التسميات

آخر المواضيع

الأحد، 15 سبتمبر 2013

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الاول ....

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الاول

ليبيا اليوم - ليبيا 2025 رؤية استشرافية - 23/10/2008

 

اعداد مجلس التخطيط الوطني ومركز البحوث والاستشارات (جامعة قاريونس) :

توطئة :

يتأتى صنع ليبيا المستقبل عبر رؤية مؤسسة على إدراك واع للغايات المرجوة، والخبرات السابقة والتجارب الواعدة، والإمكانات القابلة لأن تتحقق، والعوائق التي قد تحول دون تحققها.

تنهض الرؤى على استقراء موضوعي للراهن عالميا ومحليا، وللقوى التي تحكم الظرف التاريخي، ولاستحقاقات المنافسة فيه. ففي غياب هذا الاستقراء، أو غياب الوعي بأهميته، قد يتم الخلاص إلى تصورات لا تقيم للواقع المعاش الاعتبار اللازم.

تأسيسا على ذلك، تعاقد مجلس التخطيط الوطني في مايو 2007 مع مركز البحوث والاستشارات بجامعة قاريونس، في مدينة بنغازي، على قيام المركز بإعداد "مشروع ليبيا 2025: رؤية اسشترافية"، وقد شكل المركز بمقتضى هذا التعاقد فريقا بحثيا مكونا من عدد من الخبراء في مجالات مختلفة. وبعد أن أعد الفريق تصورا للإطار العام للمشروع، تضمن منطلقات الرؤية ودواعيها وغاياتها، وحدد القطاعات الرئيسة التي يشملها المشروع، وهي الثقافة والعلوم، الاقتصاد، التنمية البشرية، الصحة والبيئة، والأمن الوطني، قام بعرضه في حلقات نقاش وعصف ذهني مع مجموعة من الخبراء والمهتمين بهذه القطاعات، كما قام بنقاشه مع قواعد مجلس التخطيط الوطني وروابط الخبراء. فضلا عن ذلك، أنشأ موقعا على شبكة المعلومات الدولية، عرض فيه ذلك التصور، كما تم الإعلان عنه في بعض وسائل الإعلام المحلية، وذلك بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المواطنين لإبداء رأيهم فيه. وبعد ذلك قام الفريق باستكتاب ما يقرب من ثمانين باحثا من مختلف أنحاء ليبيا ممن تميزوا في مجالاتهم، من داخل الحقل الأكاديمي وخارجه. وقد شكلت كل هذه اللقاءات والمشاركات أساسا وخلفية للتقارير القطاعية والتقرير النهائي، التي استندت أيضا على تقارير دولية ومحلية حديثة وأفادت من وثائق رؤى استشرافية لدول أخرى، فيما استغرق إنجاز هذا المشروع ثلاثة عشر شهرا.

ولأن ما يجعل الرؤية رؤية هو أنها تتقصى الواقع وتستشرف الآتي من منظور منتظم كلي النزعة، لم ترصد الأوضاع الراهنة واستشراف مستقبلها بشكل قطاعي، بل عبر مفاهيم ومنطلقات وتبصرات ينهض عليها منظور واضح ومحدد الملامح، يأخذ في حسبانه حقيقة أن مطاف إجراء تطويرات حاسمة في أي قطاع أن ينتهي بالتأثير في سائر القطاعات.

وفي الختام، لا يسعنا سوى أن نتقدم بالشكر والعرفان وأن نشيد بالجهود التي بذلها أشخاص وجهات في تنفيذ هذا المشروع التكاملي الذي أنجزته كفاءات ليبية. وبوجه خاص، فإن التقدير واجب لكل من: أعضاء مجلس التخطيط الوطني، المستكتبين والمشاركين في حلقات النقاش والعصف الذهني؛ والعاملين بمركز البحوث والاستشارات بجامعة قاريونس.

الفريق البحثي
مركز البحوث والاستشارات
جامعة  قاريونس
بنغازي في مايو 2008   


ملخص التقرير

نهج التناول

ظل التطلع إلى الامتياز عبر التاريخ غريزة بشرية من الطراز الأول. وعلى هذا النحو تعينت الغاية الكبرى التي ما فتئت الجماعات البشرية تسعى إلى تحقيقها منذ القدم في خلق مجتمع الفردوس الأرضي، مجتمع الرفاه والرخاء، مجتمع العدل والكفاية، مجتمع الأمن والاستقرار، مجتمع الحرية والسلام.
هناك عدة مداخل تشكل مسارات سردية رئيسة للرؤية: الأمن الإنساني مدخل، والثقافة مدخل، والعولمة مدخل، والأوضاع الراهنة مدخل. غير أن المستويات مختلفة؛ فالأمن الإنساني مدخل بوصفه غاية عامة، والثقافة مدخل بوصفها استحقاقا للتنمية المستدامة، والعولمة مدخل بوصفها معيارا تقدر وفقه الفجوة الفاصلة وتعاير على أساسه طبيعة الثقافة اللازمة والمجالات الأجدى للتنافسية، والأوضاع الراهنة مدخل بوصفها سبيلا لتحديد الإمكانات المتحققة والكامنة.
لم يعد الأمن يعني فحسب أمن الوطن الذي يرعى مصالحه ويعليها على كل ما عداها، ولا أمن النظام الحاكم الذي يدير شؤون الدولة، لكنه، قبل ذلك وبعده، الأمن الإنساني، أمن المواطن، ضامن مصالح الوطن وواهب الشرعية لنظام حكمه الديمقراطي: 
إنه أمن سياسي قائم على إطار مرجعي قانوني يحدد بنى واختصاصات السلطات العامة ويضمن استقلالية السلطة القضائية ويعزز استحقاقات المواطنة والمشاركة، ويصون كرامة المواطن ويحفظ حقوقه ويكفل سلامته من العنف والجور، ويمكن دولته من التكيف مع التحولات التي تطرأ على توازن القوى العالمي، ومن الاحتواء المبكر لأية تهديدات خارجية محتملة؛ 
وأمن اقتصادي يلبي للمواطن حاجاته الإنسانية، ولوطنه القدرة على استثمار أمثل لموارده وتوظيفها في تحسين ظروف العيش فيه، في ظل نظام اقتصادي عالمي جديد تتحكم فيه آليات السوق؛
وأمن صحي يضمن له حياة عفية، وأمن بيئي يحافظ على الموارد الطبيعية من الاستنزاف ويحميها من التفريط؛
وأمن اجتماعي يؤمن له تعليما يؤهله لتحقيق ذاته وتحقيق ما يكمن فيها من قدرات، وعملا يليق بما تأهل له، وعدالة في الفرص، وتقويما موضوعيا للأداء، كما يهيئ له مناخا ثقافيا منفتحا يمكنه من التعبير عن نفسه والاعتزاز بهويته والحفاظ على خصوصياته القيمية، ويعيد له الثقة في قدرته على الإسهام النوعي في الثقافة الإنسانية. 
ولأنه يتوجب أن يتنزل الأمن الإنساني، بهذا المعنى الشامل، منزلة خاصة بوصفه تجسيدا راهنا لغاية الرفاه وتحقيقا معاصرا لغريزة التطلع إلى الامتياز، يلزم أن يكون الإنسان قطب رحى هذه الرؤية، وأن يكون أمنه مركز عودها المستمر.
أما عن السبيل الذي تقترحه الرؤية لتحقيق الأمن الإنساني، فيتمثل في "التنمية"، المستدامة تحديدا. غير أن ثقافة النهوض تشكل الاستحقاق الرئيس لهذا المطلب، بل إن اختيار هذا النوع من التنمية مؤسس أصلا على اعتبارات ثقافية.
ولأننا نعيش في عالم لا بقاء فيه لمن ينعزل بنفسه، فإن العولمة، باستحقاقاتها التنافسية، تفرض مواصفات بعينها على كل من الثقافة والتنمية. بيان ذلك أننا لو كنا نعيش في عصر سيادة الدولة القطرية، لما كانت هناك حاجة إلى اعتبار مثل هذه الاستحقاقات.
يلزم أن تشمل الرؤية التي نستشرف بها المستقبل قراءة في البيئة العولمية تخلص إلى رصد استحقاقات البقاء على ركح مسرحها؛ وتقدّر تأسيسا على هذا الرصد حجم الفجوة التي تفصل المشهد الليبي عن المساهمة الفاعلة في المسرح العولمي. وعلى هذا النحو، تشكل كينونات المسرح العولمي وصيروراته الفاعلة أداة لموضعة الأداء المحلي ومقياسا لإمكاناته التنافسية، ومرجعية لتقويم التطور المنجز.

حيثيات التقرير

يستهل التقرير أجزاءه بقراءة للمسرح العالمي، يتناول مفهوم العولمة، ويحدد دينامياتها ومؤشراتها وتجلياتها، فضلا عن استحقاقات البقاء في بيئتها.
بعد ذلك يعرض التقرير قراءة للمشهد الليبي المحلي، ويرصد الاختلالات التي يعاني منها، والخبرات والخمائر التي يشتمل عليها. 
وبعد أن يقوّم التقرير الأوضاع المحلية الراهنة في ضوء البيئة المعولمة، بما يفضي إليه هذا التقويم من موضعة للمشهد الليبي وتقدير لحجم الفجوة التي تفصل الأوضاع الراهنة عن استحقاقات العولمة، واستعراض للإمكانات الكامنة التي يتعين تحقيقها، والتحديات المستقبلية التي يتوجب الاستجابة إليها، يعرض قراءة استشرافية لمستقبل ليبيا تحدد طبيعة مجتمع الأمن الإنساني الذي يتوجب أن نسعى إليها لتجسير هذه الفجوة. بعد ذلك يعرض التقرير خلاصة مركزة للرؤية، يفترض أن تترجم لاحقا إلى أهداف استراتيجية محددة. 
وفي آخر أجزاء هذا التقرير، نشير إلى ثلاثة مسارات ممكنة يعرض كل منها في شكل سيناريو لمستقبل ليبيا، واحد يرصد ديناميات وتداعيات محتملة لاستمرار الأوضاع الراهنة، وآخر يرصد ديناميات وتداعيات محتملة لتبني ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، وثالث يرصد ديناميات وتداعيات محتملة لتبنى سياسة ردود الأفعال.  

قراءة في المسرح العولمي

تبين من قراءة المسرح العولمي أن هناك مجموعة من المؤشرات التي يتعين أن تتم موضعة المشهد الليبي وفقها. تتحدد هذه المؤشرات في التالي: 
درجة عالية من التنافسية تفرض مقاييسها في الجودة والتميز، والتجديد المستمر في الأفكار، وسرعة الوصول إلى الأسواق العالمية؛
تعرض الدولة إلى عمليات تشكيل مستمرة تحدث تغييرات في وظائفها التقليدية، وتعزز دور القطاع الخاص؛
حصول مؤسسات المجتمع المدني على استقلاليتها واتساع مشاركتها المجتمعية والسياسية الفاعلة؛
توقف حصول النظام السياسي على شرعيته المحلية والدولية على منجزاته في التنمية المستدامة والإصلاح الديمقراطي، بما يشترطانه من سيادة للقانون ومشاركة اجتماعية وتعددية في السلطات والتنظيمات والأفكار ومنابر الرأي؛
قيام مجتمع معرفي تتاح فيه للجميع فرصة الحصول على المعلومات اللازمة لبناء القدرات وغدو تقنية المعلومات مصدر القوة الأساسي، اقتصاديا وأمنيا.

قراءة المشهد الليبي وموضعته في سياق المسرح العولمي

يفترض أن تنهض الرؤية التي تخوض في مستقبل أية جماعة بشرية على تقص موضوعي لراهنها المعاش. ذلك أنه من شأن هذا التقصي أن يكشف النقاب عن الديناميات التي تسير حراك الجماعة المعنية، وأن يميط اللثام عما يسود فيها من ظواهر اجتماعية ويغلب من أنماط سلوكية، بما يفضي إليه هذا الكشف من تقويم لهذه الظواهر والأنماط وفق منظور الثقافة البديلة التي تقترحها الرؤية.
تشمل قراءة المشهد الليبي رصدا للمفهوم الغالب للأمن، وآخر للثقافة السائدة في مجمل عمومها، وعرضا لطبيعة المجتمع المدني القائم، وآخر للأداء الاقتصادي العام، ورسما لملامح التنمية البشرية، والأدائين الصحي والبيئي؛ فيما تشمل موضعته تقديرا لحجم الفجوة التي تفصل الأوضاع الراهنة عن استحقاقات العولمة، واستعراضا للإمكانات الكامنة التي يتعين تحقيقها، والتحديات المستقبلية التي يتوجب الاستجابة إليها.

دور جديد للدولة

هناك أسئلة حاسمة يتعين أن تتخذ منها الرؤى الاستشرافية موقفا أيديولوجيا لا مجال لتبريره وفق أسس موضوعية صرفة. من بينها السؤال المتعلق بتحديد دور الدولة، في مقابل دور القطاع الخاص، الذي يثار في سياق ما يعرف بالحوكمة أو الحكم الرشيد.
دار عبر التاريخ جدل حول الأولوية التي يتعين أن تحظى بها كل من قيمتي العدالة والحرية. ولأنه يفترض أن القطاع العام آلية في كفل استحقاقات العدالة الاجتماعية، فيما يفترض أن القطاع الخاص آلية في كفل حرية أفراد المجتمع وضمان استقلاليتهم، تم اختزال السؤال القديم: "أيهما أهم، العدالة أو الحرية؟"، إلى السؤال الجديد: "أيهما أقدر على خلق المجتمع الذي نرجو، القطاع العام أو الخاص؟" 
لم تعد قوة الدولة ترتهن بقدرتها على فرض إرادة مؤسساتها على المجتمع بالقوة المادية، بل بقدرتها على تحديد الأولويات والتنسيق بين القوى الفاعلة في المجتمع طلبا لتحقيق هذه الأولويات. الدولة الأقل هيمنة هي الأقدر على تحقيق الأهداف المجتمعية بسبب قدرتها على التكيف والاستجابة لاستحقاقات العولمة، وإيجاد الوسائل الكفيلة لممارسة سلطانها عبر تنفيذ مشاريع تنموية حقيقية وتعزيز قدرات المجتمع المدني. 
هكذا طرأ تغير حاسم على مفهوم القوة، التي يركن إليها النظام السياسي في فرض سيطرته على مقاليد الحكم وإدارة شؤون المجتمع والتفاعل مع البيئة العولمية. لم تعد القوة بمعناها المادي الحكم الفيصل في ضمان هذه السيطرة، بل شرعت القدرة على مراكمة الثروة والقوة الرمزية أو اللينة، التي تتعين في المجتمع المعرفي والثقافة المنفتحة التي تؤكد المشترك الإنساني، والقيم السياسية التي لا تطبق معايير مزدوجة، والسياسات الخارجية المعترف بشرعيتها والناهضة على اعتبارات أخلاقية، تمارس دورها في تحديد طبيعة القوة الحقيقية والفاعلة على المستويين المحلي والعالمي.
كل هذه المفاهيم، دور الدولة ودور القطاع الخاص، المجتمع المدني، المجتمع المعرفي، والقوة اللينة، تسهم بدورها في تشكيل منظومة الحوكمة، ويبدو أن هذه المنظومة قد شرعت تدريجيا تفتئت على حق الأيديولوجيا في اتخاذ مواقف قيمية، وهي ممارسة تجلت تحديدا في مجموعة من المؤشرات التي وضعها البنك الدولي: درجة المشاركة والمساءلة، والاستقرار السياسي واستخدام العنف، فعالية مؤسسات الدولة وكفاءة الأجهزة الحكومية وجودة الخدمات العامة، سيادة القانون، والسيطرة على الفساد. وبطبيعة الحال، فإن مجرد التعامل مع القيم السياسية والاجتماعية في شكل مؤشرات إنما ينبئ بمحاولة تفريغها من شحنتها القيمية. 
في النهاية، لم يعد السؤال الأهم، أيهما أهم، العدالة أو الحرية، القطاع الخاص أو العام، بل أيهما أقدر على كفل البقاء في عالم تتدافع فيه شركات متعدية الجنسية وتصنع مقاديره مؤشرات تنافسية صرفة.
وفق هذا التأسيس التنظيري، تقترح الرؤية دورا للدولة وللقطاع الخاص ينوط بهما مهام من شأنها أن تعظم من قدرات المجتمع التنافسية، ولكن دون الجور على حقوق المواطنة أو التنصل من مسؤولية توفير السلع ذات الجدارة الاجتماعية.
هكذا يلزم رسم دور جديد للدولة ومؤسساتها، لا تهيمن فيه على النشاط الاقتصادي،  بل يقتصر دورها على وضع السياسات الكلية التي تؤدي إلى تحرير الاقتصاد، وتهيئ المناخ والبيئة القانونية والاقتصادية الملائمة للقطاع الخاص، وبما يمكن الأفراد من الإقبال بكل طمأنينة وثقة على خوض غمار الاستثمار والمشاركة في ظل وجود سياسة واضحة للائتمان، وتهيئة الظروف التي تمكن من وجود منافسة بين المؤسسات الاقتصادية المختلفة، ورقابة فعالة على أي احتكار، مع وجود سياسات واضحة لتشجيع الاستثمار المحلي والخارجي. 
تحديدا تتعين مهام الدولة في التالي:
التخطيط والمتابعة والأشراف والرقابة على كافة الخدمات الصحية والتعليمية واستحداث التشريعات القانونية الضامنة لجودة واعتماد الخدمات والمرافق الصحية والتعليمية. 
تعديل القوانين الاقتصادية القائمة، واستحداث قوانين جديدة بما يحقق قيام بنية قانونية ملائمة للنشاط الاقتصادي.
وضع سياسات اقتصادية، مالية ونقدية وتجارية، مرنة ومستقرة وواضحة المعالم والأهداف.
تفعيل وتطوير القوانين والتشريعات بما يضمن الانضباط والمحاسبة والشفافية والاستقرار المؤسسي.
دعم برامج البحث والتطوير والتحديث في المؤسسات الاقتصادية (الإنتاجية والخدمية) والإدارية لتواكب المستجدات في الأسواق العالمية.
ضمان وحماية حقوق الملكية الفردية حافزاً لمشاركة الأفراد في برامج التنمية.
وضع برامج وتبني أساليب للخصخصة تتناسب مع طبيعة المؤسسات الاقتصادية، ووضع الحلول والبرامج للمشاكل الناجمة عن عملية الخصخصة.
وضع برامج جادة للإصلاح الإداري، مع اعتبار معيار الكفاءة أساساً لتولي المهام الإدارية.
تحري الرشد في الإنفاق العام، بما يحقق الاستخدام الأفضل للموارد العامة.
حماية البيئة، بما يحقق تحسن واضح في نوعية الحياة لأفراد المجتمع.
الحد من الاحتكار والاتجاهات الاحتكارية، وتعزيز المنافسة، وتهيئة المناخ المناسب لإعمالها.
ضمان حسن استخدام الموارد الاقتصادية. 
ضمان العدالة وتقليل التفاوت في توزيع الدخل.
توفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ برامج التنمية المستدامة.
توفير السلع العامة ذات الجدارة الاجتماعية.
الحفاظ على أمن المجتمع واستقراره بما يتوافق مع متطلبات الأمن الإنساني.
تمويل المشاريع ذات الصبغة الاستراتيجية التي يعجز القطاع الخاص لأسباب فنية أو اقتصادية عن القيام بها. 

رؤية ليبيا 2025

انطلاقا من تقويم الأوضاع المحلية الراهنة في ضوء البيئة المعولمة، بما أفضي إليه هذا التقويم من موضعة للمشهد الليبي وتقدير لحجم الفجوة التي تفصل تلك الأوضاع عن استحقاقات التنافسية، ومن عرضنا لجملة الإمكانات الكامنة التي يتعين تحقيقها، والتحديات المستقبلية التي يتوجب الاستجابة إليها، والفرص السانحة التي ينبغي اغتنامها، وتأسيسا على ما عرض من استشراف لمستقبل ليبيا يحدد طبيعة مجتمع الأمن الإنساني الذي يتوجب أن نسعى إليه، والذي يستوفي استحقاقات ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، فإن المجتمع الذي نطمح إليه في آفاق 2025:
مجتمع مؤسس معرفيا، يعتز بهويته العربية والإسلامية، ويحقق فيه كل فرد نفسه، بينما يسهم في رفاهة الكل؛ مجتمع يفي استحقاقات البيئة العولمية ويشارك بدوره في الحضارة البشرية المعاصرة، ويعي أهدافه ويسعى إلى تحقيقها في ضوء استقراء موضوعي لإمكاناته وخياراته، ويدير مؤسساته بكفاءة وشفافية، ضمن إطار ديمقراطي، ويتمتع أبناؤه بحقوقهم ويتساوون فيه أمام القانون وينعمون بعيش يتناسب وموارد وطنهم وقدر مشاركتهم في الإنتاج. 
وتتعين ملامح هذا المجتمع في التالي:
خطاب ثقافي منفتح ومتنوع يرسخ قيم التسامح والاختلاف وحرية التعبير، ويعزز الهوية ويفيد من الخبرات الإنسانية؛ ويوطن العلم والتقانة، ويتوسل المنهج العلمي في معالجة مشاكل المجتمع.
اقتصاد منتج، ومتنوع مصادر الدخل، مبني على أسس معرفية تقنية، يقوم القطاع الخاص فيه  بالدور الريادي، وتضطلع الدولة بدورها في إدارة الاقتصاد على المستوى الكلي، بما يحقق الاستخدام الأمثل للموارد؛ اقتصاد يمتلك ميزة تنافسية فـي مجال الخدمات، خاصة في مجالات الاستثمار غير التقليدية، ويصل فيه النمو في الناتج المحلي الإجمالي غـير النفطي إلى معدلات مرتفعة، وتتميز معدلات الأداء فيه بالتوازن والاستقرار، ومعدلات التضخم والبطالة بالاعتدال؛ اقتصاد يضمن عدالة التوزيع وعدم التفاوت في الدخول ويرتقي مستوى معيشة أفراد المجتمع، ويسهم في منظومة الاقتصاد العالمي مع بقية الدول على أسس متكافئة.
مجتمع معرفي، تسود فيه حرية الرأي والتعبير والتنظيم، ويتم فيه تمكين المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، فيما يصل الفقر فيه إلى أدنى مستوياته، ويتم نشر التعليم وتطويره، والتحول نحو نمط إنتاج المعرفة.
نظام صحي متكامل واضح في سلسلته متميز في خدماته شامل لكل أفراد المجتمع معتمد على الوقاية قبل العلاج ومنفتح ومتكامل يستخدم التقنيات والأساليب الحديثة، ويسعى إلى تطوير الإدارة وكفاءة العاملين وأنظمة الجودة وآليات الإمداد الفاعلة، ويعتمد مؤشرات تحقيق الأهداف أداةً لتقويم مؤسساته، ويخلق آلية للتنافس في أداء الخدمة والعمل الجاد، ويحول دون إهدار الموارد المتاحة له.
بيئة نظيفة تضمن لأبناء هذا المجتمع وطنا خاليا من التلوث وحاضنا لاستحقاقات التنمية المستدامة، عبر أداء علمي مرتكز على التوعية بأهمية المكان وإدارة بيئية كفؤة، واستخدام طاقات بديلة نظيفة ومتجددة، والتخطيط لمستقبل خضري ومائي متجدد ومستديم.
مجتمع يسوده مفهوم للأمن الوطني يضمن حقوق المواطن وأمنه وصون كرامته، ويحكمه دستور يحدد اختصاصات مؤسسات الدولة ويكفل التوازن بين حقوق الإنسان وحرياته وتحقيق الأمن و السلامة والاستقرار الوطني والمجتمعي، وخطاب سياسي وأمني منفتح قادر على التعامل مع مختلف الفضاءات السياسية ويرتكز على ثوابت الهوية والكيان والمصالح الوطنية، ويعزز دور ليبيا بوصفها حلقة وصل في محيطها الإقليمي والعالمي، وقوة فاعلة في حوار الحضارات، ونموذجاً لتعايش الفضاءات السياسية والاقتصادية، ويضمن الحفاظ على استقلالية القضاء ونزاهته، والمساواة أمام القانون وعدالة الإجراءات.

سيناريوهات

سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة

يفترض هذا السيناريو تضافر مجموعة من الديناميات تعمل على استمرار الأوضاع الراهنة، مع إدخال بعض التعديلات غير الجوهرية على النظام الاقتصادي تحديدا. وتشمل ديناميات هذا السيناريو التالي:
هيمنة الأيديولوجيا وعدم وضوح إرادة التغيير.
سيطرة الدولة على مؤسسات المجتمع المدني.
هيمنة القطاع النفطي.
الوفرة المالية.
سطوة مفهوم ضيق للأمن.
تدني المعدلات الكيفية في التنمية البشرية.
تذبذب الرؤى إزاء دور الدولة والقطاع الخاص.
العلاقة المحدودة مع التقنية.
سوء تقدير الأوزان النسبية للتوجهات الخارجية.
التوجس من الاندماج في البيئة المعولمة.

أما تداعياته فتشمل:
استمرار ثقافة الاستهلاك والتلقي، وغياب المشاركة المجتمعية الفاعلة.
احتقان داخلي بسبب سوء الأحوال المعيشية، قد يؤدي إلى اضطراب أمن المجتمع، واعتماد الأسلوب الأمني بمفهومه التقليدي في التعامل مع هذا الاحتقان.
تفشي الظواهر الهروبية، المتجلية في التطرف الديني والسياسي، وانتشار المخدرات، والنزوح إلى الخارج. 
انسحاب الشرائح ذات التوجهات الإصلاحية التي بدأت تتشكل في العقد الأخير، وشعورها بالإحباط بسبب اكتشافها أن إرادة التغيير تواجه صعوبات تحول دون تحقيقها.
غياب الدستور وضعف سيادة القانون وعدم الالتزام بالضوابط التشريعية وهشاشة المؤسسات واستمرار الفساد المالي والإداري وعدم الاستقرار الهيكلي والوظيفي.
استمرار الاقتصاد الريعي والتشريعات المتعارضة التي تؤثر بشكل مباشر في فعالية القطاع الخاص، وفقدان الثقة في إمكانية استثمار العنصر البشري وطاقاته الخلاقة.
عدم استثمار الموارد النفطية في تنفيذ برامج ومشاريع التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل.
غياب الشفافية والمحاسبية وتفاقم اهتراء البنية التحتية وتدني مستويات الصحة والتعليم وارتفاع معدلات الجريمة.
عدم فعالية المؤسسات السياسية القائمة، بسبب عدم استقرارها، وعدم وضوح اختصاصاتها والعلاقات بينها.
الزيادة في معدلات البطالة بحيث تصل إلى مستويات قياسية.
انخفاض مستويات الإنتاجية في معظم المؤسسات الاقتصادية وتدني مستويات الكفاءة لمعظم عناصر الإنتاج وخاصة العنصر البشري.
عدم توفر المناخ المواتي لجذب الاستثمارات الأجنبية.
قد يسهم ارتفاع أسعار النفط والطلب المتزايد على الطاقة والاستثمار في طرح نوع من المعالجات الآنية، أو التحمس إلى مشاريع كبرى غير مجدية. غير أن من شأن هذا أن يخلق شرائح جديدة مستفيدة تعيد إنتاج الفساد، ويسهم في تأجيل تلك التداعيات، لكنه لا يتعامل مع أسبابها الحقيقية.
ولأن النظام الاقتصادي العالمي الجديد يحتاج إلى المزيد من الأسواق، ولأن لهذا النظام استحقاقاته الاقتصادية والسياسية، قد يقوم بالضغط لإدخال إصلاحات اقتصادية (نفطية تحديدا) تخدم مصالحه، وقد تتولى ليبيا مركزاً قيادياً للتأثير في القارة الإفريقية وتقوم بدور أكثر فعالية بتقدير من قوى عولمية. 
وسوف يؤدي هذا إلى: استقرار نسبى للأوضاع الداخلية بسبب الوفرة المالية والرضا الخارجي؛ تحديث اقتصادي نسبى في بعض المجالات، لاسيما النفط؛ القيام بدور إقليمي تحدده مصالح أجنبية؛ استثمار المساهمة في الحد من الإرهاب في تجنب التدخلات الأجنبية السافرة؛ تواصل وجود خطر الانفجار الاجتماعي؛ استمرار العزوف عن المشاركة السياسية؛ واستمرار الاتهامات حول انتهاك حقوق الإنسان.
وفق هذا قد يتم استغلال أزمات الوضع الراهن في جعل الأجندة الليبية جزءا من سيناريوهات تفرضها قوى خارجية وتحقيق مصالح الخارج على حساب احتياجات الداخل.
وفي النهاية، فإن المجتمع الذي تحركه هذه الديناميات، بما تقضي إليه من تداعيات، مجتمع محبط، يائس، مفكك، مغترب، مضطرب، تحكمه دولة ضعيفة، تابعة، ومخترقة، ومهددة.

سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة

ينهض هذا السيناريو على افتراض مجموعة من الديناميات الإيجابية التي تسهم في تحقيق مجتمع الأمن الإنساني الذي نطمح إليه. وتشمل ديناميات هذا السيناريو التالي:
إرادة سياسية داعمة للتغيير.
تبني مفهوم الأمن الإنساني بمعناه الشامل.
مجتمع مدني مستقل ومتنوع.
مأسسة العمليات الديمقراطية.
توظيف الموارد النفطية في تنويع مصادر الدخل والتنمية المستدامة.
تذبذب أسعار النفط.
دور جديد للدولة، وقطاع خاص حيوي وفاعل.
تيسر الوصول إلى التقنية.
التقدير الموضوعي للأوزان النسبية للتوجهات الخارجية.
التفاعل الإيجابي مع البيئة المعولمة.

أما تداعياته فتشمل:
صدور دستور يحدد اختصاصات مؤسسات الدولة بما يحقق مصلحة الوطن ويكفل التوازن بين حقوق المواطن وحرياته وتحقيق الأمن والسلامة والاستقرار الوطني والمجتمعي.
وجود قضاء مستقل ونزيه.
تنامي مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في الحياة السياسية والاجتماعية.
حقوق ملكية مؤمنة دستوريا.
سيادة القانون، واعتبار الكفاءة معيارا للأداء.
ليبيا دولة فاعلة في محيطها الإقليمي والعالمي.
تشكل خطاب سياسي وثقافي منفتح.
اتساع مساحة التعبير وحرية الصحافة والشفافية والمحاسبة.
مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي قادر على جذب الليبيين المقيمين في الخارج.
اقتصاد معرفي تنافسي تتنوع فيه مصادر الدخل والطاقة ويقوم فيه القطاع الخاص بدور أساسي ويضمن عدالة التوزيع ويرتقي بمستوى معيشة أفراد المجتمع وتتدنى فيه معدلات البطالة ومستويات الفقر. 
بيئة اقتصادية وسياسية وتشريعية جاذبة للاستثمار الخارجي.
تنامي دور المشروعات الصغرى والمتوسطة في الاقتصاد الوطني.
ظهور قطاعات اقتصادية قابلة للتطوير ذات ميزة تنافسية محلية ودولية.
خروج الدولة من دائرة توفير السلع والخدمات إلى إدارة الاقتصاد على المستوى الكلي وتوفير الخدمات ذات الجدارة الاجتماعية.
بنية تحتية متكاملة في مجالات النقل والمواصلات والاتصالات.
مجتمع مستقر ومتماسك وآمن تتاح لأفراده فرص متكافئة في التعلم والعمل والاستثمار.
شراكة مجتمعية تحافظ على البيئة واستدامتها وتضمن حقوق الأجيال القادمة في ثروات المجتمع. 
سياسة بيئية تركز على الاستثمار في الطاقات المتجددة النظيفة.
ارتفاع مؤشرات التنمية البشرية الفعلية كما ونوعا.
ارتفاع معدلات الأداء في المؤسسات التعليمية وتوافق مخرجاتها مع متطلبات بيئة سوق العمل التنافسية.
نظام تعليمي ينمي القدرة على الإبداع والتأمل والتفكير الناقد ويعزز الحوار والانفتاح واحترام الآخر.
توطين العلم والتقانة وتضييق الفجوة الرقمية والمعرفية.
تشكل مناخ ثقافي منفتح يرسخ قيم التسامح والاختلاف وحرية التعبير وقنوات تمكن من تحقيق هذه القيم (صحافة حرة، منابر سياسية، إلخ).
أبحاث تركز على مشاكل محلية مثل التصحر، وتطوير طاقات بديلة، وتحلية مياه البحر.
كل ذلك سوف يسهم في خلق مجتمع قوي، ومنتج، وعادل، متسامح وآمن، تحكمه دولة مستقلة حرة، ذات سيادة تحظى باحترام المجتمع الدولي. إن أهم استحقاقات هذا الوضع هي الوعي بالأبعاد المشتركة بين الثقافة والتنمية والأمن وإحداث الموازنة اللازمة بينها.

سيناريو الاحتواء

وبحسبان أن احتمال حدوث سيناريو الأوضاع الراهنة وسيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة ضئيل، فالأول يسرف في التشاؤم، والثاني يمعن في التفاؤل، نعرض مسارا يتنزل منزلة وسطا بينهما، ولعله الأكثر أرجحية. فضلا عن ذلك، هناك بعض الاعتبارات الموضوعية التي تشكك في استمرارية الأوضاع الراهنة، تتمثل تحديدا في إرهاصات التغيير، وأخرى قد تسهم في الحول دون حدوث سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، أهمها وجود مراكز قوى ومصالح يتهددها هذا السيناريو. وتشمل ديناميات هذا السيناريو التالي:
ارتهان السياسات والأفعال بالضغوطات الداخلية والخارجية.
التركيز على إجراء إصلاحات اقتصادية أكثر من التركيز على إجراء إصلاحات سياسية.
استمرار هيمنة قطاع النفط.
زيادة حجم الاستثمار الأجنبي.
بروز الطابع البراجماتي في التعامل مع القضايا الأيديولوجية.
قدر أكبر من الاندماج في البيئة المعولمة.
انفتاح تقني نسبي مع التركيز على وسائل الاتصال.
تقدير أكثر موضوعية للأوزان النسبية للتوجهات الخارجية.
زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

أما تداعياته فتشمل:
استيعاب مؤقت للاحتقان الداخلي وحفاظ جزئي على الشرائح الداعمة للتغيير.
إحداث تغييرات أكثر جذرية في قطاعات دون غيرها. 
إعادة إنتاج الفساد وظهور شرائح جديدة من المتنفذين وأصحاب المصالح.
استمرار الخلاف حول توجهات الدولة ودورها.
ازدهار اقتصاد الظل والسوق الموازية.
تزايد الضغوطات العولمية على النظام السياسي.
تحسن طفيف في مستويات المعيشة.
تزايد معدلات التضخم.
التلكؤ في إصدار الدستور وفي القيام بإصلاحات مؤسسية.
استمرار ثقافة الاستهلاك.
ازدهار نسبي في المشاريع السياحية ورواج المنتجات الثقافية الاستهلاكية.
تزايد المطالب بالمشاركة السياسية.
ارتفاع مستويات الصحة والتعليم.
عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وتفاقم معدلات البطالة.
قد تثير هذه التداعيات أزمات مجتمعية واقتصادية وسياسية، يستجاب لها على المدى الطويل بخلق مجتمع مدني أكثر فاعلية، وزيادة المشاركة السياسية، واقتصاد أكثر تنوعا، وقانون أكثر سيادة، لكنها قد تؤدي أيضا إلى إرباكات مجتمعية لا يمكن التحكم فيها، وإلى حدوث التفكك الاجتماعي وعجز الدولة عن الاستمرار في عملية استيعاب الاحتقان الاجتماعي.
يمكن عرض طيف من السيناريوهات التي لا تختلف عن سيناريو الاحتواء إلا في تفاصيل تأخذه شطر سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة أو شطر سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، وإن ظلت النتائج والتداعيات متقاربة. مثال ذلك أن الدولة قد تقوم بإعادة هيكلة مؤسساتها، وعوضا عن زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان، قد تشرع في توزيع الثروة على المواطنين. غير أنه لا يتوقع وفق هذا السيناريو أن تتم إعادة الهيكلة في سياق تخطيطي شامل، أو تأسيسا على رؤية استشرافية، بل إنه لا يتوقع الركون إلى تصور عام متسق ومتفق عليه لدور الدولة ودور القطاع الخاص، ولا أن تكون هناك تشريعات ضامنة يتم الاحتكام إليها في تحديد هذا الدور.
خلاصة القول إن هذا السيناريو سوف يفضي في النهاية إما إلى تداعيات استمرار الأوضاع الراهنة، بكل مخاطرها، أو إلى تفعيل جزئي لديناميات سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة بعد إهدار المزيد من الوقت والطاقات. وهذان خياران يحيل كل منهما بطريقته إلى الخيار الثالث الذي تقترحه الرؤية، سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة. 
أكثر من ذلك، فإن سيناريو الاحتواء، شأنه في هذا شأن سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة، يتناقض أساسا مع مفهوم الثورة المتجددة، فالثورة لا تستسلم لاختلالات الراهن، وهي فعل وليست رد فعل، ومفهومها وإن تضمن استعدادا مستمرا للاستجابة لما يطرأ من تغيرات فإنه لا يرتهن بها، كونه يتبنى سياسة إحداث تغيرات جذرية حاسمة وشاملة، تتطلع إلى تحقيق قيم العدل والحرية والرفاه، عوضا عن ردود الأفعال التي يعول عليها سيناريو الاحتواء. لكن هذا يعني أن طبيعة الثورات المتجددة تفرض عليها الانحياز لسيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة.
وفي النهاية، يتعين أن نأخذ في الاعتبار المتغيرات التي قد تطرأ على الساحتين المحلية والدولية والتي قد تؤثر في ديناميات وتداعيات سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، وأن نكون على استعداد للتكيف معها والاستجابة لها. الركائز التي تنهض عليها الرؤية سوف تسهم في ضمان عدم الارتهان بالطوارئ. غير أن اعتبار تلك المتغيرات يضفي على الرؤية طابعها الظني وينأى بها عن القطع والجزم، قدر ما يدفع عنها تهم الإسراف في التفاؤل والامتثال لتوجهات طوباوية النزعة. ليس هناك ضمان لأن نحقق المجتمع الذي نصبو إليه، لأنه قد تكون هناك أسباب نجهل في الوقت الراهن هويتها تتضافر في الحول دون إيفاء استحقاقات هذا المجتمع. ثم أن كل وضع اجتماعي يخلق مشاكله التي قد يصعب التكهن بطبيعتها. على ذلك، يبدو أن حظوظ سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة أوفر من حظوظ سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة وسيناريو الاحتواء في تحقيق مجتمع الأمن الإنساني الذي تطمح إليه هذه الرؤية.
ومهما يكن من أمر تلك المشاكل، يظل الأفق مفتوحا، والإمكانات متاحة، والرغبة حقيقية، والاستعداد وافر، والأحلام 
ممكنة. فهل ثمة ما تبقى سوى الإرادة؟.

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الاول ....

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الثاني ...

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الثالث ...

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الرابع ...

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الخامس ...

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء السادس ...

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء السابع ...

ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة (مسودة التقرير النهائي): الجزء الثامن والأخير ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا