التسميات

آخر المواضيع

الأحد، 26 فبراير 2023

التنمية المستديمة من منظور جغرافي - أ.د. عبد الزهرة علي الجنابي


التنمية المستديمة

من

منظور جغرافي

 

الأستاذ الدكتور

عبد الزهرة علي الجنابي 

أستاذ الجغرافيا والدراسات الاقتصادية

كلية التربية للعلوم الإنسانية- جامعة بابل

العراق


دار الرضوان للنشر والتوزيع - عمان / الأردن

 

الطبعة الأولى


2019م- 1440 ه


                                       الإهداء

إلى...

         رموزي في العطاء..

                                                  والدي..

                                                والدتي..

                                                أخي الأكبر..                                   

      بعد الترحّم  عند الجليل لكم...

            وإذ رحلتم الى جواره دونما فرصة لنا للوفاء..

      ما  عساني ، إلا أن أُهديكم ثواب حصاد بعض ما زرعتم

                                                                                         المحتويات

المقدمة. 7

الباب الأول : التنمية المستديمة والمنهج الجغرافي.. 14

الفصل الأول : مفهوم التنمية وأبعادها 14

1.1. مفهوم التنمية     Development concept 14

2.1. أهداف التنمية :- 15

3.1. استراتيجيات التنمية: 20

4.1.  قياس التنمية: 21

5.1. متطلبات التنمية: 23

الفصل الثاني :    التنمية المستديمة : التعريف والتأريخ. 27

1.2. : الاستدامة في اللغة. 27

2.2.  تعريف التنمية المستديمة. 28

3.2. مراحل تطور التنمية المستديمة:- 31

4.2. التنمية المستديمة في القمم العالمية. 34

5.2.  التنمية المستديمة في الوطن العربي.. 37

6.2.   التنمية المستديمة في الفكر الإسلامي.. 39

الفصل الثالث : أهداف التنمية المستديمة وأبعادها 44

1.3. العلاقة بين التنمية والتنمية المستديمة. 44

2.3. فلسفة التنمية المستديمة. 45

3.3. دوافع التنمية المستديمة. 46

4.3. أهداف التنمية المستديمة. 47

5.3. أبعاد التنمية المستديمة. 49

الفصل الرابع : البعد الاقتصادي للتنمية المستديمة. 52

1.4. ملامح الاقتصاد غير المستدام 52

2.4. العلاقة بين الثروة والتنمية المستديمة. 53

3.4. استراتيجيات التنمية الاقتصادية المستديمة. 57

4.4. أهداف التنمية الاقتصادية المستديمة. 59

5.4. مؤشرات قياس التنمية الاقتصادية المستديمة. 61

الفصل الخامس :  الجغرافيا والتنمية الاقتصادية المستديمة. 68

1.5. منهجية علم الجغرافيا 68

2.5. الجغرافيا والاستدامة. 69

3.5. التنمية الاقتصادية المستديمة من منظور جغرافي.. 70

الفصل السادس : الجغرافيا والتنمية البشرية المستديمة. 79

1.6. التنمية من أجل التنمية. 79

2.6. فشل أطروحات التنمية. 80

3.6. التنمية والإنسان. 81

4.6. الأهداف الاجتماعية للتنمية المستديمة(التنمية البشرية المستديمة) 83

5.6. التنمية الاجتماعية المستديمة من منظور جغرافي.. 87

الفصل السابع : الجغرافيا والبيئة المستدامة. 95

1.7. مفهوم البيئة Environment 95

2.7. التوازن البيئي.. 96

3.7. التلوث البيئي Environmental Pollution. 101

4.7. الاستدامة البيئية. 107

5.7.  محاسبة التكاليف البيئية. 108

6.7. الاستدامة البيئية والمجتمع الدولي.. 110

7.7. الاستدامة البيئية من منظور جغرافي.. 113

8.7. مؤشرات لقياس التنمية البيئية المستديمة. 114

الفصل الثامن :  البعد المؤسساتي للتنمية المستديمة. 119

1.8. الاستراتيجية الوطنية للبيئة المستديمة. 120

2.8. الجهاز الإداري والمؤسساتي الذي ينفذ الاستراتيجية. 121

3.8. دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق الاستدامة:- 122

4.8. مراقبة التنفيذ والمتابعة:- 124

5.8. المكونات التقنية والبحث والتطوير:- 125

6.8. استخدام نظم المعلومات الجغرافية GIS في قياس الاستدامة البيئية :- 125

الفصل التاسع : البعد السياسي للتنمية المستديمة. 132

1.9. دور الدولة التنموي.. 132

2.9. الدولة والتنمية المستديمة. 133

3.9. الحكم الرشيد وأثره في تحقيق التنمية المستديمة. 134

4.9. اللامركزية والمشاركة الواسعة. 136

5.9. الشفافية ومحاربة الفساد 137

6.9. دور القطاع الخاص في مسار التنمية المستديمة. 138

7.9. التعاون الدولي.. 140

الباب الثاني : تجارب عالمية. 145

الفصل العاشر : تجارب عالمية ضمن اطار التنمية المستديمة. 145

1.10. الإطار العام لقياس التنمية المستديمة. 146

2.10. تنفيذ الحسابات القومية الخضراء في العالم 146

3.10. جوانب من تجارب دولية في التنمية المستديمة. 147

1.3.10. التجربة الجزائرية. 149

2.3.10. تجارب في إعداد الحسابات القومية الخضراء 153

الباب الثالث : أبحاث في التنمية المستديمة. 158

الفصل الحادي عشر :    بحث في الصناعة. 158

الفصل الثاني عشر :  بحث في الزراعة. 180

 

المقدمة

بسم الله وبه نستعين

        بعد أن تلقّى كتابينا السابقين : الجغرافيا الصناعية والجغرافيا العامة نصيباً حسناً من الثناء من لدن قرائنا الأعزاء, شحذنا الهمّة قصد شعلةٍ وضاءةٍ جديدة للدارسين والباحثين . وفي زحام البحث بين منابع الفكر عن محطة عطشى للأديم , أو ركن معرفة مستحدث حيث حافاتٍ تتلاقى فيها العلوم , هنا كان الوقوف وبعون الحكيم عند باب لغد عظيم , ذاك هو النماء المستديم .

     لزمن طويل ظلت التنمية رديفة للنمو الاقتصادي وحسب , ثم اكتشف القائمون عليها بعد حين ان مجهوداتها قد أخفقت في الوصول حتى غاياتها , فظلت مساحات شاسعة من حياة الناس ظلماء تشكو العتمة ويعتريها البؤس والحرمان , فيما أفضى النماء صناعةً وظفراً وسكانياً الى فســــــــــاد في البيئة والمياه , والأرض و النبت, وازداد الناس فقراً والمياه كدراً , فيما تجلى التمايز بين الطبقات والأقوام والبلدان .

    وفي رحلة البحث عن حل للمعضلات غار الباحثون في الأسباب والعلل , وأفاق العالم على وقع الحقيقة حيث تفيد : إن التنمية لزاماً ان تكون لخدمة الإنسان , وفي تحسين نوع حياته , تلك هي التنمية البشرية حيث الإنسان لها غاية وهو الوسيلة .

   وفي اطار ذات البحث جاءت إضاءات وهاجة من إبداع يراع كثير من فواضل على مستوى المعمورة , أخذتها الأمم المتحدة بالحنو والرعاية , وأفردت لها جهوداً شملت أعمال بحث ولقاءات فكر ووصايا وإقرارات قادة , فكانت ثورة العصر الجديد (التنمية المستديمة أو مستدامة    Sustainable Development) .

    والتنمية مستديمة عادلة , رحومة بالأهل والمكان , بهذا الجيل وقادم الأجيال , متواصلة غير آفلة , يشع عطاؤها مد الخلجان والوديان وعبر الزمان . تنمية لا تنحاز لميدان دون ميدان , وهي مسعى في نشر الأمان , للإنسان والأوطان , صحة وعلم ودخل وزرعٌ وضرع, وصنع من غير دخان , وهي الحل في العصر وفي قادم الأزمان.

  اليها الجهود قد صوبت , ولفهم كنهها اللقاءات قد عقدت , وبرعاية أمميـة  توّجت , فيما نحن عنها غافلون , ولعمق جرحنا غير داركين , فــــــقر وجهل وشقاء , وبطالة وصراع نحو البقاء , وحكامنا فقدوا الرشاد, وقلب ظهر المجن للعباد, وغاب عنا جوهر الدين سلوكاً, وجلّنا ركن لليأس هروباً ,وحالت خلافاتنا دماءاً وحروباً.

    نقف في ثنايا كتابنا عند التنمية المستديمة بإفاضة ودونما عجالة , لبيان المحتوى والأهداف والغايات , ومسالك الوصول لعلنا منها نفيد ولشأن أوطاننا علواً  نزيد . ندرسها تفصيلاً ونحلل ربطها , ونسبر غورها, ونصف لها الأسانيد والوسائل , ونعقل التجارب ونذلل التحديات والمصاعب , ونضع بين أيادي الكرام المصادر والموارد إن شاءوا توسعاً ومقاصد .

     وبثقة نقول ان في الاستدامة جلّ الحلول , واليها المآل يؤول , ونأمل لها فهماً , وفيها تبصراً , ونحوها توجهاً , وعرضنا لها سهلاً ويسراً, محاولين رسم ملامح لطرائق الاستدامة بشراً واقتصاداً وبيئة واجتماعاً.

   لعامة الناس والباحثين والدارسين , للقادة والراعين ... والرؤساء والمرؤوسين ... ونخص بالذكر جمهور التخطيط والمخططين.

        دعوة للإفاقة من السبات , وقصر الأثمان والأوقات , فلقد جدّت الأمم المتحدة بوضع الرؤى , وأنارت المسالك  , وحضّت على حث الخطى , وقدّمت جليل العطا , وأعانت على تخطي العثرات .

      جاء التأكيد في ثنايا الكتاب على ما حسبناه قصداً وباب , ذاك هو بُعد المكان , فهو المنهج والبيان , والحاضر في الحسبان , فمنظور المحتوى كان جغرافياً في المبتغى , قصداً ومعنى , ونأمل فيما نثرنا فلاحاً وهدى .

  ثمة إضافة جوهرية رافقتنا طول المسار واردناها علية وجلية , كانت وضع مؤشرات قياس لكل بعد في الاستدامة , تصلح قبْساً وتطويراً وتحويراً ونحو ذاك , فهي ليست قوانين عصية , بل ثماراً طرية لمن أراد الإفادة والاستزادة .

   وآخر دعوانا أن الحمد لله صاحب الأقدار في الدجى والنهار, الذي مكّن فأنار , وهدى للإيمان والإبصار , ونأمل منه دوماً عوننا على سواء السبيل وصحة الأفكار.

المؤلف

تشرين الأول 2017

الباب الأول :

التنمية المستديمة والمنهج الجغرافي

          

             الفصل الأول 

            مفهوم التنمية وأبعادها

الباب الأول : التنمية المستديمة والمنهج الجغرافي

الفصل الأول : مفهوم التنمية وأبعادها

1.1. مفهوم التنمية     Development concept

         التنمية في اللغة مصدر أٌشتق من الفعل نما أي زاد , ويعني الزيادة والكثرة ومنه ينمّي ونماءاً, وبهذا فالتنمية هي فعل النماء والعمل على إحداثه (سواء في المال أو غيره)( لسان العرب المجلد 6 ص 4551, القاموس المحيط ص 1230, مختار الصحاح ص 681) .

        أما التنمية اصطلاحاً فهي تغيير الأحوال نحو الأفضل لا بطريقة إرادية بل بوسائل وإجراءات مخطط لها سلفاً,  وبوضعها موضوع التطبيق, (عبد الزهرة 2013 ص 223) وإذ اختلفت رؤى الباحثين في تعريفهم الاصطلاحي للتنمية استنادا لخلفياتهم الفكرية أو ميادين عملهم , فإنهم مجمعون على الاهتمام بتوسيع قدرات الناس ليحيوا حياة يتمنونها أو يرغبون في تحقيقها(علي عبد القادر, ص 24).

        وقد نجد إن من المفيد عرض بعض التعاريف للتنمية بهدف الفهم الأفضل لمحتواها ومنها:-

·      التنمية تعني التغير في بنية الاقتصاد بتعدد قطاعات الإنتاج والخدمات, وزيادة ما بينهما من ترابط (شوقي أحمد ص 23 عن قادري ص 23).

·      التنمية هي التطور البنيوي للمجتمع بقطاعاته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتنظيمية من اجل توفير الحياة الكريمة لجميع إفراد المجتمع.

·      وتعرّفها هيئة الأمم المتحدة للتنمية بأنها تلك العمليات التي يمكن من خلالها توحيد جهود المواطنين والحكومة, لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية, ولمساعدتها على الاندماج في حيــاة الأمة والمســــــــــاهمة في تقدمهـــــــــا بأقصى قـــــــــدر مستطـــــــــــــــــــــاع( قادري ص 25).

        وقد استخدم مصطلح التنمية للإشارة إلى التقدم الاقتصادي والرفاهية الاقتصادية للدول, وفي حالات أخرى يكون تعبيراً عن التغيير الاجتماعي والاقتصادي (بلمداني, ص 36), ويضيف البنك الدولي صوراً أخرى لهذا التغيير تتضمن دراسة الفقر ومعالجته (World Development Report,2001) . وبهذا فإن التنمية متعددة الإبعاد, فبالإضافة إلى تسريع النمو الاقتصادي فإنها لابد أن تحدث تغييراً في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والحضارية, بل وحتى في عقلية الناس والمجتمعات وطريقة تفكيرهم العلمي وثقافتهم, من خلال تبنيهم لأفكار. وعلاقات جديدة تسهم في التغيير نحو الأفضل وتحقيق قدر أوفر من الرفاهية.

2.1. أهداف التنمية :-

        أقام الفكر الرأسمالي فلسفته وأدواته على ما جاء به آدم سميث من أفكار مفادها حرية الاقتصاد والسماح لعاملي العرض والطلب في تقرير حالة السوق, وقد كانت الثورة الصناعية وما تلاها نتاجاً مادياً لهذه الأفكار , ومع كل ما أُنجز في الدول الرأسمالية من بناء اقتصاديات هائلة وخاصة في الصناعة إلا أنها تعرضت بُعيد الحرب العالمية الأولى ومع الحرب الثانية إلى سلسلة من المشاكل كان من أبرزها اللامساواة والتباين الإقليمي في النشاط والدخل , والكساد الاقتصادي , ولدواعي إصلاح النظام القائم فقد ظهرت العديد من الأفكار التي اتجهت إلى تطوير مفهوم ومحتوى وأهداف التنمية, وسواء أكان تجديد أهداف التنمية نتيجة الحاجات الإنسانية, أو بدوافع فلسفية تتعلق بالرؤيا السياسية التي ظهرت مع تعدد الأنظمة السياسية وظهور النظام الاشتراكي بعد الحرب العالمية الأولى, أو ما تلاها من أفكار تتعلق بالبيئة والحفاظ عليها, فإن أهداف التنمية ومضامينها قد تعددت وبوسعنا أن نوجز أهم الأهداف التي تحاول مجهودات التنمية تحقيقها كلاً أو جزءاً  :

أولاً:-الاقتصاد      :Economic

        وهو ما قد يُعبّر عنه بالتنمية الاقتصادية: كأن ينظر إلى فكرة التنمية على إنها الزيادة التراكمية السريعة المستمرة التي تحدث في الدخل الفردي خلال فترة معينة من الزمن, فالفكر الاقتصادي الغربي أكد أولاً على النمو الاقتصادي وخاصة الصناعي ودالته الدخل القومي ونصيب الفرد منه , ولتحقيق أكبر قدر من النمو في الدخل لابد من اعتماد استراتيجية التصنيع لتحقيق التراكم الرأسمالي المطلوب(عثمان وزميلته , ص 19),

وبالتالي تحقيق المزيد من الفوائض المالية التي تستثمر لاحقاً إما في تحفيز مزيد من النشاط الإنتاجي أو تتجه نحو قطاع الاستهلاك, وكلاهما يؤدي إلى حركة متصاعدة للاستثمار والإنتاج والاستهلاك.

       وبهذا الفهم فإن التنمية كانت رديفاً للنمو, غير أن النمو يحدث تلقائياً, فيما التنمية عمل مخطط مبرمج يمتد على مساحة مكانية وزمانية, ويأخذ بالحسبان الإمكانات المتاحة والقدرة على التنفيذ.

      وفي وقت لاحق تبين أن نمو الدخل القومي مقاساً بالتغير الكمي السنوي قد لا ينعكس بالضرورة بنفس النسبة على الدخل الفردي لعلاقة ذلك بطريقة توزيع الدخل أولاً, وثانياً فإن نمو الدخل القومي لا يعد كافياً لتحقيق التنمية الاقتصادية ما لم يترافق مع تنوع قطاعات الإنتاج والخدمات, وزيادة أهمية الصناعة التحويلية في الناتج القومي الإجمالي, وبتعبير آخر لابد أن تتضمن جهود التنمية تغيير هيكل الاقتصاد وبنيته Structural Change   وبتفعيل القطاعات الاقتصادية والخدمية, وثم زيادة التشابك والترابط بين هذه القطاعات كي تعمل بانسجام ومن دون أن يكون أحدها محبطاً إلى آخر, بل مساعداً وضامناً.

      كما ذهبت بعض الآراء لتتجه ليس فقط نحو الإنتاج , بل لتأخذ بالحسبان الاستهلاك بتطويره وتنويعه ورفع حصة الفرد منه سواء أكان مادياً أم خدمياً بهدف إنجاز قدر أوفر من الرفاهية للإنسان.

    إن زيادة وتيرة تراكم رأس المال الناتجة عن نمو الدخل القومي والفردي وأن كانت هدفاً أساسياً للتنمية, إلا أنها ليست مضمونة النتائج ما لم تترافق مع زيادة فاعلية قطاعات الإنتاج وتفاعلها, فضلاً عن توزيع للدخل بطريقة عادلة بين السكان.

ثانياً: الإنسان Human     :

        لطالما كان الإنسان هدفاً رئيساً للتنمية, وغـــــــــاية عليا للجهد الإنساني, فضلاً عن كونه الوسيلة الرئيسة له ولابد أن يُطرح بادئ ذي بدء سؤال أساسي عن التنمية هو أن التنمية لمن ؟ ولأي شيء؟

      (القريشي 2010, ص 34).

       إن رفع النصيب الفعلي للفرد من الدخل, والكفاية من فرص التعليم والصحة والخدمات والسكن اللائق, هي غايات سامية تضعها محط اهتمامها كل مجهودات التنمية, وإلا فما نفع تنمية لا تنعكس ثمارها على حياة الإنسان اليومية؟ وهل سيكون الإنسان ذاته معنياً بالحفاظ عليها ما دام غير مستفيداً منها؟ فالضمانة للحفاظ على التنمية حصول اشتراك الجميع بتحمل أعبائها وبقطف ثمارها والحرص على ديمومتها. ولقد حصل توسع هائل في المضامين الاجتماعية للتنمية لتشمل آفاقاً واسعة من حياة الإنسان إضافة لما سبق منها: أمد الحياة,  خفض وفيات الأطفال, زيادة وقت الفراغ, الراحة والاستجمام, أحوال الثقافة, محو الأمية, مستويات التحضر, طريقة التفكير , تأمين قدرة أفضل في التطلع إلى المستقبل , تعدد الخيارات, الحرية في اتخاذ القرارات والتحرر من الحاجة والعوز والإهمال, القضاء على الفقر, حرية التفكير والإبداع, ثقافة وحقوق المرأة, العنف ضد المرأة, الانتخاب, حق تقرير المصير والقدرة على اتخاذ القرار , مؤسسات المجتمع المدني ودورها في الحياة العامة, احترام التعددية الإنسانية بتعدد المجتمعات وبالتالي تعدد الخيارات والنماذج وطرائق التعامل مع المشكلات الإنسانية. تدخل كل هذه المضامين تحت عنوان التنمية البشرية Human Development  أو البعد الاجتماعي للتنمية Social Dimension of Development .

     إن هذا البعد ينقل الإنسان من تحسين مستوى الحياة إلى تحسين نوعية الحياة , وهو ما يجعل التنمية متعددة الأبعاد وغير مقتصرة كما في السابق على التنمية الاقتصادية.

     ولقد أولت الأمم المتحدة التنمية البشرية اهتماماً خاصاً في برامجها وفي تقاريرها وسيرد ذلك لاحقاً.

ثالثاً: المكان        Space

      وهو ما ندعوه بالتنمية المكانية, وصار لاحقاً يعرف بـ (التنمية الإقليمية Regional Planning ). ومن المعروف أن مجهودات التنمية اهتمت ومنذ البدء بخصائص الأمكنة الجغرافية تشخيصاً واستثماراً لضمان تحقيق قدر أوفر من النجاح لعمليات تنمية الأمكنة, هذا من جانب , ومن جانب آخر فإن عدم المساواة un equal  بين الأمكنة في مستويات النمو والدخول والتشغيل والنشاط كانت السبب الحاسم وراء دخول الدولة في الأنظمة الرأسمالية ميدان التنمية المخططة بدلاً من النمو التلقائي لعلها تقلل قدر ما أمكن من سلبيات النمو غير المتوازن للاقتصاد, وانعكاساته الحادة على حياة الإنسان. وإذا كانت أولى محاولات التنمية الإقليمية Regional Development  قد جرت في المملكة المتحدة بدءاً من عام 1928 بسياسات التأثير في المواقع الصناعية مثل سياسة العمال للعمل Worker to The Works, ومن ثم سياسة العمل للعمال Work to The Workers, ثم سياسة العصا والجزرة المشهورة The Stick and the Carrot , إلا إنها في فرنسا قد اتخذت بعداً مكانياً أكثر وضوحاً بعد عام 1940 حينما قدّم  Perroux آراءه الفكرية بخلاصته المعروفة أقطاب النمو Growth pole , ومن ثم ما أضافه  Boudevile  الذي أكد على الحيز الجغرافي Geographical space  بدلاً من الاكتفاء بالحيز الاقتصادي للتنمية Economic space(عبد الزهرة 2013, ص 180).

     وقد لاقت فكرة الأبعاد المكانية للتنمية أو التنمية الإقليمية صدىً واسعاً في الفكر الاشتراكي, ومساحة واسعة في التنفيذ بهدف نيل معظم السكان نصيباً عادلاً من ثمار التنمية.

رابعاً: البيئة   Environment

       لقد تأخر الإنسان كثيراً في إدراكه للأضرار الناتجة عن التوسع في التنمية على حالة البيئة, وهذا لا يشمل التوسع في الإنتاج الصناعي بل وأيضاً إجهاد التربة في الزراعة, التعدين الجائر, استنفاذ موارد المياه الجوفية, استغلال أراضي الغابات لأغراض الزراعة أو بالإفادة من أخشابها, تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية, خزن النفايات بطريقة وفي أماكن غير مناسبة, فضلاً عن الأثر الفاعل لاستهلاك المواد الكيمياوية وإطلاق المصانع للغازات والأبخرة مما يضر كثيراً بطبقة الأوزون التي تحمي كرتنا الأرضية.

      إن الإدراك المتزايد للأخطار البيئية التي تسببها الأنشطة الإنسانية المختلفة للبيئة وانعكاساتها السلبية على حالة البيئة قد تطلبت اتخاذ إجراءات عديدة للحد من هذه الآثار, وبهذا فقد دخل البعد البيئي كجانب أساسي يجب مراعاته وهو ما نطلق عليه التنمية البيئية .

خامساً: الاستدامة Sustainability   

      ولقد بدأت الأنظار تتجه مؤخراً نحو ضرورة استمرار عمليات التنمية وعدم توقفها , أي بأن تحمل في آلياتها وطبيعتها عناصر النجاح والديمومة وهو ما اصطلح عليه التنمية المستدامة. *

3.1. استراتيجيات التنمية:

       إن التنمية بصفتها عملية مخططة لإحداث فعل النمو, إنما تستند في ذلك إلى رؤى فلسفية قد تكون بصيغة اجتهادات فردية أو نظريات اقتصادية أو سياسية أو مالية أو ما شاكل, ولهذا فقد اتخذت آلياتها اتجاهات ومسارات عديدة. وككل الأعمال الإبداعية الإنسانية حيث تبدأ بعمل فردي خلاّق غالباً, ثم يتوج بإضافات لآخرين ترقى به إلى مستوى الكمال, فإن التنمية بدأت بأفكار جاء بها آدم سميث بكتابه "ثروة الأمم" عام 1776 , حيث أكد على أهمية تقسيم العمل لرفع الإنتاجية, فيما أكد ريكاردو فيما بعد على التجدد الذاتي الآلي لعملية التنمية وتراكم رأس المال. وعند الاشتراكيين أمثال ماركس اتخذت العملية وجهة أخرى نحو الطبقة العاملة ومدى استفادتها من عملية التنمية بدلاً من كونها عملية يصنعها الأغنياء بقدراتهم المالية. أما العوامل الأخرى الفاعلة في التنمية فقد أَُدخلت وعلى مراحل وأهمها كل من التقدم التكنولوجي وسعر الفائدة بصفتها محفزات أو محبطات للتنمية في هذا القطاع أو ذاك من قطاعات الاقتصاد, وعلى مستوى سرعة عمليات التنمية فكان فيها رأيان : أحدهما أشار إلى النمو البطيء أو التنمية المتدرجة باعتبار أن التنمية هي نتاج لعملية اقتصادية يتفاعل فيها العرض والطلب. وقد أُخذ على هذا التوجه بطء نتائجه , فجاء رودان بمبدأ الدفعة القوية Big push  بديلاً عن التنمية المتدرجة يقدم رودان مبرراً منطقياً لصعوبة نجاح التنمية المتدرجة في الدول النامية يتمثل بفقرها للبنى التحتية (القريشي ص 88) , ويقوم هذا المبدأ على ضخ استثمارات ضخمة , تتجه نحو البنى الأساسية والصناعات الاستراتيجية الأكثر قدرة على تحفيز عمليات الإنتاج , كما وتعد الاستثمارات الحكومية أساسية في عملية التنمية في البلدان النامية لان عائد الاستثمار في هذه البلدان محدود لضعف أسواقها  وقد لا يحفز الاستثمارات الخاصة على توسيع أعمالها( سالم,  ص59). إن عوائد هذا النوع من التنمية ستكون ضخمة وسريعة وذات تأثير أكثر فاعلية على عموم حالة الاقتصاد .

     أما على شمولية التنمية فقد حددت الأدبيات استراتيجيتان هما:

أولاً: استراتيجية التنمية المتوازنة

      يرى أصحاب هذا الرأي  أن جهود التنمية يجب أن تشمل كل مجالات الحياة المادية والروحية وبما فيها القطاعات الاقتصادية والخدمية للترابط الشديد والتفاعل فيما بينها, وإن تنمية أحدها أو بعضها من دون تطور ونمو مماثل في الأخرى وقد لا يفضي إلى نتائج إيجابية هامة, فقد تتعثر جهود التنمية ببقاء كوابح لها في مجالات معينة, ولهذا فإن ضمان نجاح عملية التنمية يتطلب شمولها وتوازنها القطاعي, إلا أن هذه الرغبة قد تصطدم بعائق يتمثل بالحاجة إلى مقدار ضخم من الاستثمارات قد لا يكون ممكناً توفيره بالنسبة إلى العديد من البلدان.

ثانياً: استراتيجية التنمية غير المتوازنة

     وتتمثل بالتوجه نحو الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التي تتميز بضمان وارتفاع عوائد الاستثمار كالصناعات التحويلية, أو حتى الفروع التي توصف بكونها قادرة على تحفيز الأنشطة الأخرى , أو التي لها روابط تشابكية قوية كالصناعات الهندسية والكيمياوية أي الاقتصار على فروع أو قطاعات معينة وهذا يتماشى مع ضآلة القدرات الاستثمارية, إلا أن نتائجه تحتاج لوقت أطول لكي تظهر على المستوى الاقتصادي العام للبلاد, كما قد يرى البعض أن نجاح فرع اقتصادي أو صناعي يشجع لاحقاً الاستثمارات للتدفق نحو آخر يعاني من الاعتلال, وبذلك تنتقل ثمار التنمية من قطاع لآخر.

4.1.  قياس التنمية:

      كثرت إسهامات المختصون واقتراحاتهم بشأن كيفية قياس التنمية كمياً, سواء لغرض المقارنة لحالها بين بلد وآخر , أو لغرض متابعتها زمانياً في البلد الواحد وقد وضعت الكثير من المؤشرات لهذا الغرض , كان أكثرها أهمية واستخداماً مؤشر الناتج القومي الإجماليGross National Product   والمعروف اختصاراً GNP ورديفه مؤشر معدل الدخل الفردي Per- Capita Income  ويستخرج بقسمة الأول على مجموع السكان . إن مؤشر الناتج القومي الإجمالي بصفته مؤشراً اقتصادياً يبين حالة الاقتصاد القومي المبنية على حساب متغيرات الإنتاج والاستهلاك والدخل للاقتصاد القومي السنوي يعد مؤشراً هاماً لحالة الاقتصاد وتغيراتها السنوية, وهي مؤشرات متاحة للتداول ومعروفة لمعظم دول العالم, وبالتالي فإن بالإمكان اعتمادها لمتابعة نتائج عمليات التنمية من الوجهة الاقتصادية .

      ونظراً إلى ان هذا المؤشر لا يعد كافياً للإلمام بالأوجه الأخرى لعملية التنمية وخاصة التنمية البشرية أو ما يدعى بنوعية الحياة, فقد اتجهت الأفكار نحو ابتكار مؤشرات أخرى غير اقتصادية تهتم وتقيس النمو والتطور  والتحسن في مستويات العيش ومستوياتها ما تعد مؤشرات قياس اجتماعية .

ومن السهل ذكر العشرات منها مع إن التأكيد قد جـــــــــــــرى على أهمها ومنها :-

أمد الحياة أو العمر المتوقع.

متوسط استهلاك الكهرباء كيلو واط/ساعة.

التحصيل الدراسي (نسبة الحاصلين على الشهادات المختلفة وخاصة الجامعية الأولية).

تداول الصحف لكل 100 من السكان.

عدد الهواتف لكل 1000 من السكان.

        وفي حالات عديدة جرى جمع عدد هذه المؤشرات برقم قياسي موحد. ومن الأرقام القياسية ذات البعد الاجتماعي التي اعتمدت كمؤشر للتنمية الرقم القياسي لنوعية الحياة الذي يضم ثلاث مؤشرات أساسية هي: أمد الحياة المتوقع,   وفيات الأطفال الرضع ومستوى التعليم(القريشي, ص 48).

       وقد وجد كثر من المهتمين أن الجمع ما بين المؤشرات الاقتصادية وغير الاقتصادية للتنمية يعطي المتتبع قراءة أكثر دقة ومصداقية لحالة التنمية البشرية.

       وقد جاء مثل هذا المقترح ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2010 تحت عنوان الرقم القياسي للتنمية البشرية Human Development Index HDI  وفقاً للمعادلة الآتية:-

 

d = 


حيث X هي المتغير الأصلي( والمتغيرات هي العمر المتوقع, التحصيل العلمي والدخل ).

min و max هي أقل وأعلى قيمة للمتغيرات التي رصدت بين بداية ونهاية مدة الرصد لكل دولة مشمولة.

ويتم الحصول على مؤشر التنمية وفقاً للمعادلة الآتية:-

HDI = (dx1 dx2dx3)

HDI      مؤشر التنمية البشرية.

dx1     الرقم القياسي للعمر المتوقع

dx2     الرقم القياسي للتحصيل العلمي

dx3     الرقم القياسي للدخل

( علي عبد القادر علي, ص 23 )

إن مؤشرات التنمية البشرية يعد مؤشراً ذا دلالة تفوق المؤشرات الأخرى لشموله على كل من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للتنمية.

5.1. متطلبات التنمية:

        إن التنمية بصفتها عملية واسعة ومتنوعة الرؤى والأهداف والآليات, وتمتد على مساحة مكانية واسعة ولمدة زمنية ليست بالقصيرة , لابد أن تكون ذات ملامح واضحة المعالم بحيث تعطي قدراً وافياً من العوائد المادية أو غير المادية, بمعنى أن لا مجال واسع فيها للتجربة والفشل, فالإمكانات التي تتطلبها عملياتها قد لا يكون ميسوراً توفيرها وثم هدرها, وكذا بالنسبة لعنصر الزمن وخاصة لبلدان العالم الثالث . وإجمالاً نشير إلى ما يمكن أن يكون عناصر نجاح لخطط التنمية ومنها:-

أولاً:- شمولية أهداف التنمية ما بين الاقتصادية والبشرية, وهذا يضمن حرص المشتركين على إدامة زخم الإنتاج وتجاوز العقبات, ومن ثم الحفاظ على المكتسبات.

ثانياً: -الاعتماد على الذات, وهذا يتطلب تهيئة الكوادر المحلية, وتنظيم عمل الجهات الراعية وتأهيلهم وتعليمهم للقيام بكل مراحل التنمية والتخطيط لها أي بناء الإنسان ليصبح فاعلاً في إنجاز عمليات التنمية.

ثالثاً: -التعاون بين القطاعين العام والخاص على انجاز برامجها, وتشجيع القطاع الخاص على أن يكون له دور متصاعد في قطاعي الإنتاج والخدمات.

رابعاً:- اللامركزية في التنفيذ والابتعاد عن البيروقراطية  الذي تتصف به الأنظمة المركزية.

خامساً:-ضمان مشاركة واسعة للمستفيدين من التنمية أي السكان في وضع البرامج  والخطط وتعديلها وتصحيح مساراتها.

سادساً:-ربط الجامعات ومؤسسات البحث العلمي بالمجتمع باتجاه حل مشكلاته.

سابعاً:-تحييد التأثيرات والتدخلات السياسية على الاقتصاد والتنمية .

ثامناً:-الاستخدام الكفوء للموارد المحلية المتاحة قدر الإمكان.

تاسعاً:-التوجه نحو اقتصاديات العلم والمعرفة , أي الربط ما بين الاقتصاد والبحث العلمي والعوائد الاقتصادية له.

عاشراً:-الشفافية في العمل وسيادة القانون.

مصادر الفصل الأول

أ

القواميس

-

مجد الدين بن محمد بن يعقوب الفيروز آبادي, القاموس المحيط, ط2, دار إحياء التراث العربي-بيروت , 2003.

-

ابن منظور, لسان العرب, المجلد 6, دار صادر, بيروت, ط3, 2010.

-

محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي , مختار الصحاح, دار الكتاب العربي, بيروت, 1967.

ب

الكتب العربية

-

رانيا بلمداني, أثر السياسات التنموية في فرص العمل, حالة الجزائر, النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية, المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات, بيروت, آذار, 2013.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور للعلوم الإدارية والاقتصادية, بغداد,2013

-

د, عثمان محمد غنيم, د. ماجدة أبو زنط , التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها, دار صفاء للنشر والتوزيع , عمان , ط2, 2014.

-

د. عبد الزهرة علي الجنابي, الجغرافيا الصناعية, دار صفاء للنشر والتوزيع ,عمان مؤسسة دار الصادق الثقافية, بابل, 2013.

-

علي عبد القادر علي, ملاحظات استكشافية حول النمو والتنمية في الدول العربية, مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, العدد 1,المجلد الأول 2013.

-

د. قادر محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, لبنان, 2013.

-

د. محمد زكي شافعي, التنمية الاقتصادية, دار النهضة العربية, القاهرة ,1983  .

-

مدحت القريشي, التنمية الاقتصادية, دار وائل للنشر, الأردن ,2007.

-

د. محمد صالح تركي القريشي, علم اقتصاد التنمية, مكتبة الجامعة,الشارقة, إثراء للنشر والتوزيع,الأردن, 2010

-World Development Report, 2000-2001, Attacking Poverty: Opportunity, Empowerment and security, Washington D.C., World Bank, New York, Oxford University Press, 2001.



          الفصل الثاني :

           التنمية المستديمة :

                                 التعريف والتأريخ

الفصل الثاني :    التنمية المستديمة : التعريف والتأريخ

1.2. : الاستدامة في اللغة

         جاءت الاستدامة فيما يبدو من (دام) الشيءُ ويدوم ويدام (دَوما) و(دواماً) و(ديمومةً). ودام الشيء أي سكن, و(استدام) أي تأنى به وأنتظر, وفي معنى (دام) جاء في مختار الصحاح هو الدوام (مختار الصحاح , ص 216).

        أما في القاموس المحيط فيأتي ذات المعنى للاستدامة , فدام يدوم دوماً وديمومة, وأدام الشيء واستدامه فتعني تأنى فيه أو طلب دوامه, فيما الدوم تعني الدائم(القاموس المحيط ص 1022), ولا يختلف المعنى في لسان العرب عما ورد فيما سبق, وبهذا يتفق اللغويون على معنى متماثل للاستدامة فدلالته تشير إلى التأني في طلب الشيء , وديمومته واستمراره , حتى أن السكون عندهم هنا دلّ على الاستمرار والمواظبة.

      أما التنمية المستدامة فهي التنمية التي تُدام بالفعل المستمر , أي يديم الناس استمرارها, غير أن التنمية المستديمة فهي التي تديم نفسها بنفسها من دون فعل خارجي أو تأثير.

       وإذ يترجم مصطلح Sustainable Development  حيناً إلى التنمية المستدامة عند البعض , والتنمية المستديمة عند البعض الآخر , فأغلب الظن إن صيغة اسم الفاعل(المستديمة) هي أكثر دقة في التعبير عن مضمون مصطلح اسم المفعول(المستدامة), فالاستدامة في اسم المفعول راجعة إلى قوة خارجية, وهذا التعبير يُخرج الاستدامة من قصد المعنى والمضمون, في حين أن صيغة اسم الفاعل تترجم المبتغى من المصطلح لغة وهو ضمان وديمومة فعل التنمية بفعل عوامل دفع ذاتية في التنمية بذاتها من دون قوى خارجية وهو المقصود من المصطلح .وبهذا فإن كلاً من الاستدامة والمستديمة ملحقة بالتنمية تشير إلى الدوام والاستمرار والتواصل, لكن هذه الديمومة تحدث بفعل خارجي في الاستدامة, وبقوة ذاتية في التنمية المستديمة وهي المقصودة بالتفصيل  وإن درج الباحثون على استخدام أحداها محل الآخر فهو في غير موضعه في اغلب الظن.

2.2.  تعريف التنمية المستديمة

        إن مصطلح التنمية المستديمة (أو المستدامة) حديث النشأة على مستوى الفكر الإنساني , فلا غرابة من تعدد تعريفاته , وتنوع مضامينه ودلالاته, فلم يتم التوصل حتى الآن إلى تعريف محدد وشامل, وبذلك يجدر أن نستعرض بعضاً من التعاريف العامة للتنمية المستديمة:-

§      هي التنمية التي تستخدم الموارد الطبيعية دون أن تسمح باستنزافها أو تدميرها جزئياً أو كلياً (عثمان وزميلته ص 25 ( Geis and Kutzmark p2   .

§      إنها نمط من الرقي والتقدم يتم بموجبه تلبية حاجات الحاضر دون أن يكون ذلك على حساب الأجيال القادمة أو يضعف قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية (د. سالم ص 100).

§      إن التنمية المستديمة تسعى لتحسين نوعية حياة الإنسان, ولكن ليس على حساب البيئة, وهي في معناها العام لا تخرج عن كونها عملية استخدام الموارد الطبيعية بطريقة عقلانية (عثمان وزميلته, ص 25).

الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بهدف رفع مستوى المعيشة ليشـــمل أجيال المستقبل الى جانب الجيل الحاضر(د. حسن الشافعي, ص13).

§      هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الاخلال بقدرات الاجيال القادمة على تلبية احتياجاتها , وهي عملية تغيير حيث يجري استغلال الموارد وتوجيه الاستثمارات , وتكييف التنمية التقنية والتطوير المؤسسي  بتناسق يعزز الإمكانيات الحاضــــــرة والمستقبلية في تلبية احتياجات البشر وتطلعاتهم ( اسامة الخولي ص ص 51-52).

§      تعريف Edward Barbier  هي النشاط الاقتصادي الذي يؤدي الى الارتفاع بالرفاهية والحياة الاجتماعية , مع اكبر قدر من الحرص على الموارد الطبيعية المتاحة وباقل قدر ممكن من الإضرار  والإساءة للبيئة.

§      تعريف Repeno  هي استراتيجية تدير كل الاصول بما فيها الموارد الطبيعية والبشرية والأصول المادية والمالية بما يحقق زيادة في الثروة ومستوى الرفاهية في الأجل الطويل ( محمد عبد الكريم عبد ربه ص215).

§      هي تنمية قابلة للاستمرار والتي تهدف الى الاهتمام بالعلاقة المتبادلة ما بين الإنسان ومحيطه الطبيعي وبين المجتمع وتنميته , والتركيز ليس فقط على الكم بل النوع مثل توزيع الدخل بين أفراد المجتمع وتوفير فرص عمل والصحة والتربية والإسكان (فراس احمد الخرجي ص136).

§      الحفاظ على الفرص للأجيال القادمة مع فكرة عامة بأن العدالة متداخلة مع الأجيال (سالم توفيق النجفي ص40).

§      هي عملية تراكمية تتأسس على ما هو قائم , وتحقيقها هو بمثابة عملية بقدر ما هو هدف محدد , وهي ليست نشاطاً من الأنشطة الآتي يترك امر تحقيقها للمدى الطويل , بل هي كناية عن مجموعة من الأعمال القصيرة والمتوسطة الطويلة الأجل , والأنشطة والممارسات التي تهدف الى معالجة دواعي القلق الملحة , وفي نفس الوقت التطرق للمسائل الطويـــــلة الأجل (د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي , نقلاً عن قادري ص55).

§      انها عملية استغلال الموارد المتاحة بطريقة عقلانية كونها تتصف بالندرة ومهددة بالفناء لإشباع حاجياتنا وتحقيق إشباعنا ورفاهيتنا دون المساس بسلامة البيئة وتوازنها مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة في استغلال نفس الموارد والعيش في نفس البيئة السليمة والنظيفة (د. ديب ص34).

§      هي السعي لتحقيق نوع من العدل والمساواة بين الأجيال الحالية والقادمة وان تتعرّض العمليات التي يتم بواسطتها تلبية حاجات الناس وإشباعها للخطر (يوسف محمد صالح 2010).

    وإذا شئنا ملاحقة واستعراض التعاريف العامة للتنمية المستديمة سنجد ان تقرير الموارد العالمية الصادر عام 1992 قد استعرض 20 تعريفاً توزعت ما بين أربع مجموعات فيما تجاوزت التعريفات العامة 60 تعريفاً حالياً.

        وفيما يبدو ان التباين في الصيغة اللفظية لتعريف التنمية المستديمة إنما تعود لعدة أسباب هي : حداثة المفهوم , وسرعة انتشاره وكثرة الباحثين فيها أفراداً ومؤسسات , فضلاً عن تنوع مضامينه القائمة على تعدد أبعاد هذه التنمية.

       من التعاريف السابقة وسواها يمكن أن نتبين المضامين الأساسية للتنمية المستديمة بالآتي:-

1.     ان حصول عملية تنمية لجوانب من حياة الإنسان المختلفة إنما تهدف في النهاية إلى تحسين أحواله وطريقة عيشه والتجانس مع محيطه.

2.     تحقيق مبدأ العدالة في توزيع فرص التنمية وفي قطف ثمارها بين السكان والجماعات التي تستهدفها التنمية.

3.     أن لا تتسبب التنمية بالأضرار بالبيئة, أو تستنفذ الموارد المحدودة , أي أن تحافظ على حقوق الأجيال القادمة منها .

4.     استمرارية عملية التنمية واستدامتها بفعل حوافز وبواعث ذاتية , أي لا تبقى مرهونة بتأثير العوامل الخارجية .

5.     إن التنمية المستديمة بحاجة إلى آليات وقوانين ونظم تساعد على تحقيقها والحفاظ على مكاسبها .

6.      أحوال المجتمع وعيش السكان الآمن بضمان مبادئ الشمول  لقطاعاته وأمكنته والعدل لمكوناته والدوام لزمانه, مع وضع الآليات الفاعلة لقطف ثمارها للأجيال الحالية واللاحقة. 

3.2. مراحل تطور التنمية المستديمة:-

          مرّ المفهوم بمراحل تطور عديدة قبل أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم سواء من الناحية الفلسفية التي تتعلق بالمحتوى والمضمون, أو بما يتعلق بإمكانية التنفيذ وإخراج نظرياته إلى حيز التطبيق. ويمكن بيان هذه المراحل على النحو الآتي:-

المرحلة الأولى:-مرحلة التهيئة وهي سبقت عام 1980.

        كانت النظرة إلى العلاقة بين كل من الموارد الطبيعية والاقتصادية القديمة منها والجديدة وبين البيئة وسلامتها وما تتعرضان له من استنزاف للأولى وتلوث للثانية, قد أخذت وقتاً كافياً للبحث والاستقصاء, وظهرت بوادر للتأمل المستقبلي بعيد المدى لحالتيهما.

       جاءت العديد من المبادرات والكتابات التي تتناول هذه المواضيع خلال القرن العشرين, ومن الإسهامات التي مثلت بدايات مهمة لولادة المفهوم الكتاب الذي أصدرته راشيل كارسون تحت عنوان الربيع الصامت عام 1962والذي اعتبر ثورة في عالم البيئة آنذاك (قادري ص 57) . وفي عام 1968 أُنشئ نادي روما الذي اهتم بمشاكل تطور العالم والذي نشر عام 1972 تقريراً مفصلاً حول توقعات تطور المجتمع البشري وعلاقة ذلك باستغلال الموارد الاقتصادية تحت عنوان حدود النمو( منى جميل وزميلهما ص 145) .

        في عام 1971 عقد مؤتمر روشيلكون بسويسرا عن البيئة والذي دق ناقوس الخطر ليحذر العالم من الجور على البيئة والكون. 

       وفي عام 1972 بدأ العمل يأخذ منحى أكثر جدية بانتقال آليات العمل إلى الأمم المتحدة حيث انعقدت قمة الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في ستوكهولم وأكدت فيه على الترابط بين المشاكل البيئية والتطورات الاقتصادية (زواوية, ص255) وإن الإنسان هو الهدف الأساسي للتنمية وهو المحرك الأول إليها أيضا.

 

المرحلة الثانية : ولادة المفهوم

      ورد مصطلح Sustainable Development  للمرة الأولى في تقرير الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة عام 1980 والذي كان بعنوان(الاستراتيجية العالمية للحماية) وظهرت ترجمته إلى العربية بكونها التنمية المستدامة أو المستديمة أو القابلة للدوام أو المتواصلة. وقد أكد التقرير على ان تدمير البيئة لم يعد قاصراً على الدول الصناعية , بل تعداه إلى الدول النامية أيضاً , وبخاصة في حالة ترافق الفقر فيها مع النمو السكاني. (باسل البستاني , ص 46) , غير أن هذا المصطلح لم يأخذ مداه الواسع في الاهتمام بالتعريف ووضع الآليات إلا في عام 1987, فقد وضع المصطلح على جدول أعمال اللجنة العالمية للبيئة والتنمية برئاسة زوجة رئيس وزراء النرويج السابق  Brundtland التي ترأست الاجتماع الخاص بالبيئة العالمية للبيئة والتنمية , وقدمت اللجنة تقريرها المعروف Our Common Future( مستقبلنا المشترك) والذي عرّف بدقة مفهوم التنمية المستديمة على إنها تلك التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون الإضرار بقدرة الأجيال المقبلة في تلبية احتياجاتهم. (Meet the needs of the present with Tatyana P.9  out compromising the ability of future generation to meet their own needs).

       وبهذا فقد تحدد المفهوم ببعدين: أولهما ما يمكن فعله الآن والثاني ما يمكن في المستقبل, أي أن التعريف يشير إلى شيء أساسي هو استمرار التنمية لمستقبل غير محدد(U.N.P 18) .

       وقد حدد التقرير ما يجب على الدول الفقيرة عمله لتصبح أغنى , وربط التقرير هذا التحول من الفقر الى الغنى لتحقيق المطالب التي صنفها بالغذاء, والملبس والمسكن, والتعليم, والصحة, والمياه, لكنه أي التقرير لم يضع آليات هذه المطالب ولا كيفية تحقيقها أو من يحققها. ومع هذا النقص الهام في التقرير, إلا إنه قدم مقترحاً للعمل في إطار مؤسساتي سياسي وقانوني, فالعمل نحو التنمية يتطلب حلولاً وإرادات سياسية جديدة مع إلزام قانوني . وهذا يتطلب أيضاً إقامة شبكة علاقات مشتركة بين المؤسسات المعنية بتحقيق التنمية.

وقد ركز التقرير على ستة محاور (د. عايد العصيمي, ص 56) هي:-

§      الحصول على الموارد.

§      التعامل مع التأثيرات.

§      تقييم المخاطر الكونية.

§      إتاحة الخيارات.

§      توفير الوسائل القانونية.

§      الاستثمار في المستقبل.

وأكد التقرير على إن المشاركة والتعاون هما ركيزتان لتحقيق التنمية المستديمة .

المرحلة الثالثة: مرحلة تطوير المفهوم

         وفي المدة التي تلت عام 1987 جاءت إضافات معتبرة لتطوير مفهوم التنمية المستديمة, , وإيضاح وتفعيل لمحتواه ومضامينه, وقد أفضت هذه الإضافات إلى وضع الأبعاد الأساسية لهذه التنمية ببناء ما سمي بنموذج الأركان الثلاثة أو نموذج الثلاث دوائر (الشكل1.2.) حيث تظهر في الشكل الأبعاد الثلاثة وهي الاقتصاد والبيئة والمجتمع.

4.2. التنمية المستديمة في القمم العالمية

         أسهمت الأمم المتحدة  بدور فاعل في الدعوة وثم تبني مفهوم الاستدامة, والعمل على وضع الآليات المناسبة لتفعيلها من خلال المؤتمرات العالمية, وعلى وجه التحديد القمم العالمية التي رعتها بدءاً من قمة ستوكهولم 1972 بالعاصمة السويدية , وقد وضعت لأول مرة المسائل البيئية في صلب الاهتمامات الدولية , وقد ولد بنتيجة المؤتمر برنامج الامم المتحدة للتنمية . في هذه القمة إلتزم المشاركون من قادة الدول على اللقاء كل 10 سنوات لمناقشة حصيلة اوضاع الارض البيئية. كما وصدر عن المؤتمر اعلان دولي يضم 109 توصية كخارطة طريق للعمل الدولي المشترك لحماية البيئة .

الشكل 1.2.

التنمية المستديمة

المصدر :- د. عايد عبد الله العصيمي, المسؤولية الاجتماعية للشركات  نحو التنمية المستدامة , دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع, عمان,2015, ص57.

§      المؤتمر الدولي عام 1982 في نيروبي بكينيا , إلا أن القمة فشلت لترافقها مع مشاكل سياسية على المستوى العالمي.

§      قمة الأرض في ريودي جانيرو عام 1992 حول البيئة والتنمية, وقد وضع للمؤتمر  ورقة عمل مفادها "إن البشر هم محل التنمية المستديمة.. وينبغي على  الحكومات بالتعاون مع المنظمات الدولية إن تعتمد استراتيجية وطنية للتنمية المستديمة ", وقد صدرت عن المؤتمر وثيقة سميت "الأجندة 21" والتي حددت المعايير الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لكيفية تحقيق التنمية المستديمة كبديل تنموي للبشرية لمواجهة احتياجات وتحديات القرن الحادي والعشرين(باتر محمد علي, ص185) , كما وتضمن إعلان أو وثيقة ريو مجموعة من القضايا التفصيلية المتعلقة بالجوانب التجارية والمالية والإعلانات والإعفاءات من الديون وحقوق الإنسان والتمتع بالأرض مما يساعد في وضع التنمية المستديمة موضع التطبيق(قادري ص59).

وقد انبثقت عن القمة عدة اتفاقيات فضلاً عن أجندة  21 وهي :

1.     الاتفاقية الإطارية حول التغيرات المناخية المعروفة باتفاقية كيوتو والخاصة بتقليل الغازات المنبعثة والتي تتسبب في الاحتباس الحراري.

2.     الاتفاقية المتعلقة بمحاربة التصحر والتنمية المستدامة للغابات.

3.     اتفاقية التنوع البيولوجي.

§      الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 والتي استعرضت جدول أعمال القرن 21 الخاصة بالاستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة , حيث أكدت على السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والربط بينها, وأهابت بجميع البلدان استكمال هذه السياسات بحلول عام 2002 وصياغة استراتيجيات وطنية للتنمية المستديمة .

§      في عام 2000 قام رؤساء حكومات 147 دولة وحكومة وبرعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة وبمقرها في نيويورك بالتوقيع على (إعلان الألفية) مؤكدين دعمهم لمبادئ التنمية المستديمة, وكرروا إقرار جدول أعمال قمة الأرض السابقة في البرازيل. وقد تضمن إعلان الألفية عدة نقاط أساسية منها:-

محور التنمية والقضاء على الفقر:

      توجيه الاهتمام لتخليص بني الإنسان من الفقر المدقع والفاقة, وإن من متطلبات ذلك وجود الحكم الرشيد في كل بلد, والشفافية في النظم المالية والنقدية والتجارية, وتتعهد الدول الأعضاء بمعالجة الاحتياجات الخاصة للبلدان الأقل نمواً والمنخفضة الدخل والاهتمام بمشاكل ديونها. وفي سبيل ذلك تتعهد الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة في مجالات المياه الصالحة للشرب والتعليم والصحة وخاصة لجهة خفض وفيات الأطفال الرضع والأمهات ووقف انتشار مرض نقص المناعة.

محور حماية البيئة المشتركة:

     وقد تعهدت الدول الموقعة على الميثاق ببذل الجهود بتطبيق أخلاقيات جديدة لحفظ الطبيعة ورعايتها, ووضع بروتوكول كيوتو والخاص بخفض غاز ثاني اوكسيد الكاربون موضع التطبيق .

محور التنوع البيولوجي

الحث على إدارة الغابات بشكل أفضل وحفظها وتنميتها, وتنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر.

وفي محور التنمية الاقتصادية أوصى الإعلان بإقامة شراكات مع القطاع الخاص, وشجع إفادة الجميع من تقنيات المعلومات والاتصالات.

§      في عام 2002 عقدت القمة العالمية(قمة الأرض الثانية) للتنمية المستديمة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا .أكدت القمة على تكامل عناصر التنمية المستديمة الثلاثة: التنمية الاقتصادية, والتنمية الاجتماعية , وحماية البيئة, وأوصى المؤتمر بمجموعة من الآليات التي تساعد في تحقيق هذه التنمية منها: الشراكة بين القطاعين العام والخاص, والشفافية في عمل المؤسسات, والاهتمام بجوانب الصحة, والبحث والتطوير وخاصة بما يخدم شرائح الفقراء ويقلل من أعدادهم. كما أكد على الدول بإكمال استراتيجياتها الخاصة بالتنمية المستديمة.

§      في عام 2012 التأم مؤتمر ريو بعد عشرين سنة من انعقاد المؤتمر الأول, وضم المؤتمر مشاركين حكوميين وغير حكوميين وتركزت المناقشات على موضوعين أساسيين(د. ديب كمال, ص 45) هما:

1.     الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستديمة  والقضاء على الفقر.

2.     الإطار المؤسساتي للتنمية المستديمة.

وكان من بين توصيات المؤتمر(ريو+ 20) : الآتي-

o       إعادة التأكيد على الأهداف التي أقرها مؤتمر ريو السابق عام 1992.

o       تحسين إدارة الغابات وخفض نسبة إزالتها.

o       جعل المدن أكثر كفاءة وقابلية للعيش.

o       خفض الانبعاثات الكربونية.

o       الانتقال الى الاقتصاد الأخضر والتأكيد على استئصال الفقر.

5.2.  التنمية المستديمة في الوطن العربي

      لم يتسن لأطروحة التنمية المستديمة أن تأخذ مداها الفكري ولا التنفيذي الذي تستحقه في البلاد العربية, لظننا في أن البلاد العربية لا تزال في دور المتلقي للثقافات والعلوم عامة التي تنجز في بلاد الغرب, وللتناغم والانسجام مع مضامينها نحتاج في بلداننا لفاصلة زمنية هي الفجوة العلمية ذاتها ما بين الدول المتقدمة وسواها النامية. صحيح أن بعض الإرهاصات المبكرة حصلت, إلا أن العمل الجمعي على الصعيد العربي بدأ متأخراً , وفيما يبدو أن الجهود الرسمية قد بدأت باجتماع مجلس وزراء العرب عن شؤون البيئة في اجتماعهم في شباط 2001 في أبو ظبي, وتمخض الاجتماع عن إعلان الدول العربية شريكاً فعالاً في مجال تحسين البيئة وحماية الموارد الطبيعية للحد من التلوث البيئي( اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ص 51) , ثم شكلت السكرتارية العربية للتنمية المستدامة التي أعدت ثم أصدرت عام 2003 إعلان أبو ظبي عن البيئة والطاقة, والذي عدّ إطاراً للعمل العربي بشأن التنمية المستديمة.

      ويتبين أن التجربة العربية في مجال التنمية المستديمة ليست ذات بال وتراوح مكانها , ولم تفضِ إلى الرسوخ والديمومة , وقد يعود الأمر لجملة من المعوقات لعل أهمها:-

أولاً:-إن المجتمع العربي يواجه تحديات متعددة أبرزها الفقر والبطالة وتواضع البنى التحتية والأمية, ومواجهة هذه التحديات يستدعي منحها أسبقية في خطط التنمية, صحيح إن هذه الجهود تصب في النهاية في خدمة محتوى التنمية المستديمة إلا إنها قد لا تكون في مقدمة تلك المحتويات.

ثانياً:-غياب الاستقرار وفقدان الأمن وخاصة بعد ما عرف ب " الربيع العربي" حيث دبت الفوضى في أغلب البلدان العربية لتستنزف الإمكانات المالية بعد أن كان التحدي الأول والأخير هو الكيان الصهيوني .

ثالثاً:-وبنتيجة فوضى الربيع العربي تعرضت المجتمعات العربية إلى أسوأ موجات للنزوح والهجرة منذ عام 1947, وصار الهمّ الأكبر يتجه نحو التخفيف من هذه التداعيات , فتوقفت أو كادت معظم برامج التنمية المستديمة .

رابعاً:-غياب الديمقراطية والتعددية وحداثة ظهور مؤسسات المجتمع المدني, وتكريس سلطة الأنظمة الاستبدادية, مما يعيق بلورة الفكر والعمل الجمعي ويعطل المبادرات الفردية والجماعية.

خامساً:-استمرار صفة الاقتصاد ألريعي لأغلب البلدان العربية بالاعتماد على الصادرات النفطية, ولم يحد من هذه الهيمنة سوى تراجع أسعار النفط في السوق العالمية كما حدث عام 2016, حيث استدعى هذا الانخفاض التفكير في بدائل لبنية اقتصاد معظم البلدان العربية.

6.2.   التنمية المستديمة في الفكر الإسلامي

       الإسلام كبقية الأديان السماوية يدعو لإرساء قيم المحبة والصلاح والفلاح لبني البشر. قد تكون القيم التي  يدعونا إليها الإسلام وكما الديانات اليهودية والمسيحية واضحة ومباشرة المفهوم , أو أن بالإمكان تعقبها والوقوف عندها , سواء من خلال الكتب المقدسة وهنا القرآن , أو من خلال أحاديث الرسول الكريم محمد(ص) , بل وحتى من  سيرته المشرفة. ولعل بالإمكان الوقوف على بعض من الشذرات ما يعنينا في موضوعنا:-

من قوله تعالى:-

(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )....... (الأعراف 74).

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ..........( الروم ,41).

ومن أحاديث الرسول الكريم (ص):-

·      من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله.

·      رحم الله إمرءاً عمل عملاً صالحاً فأتقنه.

·      كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

·      خذ من أموالهم صدقة تزكيهم.

       ومن هذه الشذرات وسواها يمكن أن نقف على مبادئ أساسية أكد عليها الفكر الإسلامي وعدّها ثوابت لبناء مجتمع ينعم فيه الجميع بالأمان وخيرات الدنيا والآخرة وأهمها:-

أولاً:-حض الإسلام على العمل وأشاد بالعاملين وشجع على زيادة الثروة وتعمير الأرض.

ثانياً:-ضمان العدل والمساواة بين الناس, مع حفظ حقهم في الجد والاجتهاد وتعزيز روح التكافل الطوعي والإجباري بين الأغنياء والفقراء.

ثالثاً:-المحافظة على مصالح المجتمع العليا ومنها البيئة والثغور والقيم والقوانين واعتبر الحفاظ عليها واجباً مقدساًُ.

رابعاً:-الانسجام بين مصلحة الفرد والمجتمع وعدم الإخلال بالتوازن بينها .

لعل هذه القيم والثوابت العامة وما يليها من تفصيل تمثل بذات الوقت أسساً ذات مصاديق معتبرة لما ندعوه اليوم بالتنمية المستديمة, وليس أدل على ذلك من التعريف الذي وضعه المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء البيئة في أن التنمية المستديمة ومن منظور إسلامي (هي التنمية التي تسعى إلى ضمان جودة الحياة بصفة عامة للإفراد والجماعات من خلال التنمية الاقتصادية , ولكن دون إلحاق إضرار بالبيئة الطبيعية والمشيدة عن طريق ضمان حق الإنسان في الحياة الكريمة, والتنديد بمسؤوليته في أعمار الأرض والحفاظ على المكاسب التنموية من خلال تعزيز التكافل الاجتماعي بين البشر والجنوح إلى السلم والمساهمة في استتباب الأمن والسلام والقضاء على الفقر والبطالة )(منظمة الإسكوا ص ص 2-3).

مصادر الفصل الثاني

أ-القواميس

-

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي  ,ط2, القاموس المحيط, دار إحياء التراث العربية, بيروت,2003.

-

محمد بن أبي بكر الرازي, مختار الصحاح, ط1, دار الكتاب العربي, بيروت, 1967.

ب-الكتب

-

أسامة الخولي , أبعاد التنمية المستدامة , ندوة البيئة والمتطلبات الاقتصادية والدولية, أبو ظبي,, 2002.

-

اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا, الطاقة لإغراض التنمية المستدامة في المنطقة العربية, إطار عمل.

-

باتر محمد علي وردم, العالم ليس للبيع, مخاطر العولمة على التنمية المستدامة, الأهلية للنشر والتوزيع , عمان, 2003.

-

باسل البستاني, جدلية نهج التنمية البشرية المستدامة , منابع التكوين وموانع التمكين, ط1, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 2009.

-

د. حسن أحمد الشافعي, التنمية المستدامة والمحاسبة والمراجعة البيئية في التربية البدنية الرياضية, ط1, دار الوفاء لدنيا للطباعة والنشر , الإسكندرية, 2012

-

د. ديب كمال, أساسيات التنمية المستدامة, دار الخلدونية للنشر والتوزيع, الجزائر, 2015.

-

زواوية أحلام, دور اقتصاديات الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الدول المغاربية, دار الوفاء القانونية, دار الوفاء لدنيا للطباعة والنشر , الإسكندرية,2014 .

-

سالم توفيق النجفي, أياد بشير الجلبي, البيئة والتنمية المستدامة, مقاربة اقتصادية معاصرة, مجلة تنمية الرافدين, العدد 25, 2003.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور  للعلوم, بغداد, 2014.

-

د. عايد عبد الله العصيمي, المسؤولية الاجتماعية نحو التنمية المستدامة , ط1, دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع , بيروت, 2015.

-

د. عثمان محمد غنيم , د. ماجدة أبو زنط, , التنمية المستديمة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها, ط2, دار الصفاء للنشر والتوزيع, عمان , 2014.

-

فراس أحمد الخرجي, الإدارة البيئية , ط1, دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع , عمان, 2007.

-

د. قادري محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة الحسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت,2013.

-

محمد عبد الكريم عبد ربه, مقدمة في اقتصاديات البيئة, قسم دراسات البيئة , معهد الدراسات العليا للبحوث, جامعة الإسكندرية, 2003.

-

د. منى جميل سلام, د. مصطفى محمد علي, التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية, المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية, 2015.

-

منظمة الأسكوا, المؤتمر الإسلامي, الأول لوزراء البيئة, الإعلان الرسمي للتنمية المستدامة, جدة, 2002.

-

د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي, التنمية المستدامة في المنطقة العربية, مجلة العلوم الإنسانية, السنة الثالثة, العدد 25, 2005.

-

يوسف محمد صالح, تجارب بعض الدول العربية في التنمية المستدامة والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة, جامعة الفاتح , ليبيا, المؤتمر الثاني عشر و نيسان 2010.

- Tatyana P Sobbotina, Beyond Economic Growth, An Introduction to Sustainable Development, 2nd.Ed., The World Bank Washington, U.S.A ,2004.

 - UNECE/OECD/Eurost Working Group, Measuring Sustainable Development, United N ation, New York,2008.


                 الفصل الثالث :

أهداف التنمية المستديمة وأبعادها 

الفصل الثالث : أهداف التنمية المستديمة وأبعادها

1.3. العلاقة بين التنمية والتنمية المستديمة

       بقي العالم زمناً طويلاً يبحث في الكيفية التي تفضي إلى إحداث تنمية فاعلة سواء في حياة الناس أو المجتمعات, ولقد كان التأكيد واضحاً على التنمية الاقتصادية أي الجانب الاقتصادي من التنمية باعتباره المدخل نحو المضامين الأخرى, حتى غدت التنمية الاقتصادية رديفاً للتنمية أو دالة عليها. وبسبب التأكيد على هذا الجانب من دون إيلاء جوانب الحياة الأخرى ذات الأهمية, فقد أفرزت تجارب التنمية وتطبيقاتها مشاكل تفاقمت بمرور الزمن, وغدت كوابح يصعب تجاوزها,  فضلاً عن كونها أضرّت بنوعية حياة الإنسان, ولعل أبرزها هو التلوث البيئي الناتج عن النمو الصناعي وزيادة كميات انبعاث الغازات إلى الجو.

         وبنتيجة إدراك الإنسان المتزايد إلى خطورة التهديدات التي تنتج عن اقتصار مفهوم التنمية على النمو الاقتصادي, فقد اتجهت الأنظار نحو التنمية المستديمة باعتبارها تطويراً أولاً ثم بديلاً أكثر نجاعة لمفهوم التنمية.

       وفي إطار إدراك جوانب الخلل التي أحدثتها التنمية بمفهومها السابق والبحث عن الحلول أدرك الباحثون وبشكل متزايد أهمية شمول التنمية المستديمة مضامين وأبعاد تتعدى تحسين البيئة نحو تحسين إحساس الإنسان بالرفاهية وتمتعه بخيرات الطبيعة ولكن من دون إسراف, ومحافظاً على حقوق الآخرين في تلك الثروات باعتبارها ملك للبشرية, وباعتبار الإنسان معمراً للأرض وليس مخرباً لها.  

       وبهذا يمكن الإشارة إلى عدة نقاط تتميز بها التنمية المستديمة عن التنمية بمفهومها الكلاسيكي وهي:-

أولاً:- تتميز التنمية المستديمة بالشمول , فهي تُعنى بجوانب متعددة من حياة الإنسان ولا تقتصر على نمو اقتصاده ودخله.

ثانياً:-البعد العالميGlobal  للتنمية المستدامة, والمشاركة العالمية في صنعها والتمتع بثمارها, ومن المتعذر تحقيق نجاحات هامة فيها على الصعيد المحلي والعمل المنفرد.

ثالثاً:-دخول البعد البيئي بقوة في مضامين التنمية المستديمة, وعدّ عنصراً أساسياً من عناصرها , فيما أضرت به كثيراً مجهودات التنمية الكلاسيكية .

رابعاً:-إن التنمية المستديمة تفتح الباب أمام المشاركة الجماعية والجماهيرية وتنظيمات المجتمع المدني والمبادرات الفردية لتفعيل آلياتها ووضع خططها وتنفيذ تلك الخطط, فيما أفرزت التنمية في العديد من البلدان النامية تجارب قوّضت الديمقراطية وكرّست الأنظمة الشمولية.

2.3. فلسفة التنمية المستديمة

        تطور مفهوم التنمية المستديمة من خلال مخاض من المعاناة بالنسبة للشعوب, وسلسلة من الاحباطات التي عاشتها المجتمعات بنتيجة ما تخلل التطور الصناعي وخاصة تحت ظلال الفلسفة الرأسمالية . واقترن البحث عن حلول للمشاكل القائمة بالبحث النظري الفكري المستلهم للآفاق المستقبلية التي تناغم مخيلة المخططين وصنّاع القرار.

        وبهذا أُقيم الصرح الفلسفي للتنمية المستديمة على قواعد راسخة من الإحساس بوقع الألم والمشاكل مع الحلم برسم الغد الذي يرقى بحياة الناس الحاليين والأجيال القادمة .

      ومن الممكن الوقوف عند عدد من الثوابت التي مثلت أسساً فلسفية فكرية للتنمية المستديمة وهي:-

أولاً:-إن من حق الإنسان التمتع بثروات الطبيعة , والعمل على تحسين مستويات حياته وإحساسه بالرفاه,  بما يتضمن ذلك  من القضاء على الفقر والأمية, وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل وسواها بما فيها الجوانب المادية والروحية للإنسان .

ثانياً:-إن التمتع الفردي والجمعي هذا يجب أن لا يتقاطع مع مصلحة المجتمع والآخرين سواء في الجيل الحالي أو المستقبلي أو حتى في أرجاء المعمورة, أي إن الاستمتاع بالموارد والثروات يجب أن لا يذهب إلى حد الاستنزاف لها, أو التسبب في أضرار وخيمة للمجتمعات الأخرى أو حتى للبيئة.

ثالثاً:-تقوم فلسفة التنمية المستديمة على فكرةٍ إلاهية قديمة جديدة يتوقف عليها صلاح المجتمعات وبقاءها وهي العدل والمساواة بين بني البشر أقاليم ومجتمعات وطبقات وأجيال.

رابعاً:-ومثلما أن للجميع الحق في التمتع بثمار التنمية, فإن من حقهم أيضاً المشاركة في رسم صورة الغد, وعليهم واجب الحفاظ عليها أيضاً وحمايتها من التراجع أو الإضرار . وكلما كانت المشاركة أوسع كلما كانت التنمية أكثر كفاءة وتأثيراً نحو الإيجاب في حياة الشعوب.

خامساً:-إن التنمية المستديمة مفهوم واسع المحتوى لا يقتصر على البعد الاقتصادي, فالإنسان مبتغاها وهدفها ووسيلتها, ومن المهم أن تتضمن أبعاداً تشمل جوانب حياة الإنسان بتعددها.

 

3.3. دوافع التنمية المستديمة

      في القرن الماضي تصاعد الإدراك الجمعي بالأخطار المحدقة بالإنسان وبمجاله الحيوي وهو الأرض وغلافها الجوي, وتولدت الرغبة في العمل المشترك لتقليل الآثار السلبية لتلك الأخطار, ولعل أهم تلك الأخطار كان الآتي:-

أولاً:-تدهور البيئة وما أصابها من تلوث بفعل أنشطة الإنسان المختلفة: الصناعة والزراعة والنقل والاستيطان وسواها. 

ثانياً:-الاستنزاف الحاد للثروات الطبيعية والاقتصادية مثل المياه والتربة والمعادن ما هدد حقوق الأجيال المقبلة في التمتع بنصيبهم منها.

ثالثاً:-الفقر الذي يضرب في مجتمعات كثيرة على الأرض سواء كان بنتيجة الكوارث الطبيعية أو النمو اللا متوازن للاقتصاديات العالمية.

رابعاً:-ما يتهدد النمو الاقتصادي في عدد غير قليل من الدول من تلكؤ أو تراجع في نسبه, وخاصة خلال الأزمات العالمية.

خامساً:-النسب العالية للنمو السكاني وما ينتج عنها من تراجع في مستويات الرفاه, وخاصة عندما تترافق مع تراجع في مستويات الأنشطة الإنتاجية الزراعية والصناعية.

سادساً:-موجات الهجرة والنزوح الفردي والجماعي سواء لأسباب اعتيادية كالبحث عن فرص عمل أو بسبب الحروب والكوارث الطبيعية.

سابعاً:-تزايد مساحة الفجوة التقنية بين الدول المتقدمة والنامية.

 

 4.3. أهداف التنمية المستديمة

       إن وثيقة ريو تضمنت 27 مبدءاً للتنمية المستديمة أهمها:-

§      إن التنمية المستديمة يجب أن تتجه نحو السكان وتعالج مشاكلهم المختلفة وتحولهم الى منتجين وفي انسجام مع الطبيعة .

§      الصحيح في التنمية أن تنجز بتواصل متزامن مع الحرص على أحوال البيئة وسلامتها في الحاضر والمستقبل وبطريقة عادلة.

§      التخلص من الفقر وتقليل التفاوت أو عدم المساواة في مستويات المعيشة في مختلف أجزاء العالم.

§      إن حماية البيئة جزء متمم لعمليات التنمية, ولا يمكن اعتبارها ما لم يتحقق هذا المبدأ.

§      الحاجة إلى إجراءات دولية في ميادين البيئة والتنمية, ويجب وضعها ضمن اهتمامات وحاجات جميع البلدان.

§      ولتحقيق تنمية مستديمة ومستوى معيشة عالٍ للشعوب, فإن على الدول أن تقلل وتبتعد عن أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستديمة , وأن تعتمد سياسات ديموغرافيةٍ مناسبة.

§      تلعب النساء دوراً هاماً بالإدارة البيئية والتنمية ولهذا فإن مشاركتها الفاعلة تسهل تحقيق التنمية المستديمة.

§      تعد النزاعات عنصراً أساسياً مخرباً للتنمية المستديمة. إن الأمن والتنمية وحماية البيئة متلازمة ولا يمكن تجزأتها.

         غير أن الكثير من مضامين الاستدامة التي أصبحت لاحقاً ضمن المفهوم العالمي للاستدامة لم تتضمنها وثيقة ريو ذات المبادئ السبع وعشرين ومنها مثلاً:

§      إن الاستدامة نظام ومنهج تفكير ينظر إلى المشاكل ليس بشكل منفرد وإنما كمنظومة شاملة.

§      ضرورة فهم واستيعاب المشاكل المحلية ضمن مضمون عالمي وكذلك تشخيص الحلول للمشاكل المحلية.

§      أن تستوعب قرارات المستهلكين الشخصية وتأثيراتها على مواقع الصناعات الاستخراجية والتحويلية ونقل  ما يمكن نقله لمواقع بعيدة.

§      الوصول في القرارات والتدابير إلى نظام الحوكمة والإدارة الرشيدة.

§      البحث عن مزيد من الشفافية Transparency  في القرارات الحكومية.

§      رؤية وتفهم كل المشاركات الإنسانية على إنها مساهمات عالمية.

§      إن التكنولوجيا والعلوم لوحدها لا يمكن أن تحل كل مشاكلنا.

§      التأكيد على دور المشاركة العامة Public Participation  في المجتمعات وفي قرارات صانع القرار, فالناس الذين يسكنون في المكان يجب أن تظهر قراراتهم ومشاركتهم في صنع القرار.

 

5.3. أبعاد التنمية المستديمة

       تشتمل التنمية المستديمة على ثلاثة أبعاد  Dimensions أو عناصر Elements أساسية هي:

1.     البعد الاقتصادي ويتضمن: النمو الاقتصادي و التنمية, والإبداع, والتكنولوجيا .. ..الخ

2.     البعد الاجتماعي ويشتمل على العديد من المفردات التفصيلية من قبيل: محاربة الفقر, البطالة, العدالة, التنمية البشرية, الخدمات ...الخ. 

3.     البعد البيئي ويهتم بالحفاظ على البيئة والحد من أخطار تلوث الماء والهواء والتربة, التنوع   البيولوجي... الخ.

      وإذا كان المصطلح قد بدأ بالأبعاد الثلاثة أعلاه وبمدىً ضيق من محتويات كل بعد, فإن البحث النظري اللاحق ,  فضلاً عن مقتضيات وإفرازات العمل التطبيقي قد قاد إلى التوسع باتجاهين: الرأسي والأفقي,  فقد أُضيفت لكل بعد تفاصيل ثانوية مما سيلي ذكره لاحقاً. وفي التوسع الأفقي أضاف الباحثون أبعاداً أخرى عامة أو رئيسة اجتهدوا باعتبارها كذلك, أو أنهم فصّلوا مما له علاقة باختصاص من كل منهم وعدّوه فيه أبعاداً.

ومما أُضيف من أبعاد أساسية هي :

4.     البعد المؤسساتي ويتضمن الآليات والمؤسسات التي تُعتمد وتشكل لغرض وضع الأطر النظرية للتنمية موضع التطبيق والجهات المعنية بالتنفيذ والمتابعة والتقويم .

5.     البعد السياسي ويشتمل على البنية السياسية للدول ومدى تطابقها مع متطلبات التنمية المستديمة*.

         ومما ينبغي التأكيد عليه هو الترابط والتداخل والتكامل بين أبعاد التنمية المستديمة وإن النظر إليها كأجزاء منفصلة إنما يفقدها كثيراً من خصائصها وغاياتها , وقد يؤدي إلى نتائج عكسية, وذلك لتداخل المشكلات ذاتها من جهة , وإلى أن الحلول يجب أن تكون شاملة وناجعة وليست جزئية أو وقتية ثانياً.

        إن نتائج الحركة في الاقتصاد مثلاً سواء إيجابية كانت أم سلبية , فإنها تمتد عبر منافذ البيئة وأحوال المجتمع والعكس صحيح. وفي ذات الوقت علينا توقع نتائج غير ذات جدوى في حال وضع حلول آنية أو مبتسرة لمشاكل نراها بعين واحدة بمعزل عن صورتها الشاملة.

مصادر الفصل الثالث

-

ريتا توجيه أرساتو, استراتيجيات الاستدامة(دراسة مترجمة) مركز الإمارات والبحوث الاستراتيجية, 2012.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور للعلوم , بغداد, 2014.

-

د. منى جميل سلام, د. مصطفى محمد علي, التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية, المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية,2015.

- UNESCO, Education for Sustainable Development, Source Book, UNESCO pub., 2012.-

           الفصل الرابع :

           البعد الاقتصادي للتنمية البشرية

الفصل الرابع : البعد الاقتصادي للتنمية المستديمة

1.4. ملامح الاقتصاد غير المستدام

        ركزت محاولات التنمية الاقتصادية التي اعتمدتها معظم دول العالم خلال القرن الماضي وخاصة المدة التي تلت الحرب العالمية الثانية على تنمية الناتج المحلي الإجمالي GDP  واختصرت التنمية الاقتصادية في مصطلحات النمو الاقتصادي وتفصيلاته الصناعي والزراعي والتجاري.. الخ, وتجاهلت جوانب ذات أهمية قصوى في العملية الإنتاجية ومنها التوزيع ومضامينه ومؤشراته الخاصة بالعدالة الاجتماعية, فضلاً عن الكفاءة.

وللدلالة على فشل هذه التوجهات يمكن الإشارة إلى بعض ملامح نتائج السياسات الاقتصادية على المستوى العالمي مثل:-

§      إن 20% من سكان العالم يستهلكون 80% من موارده, أي أن هناك خلل جوهري في الإنتفاع من التنمية وقطف ثمارها, وفي توزيع منافعها, وبالمقابل فإن 20% من سكان الأرض يعيشون دون خط الفقر ومضطرون للعيش بدخل يقل عن دولار واحد كل يوم, فالتنمية التي أُعتمدت لم تقلص الفقر كما كان ينبغي أن يكون .

§      إن ذات النسبة من سكان الأرض لا تتوافر لهم المياه الصالحة للشرب ويتعرضون لشتى الأخطار الناجمة عن شرب المياه الملوثة, وفي الوقت ذاته فإن 10% من السكان لا يحصلون على إمدادات كافية من المياه أصلاً لشح المياه والجفاف.

§      ازدياد عملية تركيز الإنتاج في مجموعة قليلة من دول العالم هي دول الشمال الصناعية, حيث يقدر أن25% من مجموع الإنتاج العالمي تمتلكه وتديره الشركات متعددة الجنسيات وهي في أغلبها ذات جنسيات أمريكية وأوربية, مثلاً يبلغ نصيب الشركات متعددة الجنسية الأمريكية 55%  من إجمالي استثمارات الشركات متعددة الجنسية, فيما تبلغ حصة الشركات البريطانية 27% منها , وتتوزع النسب الباقية بين شركات أوربية ويابانية وكندية واسترالية. ولتأكيد مركزية هذه الشركات في الاقتصاد العالمي يُشار إلى ان الشركات الخمس والعشرين الأولى على المستوى العالمي تحتل المرتبة الثالثة في الاقتصادي العالمي وهي الولايات المتحدة واليابان(د. ديب كمال , ص 153).

§      تحول الاقتصاد العالمي إلى نمط غير متوازن يشجع على مزيد من الاستهلاك للموارد وخاصة مصادر الطاقة من دون اعتبار لما يخلفه هذا النمط من استنفاذ للموارد الطبيعية, فضلاً عن آثاره التدميرية على البيئة.

§      إغفال مبدأ الكفاءة في استغلال الموارد وخاصة الناضبة منها , فحساب التكاليف يأخذ بالحسبان القيم الحسابية للوحدات المستهلكة فقط, وبذلك يتم تجاهل تكاليف لاحقة مثل الأضرار البيئية, وإعادة تدوير المخلفات وكلفة استنفاذ الموارد والبحث عن البدائل وسواها . وبهذا فإن الكلفة الحقيقية للإنتاج هي أعلى من الكلف المقدرة حالياً, ما يعني أن الاقتصاد العالمي لا يعمل بطريقة كفوءة. 

2.4. العلاقة بين الثروة والتنمية المستديمة

       إن من المنطقي أن تفضي عمليات التنمية إلى زيادة الثروة سواء لدى المجتمع أو الأفراد, وبالنسبة للمجتمع وهو مجال الحديث فإن ثروته هي ما يمتلكه من موارد طبيعية واقتصادية, متجددة أو ناضبة, وبتعبير آخر مجمل الرساميل التي يستطيع استثمارها حالاً أو بعد حين. وتصنف رؤوس الأموال هذه على النحو الآتي:-

أ- رأس المال الطبيعي  Natural Capital ويتمثل بالموارد الطبيعية والنظم البيئية وهو منحة طبيعية ولا دخل للإنسان في وجودها أو في إيجادها مثل: الغلاف الجوي والتربة والغابات والمياه ومصائد الأسماك .

والموارد الطبيعية تقسم على نوعين: المتجددة Renewable Nature Resources وهي التي يمكن إعادة إنتاجها من خلال الاستثمار المناسب والعقلاني لمخزوناتها وإدارة أصولها ادارة مثلى كالأرض والمياه, والموارد غير المتجددة أو الناضبة ومخزوناتها None Renewable Na.Re.ومخزوناتها  غير قابلة للتجدد بعد الانتفاع منها أو استثمارها مثل مخزونات المعادن المختلفة, وبقاء مخزوناتها لمدة أطول مرهون بالسلوك البشري فيما يتعلق بتقنين ذلك الاستثمار وقد قدر صندوق النقد الدولي نسبة رأس المال الطبيعي بحوالي 20% من إجمالي ثروة العالم.

ب-رأس المال النقدي Financial Capital وهو المفهوم التقليدي لرأس المال المتضمن الأصول النقدية وأشكالها وصورها المالية القابلة للتداول والاستخدام كأحد عناصر الإنتاج.

ج-رأس المال البشري Human Ca. وهو المورد البشري المتمثل بالسكان وخصائصهم من حيث العدد والتحصيل العلمي وقدراتهم الإنتاجية في العمل والدفاع عن البلاد وأحوالهم الصحية, وصفاتهم الموروثة والمكتسبة, وكل أنشطة الإنتاج المختلفة. يأتي رأس المال البشري في مقدمة ثروات الأمم في الاهمية كونه هدف التنمية ووسيلتها في نفس الوقت , حتى ان البنك الدولي يقدر نصيب رأس المال البشري  بحوالي 64% من مجمل ثروة العالم , وتليه مختلف مجهودات التنمية بأسبقية فائقة.

د-رأس المال الإنتاجي Produced Ca. أو ما قد يسمى برأس المال المادي أو المصنوع ويشمل الاصول المادية التي يمكن استثمارها في انتاج السلع والخدمات مثل الطرق والآلات والمصانع ومعدات النقل كالسيارات والطائرات والسفن والمساكن, وعادة ما تقيد حساباتها في الميزانيات, وقد ينظر إليها من الناحية المادية من جهة صورتها المادية الصرفة كمعدات او سلع خام كالخامات الزراعية والمعدنية أو وسيطيه كالمنتجات نصف المصنعة, وكما قد ينظر إليها من الناحية المالية باعتبار مجموع قيمها المالية أو ما تساويه السلع المادية من نقود, هذا فيما يدمج بعض الكتاب كلاً من رأس المال النقدي مع الإنتاجي باعتبارهما يمثلان عناصر إنتاج يمكن استبدال أحدهما مع الآخر في النهاية, فيما يدعوه آخرون برأس المال من صنع الإنسان باعتباره يتكون بنتيجة عمله( د. منى وزميلها, ص 172).

و-رأس المال الاجتماعي Social Ca. ويشتمل على قيم غير مادية تتعلق ببنية المجتمع والتفاعل بين أفراده وقيم الأفراد والجماعات المكونة للمجتمع وعاداتهم وتقاليدهم , ومدى التفاعل والانسجام بين تلك الجماعات, وثم البناء المؤسساتي للنظام السائد , وبالنتيجة انعكاس كل ذلك على مدى الانسجام بين مكونات المجتمع وطوائفه وإداء مؤسساته للوظائف  المناطة بها والقدرة على إنفاذ القانون وترجيح المصلحة الجمعية. كما وقد يعّرف بأنه مجموعة الشبكات والعلاقات التي تشجع على الثقة والمعاملة بالمثل وتشكل نوعية وكمية التفاعلات الاجتماعية في المجتمع (تقرير البنك الدولي 2000, ص 18).

        ويعد الإطار المؤسسي لمنظمات المجتمع المدني مدخلاً هاماً نحو تنمية رأس المال الاجتماعي.

        تتباين بلدان العالم من حيث امتلاكها للثروة بمفهومها العام, فالثروة وبمختلف صورها تتباين في توزيعها الجغرافي بين البلدان والأقاليم, فمنها ما يمتلك خزيناً وافراً من المعادن الفلزية مثل الحديد والمنغنيز والنحاس وسواها, وغيرها ينعم باحتياط من غير الفلزية مثل الكبريت أو الغاز , وهكذا يقال عن صور الرساميل الأخرى كالمياه والتربة وصنوف المناخات المتباينة على سطح البرية. وكلما امتلك المجتمع مقداراً و تنوعاً أكبر كلما تهيأت للمجتمع قدرة على بناء قاعدة إنتاجية أقوى مع إدراك ارتباط بنائها الفعلي على توفر القدرة والقرار على الاستثمار .

       إن هذا التباين شجع التخصص في الإنتاج, وحفز على نشاط الحركة التجارية بين البلدان, فضلاً عن أن هذه الثروات وسواها مثلت القاعدة الأساسية التي تعتمد على استثمارها عمليات التنمية الاقتصادية في الأنشطة المختلفة صناعية وزراعية وسياحية وتجارية وغيرها .

        وتعني التنمية بمفهومها البسيط استثمار المتاح من عناصر الإنتاج في عملياته لزيادة الغنى والثروة, وبالتالي فإن من السهل القول أن هذه البلاد أغنى وهذه أفقر , اعتماداً على مقدار الموارد المتيسرة للمجتمع (  Tatyana, ص 7), إلا أن هذا لوحده لا يعطي مؤشراً على الاستدامة, فالاستدامة تحتاج إلى الانتقال إلى مؤشرات أخرى ومنها مثلاً حالة الموارد ذاتها وطريقة توزيع الدخل الناتج عن عمليات الإنتاج والثروة والدخل.

       ان عمليات الإنتاج التي تحفزها مجهودات التنمية تقوم على اساس استثمار الموارد المختلفة لغرض زيادة الإنتاج والثروة والدخل , إلا إن هذا الاستثمار يؤدي إلى استنزاف الموارد الناضبة ويقلل من فرصة الأجيال اللاحقة على الحصول على نفس المقدار منها, كما إن هذا الاستثمار يتسبب في الإضرار بحالة موارد أخرى, فاستثمار المعادن أو مصادر الطاقة يقلل من احتياطاتها, ويتسبب في تعرض البيئة إلى مخاطر التلوث, وبالذهاب إلى الأمام قد يصل النشاط الإنتاجي إلى حالة التراجع في مستويات النمو, فضلاً عن ارتفاع كلفه أيضاً  , وهذه مؤشرات جدية على حالة التنمية غير المستديمة. من هنا كان البحث عن بدائل لهذه المسارات المضرة بأحوال المجتمع وثروته. إن المسارات المقترحة لا تتضمن التوقف عن استثمار المعادن أو مصادر الطاقة وسواهما من الموارد الناضبة لان هذا الغرض غير منطقي, والأفكار البديلة تذهب باتجاه المحافظة على خزين مناسب من الموارد الناضبة وعقلنة الاستثمار وإعادة التدوير . ومن الناحية الفلسفية يشار إلى أمكانية تغيير شكل الثروة من رأس المال إلى آخر, أو استبدال رأس مال يوشك على النفاذ برأس مال بديل قادر على التعويض مثل رأس المال البشري أو رأس المال المصنوع (القريشي, ص 362) , ما يحافظ على ذات المستوى من الثروة في الأقل للأجيال اللاحقة إن لم نقل زيادتها . ولضمان تحقيق القدر الكافي من النجاح لعملية الإحلال لابد من البحث عن مسارب وأساليب ناجعة, يأتي في مقدمتها التحول من تكنولوجيا تكثيف المواد Material Intensive  إلى تكنولوجيا تكثيف المعلومات Information Intensive  , ومن رأس المال الإنتاجي Produced capital إلى رأس المال البشري Human Ca. ورأس المال الاجتماعي  Social Ca., وبالنتيجة الحفاظ على ذات القدر من رأس المال أو الثروة للمجتمع إن لم يكن بالمقدور زيادتها (عثمان وزميلته, ص 45). وليس في عملية الإحلال بين أنواع رأس المال من غرابة, لان طبيعة رأس المال الذي يتركه كل جيل الى الأجيال القادمة تختلف عما يستخدمه الجيل السابق, إلا أن ما يجب إدراكه أيضاً أن مبدأ الإحلال والتعويض هذا له حدود ولا يمكن أن يصل أي نوع من الأنواع من رأس المال إلى الصفر( Ismail Serageldin  p 197-198).

3.4. استراتيجيات التنمية الاقتصادية المستديمة

        إذا كانت التنمية الاقتصادية تعني استخدام المزيد من الموارد الطبيعية بصفة مدخلات Inputs  لإنتاج المزيد من المخرجات Outputs  , فإن تضمين هذه التنمية بعداً متواصلاً, أي إكسابها مضمون الاستدامة يتعين استخدام هذه الموارد بأفضل طريقة ممكنة بحيث يتحقق أفضل عائد ممكن بأقل تكاليف ممكنة (د. حسن الشافعي , ص 39) وبشرط المحافظة على الموارد الطبيعية ونوعيتها (زواوية , ص 262) من خلال تداخل وتفاعل أمثل بين أبعاد التنمية المستديمة.

          ويرى كثير من المعنيين أن الاستدامة الاقتصادية يمكن أن تأخذ إحدى الاستراتيجيتين الآتيتين:-

الأولى : الاستراتيجية الضعيفة للاستدامة

       تقوم الأفكار الأساسية لهذه الاستراتيجية على القول بمحدودية الموارد الطبيعية أي رأس المال الطبيعي والأنظمة البيئية, وأن من الممكن تحويل رأس المال الطبيعي والخدمات التي توفرها البيئة إلى رأس مال مصنوع من قبل البشر بمرور الزمن .

       إن الرغبة في رفع مستوى الرفاهية , ومقابلة العدد المتزايد من السكان على وجه الأرض يتطلب استغلال المزيد من الثروات, وثم تحويل هذه الثروات من حالة أو صورة لأخرى, وفي نفس الوقت فإن عملية إحلال رأس المال المصنوع من قبل البشر محل رأس المال الطبيعي ممكنة ومتواصلة, إلا أن ذلك يتطلب استخداماً أمثل للموارد الحالية, والبحث عن بدائل للموارد غير المتجددة , وتطويع التكنولوجيا لحل مشاكل النفاذ بإيجاد البدائل ومشاكل التلوث بالحد منه أو وقفه إن أمكن ذلك.

      إن هذه الاستراتيجية تؤكد عل إمكانية التعويض عن النقص في الموارد أو بفقدانها بالتحول إلى ثروات ورأس مال صناعي يعوض عن الخسارة أو يزيد عنها بحيث تحقق الاستدامة والزيادة في ثروة المجتمع.

        وبتعبير آخر ووفقاً لقاعدة Hart Wick فإنه ومن أجل الحفاظ على مستوى ثابت من الاستدامة ولتبرير استثمار رأس المال الناضب , فإن المكاسب التي يتمتع بها المجتمع من استغلال المورد الطبيعي الناضب يجب أن يعاد استثمارها في طبيعي آخر ورأس مال مصنوع من البشر عبر الزمن .

ويبدو أن R. Sollow  أول من تقدم بهذه الأفكار عام 1974, ثم طورها كل من Dasgupta and Heal (القريشي ,362 وزواوية , ص 263) .

الثانية: الاستراتيجية القوية للاستدامة

        ويرد آخرون ومنهم Pearce بأن الإحلال بين رأس المال المصنوع من البشر وبين رأس المال الطبيعي قليل جداً , وإن التفاؤل الذي أبداه مؤيدو الاستراتيجية السابقة مبالغ فيه فيما يخص وفي الأقل قدرة البيئة ومستوى الخدمات التي تقدمها للإنسان على التكيف لحجم الضرر الذي يلحق بها من الأنشطة البشرية. وبتعبير آخر إن الأصول ليست قابلة تماماً للإحلال فيما بينها, لان بعض الأصول الطبيعية أو بعض الوظائف التي تؤديها هذه الأصول مثل دعم الحياة لا يمكن استبدالها بغيرها(البنك الدولي , ص 116). ويبنى هذا الرأي على الحجج الآتية(القريشي , ص 363):

1.     نظراً لتعقد الأنظمة البيئية, فإن من غير الممكن التنبؤ بنتائج الأضرار التي تلحقها أفعال الإنسان برأس المال الطبيعي, ومن العسير أن نحدد مقدار  الاستثمار في رأس المال مقابل الأضرار التي تلحق بموارد الطبيعة.

2.     إن العديد من أفعال البشر لا يعرف بالضبط مساحة ونوع انعكاسها على البيئة, فمنها ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض, ومنها ما يتسبب في انقراض أصناف من الحيوانات, أو تدمير أشكال من رأس المال الطبيعي كالتنوع الإحيائي, كما لا يمتلك الإنسان تقديرات دقيقة عن ثمن هذه الأضرار وكلفة معالجتها.

3.     وفي ذات الوقت يصعب ووفقاً لما يمتلكه الإنسان من معلومات حتى الآن تقدير حجم الضرر الذي يحدثه خلل ما في النظام البيئي, فانقراض صنف من الحيوانات قد لا يكون له أثر محدود على البيئة, إلا إن انقراض صنف آخر قد يؤدي إلى أضرار بليغة أو حتى انهيار النظام البيئي كله.

4.4. أهداف التنمية الاقتصادية المستديمة

      إن من المنطقي تحديد الأهداف المرجوة لعمليات التنمية الاقتصادية المستديمة, ومن شأن ذلك اختيار الوسائل  المناسبة لتحقيق تلك الأهداف. ويمكن إجمال هذه الأهداف بالآتي:- 

   أولاً: -تحسين مستوى الرفاهية للإنسان بزيادة نصيبه من السلع والخدمات الضرورية من خلال المحافظة على توازن معقول ما بين نمو السكان من جهة وثروة المجتمع من الموارد من جهة أخرى, فمعدلات النمو الاقتصادي و الثروة يجب أن تتفوق على نسبة تزايد السكان إذا ما أريد خفض نسب الفقر أو زيادة رفاه المجتمع, وفي الأقل أن تكون مساوية لها لضمان استمرار نفس مستوى الرفاه.

ثانياً:-توفير عناصر الإنتاج للسلع والخدمات التي يحتاجها الإنسان سواء المادية منها أو غير المادية مثل رأس المال بأنواعه والتكنولوجيا والإدارة.

ثالثاً:-المحافظة على قاعدة الموارد وتنوعها واحتياطيها بصفتها مصدراً أساسياً لثروته ووعاءاً لعيشه وسبيلاً لرفاهه, وهذا يتطلب إدارة كفوءة ومثلى لهذه الموارد سواء الناضبة أم المتجددة, والبحث عن البدائل وصيانة المستثمر منها.

رابعاً:-تحسين أساليب إدارة النظم البيئية, والتقليل من انتقال المؤثرات السلبية إلى هذه النظم , وهذا يتطلب زيادة الوعي البيئي , والبحث في تقنيات لا تتسبب بأضرار جسيمة للبيئة, ومعالجة الأخطار المحدقة بها, وفي ذات الوقت التعمق في طبيعة الصلات والمسارب بين المحيط الحيوي البشري والاقتصادي للإنسان.

خامساً:-تطويع التكنولوجيا وتطبيقاتها في شتى المجالات بما يجعلها قدر الإمكان صديقة للإنسان والبيئة في آن واحد, فهي تخدم تطلعات الإنسان وتوفر له من المعدات ما يساعد على رفاهه, ولكن من دون إفراط في المدخلات أو تفريط بأحوال البيئة.

سادساً:-ومن المهم إجراء مراجعة جدية لسياسات التوزيع القائمة بحيث ينال الأكثر فقراً نصيباً أوفر مما عليه حالياً من الإنتاج , على أن يرتبط بنظام أفضل للأسعار يوفر المتطلبات الأساسية من الغذاء والدواء والتعليم للمحرومين من السكان.

سابعاً:- إن ضمان الاستدامة في الاقتصاد يتطلب تغيير نظم الإنتاج السائدة عالمياً ومحلياً, حيث يقسم العالم إلى منتجين للخامات وغيرهم مستهلكين لها, ومحلياً تقوم اقتصاديات ريعية أحادية الجانب في معظم دول العالم النامية, والانتقال إلى الاقتصاد المنتج والمتنوع.

ثامناً:-ضمان وصول حلقات التكنولوجيا المتطورة إلى البلدان النامية, ومساعدتها على تطويعها محلياً, وبناء حواضنها في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي وآليات نشر المعرفة وبيئة الابتكار والاختراع.

5.4. مؤشرات قياس التنمية الاقتصادية المستديمة

      بات معروفاً على وجه اليقين ومنذ منتصف القرن الماضي كيفية  تحليل حالة الاقتصاد الكلي للبلدان لجهة الاقتصاد الوطني من نمو متمثلاً بحالة الناتج الإجمالي (GDP) Gross Domestic Product , أو لجهة التنمية الاقتصادية متمثلة بالتغير في بنية الاقتصاد, أو نصيب الاستثمار من إجمالي الدخل القومي. والناتج المحلي الإجمالي يقيس قيمة السلع والخدمات المستخدمة في الإنتاج, فضلاً عن موازنة الصادرات-الواردات, ثم المساعدات الخارجية والديون خلال سنة واحدة. وعند استبعاد تأثير عامل التغير في قيمة العملة في حالتي التضخم والانكماش ما بين سنتي الأساس والمقارنة يبقى في الحساب صافي الناتج المحلي الحقيقي الناتج عن الزيادة في القدرة الإنتاجية للعمل ورأس المال أو المتحقق من الزيادة في كمية ونوعية السلع والخدمات المنتجة في البلاد . وبقسمة هذا الناتج على عدد السكان يظهر متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي Per Capital Income  وهو مقياس رئيسي ومركزي لحالة الاقتصاد في كل الاقتصاديات, وبالاعتماد على مؤشراته تتابع حالة الدخل الفردي للسكان ,  ولقد استمر اعتماد مؤشر نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف العقد السادس من القرن العشرين باعتباره مقياساً لحالة النمو الاقتصادي المتحقق, غير إن مؤشر الناتج المحلي الإجمالي GDP ومتوسط حصة الفرد منه PCI لم يعودا كافيين للدلالة على مستوى التنمية الأكثر طموحاً وفاعلية من النمو, فضلاً عن البحث عن مؤشرات جديدة تضاف لما سبق لبيان حالة الاستدامة في التنمية الاقتصادية.

      إن أدوات القياس لابد أن تشتق من الأهداف المرجوة لموضوع البحث ذاته, وأن تترجم المساعي والمجهودات المبذولة لتحقيق تلك الأهداف , وبما أن التنمية المستديمة ذات أبعاد ومضامين تجمع ما بين الاقتصادية والبيئية والاجتماعية, فضلاً عن المؤسساتية, فإن المؤشرات الناجعة تختزل كل هذه المضامين. وبالنظر لسعة المحتوى والأهداف فإن من الممكن أن تختلف مؤشرات القياس من هدف لآخر , ومن دولة وإقليم لآخر ومن زمن لآخر كذلك.

       وقد وضعت لجنة التنمية المستديمة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة عام 1996 برنامج عمل بشأن مؤشرات التنمية المستديمة يغطي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية يحتوي على 134 مؤشراً وضعت في وثيقة سميت (الكتاب الأزرق), وقد طلب إلى العالم أن تختبر المؤشرات وتحلل مدى انطباقها على أوضاعها وأن تختار منها ما يتوافق مع أولوياتها الوطنية وأهدافها وغاياتها وفيما يخص البعد الاقتصادي للتنمية المستديمة , ومع إدراك وتأكيد حقيقة ترابط وتكامل أبعاد التنمية المستديمة فإن من الممكن تحديد الأهداف والمؤشرات المقترحة لقياسها, فيما يمكن بلورة أو اشتقاق مجموعة من المؤشرات الشاملة التي تحيط بكل مضامين التنمية بعد استعراض كل بعد على حدة لأغراض البحث والاستقصاء. ومن اجل سلامة المسعى, وحتى تكون مؤشرات القياس وافية الدلالة ينبغي في اختيارها مراعات جملة من الملاحظات أهمها:-

§      أن تكون المؤشرات وأساليب القياس مشتقة من لائحة الأهداف الخاصة بذات البعد أو شاملة الأبعاد, بمعنى الاتساق والتناغم مع الأهداف .

§      إمكانية الحصول على البيانات الخاصة بالمؤشر, واستمرارية تدفق تلك البيانات الخاصة زماناً ومكاناً ووسيلة.

§      القدرة على تحويل البيانات إلى نظم معلوماتية وتمثيلها بهيئة قاعدة بيانات تستدعى حين الطلب, وتبرمج آلياً وفنياً وتوفر القدرة على التحكم بها.

§      أن تكون البيانات وافية ومؤشرات معالجتها مفهومة ودقيقة في دلالاتها , وفي الأحكام المستنبطة منها.

§      أن لا تتعارض أو تتقاطع مع المؤشرات الموضوعة من قبل الهيئات التابعة للأمم المتحدة , ولا تبتعد كثيراً عن مثيلاتها في بقية بلدان العالم من أجل سهولة المقارنة بين تلك البلدان في هذا المجال.

§      تحديد الجهات القادرة أو التي ستكلف بتوفير البيانات, ثم المؤسسات التي تنجز وتتابع عمليات جمع وتحليل البيانات والدراسات الخاصة بقياس التنمية المستديمة.

      وفيما يخص التنمية الاقتصادية المستديمة يمكن عرض مجموعة من المعايير ومجموعة أخرى من المؤشرات العامة ( الجدول .1.4).

 

      وإذ كان هناك اتفاق عالمي على هذه المعايير والمؤشرات فإن لكل دولة أن تشتق معايير ومؤشرات إضافية تقيس حالة الاستدامة تضاف لما سبق , وعند استعراض التجارب العالمية بهذا الشأن نجد مزيداً من الإضافات ما يجدر عرضه للإفادة منه  وكما يرد في الفصول اللاحقة.

 جدول .1.4

يبين معايير التنمية الاقتصادية المستديمة العامة

المعيار

المؤشر

 

 

 

أ

 

 

 

 

الإداء الاقتصادي

 

1. نصيب الفرد من الدخل ويؤشر حالة النمو الاقتصادي , ويقيس مستوى الإنتاج الكلي للبلاد وحجم اقتصادها, ومن ثم نصيب الفرد نظرياً من الناتج المحلي الإجمالي .

2. نصيب الاستثمار من الناتج الإجمالي وتمثل النسبة المئوية من الناتج المحلي التي تضاف سنوياً إلى الموجودات الثابتة للاقتصاد. وهو مؤشر ذو دلالة مستقبلية واضحة على النمو الاقتصادي المتوقع مستقبلاً  .

ب

الميزان التجاري

1. الموازنة بين قيمة الصادرات والواردات :ويركن إليه لمعرفة مقدرة البلاد على الاعتماد على الذات من دون قروض.

 

 

ج

 

 

الحالة المالية للبلاد

 

1. نسبة الديون من الناتج الإجمالي: وتبين قدرة الدولة على استثمار مواردها وتحويلها إلى إنتاج وثم إلى سداد الديون أصولاً وفوائد أو ما يسمى بخدمة الدين.

2. نسبة المساعدات الخارجية إلى إجمالي الناتج الإجمالي: ويوضح مدى اعتماد الدولة على المساعدات الخارجية في تنفيذ مشاريع التنمية والخدمات, حيث تتراجع باستمرار أعداد وقيم هذه المساعدات المتجهة من دول العالم الغنية إلى الفقيرة, ويتحتم على الدول الاعتماد على نفسها تدريجياً.

 

 

 

 

د

 

 

 

الإنتاج والاستهلاك

1. كثافة استهلاك الفرد من خامات المعادن الطبيعية, والفرق في ذلك بين ما يستهلكه الفرد في الدول الغنية بالمقارنة مع مثيله في الدول النامية

2. معدل استهلاك الفرد السنوي من مصادر الطاقة الناضبة وخاصة لجهة تقليل الفجوة ما بين الدول الغنية والفقيرة في الاستهلاك.

3. انتاج وتدوير النفايات الصناعية والمنزلية والخطرة منها(المشعة) وتأكيد مسؤولية الدول الغنية على مساعدة الدول النامية في هذا الإطار.

4.المساحة المقطوعة للفرد بواسطة طرق النقل سنوياً.

5. التحول من الدولة الريعية المستهلكة إلى دولة منتجة.

مصادر الفصل الرابع

-

باتر محمد علي وردم, العالم ليس للبيع, الأهلية للنشر والتوزيع, عمان, 2003.

-

تقرير البنك الدولي, 2000.

-

تقرير البنك الدولي, 2003.

-

د. حسن احمد الشافعي, التنمية المستدامة والمحاسبة والمراجعة البيئية في التربية البدنية والرياضية, ط1, دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر, الإسكندرية, 2012.

-

د. ديب كمال, أساسيات التنمية المستدامة, دار الخلدونية للنشر والتوزيع, الجزائر,2015 .

-

زواوية أحلام, دور اقتصاديات الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الدول المغاربية, دار الوفاء القانونية لدنيا الطباعة والنشر, الإسكندرية, 2004.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور للعلوم, بغداد ,2014.

-

عبد الحميد رضوان عبد الحميد, إعداد الحسابات القومية الخضراء في دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تحقيق التنمية المستدامة , مركز الإمارات للدراسات والبحوث التاريخية, أبو ظبي, 2014.

-

د. عثمان محمد غنيم, د. ماجدة أبو زنط , التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها , ط2, دار صفاء للنشر والتوزيع, عمان, 2014.

-

د. قادري محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة الحسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت, 2013.

-

لجنة التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة, 2003.

 

-

د. محمد صالح القريشي, علم اقتصاد التنمية, مكتبة الجامعة –الشارقة, إثراء للنشر والتوزيع-الأردن, 2010.

-

د. منى جميل سلام, د. مصطفى محمد علي, التنمية المستدامة للمجتمعات المحلية , المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية ,2015.

- Ismail Serageldin, Sustainability and The Wealth of The Nation's First step in Ongoing Journey, Environmentally Development studies and monographs series No. 5, The world Bank Washington D.C., 1996     

-Tayana, P. Soubotina, Beyond Economic Growth, An International to Sustainable Development, 2nd.5d., The world Bank , Washington, U.S.A., 2004

               الفصل الخامس : 

            الجغرافيا والتنمية  الاقتصادية المستديمة

الفصل الخامس :  الجغرافيا والتنمية الاقتصادية المستديمة 

1.5. منهجية علم الجغرافيا

        بعد سجالات علمية مطولة استقر علم الجغرافيا على دراسة التباين المكاني Areal Differ enation لسطح الأرض ودراسة العلاقات Relationship    بين الطبيعة والإنسان, غير أن التفاعل بين الطبيعة والإنسان ينجم عنه تباينات مكانية Spatial Variations  وزمانية Temporal Va., وترتبط هذه بالمكان وخصوصيته من جهة القدرات والإمكانات المتاحة للانتفاع بها من قبل الإنسان. وكلما تقدم الإنسان في قدراته العقلية والحضارية, أمكنه الإفادة من الطبيعة والتأثير فيها. إن تأثير الإنسان الفعال في الطبيعة كونه عاملاً جغرافياً إضافة لعوامل الطبيعة تعطي المكان خاصيته سلبية أم إيجابية .

         وبهذه الإضافات فإن علم الجغرافيا صار يدرس اليوم الاختلاف بين الأمكنة والترابط المكاني للأشياء التي تقع بجوار بعضها مبتعدين عن أية ظاهرة تقوم على نحو مستقل بذاتها. إن التأكيد على دراسة التباين والتفاعل المكاني قد أعطى الجغرافيا منهجاً خاصاً للبحث ينفرد به عن سائر العلوم, وهذا المنهج منحه مكانة عليا بين العلوم.

         واتساقاً مع هذا الفهم لعلم الجغرافيا فقد أخذت الأبحاث الجديدة للرواد تنحو منحيين : أولهما تأصيل الدراسات وإنضاج فروع علم الجغرافيا القائمة والمعروفة, وثانيهما العمل بدأب عند حافات التلاقي مع العلوم الأخرى صرفة وإنسانية والإفادة مما يتيحه العمل الجماعي بين العلوم المتجاورة عند التخوم المشتركة. وإذا كان الاتجاه الأول قد نتج عنه أعمالاً خلاقة في فروع علم الجغرافيا الطبيعية والسكانية والاقتصادية, فقد جاء الاتجاه الثاني بولادات جديدة أضافت فروعاً وارفة الظلال لعلمنا ورسّخت في الوقت ذاته بعداً جديداً هو البعد التطبيقي.

         إن الاتجاه التطبيقي لعلم الجغرافيا قد نقل البحث العلمي الجغرافي نقلة نوعية, وأكسبه أهمية إضافية لما سبق منها, فلم يعد البحث مقتصراً على الوصف والتحليل لحال قائم وحسب, مع الاعتبار لكليهما, إنما وليخرج بتعاميم تعيد تركيب الحقائق بعد تحليلها , ثم ولينطلق مشاركاً علوماً أخرى في رسم صورة الغد للظواهر قيد البحث, وصرنا مع الأيام نشهد ولادة فروعاً وبحوثاً تطبيقية جديدة.

        وفي أطراف القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة جاء عمل خلاّق يكمل ما سبق, اشترك بولادته بفاعلية علم الجغرافيا ومدرسته التطبيقية الجديدة, إلا وهو الاستدامة Sustainability , حيث ينطلق العمل على استثمار إمكانات الحاضر بعقلانية ومن دون المساس بحقوق الأجيال القادمة.

2.5. الجغرافيا والاستدامة

        بات علم الجغرافيا يوصف بأنه علم المكان: موضعاً Site وموقعاً Location وتوزيعاًDistribution  وتبايناً Differenation  ضمن الإطار الكلي لكل منها على حدة, ومحددة بالمنهج الجغرافي العام. وبهذا فإن الجغرافيا منهج في البحث أكثر من كونه مادة للدراسة,  يتشارك وعلوماً أخرى في المادة ولكن بمنهجية متفردة قوامها العلاقات المكانية للظواهر .

         أما الاستدامة فهي بعد جديد للتنمية, أو حتى قل تأصيل لخاصية قائمة لكنها لم تنل نصيباً كافياً من الاهتمام فيما سبق, فالأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية ونضيف الديمومة لم تكن غائبة كلياً عن التنمية, وهي ليست اكتشافاً جديدا أو اختلاقاً, إنما جرى تأصيل وتفصيل لهذه الخصائص بعد أن فهم المحدثون أن تجاهل هذه الخصائص والأبعاد أفقد التنمية فعلها وفاعليتها , ولابــد من اعتبارها وبقوة في مجهودات التنمية , ثم جاءت الأبحاث في التفصيل لتتناول مزيداً من الزوايا, وتبث النور في خبايا حياة البشر اقتصاداً وبيئة وعدلاً مستهدفة تحقيق مزيداً من السعادة لسكان المعمورة.

        إن الاستدامة ليست علماً جديداً أو فرعاً لعلم, بل هي خصائص جديدة أو معتبرة ننفض الغبار عنها ونضعها في سلم أولويات ظاهرة التنمية أو مجهوداتها , ونظراً إلى أن التنمية أحد ميادين علم الجغرافيا الثر يتناولها فرعه الوليد حديثاً جغرافية التنمية, وكون الوليد هذا أصيل في اعتماد المنهج العام لعلم الجغرافيا, فإن الاستدامة بالنتيجة عمل جغرافي تماماً, وعلى الباحثين في ميدان علمنا ولوج باب الاستدامة من دون وجل أو تردد, فهم أولى في الفهم وربط الأشياء بمسبباتها ونتائجها, وهم الأكثر قدرة على بلورة الأفكار المتعلقة بالمكان وتفاعلاته بالظواهر القائمة في رحابه.

         إن ميادين العلم رحبة تسع للمجتهدين, ويقيناً إن البحث العلمي يصل إلى مبتغاه باعتماد المنهج السليم لكل علم من جهة, وبتوافر العموميات من خصائص البحث العلمي من جهة أخرى.

3.5. التنمية الاقتصادية المستديمة من منظور جغرافي

       قد أشرنا في غير مكان واحد إلى تشارك علم الجغرافيا مع علوم أخرى في دراسة ذات الظواهر , غير أن حالة الافتراق تكمن في المنهجية, إذ لكل علم منهجه الذي يتفرد به, وإذ عرّجنا على تفرد علمنا بالمكان حتى كاد أن يكون علم المكان-ولا ضير-, فالأنشطة الاقتصادية للإنسان : صناعته وزرعه , التجارة والنقل والسياحة, سواء بمفاهيمها التقليدية أو المستحدثة, بعمومها أو بخصوصها هي ميادين أساسية للبحث في علم الجغرافيا.

      والبحث في هذه الأنشطة يتناول حيناً الأبعاد القطاعية, وفي أحيان أخرى الأبعاد المكانية بما تشمله من بحث عن الهوية المكانية هي في قلب الدراسات الجغرافية, إلا أن الأبعاد القطاعية هي الأخرى تمتد على حيز معتبر في المركب الجغرافي , إذ إنها توصل إلى معرفة النمط الذي تترتب فيه الأشياء في المكان, فضلاً عن إن رسم صورة الظواهر في المكان من صميم عمل الجغرافي. وبهذا فقد تداخل البحث الجغرافي ما بين القطاع والمكان, وسُخّر أحدهم لخدمة وفهم الآخر. ونظراً إلى أن الوشائج قائمة بين القطاع والمكان أسباباً ونتائجاً, فقد أصبح الجغرافي الحاذق أكثر دراية وقدرة بحكم منهجيته المتفردة على فهم الظواهر فهماً صحيحاً وشاملاً ومستوعباً لتلابيب عوامل الفعل وآثارها وروابطها الأمامية والخلفية والجانبية.

        في التعدين والزراعة والصناعة والنقل والتجارة والطاقة والمال والسياحة, مجال عمل ثر للجغرافي يتداخل حيناً مع المتخصص في كل منها حينما يقتصر الدرس على القطاع, لكنه أي الجغرافي ينحو بالبحث ذاته نحو المكان وعلاقة القطاع به بهدف تفسير العلاقات المكانية, وفهم الكيفية التي ترتبت بها الظواهر في المكان.

        يصدق الكلام فيما ورد من تعميم على مؤشرات الاستدامة التي سنعرضها , فالمؤشرات قد تكون مكانية صرفة تنتمي إلى المركب الجغرافي لوحده, غير أن بعضها تتشاركه علوم عدة, والفيصل في انتماء البحث فيها إلى علم دون سواه لتطبيق منهج علمي بذاته على البحث وتلوينه بهذه المنهجية. وفيما يأتي مجموعات مفصلة بكل نشاط من المؤشرات لدلالة الاستدامة من منظور علم الجغرافيا:-

أولاً:-مؤشرات لقياس التنمية المستديمة في الزراعة

1.     مساحات الغابات في البلاد ونسبتها العامة, ونسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.

2.     مساحة المحميات الطبيعية.

3.     مساحة الأراضي المخصصة للزراعة الطبيعية .

4.     مساحة الأراضي التي تتعرض سنوياً للجرف أو التملح.

5.     الموازنة بين عدد الأشجار التي تقطع والتي تزرع سنوياً.

6.     نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي.

7.     حالة التربة ومحتواها من المواد العضوية.

8.     المساحات المخصصة لزراعة الحبوب.

9.     نسبة الاكتفاء الذاتي(الأمن الغذائي) من الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني .

10.    كفاية الإيرادات المائية واستثمارها الأمثل.

11.    الطاقات الخزنية للإنتاج النباتي والحيواني.

12.    مؤشر مصائد الأسماك.

13.    مؤشر إدارة السواحل البحرية والنهرية.

14.    تصنيع الإنتاج الزراعي المحلي.

15.    استثمار المياه العادمة في الزراعة( مياه المبازل والصرف الصحي).

16.    إدارة موارد المياه وتقنين استهلاكها والحد من الضائعات المائية.

17.    مساحة المسطحات المائية.

18.    التغير في استعمالات الأرض الزراعية.

19.    كميات الأسماك المصطادة والتهديدات المحتملة.

20.    التنوع الإحيائي في البيئات البرية للنبات والحيوان والطيور.

21.    نوعية مياه الري والمبازل والمياه الجوفية.

22.    التهديدات المحتملة بانقراض أصناف من النباتات والحيوانات والأسماك.

23.    انبعاث الغازات من البيوت المحمية.

24.    كثافة استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة.

25.    نسبة العاملين في الزراعة., ونسبة سكان الريف.

26.    الترابط بين القطاع الزراعي والقطاع الصناعي.

ثانياً : مؤشرات لقياس التنمية المستديمة في الصناعة

1.     عدد المؤسسات الصناعية

2.     عدد المشتغلين في الصناعة

3.     الإنتاجية الصناعية:-

·      متوسط إنتاجية العامل

·      متوسط إنتاجية الآجر

·      متوسط إنتاجية رأس المال المستثمر

4.     نسبة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي.

5.     عدد الشركات التي تحولت من صغيرة إلى متوسطة ومن متوسطة إلى كبيرة.

6.     عدد المؤسسات الصناعية التي أسهمت بأنشطة خدمية عامة.

7.     عدد الشركات التي طبقت أهدافاً مستدامة.

8.     القيمة المضافة المتحققة في الإنتاج الصناعي.

9.     الشراكة بين القطاعين العام والخاص(التعاون بينهما) وتنشيط القطاع التعاوني, ومكانة القطاع التعاوني في الهيكل الصناعي .

10.   تنمية الصناعات الصغيرة.

11.   إعادة حساب التكاليف وفقاً للبيئة والأجيال القادمة.

12.   عدد الشركات التي طبقت مفاهيم بيئية.

13.    تصنيع الريف.

14.    تشجيع إدخال المرأة في العمل الصناعي.

15.    مؤشر الصناعات الحرفية وانتشارها وقوة العمل فيها .

16.    نسبة إسهام قوة العمل المحلية.

17.    نسبة الاعتمادية على المدخلات المحلية من مواد أولية ومصادر طاقة.

18.    إعادة استثمار الأرباح الصناعية محلياًُ.

19.   ما تضيفه مبيعات الإنتاج الصناعي من إيرادات من خارج الإقليم (صناعة موجهة نحو التصدير).

20.    ما تسهم به الصناعة المحلية في سد الحاجة المحلية.

21.    نسبة تصنيع الإنتاج المحلي من المعادن بدلاً من تصديرها خاماً.

22.    الترابط الصناعي بين قطاعات الصناعة من جهة وبينها وبين القطاعات وخاصة الزراعة من جهة أخرى.

23.    نقل التكنولوجيا وتطويرها وتطبيقات الاختراع والابتكار في الصناعة.

24.    منظومات التعليم والتدريب الداعمة للنشاط الصناعي.

25.   إ عادة استهلاك الفضلات أو تدويرها.

ثالثاً:-مؤشرات في التجارة الداخلية والخارجية

1.     حالة الميزان التجاري.

2.     نسبة الديون من الناتج المحلي.

3.     نصيب الدولة من التجارة الدولية.

4.     عدد وقيمة القروض التجارية لذوي الدخل المحدود.

5.     نسبة مساهمة القطاع التجاري من الناتج المحلي الإجمالي.

6.     نسبة عدد العاملين في القطاع التجاري من إجمالي العاملين.

7.     عدد المؤسسات التجارية .

8.     التنوع في المنتجات المتداولة تجارياً.

9.     مبيعات الجملة والمفرد.

10.   مجموع المواد المنقولة في مختلف وسائل النقل.

11.   طاقات الحمل الساكن للبواخر.

12.   عدد الحاويات المنقولة براً وبحراً.

رابعاً:-مؤشرات في الطاقة

1.     إنتاج الطاقة من المصادر الناضبة واستهلاكها ونسبة استهلاك كل منها من إجمالي الطاقة المستهلكة(النفط-الفحم-الغاز الطبيعي...)

2.     إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة واستهلاكها ونسبة استهلاك كل منها من إجمالي الطاقة المستهلكة(الرياح-الشمسية-مولدة من باطن الأرض...).

3.     التحول في الاستهلاك من الطاقة الناضبة إلى المتجددة.

4.     انبعاث الكاربون والكلور والفلور.

5.     المعدل السنوي لاستهلاك الكهرباء لمجموع السكان ومعدل استهلاك الفرد .

6.     تدوير النفايات واستخدامها في إنتاج الطاقة.

7.     الاحتياطي من مصادر الطاقة.

8.     مدة حياة الاحتياطات المؤكدة للطاقة.

خامساً:-مؤشرات في السياحة

1.     عدد السياح القادمون من الخارج والداخل.

2.     عدد الفنادق وسعتها ودرجاتها.

3.     عائدات السياحة السنوية.

4.     مساحة المراكز السياحية وعدد العاملين فيها.

5.     القيمة المضافة لقطاع السياحة.

6.     مساحة الأراضي المفتوحة والمتنزهات.

7.     المناطق المخصصة للاستجمام.

8.     الفعاليات الفنية ومهرجاناتها.

9.     مساحة المسطحات المائية المخصصة للسياحة وصيد الأسماك للهواة.

10.    مواقع التزلج.

11.   المواقع الأثرية والسياحية.

12.    عدد الرحلات والقوافل السياحية.

13.    عدد شركات السياحة والتسهيلات القائمة.

14.    مدى مشاركة السكان المحليين في المهرجانات الفنية السياحية.

سادساً:-مؤشرات في النقل والاتصالات

1.     إنتاج السيارات ونسبته من الإنتاج العالمي.

2.     أنتاج الدراجات وامتلاكها واستخدامها.

3.     معدل السفر جواً.

4.     معدل الرحلات المقطوعة.

5.     عدد خطوط الهاتف لكل 1000 فرد.

6.     نسبة المشتركين بشبكة الانترنيت إلى مجموع السكان.

7.     الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن حركة النقل.

8.     ترتيب الدولة في تكنولوجيا الاتصالات.

9.     عدد المكالمات الهاتفية

10.    استخدام الحاويات في النقل.

سابعاً:-مؤشرات في المالية

1.     عدد القروض المقدمة للشركات والأفراد.

2.     نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

3.     النسبة المخصصة للبحث والتطوير.

4.     قيمة الموجودات الثابتة في الصناعة والتجارة.

5.     توزيع الثروة.

6.     توزيع الدخل وخاصة نصيب المناطق الريفية منه.

7.     عدد ساعات وأيام العمل في البلاد.

8.     عدد و قيمة الودائع المصرفية بأنواعها.

9.     الناتج المحلي من وجهة نظر بيئية.

10.    متوسط الدخل اللازم لاشباع الحاجات الأساسية ومنها الغذاء.

11.    ثمن المسكن إلى دخل الأسرة.

12.    نسبة الديون من الناتج الإجمالي.

13.    الإعانات الحكومية من الناتج الإجمالي.

14.  نسبة خدمة الديون إلى الصادرات.

مصادر الفصل الخامس

-

د. باسم سيفي, التنمية المستدامة في الزراعة والأمن الغذائي , مجلة قضايا استراتيجية, مؤسسة سيفي للتنمية المستدامة-بغداد, دار المعري للطباعة , بغداد, العدد 2, 2013.

-

د. رواء زكي يونس الطويل, التنمية المستدامة والأمن الاقتصادي, دار زهران للنشر والتوزيع, عمان, 2010.

-

طلال أبو غزالة وآخرون, دور القطاع الخاص في مسار التنمية المستدامة وترشيد الحكم في الأقطار العربية , المنظمة العربية لمكافحة الفساد, المركز العربية للأبحاث ودراسة السياسات, بيروت,2013.

-

د. عبد الزهرة علي الجنابي, الجغرافيا الصناعية, دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع, عمان, 2013.

-

د. عبد الزهرة علي الجنابي, الجغرافيا العامة , الطبيعة والبشرية, دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع, عمان, 2017.

-

د. عثمان محمد غنيم, د. ماجدة أبو زنط, التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها, ط2, دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع, عمان, 2014.

            الفصل السادس :

الجغرافيا والتنمية البشرية المستديمة

الفصل السادس : الجغرافيا والتنمية البشرية المستديمة

1.6. التنمية من أجل التنمية

       أخذت الأبحاث عن التنمية مدىً واسعاً من الاهتمام الفكري أولاً مطلع القرن العشرين من خلال المماحكات الفلسفية بين مؤيدي المذاهب الاقتصادية المختلفة وخاصة بعد دخول الفكر الماركسي ميدان التطبيق بإنشاء الدولة السوفيتية واتحادها الجديد. ولقد كانت الصبغة السائدة عن التنمية هي الاقتصادية منها, ولقد تعزز هذا الاتجاه خلال اربعينات القرن الماضي, حيث اتجهت الدول التي أنهكتها الحرب الكونية إلى وضع برامج تنموية طموحة لإعادة بناء اقتصادياتها المدمرة مسترشدين بنظريات التنمية التي كانت تؤكد حتى هذا الوقت على اعتبار التنمية الاقتصادية المفتاح الأساس لإعادة البناء , أي أن حل المشكلات كان يعتمد على زيادة معدلات النمو وتعظيم الإنتاج, وكان الاعتقاد السائد أن نمو الإنتاج كان كافياً لتحقيق نمو اجتماعي وثقافي, ويقلل من الفروقات الإقليمية والاجتماعية. وصار نصيب الفرد من إجمالي الناتج القومي هو المؤشر الذي يكاد يكون وحيداً في قياس مستويات النمو, وارتفاعه النسبي هو الهدف المنشود من وراء برامج التنمية واستراتيجياتها المختلفة.

       ومع وجود بعض الاضاءات التي بدأت تتبلور في خطط التنمية في بريطانيا وفرنسا, إلا أن الاتجاه العام كان لا يزال ماضياً باتجاه واعتبار التنمية مرادفة لنمو الإنتاج المحلي, بمعنى أن مؤشر التنمية هو الناتج المحلي ونصيب الفرد منه, وبهذا ظلت زيادة الإنتاج هدفاً بحد ذاتها من دون مضمون أو دلالة على بعد آخر. ولم يكن في هذا وجه غرابة, لان هذه الاتجاهات هي المعبّر عن وجه وحقيقة اقتصاد السوق, وأي منحى آخر كان من الصعب أن يجد له طريقاً نحو التطبيق.

2.6. فشل أطروحات التنمية  

       بُعيد منتصف القرن العشرين تكون معظم دول العالم الثالث قد حصلت على استقلالها السياسي, وبدأت مشوارها في التنمية, ونظراً لقلة قواعد التنظير عندها , فقد استلهمت ذات الفكر التنموي الذي أنتجته اقتصاديات السوق.

       وسواء كان في دول الشمال أم دول الجنوب النامية فإن المنطلقات الفكرية للتنمية ظلت واحدة, وإذ كانت دول العالم الثالث تأمل من التنمية أن تحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية , فإن التقسيم العالمي للإنتاج والتجارة الدولية قد أبقاها منتجة ومصدرة للمواد الأولية التي تتراجع أسعارها باستمرار عكس المنتجات الصناعية. وعلى الرغم من النتائج الايجابية التي حققتها بعض هذه الدول وخاصة في جنوب شرق آسيا باعتمادها سياسة إحلال الواردات , حيث حققت نسب نمو معتبرة وقياسية في نفس المدد (6.7% في المدة ما بين 1961-1965 وبحسب تقرير البنك الدولي), إلا أنها فشلت في تحقيق التنمية لشعوب العالم الثالث(بلمداني , ص42).

        إن التنمية المستهدفة لم تنعكس إيجابا على ظروف عيش الناس والمجتمعات, فزيادة الثروة لم تتجه نحو عدالة التوزيع, ولقد تبين لاحقاً أن الأغنياء قد ازدادوا غناً, والفقراء ازدادوا فقراً, كما أن الريف ظل يطرد ساكنيه وازداد الفقراء في المعمورة, واضطر عدد غير قليل إلى الاستدانة تحت شروط قاسية لتسوية موازين مدفوعاتها أو لتمويل مشاريعها للبنى التحتية والخدمات, فضلاً عن عجزها في تمويل مشاريع التنمية. وشهدت دول الجنوب هجرة حادة من الريف إلى المدينة, وتراجع إسهام الزراعة في ناتجها المحلي, فيما فشلت سياسات التصنيع من بناء صناعات قوية برغم الحماية, حيث تعثرت قدراتها على المنافسة في الأسواق العالمية.

      وكحصيلة لما سبق تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 1999 إلى إن في المدة من 1974-1999تضاعف عـــــدد الفقراء في العالم مرتين , وارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون دون خط الفقر (أقل من دولار واحد يومياً) ما بين عامي 1987و 1993 ب 100 مليون ليصل عددهم إلى 1300 مليون إنسان (UNDP. P.5) , حتى أن بعضاً من هذه البلدان بدأت تعاني من مشكلة جديدة تمثلت باستنزاف مواردها الطبيعية , وكان السبب الرئيس في هذه الفوضى هو غياب البعد الاجتماعي عن التنمية, وفي أوجز تعبير فقدان مبدأ العدالة.

       وقد شهد التقدم في مكافحة الفقر للمدة 1990-2005 توقفًا وازداد انتشار الجوع من 16% عام 2006 إلى 17% عام 2008, كما ازداد معدل البطالة فتراوح ما بين 6.1-7% لدى الرجال وما بين 6.5%-7.4 لدى النساء (العصيمي. ص ص 62-63).

      ومع ازدياد عدد الساكنين في المدن يزداد عدد الفقراء وخاصة في الدول النامية, وخلال التسعينات من القرن الماضي وبسبب النمو السريع للمدن فقد ازداد عدد السكان الذين لا يحصلون على مياه شرب نقية, فيما قدر إن 8% من أطفال الدول النامية يموتون دون سن الخامسة حتى الآن, وهناك الملايين من الأطفال لا يتعلمون, وأن 60% منهم إناثاً . (باتر , ص 202) .

 

3.6. التنمية والإنسان

      جاء في إعلان الأمم المتحدة عام 1986 حول حق الشعوب في التنمية الآتي: إن التنمية عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية جميع السكان والأفراد والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

      إن هذا الإعلان يلخص ويبلور أفكاراًَ جديدة عن التنمية وأبعادها وأهدافها ومفادها إن الإنسان يجب أن يكون محور التنمية, فهو الغاية والوسيلة لها في آن واحد, وما لم توظف نتائجها إيجاباً في حياته فإنها ضرب من العبث وإضاعة للجهود والأموال والوقت, والأصل في التنمية هدفاً وأولوية يجب أن يكون بناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية, وليس أكثر نماءاً أو دخلاً. إن ما يجب استدامته هو الحياة الإنسانية, وأن البيئة الطبيعية ما هي إلا وسيلة لمثل هذه الاستدامة وليست غاية.

      إن إدخال البعد الأخلاقي للتنمية لم يكن ترفاً أو أفكاراً للمزايدة , بل سرعان ما أخذت طريقها إلى التأصيل النظري ثم التطبيق العملي, سواء على صعيد مؤسسات الأمم المتحدة أو على صعيد العمل الدولي الإقليمي وبهذا فقد اصبح الإنسان محور التنمية هدفاً ووسيلة, وليس مجرد مستفيد منها بدرجة أو بأخرى.

       وفي التأصيل النظري أُعيد احتساب مكانة رأس المال البشري متمثلا بالأفراد وقدراتهم الإنتاجية وصفاتهم الموروثة المكتسبة وقدراتهم على الإبداع ووضع في مقدمة رؤوس الأموال المعروفة والمعرّفة سابقاً بكونها رأس المال النقدي ورأس المال الطبيعي ورأس المال الاجتماعي, بل عّد في غير باب إنه يمثل ما يقرب من ثلثي ثروة الأمم, فلا ضير بعد ذلك من تبوئه صدارة الاهتمام وسعة في البحث عن مضامين تؤكد تلك الصدارة.

       ومن الإضافات النيرة لمفهوم المحتوى الإنساني للتنمية كانت مقولات أمارتياسن عام 1999 باعتباره التنمية رديفاً ومساوياً للحرية(نقلاً عن بلمداني , ص51).

     في هذا الخضم ولد مفهوم التنمية المستديمة وأخذت أبعادها الرئيسة والثانوية, وتدريجياً صار البعد الاجتماعي والثقافي للتنمية أصيلاً وأساسياً في المفهوم والمحتوى معاً, بل أن التنمية البشرية إصطلاحاً ومضموناً أصبحت رديفاً للتنمية المستديمة من زاوية بعدها الاجتماعي , وبفضل إسهامات نخبة من الاقتصاديين اللامعين بقيادة الباكستاني محبوب الحق وزملاءه أمارتياسن وكيث غريفين وعزيز خان الذين ضمهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بداية التسعينات, فقد تبلور منهج جديد بعمل الهيئات الدولية للتنمية وفقاً لمبدأ (الناس أولاً) حيث أن الناس هم الثروة الحقيقية للأمم, ولهذا يجب أن يكون الإنسان مركز التنمية وليس الثروة المادية (بلمداني , ص 50).

4.6. الأهداف الاجتماعية للتنمية المستديمة(التنمية البشرية المستديمة)

      إن العمل الدؤوب لهيئات الأمم المتحدة الإنمائية على وجه الخصوص قد قاد إلى تطابق الرؤيا عن المضمون الاجتماعي للتنمية المستديمة أو التنمية البشرية المستديمة, فكلها تجعل الإنسان منطلقاً وغاية, وتنظر إلى الطاقات المادية باعتبارها شرطاً من شروط تحقيق التنمية التي تمكن الإنسان من التمتع بحياة يرغب فيها طويلة وصحية وخلاقة(قادري , ص 82) .

      ومن جدلية التنمية البشرية والبعد الاجتماعي للاستدامة , فإن برامج الأمم المتحدة الإنمائية قد حسمت الأمر باعتبارهما قضيتان متلازمتان, فالتنمية البشرية تعني إفساح المجال أمام الإنسان ليعيش حياة مديدة يتمتع فيها بالصحة, ويحصل على التعليم, ويحقق ذاته. أما التنمية المستديمة في بعدها الاجتماعي فتعني الحرص على إفساح المجال ذاته أمام أجيال الغد, فالتنمية البشرية لا تكون تنمية بشرية ما لم تكن مستدامة. وإن التنمية البشرية تكمل النهج التقليدي للاستدامة. إن إنصاف الأجيال القادمة لا يقل أهمية عن الإنصاف بين أفراد الجيل الواحد(بحسب الأمم المتحدة) ولذا تلازم مفهوما التنمية البشرية والمستدامة, وصار الحديث عن أحدهما يعني الحديث عن الآخر موضوعاً ومضموناً.

     ولأجل نجاعة العمل التنموي لابد أن يكون مستلهماً للركائز أو العناصر الاجتماعية الأساسية للتنمية المستديمة والتي يمكن صياغتها بهيئة أهداف مركزية وكآلاتي:-

أولاً:-محاربة الفقر

     توصف حالة الفقر بعجز الإنسان عن توفير حاجاته الأساسية من تغذية وسكن وصحة وتعليم, إلا أن هذا التوصيف يختلف المهتمون بهذا الموضوع في تفصيله تبعاً لاختلاف وجهاتهم, فضلاً عن أحوال بلدانهم ومستويات عيش السكان فيها, فعلماء الاقتصاد مثلاً يعتمدون على مؤشر دخل الأفراد والأسر دالة لقياس حالة الفقر, فإذا كان دخل الفرد أو الأسرة غير كاف لمقابلة الغذاء والملبس والمأوى والعلاج يكون الشخص فقيراً, فيما ينظر آخرون لحالة الفقر من جهة نسق العلاقات الاجتماعية والقيم الثقافية والاجتماعية السائدة , وفيما إذا كان الناس يشاركون ويحيون حياة طبيعية من دون إقصاء في مجتمعاتهم.

         ومن وجهة نظر علماء السياسة تدخل مدلولات أخرى كالمشاركة في الانتخابات والتمثيل ويعدّون مشكلة الفقر مشكلة سياسية.

       إن اختلاف وتعدد وجهات النظر في محتوى ومضمون الفقر قد أضاف وقد يضيف مستقبلاً أبعاداً للمشكلة, إلا أن الأساسية منها يمكن حصرها بالأبعاد الاقتصادية متمثلة بتدني مستوى الدخل وعدم كفايته لسد الحاجات الأساسية, وضعف مقدرة بعض السكان على الحصول على احتياجاتهم سواء لأسباب مرضية أو تدني مستوى التعليم والافتقار إلى المهارات وسواها, والبعد الاجتماعي والسياسي والذي يتضمن حرمان أشخاص أو مجموعات من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بسبب التمييز والإقصاء سواء أكان مؤطراً بقوانين أو أعراف أو سلوكيات خاصة. وإذا كان البعد  الاقتصادي مؤشراً بتدني الدخل, فالأبعاد الأخرى تؤشر بضعف القدرة وغياب العدالة الاجتماعية في أنظمة الحياة القائمة.

       وبما أن مستويات عيش المجتمعات في بلدانهم غير متماثلة المستوى , كما ان هذه المستويات غير ثابتة زمانياً,  فقد أضحى مصطلح الفقر نسبياً, إلا إن الأمم المتحدة حاولت وضع مؤشر أسمته خط الفقر Poverty Line  أوPoverty Threshold  وهو أدنى مستوى من الدخل يحتاجه المرء في بلد ما, ولقد كان متعارفاً أن خط الفقر هذا قد حدد بدولار واحد يومياً, إلا أنه أُعيد حسابه ورفعه إلى 1.25 دولار في عام 2008, وفي عام 2011 رفع مرة أخرى إلى 1.90 دولار يومياً, وهذا المعيار المأخوذ به على المستوى العالمي, إلا أن خط الفقر في الولايات المتحدة للفرد دون سن 65 هو 11161 دولار سنوياً.

وللفقر أسباب عديدة منها المرض ونقص التعليم والحالة الاقتصادية العامة للبلاد وضعف النشاط الاقتصادي وسوء توزيع الدخل والأنظمة الاجتماعية السائدة وغيرها من الأسباب.

        وإذا كان هدف محاربة الفقر غائباً في أطروحات التنمية سابقاً, فقد أخذ موقع الصدارة في أطروحات التنمية المستديمة الجديدة, ويعد خفض نسبة الفقر مؤشراً أساسيا على صحة مسار التنمية .

       إن حالة الفقر نقيض لحالة الاستدامة, فالفقراء لا يسعهم التفكير بحالة البيئة وحقوق الأجيال القادمة , فهمهم الأكبر توفير احتياجاتهم الأساسية للبقاء على قيد الحياة, ما يجعلهم على هامش الحياة وعنصر كبح لخيارات التنمية, وبذلك فإن التخفيف من الفقر يعني حث الخطى نحو الاستدامة.

ثانيا:-تحسين نوعية الحياة

     ولابد من أن تتجه التنمية نحو تحسين حياة الناس, أي العيش بقدر جيد من الرفاهية في جانبيها المادي والمعنوي. إن من حقهم التمتع بخدمات صحية وتعليم وتغذية وسكن, وفي الوقت ذاته هم بحاجة إلى التسلية والثقافة والأمن والاطمئنان على حياتهم وأملاكهم . والأمر بذلك لا يتعلق باجتياز خط الفقر ومؤشراته المادية, إنما وبالذهاب إلى التمتع بالحياة ومباهجها, ما يجعلهم يعيشون حياة أطول وبسعادة أكبر.

ثالثاً:- توسيع قدرات البشر

     وهو الانتقال بالإنسان من التلقي إلى الفعل, وتمكين Empowerment الأفراد والجماعات من المشاركة في صنع القرار وفي رسم مستقبلهم , ويتحقق ذلك بتقوية وتحصين قدرات الأفراد والجماعات بالتعليم والتدريب والتنظيمات الاجتماعية حتى يتمكنوا من الإسهام في عملية التنمية وبناء المجتمعات والأوطان وصنع المستقبل لهم ولأجيالهم. إن التنمية تؤكد على توسيع الخيارات أمام الناس وخلق وسط يسمح بالتعددية وللطاقات بأن تتفجر, وللأشخاص أن يعبروا عن ذاتهم وأن يبدعوا وأن يختاروا الحياة التي يرغبون فيها .

رابعاً:-الحكم الرشيدGood Governance  والمشاركة الشعبية

      إن العمل باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية لن يكتب له النجاح في ظل أنظمة الحكم الاستبدادية والشمولية , إذ لابد أن يكون النظام السياسي حامياً للقانون ولحقوق الإنسان, وممثلاً صادقاً لعموم الشعب, كما أن البناء المؤسساتي فيه قادراً على تنفيذ هذه الرؤى والأهداف , فالنظام الديمقراطي ألتعددي الذي يشترك في بناءه الجميع من دون إقصاء او تهميش فقط هو القادر على استيعاب تطلعات الناس أفراداً وجماعات, ومحاربة الفساد وإنفاذ القانون وضمان مصالح الجميع.

      وبهذا ينبغي الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي والديني للقوميات والطوائف وحماية كيانها وخصوصيتها, كذلك حفظ حقوق الجماعات والأفراد فكرياً وسياسياً.

      إن نوعية الحكم هي متغير رئيس يمكن في ضوءه فهم أزمة التنمية الإنسانية وتفسيرها وإيجاد الحلول لها(حسنين توفيق, ص 26)

والحكم الرشيد من أولى واجباته الحفاظ على التوازن بين الأكثرية والأقليات وترسيخ قيم المواطنة بدلاً من الخصوصيات والانتماءات, ويسعى إلى تلاحم أبناء البلاد وتقوية الترابط بين أطيافه.

خامساً:-الحرية والمساواة

      وتبدأ من التوزيع العادل للثروة, وتساوي الفرص أمام كل أفراد المجتمع, وتنتهي بتأكيد موازين العدل بين الجماعات والطبقات وحماية حقوق المرأة والارتقاء بمستوى إسهامها بالحياة العامة والاقتصادية ويتوجب الاهتمام بها والمعاملة المنصفة لها وخاصة في مجال التعليم والعمل. إن الجوع والمرض والتعصب واللامساواة أوجه تضر كثيراً بالتنمية, وتقلل من قناعات الناس بمؤسسات الدولة والنظام الاقتصادي والمجتمعي السائد, مما يعني تراجع الإحساس بالمواطنة وتنامي روح العمل الفردي والاستئثار بدلاً من العمل الجمعي.

     إن الترافق بين التنمية والحرية قد أصبح حقيقة سواء في الأطر النظرية لمفهوم التنمية المستديمة, أو في البرامج الدولية لتحقيقها على الصعيد الدولي أو بما تضمنته برامج الأمم المتحدة.

      وإذا ما عدنا إلى ما تدعوننا إليه الأديان السماوية وعلى حد سواء المسيحية واليهودية والإسلام , لتبين إنها تدعو بعد التوحيد وترك الشرك بالله وكأسبقية الى العدل والإنصاف والإحسان, وتؤكد على أهمية الحكم الرشيد وصلاح الحكم. ولقد جسد الرسول محمد(ص) هذه القيم الإلهية سواء في وصاياه وأحاديثه للأمة أو في سلوكه وسيرته , فترك منهجاً للحياة الاجتماعية المستقيمة المؤطرة بقوانين سماوية أرادها الله نواميس تضبط علاقات الناس ببعضهم من أجل أن يحيوا حياة سوية ويسعدون فيها دنيا وآخرة وسمتها العدل وتحتل فيها الأسرة موقعاً بارزاً في المجتمع الإسلامي بدلاً من مكانة الفرد وطغيان حريته على حقوق الآخرين كما تفعل بعض الأنظمة الاقتصادية –الاجتماعية في عالمنا الراهن(رواء زكي, ص ص 150-151).

5.6. التنمية الاجتماعية المستديمة من منظور جغرافي

      قدمنا في الفصل السابق مدخلاً نحو مؤشرات التنمية الاقتصادية المستديمة من منظورها الجغرافي, وبينّا الترابط بين البعد القطاعي والمكاني في الدراسات الجغرافية, وإذ نحن بصدد المؤشرات الاجتماعية ومن ذات المنظور, نجد ذلك الترابط في هذا الفصل بنفس القدر من الأهمية, ولتأكيد السمة الجغرافية لما سيلي من مؤشرات لابد من القول أن ما تبينته الدراسات المختلفة وأكدت عليها من طرفها الأمم المتحدة من مؤشرات تقع أغلبها إن لم تكن بمجملها ضمن اهتمامات جغرافية السكان , الجغرافية الاجتماعية(جغرافية المجتمع) وجغرافية الفقر , سواء أكانت هذه المؤشرات قطاعية أم مكانية أو ممتدة عبر كليهما, فإن عنصر المكان فيها قائم ونعدّها ذات سمة جغرافية واضحة. وإن اجتهد آخرون بعكس ما ورد, فمرده حداثة الدراسات الجغرافية في المجال الاجتماعي والحاجة إلى مزيد من العمل الفلسفي والتطبيقي في هذه الميادين وبما ينسجم وفلسفة علم الجغرافيا المعروفة وفيما يأتي مجموعة من المؤشرات:-

أولاً:-مؤشرات لقياس التنمية المستديمة في أحوال السكان

1.     معدل النمو السكاني

2.     التركيب العمري ونسبة كل فئة من السكان إلى المجموع الكلي.

3.     أمد الحياة المتوقع.

4.     وفيات الأطفال الرضع.

5.     التركيب النوعي للسكان.

6.     التركيب البيئي للسكان ونسب التحضر.

7.     إحصاءات الهجرة والنزوح واتجاهاتها ومواسمها.

8.     التحويلات المالية للمهاجرين.

9.     تأثيرات حركة العمال الإقليمية على الأسر والمجتمع والاقتصاد.

ثانياً:-مؤشرات لقياس التنمية المستديمة في التعليم:-

1.     نسبة الأمية

2.     نسبة الملتحقين من الأطفال في المدارس الابتدائية.

3.     نسبة الملتحقين في المدارس الثانوية.

4.     نسبة الحاصلين على الشهادة الجامعية الأولية.

5.     الفروق في التعليم بين الرجال والنساء.

6.     الفروق في التعليم بين المناطق الحضرية والريف.

7.     كفاءة التعليم في مختلف مراحله: مدرسة/ألف من السكان, صف/عدد من الطلبة, عدد من الطلبة/معلم.

8.     نسبة طلبة المدارس المهنية وحصولهم على قروض عمل ميسرة وفرص عمل.

9.     نسبة الطلبة الراسبين في مختلف المراحل الدراسية.

10.   رياض الأطفال.

11.   نسبة الطلبة الذين يحصلون على غذاء مجاني.

12.   استخدام التلفزيون في التعليم .

13.   نسبة الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس الابتدائية  .

14.   عودة العقول من المهجر.

ثالثاً: -مؤشرات لقياس التنمية المستديمة في الصحة

1.     وفيات الأطفال الرضع.

2.     نسبة كلفة الخدمات الصحية من دخل الدولة والعائلة.

3.     نسبة السكان الذين يجدون صعوبة في الحصول على الخدمات الصحية.

4.     عدد الوفيات بالأمراض المختلفة.

5.     متوسط العمر المتوقع.

6.     التدخين: عدد المدخنين ونسبتهم إلى السكان.

7.     الإدمان: عدد المدمنين ونسبتهم إلى السكان.

8.     نسبة المشمولين بالتأمين الصحي.

9.     نسبة النساء الحوامل الحاصلات على رعاية صحية.

10.   كفاءة النظام الصحي: مستشفى/ عدد من السكان, سرير/عدد من السكان , طبيب/ عدد من السكان, كوادر وسطى/ عدد من السكان.

11.   معدل الولادات الخام, معدل الوفيات الخام.

12.   عدد السكان ونسبتهم المخدومون بالصرف الصحي

13.   عدد السكان ونسبهم المخدومون بماء الشرب الصحي.

14.   التلقيح ضد الأمراض وخاصة الأطفال.

15.   نسبة الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن.

16.   نسبة الأطفال الذين يحصلون على تغذية مجانية.

17.   نسبة استخدام وسائل تنظيم النسل.

رابعاً:- مؤشرات في السكن

1.     الكثافة الإسكانية.

2.     معدل مساحة المسكن.

3.     الحاجة إلى المساكن.

4.     متوسط أعداد الأفراد في الغرفة الواحدة.

5.     نسبة المساكن غير الصالحة أو المتدهورة.

6.     نصيب الفرد من مساحة السكن م².

7.     معدل ملكية المساكن.

8.     ثمن المسكن إلى الدخل.

9.     متوسط الإيجار السنوي نسبة إلى الدخل لذوي الدخل المتوسط.

10.   نسبة السكان الذين لا يمتلكون مسكن.

11.   الطلب السنوي على المساكن.

12.   نسبة وجود الحديقة في المنزل.

13.   وجود خدمات الصرف الصحي في المنزل.

14.   وجود خدمات الماء الصالح للشرب في المنزل.

15.   وجود خدمات الكهرباء في المنزل.

خامساً:-مؤشرات اجتماعية عامة

1.     مؤشر نسبة السكان دون خط الفقر.

2.     معدل البطالة.

3.     معدل البطالة للأقاليم والجماعات مقارنة بمعدل البلاد.

4.     الفروق في الأجور بين الرجال والنساء.

5.     الفروق المكانية في الأجور بين الأقاليم والجماعات.

6.     مؤشرات الجريمة: معدلاتها, أسبابها, أنواعها , توزيعها.

7.     جرائم الأحداث.

8.     التدخين.

9.     الإدمان.

10.   مستويات الرواتب والأجور.

11.   نصيب الفرد من الدخل.

12.   معدل كلفة الحياة.

13.   التباين الاجتماعي في مستويات الدخل, بين الرجل والمرأة.

14.   التباين المكاني في مستويات الدخل بين الأقاليم والريف والحضر.

15.   معدل استهلاك الكهرباء.

16.   معدل استهلاك الماء الصالح للشرب وعموم المياه.

17.   معدل الأمية لدى البالغين.

18.   أرباح المزارع الصغيرة

19.   ضمان الأمن الغذائي المنزلي.

سادساً:-مؤشرات مركبة

1.     مؤشر التنمية البشرية:-وهو مؤشر  ابتكرته هيئة الأمم المتحدة , ويقيس مستوى رفاهية الشعوب, وتصدر له تقريراً سنوياً منذ عام 1990 يجمع هذا المؤشر بين متوسط العمر المتوقع للفرد والتحصيل العلمي بما تتضمنه بياناته من عديد المتغيرات وأهمها معرفة القراءة والكتابة ونسبة الملتحقين بالدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية, فضلاً عن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي(علي عبد القادر, ص  ص 48-49). وأطلق عليه دليل التنمية البشرية أو مؤشر التنمية البشرية لقياس الانجاز التنموي الذي يتحقق في كل دولة.

2.     مؤشر الفقر البشري:- وقد وضعته الأمم المتحدة أيضاً , ويبنى باحتساب مؤشرات اجتماعية عديدة هي : نسبة السكان الذين لم يبلغوا سن الأربعين( لدلالته على حياة طويلة وصحية), نسبة السكان الذين لا يمكنهم الانتفاع بالخدمات الصحية ومياه الشرب, ونسبة الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن.

مصادر الفصل السادس

-

باتر محمد علي وردم, العالم ليس للبيع, الأهلية للنشر والتوزيع, عمان, 2003.

-

حسنين توفيق إبراهيم علي, الأبعاد السياسية لأزمة التنمية الإنسانية في الوطن العربي, مجموعة مؤلفين, النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة, في الدول العربية, الأبعاد السياسية والاجتماعية , المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, بيروت , 2013.

-

د. ديب كمال , أساسيات التنمية المستدامة, دار الخلدونية للنشر والتوزيع , الجزائر, 2015.

-

رانيا بلمداني, أثر السياسات التنموية في فرص العمل , حالة الجزائر, مجموعة مؤلفين, النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية, , المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, بيروت , 2013.

-

د. رواء زكي يونس الطويل, التنمية المستدامة والأمن الاقتصادي, دار زهراء للنشر والتوزيع, عمان , 2010.

-

زواوية أحلام, دور اقتصاديات الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الدول المغاربية, دار الوفاء القانونية, دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر, الإسكندرية, 2004.

-

د. سالم محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور للعلوم, بغداد, 2014.

-

د. عايد عبد الله العصيمي, المسؤولية الاجتماعية للشركات نحو التنمية المستدامة, دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع, عمان ,2015 .

-

د. عثمان محمد غنيم , د. ماجدة أبو زنط , التنمية المستديمة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها, ط2, دار صفاء للنشر والتوزيع, عمان, 2014.

-

علي راشد ألنعيمي وايرينا أومنلانك, اثر تنقل العمالة في التنمية المستدامة, مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية, أبو ظبي, 2014.

-

علي عبد القادر علي , ملاحظات استكشافية على النمو المستدام والتنمية في الدول العربية-الأبعاد الاقتصادية, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات , بيروت, 2013.

-

د. قادري محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق , مكتبة الحسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت, 2013.

-

كريمة كريم الفقر في ثلاث دول عربية, مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية, المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات, العدد 1, المجلد الأول, 2012.

-

د. محمد عبد العزيز ربيع , التنمية المستدامة, دار اليازوري للنشر والتوزيع, ط2, عمان.2015.

- United Nation Development program, Human development Report 1997, Human Development to Eradicate Poverty, New York, Oxford University Press, 1997.

                          الفصل السابع :

               الجغرافيا والبيئة المستدامة

الفصل السابع : الجغرافيا والبيئة المستدامة

1.7. مفهوم البيئة Environment

        وهي ذلك الجزء من العالم الذي يحيط بالإنسان ويؤثر فيه  ويتأثر به, ويستخدمه في أنشطته المختلفة, ويعيش فيه ويتعايش مع عناصره , سواء أكانت عناصر حية كالحيوان والنبات أو غير حية كالغلاف الجوي والتربة. ولو شئنا تحديد هذه العناصر , فنشير إلى إنها الأرض وغلافها الجوي وما عليها وما في باطنها . والبيئة وسط متنوع من مكونات كثيرة ولكل منها خصائص وصفات يحيا الإنسان وسطها, يستثمرها أو بعضها في أنشطة هي الأخرى متنوعة.

      وبهذا فإن البيئة تشتمل على الماء والهواء والتربة, وأيضاً رصيد الموارد المختلفة في وقت ما ومكان ما اللازمة لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته ( برنامج الأمم المتحدة للبيئة, الوثيقة رقم 8), أي أن البيئة تضم عناصر مادية طبيعية وفرها الخالق للإنسان, كما تضم بذات الوقت عناصر مادية وأخرى غير مادية أنجزها الإنسان في مسيرته الطويلة وتضم انجازاته الحضارية المختلفة.

      وقد أوجز مؤتمر البيئة الذي عقد في ستوكهولم عام 1972 تعريف البيئة بأنها (( كل شيء يحيط بالإنسان)) (فايق حسين جاسم, 2004, ص1).

      وإذ اختلفت تصانيف البيئة ومكوناتها ما بين الباحثين ,  إلا أن معظم هذه التصانيف تشترك في أساس مشترك مفاده ضرورة الحفاظ على البيئة وحمايتها من الضرر الذي تلحقه بها أنشطة الإنسان المختلفة . وإذا كانت البيئة مفهوماً واسعاً قد يختلف مضمونه ودلالته بحسب اتجاهات الباحثين , فإن البحث هنا يعني بالبيئة اصطلاحاً مكوناتها الأساسية الآتية:-

1.     البيئة الطبيعية المادية وتشمل الهواء والماء والأرض وما فيها وما عليها من موارد متاحة للإنسان يحصل منها على حاجاته الأساسية من غذاء وكساء ودواء ومأوى.

2.     البيئة الطبيعية الحيوية أو البيولوجية وتتمثل بالإنسان والحيوان والنبات.

3.     البيئة الاصطناعية التي صنعها الإنسان سواء كانت مادية أم قيمية أم فنية(تقنية).

وبالمقابل فإن المفهوم الايكولوجي للبيئة يقصرها على العناصر الحيوية وهي الكائنات المرئية وغير المرئية , والعناصر غير الحيوية وهي الماء والهواء والتربة.

        ومن الوجهة الجغرافية نرى إن البيئة اصطلاحاً تشتمل على عدة عناصر:-

1.     التفاعل بين مكونات البيئة الطبيعية بذاتها.

2.     التفاعل بين هذه المكونات والإنسان قدر تعلق الأمر بادراة هذه المكونات واستثمارها لصالحه.

3.     نتائج هذا التفاعل تأثراً وتأثيراً , سلباً وإيجاباً.

 

2.7. التوازن البيئي

       خلق الله الأرض وما عليها وما يحيط بها بنظام متوازن كلي, يتسع لجميع مكوناته الحية بالعيش مستثمراً ما حباه الله من موارد ليعيش رغداً على سطحها, وقد خلق الله الأشياء بأقدار وأحسن التقدير

((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ))............ (الآية 49 من سورة القمر) ,

((قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) ...........(الآية 30 من سورة الطلاق).

((وَالْأَرْضَ مَــــــــــــــــــدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِـــــــنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ))......... (الآية 19من سورة الحجر,)

((اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُـــــــــــــــــلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَـــــــــــامُ وَمَـــــــــا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ))............( الآية8 من سورة الرعد)

((الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ))..  .... (الآية 2 من سورة الفرقان)

 ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَــــــــــــــــلَقَ فَسَوَّى وَالَّــــــــــذِي قَـــــــــــدَّرَ فَهَدَى )) .......... (الآيات  1-3 من سورة الأعلى).

((وَالَّـــــــــــذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْــــدَ اللَّهِ مِــــنْ بَــــعْدِ مِيثَاقِـــــــهِ وَيَقْطَعُونَ مَـــــــــا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ  )) ..............   (الآية 25 من سورة الرعد).

((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا  )) ............ (الاية 56 من سورة الأعراف). 

         غير أن هذا التوازن الإلهي الأمثل مرهون بالاستغلال الأمثل لما أتاح الله من  موارد ومن دون الإضرار أو الإخلال الفادح بعناصر البيئة, فالبيئة قادرة على الاستمرار وتعويض النقص الحاصل في بعض عناصرها على أن يكون ضمن حدود العقلانية , إلا أن الاستثمار الجائر لقاعدة الموارد من دون الالتفات إلى قدرة الطبيعة على تعويض هذا النقص يؤدي إلى الإخلال بهذا التوازن بين عناصر البيئة , حتى لا يمكن التكهن بالعواقب الوخيمة التي تترتب على مثل هذا الإخلال , ليس في جانب ذات العناصر , بل في عناصر أخرى, فالخلل في معدل درجات حرارة الأرض ينتج عنه انقراض أصناف من النبات الطبيعي , تليها انقراض أصناف من الكائنات الحية , وقد لا يقدّر تماماً حجم الضرر على حياة الإنسان كونه يتناول قوته من أصناف ذاتها أو غيرها من النبات والحيوان.

        إن العوامل الأكثر أهمية في الإخلال بالتوازن البيئي هي كل من :-

أولاً:-الانفجار السكاني

ثانياً:-التكنولوجيا

      يشار في أغلب التخمينات إلى ظهور الإنسان بهيئته الحالية قبل ما يتراوح ما بين 250 000-500 000 سنة من الآن , إلا أن أول مدينة ظهرت على سطح الأرض قد تأخر قيامها حتى ما قبل 12 ألف سنة من الآن وذلك في أريحا في فلسطين .

       وقُدرّ أيضاً أن سكان الأرض كانوا بحدود 2 مليون عام 8000 ق.م, غير إنهم بدأوا تضاعفوا بعد ذلك مرة واحدة خلال 16  قرناً بعد هذا التاريخ, إلا أن التضاعف الثاني قد استلزم 150 سنة فقط فوصل عديدهم إلى 1608 مليون بحلول عام 1900, وتجاوز المليارين ونصف المليار منتصف القرن العشرين, وتجاوز السبعة مليارات بحلول عام 2012, من المتوقع ان يزيد عدد السكان عن 8190 مليون بحلول عام 2025.  

        إن هذا التزايد الهائل في أعداد سكان الأرض يتطلب زيادة في المساحات المزروعة لتوفير الغذاء والكساء والمساكن على حساب الطبيعة متمثلة بالنبات الطبيعي بغاباته ونباتاته وأحراشه , فضلاً عن السهول والمستنقعات , كما وتدهورت قرابة 2 مليار هكتار من أراضي العالم, وتأثرت جراء الضغط المتزايد حوالي ثلثي الأراضي الزراعية حول العالم. وبنتيجة الاستهلاك المتزايد للغذاء الناتج عن تزايد عدد السكان أو الفرد ذاته تأثرت مصائد الحيوانات والأسماك وتراجعت قدرتها على التعويض عن الصيد الجائر.

      أما في المجال التقني فقد كانت له تأثيرات من نوع آخر أكثر مفعولاً على حالة البيئة بالتزامن مع ما كان يحققه الإنسان من تطور في صنع آلاته ومعداته التي يستخدمها في حياته, ولقد بدأ وضوح هذا الأثر مع بدء التحول والتطور السريع في الإنتاج الصناعي منذ أوائل القرن الثامن عشر, وفي العقود السابعة والثامنة منه انطلقت بواكير الثورة الصناعية في أوربا ثم انتقلت الى الولايات المتحدة والى بلدان أخرى كثيرة في العالم.

      ولقد كان من أبرز مظاهر هذه الثورة إحلال الآلة محل الجهد العضلي وانتقال العمل الصناعي من المنازل أو ورش العمل الصغيرة إلى أبنية كبيرة يشتغل فيها عدد كبير من العمال, وعرف الإنسان الفحم واستخدمه مصدراً للطاقة , وأفاد منه ومن البخار في مجال تحريك وسائط النقل التي اخترعها بهيئة مكائن للاحتراق الداخلي, ثم عرف الإنسان الطاقة الكهربائية, وبدأ باستخدام النفط لا كمصدر للوقود فحسب بل مادة أولية في الصناعات الكيمياوية نهاية القرن التاسع عشر, فكان ذلـــــــك فتحاً جديداً في دنيا الصناعة( عبد الزهرة , 2013, ص  ص 41-44).

       وكنتيجة لهذه التطورات التقنية ظهر التنافس بين شركات الإنتاج وزادت مطالب الصناعة وتوسعت الأسواق, وتضاعف الضغط على الموارد الطبيعية والاقتصادية لتوفير مطالب الصناعة من مواد أولية ومصادر طاقة ومياه , فيما بدأت بيئة الإنسان  تتلقى ملايين الأطنان من المواد المدمرة للبيئة سائلة وصلبة وغازية مما تلفظه المصانع العملاقة وخاصة في الدول الصناعية الكبرى.

       ومنذ الحرب العالمية الثانية شهدت الصناعة ثورتها الثانية هي الثورة العلمية التكنولوجية( د. انطونيوس كرم,1984, ص30), فالعلاقة أصبحت عميقة بين العلم والصناعة, فزاد التشابك والتعقيد في الإنتاج الصناعي , وأدخلت على نطاق واسع عمليات إدارة الإنتاج آلياً بالاستفادة مما وفرته الأجهزة الالكترونية من معدات(د. عبد الزهرة, 2013, ص 44).

       فزاد الإنتاج الصناعي كماً وتعدد نوعاً وتعقد فناً, لكنه بدا أكثر ضرراً على البيئة واشد قسوة عليها مما سبق.

       وبنتيجة عاملي الانفجار السكاني والتطور التقني إختل التوازن البيئي وتعرضت بيئة الإنسان إلى أضرار لم يعد بالإمكان إصلاح بعضها, وقد حذر عز وجل الإنسان من مغبة تجاهل ذلك بقوله ((وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) .... (الآية 47 من سورة الأعرافـ) , غير إن هذا التحذير لم يجد صدى مناسباً من الإنسان فكان قوله الحق فيهم((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))...... (الآية 41 من سورة الروم) .

        إن العلاقة المتبادلة بين جميع الكائنات الحية من جهة وعناصر البيئة المحيطة من جهة أخرى وبدون تدخل خارجي, تُظهر توازناً بيئياً وتنظيمياً ذاتياً لتلك العلاقة, فالنباتات تحوّل المواد غير العضوية الى مواد عضوية لتتغذى عليها, وتعتمد الحيوانات على النباتات في تغذيتها, وتتغذى الملايين من الكائنات الحية الموجودة في التربة على المخلفات الحيوانية والنباتية. ويتغذى الإنسان ويستمد طاقته من النباتات والحيوانات والموارد الطبيعية الأخرى الموجودة في بيئته. وبرغم هذا التعقيد فقد حافظت البيئة على توازنها الطبيعي لملايين السنين الماضية, إلا أن هذا التوازن بدأ يتعرض إلى الخلل بسبب التدخل البشري اللامحدود في بيئته, ومع تزايد التجمعات السكانية وزيادة أعداد وطاقات المصانع ازدادت فضلات الإنسان ومصانعه كماً وصفاتها تدنياً, وبدأ يرمي بها في مجاري الأنهار والبحار, وتصاعدت الأبخرة السامة من العديد من مصانع المواد الكيمياوية وسواها فانتشر التلوث وأحدثت الفضلات خللاً في النظام البيئي المتوازن(د. عبد الزهرة, 2013, ص309).

3.7. التلوث البيئي Environmental Pollution

       يعرّف التلوث Pollution بكونه حدوث تغيير وخلل بين العناصر المكونة للنظام البيئي بحيث تُشل فاعلية هذا النظام وتفقده القدرة على إداء دوره الطبيعي , في التخلص الذاتي من الملوثات بالعمليات الطبيعية. والملوث هو أية مادة لا توجد طبيعياً في البيئة أو توجد بتركيز أكثر من تركيزها العادي وبدأت تؤثر في الطبيعة بطريقة ينجم عنها آثار غير مرغوبة فيها وسلبية على حياة الإنسان والحيوان والنبات, وعلى الصناعة والموجودات الجمالية والحضارية(د. عبد الزهرة ,2001 , ص 47). وكما يمكن تعريف التلوث بأنه إدخال النفايات أو فائض الطاقة بواسطة الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة مسببة أضـراراً إلى الإنسان نفسه وسكنه وكل الأشياء المتعلقة به Wood),  ص1).

      إن من الممكن التعبير عن أغلب صور التلوث البيئي بالآتي :-

أولاً:-التغير المناخي, وهو ما يحصل في الغلاف الجوي من تغيرات خارج إطار المألوف كالتغير الحاد في الظواهر الجوية وميلها إلى التطرف, والتبدلات المماثلة في عناصر المناخ ذاتها, فضلاً عن تغير نوعية الهواء.

ولهذه التغيرات أسباب جدية أهمها انبعاث غاز ثاني الكاربون من المصانع ووسائل النقل والاستخدام المتزايد لمصادر الطاقة الاحفورية وهي الفحم والنفط والغاز, وإدخال مزيد من الملوثات والكيمياوية الى الاستهلاك مثل المبيدات والأسمدة والمطاط والبلاستيك والكبريت والأحماض والزيوت والعطريات وسواها. إن هذه الانبعاثات أدت إلى تضاؤل طبقة الأوزون ما نجم عنه تغير في نوعية الهواء وخصائصه , ومن ثم ظهور اختلالات عميقة في خصائص المناخ والظواهر المناخية السائدة, ولعل من أمثلتها الجفاف والأمطار الغزيرة والفيضانات والعواصف الترابية والغبار العالق واتجاهات الرياح وسرعتها وارتفاع وتيرة الكوارث الناتجة عن مثل هذه التغيرات, فضلاً عن تردي نوعية الهواء وخاصة فوق المدن الكبرى المكتظة بالسكان أو المصانع.

ومن أهم مظاهر التغير المناخي هي ارتفاع درجة حرارة الأرض واتساع فتحة الأوزون , وفيما يأتي عرض موجز لكل منهما:-

§      ارتفاع درجة حرارة الأرض وهي ما تسمى بالدفيئة Greenhouse أو ظاهرة الاحتباس الحراري, وتتمثل بارتفاع درجة الحرارة السطحية لكوكب الأرض بسبب تزايد نسبة بعض الغازات في الجو أكثر من نسبتها الاعتيادية وهذه الغازات هي بخار الماء, اكاسيد الكاربون co  , أكاسيد النتروجين  No, غاز الميثان CH4, غاز الأوزون  O, ومركبات الكلور وفلوروكربون CEC هذه الغازات والأبخرة موجودة في الجو وعملها تنظيم التبادل الحراري بين الأرض والفضاء, حيث لها القدرة على امتصاص الموجات الطويلة المنعكسة من الأرض, فضلاً عن المماثلة الخطرة القادمة من الفضاء إلى الأرض . ولإطلاق مقادير ضخمة منها من الأرض متزامناً مع الثورة الصناعية فضلاً عن عوامل طبيعية كالبراكين وحرائق الغابات وبشرية أخرى كالتفجيرات النووية وإطلاق المركبات, فقد ارتفعت نسب هذه الغازات في الجو, وبنتيجة امتصاصها العالي للأشعة المنعكسة من الأرض واحتفاظها بها فقد ارتفعت حرارة الأرض ومن المتوقع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في القرن الحالي والى إنها قد ترتفع خلال هذا القرن ما بين 2-5 درجات مئوية, ونجم عن ذلك جملة من الظواهر السلبية منها: الفيضانات , الجفاف , فقدان الغطاء النباتي, تذبذب الأمطار, حرائق الغابات, ظاهرة التصحر, انقراض بعض أصناف النباتات والحيوانات والطيور, كوارث بيئية كموجات المد العالي, ذوبان القمم الجليدية, ارتفاع مستوى سطح البحر وتهديد المدن الساحلية والموانئ.

§      اتساع فتحة الأوزون :-وهي طبقة من طبقات الغلاف الجوي , وتتواجد في طبقة الستراتوسفير, وتعود التسمية إلى أنها تحتوي على غاز الأوزون  O3, وهي على ارتفاع ما بين 30-50 كم عن سطح الأرض وبسمك يتراوح ما بين 2-8 كم. وفائدة طبقة الأوزون هي امتصاصها للأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس فلا يصل منها إلا كميات محدودة جداً من تلك الأشعة السامة, ولو قدّر وإن وصلت بكميات أكبر لتسببت في قتل الإنسان والحيوان والنبات.

أظهرت الدراسات تضاؤل سمك طبقة الأوزون فوق القطبين الجنوبي والشمالي, وبنسبة أكبر على الجنوب لكونه ابرد من الشمالي حيث البرودة تزيد من سرعة عملية هدم الأوزون. وقدرت عدة دراسات إن النقص الحاصل في طبقة الأوزون أصبح بنسبة  5-10% من حالتها الاعتيادية وقد دلت تقارير الأقمار الصناعية على وجود ثغرتين في طبقة الأوزون الأولى  والرئيسة والأقدم فوق القطب الجنوبي قدرت مساحتها بما يعادل مساحة الولايات المتحدة الأمريكية يتناقص فيها الأوزون بنسبة 40 ــ 50% وهي في اتساع عام بعد آخر .

والثانية رصدت عام1988 فوق القطب الشمالي وتتمركز على سماء النرويج ويتناقص فيها الأوزون بنسبة 20% عن معدله الاعتيادي. تعود أسباب النقص إلى الإنتاج والاستهلاك العالمي العالي من مركبات الكلوروفلور كربون* وأكاسيد النتروجين والتجارب النووية والانفجارات  البركانية . إن التعرض لكميات عالية من الأشعة فوق البنفسجية بسبب تضاؤل طبقة الأوزون أو ثقبها يعرض الكائنات الحية إلى أخطار, فالإنسان يصاب بالحروق الجلدية وسرطانها, وأمراض العيون وضعف جهاز المناعة  وتلف الحمض النووي وأمراض في الجهاز التنفسي والأزمات الصدرية , وللنبات انخفاض نسبة النمو والتمثيل الغذائي, وللحيوانات أمراضاً مشابهة للإنسان , فضلاً عن تعطيل السلاسل الغذائية في البيئة البحرية وفقدان التنوع البيولوجي في البيئات النهرية والبحرية وتراجع غلة مصائد الأسماك كما إن الخلل ذاته في طبقة الأوزون يسبب اضطرابا في مناخ الأرض .

ثانياً:-نفاذ الموارد الطبيعية ونضوبها جـــــراء الاستغلال الجائر لثرواتها , فالعالم مثلاً ينتج سنوياً من الحديد ما مقداره 2.9 مليار طن ومن النحاس 16.8 مليون طن , ومن الكبريت ما يزيد عن 30 مليون طن, وزاد الإنتاج العالمي من الفوسفات عن 215 مليون طن سنوياً. أما من مصادر الطاقة الاحفورية ذات الأثر البالغ على حالة البيئة فقد تجاوز الاستهلاك مـــــــــــــن النفط سنوياً 4 مليار طن, ومن الغاز الطبيعي 3439 مليار م³, فيما اقترب الإنتاج العالمي من الفحم من 8 مليار طن في السنة(د. عبد الزهرة , 2017, صفحات مختلفة), وفضلاً عن الاستهلاك غير المتوازن لهذه المواد لصالح سكان الدول الغنية على حساب الفقيرة, فإن أدخنتها المتصاعدة تتسبب في قتل الملايين سنوياً, فيما يتوقع مضاعفة استهلاك مصادر الطاقة خلال العقدين القادمين. ومن المؤكد إن هذا الاستغلال يأتي على حساب حصص الأجيال المقبلة منها, حتى أن الكثير من احتياطاتها في بلدان عديدة قد قاربت على النفاذ أو أنها تقلصت حالياً, وإذا بقيت معدلات الاستهلاك الحالية سيشهد العالم نفاذ كثير من هذه الثروات وتشير الدراسات إلى الاعتقاد بأن العمر المتوقع لنفاذ النفط سيمتد إلى 40 عاماً والغاز الطبيعي إلى 60 عاماً فيما الفحم إلى 200 عام( ديب , ص 60).

ثالثاً:-استغلال المزيد من الأراضي الزراعية , والضغط أكثر فأكثر على المستغل منها للزراعة, فيضاف مزيد من المساحات للزراعة على حساب السهول والهضاب وسفوح الجبال والمستنقعات , وفي كثير من الأحيان خرجت ملايين الهكتارات جراء الاستغلال المفرط لمكوناتها من دون أن يقابل ذلك تعويض مناسب , ويقدر أن 2 مليار هكتار من الأراضي قد تعرضت تربتها إلى التدهور أي ما تمثل ثلثي مساحة الأراضي الجافة في العالم أي حوالي ثلث أراضي العالم وتتعرض الى مخاطر تحولها إلى أراضي صحراوية , ومن جانب آخر فإن التعويض يأتي غالباً باستخدام مكثف للمخصبات وللمبيدات مما يؤثر سلباً مرة أخرى على حالة التوازن البيئي.

رابعاً:-تراجع المساحات المخصصة للغابات والحشائش, وإذا كانت الغابات الاستوائية تمثل أبرز صورها, فإنها تأثرت أكثر من غيرها , حيث أزيل الجزء الأكبر منها  وحلت محله زراعة محاصيل مثل قصب السكر والرز والذرة والقطن والشاي أو زراعة أشجار المطاط والمانجو والكاكاو والموز.

ويصدق هذا الكلام على مناطق الحشائش المدارية (السفانا) وحشائش العروض الوسطى, فالأولى حل محلها زراعة القطن والذرة والسمسم وفستق الحل, والثانية حل محلها زراعة القمح والشعير والشوفان .

خامساً:-ويعتمد بنو البشر على الأمطار في الحصول على المياه العذبة حيث تغذي الأنهار ومكامن المياه الجوفية, إلا أن الإخلال البيئي في حالة الأمطار من جهة والاستنزاف المفرط للمياه العذبة المتاحة من جهة ثانية, وتلويث هذه المياه العذبة وخاصة في شمال أفريقيا وغرب آسيا سواء لأغراض الزراعة أو الشرب من جهة ثالثة قد أدى الى عواقب وخيمة بتراجع إمدادات المياه, وبمقدار أكثر سوءاً المتاح منها لأغراض الزراعة . ومع تزايد استهلاك المياه للاستخدامات المختلفة , تزداد حدة المعاناة من شحة المياه , ويقدر حالياً أن نصف سكان الأرض يعانون من ضغوط بدرجة أو أخرى للحصول على كفايتهم من المياه العذبة النظيفة. ولا تتوفر مياه شرب نظيفة حالياً لحوالي 1.2 مليار شخص ومن المتوقع ومن المتوقع إن ثلثي سكان كوكبنا سيعانون من شحة المياه بحلول عام 2025.

سادساً:-تعرض التنوع الحيوي إلى الخطر , حيث تتعرض سواحل البحار والمحيطات ومصائد الأسماك إلى كثير من الأخطار البيئية الناجمة عن حركة السفن التجارية وتلوث مياهها تارة, وتارة أخرى إلى الصيد الجائر وعجز الطبيعة عن تعويض هذا الصيد ما يهدد التنوع الإحيائي بشدة ويعرّض ألاف الفصائل الحيوانية والسمكية للانقراض , فيما انقرض المئات منها بالفعل حتى الآن.

سابعاَ: زحف المناطق الحضرية على ما يجاورها من بساتين وأراضي زراعية وتحويل طبيعة استعمالها من زراعي أو خضراء إلى مستوطنات دائمية أو مؤقتة.

ثامناً: التصحر الناتج عن عمليات التعدين وخاصة السطحي, حيث تتحول الأراضي التي تجري فيها عمليات التعدين إلى مناطق مقفرة خالية من الحياة, وفي جانب آخر تتهدد عمليات الجرف والكثبان الرملية والتملح وتدني الإنتاجية مساحات واسعة من الأراضي.

تاسعاً: تلوث التربة والمياه والغلاف الجوي: يصنف التلوث بحسب طبيعة الملوثات إلى تلوث كيميائي أو فيزيائي وبيولوجي وإشعاعي وضوضائي.

       تتعرض البيئة الى مثل هذه الملوثات طبيعياً عند حدوث البراكين والأعاصير والزلازل والعواصف, غير أن البيئة الطبيعية قادرة على تجديد مواردها تلقائياً وإعادة التوازن والتكيف مع ما تطرحه الطبيعة ذاتها من ملوثات, إلا أن الخطر يتمثل بالتزايد الهائل للملوثات غير الطبيعية التي تنتج عن أنشطة الإنسان المختلفة في الصناعة والنقل والزراعة والتجمعات السكنية الكبيرة والتفجيرات الذرية والحروب, حتى أن آثارها البيئية تجاوزت أماكن تسببها في الأقاليم والدول إلى عموم المنظومة البيئية لكوكب الأرض.

       ولقد أصاب التلوث كل عناصر البيئة بأضرار يتعذر إصلاحها, ويتوجب العمل المنظم والمنسق الفردي على صعيد الدول والجماعي على مستوى العالم ككل للحد من مسببات التدهور ونتائجه السلبية على حياة الإنسان والحيوان والنبات, فضلاً عن الاضطراب الحاصل في المنظومة البيئية الكونية وتوازن مكوناتها.

4.7. الاستدامة البيئية

     إن الأرض ومحيطها الجوي ملك لسكان الكوكب الحاليين بغض النظر عن مناطق سكناهم فمركبهم واحد, ومثلما هي كذلك فأنها كانت الموئل للسابقين وسيخلّفها الخلفاء الى اللاحقين, أي أن الجميع ينعم بخيرها ويتشارك في تلقي نتائج الاستغلال العبثي لقدراتها ومواردها, وصار يقيناً ضرورة الاشتراك الجمعي في استدامة صلاحها وثم فلاحها في إكرام الإنسان والنبات والحيوان بجمائل مكنوناتها. والاستدامة في البيئة تتضمن مثل هذا المفهوم القائم على الافادة من دون ضرر , والاستمتاع من دون شراهة, ومن اجل إنفاذ التوجه الأخضر هذا يمكن رسم الأهداف البيئية الأساسية المتعلقة بالاستدامة بالآتي:-

أولاً: التوقف عن الإضرار بمناخ الأرض والتسبب في تدهور طبقة الأوزون, والحفاظ على نوعية الهواء, والمراقبة المستمرة لأحوال الغلاف الجوي, والعمل على رفع مستوى الوعي البيئي وترسيخ قيم المسؤولية الأخلاقية الجماعية في الحفاظ على جو الأرض وسلامته.

ثانياً: اعتماد الاستدامة بقوة في مجال استهلاك الطاقة وتدويرها وانبعاثاتها وبدائلها وترشيد استهلاكها وخاصة المصادر الناضبة منها, حيث يعتبر قطاع الطاقة أكبر مسبب لتلوث البيئة ومستنفذ لمواردها.

ثالثاً: مراعاة التوازن بين الموارد الطبيعية وطاقاتها الاستيعابية من جهة واستثمارها من جهة أخرى, بما يحفظ حقوق الأجيال, فضلاً عن اعتماد مبدأ العدالة بين المجتمعات في هذا الاستثمار. وتشمل هذه الموارد أنواعاً كثيرة إلا أن أهمها هي: التربة , المياه العذبة, الثروات المعدنية, مصائد الأسماك, السواحل النهرية والبحرية, استعمالات الأرض المختلفة وسواها, وعلى أن لا ينتج عن الضغط البشري على الموارد تأثيرات بيئية كبيرة.

رابعاً: المحافظة على التنوع الإحيائي من النباتات والحيوانات من جهة أنواعها وإعدادها ومواطنها والاستخدام المستدام لموجوداتها.

خامساً: تكامل النظم البيئية وإدارتها من دون الإخلال بجوانبها المختلفة باعتبارها كلاً لا يتجزأ , والمخاطر التي يتعرض لها أحدها تنتقل بالتأكيد لتصيب كل النظام البيئي لكوكب الأرض بأضرار قد تكون محسوبة النتائج أو قد لا تكون منظورة .

وتتحقق استدامة النظم البيئية بالمحافظة عليها في مستويات صحية وإلى المدى الذي تكون فيه هذه المستويات تتجه نحو التحسن لا إلى التدهور ولا بد من التأكيد على العمل المؤسساتي والدولي في حماية البيئة العالمية.

خامساً: إدخال حسابات الكلفة البيئية للنشاط الإنتاجي البشري في الزراعة والصناعة والنقل وسواها, فلم يعد مقبولاُ حساب كلف الإنتاج المجردة من عامل البيئة . إن كلفة الإضرار بالبيئة وكلف إصلاحها يجب أن تدخل ضمن الحسابات الكلية للإنتاج, وعندها تحسب الجدوى الاقتصادية بشكل صحيح ومستدام.

5.7.  محاسبة التكاليف البيئية

       إن التنمية التي اُعتمدت آلياتها في القرن العشرين قد أفضت إلى مشكلتين أساسيتين فيما يتعلق بموضوع البحث , الأولى مشكلة استنزاف الموارد الطبيعية كالخامات المعدنية والتربة وموارد المياه ومرتكزات الحياة البيئية, والثانية هي الأضرار التي سببتها وتسببها أنشطة الإنسان المختلفة للبيئة. ولقد مر زمن طويل من دون أن يلتفت أحد إلى حساب كلفة هذه الأضرار , فحسابات كلف الإنتاج لم تتطرق إلى تضمين كلفة الأضرار البيئية أو كلفة إصلاحها حتى ستينات القرن الماضي وذلك من خلال الربط بين علمي البيئة والاقتصاد وظهور علم اقتصاديات البيئة, وتفصيلاً إنتبه المعنيون إلى ضرورة حساب كلف الإنتاج الإجمالية بضمنها كلف الأضرار البيئية وإعادة الإصلاح ما سمي لاحقاً بالحسابات الخضراء أو التكاليف البيئية.

       تصنف هذه التكاليف على صنفين:-الأول جزئي على مستوى المنشأة الواحدة ويحسب الكلف الآتية:-

1.     القيمة النقدية للضرر البيئي لعمل المنشأة بذاتها.

2.     كلف الإجراءات المتخذة لحماية البيئة في المنشأة أي تكاليف تقليل التلوث المتعلقة بالإجراءات الوقائية أصلاً.

3.     الاستثمارات المخصصة لاستبدال تقنيات الإنتاج بما يكفل حماية أفضل للبيئة.

4.     التعويضات الممنوحة للمتضررين والضرائب المفروضة على المنشأة بسبب إهمال أو تقصير في مجال حماية البيئة.

5.     تقديم المشورة والنصائح للمنشأة التي تتوافق مع متطلبات حماية البيئة .

6.     تكاليف جمع النفايات وتدويرها والتخلص منها سواء كانت مياه ملوثة أو عادمة أو فضلات أو غازات, فضلاً عن كلفة خفض حدة الضجيج.

       أما المستوى الثاني فهو على المستوى الكلي أي الاقتصاد ككل ويتناول حساب الكلف الآتية:-

1.     الخسائر البيئية على مستوى الاقتصاد كله الفعلية والمتوقعة لمواجهة الكوارث.

2.     تقدير القيمة النقدية لاستنفاذ الموارد المختلفة وتتضمن أيضاً كلفة التطوير للاستعاضة عن الموارد المستنفذة.

3.     تقييم الأضرار البيئية على المستوى القومي وكلفة إصلاحها أو الحد منها.

4.     وضع الأطر العامة والخطط بما فيها التقنيات التي تحد من الأخطار البيئية بما في ذلك تطوير التكنولوجيا النظيفة وتبني البرامج والسياسات البيئية وتكاليف التعليم والتدريب  .

وبهذا الفهم فإن محاسبة التكاليف البيئية تتضمن وجهتين: الأولى هي إدارية تتعلق بالرقابة على عوامل الإنتاج من الوجهة البيئية والتخطيط للمستقبل, والثانية محاسبية تتمثل بتحديد الكلف النقدية للأضرار والخطط المستقبلية أو بمعنى آخر فإن التكاليف البيئية تنشأ من قياس ورقابة وتصحيح آثار الأنشطة الناتجة عن اتخاذ قرارات لها آثار سلبية محتملة على كافة مكونات البيئة(الإنسان, النبات, الحيوان, الهواء, التربة).

وتبدو أهمية حساب التكاليف البيئية بجوانب عديدة أهمها :-

1.     توفير فهم أفضل للعوامل المؤثرة سلباً في البيئة والتوجه نحو إنتاج منتجات أقل إساءة للبيئة.

2.     مراقبة خزين الموارد الطبيعية ونفاذها.

3.     حساب أكثر واقعية لكلف الإنتاج بتضمينه الكلف البيئية.

4.     التشجيع على توجيه الاستثمار في الجوانب التقنية الصديقة للبيئة.

5.     اتخاذ قرارات أكثر عقلانية وربما فاعلية أيضاً ولكن بمراعاة مكونات البيئة.

6.7. الاستدامة البيئية والمجتمع الدولي

         كان الاهتمام بالتنمية يتجه نحو بعدها الاقتصادي, فيما لم تنل البيئية نصيبها من الاهتمام حتى منتصف القرن العشرين. وإذ بدأ الحديث عن الحفاظ على البيئة وأحيائها البرية في القارة الأفريقية, إلا إنه سرعان ما تطور إلى عقد سلسلة من المؤتمرات في ذات القارة, ولعل أبرزها كان:-

1950 اتفاقية باريس لحماية الطيور.

1951 اتفاقية باريس لحماية النباتات في أوربا ومنطقة البحر المتوسط.

1951 اتفاقية روما لحماية النباتات.

1954 اتفاقية لندن لمكافحة التلوث البحري عن عمليات التفريغ ألعمدي للنفط من السفن.

1960 اتفاقية باريس للمسؤولية المدنية في مجال الطاقة النووية.

1963 معاهدة بروكسل للحد من الطاقة النووية ووقفها.

 1967 معاهدة موسكو التي أكدت الالتزام بالمبادئ التي تحكم استكشاف الفضاء الخارجي.

 1969اتفاقية بروكسل لمعالجة القواعد المنظمة للإجراءات الضرورية لحماية الشواطئ في حالات وقوع كوارث في أعالي البحار.

1969اتفاقية بروكسل للمسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن التلوث النفطي.

1970 اتفاقية بروكسل لحماية الطيور والصيد .

1971 اتفاقية بروكسل لإنشاء صندوق للتعويض عن الضرر الناتج عن التلوث بالنفط

1969 عقد مؤتمر دولي بحضور 33 دولة أفريقية وبرعاية الاتحاد الدولي لحماية البيئة.

         بعدها أنتقل الاهتمام الأكبر إلى القارة الأوربية في عقد السبعينات , ثم تبنت الأمم المتحدة موضوع البيئة ونظمت لها العديد من المؤتمرات العالمية, ومن هذه المؤتمرات قمة ستوكهولم-السويد-عام 1972 بحضور 113 دولة وتقرر فيه عقد مؤتمر دولي للتنمية دورياً كل 10 سنوات لمتابعة أوضاع الأرض البيئية, فيما صدر إعلان دولي بمثابة خارطة طريق للعمل الدولي المشترك لحماية البيئة .

1973 اتفاقية واشنطن لمنع الاتجار الدولي بالأجناس الحيوانية المهددة بالانقراض .

1977 اتفاقية منظمة العمل الدولية لحماية العمال من الأخطار المهنية الناجمة عن بيئة العمل عن تلوث الهواء.

1982 عقد مؤتمر القمة التالي في العاصمة الكينية نيروبي لكنه ولاسباب عدة لم يتوصل الى نتائج تذكر.

      وجاء التطور الأهم عام 1987 بولادة مفهوم التنمية المستدامة بتقرير بورنتلاند والذي مثل علامة فارقة في مسيرة الاهتمام الدولي بمفهوم التنمية والبيئة والاستدامة, حيث تلى هذا التاريخ العديد من المؤتمرات العالمية حشدت فيها الطاقات ويسرت لها الإمكانات لمتابعة أحوال البيئة نذكر أهمها:-

1.     قمة ري ودي جانيرو عام 1992 وهي القمة الثانية تحت رعاية الأمم المتحدة وسميت بقمة الأرض. تكللت القمة بإعلان أجندة القرن 21. وانطلاق البرامج الدولية لمكافحة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيولوجي. وتقليل انبعاث الغازات السامة والنفايات الخطرة ومنع الاتجار غير المشروع بالنفايات السامة ومنع التدهور البيئي .

2.     في عام 1994 عقد اجتماع لمناصرة البيئة شاركت فيه 180 دولة و 1200 منظمة غير حكومية.

3.     1997 بروتوكول كيوتو للحد من انبعاث الغازات الدفيئة والتحكم في كفاءة استخدام الطاقة. وشكل البروتوكول نقلة نوعية في مجال حماية البيئة وعولمة الوعي البيئي , إذ مثل الخطوة التنفيذية الأولى لاتفاقية الأمم المتحدة الطارئة لتغير المناخ المبرمة عام 1992 . ونـــــص على خفض انبعاث الغازات المسببة للدفيئة الى5.2 % وتوسيع زراعة الغابات.

4.     في عام 2000 إعلان الألفية موقعاً من 191 دولة ركزت على التنمية المستدامة.

5.     2001 الإعلان الوزاري للمؤتمر الدولي المعني بالمياه العذبة الذي عقد في بون بألمانيا.

6.     في عام 2002 المؤتمر العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا حيث أكد الالتزام الدولي بتحقيق التنمية المستدامة.

7.     2007 اجتماع مجلس الأمن الدولي لدراسة الخطر البيئي الذي لو قدّر استمراره سيؤدي إلى دمار شامل للكرة الأرضية.

8.     2010 اتفاق دول العالم في مؤتمر جوهانسبرغ على المصادقة على بروتوكول كيوتو الخاص بتخفيض الغازات في الدول الصناعية إلى 6% ووضعه حيز التنفيذ.

9.     قمة ريو +20  عام 2012 , أعادت القمة التأكيد على الاهداف التي نص عليها مؤتمر قمة 1992 , ويوصي بتعزيز التعاون الدولي وانهاء الإعانات المقدمة لدعم الوقود الاحفوري. 

7.7. الاستدامة البيئية من منظور جغرافي

        إذا شئنا تجاوز فكرة التداخل والاشتراك ما بين العلوم المتجاورة لدراسة ظواهر مشتركة, وكونها عملية مشروعة عندما تقترن بمنهجية واضحة للبحث في كل علم, وانتقلنا إلى التخصيص الدقيق في الانتماء وميدان البحث سنجد أن فلسفة المكان موضوعاً وحيزاً حاضرة بقوة في كل الأبعاد البيئية للاستدامة, وسواء أكان انتماؤها إلى هذا الفرع في علم الجغرافيا أو ذاك, فإنها جميعاً تشترك بذات المنهج والرؤيا والانتماء, ولنا في التقرير النهائي لقمة الأرض عن التنمية المستدامة الذي عقد في جوهانسبرغ في سنة 2002 خير دليل , حيث أكد التقرير على جملة من الأهداف التي تسعى لها التنمية المستدامة وأهمها:-

1.  ضمان الاستغلال الأمثل لموارد المياه السطحية والجوفية وخاصة المياه العذبة وحمايتها من التلوث والاستنفاذ .(جغرافية الموارد المائية).

2. الحصول على كفاية الناس من الغذاء بشرط الحفاظ على الأراضي والتربة والغابات والمياه والحياة البرية والأسماك(الجغرافية الحيوية, جغرافية التربة, جغرافية الزراعة).

3.  حماية الموارد البيولوجية والأنظمة الايكولــوجية والتنوع الإحيائي(إدارة النظام الايكولوجي والجغرافية الحيوية).

4. الاستخدام الأمثل والمستدام للأرض سواء في الحواضر أو الأرياف أو للأراضي الزراعية والغابات(استعمالات الأرض الحضرية والريفية).

5. الحد من الآثار السلبية لاستهلاك مصادر الطاقة النافذة, والبحث عن بدائل لها(جغرافية التعدين , جغرافية البيئة).

6. مراعاة سلامة الغلاف الجوي للأرض والحد من انبعاث الغازات المسببة للتغيرات المناخية وثقب الأوزون وتردي نوعية الهواء (جغرافية المناخ, المناخ التطبيقي, جغرافية البيئة والتلوث).

7.     الربط بين أبعاد التنمية المستديمة الأخرى , وهنا احتساب كلفة الإنتاج البيئية وإضافتها إلى كلفة الإنتاج النهائية, وكذلك تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية في استهلاك الثروات والانتفاع بها.

         نخلص مما سبق أن الاستدامة البيئية تقع في صلب الميدان الجغرافي موضوعاً ومنهجاً, وإذا ما كان التأكيد على منهج العلاقة بين الحيز المكاني وظواهره والتباين المكاني لخصائص تلك الظواهر يكون البحث عندها جغرافياً خالصاً.

8.7. مؤشرات لقياس التنمية البيئية المستديمة

أولاً:-مؤشرات لقياس الاستدامة في المناخ

1.  ارتفاع درجة الحرارة على مستوى العالم.

2.   مستوى انبعاثات أول اوكسيد الكاربون.

3.     إنتاج غازات الكلور والكاربون والفلور(غازات الدفيئة).

4.  استهلال المواد المستنفذة للأوزون.

5.  درجة استهلاك طبقة الأوزون.

6.  انبعاث غازات البيوت البلاستيكية.

7.  استخدام المبيدات وكمياتها وأنواعها.

8.   إطلاق غاز وأكسيد الآزوت.

9. النفقات المخصصة لحماية الغلاف الجوي.

10.   الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية.

11. استخدام تقنيات الرصد والمراقبة والإنذار المبكر.

12.   النفقات المخصصة لتدوير النفايات.

ثانياً:-مؤشرات لقياس الاستدامة في حماية البيئة من التلوث .

1.  درجة تركز الملوثات في بيئة المناطق الحضرية .

2. كمية النفايات الصناعية والمنزلية وتخزينها.

3.  كميات النفايات الخطرة.

4. إدارة النفايات المشعة.

5.  تدوير النفايات.

6. تلوث الهواء ومصادره.

7.   تلوث التربة ومصادره.

8.  تلوث المياه ومصادره.

9.   عدد الشكاوي المتعلقة بالتلوث.

10.   الضوضاء في البيئات المحلية.

11.   حالات التلوث البصري.

12.   عدد حالات التسمم بالمواد الكيمياوية.

13.   النفقات المخصصة للتقليل من التلوث.

14.   مدى تطبيق والوصول إلى سياسة الإشعال الصفري في شركات النفط والغاز على وجه الخصوص.

ثالثاً:-استغلال الموارد الطبيعية

1.   كميات ومعدلات استهلاك المياه وترشيدها والحفاظ عليها ونسبة الاستهلاك من الإجمالي .

2.  العرض المائي.

3. إنتاج مصادر الطاقة المختلفة واستهلاكها ومعدلات الاستهلاك.

4. أنماط استعمالات الأرض المختلفة وتغيراتها ومساحة كل استعمال

5.  التحول من الطاقة الناضبة الى المتجددة.

6.   الحفاظ على التربة كمورد اقتصادي طبيعي من أشكال التصحر.

7.   حالة مصائد الأسماك والبحرية.

8.  مساحة الأراضي المستخدمة كمستوطنات دائمة أو مؤقتة.

9.  تركيز الطحالب في المياه الساحلية.

10.   أوزان الأسماك المصادة وإجمالي الصيد.

رابعاً:-في الزراعة

1.     مساحة الأراضي الزراعية الدائمة.

2.     مساحة أراضي الغابات والاحراج.

3.     مساحة الأراضي المتصحرة وتغيرها(الإنتاجية ـــ الكثبان ـــــ  الجرف والتعرية)

4.     مساحة الأراضي المخصصة للزراعة الطبيعية( بدون كيمياويات).

5.     الري وصيانة الموارد المائية وترشيدها .

6.     مساحة المحميات ونسبتها إلى الإجمالي.

7.     محتوى التربة من المواد العضوية.

8.     مساحة الأراضي المخصصة للزراعة الكثيفة .

9.     مساحة المسطحات المائية وصلاحيتها.

خامساً:-في التوازن البيئي

1.     مساحة النظم  الايكولوجية الرئيسة.

2.     مساحة المحميات الطبيعية ونسبتها من المساحة الإجمالية.

3.     انتشار بعض الأنواع  من الحيوانات والطيور.

4.     تركيز الأوكسجين المذاب في الكتل المائية.

5.     كثافة الأشجار في الغابات.

6.     التنوع الإحيائي النباتي والحيواني والطيور.

7.     مساحة الأراضي المفتوحة والمتنزهات.

8.     الكائنات الحية والنباتية المهددة بالانقراض والمنقرضة.

9.     البرامج البيئية الموجهة للجمهور والبرامج التعليمية.

10.   النباتات البرية واستخدامها في الأدوية العلاجية .

11.   مساحة الأنظمة البيئية الحساسة.مصادر الفصل السابع

-

القرآن الكريم

-

د. انطونيوس كرم, العرب أمام تحديات التكنولوجيا, سلسلة عالم المعرفة, العدد 57, الكويت, 1982.

-

باتر محمد علي وردم, العالم ليس للبيع, الأهلية للنشر والتوزيع , عمان, 2003.

-

برنامج الأمم المتحدة للبيئة, المؤتمر الدولي الحكومي للتربية البيئية, الإتحاد السوفيتي,1977, الوثيقة رقم 8.

-

د. ديب كمال, أساسيات التنمية المستدامة, دار الخلدونية , الجزائر, 2005.

-

د. سالم محمد محمود , التنمية المستدامة والتكاليف البيئة, دار الدكتور للعلوم, بغداد ,2014.

-

د. سهير إبراهيم حاجم الهيتي , الآليات القانونية الدولية لحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة, منشورات الحلبي الحكومية, بيروت, 2014.

-

عبد الحميد رضوان عبد الحميد, إعداد الحسابات القومية الخضراء في دولة الإمارات العربية المتحدة, نحو تحقيق التنمية المستدامة, مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجي, أبو ظبي, 2014.

-

د. عبد الزهرة علي الجنابي, العلاقات المكانية للتلوث في مدينة الحلة, مجلة جامعة بابل, سلسلة(أ-2) العلوم الإنسانية , المجلد 6 العدد 1, 2001.

-

فايق حسن جاسم, البيئة والأمن الدولي, مجلة النبأ, العدد 72, القاهرة, 2004.

-

د. قادري محمد طاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق , مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت, 2013.

-Wood, C.M. and Others, The geography of pollution, Manchester University Press, London, 1974.

                    الفصل الثامن : 

البعد المؤسساتي للتنمية المستديمة

الفصل الثامن :  البعد المؤسساتي للتنمية المستديمة

تمهيد

        لقد أدرك العالم بمؤسساته الدولية والحكومية والفردية أن الحفاظ على البيئة وسلامتها من الأخطار, والانتفاع من موارد الطبيعة هو حق لكل المجتمعات, إلا إنه يترافق مع شرط عدم الإضرار لا بحقوق الأجيال , ولا بالطبيعة ذاتها . وبعد مكابدة تأكدت أهمية الانتقال من العمل العفوي أو المنفرد إلى العمل الجماعي الإنساني والدولي في سبيل الحفاظ على المركب الواحد للإنسانية وهو الأرض. إن العمل الأكثر نجاعة في هذا المسعى إنما يبدأ من إدراك المشكلة أولاً, وثانياً وصف الحلول التي تتجاوز هنا البعد المحلي والإقليمي إلى الدولي والإنساني, وثالثاً وضع الآليات لتنفيذ الحلول ومراقبة التنفيذ.

        إن الإدارة السليمة لإشكالية التنمية المستديمة يجب أن لا تنحصر في فهم أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية فحسب , بل تتعداها إلى بناء المنظومة المؤسساتية المتكاملة التي تخطط وتنفذ وتراقب وتحسب وتتابع النتائج بعيداً عن العفوية.

       ولمدة طويلة قادت الأمم المتحدة ومؤسساتها العمل المؤسساتي الخاصة بالتنمية المستديمة, وقدمت خلالها رؤيا وخطط عمل منظمة وضعتها بين أيدي المختصين في دول العالم كافة للإفادة منها, فضلاً عن إبقاء الباب مشرعة أمام الاجتهادات التي تراها المجتمعات المحلية مفيدة لتعزيز رؤاها وعملها بهذا المجال.

ومن المفيد الوقوف تفصيلا ًعند مكونات البنية المؤسساتية للتنمية المستديمة.

1.8. الاستراتيجية الوطنية للبيئة المستديمة

       هي عملية صياغة أفكار ورسم خطط وأنشطة بهدف تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بطريقة متوازنة ما بين المستويين الوطني والمحلي. وهي ليست نتاج لعمل فردي, واجتهاد تصوري , إنما عملية منسقة ومنظمة وتشاركية تسهم في وضعها ومراجعتها كل المؤسسات ذات العلاقة بالاستدامة, وتبدأ من تحليل الوضع القائم وخصائصه وحالاته, ثم صياغة البرامج والخطط الكفيلة بالحد من مخاطر البيئة والفقر واللا مساواة.

       وتعرّف منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي OECD الاستراتيجيات الوطنية للتنمية المستديمة بأنها مجموعة من عمليات التحليل والنقاش وتعزيز القدرات والتخطيط والاستثمار, وتقوم على المشاركة ولا تنعزل وتدمج بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمجتمع مع إلتماس مواضع للتنازلات المتبادلة حيثما يتعذر ذلك الاندماج (Barry Dulal PP.30-31)).

وتكمن أهمية بناء الاستراتيجية الوطنية للاستدامة في إنها تحقق المزايا الآتية(د. سالم , ص 128).

§      تيسير صنع القرارات وتحسين فعالية السياسات العامة من خلال تحديد الخيارات والأهداف والغايات والسياسات المرتبطة بالاستدامة.

§      حشد موارد البلد البشرية والمالية دعماً للتنمية المستديمة.

§      توزيع الموارد المتاحة والمخصصة للاستدامة بطريقة أكثر عقلانية.

§      حل الخلافات والفصل فيها بطريقة رسمية وشفافة.

§      بناء المؤسسات القائمة على تنفيذ ومتابعة الاستراتيجية الوطنية للاستدامة.

       قدمت الأمم المتحدة وهيئاتها المتعددة, فضلاً عن العديد من التجمعات الإقليمية المهتمة بشؤون التنمية والبيئة أفكاراً ورؤى عامة وتفصيلية عن كل الجوانب المتعلقة بالاستدامة وأبعادها وتحدياتها ومؤشرات قياسها, ووضعتها أمام دول العالم للإفادة منها باعتمادها بشمولها أو بتطويعها وتعديلها لتتماشى مع الظروف الخاصة بكل بلد, وطلبت من كل دولة بناء استراتيجية وطنية للتنمية المستديــــمة مستشرقة المجهودات الدولية والعالمية والأممية في هذا المجال , وكان هذا منذ عام 2005, على أن تكون هذه الاستراتيجية شاملة تغطي كـــــــــــــــل جوانب الاستدامة وأبعادها فيما يتعلق بـ:-

أولاً:-التغيرات المناخية وحماية طبقة الأوزون.

ثانياً:-حماية البيئة من التلوث والتدهور.

ثالثاً:- رسم سياسة واضحة للطاقة واستهلاكها وتدويرها.

رابعاً:-مراعاة التوازن بين الموارد الطبيعية واستثمارها الفعلي .

خامساً:-المحافظة على التنوع الإحيائي وتكامل النظم البيئية.

سادساً:-إدخال الكلف البيئية في دراسات الجدوى الاقتصادية والحسابات القومية.

سابعاً:- وضع مؤشرات لقياس ما تحقق مستفيداً من إطار العمل نحو الاستدامة.

       والجدير بالاعتبار إن هذه الاستراتيجية الوطنية يجب أن توّحد جميع التشريعات الخاصة بالأنشطة الاقتصادية الخدمية المختلفة, أي أن تعتمد كمرجعية أساسية لعمل الأجهزة والإدارات المعنية بشؤون التنمية في البلاد. ولابد أن تكتسب قوة قانونية من خلال إقرارها من الجهات المعنية في الدولة لتكون واجبة التنفيذ.

 

2.8. الجهاز الإداري والمؤسساتي الذي ينفذ الاستراتيجية

      قد تختلف الدول فيما بينها في هيكلية مؤسسات إدارة التنمية , إلا أن القاسم المشترك الذي يجب أن تشترك فيه هو وجود هيئة عليا في البلاد تدير مجهودات التنمية مع وكالات ثانوية إقليمية من جهة, ومن جهة أخرى أن تتمتع هذه الهيئة بصلاحيات كافية للإشراف على عمل ومتابعة الجهات المعنية الأخرى من طرف الاستدامة التي تختص بها, فمثلاً الاستدامة يجب أن تدخل موضوعاً أساسياً في عمل هيئات إدارة الطاقة والموارد المائية والزراعة والنقل وسواها, وهذا لا يتقاطع مع وجود هيئة وطنية عليا تدير وتشرف على شؤون الاستدامة في عموم البلاد وهيئاتها التخصصية. كما أن من المهم الإشارة إلى أن قدرة الهيئة الوطنية أو مثيلاتها الفرعية على التنفيذ والمتابعة والتحليل إنما يعتمد على إمكاناتها البشرية من العلماء والمختصين بشؤون الاستدامة, وعلى ما يتحصل لها من أجهزة ومعدات, فضلاً عن الإمكانات المالية اللازمة التي توضع تحت تصرفها سواء من التمويل الحكومي أو المساعدات الخارجية أو من أية جهات أخرى محلية أو خارجية.

       ومما يجدر ذكره أيضاً إن عمل الهيئات المشرفة على الاستدامة يعتمد في نجاحه على التعاون الدولي والإقليمي والأممي, وهذا يشتمل على حركة البيانات وتدفقها , والمؤتمرات الدولية وتبادل الخبرات والتقنيات وسواها.

 

3.8. دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق الاستدامة:-

       تزايد الاهتمام في الآونة الأخيرة بمنظمات المجتمع المدني, وشاع الترحيب بدورها في الحياة العامة للمجتمعات خاصة المتقدمة منها. وبرغم المحتوى غير المحدد لشمولها, فضلاً عن أهدافها, إلا أن المعروف أن المصطلح يشمل مجموعة من الفعاليات غير المرتبطة بالحكومات كالجمعيات والمؤسسات التي تتكون استجابة لمبادرات شعبية ولا تستهدف الربح في عملها, فهي مستقلة عن سلطة وإدارة ونفوذ الدولة, وهي شعبية أو أهلية أو مجتمعية ينضوي تحت مظلتها مجموعة أو مجموعات متطوعين , وتمارس أنشطة اجتماعية أو ثقافية أو بيئية أو سواها من الأنشطة الخدمية ولكن بعيداً عن مفاهيم الربح أو الارتزاق المادي. تدار هذه من قبل المنضوين إليها من خلال إدارة يتفق عليها بالانتخاب غالباً أو بأية وسيلة مرضية. واستقلاليتها فضلاً عن اهتماماتها الاجتماعية لا يلغي عنها اهتمامها بالجوانب السياسية أو دورها في الحياة السياسية, فكثيراً ما تدخل الانتخابات العامة أو المحلية أملاً بتدعيم موقفها لتحقيق أهدافها العامة أو المجتمعية.

      انخرطت هذه المؤسسات وبشكل متزايد في أنشطة تنموية واجتماعية على قدر كبير من الأهمية وخاصة في مجال الاستدامة نشير إلى أهمها:-

أولاً:-توجهها الأساسي نحو حماية البيئة, وظهرت لهذا الغرض منظمات غير حكومية ذاع صيتها ودورها البيئي مثل السلام الأخضر, الصندوق الدولي للطبيعة, وأصدقاء الأرض, حتى أن أنصارها ومؤيدوها يقدرون بعدة ملايين ينتشرون في دول عديدة, ويسهمون كمنظمات بدور فاعل في أنشطة حماية البيئة المختلفة وعلى المستوى العالمي , ومن جملة عملهم إنشاء شبكة عمل المناخ التي تتابــــــع وتراقب تنفيذ بــــــروتوكول كيــــــــــــوتو حول التغير المناخي( ديب, ص 140).

ويدخل ضمن هذا التوجه الحفاظ على البيئة من التلوث بكل أشكاله ومصادره.

ثانياً:-توجه العديد من هيئاتها نحو الحفاظ على التنوع الإحيائي وحماية الحيوانات المهددة بالانقراض وتوفير ملاذات آمنة لها وحمايتها من الصيد الجائر .

ثالثاً:- وبعض مؤسسات المجتمع المدني تفضل توجيه أنشطتها نحو مساعدة المعوزين والحد من الفقر وتوفير ما يمكن توفيره من خدمات أساسية لهم سواء من يعيشون دون خط الفقر أو المهددين بالكوارث والأمراض الوبائية أو الذين يتعرضون لعمليات نزوح قسري.

رابعاً:-ومن المنظمات ما يتجه إلى إشاعة روح التعاون والتعايش بين الأفراد والجماعات وتشجيع العمل التعاوني وخلق ظروف حياة أفضل للمجتمعات والأفراد, فتقيم مثلاً حملات التنظيف , تشجير الساحات , إنشاء الملاعب , إنارة الشوارع , حفلات الختان والزواج الجماعية , زيارة المرضى, ... الخ من الأنشطة.

      إن كل هذه الأنشطة تدخل ضمن الإطار العام للتنمية المستديمة, قد يصعب أمر تحقيق بعضها ضمن آليات عمل المؤسسات الحكومية الرسمية , أو أن من الصعب الوصول إلى المستفيدين من تسهيلاتها, غير أن المؤسسات غير الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني وبحسب آليات عمل مؤسساتها وهيكلتها وسعة المساحة التي تخدمها يمكنها توفير مثل هذه الخدمات التي تعد أساسية ومفصلية ضمن التوجهات الخضراء.

4.8. مراقبة التنفيذ والمتابعة:-

      إن الخطط والبرامج التي توضع وتقر لابد أن توضع موضع التطبيق من قبل الأجهزة والمؤسسات ذات العلاقة وبذات القدر من الأهمية أيضاً إناطة مهمة متابعة التنفيذ والرقابة عليه لجهة عليا ذات اختصاص ومسؤولية, وهذه مهمة عدة جهات تحدد مركزياً منها: الهيئة الوطنية للبيئة المستديمة, ديوان الرقابة المالية, هيئة حماية البيئة وسواها .

       وتتولى هذه الهيئة من خلال عملها في المتابعة والرقابة تقويم العمل ومراحل الإنجاز وتقييم النتائج المتحصلة والتحديات التي تجابه عملية التنفيذ, كما تهتم بالتنسيق والتعاون الإقليمي والدولي وتبادل الخبرات.

تجدر الإشارة إلى أن عملية الرقابة تأخذ مسارين :-

المسار الأول:-يتعلق بتنفيذ القوانين والتشريعات البيئية والسياسات البيئية وحماية البيئة من الأخطار, وهدفه تقويم الإداء التنفيذي للمؤسسات ذات العلاقة بتنفيذ البرامج والسياسات والخطط أي تقويم الإداء الفني والبرامجي.

المسار الثاني :-يتجه إلى الرقابة المالية البيئية وحساب التكاليف البيئية ويختص بالتدقيق المالي والحسابي.

ومن الممكن تقسيم العمل بين الجهات الرقابية بحسب تخصص كل منها, أو دمج العمل بدائرة واحدة ذات مسؤولية وإمكانية فنية واسعة.

5.8. المكونات التقنية والبحث والتطوير:-

        ويتعلق الأمر بجوانب الإمكانات التقنية والفنية والبحثية الموضوعة في خدمة هذا الإطار ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:-

1.     الأجهزة والمعدات التي ينبغي توفيرها لقياس المؤشرات الموضوعة لقياس التنمية المستديمة, مثل قياس أحوال خصائص الماء والهواء والتربة والمواقع لرسم الخرائط واستخدام نظم المواقع ولرسم الخرائط واستخدام نظم المعلومات الجغرافية GIS وأجهزتها في العمل, ومتابعة الابتكارات والمخترعات التي تنجز في هذا الميدان ووضعها في خدمة المعنيين.

2.     الاستخدام العام للأجهزة الشخصية, وهو أحد مؤشرات الاستدامة, حيث يقيس مثلاً استخدام الأشخاص لأجهزة الحاسوب وأجهزة الاتصال لكل 1000 من السكان ودخول شبكات الانترنيت كمؤشرات للاستدامة.

3.     مقدار نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي, وهو ما تعاني من انخفاضه الغالبية العظمى من الدول النامية برغم عدّه مؤشراً هاماً لقياس الاهتمام بموضوع الاستدامة, حتى ان هذه الدول أصبحت متلقية للعلوم والتطبيقات التقنية للبحوث العلمية, فيما تحاول بعضها تحقيق نجاحات هامة في هذا المضمار.

6.8. استخدام نظم المعلومات الجغرافية GIS في قياس الاستدامة البيئية :-

           تعود البدايات الأولى لنشأة نظم المعلومات الجغرافية إلى عام 1960 , حينما بدأت الحكومة الكندية بجمع بيانات ومعلومات كثيرة لعدة مجالات منها الزراعة والحياة البرية والغابات والسكان والموارد, وتكامل هذا النظام عام 1964 بولادة نظم المعلومات الجغرافية الكندية Canada GIS  على يد الجغرافي الكندي Tom Linson  الذي لقب بأب النظم الجغرافية.

        شهدت عقود السبعينات والثمانينات تطوراً هاماً ومتصاعداً في مجال البرامجيات من قبل الحاسوب ومكوناتها والإدخال والخزن والإخراج والأسعار, وكذلك في مجال رسم الخرائط ودمج الرسوم والصور الجوية والفضائية, فضلاً عن الثورة الكمية في التحليل المكاني للبيانات ووفرة كم هائل من البيانات والمعلومات, يضاف إلى التقدم السريع في استخدام نظم المعلومات الجغرافية وانتشارها عالمياً, وظهور نظم جديدة طبقت واعتمدت في العديد من دول العالم, وقد وصل عدد البرامج حوالي 170 برنامجاً منها 58 كندية والباقي أوربية.

      وفي عقد التسعينات زاد الاهتمام بتدريس نظم المعلومات الجغرافية في الجامعات والمعاهد العلمية , وظهرت تقنيات جديدة ساعدت على تطور هذا النظام, ومن هذه التقنيات تحديد المواقع عن طريق الأقمار الصناعية   GPS , وتقنية المعلومات الخلوية السريعة, والانتشار الواسع لشبكات الانترنيت, وكان لاستحداث هذه التقنيات وإدماجها بنظم المعلومات الجغرافية أثر كبير في تطور هذه النظم من حيث المحتوى والإداء, فصار إداؤها أكثر دقة واتقاناً وأسرع انجازاً.

      وفي مستهل القرن الواحد والعشرين تطورت الأجهزة المستخدمة على ظهور  الأقمار الصناعية , ما أسهم بتوفير معلومات وصور تفصيلية وبدقة عالية, ومن ثم بالترافق مع التطور الحاصل في برامجيات الحاسوب تطور عمل نظم المعلومات الجغرافية وخاصة في مجال مخرجاتها من الخرائط التقليدية والآلية(  عبد الزهرة, 2017, ص 189).

       قدّم التطور الحاصل في أنظمة المعلومات الجغرافية خدمات على قدر كبير من الأهمية لعدد كبير من الاهتمامات الإنسانية وخاصة التطبيقية منها مثل التنمية والتخطيط والبيئة والمناخ والخدمات واستعمالات الأرض والأنشطة الاقتصادية كالزراعة والتعدين والصناعة والسياحة والنقل.

وقد أمكن الآن استثمار الإمكانات المتاحة في تطبيقات أنظمة المعلومات الجغرافية في متابعة أحوال الاستدامة في ما لا يحصى من المجالات نورد بعضها بالآتي:-

أولاً:-في مجال المناخ والغلاف الجوي

1.     خرائط مناخية لأقاليم الأرض وطبقات الغلاف الجوي وتغيراتها المكانية والزمانية وبشكل مستمر.

2.     مكونات الغلاف الجوي من الغازات وتغيراتها.

3.     مراقبة طبقة الأوزون وتحديث معلوماتها.

4.     متابعة التغير في درجة حرارة جو الأرض وحالة الملوثات في الهواء المحيط بالأرض.

5.     متابعة الظواهر الجوية المختلفة والتنبؤ بمساراتها وإعطاء الإنذار المسبق عنها.

6.     ثانيا: -في الموارد الطبيعية

7.     رسم خرائط تبين كميات ومواقع الاحتياطي من الثروات المعدنية وأماكن الاستثمار لها ومخاطر النفاذ.

8.     نتائج استثمار الثروات المعدنية على البيئة والأرض والتربة والأماكن المهجورة بسببها.

9.     الأضرار التي تتعرض لها التربة وتصحرها ومحتواها من المعادن ومن المواد العضوية.

10.   مراقبة المياه السطحية والجوفية وتحديد مواردها وتلوثها وصيانتها ونفاذها وشحتها.

11.   مراقبة الغابات ومناطق الأحراش والأمراض التي تصيبها ومقدار الإزالة لمساحاتها والأخطار التي تتعرض لها.

12.   مراقبة سواحل البحار والمياه النهرية والبحرية والمستنقعات.

ثالثاً:-في الزراعة والري

1.     استعمال الأرض الزراعية وأنماطها وتغيرها الزماني والمكاني .

2.     الأمراض النباتية والحشرات الضارة.

3.     إنتاجية الأرض والأشجار والنبات وكثافتها.

4.     حالات الفيضان والجفاف والصقيع والحرائق وأضرارها.

5.     كفاية الموارد المائية والمبازل وكفاءة القنوات والكثافة الزراعية

6.     الأضرار التي تتعرض لها التربة من تصحر  وتغرق وصرف رديء وتملح...

7.     تربية الأسماك والحيوانات الداجنة وسواها.

8.     متابعة حالة المراعي وكثافة حيواناتها والرعي الجائر.

رابعاً:-في البيئة والتلوث

1.     مواقع الطمر الصحي وسلامتها.

2.     ملوثات التربة والمياه والهواء.

3.     شبكات الصرف الصحي ومشاكلها.

4.     مصادر التلوث البيئي وأنواعها ومواقعها.

خامساً:-استعمالات الأرض الحضرية

1.     خدمات البنى التحتية وسلامة البيئة.

2.     كثافات وأنماط وتداخل الاستعمالات الحضرية.

3.     تدفقات النقل الداخلي ومشاكله وأضراره البيئية.

سادساً:-الأنشطة الصناعية ومصادر الطاقة والنقل

1.     توزيعها المكاني وكثافتها وأنماطها الموقعية.

2.     إطلاق الملوثات بكل أنواعها وتحديد أضرارها.

3.     استهلاك مصادر الطاقة والتحول نحو الطاقة النظيفة.

4.     استثمار موارد الطاقة المتجددة.

5.     مراقبة المواقع الصناعية والمصانع الكبيرة وتأثيراتها البيئية.

6.     توفير معلومات وافية عن حركة النقل الخادمة للصناعة ومحطات توليد الطاقة.

7.     مراقبة حركة النقل البري والبحري والجوي وما تتسبب من أضرار أو مشاكل.

سابعاً:-في أحوال السكان

1.     استعمالات الأرض المختلفة وتغير المساحات المخصصة للاستيطان.

2.     الكثافة السكانية وتغيرها.

3.     حركات السكان الاعتيادية أو القسرية واتجاهاتها.

4.     كثافة السكان.

5.     العلاقات الإقليمية.

6.     خدمات البنى التحتية للسكان من تعليم, صحة, مياه شرب, كهرباء, خدمات الصرف الصحي, الاتصالات...الخ.

       هذا ويمكن بيان أهمية استخدام نظم المعلومات الجغرافية في قياس التنمية المستديمة بالآتي(عبد الزهرة 2017,ص91) .

1.     إمكانية خزن وتحليل واسترجاع معلومات وبيانات بشكل آلي ما لا يمكن فعله يدوياً.

2.     الدقة في العمل والحيادية في النتائج والموضوعية في الوصف والتحليل .

3.     السرعة واختصار الوقت والجهد والمال.

4.     إمكانية تحديد المعلومات والحذف والإضافة,

5.     الربط بين الظواهر والمعلومات والمكان مما يمكّن من الوصول إلى نتائج دقيقة وحاسمة سواء من خلال تطبيق الخرائط أو مقارنة البيانات ببعضها البعض.

6.     توفر أساساً منطقياً عملاً ممنهجاً للتنبؤ بالمستقبل .

مصادر الفصل الثامن:-

-

أحمد بعلبكي , مفهوم المجتمع المدني المروّج في أدبيات التنمية, مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية, المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات , العدد1, المجلد الأول, 2012.

-

د. خلف حسين الدليمي, نظم المعلومات الجغرافية GIS أسس وتطبيقات , دار صفاء للنشر والتوزيع, عمان, 2006.

-

د. ديب كمال, أساسيات التنمية المستدامة, دار الخلدونية, الجزائر, 2015.

-

د. سالم  محمد عبود, التنمية المستدامة والتكاليف البيئية, دار الدكتور للعلوم, بغداد, 2014.

-

أ. د. سميح احمد محمود عودة , أساسيات نظم المعلومات الجغرافية وتطبيقاتها في رؤية جغرافية, دار المسيرة للطباعة والنشر والتوزيع, عمان, 2005.

-

أ. د. عبد الزهرة علي الجنابي, الجغرافيا العامة الطبيعية والبشرية, دار صفاء للنشر والتوزيع, عمان, 2017.

-

أ. د. كامل كاظم بشير الكناني, أرجوحة التنمية في العراق, دار الدكتور للعلوم, بغداد, 2013.

           الفصل التاسع :

البعد السياسي للتنمية المستديمة

الفصل التاسع : البعد السياسي للتنمية المستديمة

تمهيد

       دأبت الأدبيات التي تناولت موضوعة الاستدامة على حصر أبعادها بالاقتصادية والبيئية والاجتماعية, إلا إننا وفي فصل سابق أضفنا البعد المؤسساتي , وهنا نستكمل رؤيتنا بإضافة البعد السياسي, متلمسين التبرير في دور الارادة السياسية من جوانب الفكر والمؤسسات والممارسة في صنع الحياة ورسم ملامحها في الشقاء والرفاه, وفي الانحطاط أو النماء, وسواء أكان النظام اقتصاد سوق أو اشتراكي أو بين هذا وذاك. ولقد كانت العلاقة قوية وواضحة الأطر والتفصيل فيما بين السياسات في توجهاتها واستراتيجياتها من جهة وبين الاقتصاد والتنمية من جهة أخرى. صحيح أن المآرب والأساليب تتباين مكاناً وزماناً, فضلاً عن الرؤى الفكرية, إلا أن المؤكد إن الترابط قائم وقوي وفي كلا الاتجاهين التأثير والتأثر , السلب والإيجاب, وهذا يعد مبرراً كافياً للتوقف عنده تفصيلاً بعد الإضافة.         

1.9. دور الدولة التنموي

     يثار جدل بشأن العلاقة بين النظام السياسي ودوره في تحقيق التنمية, فهناك من يعتقد إنه توجد علاقة حتمية أو ميكانيكية أو ذا اتجاه واحد بين شكل وطبيعة النظام السياسي وقدرته على تحقيق التنمية , إلا أن التجارب العالمية خلال القرن العشرين وخاصة في الدول الرأسمالية ذاتها ابتدءاً في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا تؤكد كلها على إن اقتصاد السوق لا يعمل بكفاءة إلا في إطار دولة قوية, يسود فيها القانون والعمل المؤسساتي, تحضى بالشرعية وتتمتع هذه المؤسسات باستقلالية حقيقية عن النظام الحاكم الذي يمارس سلطة الدولة في إطار الدستور والقانون من دون أن يمتلكها(حسنين ص30). وإذا كان الأمر كذلك في أعتى الاقتصاديات الرأسمالية, فما بالنا في الأنظمة الموجهة ايدلوجياً وفكرياً ؟ وأما من التجارب الحديثة نسبياً في جنوب شرق آسيا وخاصة كوريا الجنوبية وتايوان ومنذ منتصف السبعينات حتى منتصف التسعينات فلقد تأكد ومن خلال وصف البنك الدولي في كتابه الشهير بالمعجزة أن هذه المعجزة ارتبط بروز نموذجها الإنمائي بعدة عوامل كان في أولها الدور الملحوظ للدولة, حتى جرى التعبير النظري عن ذلك فيما يسمى بمفهوم الدولة التنموية(محمد عبد الشفيع, ص72).

      إن مما ييسر قدرة الدولة على الإسهام الفاعل في إعادة البناء وتنمية البلاد هو الخصائص التي يتميز بها جهاز الدولة من قبيل:-

§      بناء جهاز بيروقراطي قادر على تنفيذ سياسة الحكومة.

§      توفير حد أدنى من التجانس والتناسق بين أجهزة الدولة المختلفة.

§      توفير حد أدنى من استقلالية جهاز الدولة في مواجهة المجتمع السياسي, بدءاً بنزع التسييس نسبياً عن الجهاز الحكومي(محمد عبد الشفيع, ص74).

§      سيطرة الدولة على النظام المصرفي باعتباره مدخلاً أساسياً لتحويل مشاريع التنمية.

§      تحكم الدول بحركة التجارة الخارجية مما يهيْ لحماية مناسبة للإنتاج المحلي الزراعي والصناعي وتسهيل عمليات تصدير المنتجات.

2.9. الدولة والتنمية المستديمة

       إذا كانت الدولة قد تمكنت في غير مكان وزمان من إنجاز خطوات تنموية هامة, وينطبق هذا التعميم على أنظمة سياسية مختلفة التوجهات, إلا أن المؤكد إن هذه الخطوات في النهاية لم تفض إلى استدامة التنمية سواء أكان الخلل في بنيتها , أو عدم وضوح التوجهات الفكرية, أو بغياب بعد الاستدامة ذاتها عن البرامج والخطط التي وضعت موضع التطبيق.

ومهما كانت الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل, فإن الدولة بمؤسساتها معنية مباشرة بتسديد الخطى وترميز مسالك التنمية في أطرها الفكرية والتنفيذية إلى تحقيق أبعاد الاستدامة في التنمية. ومن خلال التجارب التي مرت بها العديد من دول العالم وخاصة النامية منها في جنوب شرق آسيا والبلدان العربية والأفريقية في النصف الثاني من القرن العشرين أمكن القول إن الأطر السياسية بعمومها الفكرية والمؤسساتية يمكن أن تؤدي دوراً بارزاً وهاماً في تحقيق التنمية المستديمة, إلا أن هذا التعميم يعتمد على خصائص المنظومة السياسية ذاتها والتي يمكن إجمالها بالاتي:-

1.     الحكم الرشيد

2.     اللامركزية أو المشاركة في اتخاذ القرارات

3.     الشفافية ومحاربة الفساد

4.     التعاون الدولي

وفيما يأتي إيضاح لأهمية ودور كل منها:

3.9. الحكم الرشيد وأثره في تحقيق التنمية المستديمة

      إن من اليسير نعت النظام التسلطي بسمات أهمها : احتكار السلطة من قبل الحاكم والدائرة الضيقة المحيطة به , وجحود النخبة الحاكمة, وغياب أو ضعف الفصل بين السلطات , وهيمنة الحكومة على الهيئات المستقلة غير الحكومية مثل منظمات المجتمع المدني والسلطة الرابعة, وتضييق الحريات . وبهذا سيكون واقعياً وصف الحكم الرشيد بسيادة القانون, والشفافية والمسائلة, والمشاركة الواسعة في صنع القرار , وفاعلية مؤسسات الدولة بضمنها الفصل بين السلطات, وثم العدالة واحترام حقوق الإنسان وبالنتيجة الاستقرار السياسي, وكل هذا ينعكس إيجاباً على مسيرة واتجاهات التنمية المستديمة, ومن أسبقيتها التنمية البشرية.

      ولعل من المفيد أن نعرض عدة تعاريف للحكم الرشيد مـــــن وجهة نظر العلاقة  بموضوعة التنمية المستديمة لعل اهمها : ( قادري ص 307)

§      في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوربي و77 دولة من جنوب صحراء الكاريبي والمحيط الهادي عرّف الحكم الصالح بأنه ( تلك الإدارة الشفافة والقابلة للمحاسبة لكل الكوادر من الموارد البشرية, والطبيعة الاقتصادية والمالية لغرض التنمية المنصفة والمستمرة, وذلك ضمن نطاق بيئة سليمة سياسية ومؤسساتية, تحترم حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية وحكم القانون).

§      ويعرفه البنك الدولي بأنها الطريقة التي تمارس بها السلطات من اجل إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للدولة قصد تحقيق التنمية الشاملة.

§      وبأخذ البعد الاجتماعي في المضمون يصبح تعريف الحكم الرشيد بأنه بناء وتعزيز المؤسسات الديمقراطية وتشجيعها, إضافة إلى إرساء ثقافة التسامح في المجتمع ككل.

       لما سبق ولغيره يؤكد كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على اهمية الحكم الرشيد في إدارة عملية التنمية وإصلاح النظام الاقتصادي والبيئي والاجتماعي بما يحقق استدامة فاعلة وحقيقية وليست مشوهة.

        وقد وضعت العديد من المؤشرات لقياس صلاحية الحكم, وتصنف الحكومات بموجبها إلى مجموعة من الأصناف , وقد قسمت هذه المؤشرات إلى قسمين رئيسين هما:-

الأول؛ مؤشر المسائلة العامة ويقيس درجة انفتاح المؤسســات السياسية في البلاد , ونوعية المشاركة السياسية, والمسائلة السياسية.

الثاني : مؤشر جودة الإدارة ويقيس درجة الفساد ونوعية الإدارة وتخصيص الموارد والإدارة المالية.

إن الحكم الرشيد قادر على إنجاز المهام التنموية الآتية:-

§      حصر الموارد المتاحة للانتفاع , ووضع خطة مستديمة للاستثمار.

§      بناء مؤسسات مستقلة وقوية قادرة على وضع الخطط وتنفيذها بطريقة مهنية لا سياسية.

§      التخصيص العادل للموارد والثروات والأموال بما يخفف من حدة الفقر والفوارق الطبقية والإقليمية.

§      فسح المجال للمشاركة الواسعة للقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في وضع الخطط وفي متابعة التنفيذ.

§      خلق مناخ ملائم للمبادرات الخاصة وتشجيع الاعتماد على الذات.

§      الشفافية وتفعيل دور الجهات الحسابية والرقابية.

§      التبادل السلمي للسلطة يشعر المستثمرين ورجال الأعمال بالاطمئنان ويشجعهم على توسيع أعمالهم وأنشطتهم.

4.9. اللامركزية والمشاركة الواسعة

      وهذا العنوان يشمل طائفة واسعة من التفاصيل المتعلقة بتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار أفقياً على مستوى أقاليم البلاد وعمودياً على مستوى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وحرية التعبير عن الرأي في الصحافة وحق الاعتصام والتظاهر. إن تسمية النظام السياسي بالبرلمان وإجراء انتخابات دورية لا يعد كافياً لبناء ديمقراطية حقيقية ما لم يرتبط ذلك بممارسات فعلية تفضي إلى المحاسبة والشفافية واستقلالية للهيئات غير الحكومية واعتماد مبدأ المواطنة  في مفاصل الدولة وتعاملات مؤسساتها مع الافراد والجماعات, وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.

      إن القيود على الأفراد والجماعات تعيق انطلاق المبادرة , والإحساس بالظلم يقود الناس إلى التطرف والابتعاد تدريجياً عن المواطنة وفقدان الموازنة بين الحقوق والواجبات, فتتحول الدولة إلى إقطاعيات حزبية أو قبلية أو مذهبية أو عرقية,  وبدلاً من التوجه نحو التنمية واستدامتها تتجه البلاد نحو التفكك وأوضاعها نحو التأزم, وشيئاً فشيئاً تفقد الديمقراطية الهشة بريقها وفاعليتها, وتتوقف عجلة التنمية وتبتعد عن الاستدامة.

     إن غياب المشاركة الفاعلة في النقد والبناء للصحافة والإعلام والتنظيمات السياسية والفكرية العامة والخاصة سيقود حتماً إلى هدر المال العام ونهب الثروات وتحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات لهذه الفئة أو تلك, فتغيب المواطنة, وتضعف قدرة الدولة على إعداد سياسات تنموية رشيدة, وتتعذر إمكانية تنفيذها, وتتحول ملكية الدولة ومواردها من الشعب إلى الإقطاعيات الخاصة, وعندها تبدد ثروات البلاد وتخفق كل إرادات التنمية الاقتصادية والبشرية.

     ومن الأولويات الهامة ضمن هذا الإطار إعطاء دور ريادي وفاعل للقطاع الخاص في عملية التنمية لا أن يترك متحركاً ضمن هامش ضيق يتعذر معه انجاز مهام وطنية عليا.

5.9. الشفافية ومحاربة الفساد

     إن من الدعائم الأساسية للعمل الديمقراطي هو إتاحة المعلومات الكافية والدقيقة والتي تتعلق بالمصلحة العامة ووضعها بين أيدي المهتمين بشأنها, وذلك لغرض تقويمها ونقدها ومتابعة تنفيذها, كما إن المستفيدين من برامج التنمية الاقتصادية والبشرية هم أولى من غيرهم بالمشاركة في وضعها والاطلاع على مراحل تنفيذها ومحاسبة المقصرين عن إداءها .

      ومحاربة الفساد تحتاج إلى سلطة قانون نافذ قادر على الكشف عن الإخلال بالمال العام ومحاسبة من يقع تحت طائلته بعيداً عن المحسوبية والانتماء لجهة معينة.

      إن قوة المسائلة وعدالتها ومصداقيتها تعد مرتكزاً أساسياً للحكم الرشيد وحافزاً هاماً للتنمية, فهو يبدد مخاوف رأس المال من المخاطرة, ويدعم الثقة بالاقتصاد المحلي فيشجع الاستثمار الخارجي والتعاملات المالية والمصرفية الأجنبية بمثيلاتها المحلية , ويردع في ذات الوقت عمليات استغلال المنصب أو مؤسسات الدولة لأغراض خاصة أو حزبية أو سياسية. وتعتبر محاربة الفساد أحد أهم أوجه الثقة بنظام الحكم وبالنظام الاقتصادي القائم, وأخيراً فإن بناء رأي عام وتحويله إلى قوة للمسائلة والمحاسبة تضاف كوجه آخر من أوجه الشفافية والردع للفساد, ومدعاة للثقة وإشاعة روح المواطنة, ما ينعكس إيجاباً على مجهودات الاستدامة.

6.9. دور القطاع الخاص في مسار التنمية المستديمة

      لن نكون هنا بموضع جدل أو تفضيل بين الأنظمة الاقتصادية المعروفة, فالرؤى والمنطلقات الفكرية وإيجابها وسلبها بات معروفاً. وإذا شئنا الانطلاق مما انتهت إليه المماحكات الفكرية بهذا الشأن نشير إلى أهمية كل من القطاع العام والخاص في مجهودات التنمية, بل والى الذهاب بعيداً إلى الطريق الثالث وهو التعاون والتآزر والتكامل بين هذين القطاعين.

      لقد تعرضت كل من الفلسفتين إلى اعتراضات على الصعيدين الفكري والتطبيقي, فتوجهات اقتصاد السوق القائمة على استحواذ القطاع الخاص على مجمل الأنشطة الإنتاجية والخدمية وباعتمادها مبدأ الربحية    والكفاءة الاقتصادية قد افرغ هذه الأنشطة من أبعادها الاجتماعية وفقدان مبدأ العدالة والمساواة وظهور جوانب الخلل القطاعي والمكاني والإنساني في مفاصل شتى من حياة الناس. وبالمقابل فإن الأطروحات الفكرية والعملية للأنظمة الموجهة أو المركزية أو الاشتراكية ونتيجة اهتمامها الفائق بالقطاع العام لإحداث التنمية المطلوبة مسترشدة بالرؤى الفلسفية التي تهدف إلى العدالة الاجتماعية والمساواة, أفقدت الأنشطة الاقتصادية من بعدها الاقتصادي وتغافلت عن مبدأ الكفاءة الاقتصادية , فتآكل رأس المال العام وتدنى الإنتاج كماً ونوعاً في كثير من الأحيان وعجزت مؤسسات القطاع العام عن المنافسة في سوق حرة إقليمية ودولية تتجه وبقوة نحو عولمة الإنتاج والتسويق المادي والفكري والإعلامي.

وللخروج من دائرة الفشل أو التراجع فقد توجب على الانظمة الموجهة مركزياً أن تولي القطاع الخاص هامشاً في الحياة الاقتصادية وفي التنمية وخاصة لجهة ابعادها  في الاستدامة لكونه أوسع انتشارا, وأكثر قرباً من الطبقات الفقيرة وقدرة على إشباع حاجاتهم البسيطة للسلع والخدمات, وهذه باجمعها تصب في موضوعة الاستدامة.

      أما بالنسبة لتوجهات اقتصاد السوق وقطاعه الخاص والمتعلقة باعتماد مبدأ الربحية والكفاءة الاقتصادية, فقد توجب تدخل الدولة لتوجيهه وتضمين أنشطته أبعاداً أخرى تضاف لما سبق أهمها الحفاظ على البيئة وترشيد الانبعاثات  والبحث عن بدائل للطاقة المتجددة مع اعتبار عدالة التوزيع والتوقيع المكاني للأنشطة. وإذا كان من المتعذر فعلياً قيام مؤسسات اقتصاد السوق طوعياً بهذه المهام , فإن الدولة أخذت على عاتقها مسؤولية توجيه الأنشطة الإنتاجية والخدمية نحو الإيفاء بمطالب الاستدامة.

      إن التنظيرات الاقتصادية السابقة كانت تبين الهوة الواسعة بين التوجهات الأيديولوجية لكل من الفلسفتين, ونتيجة التحديات التي جابهت كلاً منهما فقد ضاقت هذه الفجوة ليتضح منهج ثالث جديد يؤكد على التعايش والعمل المشترك الذي يكرس ويؤكد على دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفي قطاع الخدمات, فيما يطلق العنان للقطاع العام في قطاعات يعجز عن ولوجها القطاع الخاص, فضلاً عن الخدمات الأساسية التي لا يمكن الركون فيها على اعتماد مبدأ الربحية , ولابد من توفيرها للمواطنين بكفاءة وكلفة مناسبة مسترشدين بهدي معايير الاستدامة والتنمية البشرية والعدالة الاجتماعية.

7.9. التعاون الدولي

       لم تعد الاستدامة في التنمية أو البيئة موضوعاً محلياً يخص شؤون إقليم أو دولة أو مجموعة منها دون سواها, إذ أن أسباب عدم الاستدامة ونتائجها, فضلاً عن معالجاتها أصبحت ذات بعد عالمي يجتاز الحدود الوطنية للدول.

     ولضمان نجاح توجهات الاستدامة, فقد قامت الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة بدور ريادي في هذا المضمار, حاشدة الجهود الدولية ومنسقة العمل بين الدول والمؤسسات المهتمة بهذا الشأن , ولأجله عقدت العديد من الاتفاقات الدولية أغلبها برعاية أممية, وقد صادقت عليها غالبية دول العالم مع بعض الاستثناءات.

      تعدّ هذه الاتفاقات الدولية ملزمة التنفيذ, ويتطلب أمر تنفيذها العمل المشترك والتعاون ما بين المؤسسات الوطنية والدولية, كما يخضع أمر التنفيذ لمراقبة مشتركة ترعاها الأمم المتحدة, ولهذا الباب مدخل سياسي, إذ تعتبر بعض الدول إن الامتثال لهذه الاتفاقات أو الإشراف ألأممي أو الدولي على تنفيذها قد يضّر بمصلحة الدولة, فلا تلتزم بها حيناً وقد يكون التزامها غير متواصل, أو يشمل نشاطاً دون آخر, فالدول تبحث دائماً عن مصالحها, وفيما إذا وجدت أن بعض نصوص هذه الاتفاقات تضر بمصالحها الوطنية من قبيل زيادة كلف الإنتاج, أو غلق بعض الأنشطة الضارة بالبيئة, أو يقلل في النهاية من قدرة منتجاتها الوطنية على منافسة السلع الأجنبية المماثلة, فإنها قد تتخذ الإجراءات التي من شأنها تقويض الالتزام الحرفي بالعهود والمواثيق الدولية, هذا فضلاً عن اعتقاد البعض منها إن مثل هذا الالتزام قد يعني إضعاف لمبدأ السيادة من الوجهة السياسية.

      وفي حالات عديدة لم تلتزم بعض الدول بمثل هذه الاتفاقات كلاً أو جزءاً بعد المصادقة على بنودها بسبب ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على الاستجابة الكاملة لبنودها المتعلقة بإجراءات التنفيذ أو متابعة الرقابة أو توفير البيانات وحساب المؤشرات التي تعتمد لقياس الاستدامة في مختلف أبعادها الاقتصادية أو البيئة أو الاجتماعية أو المؤسسية ولأسباب سياسية.

      إن التعاون الإقليمي والدولي لكي يكون فاعلاً ومؤثراً في مجال الاستدامة لابد أن يستند إلى رغبة الدولة السياسية في العمل المشترك الثنائي أو الإقليمي أو الدولي أو ألأممي , وعلى قدرة الدولة بخططها ومؤسساتها على الالتزام بالمواثيق والبروتوكولات الخاصة بالاستدامة من النواحي القانونية والإدارية والفنية والمالية. وتلكؤ الدول عن التعاون أو عدم تنفيذها للاتفاقات الدولية قد لا يكلفها تبعات قانونية أو اقتصادية وحتى سياسية على المستوى الدولي, إلا أن إدخال الأبعاد الأخلاقية في التعامل الدولي , والنظر إلى المصالح ليس من الوجهة الآنية فحسب, بل وإلى المستقبل أيضاً, فضلاً عن أن المركب العالمي لكوكبنا واحد, وكل هذه الاعتبارات قد تعطي مبررات كافية للدول للتوقيع وتنفيذ مواثيق الاستدامة حتى وإن كانت خسائرها الآنية من ذلك تزيد على أرباحها .

     وعلى المستوى الأدنى فإن عدم امتثال الشركات لمواثيق البيئة قد يعرضها لخسائر وغرامات فضلاً عن المخاطر المتعلقة بسوء السمعة, والشركات المعرضة للمخاطر المتعلقة بسوء السمعة تحتاج إلى توضيح أهليتها للمواطنة الصالحة, وفي كثير من الدول فإن المهتمين بشؤون سلامة البيئة يتابعون ويدققون في سلامة موقف هذه الشركات من البيئة وكثيراً ما اضطرت الشركات العملاقة إلى إنفاق استثمارات ضخمة لتفادي الحوادث المتعلقة بالبيئة حفاظاً على سمعتها( رينا توجيه, ص 105).  

مصادر الفصل التاسع:-

-

باتر محمد علي وردم, العالم ليس للبيع, مخاطر العولمة على التنمية المستدامة, الأهلية للنشر والتوزيع, عمان , 2003.

-

حسنين توفيق إبراهيم علي, الأبعاد السياسية لأزمة التنمية الإنسانية في الوطن العربي, النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية, الأبعاد السياسية والاجتماعية, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, بيروت, 2013.

-

رينا توجيه أورساتو , استراتيجيات الاستدامة, متى يكون التوجه الأخضر مجزياً؟, مركز الإمارات للدراسات والبحوث والاستراتيجية, أبو ظبي,2012.

-

د. سهير إبراهيم حاجم الهيتي, الآليات القانونية الدولية لحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة, منشورات الحلبي الحقوقي, بيروت, 2014.

-

طلال أبو غزالة وآخرون , دور القطاع الخاص في مسار التنمية المستدامة وترشيد الحكم في الأقطار العربية, المنظمة العربي لمكافحة الفساد, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, بيروت,2013.

-

أ. د. عبد الزهرة علي الجنابي, الجغرافيا الصناعية, الطبعة الثانية, دار الصادق الثقافية, بابل, 2017.

-

د. قادري محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت,2013.

-

محمد عبد الشفيع عيسى, الدور التنموي للدولة, مجلة عمران للعلوم, الإنسانية, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات , العدد 1, المجلد الأول, بيروت,2012.


الباب الثاني :

                        تجارب عالمية

الفصل العاشر :

تجارب عالمية ضمن إطار التنمية المستديمة

 الباب الثاني : تجارب عالمية

الفصل العاشر : تجارب عالمية ضمن إطار التنمية المستديمة

تمهيد:

        اتضح مما سبق أن التنمية المستديمة هي البديل الأكثر نجاعة من مجهودات التنمية الاقتصادية التقليدية, حيث تتجه نحو المساواة بين الأفراد والجماعات في ذات البلدان , ومحاولة تضييق الفجوة ما بين دول العالم المتقدمة والنامية, فضلاً عن احترام البيئة حفاظاً وصوناً , والثروات ترشيداً.

       ولقد تبين إن إنجاز خطوات ذات مصداقية في مشوار الاستدامة إنما يتطلب في البدء توفر النوايا الأكيدة, ثم العمل الدؤوب لوضع هذه النوايا موضع العمل الحكومي المخطط لرسم آليات العمل والاستراتيجيات المطلوبة.

       وإذ قامت الأمم المتحدة بجهود واسعة لتحديد مضامين الاستدامة وأبعادها والياتها, والأهم مؤشرات متنوعة وشاملة لقياسها, فإن المطلوب من الدول التي ترى في الانضمام إلى هذه المساعي ضرورة ذات أهمية هي أن عليها أن توفر البيانات الكافية وذات المصداقية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ذات العلاقة بالتنمية المستديمة .

1.0. الإطار العام لقياس التنمية المستديمة

        وضعت الأمم المتحدة مجموعة واسعة ووافية من المؤشرات لقياس الواقع الحالي للتنمية المستديمة ولمتابعة تغير أحوالها عبر الزمن. وحضّت في ذات الوقت دول العالم إلى الأخذ منها بما يتناسب وأولوياتها في التنمية أو الاهتمامات, وعموماً يمكن إعادة جدولتها في الأبواب الرئيسية الآتية:-

أولاً:  المحاسبة الخضراء أو المؤشرات الاقتصادية.

ثانياً:  المؤشرات الاجتماعية .

ثالثاً: المؤشرات البيئية.

واختيار المؤشرات التي تغطي كل باب من الأبواب السابقة يعتمد على:-

1.     طبيعة الأولويات الوطنية والإقليمية التي تحدد بضوء دراسة الخصائص الجغرافية للدولة أو الإقليم.

2.     الموائمة بين الأولويات الوطنية وتلك المقترحة من قبل الأمم المتحدة.

3.     مراعاة إمكانية جمع هذه البيانات من مصادرها.

4.     مصداقية هذه البيانات.

5.     استمرارية توفير هذه البيانات عبر الزمن لغرض المتابعة والتقويم.

6.     الجانب الفني المتعلق بجمع وتبويب وعرض وتدفق البيانات ووضعها تحت تصرف المعنيين وخاصة الجهات المعنية بالتنمية المستديمة في الأمم المتحدة.

2.10. تنفيذ الحسابات القومية الخضراء في العالم

       لا يوجد إطار محاسبي موحد على المستوى الدولي تأخذ به كل الدول في مجال رصد الحسابات الاقتصادية والبيئية المتكاملة وإنشائها, مثل ما هو معمول به في الحسابات القومية التقليدية, وظهرت تسميات عدة تؤدي كلها إلى المحتوى ذاته مثل المحاسبة البيئية, والمحاسبة الخضراء, ومحاسبة الموارد البيئية.

       وقامت الأمم المتحدة بإجراء استبيان دولي حول مـــــدى توافر الإحصاءات البيئية وتنفيذ الحسابات القومية الخضراء , وأرسلت الاستبيان إلى كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 2007, وكان عددها في حينه 192 دولة, فاستجابت له 97 دولة , وتبين توافر البيانات عن الإحصاءات البيئية عند 88 دولة منها, وإحصاءات المحاسبة البيئية عند 49 دولة فقط.

     وقد كانت الدول المتقدمة في أوربا وأمريكا الشمالية هي الأكثر استجابة وتوفيراً للبيانات(عبد الحميد رضوان, ص ص 62-64).

       ولقد تبين من إجابات الدول على الاستبيان إن مجالات الاهتمام البيئية المنفذة في المحاسبة البيئية والاقتصادية قد تباينت فيما بين الدول عامة من جهة وما بين الدول المتقدمة والنامية من جهة أخرى, وهـــــــــي كما يعرضها الجدول(10-1).

ومن الجدول أعلاه يمكن بيان الآتي:

أولاً: إن الاهتمام الأكبر للدول المستجيبة تركز على حسابات الطاقة وانبعاث العوادم, وقد شمل هذا الاهتمام كل من الدول المتقدمة والنامية.

ثانياً: وبدرجة تالية ومتقاربة نسبياً جاء الاهتمام بحسابات الإنفاق على حماية البيئة وحسابات المياه وحسابات الغابات وتدفق المواد والنفايات وعلى مستوى دول العالم ككل.

ثالثاً: وقد نالت حسابات المياه اهتماماً متقدماً وأولوية عظمى بالنسبة للدول النامية.

3.10. جوانب من تجارب دولية في التنمية المستديمة

        يقاس الوضع القائم للتنمية المستديمة في أية دولة أو إقليم بالاعتماد على مجموعة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية التي اختارتها الدول بالموائمة بين مؤشراتها المحلية والمؤشرات المائة والثلاثين التي أعدتها لجنة التنمية المستديمة في الأمم المتحدة. وإذا كانت الدول المتقدمة أطول باعاً وأكثر اهتماماً بمؤشرات التنمية المستديمة ومثابرة في توفير الإحصاءات عنها, فإن الدول النامية تحاول وبدرجات متفاوتة تكييف إحصاءاتها الدورية لتتماشى مع المطالب الأممية. وسنختار بعضاً من التجارب العالمية.

الجدول 10-1

مجالات الاهتمام البيئية المنفذة في المحاسبة البيئية والاقتصادية المتكاملة

البيان

كل العالم

الدول المتقدمة

الدول النامية

عدد الدول

%

عدد الدول

%

عدد الدول

%

كل الدول-العالم

44

100

29

100

15

100

حسابات الطاقة وانبعاث العوادم

33

75

23

76

11

73

حسابات الإنفاق على حماية البيئة

24

55

18

62

6

40

حسابات المياه

22

50

9

31

13

87

حسابات الغابات

22

50

13

45

9

60

حسابات تدفق المواد والنفايات

22

50

16

55

6

40

حسابات الأصول التعدينية

14

32

5

17

9

60

حسابات الأرض والنظام الايكولوجي

10

23

4

14

6

40

حسابات الأسماك والمصائد

9

20

4

14

5

33

جداول العرض والاستخدام المادية

5

11

3

10

2

13

مجالات أخرى

9

20

6

21

3

20



















المصدر:United Nations Commission, Global Assessment of Environment Statistics and

نقلاً عن عبد الحميد رضوان ص65      65 Economic Accounting,  38 Session, 2007.

1.3.10. التجربة الجزائرية

       وفر الديوان الوطني للإحصاءات في الجزائر  إحصاءات على قدر عال من الدقة لبيان حالة الاقتصاد والاستدامة مبوبة على مجموعة من الأبواب نعرض بعضها وكالاتي (د. قادري ص ص 182-223):

1.   المؤشرات الاقتصادية

التي تعتبر من أهم المؤشرات المتعلقة بالتنمية المستديمة. 

‌أ-   نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي توضح بياناته ارتفاع هذا النصيب من 5063 دولار عام 1999 إلى 6090 دولار عام 2001 غير إنه ما زال منخفضاً مقارنة بمثيله العالمي والبالغ 7804.

‌ب-  نسبة إجمالي الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي.

تشير التقديرات إلى أن نسبة الاستثمار كانت 21.9% عام 1990, وصلت إلى 29.8% عام 2003 وبذلك تعتبر الجزائر ثاني دولة عربية تحقق نسبة عالية من الاستثمار إلى الناتج المحلي بعد قطر.

‌ج-  رصيد الحساب الجاري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي

وقد بلغت هذه النسبة في الجزائر حوالي 13.4% عام 2003 وهي تعد نسبة مقبولة عموماً.

‌د-    مجموع الدين الخارجي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

انخفضت المديونية الخارجية للجزائر من 76.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1995 إلى 26.4% عام 2004. وكانت خدمة الدين تقدّر بحوالي  14.2% في العام الأول, غير إنها تراجعت إلى 8% في العام الأخير.

‌ه-  صافي المساعدات الإنمائية الرسمية.

قدّرت نسبة المساعدات المقدمة للإفراد بنسبة 0.4% عام 1990, تراجعت إلى 0.3% عام 2001.

2.   المؤشرات الاجتماعية:-

 وهي على قدر عالٍ من الأهمية في قياس التنمية المستديمة وتشتمل على مؤشرات عدة أهمها:-

‌أ-   مؤشرات الفقر البشري

بلغت نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم عام 1990 أكثر من 2%, وكان نصيب أفقر 20% من الدخل والاستهلاك لنفس المدة 7% . وقدرت نسبة الأطفال دون الوزن المناسب لأعمارهم (دون الخامسة) لنفس السنة بحوالي 6%, ونسبة ناقصو التغذية من السكان حوالي 6%. وبينما كان المفروض تراجع هذه النسب للمدد التالية, إلا أن الذي حصل كان العكس, حيث بلغت نسبة السكان تحت خط الفقر بدولارين في اليوم 15.1% عام 2001.

‌ب- معدل البطالة

تشير الإحصاءات المتيسرة إلى وجود 1.5 مليون عاطل عن العمل, في حين أن الدولة لا تستطيع أن توفر أكثر من 250 ألف فرصة عمل سنوياً وهذه الأرقام تعني أن أكثر من ثلث الشباب عاطلون عن العمل.

‌ج- نوعية الحياة

يتضح من البيانات أن 11% من عموم السكان لا يتمكنون من الحصول على المياه الصالحة للشرب, مع تزايد هذه النسبة إلى 18% في الريف. ويلاحظ أن نسبة المشمولين بخدمات الصرف الصحي كانت عالية جداً وبحدود 99% من السكان الحضر.

‌د-  التعليم

تراجعت نسبة الطلاب المحرومون من الدراسة الابتدائية بثبات, حتى قدّر أن نسبة الالتحاق الاجمالي بالتعليم الابتدائي والثانوي والعالي عام 2001 كانت 71% إلا أن المشكلة تبقى في نوعية التعليم, وتأهيل كوادر مستقبلية وفق متطلبات العصر.

‌ه-  معدل النمو السكاني

بلغت نسبة نمو السكان 2.4% لغاية 2003 وهي نسبة عالية مقارنة بالجهود الرامية إلى تحقيق التنمية المستديمة في البلاد.

‌و- النسبة المئوية للتحضر

  يقدر أن نسبة السكان الحضر كانت بحدود 65.2% عام 2015, وقد تصل إلى 75% بحلول عام 2020, وهذه النسبة العالية للتحضر تضيف مشاكل جدية للتنمية المستديمة.

3.   المؤشرات البيئية

‌أ-     متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية

 بلغ نصيب الفرد الجزائري السنوي من المياه العذبة المتاحة 418 م مكعب, في حين قدّر المعدل العالمي بحوالي 7700 م³ للفرد الواحد, وبالمقارنة مع نسبة نمو السكان البالغة 2.4% سنوياً فإن هناك ضغطاً متوقعاً ونقصاً واضحاً في موارد المياه .

‌ب-  نصيب الفرد من إجمالي الأراضي المزروعة

 هناك تراجع في متوسط نصيب الفرد من الأراضي المزروعة الذي قدر بحدود 0.23 هكتار للفرد عام 1998, ويقدّر تراجعه إلى 0.15 هكتار بحلول عام 2020.

‌ج-  كمية الأسمدة المستخدمة سنوياً

ارتفع استهلاك الأسمدة على المستوى الوطني من 16.6 كغم/هكتار بداية عقد السبعينات إلى 44.9 كغر/هكتار عام 1998 لكنه بقي أقل كثيراً من المعدل العالمي. البالغ حينها 105.4 كغم/هكتار.

‌د-   الأراضي المصابة بالتصحر

تشير آخر الإحصاءات إلى أن أكثر من 68.1% من المساحة الإجمالية للجزائر مصابة بالتصحر.

‌ه- التغيرات في مساحة الغابات

تحدد المعايير الدولية نسبة 20% كمؤشر مقبول لمساحة الغابات من المساحة الإجمالية لكل بلد, فيما بلغت هذه النسبة في الجزائر 0.9% فقط.

4.   المؤشرات المؤسسية

‌أ-   خطوط الهاتف لكل 100 نسمة

يبلغ المتوسط العالمي لها 18 خطاً لكل مائة من السكان عام 2002, فيما بلغ في الجزائر بحدود 8 خط عام 2005.

‌ب-  المشتركون في الهاتف النقال لكل 100 نسمة

في عام 2001 كان المعدل العالمي 18.77 لكل 100 نسمة, فيما كان في الجزائر لنفس العام 6.4.

‌ج-    الحواسيب الشخصية لكل 100 نسمة

قدر هذا العدد في الجزائر بحدود 0.7 جهاز حاسوب لكل 100 شخص عام 2001 فيما العالمي كان 9.22.

‌د-      مستخدمو الانترنيت لكل 100 شخص

بلغ رقم المستخدمين 2.4% مقارنة بالمعدل العالمي الذي بلغ حينها 9.72% .

5.   برامج ومشاريع الطاقات المتجددة في الجزائر

أنجزت ضمن إطار الاستراتيجية الوطنية للبيئة المستديمة عدة مشاريع نذكر منها(زواوية ص ص 352-355).:-

‌أ-   التخفيض من الغاز المشتعل من 9.8 مليار م³ عام 1980 إلى 4 مليار م³ عام 2001.

‌ب-  استحداث مركز  لتنمية الطاقات المتجددة في عام 1988.

‌ج- وحدة تنمية الوسائل الشمسية وأخرى للتجارب الخاصة بالوسائل الصحراوية العميقة

‌د-   إنشاء وحدة لصنع معدات استغلال مصادر الطاقة المتجددة.

2.3.10. تجارب في إعداد الحسابات القومية الخضراء

      قامت الشعبة الإحصائية في الأمم المتحدة بمحاولات لإدخال المتغيرات البيئية في الحسابات القومية بدءاً من عام 1986, ونتج عن ذلك اعتماد نظام الحسابات لعام 1993 الذي اشتمل على ملحق يتعلق بالحسابات البيئية, ثم ظهر الدليل الإحصائي لتنفيذ الحسابات في عام 2000. وفي عام 2003 وضعت الأمم المتحدة بمشاركة عدد مــــــــن الهيئات واللجان الدولـــية (( دليل المحاسبة البيئية والاقتصادية والوطنية المتكاملة)) . وهذا دليل يمكّن الحكومات من إجراء الحسابات القومية الخضراء.

     وقد قامت ذات الشعبة الإحصائية بتنفيذ الحسابات القومية الخضراء في عدد من دول العالم بالتعاون مع الأجهزة المعنية فيها) لبيان مدى إمكانية التنفيذ في الواقع العملي, واختيرت مجموعة من الدول تمر بمراحل مختلفة من التنمية وهذه الدول هي المكسيك وكوريا الجنوبية وبابوا غينيا الجديدة (عبد الحميد ص ص 80-87) واخترنا عرض تجربة بابواغينيا الجديدة كونها تمر بمراحلها الأولى من التنمية الصناعية ومحدودية المشكلات البيئية وبساطة فهم التجربة للأوساط الأكاديمية.

        نفذت الحسابات الخضراء وفقاً للمراحل الآتية:-

الأولى:- تنفيذ الحســابات القومية التقليدية بالاعتماد على جداول المستخدم ـــ المستخرج لمعرفة التشابك بين القطاعات الاقتصادية , على أن تفصل التدفقات والأرصدة ذات الصلة بالبيئة في هذه الحسابات .

ثانياً:-تقييم التكاليف البيئية الناتجة عن نضوب الموارد الطبيعية والتدهور البيئي.

ثالثاً:-تحديد خدمات حماية البيئة والنفقات المقابلة لها الناتجة عن أنشطة إصلاح أو تحسين البيئة.

رابعاً:-مقارنة الاستهلاك النهائي بصافي الناتج المحلي والناتج المحلي المعدل بيئياً لبيان مدى اعتماد الاقتصاد على استهلاك أصوله الرأسمالية.

وكانت نتائج الحسابات الخضراء كما عرضها الجدول التالي  10-2

الجدول 10-2

المقارنة بين الناتج المحلي والناتج المحلي المعدل بيئياً لاقتصاد دولة بابوا غينيا الجديدة بالعملة المحلية

البيان

1986

1987

1988

1990

الناتج المحلي

2314

2569

2862

2760

الناتج المحلي المعدل بيئياً بتكاليف النضوب والتدهور البيئي (EDP1)

2187

2360

2755

2580

الناتج المحلي المعدل بيئياً بتكاليف النضوب والتدهور البيئي (EDP2)

2133

2306

2702

2526

الفرق بين الناتج المحلي والناتج المحلي المعدل بيئياً(EDP2) مقسوماً على الناتج المحلي %

7.8

10.3

5.6

8.5

الفرق بين الناتج المحلي والناتج المحلي المعدل بيئياً(EDP1) مقسوماً على الناتج المحلي %

5.5

8.2

3.7

6.7

الاستهلاك مقسوماً على الناتج المحلي الإجمالي %

93.1

94.6

89.2

99.8

الاستهلاك مقسوماً على الناتج المحلي المعدل بيئياً (EDP2) %

105.4

105.5

94

109.1

المصدر: عبد الحميد رضوان عبد الحميد, إعداد الحسابات القومية الخضراء في دولة الإمارات المتحدة نحو

              تحقيق التنمية المستدامة, مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية, أبو ظبي, 2014, ص 83.

ويتبين من الجدول أعلاه الآتي:-

1.   إن نسبة الناتج المحلي المعدل بيئياً بتكاليف النضوب يقل عن صافي الناتج المحلي بنسبة 1-8%, وإن الناتج المحلي المعدل بيئياً بكل من تكـاليف النضوب والتدهور البيئي يقل عن الناتج المحلي بنسبة 3-10%.

2.  تراوحت تكلفة النضوب في قطاع التعدين ما بين 1-8% من صافي الناتج المحلي الإجمالي لتعطي ناتجاً محلياً معدلاً بيئياً بنسبة 92-99%.

3. تم تقدير تكاليف التدهور البيئي بنسبة 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاعات الزراعة والغابات والتعدين والطاقة . وبخصم عن تلك التكلفة من الناتج المحلي بيئياً بتكاليف النضوب تم الحصول على الناتج المحلي الإجمالي لكل من تكاليف النضوب والتدهور البيئي الذي بلغت نسبته 90-97% من الناتج المحلي الإجمالي.

4.     إن الاستهلاك النهائي  يزيد عن الناتج المعدل بيئياً في معظم السنوات, وهذا يعني إن اقتصاد البلاد ينمو على حساب الأصول الرأسمالية.

 مصادر الفصل العاشر

-

رانيا بلمداني, اثر السياسات التنموية في فرص العمل , حالة الجزائر, النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في الدول العربية, مجموعة باحثين , المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات , بيروت ,2013 .

-

زواوية حلام, دور  اقتصاديات الطاقة المتجددة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الدول المغاربية, مكتبة الوفاء القانونية, دار الوفاء لدنيا للطباعة والنشر, الإسكندرية, 2014.

-

عبد الحميد رضوان عبد الحميد, إعداد الحسابات القومية الخضراء في دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تحقيق التنمية المستدامة, مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية, أبو ظبي, 2014.

-

د. قادري محمد الطاهر, التنمية المستدامة في البلدان العربية بين النظرية والتطبيق, مكتبة حسن العصرية للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت , 2013.

 - United Nation commission, Global Assessment of Environment Statistics and Environmental Economics Accounting, 38 Session, 2007. 

الباب الثالث :

            أبحاث في التنمية المستديمة

الفصل الحادي عشر :   

                                    بحث في الصناعة

الباب الثالث : أبحاث في التنمية المستديمة

  الفصل الحادي عشر :    بحث في الصناعة

         جمهورية العراق

          جامعة بابل

كلية التربية للعلوم الإنسانية

الصناعات الصغيرة ودورها في التنمية المستدامة

(  تطبيقات على محافظة بابل)*

 

                                 

الأستاذ الدكتور

عبد الزهرة الجنابي


الصناعات الصغيرة ودورها في التنمية المستدامة

أ.د. عبد الزهرة الجنابي      كلية التربية للعلوم الإنسانية- جامعة بابل- العراق

      لا يوجد تعريف محدد لمصطلح الصناعات الصغيرة ، لتباين أنظمة الدول ومستويات تطورها الاقتصادي ،إلا إن هناك شبه إجماع على خصائصها الرئيسة : الإدارة الفردية، وصغر حجوم منشآتها وضآلة عدد العاملين فيها، واعتمادها في الغالب على مدخلات محلية،  وموجهة نحو خدمة أسواق محلية صغيرة ، فضلاً عن المستوى التقني البسيط لعملياتها الصناعية.

     مثلت الصناعات الصغيرة ما يقرب من 95% من إجمالي عدد منشآت الصناعة التحويلية في العراق ومنطقة الدراسة وهي محافظة بابل، واشتغل بها 25% من قوة العمل الصناعي.

      واجه القطاع الصناعي عامة كثيراً من التحديات قبل وبعد عام 2003، فتراجع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون 2%، إلا أن هذه الصناعات في بابل قد تخطت كثيراً منها،  فالمحافظة تضم الآن 9.6% من إجمالي منشآتها في البلاد مقارنة بحوالي 5.5% من السكان، واشتغل بها 7.5% من العاملين ،إلا أنها أسهمت بحوالي 4% من القيمة المضافة فقط.  ولقد تبين من الدراسة الميدانية أن فروعها الرئيسة قد توزعت ما بين الصناعات الغذائية والنسيجية والأثاث الخشبية والإنشائية والمعدات الهندسية البسيطة، وإن منشآتها قد امتدت مكانياً على مساحة واسعة في المحافظة ومنها الريف ، ووفرت فرص عمل هامة  لشرائح الإناث والأقل تعليماً من السكان ، واعتمدت بنسبة عالية على مدخلات زراعية محلية ، وإن جلّها موجه نحو سوق داخلي مع قدرة لبعض منتجاتها لدخول أسواق خارجية .كل هذا سمح بالقول بأهميتها لتحقيق جوانب هامة من التنمية المستدامة بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية  ،إلا أنها تبقى بحاجة إلى مد يد العون ،  وخاصة ما يتعلق بتوفير الحماية لها من المنافسة غير العادلة من السلع الأجنبية المستوردة،  وتطمين احتياجها لمصادر الطاقة والتسهيلات المصرفية وخدمات البنى التحتية.. 

  Small Industries and Their Role in Sustainable Industries   

            There is no specific definition to Small Industries term , because of the countries systems variance , and the economic development levels. Nevertheless, there is semi-agreement concerning its main characteristics: individual management ,mini-size firms , exiguity of workers numbers , its dependence , mostly, on local inputs , oriented to serve small local markets , moreover , the simple technology of its industrial processes .

      Small industries had been illustrated as about 95% from total number of manufacturing industries establishments in Iraq and in case study spot Babylon Governorate , and worked in about 25% from the industrial labour force .

    Industrial  sector has faced , generally, many challenges before and after 2003, thus its contribution of total Domestic Gross Production has been declined into lower than 2% , nevertheless, in Babylon have exceeded many of them. The governorate ,now, including 9.6% of its total establishments in country compared with  5.5% from population of country, 7.5% of workers worked in , but it shared of only 4% from added value.

     From the applied study , it seems that its main branches are : fooding, textile , wood furniture's, construction, and simple geometric equipments. Its establishments expanded  into wide areas in the governorate specially rural , and provides an important labour inning for females, and the hardly educated inhabitants, depends in high percentage on local agricultural inputs, consequently, most of them oriented to serve local markets, and some of them may gain foreign markets. That allowed as to talk about its importance to achieve many sides from sustainable development in its dimensions: economic , social , and environmental, however , those need an assistant : providing protection from unfair competition of  imported goods, offers its needed of energy , financial facilities, infrastructure services .       

             المقدمة

    يشتمل مصطلح الصناعات الصغيرة على طيف واسع من الصناعات التي تشترك بمزايا عديدة تؤهلها لإشغال دور هام في محفل التنمية المستدامة ، فهي وإن اتصفت بصغر حجوم منشآتها ، ورؤوس أموالها المحدودة ، فلها امتداد مكاني واسع ، ومرونة في التكيف للمتغيرات المختلفة ، وتوفيرها فرص عمل لغير المؤهلين ، فضلاً عن مزايا إيجابية أخرى لا تقل أهمية عما سبق.

    عكفت مشكلة البحث على دراسة مدى قدرة الصناعات الصغيرة على استثمار المتاح من الإمكانات التنموية المحلية ، وثم بيان قدرة هذه الصناعات على النمو المستمر وبكفاءة اقتصادية.

     افترض البحث إمكانية عالية للصناعات الصغيرة على استثمار الموارد بكفاءة ومرونة عاليتين مما يضمن استدامة نموها في الظروف الاعتيادية.

     ولغرض فحص مشكلة البحث وفرضيته ميدانياً ، أُختيرت محافظة بابل التي تقع بين دائرتي عرض 7-  32 °- 8- 33° شمالاً، وبــــين خطي طول 42-43°- 50- 45° شرقاَ، ( الخارطة 1) منطقةً للــــــــــدراسة. تشغل المحـــــــــــــافظة مســاحة ( 5119 )كم2 من وسط العراق ويسكنها 5.5% من إجمالي سكان البلاد . أما الحدود الزمانية للبحث فكانت للمدة 2007- 2011 .

     جاء البحث محاولة للإفادة من خصائص وميزات الصناعات الصغيرة في إحداث تنمية مستدامة ، فكان لابد من بيان يقدم خصائص هذه الصناعات ، ثم تقديم نظري وإن كان موجزاً يوضح مفهوم التنمية المستدامة وأبعادها، بعدها جرى فحص وتقويم المقولات النظرية على واقع هذه الصناعات في منطقة الدراسة المختارة لهذا الغرض.


                                        خارطة (1)

                               موقع محافظة بابل من العراق


المبحث الأول : تعريف بالصناعات الصغيرة

     من الصعب وضع تعريف محدد لمفهوم ومحتوى الصناعات الصغيرة ، وذلك لتباين أنظمة الدول ومستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها ، فضلاً عن كونها تضم طائفة واسعة من المنشآت والورش ، فبعضها يهتم بإنتاج البضائع الجاهزة المصنعة أو نصف المصنعة ، وسواها تقدم للمستفيد صنفاً أو آخر من الخدمات (أمجد،2011 ، ص36)، كما أن اختلاف الدول في مستويات التطور قد انعكس على مضمون المصطلح من حيث الحجم والقوى العاملة ومستويات الإنتاج التي تقع ضمن هذا المفهوم (إنتصار،2003 ، ص12).

      وبينما تُعرّف منظمة العمل الدولية هذه الصناعات بكونها وحدات صناعية صغيرة الحجم ،تتسم بإنتاج سلع وخدمات محلية ، وتتألف من منتجين مستقلين يعملون لحسابهم الخاص ،بعضها يعتمد العمل داخل الأسرة ، وبعضها الآخر يعتمد العمل على عمال مستأجرين ، وتتميز بأنها ذات إنتاجية ومستوى تقني بسيط برأسمال ثابت ، فإن الجهاز المركزي للإحصاء في العراق يحدد هذه الصناعات بمنشآت تستخدم أقل من عشرة عمال وتستثمر رأسمال في قيمة المكائن والمعـــــــدات يقل عن مائة ألف دينار عراقي (وقد أهمل مؤخراً الشرط الأخير )( الجهاز المركزي للإحصاء).

         أما منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية UNIDO  فتعرفها بالصناعات التي يديرها مالك واحد ، ويتكفل إدارتها بكامل المسؤولية بأبعادها القصيرة والطويلة الأمد ( مراد،2008، ص 10).

     وفيما أكدت هذه التعاريف على قواسم مشتركة هي:

أولاً: الإدارة الفردية

ثانياً: صغر حجوم منشآتها

ثالثاً: المستوى التقني البسيط

رابعاً: رؤوس أموالها المحدودة

       إلا أنها اختلفت في وضع معيار ثابت في تحديدها ، وإن كانت قد حاولت ذلك  باستخدام معيار عدد الأيدي العاملة كونه لا يتأثر بمستوى إداء الاقتصاد أو قيمة العملة واختلافها بين حالتي التضخم والانكماش ، إلا أنها بذات الوقت تركت هامشاً واسعاً للدول في تحديد هذا المعيار

( عدد العاملين)، وذلك للتباين الواسع في مستويات التطور الاقتصادي والصناعي على وجه الخصوص بين كل منها.

    يفيد القول من جانب آخر أنها تشمل منشآت تقدم خدمات صناعية أو حتى غير صناعية، وأخرى تنتج سلعاً مختلفة ضمن قطاع الصناعة التحويلية والأخيرة هي بالتحديد ما تهمنا في هذا البحث، وغالباً ما تقع ضمن الفروع الصناعية الآتية:

أولاً : الصناعات الغذائية : مثل الألبان ، المخللات ، الدهون ،كبس التمور ،الدبس ، الأفران والمخابز ، والمعجنات ( نوار،1997، ص8).

ثانياً : المنسوجات والحياكة والمنتجات الجلدية: مثل النسيج، التطريز ، الخياطة ، الحياكة ، تصنيع الأحذية ، الصباغة ، دبغ الجلود ، منتجات السراجة ، والسجاد اليدوي.

ثالثاً : الصناعات الخشبية : صناعة الأثاث الخشبي بمختلف أنواعه .

رابعاً : الصناعات الورقية: التجليد ، الزنكوكراف ، الطباعة والاستنساخ ، الجليد والتذهيب.

خامساً : الصناعات الإنشائية : مثل البلوك ، الكاشي ، السيراميك ، والخزفيات.

سادساً : صناعات أخرى متنوعة : مثل تلك التي تعتمد على جريد النخل والقصب ، وتصنيع المجوهرات الذهبية والفضية ، السبح والترب.

المبحث الثاني: تعريف بمفهوم التنمية المستدامة وأبعادها

   مفهوم التنمية المستدامة Sustainable  Development  :

      في المعنى اللغوي أن التنمية المستدامة هي تلك التنمية التي يديم الناس استمراريتها ، أما المستديمة فهي التي تستمر بشكل تلقائي . إلا إن المصطلحين استخدما للتعبير عن معنى واحد هو ذلك الذي يتضمن حدوث تنمية راجعة إلى قوى دفع ذاتي نابعة من التنمية ذاتها محدثة الاستدامة.

     مر مصطلح التنمية المستدامة بمخاض طويل بدءاً من مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ستوكهولم عام 1982 الذي مهد لهذا المصطلح بمصطلح جديد هو إيكولوجيا التنمية ، إلا أن المصطلح Sustainable  Development    قد جاء لأول مرة في تقرير الإتحاد العالمي لحماية الطبيعة عام 1980 .

        ونظراً إلى أن المصطلح يحمل أبعاداً كثيرة ، فقد كثرت تعاريفه ومدلولاته تبعاً للخلفية التي يستند عليها الباحثون .وفيما يبدو أن التعريف الأشمل قد جاء في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية برئاسة Bruntland    الصادر عام 1987 حيث جاء فيه : أن التنمية المستدامة هي التنمية التي توفر حاجات الحاضر من دون استنفاذ قدرة الأجيال المقبلة على توفير احتياجاتهم الخاصة بهم ( U.N., 2012,p.3 )، كما عرّفتها الأمم المتحدة بأنها التنمية التي يمكن أن تدام إلى الأبد أو على الأقل لمدة طويلة جداً ( U.N., 2008…p.20).

      وقد عرّف بعض الجغرافيين الاستدامة بأنها قدرة المشاريع وبرامج التنمية على تحقيق موارد جديدة غير مستنفذة لضمان الاستمرارية دون الحاجة إلى دعم بموارد جديدة ، فهي إذن الاهتمام بالمتطلبات الإنسانية الحالية والمستقبلية اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً (علي،2013، ص16 ) ، فيما رأى آخر أن التنمية المستدامة هي السعي الدائم لتطوير نوعية الحياة الإنسانية مع الأخذ بنظر الاعتبار قدرات النظام البيئي وعدم الإضرار بها ( حسن،2009، ص 1177 ) ، هذا فيما يضيف آخرون لمسات كلٌ بحسب تخصصه لهذا التعريف أو ذاك ، فالمهتمون بالجانب التقني يؤكدون على أن هذا السعي يجب أن يتضمن نقل المجتمع تقنياً إلى مستوى أرقى ، وفي الوقت ذاته ينتج حداً أدنى من الملوثات المتسببة برفع درجة حرارة سطح الأرض ( نادية ،2002، ص 22). ومن الوجهة الاقتصادية فان التنمية المستدامة لابد أن تقود إلى خفض هام في استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية ، فيما ترى الدول النامية أن هذه الاستدامة يجب أن تتضمن استثمار الموارد لرفع المستوى المعاشي للسكان الأكثر فقراً (عبد الخالق،1998، ص 244).

أبعاد التنمية المستدامة :

    يتضمن المصطلح ثلاثة أبعاد أساسية هي : البيئة Environment   ، العدالة الاجتماعية Social، والاقتصاد Economic  ، على أن هذه الأبعاد يجب أن تتوازن في مسعى التنمية وتساعد في تحسين نوعية الحياة. 

أولاً : البعد البيئي

     تعتبر العلاقة بين جميع الكائنات من جهة وعناصر البيئة المحيطة بها من جهة أخرى وبدون تدخل خارجي توازناً بيئياً وتنظيماً ذاتياً لتلك العلاقة ( عبد الزهرة ،2013 ، ص309 )، وإن حدوث أي تغيير أو خلل بين العناصر المكونة للنظام البيئي بحيث تشل فاعلية هذا النظام أو تفقده القدرة على إداء دوره الطبيعي في التخلص الذاتي من الملوثات بالعمليات الطبيعية ، يعد تلوثاً للبيئة وتدهوراً للنظام البيئي ( عبد الزهرة ، 2001، ص47).

والتنمية لكي تكون مستدامة لابد أن تحافظ على هذا النظام البيئي من الأخطار التي تهدده جراء أنشطة الإنسان الاقتصادية والخدمية مثل الزراعة ، الصناعة ، والنقل وسواها ، فتوفر حماية للتربة والموارد الطبيعية والمناخ والتنوع الإحيائي للنبات والحيوان ، وتراعي تكامل النظم البيئية أيضاً.

ثانياً : البعد الاجتماعي

    يهدف البعد الاجتماعي لعملية التنمية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف ذات المحتوى والمدلول الإنساني في مقدمتها تأكيد ترسيخ القيم الأخلاقية وتوزيع أكثر عدالة للدخول بين أبناء الجيل الواحد ، وبينه وبين الأجيال اللاحقة ، زيادة الاهتمام بالصحة والتعليم ، الحد من الفقر ، ومراعاة حقوق المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل ، ومما يساعد على إنجاز هذه الأهداف إيجاد نظام ديمقراطي مؤسساتي يسود فيه القانون .

ثالثا : البعد الاقتصادي

    يؤكد هذا البعد على إحداث نمو مستديم في دخول الأفراد والمجتمع ، واستثمار الموارد الطبيعية والاقتصادية بشكل عقلاني وكفوء.

ويمكن بيان الأهداف الاقتصادية للتنمية المستدامة بالآتي:

1- النمو     2- الكفاءة     3- الديمومة (Tatyana,2004,  p.10).

فالنمو يجب أن يكون متصاعداً لاستمرار بواعثه ، وأن يكون في شتى مناحي الحياة الاقتصادية ومنها الصناعة وبشكل يفضي إلى التحسن المستمر في دخول الأفراد من دون حدوث مشاكل كالتضخم أو اختلال ميزان المدفوعات. واستمرار النمو إنما يرتبط بكفاءة وسائل الإنتاج وهو ما ندعوه بالكفاءة الاقتصادية لقوى الإنتاج ، والكفاءة في استخدام الموارد الطبيعية والاقتصادية وتقليل الهدر فيها إلى الحد الأدنى . ومن المهم أيضاً التأكيد على استمرار عملية التنمية من خلال التخطيط لأطول مدة زمنية مقبلة ، والاستيعاب الصحيح للإمكانات المتاحة والكوابح المتوقعة واتخاذ الإجراءات المناسبة المسبقة التي تحول دون استمرار التنمية ، مع الحفاظ على البيئة واعتباراتها المختلفة.

المبحث الثالث : دور الصناعات الصغيرة في التنمية المستدامة

     تتميز الصناعات الصغيرة بمجموعة من المزايا الإيجابية متفردة بها عن سواها ، ما يؤهلها لدور هام في إحداث تنمية مستدامة وخاصةً في البلدان النامية لعل أهمها :

أولاً : أنها تتميز بمرونة عالية في تطويع العمليات الصناعية ، ولها القدرة على مواجهة التحديات واستمرارها في المنافسة في السوق بتغيير وتحسين طرق الإنتاج والاستجابة لرغبات المستهلكين.

ثانياً : إن انتشارها الواسع بين الأقاليم والوحدات الإدارية وحتى الريف يجعلها أكثر قدرة على إنجاز أهداف التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية وخفض حدة التباين الإقليمي، والحد من ظاهرة الهجرة من الريف ومن المدن الأصغر.

ثالثاً : توفيرها فرص عمل للفئات غير المؤهلة من الشباب غير المؤهلين للإنخراط في المنشآت الصناعية الكبيرة.

رابعاً : استيعابها طاقات نسوية من المهم مشاركتها في العملية الإنتاجية ، سواء بالعمل في الورش والوحدات الإنتاجية أو بتوزيع العمل بين المنازل.

خامساً : دورها في محاربة الفقر واحتواء آثاره الاجتماعية السلبية.

سادساً : تنمية المهارات البشرية وتدريبها على فنون الإنتاج والتسويق والإدارة.

سابعاً : نظراً لكونها تعتمد الإدارة الفردية والمباشرة في عمليات الإنتاج والتسويق ، فإنها تسهم في تراكم الخبرات الإدارية ، وفي سعتها أفقياً.

ثامناً : تخدم هدف العدالة في توزيع الدخول فحاجتها إلى إمكانات استثمارية متواضعة ما يسمح لعدد كبير من أفراد المجتمع الدخول إلى أنشطتها الصناعية ، وهذا يساعد على توسيع حجم الطبقة المتوسطة ، وتقليص حجم الطبقة الفقيرة في المجتمع.

تاسعاً : تحتاج بطبيعتها إلى قدر محدود من المدخلات مما لا يتسبب في استنفاذ الموارد الطبيعية ، ومن ثم المحافظة على حقوق الأجيال اللاحقة.

عاشراً : توفر سلعاً وخدمات لفئات المجتمع ذات الدخل المحدود التي تسعى للحصول عليها بأسعار رخيصة نسبياً حتى وإن تطلب الأمر أحياناً التنازل عن بعض اعتبارات الجودة.

أحد عشر : إن انتشارها الواسع يخفف إلى حد بعيد من كلف نقل المنتجات إلى المستهلكين ، وبذلك يمكنهم الحصول على السلع والخدمات بثمن مقبول يتناسب والإمكانات المتواضعة للشرائح الأكثر فقراً.

اثنا عشر : للقائمين عليها قدرة أفضل على التكيف مع حالة السوق والبحث عن الأسواق لتصريف الإنتاج.

ثلاث عشرة : تعبئة المدخرات المحلية الشحيحة واستثمار المهارات البشرية ، لذلك يمكن اعتبارها مصدراً مهماً لتكوين رأس المال المادي والمهارات .

أربع عشرة : أنها يمكن أن تكون لاحقاً رافداً لقيام المشاريع الصناعية الكبيرة بتحولها تدريجياً إلى متوسطة ثم كبيرة.

خمس عشرة : تعد في معظمها صديقة للبيئة ، وغير مسرفة في استنزاف ثرواتها.

المبحث الرابع : واقع الصناعات الصغيرة في محافظة بابل

          تتباين مكانة الصناعات الصغيرة في إجمالي هيكل الصناعة التحويلية من بلد لآخر ومن إقليم لآخر. وعموماً فإن هذه المكانة تعد متميزة في اقتصاديات البلدان النامية حاضراً ومستقبلاً ـ إلا أنها مثلت قاعدة أو منطلقاً للصناعات الكبيرة القائمة حالياً في البلدان الصناعية المتقدمة.

     وفي حالة العراق يتضح أن الصناعات الصغيرة مثلت حوالي 95% من عدد المنشآت الصناعية، وأسهمت بتشغيل قرابة 25% من قوة العمل الصناعي .ومع أن في هذا تتماثل نسبياً معظم المحافظات في العراق ، إلا أن محافظة بابل تتميز عن سواها بارتفاع نصيبها من منشآتها من إجمالي البلاد ، فمن الجدول (1) يتبين أن المحافظة قد قام فيها أكثر من 8% من مثيلاتها من المنشآت ، وكان لها نصيب يكاد أن يكون مثل ذلك في جميع معايير الصناعة وأهمها عدد العاملين والقيمة المضافة ، هذا بالمقارنة مع عدد سكان المحافظة الذين يمثلون 5,4% من إجمالي سكان البلاد.

جدول (1)

مكانة الصناعات الصغيرة في محافظة بابل والعراق للسنوات

2007 ، 2009 ، 2011 (مليون دينار)

السنة

المكان

عدد

المنشآت

عدد

العاملين

قيمة الأجور

مستلزمات

الإنتاج

قيمة

الإنتاج

القيمة المضافة

2007

بابل

1450

3812

23577

58936

28080

30856

 

العراق

13406

53819

95211

812441

467190

345251

2009

بابل

882

1764

14938

55271

17392

37879

 

العراق

10175

21387

64457

785870

365048

420821

2011

بابل

4617

11588

27882

87272

166717

79445

 

العراق

47281

145385

406615

1964921

3896267

1931346

 







المصدر: وزارة التخطيط ، الجهاز المركزي للإحصاء ، تقارير المنشآت الصناعية الصغيرة للأعوام 2007 ،2009 ،2011 ،( غير منشورة).

         ويتبين من نفس الجدول أن الصناعات الصغيرة مثلت حوالي 99% من إجمالي عدد منشآت الصناعة في المحافظة ، وقد أسهمت بتوفير 41% من فرص العمل الصناعي مقارنة بربعه على مستوى البلاد.

    ويلاحظ أيضاً أن تطوراً كبيراً في هذه الصناعات قد حصل عام 2011 مقارنة بالأعوام السابقة، فبينما كان عدد منشآتها أقل من 1600 منشأة ارتفع إلى ما يزيد (4500 )منشأة عام 2011 ، وفيما لم تشغّل أكثر من ثلاثة آلاف عامل في الأعوام السابقة وفرت عام 2011 ما يزيد على( 11) ألف فرصة عمل صناعي ، كما حصل تطور واضح مماثل في جميع معايير الصناعة الأخرى. قد تبين هذه الأرقام خللاً في البيانات السابقة لعام 2011 ، ولكنها جاءت صحيحة للعام الأخير لكونها بنيت على أساس نتائج الحصر والترقيم الممهدة للتعداد العام الذي كان مقترحاً حينها. وتشير هذه البيانات بلا شك لأهمية هــــذه الصناعات ، ونموها المطرد ، ودورها في تحقيق التنمية المنشودة.

    ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن هذه المكانة كانت قائمة في شتى الظروف حتى أنها تعززت في الظروف الصعبة ومنها فترة الحصار الإقتصادي على البلاد إبان عقد التسعينات من القرن السابق على الرغم من التدهور الذي شهده القطاع الصناعي على وجه العموم  . أما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 فقد استمر تراجع النشاط الصناعي في عموم البلاد ولكل الصناعات ،فإتباع سياسة الباب المفتوح ،وإغراق الأسواق المحلية بمنتجات رديئة الصنع رخيصة الثمن ،أدى إلى غلق أغلب المصانع أبوابها وعمل الباقي بأقل من نصف طاقاته الإنتاجية فيما يبدو ذلك واضحاً من خلال الجدول ذاته وخاصة بمعياري عدد المنشآت والعاملين فيها ، مع ما يلاحظ من مجاهدة الصناعات الصغيرة على البقاء على قيد الحياة حتى مع طاقات إنتاجية متواضعة.

    أما من ناحية بنية هذه الصناعات في المحافظة فيتبين من الجدول (2) ما يأتي:

1- إن الصناعات الهندسية استحوذت على ثلث هيكل هذه الصناعات سواء بعدد منشآتها أم بعدد العاملين فيها ، أو حتى في قيم الأجور ومستلزمات الإنتاج والقيمة المضافة. ومن الواضح أن هذه الصناعات تتجه نحو خدمة السكان وتوفير مطالبهم من المنتجات المعدنية المصنعة التي لا تحتاج لتقنيات عالية.

2- اقتربت الصناعات الغذائية من تمثيل خمس هذه الصناعات بمختلف المعايير ، وتتميز بكونها تفي بمطالب السكان من جهة وتعتمد غالباً على مواد أولية زراعية محلية من داخل الإقليم  .

جدول (2)

بنية الصناعات الصغيرة في محافظة بابل عام 2011

الصناعة

عدد

المنشآت

عدد

العاملين

قيمة

الأجور

مستلزمات

الإنتاج

قيمة

الإنتاج

القيمة

المضافة

الغذائية

635

2480

8228

22167

37962

15794

النسيجية

513

579

286

3772

7843

4071

الجلود

5

9

12

71

142

70

الأثاث الخشبي

1508

2887

4960

9764

25453

15689

الورق والطباعة

3

7

15

31

92

61

الكيمياوية

1

4

3

8

16

7

الإنشائية

429

2022

6252

18418

33962

15543

المعدنية الأساسية

---

---

---

---

---

---

الهندسية

1628

3600

8221

33037

61244

28207

أخرى

---

---

---

---

---

---

المجموع

4617

11588

27982

87272

166717

78445

المصدر : وزارة التخطيط ، الجهاز المركزي للإحصاء ، تقرير المنشـــــآت الصناعية الصغيرة لعـام 2011 ،( غير منشور) .

      من جهة أخرى مما يجعلها ذات دور هام في تحقيق تنمية مستدامة.

3- وتماثل الصناعات الإنشائية سابقتها الغذائية في نصيبها من هيكل هذه الصناعات ، وفي اعتمادها على مواد أولية محلية ولكنها من خارج الإقليم ، مما يجعلها ذات دور مؤثر أيضاً في عجلة التنمية.

4- أما صناعات الأثاث الخشبي فلها ما يقرب من ثلث المنشآت يعمل بها ربع العاملين وتسهم بخمس القيمة المضافة المتحققة . ومعروف مكانة هذه الصناعات في المحافظة وسمعتها الطيبة في المحافظات المجاورة ،مما يوفر دخلاً إضافياً لسكانها ومصدراً إضافياً للثروة فيه.

5- وفيما يبدو أن صناعات النسيج والملابس قد تراجع دورها الذي عُرفت به بين محافظات البلاد لزمن طويل . وقد يعود أحد الأسباب الرئيسة لذلك إلى توقف معمل المنسوجات الحريرية أو كاد وهو الذي كانت تعتمد عليه في تجهيزها بالمواد الأولية نصف المصنعة.

6- إن دور الصناعات الجلدية فيها كان محدوداً ، مما يثير تساؤلاً عن سبب ذلك ، خاصة وأن المحافظة معروفة بثروتها الحيوانية.كما يثار تساؤل مماثل عن ضعف إسهام صناعة الطباعة والنشر ، في الوقت الذي تشتهر فيه المحافظة بحركتها الفكرية والثقافية والعلمية وكثرة المؤسسات التعليمية وخاصة الجامعة وكلياتها والمعاهد التقنية والإدارية والزراعية فيها.

المبحث الخامس: قدرة الصناعات الصغيرة على تحقيق التنمية المستدامة في المحافظة

    عند إعادة قراءة الجداول السابقة من زاوية مخالفة لما سبق ، ولمعرفتنا بطبيعة الصناعات القائمة في المحافظة يمكننا التأكيد على ما يأتي .

1- إن الصناعات الصغيرة وفرت فرص عمل لا يستهان بها خاصة للشرائح منخفضة التعليم ،وقد أكسبتهم تأهيلاً وتدريباً ، مما يجعل دورها هاماً في إعادة بناء هيكل القوى العاملة.

2- لقد اتصفت بانتشارها المكاني الواسع ، فشملت وحدات الإقليم الإدارية كافة الصغيرة منها والكبيرة ، برغم تركز هام لمنشآتها في مركز المحافظة ، وهذا الانتشار يكسر حدة الفوارق الإقليمية ويمهد الطريق لمجهودات التنمية المستدامة .

3- تعتمد الكثير منها على مدخلات زراعية محلية من داخل الإقليم وخاصة الغذائية والنسيجية والجلود والتي مثلت ربع هيكل هذه الصناعات ، ولهذا دور حاسم في ديمومة التنمية  وفي تعزيز الشراكة بين فروع الإقتصاد المختلفة وخاصة ما بين الزراعة والصناعة.

4- واعتمدت قطاعات هامة منها كالهندسية والإنشائية والأثاث الخشبي على أسواق واعدة محلية في الإقليم، وهذه الصناعات مثلت قرابة 70% من إجمالي الصناعات الصغيرة ،مما يعزز مكانتها المستقبلية في النمو والتطور.

5- ويتأكد دور بعض الصناعات التي تتصف بالحاجة لمهارة مكتسبة ، أو أن نصيب كلفة العمل فيها عالياً كصناعة الأثاث الخشبي وتميزها بقدرتها على ولوج أسواق خارج الإقليم ما يقتضي تشجيع هذا الاتجاه .

6- ومن المهم النظر بإيجابية عالية لإقامة العديد من منشآتها في المناطق الريفية مثل بعض الصناعات القائمة على منتجات الريف الزراعية أو مستفيدة من قوة العمل فيه وخاصة النساء والعاطلين عن العمل.

7- ولقد واجه كثير منها تداعيات ما بعد الاحتلال عام 2003 مثل نقص الطاقة والمنافسة غير العادلة من السلع المماثلة المستوردة ، فاستمر بالإنتاج وإن بطاقات إنتاجية متواضعة ، ما يوحي بمرونة عالية لها في جوانب الإنتاج والتسويق والإدارة مكنتها وتمكنها من دور إيجابي مثمر في تحقيق التنمية المستدامة.

8- اتخذت الجهات الحكومية والمصرفية إجراءات هامة لتشجيع إقامتها وخاصة بتوفير القروض ، إلا إن بعض هذه الجهود لم تثمر كثيراً لضعف المتابعة للمشاريع المقترحة.

المبحث السادس : المقترحات

1- ضرورة قيام الجهات المعنية في الحكومة الاتحادية أو المحلية بإجراءات فاعلة وحقيقية لمعالجة المشاكل الرئيسة التي يعاني منها القطاع الصناعي وتقع مسؤولية حلها على هذه الجهات وفي مقدمتها: أزمة الطاقة ، المنافسة غير العادلة لإتباع سياسة الباب المفتوح أمام الاستيراد الخارجي ، الارتفاع الحاد في كلف النقل والعمل وذلك بتشريع قوانين وإصدار قرارات مناسبة وقابلة للتنفيذ.

2- تحسين آليات منح القروض للمستفيدين ومتابعة العمل لما بعد منح القروض لضمان ديمومة المشاريع الصناعية.

3- إيلاء مشاريع الخدمات الصناعية أهمية وإن بدرجة أدنى من المشاريع الإنتاجية .

4- عقد لقاءات دورية بين دوائر التنمية الصناعية والصناعيين الكبار منهم والصغار في ملكياتهم الصناعية للتعرف على مشاكلهم والعمل على تذليلها.

5- من المهم قيان دوائر الاستثمار والتنمية الصناعية بإصدار نشرات تعريفية بالفرص الاستثمارية المتاحة تتضمن الفروع والقطاعات التي يمكن العمل فيها بنجاح في كل إقليم ، مع بيان التسهيلات التي تقدمها هذه الجهات للمشاريع الصناعية.

6- تشجيع الصناعات الموجهة نحو التصدير لأهميتها في الحصول على العملات الصعبة ، وفي تنويع مصادر الدخل المحلي والقومي بدلاً من الاعتماد كلياً على إيرادات النفط، وفي اكتساب الخبرة في مجال التسويق الخارجي وفتح أبواب جديدة أمام الصناعات العراقية.

7- اختيار مواقع صناعية بهيئة أقطاب أو نقاط  نمو أو مجمعات صناعية في مناطق مختلفة من البلاد أو المحافظة ، وتزويدها بخدمـات البنى الارتكازية ، ثم تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على اتخاذها مواقع لمشاريعهم الصناعية.

8- تشجيع أو إقامة مشاغل للصناعات الحرفية تمتد على الريف مثل: السجاد اليدوي ، الحياكة والتطريز ، أعمال السيراميك ، الصناعات المعتمدة على منتجات النخيل، والتأكيد فيها على العمل المنزلي لاستيعاب القوى العاطلة  وخاصة النساء منها.

9- إقامة ورشة لتصنيع المقتنيات الشخصية الشبيهة بالآثار والتحف الفنية. ويمكن أن تقوم بها الجهات الفنية والآثارية.

10- الاهتمام بالأعمال النحاسية وإقامة المعارض لها في المحافل والمؤتمرات التي تستقبل زواراً وضيوف من الداخل والخارج.

11- إعطاء عدة صناعات أولوية في إجازات التأسيس والقروض والمنح ، مثل تلك التي تعتمد على مواد أولية محلية ، أو التي تقلل من الاستيراد الخارجي وتزيد في نسبة الاكتفاء الذاتي ، أو التي تخلق ترابطاً بين الصناعة التحويلية وقطاعات الاقتصاد الأخرى أو بين فروع الصناعة التحويلية ذاتها ومنها : صناعات الأعلاف المركزة للدواجن والأسماك والحيوانات ، الأدوية البيطرية والمبيدات النباتية ، الأغذية الجاهزة والمعلبات ،ألبسة نسائية وللأطفال والمطرزات ، مستحضرات التجميل والعطريات.

المصادر:

(1) حسوني ، إنتصار رضا، الحرف الصناعية في مركز قضاء الكاظمية ، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية التربية – ابن رشد – جامعة بغداد ، 2003 .

(2) الجنابي، د.عبد الزهرة علي، الجغرافيا الصناعية، دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع – عمان ، دار الصادق الثقافية- بابل ، 2003 .

(3) الجنابي ، د.عبد الزهرة علي ، العلاقات المكانية للتلوث في مدينة الحلة ، مجلة جامعة بابل ، سلسلة (أ-2) العلوم الإنسانية ، المجلد 6 ،العدد 1، 2001 .

(4) صالح ، حسن عبد القادر ، دور التنمية البشرية المستدامة في مقاومة الفقر في الأردن، بحث مقدم إلى الملتقى الخامس للجغرافيين العرب 5- 7 نيسان ، 2009 .

(5) صالح ، نادية حمدي ، الإدارة البيئية ، أكاديمية السادات ، 2002 .

(6) عبد الله ، عبد الخالق ، التنمية المستدامة والعلاقة بين البيئة والتنمية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ،1998 .

(7) عبد المهدي ، أمجد ، محمود يوسف عقلة ، دراسات في الجغرافية الإقتصادية ، دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع ، عمان ، 2011 .

(8) الفراجي ، علي جاسم حمود ، توطن صناعة تصفية النفط في العراق بمنظور التنمية المستدامة ، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية التربية – جامعة الموصل ، 2013 .

(9) مراد ، مراد فالح ، الصناعات الصغيرة والمتوسطة ودورها في معالجة مشكلة البطالة في العراق ، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد – جامعة بغداد ، 2008 .

(10 ) وزارة التخطيط ، الجاز المركزي للإحصاء ، تقارير المنشآت الصناعية الصغيرة للأعوام ، 2007 ، 2009 ،2011 ، (غير منشورة ) .

(11 ) يوسف ، نوار عبد الغني ، الصناعات الحرفية الريفية ودورها في التنمية المكانية في محافظة نينوى ، رسالة ماجستير مقدمة إلى المعهد العالي للتخطيط الحضري والإقليمي – جامعة بغداد ، 1997 .

(12) Tatyana P. Soubbotina , Beyond Economic Growth ,2.nd.,The       International Bank For Reconstruction and Development ,Washington D.C.,U.S.A.,2004.             

(13) United Nation, Education, Scientific and Cultural Organization, Source Book ,7,Place de Fontenoy, 75352 Paris 07 sp , France,2012 .    

(14) United Nation , Measuring Sustainable Development , New York and Geneva , 2008.  

                         الفصل الثاني عشر : 

                                       بحث في الزراعة

 الفصل الثاني عشر :  بحث في الزراعة

Water Quality Evaluation of the Eastern Euphrates Drainage (Iraq) within Frame of Agricultural Sustainable Development Process*

  Prof. Dr. Abdul Zahrah A. Aljenaby -Education Facu.- Babylon Univ.-Iraq

 Assist. Lec. Zaid A. Aljenaby – Environment Science Facu.-Algreen Alkasim Univ.- Iraq

 K. Wo. (Drainage Water    Agricultural Sustainable).

Abstract:

     The Eastern Euphrates Drainage is locate in Babylon province -Iraq, and extend for more than 120km., exceeding it to Al-Qadesia prov.. It's actual average escape has been estimated in July and August as water shortage, high temperature, and Dec., at the 24th k. from its beginning at about 5m3/s, at middle 7m3 /s, and the end 17m3/s.. Results of water samples analysis that have been taken from, on the same months showed that they are very high salty in the first and second locations of drainage, and relatively high in the third, but it can be modification, then to be used in irrigation by mixing them with fresh water, or by using the procedure of magnetization, or both ways, in addition to farming low sensitive crops concering saltiness.

   Researchers advice erecting a pivot of sustainable development agriculture lying with drainage extent consisting of two locations: the first at k. 64th include adding fresh water to Kifil creek with 2m3/s. capacity, and magnetic water station with 3m3/s. to farm about 20 thousand hec. .The Scound is in the k. 119th consisting of: expanding the additional channel exist near to exceed its capacity from 0.5 m3/s. to 3m3/s., then adding it to 12m3/s. from drainage water to farm more than 60 thousand he. in Babylon, Qadesia, Najaf prov., combining widespread settlements in resent villages.

Introduction:

      The Tigris and Euphrates rivers in Iraq and their tributaries had   seen a sharp decline in there receipts from Turkey, Iran and Syria. The large quantity of storage projects and irrigation which have held in nutrition basins, results a damage to the gross acquired rights of Iraq on them, and vast agricultural lands in the plain of Mesopotamia turned to  deserts because of  scarcity of irrigation water. That required rationalizing water consumption, searching for non-traditional sources, and one from this sources is water drainage. The advantage of water drainage in agriculture represents multi-target benefits: firstly reduced pressure on scarce surface water resources, and secondly, to find rational ways to get rid of unwanted water.

    Research comes as an attempt to find a partial solution to the problem of shortage of irrigation water in one of the country's agricultural areas through knowing characters and the quality of drainage water, to demonstrate the potential benefit for them in making sustainable agricultural development with its extent which described as vacuum population and economic area.

    The researchers supposed that there is availability to benefit from this drainage water to grow a few crops sensitive to salinity, especially in area suffer from shortage of water resources, and was characterized by low population densities, and needs to establish agricultural and industrial projects which would help to achieve sustainable agricultural development in .

     The eastern Euphrates drainage extent begins from north Babylon province (Fig. 1) between Euphrates and Hilla rivers, and agricultural lands between them get benefits from it, these lands were located within three major irrigation and drainage projects: Hilla- Kifil, Kifil- Shinafia and Hilla- Dewaniyah with extension up to 121 km. within the territory of the province, then go beyond to Qadisiyah, Muthanna , then Thiqar province, where it meets the Main Drainage. The area which served by the drainage in the province estimate about 300 thousand acres of agricultural lands.                                           

    In order to complete requirements of research three locations have been choosen along the drainage to take water samples, samples have pulled according to approved contexts consecutively on three stages in months July, August and December. The first two are the most scarcity of water, and perhaps salinity also, the other regards as one of cold winter months.

     After water samples analyzing, the research discussed the results of analysis, and then concluded a set of findings and recommendations.                                       

 

                                                    Fig. (1)

                    The Eastern Euphrates Drainage in Babylon Province

      

Source: Urban Planning Department in Babylon province

1. Declining water supplies in Iraq:

    It was known that the earth's climate is moving towards warmth, leading to declination of condensation process, which relies on the low temperature of the air saturated with water vapor, and therefore rainfall rates were declined, especially in nutrition areas in arid and semi-arid regions. This applies to the case of Iraq, both from the point of clear decline in rainfall rates on its territory and of the feeding to the rivers Tigris and Euphrates basins and tributaries in Turkey, Iran and Syria, reflected to a sharp receipts in Iraq's water revenues, and what increased the severity of the problem that the upstream countries to establish many of the projects, control, storage and irrigation on these rivers without taking into account the actual needs of Iraq or acquired rights in its waters. On the other hand, the temperature rates rising in general region leads to raise the rate of evaporation , the long path to the Iraqi rivers in a dry environment and misuse, salinity and pollution increased in the rivers water of Iraq , this adds another face to the problem of water in Iraq.

    Tigris river revenues water declined from more than 49 billion m3 annual in last century to less than 30 billion currently, and  Euphrates from 29 billion m3 to less than 14 billion currently, whereas down to less than 7 billion some years, so scored water deficit sharply in Mesopotamia plain, vast agricultural lands turned to deserts. It is estimate that if the tone of decline continue as the same values ​​Alrafidan will disappear in 2040.

     At a time when water revenue get to Iraq were declined, the need for water is increasing by growing number of residents and their industrial, agricultural, commercial, the other service and progress of civilization in general. If the number of Iraq's population is about 4.8 million people, in the middle of the last century, it has exceeded 35 million currently, which will double the deficit in the provision of adequate water resources and threatens to difficult problems to be solute.  Being of the problem impact on most of arid and semi-arid regions experiencing, including Iraq, attention has turned toward the possible scientific and practical solutions to mitigate the impact of this problem, and took the following action trends and solutions:

First: water conservation consumption, particularly in agriculture by using techniques which reduce waste, such as drip and sprinkler irrigation.

Second: establishment of dams and reservoirs on the permanent watercourses and valleys.

Third: irrigation channels lining to reduce their leaching.

Fourth: The management of available water resources with more efficiently.

Fifth: take advantage of non-traditional water resources such as sea water, groundwater, sewerage, and drainage water.

2  .Theoretical framework:

.2 1.The usage of drainage water in irrigation:

    Many studies have been completed at the global level in the usage of saline water for irrigation, or in the reclamation of high soil salinity, including studies in United States (Boover and Reeve 1960, Doering and Reeve 1966), and similar studies in Egypt (El Gabaly study 1971), and in the Former Soviet Union (Kovda study 1973).

   In Iraq ,the search has taken in this regard three pivots:

The first: proceeding laboratory studies and analyzing the quality and characteristics of drainage water to determine their suitability for use in agriculture or other uses, from these studies (Hanna and Al-Rawi 1970, Al- Dagestani 1977, Al-Zubaidi 1978, Al-Hadithi 1997,Al-Hamdani, 2001, Al-Qaisi 2001, Omran 2010, Qahtan 2012 , Safa 2012).

    The second: conducting procedure field experiments on the cultivation of certain crops and to know the extent of their response to irrigation with saline water drainage, from these: (Saadawi and Dahash 2000, Muhannad et al. 2000, Hammadi  2001, Huda 2012).

The third: attempts to gain access to means can be adopted to reduce the drainage water salinity, such as mixing it with fresh water or magnetizating it so as to be used in irrigation, from these studies (Al-Moussawi 2000, Hammadi 2001, Taj Al-Din et al. 2009, Bakhli 2013.

   Various studies mentioned above and others had led to the confirmation of the possibility of using drainage water in irrigation on the whole, but for each case individually, and that success of use seem to be associated with actions to be taken some or as a whole, namely:

First: drainage water can be used alternately or mixing with fresh water.

Second: adoption of drip irrigation method to reduce accumulation of salts near the plant roots.

Third: use of salt water in the least sensitive growth stages to salinity, for example, the emerge stage regarded the most delicate for most crops, which requires using non-saline water through it.

Fourth: make washing and drainage operations of agricultural land irrigated with that water periodically for the purpose of maintaining soil from salinization and pollution.

Fifth: magnetic treatment of drainage water before use for irrigation, where the magnetic field cracking salt crystals and reducing the viscosity of the water and its surface stretching, which helps the penetration of roots in the soil and increases plant growth. Numerous laboratory tests had been confirmed the positive role of the magnetization of drainage water to increasing germination rates and its speed, and a clear improvement in leaves and root growth, increasing the winning fruiting in comparison with the non-magnetized water irrigation.

Sixth: crop cultivate witch nun sensitive or a few sensitive to salinity, such as barley, alfalfa, cotton, peas, onions, rape, cabbage, lettuce, carrots, certain varieties of wheat, yellow corn, from moderate sensitivity to salinity: sunflower, potato, tomato, split peas, millet, calabash, peppers, beans, and from trees: palm, sidr, eucalyptus, olive, pomegranate, fig.

Seventh: establishment of desalination projects and make use of them in other fields, including human and industrial and livestock for example.

Eighth: if drainage water were few or even intermediate salinity it is possible to use it in washing saline soils.

2.2. Drainage water classification:

   No drainage water quality similar to another in terms of contents of salts and minerals and other components, also identically along the watercourse, and temporally among the months per year.

   Scholars , concerned and interested come in to line in this matter determine set of indicators used to evaluate water quality, namely:

First: Total Dissolved Salt: measured with ml/ Lt-1, may be expressed of in Electrical Conductivity EC, measured with milmosz / cm -1, or dismosz / m -1 at 25 ° c.. Usually drainage water divides in accordance with its content of salts to: low(0.250 <  ), moderate (< 0.750 ), high (2.250 < ),and very high salinity (<2.250  ) (Aqidi 1990), and this had been adopted by the USA rating to the salinity of the water USRS too. The salt concentration determines whether the water quality is good or not good.

Second: the concentration of sodium Sodicity,. The rule of sodium element dominancy leads to the viscosity of the soil texture when wetting, and agglomeration when drought. The high percentage of sodium in irrigation water (more than 50%) lead to a burning of the edges of the leaves in sensitive plants.                                

Third: Al carbonate and bicarbonates concentration indicator in the water: where a high concentration in the water lead to precipitate calcium and magnesium.

Fourth: the presence of chlorine and sulfates: in spite of its being useful to plant, but the high concentrations of chlorine have a toxic effect on plants, especially fruit trees, which causes burning of the edges of the leaves and then becoming yellow and death.

Fifth: boron concentration ratio: which is toxic if present in high concentrations in water (more than 2 mg /L for medium sensitive plants to salinity, and more than 3 for non-sensitive).

3 . Geographical Characteristics of The Study Area:

   Babylon province which the drainage serves a large part of locate in the center of  Iraq, between latitude 32° 7¯-  33°    n., and between longitudes 43° 42¯ - 45°  50¯ e.. Its total area about ​​5119 km2 .

    The eastern Euphrates begins from the north of the province, and extends about 123 km in districts:  Saddat Al-Hindia, Abi Qaraq, Al-Hilla Center, Al-Qasim, Al-Taliaa, , and serves areas between Hilla river from east and Euphrates in the west with total area of ​​more than 300 thousand acres in province of Babylon , that is  more than 25% of the total area of ​​the province.

    Flume capacity design allows discharge of 15 m3 / s, at the beginning of its trajectory, but it is increasing towards the south. The actual discharge varies between 6-12 m 3 at the beginning of its trajectory, but it increases with its course towards the south until reach 15-20 m3 / s, whereas actual capacity were vary between summer and winter.

    The study area covered by three irrigation and drainage projects:

- Hilla- Kifil irrigation and drainage project: the project locates on the right side of Hilla river. It serves 27 minor flume drainage connect with the main drainage ​​which extend in about 59.5 km, and most of their lands were corrigible.

-  Hilla-Dewaniyah irrigation and drainage project: their  lands locate on the right side of Hilla river also, starting from the previous project until the southern border of province.

- Kifil-Shinafia irrigation and drainage project: the project lands locate on the southern part of the Euphrates river basin, and on both sides of Al-Shamiya and Kufa river.

The project extend on the land of the provinces of Babylon and small parts of Najaf and Qadisiyah. The project currently lacks a regular network drainage, causing high water salinity of groundwater and soil degradation and low productivity.

4 . Laboratory Analysis:

4.1. Substances and working methods:

Three locations were selected for sampling, as follows:

- Location A in Abi-Qarak mediates Hilla-Kifil irrigation project at km. 24th of the drainage.

- Location B near Kifil town at the end of Hilla- Kifil project at km. 56.

- Location C in Tliaa district at the end of Hilla- Diwaneyah project at km. 119th.

   Three replicates were pulled from each location at July, August and December months 2014 as the first two months the warmest months, testify the scarcity of irrigation water , low relative humidity, high evaporation and thus reducing water drainage flowing, which means the worst characteristics of the water drainage during the year,  the third month considered one of the cold winter months which are characterized with lowering temperature and increasing humidity ratios with a remarkable increase in water revenues in Iraqi rivers, as well as rainfall although it is scarce in the study area and which is not enough to rely on in agriculture but it is help for surface water irrigation.

   In the laboratory analysis, which took place in the laboratories of the Department of Soil and Water Resource- Faculty of Agriculture, University of Kufa, the following elements  were measured B, Cl, So4, Hco3, Co3, K, Ca, Mg, Na, SAR, TDS, PH, Ec , Hardness, Turbidity, Boron.

4.2.Results:

The results of chemical analysis, as contained in Tables 1, 2 and 3:

                                      Table (1)

      Results of eastern Euphrates water drainage analysis in July 2014

Locations

Ec ds/m

PH

TDS gm/l

Hardness

Turbidity

SAR

Lo. A

4.1

7.6

3.0

11.3

0.0

6.46

Lo. B

5.0

7.5

3.2

13.7

0.0

6.65

Lo. C

2.2

7.6

2.1

9.9

0.0

5.11

 

Lo.

Calcium

 

Mag

Potas.

Sod.

Chlori.

Sulfate

Carbo.

Bicar.

Boron

Lo.A

8.7

7.8

1.1

6.2

25.1

13.5

0.0

0.6

nil

Lo. B

11.2

8.5

1.4

7.1

31.4

14.7

0.1

1.2

nil

Lo. C

5.4

4.0

1.0

3.5

11.4

9.3

0.0

0.8

nil

 

                                                      Table   (2)

       Results of eastern Euphrates water drainage analysis in August 2014

Locations

Ec ds/m

PH

TDS gm/l

Hardness

Turbidity

SAR

Lo. A

3.5

7.6

2.8

7.5

0.0

4.79

Lo. B

4.3

7.6

2.6

9.8

0.0

5.22

Lo. C

2.1

7.7

2.1

7.0

0.0

4.07


Lo.

Calcium

Mag.

Potas.

Sod.

Chlori.

Sulfate

Carbo.

Bicar.

Boron

Lo. A

7.8

6.1

1.2

3.4

20.3

13.8

0.0

0.7

nil

Lo .B

9.1

8.3

1.3

5.8

26.5

15.6

0.1

0.8

nil

Lo. C

5.4

3.2

1.4

2.8

10.8

9.5

0.0

0.5

nil

                                         Table (3)

  Results of eastern Euphrates water drainage analysis in December 2014

Locations

Ec ds/m

PH

TDS gm/l

Hardness

Turbidity

SAR

Lo. A

2.7

7.8

1.3

4.8

0.0

1.29

Lo. B

3.2

7.8

1.3

5.3

0.0

1.41

Lo. C

2.0

7.9

0.9

4.0

0.0

1.18

 

Lo.

Calcium

Ma.

Potas

Sod.

Chlori

Sulfate

Carbo.

Bicar.

Boron

Lo. A

6.4

4.8

0.2

3.6

13.0

11.4

0.0

0.2

nil

Lo. B

7.7

6.0

0.2

3.2

16.8

13.5

0.0

0.2

nil

Lo. C

5.0

4.2

0.1

1.8

10.5

7.3

0.0

0.1

nil


4.3. Discussion:

    From tables above and field observation the following can be concluded:

1. The drainage water salinity increases from its beginning until km. 64th (2.7-4.1 ds/m), then gradually decreases to (2.0-2.2 ds/m),  because of the arrival of large amounts of drain water from rice farms in Kufa, which relatively low salinity, so improve salinity case in the drainage at edges of Babylon province .

2. The amounts of water arrived to increase until reaches more than 17 m3 / s, which is worthy amount to be used in agricultural projects .

3. The amount of water also increasing in  the drainage during winter months until some suffering appears where drainage discharged up to the maximum, which means a significant improvement in the quality of its water, and farmers often use it in the irrigation of their winter crops.

4. Salinity are declining as average from (3.7ds/m) in July to(3.3) in August, then (2.6) in September, which means a clear improvement in their proportions in winter months because of increasing the actual drainage discharge, then a better possibility to be used in irrigation at winter.

5. The salinity of drainage water according to the analysis indicated to be relatively high(2.0-2.2 ds/m), but it could be reduced with a regarded degree, by adding fresh water or magnetizing it or both methods together.

6.When treatment it as in above, there for it is possible to be successfully used in the

cultivation of crops moderate or low sensitivity to salinity in summer and much better in winter.

7. The stream is extend after km. 64 up to the km. 123 in Babylon province, and then in Qadesiyah province, and with aligned to the right side by Najaf province, in a semi-vacuum population area and agricultural and economic poverty in the three provinces :  Babylon, Najaf and Qadisiyah, because of the scarcity of irrigation water in winter, and the interruption in summer, in spite of the vast tracts abundance of fertile agricultural land, but it suffers neglect because it locates at the edge of these provinces, and lack in the infrastructure services such as paved roads, electricity, drinking water and education and health services, while Ibn-Rigab marsh has inundated vast tracts of them before drying ..

5. Proposals:

    The researchers propose erecting of establishment an agricultural development pivot rely on the principle of sustainability by getting benefit of the potential of local possibilities that are not invested, and described as semi-wasted such as  soil and drainage water, extends along the drainage flume, which is actually characterized by scatter settling and very limited economic activity. The usage of available resources efficiently and sophisticated scientific methods can be the nucleus of similar attempts in other places.

   They suggest the project (Fig. 2) including the following:

1. Establishment a station of withdrawal and pumping fresh water from the Euphrates river at alignment with Kifil flume near the km. 56th with capacity about 2m3 / s, where the adjoining flume with the river to be added to 3m3 / s after treatment, as in the following point to improve drainage water with expansion of Kifil flume starting from this site until km. 64.

2.Establishment of a treatment station for water drainage salt with magnetization manner to decrease the salinity at km. 64 with capacity about 3m3 / s, to irrigate more than 18 thousand acres in Imam Zaid area, and the drainage along.

3. Expansion of the current flume adding of fresh water (based now) near km. 119 doubling the discharge from 0.5 m3 / s to 3 m 3 / s, and then mixing it with about 12 m3 / s of water drainage (may be a another unit of the magnetization of salty water built at the site if needed), to irrigate more than 60 thousand acres in Babylon, Qadisiyah and Najaf provinces.

4. Establishment of two residential agricultural assemblages at locations above (km. 64 and 119) to assemble the scattered settlement and to facilitate the provision of services to the population.

5.Two compilation of milk stations to be catch with and two units to be manufactured, other units probably be added for manufacturing feed for animals, poultry and fish, to integrate sustainable development between agricultural and industrial process.

6.Adoption of the few sensitive to salinity crops, such as wheat, barley, peas ,alfalfa, culture and palm trees, animal husbandry, poultry, fish and bees.

7.The official authorities in the Ministry of Agriculture should put detailed studies regarding the opinion of the local population, and introducing for establishing necessary infrastructure projects.                                      

8.The actual implementation can be done by public, private or mixed investments, on the condition the local population should get an abundant share of benefits.

9.We recommend to assignment researcher to achievement  academic study of Master or PhD about the subject.

10. We also recommend of an administrative and scientific coordination between the three neighboring provinces and universities concerning this project, or federal agencies to take it upon themselves.

 

                                                            Fig. (2)

Sustainable Agricultural Development Pivots Proposed in Babylon  Province


6.Refernces:

Badr, Huda Hashim, Almorfomitri Analysis To Almorr Basin Valley and Evaluation        of Ongoing Water Quality In It, Damascus University Journal of Science and Engineering, Volume 28, First Issue ,2012.(in Arabic)

 Bakhli, Ahmed Baqer, The Effect of Magnetic Treatment of Water For Irrigation in Plant Growth And Yield Carrot Plant Master Thesis, Faculty of Agriculture - University of Kufa .2013.(A.)

 Dagestani, Sami and Others, A Preliminary Study on The Possibility of Drainage Water Use in Agriculture, Bulletin 19, the Foundation of Scientific Research, The Ministry of Higher Education and Scientific Research, Baghdad ,1977.(A.)

Al-Zubaidi, Ahmad Haidar, Qutaiba Mohammed Hassan, Washing Some Soils Effected By Salinity in Iraq Using Drainage Water, Journal of Agricultural Science, Part I and Part II, Volume 3.1978.(A.)

 Al-Hadithi, Essam Ahmed, Modeling of Salt Water Used in Irrigation, PhD Thesis, Irrigation and Drainage Engineering, Faculty of Engineering, Baghdad University, 1997.(A.)

Hammadi, Khalid Badr, Khalid Ibrahim, The Effect of Alternating or Continuous Irrigation By Saline Drainage Water in The Yield of Wheat and The Accumulation of Salts in The Soil, Iraqi Journal of Agricultural Science, Volume 32, Issue 3,2001.(A.)

 Al-Hamadani, Alaa Hussein, The Importance of The Pattern and The Amount of Washing Co-efficient in Salt Water Irrigation Management With saline Water And Its Impact on Soil Characteristics and Plant Yield, Master Thesis, Faculty of Agriculture, University of Baghdad ,2001.(A.)

 Hanna, Augustine, Sadiq al-Rawi, Wash Saline And Alkaline Soils With Drainage Water, Periodic Conference of The Arab Agricultural Engineers Union, Khartoum , 1970.(A.)

 Hassan, Qahtan Mohammed Saleh, Drainage Water Quality Evaluation At The North of Baghdad City, and Their Suitability For Irrigation Purposes, Research Accepted for Publication, Foundation of Technical Education, 2012.(A.)

 Carball Dr. Abdul Ellah Rezouki, Dr.Ali Al Moussawi, Dr.Abdul Hassan Madfoon, The Climate Characteristics of Babylon Province, Cultural Encyclopedia of Hilla, Babil Center for Studies of Cultural And Historical, Babylon University ,2012.(A.)

 Muhannad et al., Irrigation Maize Crop Management By Using The Manual Method And The Mixing of Fresh And Salt Water, Iraqi agriculture Magazine, Vol. 5, No. 5.2000.(A.)

 Al Moussawi, Adnan Chabar, The Effect of Irrigation Management By Using Salt Water in The soil Characters and Maize Yield, Master Thesis- Soil Science, Faculty of Agriculture, Baghdad University,2000.(A.)

Al Saadawi, Ibrahim Dahash, Mohamed Ibrahim Was Astonished, in Response to Different Types of Barley to Watering With Salt Water During The Different Stages of Growth, Iraqi Journal of Agriculture, Volume 2, A Special Issue ,2000.(A.)

Abdul-Kadhim, Safa Mahdi, The Study of Water Quality of The Main Drainage By Using Thermodynamic Terms and Technical of Remote Sensing, Master Thesis, Faculty of Agriculture, University of Babylon, 2012.(A.)

Al Aqidi, Dr.Waleed Khaled, Management of Soils and Land Use, Baghdad University, Dar al-Hikma for Printing and Publishing, Mosul University, 1990.(A.)

Omran, Essam Issa et al., Water Quality Evaluation of The Main Drainage and Its Suitability For Irrigation Purposes, Oorruk- Iraq Magazine, Volume 3 Issue 3, 2010.(A.)

 Al Qaisi, Shafiq Chulab, Mohammed Abood Al-Jumaili, Reduce The Impact of Salinity Irrigation Water BY using a Dual Irrigation System Proposal, The Iraqi Journal of Soil Science, Vol. 1, No. 1.2001(A.).

Taj al-Din, Munther Majid et al., Perform Maize When The Magnetization of Water With Sulfate And Potassium Chloride, The Iraqi Journal of Agricultural Science, Volume 40, Issue 5.2009.(A.)

 Reeve R.C., C.A. Bower, Use of High-Salt Water as Flocculent And Source of Divalent Cat Iron for Re Acclimating Sodic Soils, USA, 1960.

 Reeve R.C., E.J. Doering, The High-Salt Water Dilution Method for acclimating Sodic Soil, USA, 1966.

Kovda V., Irrigation Drainage and Salinity, An International Source Book, FAO., Pub., 1973.

El Gabaly, Re acclimation and Management of Salt Affected Soils, Irrigation and Drainage, FAO., 1971.




* تابع ما سيتم شرحه مفصلاً عن الموضوع في الفصول اللاحقة.

* تابع ما سيتم تفصيله عن مضمون كل منها لاحقاً.

* المستخدمة في عبوات مكافحة الحرائق والمبيدات الحشرية وتصفيف الشعر ومزيلات الروائح ومستحضرات التجميل, وفي الحاسبات والتلفزيون والثلاجات مثلاً.

* منشور في مجلة الدراسات البابلية , مركز الدراسات البابلية , جامعة بابل , بالعدد (        ) في تاريخ     \      \

  Imitational Journal of Research, Available at https//edupedia publications.org/ioumals,p-ISSN:2348-6848,e- ISSN: 2348-795X,Volume 03 Issue 13 , September 2016.   *




تحميل الكتاب


👇

👈                  mega.nz/file

👇



👇

👈       top4top.io/download

 
👇




قراءة وتحميل الكتاب

 

👇


👈    drive.google


👇

👈   drive.google



 تحميل الكتاب من قناة الكتاب


👇




👇



👇

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا