري t الذي جاء إلى مكة ليسمع النبي r ، ويتعرف على هذا الدين الذي عرف به من أخيه ، فلما التقى بالرسول
r أسلم من ساعته ، " فقال له النبي r : ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري ،
قال : والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم ، فخرج حتى أتى المسجد ، فنادى
بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، ثم قام القوم فضربوه
حتى أوجعوه ، وأتى العباس فأكب عليه ، قال : ويلكم !! ألستم تعلمون أنه من غفار ؟!
وأن طريق تجارتكم إلى الشام ؟ فأنقذه منهم ، ثم عاد من الغد لمثلها ، فضربوه
وثاروا عليه فأكب العباس عليه "([51])
.
( 3 ) ظهور مصطلحات جديدة :
ظهرت في مكة المكرمة مصطلحات جديدة بعد
نزول الوحي مثل : الصلاة – الزكاة – الصوم ، وأخذت هذه المصطلحات طريقا جديدا
لعقلية العربي ، ومدلولا عمليا . ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقبلون على
الرسول r ، ويتعرفون على كل جديد يأتي به الوحي ،
وينفذونه في حب وتسابق . وكانت دار الإسلام الأولى دار الأرقم بن أبي الأرقم من
أهم الأماكن التي يتلقى فيها الصحابة توجيهات الرسول r .
( 4 ) القصص القرآني الصحيح
المعجز :
جاءت آيات القرآن الكريم في الفترة
المكية تحمل القصص القرآني الصحيح بأسلوب معجز،
جعلت رجلا كالنجاشي ملك الحبشي يضرب بيده إلى الأرض فيأخذ منها عودا ثم
يعلن قولته الشهيرة : " ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود !! عندما سمع
جعفر بن أبي طالب t يتلو عليه الوحي الذي نزل على الرسول r في
شأن نبي الله عيسى وأمه مريم عليهما السلام ، وقال جعفر t لما سئل : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟ قال : " نقول فيه ما
جاء به نبينا r ، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها
إلى مريم العذراء البتول " ([52])
.
( 5 ) التحدي بالقرآن في
أمر مستقبل :
في
قصة الرهان بين أبي بكر t وقريش ما يؤكد قمة التحدي بالقرآن الكريم ، وكان ذلك من أسباب
هيمنة ثقافة الوحي ، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما بمناسبة قوله I : ( الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ) (الروم 1 :4) قال : " غلبت وغلبت ، كان المشركون يحبون أن
يظهر أهل فارس على الروم ؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن يظهر
الروم على فارس ؛ لأنهم أهل كتاب ، فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله r وقال : أما إنهم سيغلبون ، فذكره أبو بكر
لهم ، فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا ، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم
كان لكم كذا وكذا ، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي r قال : ألا جعلته إلى دون العشر ... ، الحديث
. ومعلوم أن البضع دون العشر ، وقد كان نصر الروم على الفرس ([53]) .
( 6 ) ثبات الرسول
والمؤمنين وصبرهم :
لقد كان ثبات الرسول r
وصحابته y وصبرهم على إيذاء قريش مما يذهل الألباب ،
وتحار له العقول ، وتمتلئ كتب السيرة النبوة بمواقف كثيرة ظهر فيها ثبات الرسول r
وصبره وثبات أصحابه مثل : أبي بكر وعمر وآل ياسر وخباب وبلال ، وغيرهم كثير
y ([54]) .
( 7 ) قوة منطق النبي :
في
قصة إسلام ضماد الأزدي t خير شاهد على أن كلام النبي r كان له أثره البالغ في النفوس ، فمن حديث ابن عباس رضي الله عنهما
: " أن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة ، وكان يرقي من هذه الريح ، فسمع
سفهاء من أهل مكة يقولون : إن محمدا مجنون ، فقال : لو أني رأيت هذا الرجل لعل
الله يشفيه على يدي ، قال : فلقيه ، فقال : يا محمد ، إني أرقي من هذه الريح ، وإن
الله يشفي على يدي من شاء ، فهل لك ؟ فقال رسول الله r : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن
يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده
ورسوله ، أما بعد ، قال : فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء ، فأعادهن عليه رسول الله r ثلاث مرات ، قال : فقال : لقد سمعت قول
الكهنة وقول السـحرة وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء !! ولقد بلغن قاموس
البحر ، قال : فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام ، قال : فبايعه ، فقال رسول الله
r : وعلى قومك ، قال : وعلى قومي ([55]).
( ب ) مظاهر هيمنة الثقافة
الإسلامية :
( 1 ) الاهتمام بالعقيدة
الإسلامية :
أقبل المسلمون على هذا الدين ، ونهلوا
منه ، وتعرفوا على العقيدة الصحيحة فعضوا عليها بالنواجذ ، ويكفي أن يعاتب الرسول r في رجل أقبل عليه يطلب منه أن يعلمه ، قال I : (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ
الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى.أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ
الذِّكْرَى) (عبس 4:1) .
لقد اهتم الرسول r بتثبيت العقيدة في قلوب أصحابه ، ونزلت
الآيات تحث على ذلك ، فكان الإقبال على فهم العقيدة وتطبيقها ، والعمل بمقتضاها
حديث أهل الإيمان ، فسيطر ذلك على قلوبهم وأصبح واقعهم الذي يعيشون به وله، فهيمنت
العقيدة على كل شيء في حياتهم y وأرضاهم.
( 2 ) الإقبال على قراءة
القرآن وحفظه :
أقبل المسلمون الأوائل على الإيمان
الصادق ، ونسوا أو تناسوا الشعر ، وارتبطت قلوبهم بكتاب الله I ، يقول جندب بن عبد الله t : " كنا مع النبي r ونحن فتيان حزاورة _ أي أشداء أقوياء –
فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا "
([56]) .
لقد أقبلوا على القرآن الكريم فحفظوه
كحفظهم للمعلقات وغيرها أو أشد ، ولعل من الحكم البليغة أن يكون أعلب أهل مكة
حفاظا ، وأن تتعود ذاكرتهم على حفظ الشعر الجاهلي قبل الإسلام ، حتى إذا جاء
الإسلام تكون ذواكرهم قد تعودت على الحفظ حتى أصبح الحفظ بالنسبة لهم ملكة وسجية ،
فلما آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد r نبيا ورسولا انطلقت ذواكرهم تعي ما يتلوه
الرسول rمن
آيات الله والحكمة.
وفقد سوق عكاظ مكانته التي عرفت في
العصر الجاهلي ، وأصبح حديث مكة عن محمد r والدين الجديد والقرآن الكريم الذي يوحى إليه
، وأثره في النفوس ، وأصبح حفظ القرآن معلقا في القلوب ، حل محلها القرآن الكريم
الذي جعل أبا جهل وصاحبين له من صناديد قريش يذهبون سرا للاستماع إلى رسول الله r ، ثم يتعاهدون ثلاثتهم على عدم العود ولكنهم يعودون ، وقد تأثر
الطفيل بن عمرو الشاعر اللبيب بالقرآن الكريم الذي فاق الشعر روعة وحسن بيان كما
قلنا آنفا . ولم نعد نسمع عن الشعر والشعراء في مكة ما كنا نسمع قبل بعثته r من إقبال على هذه الثقافة التي كانت تحكي حياة هذا المجتمع ، وتعد
من أشهر سماته .
( 3 ) الاهتمام بالسلوك :
تحقق السلوك الإيماني عند الصحابة رضوان
الله عليهم ، فنبذوا عبادة الأصنام ، وأقبلوا على الله I بصدق ، وظهر التعامل الراقي ، والسلوك المنضبط ، فما كان منهم
سباب ولا لعان ولا صخاب ، وما اقترفوا الفواحش ، ولا قتلوا نفسا ظلما ، ولا اعتدوا
على أحد .
ويكفي أن ينطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى جماعة من العبيد المستضعفين فيدفع من
أمواله الكثير وهو طيب النفس ؛ ليعتق إخوانه .
( ج ) نتائج هيمنة الثقافة الإسلامية :
لقد ظهرت نتائج هيمنة الثقافة الإسلامية
على الحياة كلها في مكة المكرمة بشكل واضح ، ويمكن إيجاز هذه النتائج في النقاط
التالية :
( 1 ) تغيير السلوك : فقد تغير سلوك
أتباع الدين الجديد ، فأصبحوا أكثر رقة ، وأحسن عشرة ، وألين جانب ، ونبذوا أفعالا
كانوا يقترفونها في الجاهلية .
( 2 ) وجود عداء للدعوة : وظهر العداء
السافر لأتباع هذا الدين الجديد ، تدفعهم العصبية القبلية والحمية والحسد
والكبرياء .
( 3 ) تزايد الأنصار وتضاؤل الأعداء :
وبمرور الأيام يقبل الناس على هذا الدين ، ويتزايد عدد المعتنقين له ، ومن ثم يقل
أعداؤه ، وتندحر حيلهم ، وتتضاءل تصرفاتهم المتعسفة أمام صبر وجلد وثبات أهل
الإيمان .
( 4 ) إدراك مكانة الرسول r : وكلما أسلم إنسان أقبل على رسول الله r يقول له : فداك نفسي وأبي وأمي ، ويتفانى في
نصرته .
( 5 ) هيمنة القرآن الكريم : أما القرآن
الكريم فقد سيطر على الحياة كلها ، وأصبح شغل المسلمين والمشركين الشاغل ،
فالمسلمون يحفظونه ويتذوقونه ، وأعداء الإسلام يستمعون إليه ، ويعجبون من نظمه ،
وما يحدثه في النفوس من أثر ، ويزدادون حنقا على المؤمنين .
( 6 ) هيمنة لغة قريش : لقد جاء القرآن
بلغة قريش وهي لغة تحمل في طبيعتها مكان الصدارة، فلما جاء القرآن الكريم بها كأنه
أشار إلى فضلها ومكانتها ، ويروي الجاحظ
أن معاوية بن أبي سفيان t
سأل يوماً: من أفصح الناس ؟ فقال قائل: قوم ارتفعوا من لخلخانية
الفرات وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر ، ليست لهم غمغمة قضاعة ولا
طمطمانية حِميَر. قال من هم ؟ قال: قريش ([57]).
لقد فرضت لغة قريش نفسها على أئمة الشعر
ليقرضوا أروع الشعر وأعذبه في أغراض شتى، وعلى وجه الخصوص في الفترة التي عرفت
بالجاهلية مُتَوَّجة بالمعلقات السبع أو العشر وامرؤ القيس ، طرفة بن العبد ، عبيد
بن الأبرص ، الحارث بن حلزة ، عمرو بن كلثوم ، النابغة الذبياني، زهير بن أبي سلمى
، عنترة العبسي، الأعشى الأكبر ولبيد بن ربيعة. كان الشعر في تلك الحقبة (532ـ 622
م) بمثابة وسيلة الأعلام اليومية لسهولة حفظه وروايته ، وباعتماده كمصدر لغوي،
إضافة لاحتوائه سير الأحداث والوقائع التاريخية وحفظ وتخليد مآثر المناسبات ، حيث
كان ولا يزال ينفذ إلى أعماق القلب والنفس والكيان ويحرك العاطفة والخيال
بموسيقاه وجزالة ألفاظه التي صيغت في قوالب الوزن والإيقاع فاستساغها الغالبية
العظمى من العرب وغيرهم .
المبحث الرابع
رؤية
مستقبلية لمكة المكرمة كعاصمة ثقافية في عصر العولمة
عصر العولمة :
تعددت مفاهيم العولمة ، فبعض الباحثين
نظر إليها على أنها ظاهرة تاريخية صاحبت تطور الرأسمالية ولا تزال لصيقة بها ، وأنها
جزء عضوي وأساسي في طبيعة الرأسمالية ، كما أنها نتاج التحولات البنيوية العميقة
التي كانت تجري في رحم الرأسمالية الإمبريالية . ( [58] )
وينظر آخرون إلى العولمة على أنها
مجموعة من التباعيات الاقتصادية التي تضمنت تحرير السوق، وخصخصة القطاع العام ،
وتقليص دور الدولة في أداء بعض وظائفها (خاصة الجانب الاجتماعي) ونشر التكنولوجيا.([59] )
وينظر فريق ثالث إلى العولمة على أنها
هيمنة القيم الأمريكية ، حيث يرى كثيرون أن أمريكا بإمكاناتها وقدراتها الاقتصادية
والتكنولوجية وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، وانتهاء الحرب الباردة ، قادرة
على قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين بما تمتلكه من قاعدة معلوماتية وقدرة
على تحطيم العوائق والحواجز بين الأمم والشعوب ، ومصلحة الولايات المتحدة
الأمريكية تتمثل في انتشار اللغة الإنجليزية كلغة مشتركة بين الشعوب وهيمنة
المعايير والقيم الأمريكية على الشعوب ، وهيمنة البرامج التليفزيونية الأمريكية
على التليفزيون العالمي بوصف التليفزيون أحد الروابط بين الدول وبعضها البعض (
[60] )
.
والعولمة - بصفة عامة - بثوراتها
التقنية تزيد من قوة الدولة القوية ، وتزيد من ضعف دول العالم الثالث (الدول
النامية ) ، ثورة الاتصالات والمعلومات ، وهي إحدى خصائص عصر العولمة الذي نعيشه
سوف تؤدي إلى هيمنة ثقافة وقيم ومعايير
أخلاقية خاصة للدول الكبرى وقد تؤدي إلى ضعف الثقافة والقيم والمعايير الأخلاقية خاصة
لدول العالم الثالث ( الدول النامية ) .
عالمية الإسلام لا عولمة الغرب :
إن الإسلام - منذ أيامه الأولى - كان
واضح المعالم بأنه دين عالمي غايته تقديم رسالته الحضارية إلى الإنسانية كلها ،
فهو يفي بحاجات الإنسان الروحية والخلقية والمادية .
ولقد كان واضحاً كل الوضوح في لغة
القرآن المكي عالمية الدعوة الإسلامية وإنسانية هذا الدين الذي يخاطب الإنسان جنس
الإنسان بغضِّ الطرْف عن وطنه وقومه كما في قوله
I :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)
(التكوير:27) ، وقوله جل ثناؤه :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) ، وقوله - جل ذكره -: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ) (سـبأ:28) .
وهذا الخطاب موجه للناس كافة في شتى
بقاعهم ومختلف أزمانهم، وبكل أجناسهم وقومياتهم وألوانهم.
وخلال الحوار الذي دار في بيت أبي طالب
بين كبار قريش وبين النبي r
قال لهم: "كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم
بها العجم" ([61] )
. أي: كلمة لا إله إلا الله .
أما
عولمة الغرب فهي لا تقارن بعالمية هذا الدين ، لأن هذا الدين يعلن أنه : ( لا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ
بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256) . كما أن هذه
العولمة تسعى إلى سيطرة أفكارها بالقوة على غيرها ، وهذا واحد من العديد من الفروق
بين الاثنين .
مكة المكرمة رائدة الأمس واليوم :
إن مكة المكرمة تملكت - منذ القديم -
عناصر عالميتها ، فكانت رائدة يأتيها الناس من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم ،
وليقضوا مناسكهم .
ولما جاءت الرسالة الإسلامية العالمية
الخاتمة كانت مكة مهد هذه الرسالة ومنطلقها إلى غيرها من البلاد ، فكانت رائدة
لنشر العقيدة الصحيحة ، ومنارا للعلم ، وملاذا لمن يريد الأمن الفكري والجسدي
والروحي .
وهي اليوم تنطلق نحو تحقيق هذه الريادة
من جديد ، ففيها الحرم المكي الشريف ورابطة العالم الإسلامي وجامعة أم القرى ومعهد
خادم الحرمين ، وغيرها من المؤسسات والهيئات التي تعطيها صفة العالمية .
وأعتقد أن مستقبل هذا البلد الأمين هو
ريادة الأمة الإسلامية كلها فكريا وثقافيا ، ويكون ذلك بعدة أمور منها : اهتمام
المسؤولين بالثقافة الإسلامية الأصيلة وبثها عن طريق مكة المكرمة ، والتوعية
الإعلامية المستمرة لإظهار دور مكة المكرمة ومكانتها ، وتحديد استراتيجية لإعادة
وجه مكة الحضاري من جديد ، وتفعيل دور المكتبات والمدارس والمؤسسات الثقافية
الموجودة بمكة لتحقيق العالمية المنشودة .
ولن يتم ذلك إلا بصدق التوجه ، ومضي
العزم ، وإدراك المسؤولية الإنسانية والإسلامية ، وتضافر الجهود المخلصة ، وطلب
العون من الله رب العالمين .
الخاتمة
بعد
هذه الجولة السريعة التي تتبع الباحث فيها بإيجاز صورة المجتمع المكي قبل البعثة ،
واختيار الله I لهذا المكان المبارك ليكون عالميا ، وجاء
الوحي لينطلق الدين الإسلامي من هذه البقعة العالمية المباركة ، ثم ليغبر الواقع
الثقافي القديم ، ويقلب المفاهيم والعادات والتقاليد ، ويعطي لمكة مظهرا يليق بها
، فيجعلها منارة علم ، ومركز إعداد لجيل سيحمل على أكتافه عبء قيام دولة الإسلام
الأولى ، لتكون نواة لانظلاق الدعوة الإسلامية الخاتمة إلى الأرض كلها ، وفي أثناء
ذلك تطرق الباحث إلى أسباب ومظاهر الثقافة الإسلامية التي جاء بها هذا الدين
الجديد ، وكيف كان الوحي مصدرا جديدا للثقافة ، ونتائج هذا التحول الثقافي في مكة
في الفترة المكية من عصر النبوة .
أقول
بعد هذا يمكن تحديد التوصيات والمقترحات على النحو التالي :
(
1 ) ضرورة إعادة النظر في مناهجنا الدراسية ، بوضع دراسة عن مكة المكرمة تبين
مكانتها، وتغرس في النفوس هيبتها
(
2 ) العمل الجاد من أجل إنشاء قمر صناعي إسلامي يبث الفكر الإسلامي الأصيل من خلال
مكة المكرمة .
(
3 ) استمرار التعريف بمكة المكرمة وتهيئة النفوس ، وبخاصة في مواسم الحج والعمرة
لاحترام المكان ووضعه في مكانه اللائق به .
(
4 ) ينبغي أن تكون مكة المكرمة عاصمة دائمة للثقافة الإسلامية .
(
5 ) استمرار القيام بمعارض دولية للكتاب الإسلامي ، وكل ما من شأنه نشر الإسلام
بلغات العالم ، ويكون هذا المعرض العالمي مستمرا طوال العام .
(
6 ) يتم إنشاء محطة إذاعية مستقلة تبث اللقاءات العلمية داخل الحرم .
(
7 ) تكون هناك لجنة للفتوى تنبثق من الحرم تكون على مدار الساعة .
(
8 ) اهتمام اللغويين بدراسة المصطلحات الجديدة التي جاء بها الإسلام ، وأحدث بها
تطورا جديدا في المفاهيم ، وأثر بهذه المصطلحات في سلوك الناس وعاداتهم .
والله من وراء القصد . وصلى الله وسلم
وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أهم المراجع :
·
إبراهيم
العلي : صحيح السيرة النبوية – الطبعة الخامسة
1421هـ - دار النفائس
·
أحمد
: أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني (241
هـ ) : مسند الإمام أحمد بن حنبل- مؤسسة
قرطبة – مصر .
·
الأزرقي
: محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الوليد
الأزرقي ( 250هـ ) : أخبار مكة وما جاء فيها من آثار – تحقيق: رشدي الصالح ملحس –
ط . الثانية – مطابع دار الثقافة – مكة المكرمة – ص 1985م .
·
ابن
أبي شيبة : أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة
الكوفي (235هـ ) : الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار - مكتبة الرشد – الرياض - ط
. الأولى سنة 1409هـ - تحقيق : كمال يوسف الحوت .
·
ابن
كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو
الفداء ( 774هـ ) : البداية والنهاية - مكتبة المعارف – بيروت .
·
ابن
منظور : محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري
: لسان العرب - دار صادر – بيروت – الطبعة الأولى .
·
ابن
هشام: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري
المعافري أبو محمد(213هـ ) : السيرة النبوية لابن هشام - دار الجيل- بيروت - ط . الأولى - سنة النشر :: 1411هـ -
تحقيق : طه عبد الرءوف سعد .
·
البخاري
: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري
الجعفي (256هـ ) : الجامع الصحيح المختصر- دار ابن كثير , اليمامة- بيروت - ط . الثالثة سنة 1407 – 1987- تحقيق : د. مصطفى
ديب البغا .
·
الترمذي
:
محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي ( 279هـ ) : الجامع الصحيح سنن الترمذي - دار
إحياء التراث العربي- بيروت- تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون .
·
الجاحظ
: عمرو بن بحر أعثمان الجاحظ ( 255هـ ) :
البيان والتبيين – تحقيق : عبد السلام هارون – ط . الرابعة – مكتبة الخانجي –
القاهرة 1385هـ .
·
حسين
مؤنس: دراسات في السيرة النبوية – الزهراء
للإعلام– القاهرة 1985م– ص 29 .
·
الحموي
: ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله
(626هـ ) : معجم البلدان - دار الفكر- بيروت .
·
دافيد
رونكويف : في مدرج الأمبريالية الثقافية : ترجمة
أحمد خضر . مجلة الثقافة العالمية ص27-32 ، العدد 85 الكويت نوفمبر –ديسمبر 1997 .
·
سالم
:د. محمد رشاد : المدخل إلى الثقافة
الإسلامية – ط.التاسعة 1407هـ -1987م – دار القلم للنشر والتوزيع
·
السهيلي
: عبد الرحمن بن عبدالله الخثعمي السهيلي
(581هـ ) : الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام – دار الكتب العلمية - بيروت - ط . الأولى سنة 1418هـ - 1997م – تحقيق
: مجدي منصور الشورى .
·
السيد
يس : العولمة والطريقة الثالثة ، القاهرة ،
ميريت للنشر 1999م .
·
الشريفي
: إبراهيم،1969م،التاريخ الإسلامي خلال
14 قرنا، ط 1 ، شركة المجينة للطباعة.
·
صفي الرحمن المباركفوري:
الرحيق المختوم– بحث في السيرة النبوية– الطبعة الأولى 1408هـ/1988م–ص 84 .
·
الطبراني
: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم
الطبراني (360هـ ) : المعجم الكبير- مكتبة العلوم والحكم – الموصل - ط . الثانية -
سنة النشر :: 1404هـ - 1983م - تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي .
·
عبد
القدوس الأنصاري : التاريخ المفصل
للكعبة المشرفة قبل الإسلام – نشر نادي مكة الثقافي.
·
كاظم
حبيب : العولمة الجديدة . مجلة الطريق العدد
الثالث بيروت مايو ، يونيو 1998 .
·
محمد أمحزون:
منهج النبي r في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة–دار
السلام للطباعةوالنشر– ط.الأولى1423هـ
·
محمد
قطب: واقعنا المعاصر-مؤسسة المدينة للصحافة
والطباعة والنشر -جدة _ 1408هـ/1988م - ص 488 .
·
محمود
سيف : جغرافية المملكة العربية السعودية – بدون تاريخ .
·
المدرسي
: محمد تقي الدين : النبي محمد
قدوة المؤمنين : دار انتشارات ، طهران 1418هـ - ص 190 .
·
مسلم
: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري
النيسابوري (261هـ ) : صحيح مسلم- دار إحياء التراث العربي – بيروت- تحقيق : محمد
فؤاد عبد الباقي .
·
النجار
: محمد الطيب : القول المبين في سيرة سيد
المرسلين –ط. الأولى1420هـ- الدار السعودية للنشر والتوزيع.
·
الندوي
: أبو الحسن علي الحسني الندوي : السيرة
النبوية – الطبعة التاسعة 1414هـ – دار الشروق .
·
الهيثمي
: مجمع الزوائد .
·
ياسين
الأيوبي : التربية النفسية في التراث العربي –
مجلة الثقافة النفسية – العدد 11 – تموز1992م .
([1]) الحموي
: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي : معجم البلدان - دار الفكر – بيروت - 1 :182
.
([2]) الشريفي،
إبراهيم،1969م،التاريخ الإسلامي خلال 14 قرنا،ط 1 ، شركة المجينة للطباعة- ص 10.
([3]) د .
غازي طليمات ، أ عرفان الأشقر : الأدب الجاهلي ، قضاياه ، أغراضه ، أعلامه ، فنونه
– دمشق ، مكتبة الإيمان ، حمص ، مكتبة دار الإرشاد ، د . ط . ،د . ت ، ص 33 .
([4])
السابق ، ص 34 .
([5])
السابق ، ص 34 .
([6]) البيهقي : دلائل النبوة 1/230- 231 . وابن
أبي شيبة : المصنف 14/295-296 .
([7]) أحمد : المسند 1/17-18 .
([8]) البخاري : الصحيح – كتاب فضائل الصحابة – باب
إسلام عمر .
([9]) د .
غازي طليمات : الأدب الجاهلي - ص 34 ، 35 .
([10]) الحاكم : المستدرك : 2/507 وقال : صحيح على
شرط البخاري . وابن كثير : البداية والنهاية 3/60
([11]) تتصل معلقة زهير بن أبي سلمى بحرب داحس
والغبراء ، وتتصل معلقة عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة بالخلاف بين قبيلتي بكر
وتغلب والتحاكم إلى عمرو بن هند .
([12]) د . يحيى الجبوري : الشعر الجاهلي – خصائصه
وفنونه ، مؤسسة الرسالة ، ص 180 ، 184 .
([13]) البخاري : الصحيح – كتاب المناقب – باب قصة
خزاعة .
([14]) النجار : محمد الطيب : القول المبين في سيرة
سيد المرسلين – الطبعة الأولى 1420هـ - الدار السعودية للنشر والتوزيع – ص 36 :
37.
([15])
ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي ابن عم خديجة رضي الله عنها ، تنصر في الجاهلية . وكان يكتب الكتاب العبراني
، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب . وكان شيخا كبيرا قد عمى ،
وهو الذي جاءته خديجة رضي الله عنها لتعرض عليه ما جرى للرسول ،
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزله الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً ،
ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك فقال رسول الله : أو مخرجي هم ؟ قال: نعم ، لم يأت رجل قط
بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقة
أن توفى .
([16]) البخاري : الصحيح – كتاب مناقب الأنصار – باب
حديث زيد بن عمرو بن نفيل .
([17]) عبد
القادر أحمد عطا : لماذا بعث الرسول في مكة ؟ : ص 7 ، 8 .
([18])
الأزرقي : أخبار مكة : ص 2 .
([19])
البيهقي : دلائل النبوة : ج 2 ص 45 . والشامي : السيرة الشامية : ج 1 ص 171 . وقال
الشامي : " رواه ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني موقوفا .
([20]) الأزرقي
: أخبار مكة : ص 81 . والسهيلي : الروض الأنف ج 1 ص 221
([21])
الأزرقي : أخبار مكة : ص 81 . والقطبي : إعلام العلماء : ص 37 وما بعدها .
([22])
ياقوت الحموي : معجم البلدان – مادة الكعبة ج 4 ص 209 .
([23]) عبد
القدوس الأنصاري : التاريخ المفصل للكعبة المشرفة قبل الإسلام – نشر نادي مكة
الثقافي – ص 55 .
([24]) د .
محمود سيف : جغرافية المملكة العربية السعودية : ص 11 .
([25]) جزم
الحافظ ابن كثير في ( البداية والنهاية ج
1 ص 178 ) أن إبراهيم u كان أول من بنى البيت ، فقال: " ولم يجئ
في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل u ، ومن تمسك في هذا بقوله مكان
البيت فليس
بناهض ولا ظاهر ، لأن المراد مكانه المقدر في علم الله ، المقرر في قدرته ، المعظم
عند الأنبياء موضعه ، من لدن آدم إلى زمان إبراهيم " . وقد علق الشامي في (
سبل الهدى والرشاد ج 1 ص 172 ) على ذلك الكلام بقوله : " وفيه نظر لما ذكر من
الآثار " .
([26])
توالت عمارة البيت الحرام بعد ذلك ، فمنها : عمارة عبد الله بن الزبير ، ثم عمارة
الحجاج بن يوسف الثقفي، ولم يزل الخلفاء والأمراء يتعهدونه بالعمارة والتوسعة حتى
العصر الحديث ، حيث كانت أكبر توسعة قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن
عبد العزيز . راجع مهدي رزق الله : السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية : صص
51-56 .
([27]) جزء
من حديث رواه أحمد في مسنده { 4/127 ، 5/262 }.وقال الهيثمي في مجمع الزوائد {
8/512 }: إسناد أحمد حسن. ورواه الحاكم في المستدرك{ 2/616 ، 617 }،وقال:هذا حديث
صحيح على شرط مسلم .ووافقه الذهبي .
([28]) عبد
القادر أحمد عطا : لماذا بعث الرسول في مكة ؟ : ص 9 ، 10 .
([29])
الأستاذ حسن البنا : نظرات في السيرة النبوية : ص 14 ، 15 .
([30])ابن منظور : محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي
المصري : لسان العرب - دار صادر – بيروت – الطبعة الأولى - ج: 9 ص: 19 .
([31]) سالم : د . محمد رشاد : المدخل إلى الثقافة
الإسلامية – الطبعة التاسعة 1407هـ -1987م – دار القلم للنشر والتوزيع – ص 9 .
([32])الفيروزآبادي : محمد بن يعقوب : القاموس
المحيط - ج: 1 ص: 1729. وراجع : ابن منظور : لسان العرب - ج 15 ص: 379: 381 .
([33]) سأل الحارث بن هشام رسول الله r : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول
الله r :
أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشد علي ، فينفصم عني ، وقد وعيت ما قال ،
وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول .... الحديث . البخاري : الصحيح
– كتاب بدء الوحي .
([34]) البخاري : الصحيح – كتاب بدء الوحي .
([35]) محمد أمحزون: منهج النبي r في الدعوة من خلال السيرة الصحيحة–دار السلام
للطباعةوالنشر والتوزيع– ط.الأولى 1423هـ - ص 22.
( [36] )
البيهقي : شعب الإيمان – ج1 ص 462 .
الألباني : سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/7، 8 .
( [37] )
أبو نعيم : دلائل النبوة : رقم 214 – 1/379: 380 . ابن كثير 3/124 .
( [38] ) محمد
أمحزون : منهج النبي r في الدعوة
- السابق - ص 28، 29 .
( [39] ) محمد
أمحزون : منهج النبي r في الدعوة - السابق - ص 21 .
( [40] ) محمد
قطب : واقعنا المعاصر – جدة : مؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر _
1408هـ/1988م - ص 488 .
( [41] ) ابن
ماجة : السنن : ح 61 .
( [42] ) محمد أمحزون : منهج النبي ص في الدعوة -
السابق - ص 31 .
( [43] ) محمد أمحزون : منهج النبي ص في الدعوة –
السابق - ص 32 .
( [44] ) صفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم –
بحث في السيرة النبوية – الطبعة الأولى 1408 هـ / 1988م – ص 84 .
( [45] )
ياسين الأيوبي : التربية النفسية في التراث العربي – مجلة الثقافة النفسية – العدد
11 – تموز1992م – ص67 .
( [46] ) طهران
1418هـ.- ص : 10( حسين مؤنس: دراسات في السيرة النبوية، الزهراء للإعلام -
القاهرة 1985م. - ص : 25).
( [47] )
المدرسي : محمد تقي الدين : النبي محمدr قدوة المؤمنين : دار انتشارات، طهران 1418هـ-
ص 190.
( [48] ) ( حسين مؤنس: دراسات في السيرة النبوية، الزهراء للإعلام -
القاهرة 1985م.- ص : 29) .
([49]) الحاكم : المستدرك : 2/507 وقال : صحيح على
شرط البخاري . وابن كثير : البداية والنهاية 3/60 .
([50]) ابن هشام : سيرة ابن هشام – 1/ 415 . وراجع :
الندوي : أبو الحسن علي الحسني الندوي : السيرة النبوية – الطبعة التاسعة 1414هـ –
دار الشروق – ص 140 .
([51]) مسلم : صحيح مسلم : كتاب فضائل الصحابة رقم
2474 .وراجع : إبراهيم العلي : صحيح السيرة النبوية – الطبعة الخامسة 1421هـ - دار
النفائس ص 83 ، 84 . وصفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم – ص 114 .
([52]) الحديث بطوله رواه الإمام أحمد في المسند
5/290 ، والطبراني في المعجم الكبير وابن هشام في السيرة 1/344.
([53]) الحديث أخرجه الترمذي في كتاب التفسير – باب
من سورة الروم .
([54]) راجع الندوي : السيرة النبوية : ص 122: 139 .
([55]) رواه مسلم في كتاب الجمعة – باب تخفيف الصلاة
والخطبة .
( [56] ) ابن
ماجة : السنن : ح 61 .
( [57] )
الجاحظ : البيان والتبيين : 3 / 142 .
([58]) كاظم حبيب : العولمة الجديدة . مجلة الطريق
العدد الثالث بيروت مايو ، يونيو 1998 .
([59]) السيد يس : العولمة والطريقة الثالثة ،
القاهرة ، ميريت للنشر 1999ص101
([60])
دافيد رونكويف : في مدرج الأمبريالية الثقافية : ترجمة أحمد خضر . مجلة الثقافة العالمية
ص27-32 ، العدد 85 الكويت نوفمبر –ديسمبر 1997 . وراجع : دراسة بعنوان "عالم
واحد أم حرب الثقافات مشكلة الإرهاب ونظرة الشرق و الغرب إلى بعضها البعض" تأليف
كورديشميديا - سالار حةمةسور باسيره/ ألمانيا ترجمة : فينوس فايق/هولندا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق